الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) هي مستقبل بيع المقتنيات الثمينة والنادرة؟/ علي وديع حسن
عبر السنوات الماضية بدأ مفهوم الرموز غير القابلة للاستبدال بالظهور والتداول في الأوساط التقنية وبالأخص المتعلقة بتقنية بلوك تشين. حيث تعتمد هذه التقنية على استغلال البلوك تشين بطريقة مختلفة عن المعتاد بحيث يمكن تأكيد ملكية محتوىً ما. وفي العام الماضي بالأخص باتت هذه الرموز محل تركيز كبير للكثيرين بعدما حطمت الأرقام القياسية بمبيعاتها. حيث بيعت العديد من هذه الرموز بآلاف وعشرات آلاف الدولارات. وبالنسبة لتلك الأغلى فقد وصلت الأسعار للملايين أحياناً.
لكن وحتى الآن كانت الرموز المباعة محتوً رقمياً حصراً فحسب. حيث كان أحد آخر الحالات الشهيرة هو بيع الكود المصدري لأول متصفح ويب في التاريخ من قبل “أبو الإنترنت” تيم بيرنرز لي. كما بيعت الصورة الشهيرة باسم Nyan Cat مقابل حوالي 600 ألف دولار أمريكي. وبيع رسم فني إلكتروني من الفنان Mike ‘Beeple’ Winkelmann مقابل 69 مليون دولار في المزاد في العام الماضي كذلك.
بالنظر إلى الأخبار وحتى المحاولات الاحتيالية المتعلقة بالرموز غير القابلة للاستبدال فهي تبدو كأمر دون فائدة للبعض. حيث أنها أشبه بأوراق اللعب المرغوبة بشدة والتي لا تمتلك أي أصل لقيمتها سوى اتفاق قلة من الأشخاص على قيمة ما لها. لكن ماذا لو كان هناك استخدامات أكبر وأهم للرموز غير القابلة للاستبدال؟
العقود الذكية (Smart Contracts)
لعل العقود الذكية هي الطريقة الأكثر إثارة لاستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال بشكل واقعي ومفيد حقاً للحياة اليومية. حيث من الممكن لشبكة بلوك تشين أن تلعب دور سجل للاتفاقات والتعاقدات بين مختلف الأطراف بشكل عالي الفعالية. وبالنتيجة يمكن استخدام التقنية لتوثيق الاتفاقيات والعقود وعمليات البيع والشراء والآجار وسواها.
المميز في العقود الذكية هو أنها توفر طريقة موثوقة وسريعة وعالية الفعالية للتعاقدات بين الأشخاص. وهنا لا يمكن التهرب من العقد أو التشكيك بمصداقية الاتفاق كونه مسجل بشكل لا يزور وقابل للتتبع في أي وقت. ومع أن هذه العقود لا تزال محدودة الاستخدام اليوم، فهي تمتلك الكثير من المجال المفتوح أمامها لإظهار فوائدها وبالأخص عبر شبكة إيثيريوم الشهيرة مثلاً.
تحتاج العقود الذكية لأن يكون تنفيذها قابلاً للتفعيل بشكل رقمي. لذا فهي لا تمتد إلى العالم الواقعي بشكل كبير وتحتاج إلى تضمين متقدم للاستفادة منها. لكن فكرة استخدام البلوك تشين كطريقة تتبع للتعاملات من الممكن أن توسع إلى أكبر مما هو متاح في هذه العقود دون شك.
استخدام الرموز غير القابلة للاستبدال كوسيلة لتأكيد الملكية ومحاربة التزوير
براءة اختراع CryptoKicks الخاصة بشركة Nike.
قبل مدة من الزمن قامت شركة Nike الشهيرة للملابس الرياضية بتسجيل براءة اختراع لتقنية جديدة أسمتها CryptoKicks. والفكرة منها هي بيع الأحذية الرياضية النادرة وذات الإصدارات المحدودة للغاية بشكل قابل للتأكيد دائماً. حيث يحصل المشتري على الحذاء نفسه وعلى رمز غير قابل للاستبدال يؤكد ملكيته لهذا الحذاء بالتحديد. ومع كون هذه الأحذية تحظى باهتمام هواة الجمع فهي متداولة بين المهتمين وتباع طوال الوقت. لذا وكتأكيد لكون الحذاء المباع أصلياً وليس مجرد نسخة مقلدة، يصبح من المكن إرفاق الرمز مع الحذاء عند بيعه.
لا شك بأن ما قدمته Nike ثوري دون شك، ويبدو مثيراً للغاية من حيث تطبيقه في المجال الذي وصفته الشركة. لكن ماذا لو وسعنا الأمر بشكل أكبر حتى: يمكن أن يستفيد أي منتج قابل لإعادة البيع وهناك احتمال لتزويره من تقنية مشابهة. حيث يمكن للرموز غير القابلة للاستبدال أن تؤكد أصالة الهواتف الذكية أو المجوهرات أو اللوحات الفنية أو سواها من المقتنيات.
حتى الآن لا يزال التعامل مع المقتنيات الفيزيائية والرموز غير القابلة للاستبدال معزولاً إلى حد بعيد. لكن من الممكن في الواقع ربط الأمرين معاً لتحقيق فائدة هائلة للجميع. ومع أن الأمر ربما يبدأ من الجماعات المهتمة بجمع المنتجات، فهو لا يتوقف هناك ويمتلك العديد من التطبيقات الأكبر من حيث الإمكانية.
بالإضافة لمنع التزوير من الممكن منع السرقات وتسهيل عمليات التسجيل
ما هو أول أمر تحتاجه لتتمكن من بيع سيارة مثلاً؟ الجواب المعتاد هو صك الملكية والوثائق التي تؤكد أنك مالك السيارة أو يحق لك بيعها. وسبب الأمر هو أن السيارات سلعة مقيدة إلى حد بعيد وفي معظم الأماكن لا يمكن بيعها بشكل مباشر وسهل. بل هناك عملية تسجيل ونقل ملكية لمنع الاحتيال وتقليل الاستفادة من السيارات المسروقة مثلاً.
كون السيارات سلعة مقيدة يخفض من أرباح السارقين ويقلل من الحافز لسرقتها. لكن ماذا عن الحلي والهواتف الذكية والمقتنيات النادرة وكل شيء آخر؟
هناك اليوم محاولات لتنظيم بيع الحلي عبر “شهادات ملكية” تمنحها سلاسل متاجر المجوهرات الكبرى مثلاً. لكن لا يمكن للشخص العادي التأكد من مصداقية هذه الشهادات، وحتى الخبراء يمكن أن ينخدعوا بها. لكن تختلف الأمور لو أننا نستخدم الرموز غير القابلة للاستبدال كوسيلة لتتبع هذه الأمور.
بدلاً من الحاجة لإيجاد دوائر وسجلات حكومية والكثير من البيروقراطية لتسيير عمليات البيع والحد من فوائد السرقة، تنجز الرموز غير القابلة للاستبدال كل ذلك وبطريقة أفضل حتى. وعلى عكس الطريقة الحكومية يمكن أن يكون الأمر طوعياً بشكل كامل ومع الوقت يصبح من المتعارف عليه أن المنتجات تأتي مع رموزها الرقمية، وأي منتج يأتي دون رمز هو منتج مسروق أو أن هناك خطأً ما قد حدث.
ربما يحتاج ما ذكرناه هنا إلى وقت طويل من حيث التطبيق والتحول إلى واقع قابل للاستخدام. لكن وفي حال السير نحوه حقاً فمن الممكن للرموز غير القابلة للاستبدال أن تشكل كامل مستقبلنا دون شك.