محور “العتمة”/ مروان قبلان
شاع في السنوات الأخيرة استخدام مصطلحات متنوعة لوصف تمدّد نفوذ إيران، أو، إن شئت، صعودها، في المنطقة، بحسب الموقف منها. حلفاء إيران، مثلاً، استخدموا وصف “محور المقاومة” أو “محور الممانعة”، أما المتوجّسون من سياساتها فقد استخدموا تسمية “قوس النفوذ الإيراني” أو “الهلال الشيعي”، وهي العبارة المنسوبة الى ملك الأردن، عبد الله الثاني. لكنّ هذه التسميات، وإن اختلفت، فإنّها تشير جميعاً إلى تحالف تجمع بين أعضائه (إيران والعراق وسورية ولبنان، وانضم إليها اليمن أخيراً) رؤى ومصالح مشتركة واسعة. مع ذلك، ظلّ ممكناً تمييز فروق مهمة بين أعضاء هذا النادي، كالفروق الأيديولوجية، مثلاً، بين النظام السوري وبقية الأعضاء، إذ يحكم رجال دين أو أحزاب دينية، وفروق اقتصادية كالتي تميز لبنان، بنظامه الاقتصادي الأكثر انفتاحاً، عن الباقين .. إلخ.
في الفترة الأخيرة، أخذت مساحة المشتركات تتسع بين أعضاء “نادي المقاومة”، بما يشير إلى أنّ مصيره ومستقبله باتا مترابطين أكثر من أي وقت مضى. وكان لافتاً، مثلاً، في الشهور الأخيرة، مقدار الفشل والفوضى وسوء الإدارة التي تعمّ أرجاء النادي، وبرزت خصوصاً في غياب الخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء وخبز ومحروقات، ففي إيران خرج آلاف من سكان الأحواز احتجاجاً على عدم توفر المياه، وفي سورية يعاني الناس من عدم توفر الخبز، إلى جانب أمور كثيرة أخرى طبعاً، وفي لبنان غدا مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود جزءاً من حياة الناس اليومية. لكنّ القاسم المشترك الأعظم في الفشل بين دول محور المقاومة يتمثل في غياب الكهرباء، إذ سيطرت العتمة على عواصم المحور خلال الأسبوع الماضي بالتزامن مع موجة الحرّ التي ضربت المنطقة، حتى إنّ صور الأقمار الصناعية ميّزت ليلاً بقعة مظلمة كبيرة تمتد من بحر قزوين إلى البحر المتوسط.
الفشل الذي تعيشه بلدان محور المقاومة صار سمته الأكثر بروزاً في العامين الأخيرين، وبات يدفع جزءاً معتبراً من سكانها إلى هجرها أو التفكير في هجرها، وتركها لنخب الفساد والاستبداد التي تحكمها، ففي إيران التي تملك ثاني احتياط للغاز ورابع احتياط للنفط في العالم، يعيش، بحسب رئيس غرفة تجارة طهران، 30 % من السكان، البالغ عددهم 83 مليون نسمة، تحت خط الفقر، ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 50 % خلال أقل من عام إذا استمرّت السياسات المتبعة حالياً. أما أرقام البطالة فتصل، بحسب مركز أبحاث البرلمان الإيراني، إلى 24 %، يشكّل خريجو الجامعات 40 % منهم. مع ذلك، لا يفتّ غياب الماء والكهرباء وأرقام الفقر والبطالة من عزيمة النظام الإيراني على الاستمرار في تخصيص ملايين الدولارات لحشد المليشيات الطائفية العابرة للحدود وتسليحها، في إطار مشروع هدم الدولة الوطنية والتأسيس “لمقاومة أممية”. أما في العراق، الذي انضم في فترة متأخرة نسبياً إلى “محور المقاومة” بعد الغزو الأميركي عام 2003، فيمكن الحديث عن مؤشرات عدة للفشل الحكومي وسوء الإدارة وغياب الدولة، أبرزها على الإطلاق حجم الفساد الذي تبدو أرقامه، بحسب منظمات دولية، أقرب إلى حكايا ألف ليلة وليلة. وبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، وصل حجم الفساد والهدر خلال الـ 18 عاماً التي حكمت فيها الأحزاب التي كانت تشكو من فساد النظام السابق واستبداده إلى حوالي 640 مليار دولار في بلد يعيش أكثر من ثلاثة ملايين من سكانه مهجّرين في خيام. أما سورية، العضو الأقدم في محور المقاومة، فيصعب توصيف مستوى الفشل الذي بلغته، إذ يكفي أن نعرف أنّ نصف سكانها لاجئون أو نازحون، و90% من الباقين يجدون صعوبةً في تأمين قوت يومهم، دع جانباً توفر بقية الخدمات، وافتقاد الأمن وانتشار المخدّرات والوجود الأجنبي. لبنان، الذي كان يوماً درّة الشرق، قبل أن يصبح مقاوماً في عهد ميشال عون وحليفه حزب الله، بات مهدّداً بانهيار كامل.
بناء على ما سبق، إذا أراد المرء أن يعطي توصيفاً متفقاً عليه وخالياً من أيّ مضامين سياسية للمحور الذي تقوده إيران، فالأرجح أنّه لن يجد أفضل من “محور العتمة” إلى أن ينجح أعضاؤه في إنارة بلدانهم، ليس بالكهرباء فقط، بل بالحرية والعدالة والتنمية أيضاً.
كاتب وباحث سوري
العربي الجديد