مقالات عن قسد
———————
اصطفاف “قسد” إلى جانب “العمال الكردستاني” يهدد الحوار الكردي/ أمين العاصي
فتحت تصريحات لقيادي في “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، أكد فيها اصطفاف هذه القوات مع حزب العمال الكردستاني في أي اقتتال بين الأخير وإقليم كردستان العراق، الباب مجدداً أمام أسئلة عدة متعلقة بأهداف “قسد” ومصير الحوار الكردي-الكردي المتوقف حالياً بسبب تباينات وخلافات بين أطرافه، على رأسها مسألة الارتباط بحزب العمال. وقال محمود برخدان، القيادي في “قسد”، التي يهيمن عليها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، في تصريحات له الإثنين الماضي: “إذا ما جرى أي اقتتال بين قوات البشمركة وحزب العمال الكردستاني داخل إقليم كردستان العراق، لن نقف مكتوفي الأيدي، وسنقف إلى جانب العمال الكردستاني”.
ويشوب توتر يصل إلى درجة العداء العلاقة بين قيادة إقليم كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل على الحدود المشتركة بين العراق وتركيا وإيران معقلاً أساسياً له. وقتل أخيراً عدد من عناصر البشمركة في شمال العراق، في كمين نصبه مسلحو حزب العمال.
واستدعت تصريحات برخدان على الفور بياناً من قبل “المجلس الوطني الكردي” في سورية، والمدعوم سياسياً من كردستان العراق، استنكر فيه “هذه التصريحات المسيئة والتي تزيد التوتر والقلق لدى أبناء شعبنا، وتستهدف خصوصيته في سورية وقضيته القومية”.
من جانبه، قال القيادي في “المجلس الوطني الكردي”، شلال كدو، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “تصريحات قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي في الآونة الأخيرة مقلقة للرأي العام في سورية، كونها لا تخدم السلم الأهلي والحالة السورية بشكل عام”. وأشار إلى أنّ تصريح برخدان “يتعارض مع أسس الحوار الكردي-الكردي في سورية الذي وضعته الولايات المتحدة وفرنسا”، مضيفاً: “أصبح هذا الحوار على المحك وربما بات بخطر كبير، كون هذه التصريحات تتوالى من قياديين في حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يحاول دق المسامير الأخيرة في نعش هذا الحوار”. واعتبر كدو أنّ تصريحات برخدان “تؤكد أنّ أجندة حزب الاتحاد الديمقراطي لا تتعلق بالقضية الكردية في سورية، بل بأجندات حزب العمال الكردستاني ليس إلا”.
وفتحت تصريحات القيادي في “قسد” الباب أمام أسئلة كثيرة حول المرجعية السياسية والعسكرية لهذه القوات، ومدى ارتباطها بمنظومة حزب العمال الكردستاني في المنطقة عموماً. ولطالما اتُهمت “قسد” من قبل المعارضة السورية ومن الجانب التركي بأنها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تهيمن كوادره على مفاصل مهمة؛ عسكرية وأمنية واقتصادية في الشمال الشرقي من سورية، الخاضع لسيطرة “قسد” التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي.
ومن المرجح أن تزيد هذه التصريحات المشهد الكردي السوري تعقيداً، في ظلّ مراوحة الحوار بين “المجلس الوطني الكردي” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، وهما أكبر كيانين سياسيين كرديين سوريين، مكانها منذ أواخر العام الفائت، بعد فشل الطرفين بالخروج باتفاق بشأن تشكيل مرجية سياسية واحدة للأكراد السوريين وفق رغبة الولايات المتحدة الأميركية، تمثلهم في الاستحقاقات السياسية، على الرغم من خوضهما جولات تفاوضية عدة. وتشكل العلاقة بين حزب “الاتحاد الديمقراطي”، المهيمن على “قسد” عن طريق ذراعه العسكرية “الوحدات”، وبين حزب العمال، عقبة كبيرة في طريق الوصول لاتفاق.
ويرفض “الاتحاد الديمقراطي” مبدأ فك الارتباط مع حزب العمال والمصنف لدى عدد من الدول كمنظمة إرهابية، وهو ما أدى إلى توقف الحوار الذي بدأ في إبريل/ نيسان من العام الفائت برعاية من وزارة الخارجية الأميركية. ولم تضغط واشنطن حتى اللحظة بما يكفي لدفع حزب الاتحاد إلى طرد كوادر حزب العمال الكردستاني من سورية، والسماح بدخول “البشمركة السورية” (الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري) من إقليم كردستان، والتشارك في القرار الأمني والعسكري والاقتصادي مع القوى السياسية في المنطقة، وأبرزها “المجلس الوطني الكردي”.
وكان نائب رئيس “رابطة الكرد المستقلين”، رديف مصطفى، قال قبل أيام في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ قسد “هي مليشيا تتبع لحزب العمال الكردستاني”، لافتاً إلى أنّ هذه القوات “ترسل قسماً من عائدات النفط في شرق سورية لحزب العمال الكردستاني”.
وتقع أكبر حقول النفط في سورية تحت سيطرة “قسد”، التي تفرض سيطرة شبه مطلقة على أكثر من ربع مساحة سورية منذ مطلع عام 2019، بعدما أعلن التحالف الدولي القضاء على تنظيم “داعش” في منطقة شرقي نهر الفرات. وأغلب القياديين في “قسد” من الأكراد السوريين، بمن فيهم قائد هذه القوات مظلوم عبدي، وبعضهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، عادوا إلى شمال شرقي سورية مع الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية وشكلوا بتسهيل من النظام “وحدات حماية الشعب” التي تحولت لاحقاً إلى النواة الصلبة لـ”قوات سورية الديمقراطية” بترتيب من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وتحظى هذه القوات بدعم عسكري وسياسي كبيرين من التحالف الدولي الذي يحاول بعض أعضائه تعويم “الإدارة الذاتية” ذات الطابع الكردي التي يقودها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، سياسياً، لتكون لاعباً رئيسياً في أي حلول مستقبلية للقضية السورية، على الرغم من ارتباط هذا الحزب البيّن بحزب العمال.
إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية في منطقة القامشلي بشمال شرق سورية، لـ “العربي الجديد”، أن “هناك استياء من قبل الأكراد السوريين من هيمنة كوادر حزب العمال الكردستاني على القرار في شمال شرقي البلاد”، مشيرة إلى أنّ القضية الكردية في سورية “وطنية”. وأضافت المصادر “يجب ألا يتحول الأكراد السوريون إلى ورقة بيد أحزاب عابرة للحدود”.
العربي الجديد
——————————-
مؤتمر “قسد” السنوي… آفاق المستقبل بين الوظيفة والطموح/ بشير البكر
شكّل مارس/آذار 2019 تاريخاً مفصلياً في مشروع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). في الثالث والعشرين من ذلك الشهر جرى إعلان إلحاق الهزيمة “النهائية” بتنظيم “داعش” في آخر جيب له في الباغوز شرق محافظة ديرالزور، وبذلك انتهت سيطرة التنظيم على أي منطقة حضرية في البلاد. وفي ذلك اليوم طُرح السؤال حول مستقبل هذه القوة العسكرية التي تشكّلت من أجل هدف وحيد هو الحرب الدولية على الإرهاب، بعد سيطرة “داعش” على مساحات شاسعة من العراق وسورية، وقيامه بعمليات إرهابية في شتى أنحاء العالم.
منذ ذلك الوقت لم تدخل “قسد” في معارك كبيرة، بل اقتصر نشاطها الحربي على مواجهات محدودة مع جيوب “داعش” في المنطقة، ومع ذلك، بدلاً من أن تتراجع “قسد” عسكرياً، فإنها تضخّمت حجماً ووصلت إلى ضعف ما كانت عليه، وفي الوقت ذاته استمر التمويل والتسليح الأميركي والمساعدات من فرنسا وبريطانيا ودول أخرى. في هذه الأثناء، فإن المهمة الرئيسية لـ”قسد” بحسب الأطراف المموّلة والراعية هي إدارة شؤون معتقلي “داعش” في سجون محافظة الحسكة وعوائلهم في مخيمي الهول وروج، ولكن “قسد” أضافت لنفسها مهمة أخرى، وهي مواجهة تركيا، وبقيت هذه المسألة تخضع لرقابة صارمة خلال فترة الإدارة الأميركية السابقة، وأشرف عليها بصورة مباشرة مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية السفير جيمس جيفري الذي ربطته علاقات وثيقة مع أنقرة. وبعد رحيل الإدارة السابقة واستقالة جيفري، لم يتم إعلان موقف أميركي صريح، على الرغم من التفاؤل الذي ساد أوساط قيادات “قسد” بعد تعيين صديق الأكراد الدبلوماسي بريت ماكغورك في مكتب الأمن القومي بصفة منسق شؤون الشرق الأوسط، والذي لم يقم بأي خطوة ملموسة تجاه “قسد” حتى الآن، وكان هناك أمل أن يحضر شخصياً المؤتمر السنوي للتنظيم.
جرت أعمال المؤتمر في مدينة الحسكة في مطلع الشهر الحالي، ولم يحضره من الجانب الأميركي سوى قائد قوة المهام المشتركة في التحالف الدولي الجنرال باول كالفيرت، والذي بقيت كلمته ضمن حدود الحرب على “داعش”، وتحدث عن ثلاثة نجاحات حققها التحالف، أولها إقامة مراكز إيواء للنازحين، والثاني رفع الوعي الدولي حول المشاكل التي يواجهها الأهالي في شمالي شرق سورية، أما الثالث فهو دعم عناصر “قسد” للاستمرار في مكافحة التنظيم. ولم يصدر عن كالفيرت أي رد فعل وهو يستمع إلى خطاب قائد “قسد” مظلوم عبدي والبيان الختامي الذي جاء فيه أن “قسد” وضعت ما أسمته “تحرير المناطق المحتلة من تركيا في صدارة أهدافها للعام المقبل”. واللافت أن عبدي الذي أكد أن التعاون سيستمر مع التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، الذي “لا يزال التهديد الأكبر في شمالي شرق سورية”، شدّد على استمرار التعاون مع القوات الروسية لخفض التصعيد على الحدود الشمالية، معتبراً أن تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد الأخيرة لا تصبّ في خدمة وحدة سورية، معرباً عن دعمه لما وصفه بـ”الحوار السوري-السوري” للوصول إلى اتفاق سياسي.
من الواضح أن هناك مسافة ملموسة بوضوح، لأول مرة، بين الحليف الأميركي و”قسد”، والنقطة الأساسية التي لا تزال مجهولة بالنسبة للتنظيم هي موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الوضع في سورية، ذلك أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تعلن عن موقف سياسي صريح حتى الآن، وهذا ما يضع التنظيم في دوامة القلق حول مصيره. ومن خلال تمرين بسيط يمكن رسم خريطة لمآلات مشروع “قسد” التي تشكلت عام 2015 من أجل محاربة “داعش”. وعلى الرغم من أن التنظيم رفع من سقف طموحاته السياسية، وحاول مرات عدة أن يحصل على اعتراف دولي ذي بعد سياسي، فإنه لم يتمكّن من ذلك، وبقيت الأطراف الدولية التي تتعامل معه، وتحديداً الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا، تقدّم له السلاح والخبرات والدعم المالي والتغطية السياسية من أجل المهمة التي نشأ من أجلها، وصار لها بُعد جديد هو حراسة 11 ألف معتقل داعشي في سجون “قسد”، و60 ألفاً من عائلات هؤلاء في مخيمي الهول وروج في محافظة الحسكة، ومثال ذلك أن بريطانيا قدّمت مساعدات لـ”قسد” تُقدّر بـ20 مليون دولار من أجل توسيع السجون.
يعتمد التمرين على رسم خريطة لأصدقاء وأعداء “قسد” ووظيفة وأهداف هذا التنظيم. الأصدقاء بالترتيب: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا. والأعداء تركيا والفصائل السورية المتحالفة معها، والتي تُشكّل “الجيش الوطني” الذي اعتمدت عليه أنقرة في عملية “نبع السلام” في أكتوبر/تشرين الأول 2019 من أجل السيطرة على مدينتي تل أبيض (محافظة الرقة) ورأس العين (محافظة الحسكة). وفي الوسط بين الأصدقاء والأعداء تقع روسيا، إيران، والنظام السوري.
وبعد يوم وآخر يظهر أن ثمة مسافة شاسعة بين وظيفة “قسد” وأهدافها. ومن خلال قراءة مواقف الأصدقاء والأعداء يمكن استطلاع الآفاق التي يمكن أن يذهب إليها هذا التنظيم، الذي يشكل جيشاً كبيراً يقع عبء تسليحه وتمويله على الولايات المتحدة، التي لن تكون عاجزة عن توظيف هذا العدد الكبير من المقاتلين المدربين والمسلحين لخدمة أهدافها في المنطقة، ولا يبدو أن هذه الأهداف محصورة بتركيا والنظام السوري، وربما يمكن لها أن تلعب دوراً في وجه التمدد الإيراني الزاحف من العراق إلى سورية. واللافت أن “قسد” لا تترك فرصة من دون أن تحاول التقارب مع النظام السوري، وهذا أمر لا تعارضه واشنطن وتشجعه موسكو، ويريده النظام بشروطه بعد أن صار يدرك أن “قسد” تحتاجه أكثر مما يحتاج إليها.
“قسد” تطمح إلى بناء علاقة مع النظام على أمل أن تكسب سياسياً، من خلال التفاهم على حل في المنطقة التي تسيطر عليها، وهي من ثلاث محافظات سورية (الرقة، دير الزور، الحسكة) تشكّل قرابة ثلث مساحة سورية. وعرضت “قسد”، أكثر من مرة، صفقة على النظام تقوم على تسليم المنطقة، مقابل تخفيف القبضة المركزية والاعتراف بالخصوصية الكردية. ومن المعروف أن النظام كان يمكن أن يقدّم هذا التنازل إلى “قسد” قبل عملية “نبع السلام”، ولكنه غيّر قواعد اللعبة بعد أن أدرك هشاشة “قسد” من دون مظلة أميركية.
وحين قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من شرق سورية في صيف عام 2019 أعطى ضوءاً أخضر للعملية العسكرية التركية، ولولا تدخّل روسيا في حينه كان يمكن لأنقرة أن تذهب أبعد من “نبع السلام”، وتدخل الشريط الحدودي كله بعمق يتجاوز 40 كيلومتراً، بما في ذلك مدينة القامشلي. وكان النظام يحسب أن “قسد” صارت تحت مظلته، ولكن التنظيم استعاد أنفاسه بمجرد أن راجعت واشنطن نفسها، بعد ضغوط على إدارة ترامب للتراجع عن قرار سحب القوات الأميركية من شرق سورية. وثمة أمر يتم القفز عليه في هذه المعادلة وهو يتعلق بإمكانية التفاهم بين تركيا والنظام السوري في الفترة المقبلة، وهذا أمر وارد وغير مستحيل من خلال تفاهمات ترعاها روسيا، وتبدو، في هذه الحالة، أن دمشق وأنقرة أقرب لبعضهما البعض من قرب “قسد” إلى دمشق.
يبدو أن أفق مشروع “قسد” مسدود، أما وظيفتها تبقى قائمة إلى حين تصفية ملف “داعش”، وهذا أمر ليس بالسهل، ولن ينتهي بين يوم وليلة، ولكن في حال حصول تفاهم أميركي روسي تركي إيراني على تسوية ما في سورية، فإن توزيع العبء بين الأطراف يمكن أن يساعد على إدارة الملف من دون الحاجة إلى “قسد” التي قد تصبح جيشاً زائداً عن الحاجة، لا حياة له من دون التمويل الخارجي
العربي الجديد
——————————————–
الجوع والتخوين: مسارات العيش في شرق الفرات السوري/ شفان ابراهيم
هدم الإدارة الذاتية، ليس الحل المأمول أو الأفضل، لكن استمرار قادتها بهذه العقليات يخدم أطرافاً تكن العداء للمكونات، منها من هو حاقدٌ على الكُرد لأسباب تاريخية أو سياسية.
أصبح صراع المواطنين في شرق الفرات، صراع بقاء وسط الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، والدعاء بمضي أسبوع واحد فقط من دون أزمة معيشية جديدة، كفقدان المزيد من الموارد والخدمات والسلع الأساسية. والجوع تراجيدية تجعل العقل والفكر في حالة رفضٍ مطلق لأيّ طرح أو وعدٍ أو خيارٍ بديل، ويقحم الناس في حالة حقدٍ تجاه التسويف والوعود بمستقبلٍ أفضل، وترتفع درجة الكراهية والحقد لتصل إلى الاستعداد لفعل أيَّ شيء.
لا قوة تضاهي اتحاد قوة الجياع، فالبطون الخاوية لا تشعر بالأمان وإن وصل عداد القوات الأمنية والعسكرية إلى الملايين، وينظر الجائع إلى أيّ شخص في أي مكان تابع للسلطة على أنه شريكٌ في تجويعه، فتتوسع دائرة المعركة والشرخ المجتمعي. وهي الحالة التي تعود فيها الأنظمة الحاكمة إلى دفاترها القديمة لتطلق العنان للتهم والمؤامرة الخارجية والأعداء المتربصين بالأمة، ونلاحظ حدّية الإدارة الذاتية ومختلف التشكيلات السياسية والأمنية الأخرى في التعامل مع المختلفين برؤاهم السياسية والفكرية للمبررات التي يسوقونها عن أسباب الجوع والفقر، كحال ثقافة ألسنة الإدارة الذاتية التي تتهم الآخرين بالخيانة والعمالة بسبب مقالةٍ أو تعليق على منشور فايسبوكي. وينطلق هؤلاء من مدخل مشترك يجمع الجماهير والإعلام والسياسيين، مفاده أن هؤلاء الذين يكتبون أو يتحدثون خارج السياقات المرسومة، إنما يحملون حقداً تشويهياً لمنجزات الإدارة الذاتية، فيما لا شيء يهدم الأنظمة السياسية مثل الفساد وإلغاء الآخر.
وتبدو وسائل التواصل الاجتماعي انعكاساً واضحاً لاحتقان الشارع إزاء الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. وينقسم السوريون في شرق الفرات في انتمائهم وولائهم إلى مجموعة من الشرائح، الإدارة الذاتية، الحكومة السورية، المجلس الكردي، وغالبية مستقلة تظهر عبر المواقف ووسائل التواصل الاجتماعي وهي ارتضت العيش بعيداً من العمل الحزبي المنظم، أو الانخراط المباشر في الحياة السياسية، لكن الغالبية المطلقة من كل تلك الشرائح مضطرة للتعامل اليومي مع مؤسسات الإدارة الذاتية، المتحكمة في مختلف مجالات الحياة، مقابل غياب أيّ بارقة أملٍ في التغيير والتخطيط الإداري والتنموي. ومع فقدان الناس أبسط مقومات معيشتهم، فإن الأسباب المشجعة على البقاء في هذه البلاد تقترب من الصفر، بخاصة أن المجتمع الكردي المحلي وفقاً للرصد والمتابعة، ما عاد مهتماً بنجاح الحوار الكردي- الكردي من عدمه، بقدر تفكيره بتوفير مستلزمات الحياة والعدل والكرامة.
زاد الأمور تعقيداً تهديد الإدارة الذاتية المزارعين وأصحاب المشاريع الزراعية بقطع الكهرباء عن مشاريعهم، ومع ضعف الموسم الزراعي في العام الماضي، وحتمية فشله في العام الحالي في حال مُنعت الكهرباء عن الأرياف والري، فإن شرق الفرات مُقبل على مجاعة حقيقيّة.
ثمة علاقة متعارضة دوماً بين الجوع والسُلطة، فلا الجائع قادر على الدفاع عن وطنه، ولا السلطة تستطيع إجبار الفئات الاجتماعية على الدفاع عن ظلم الوطن وسُلطته، لتصبح العلاقة بين الطرفين متنافرة. ينتظر الجائع أدنى فرصة للتعبير عن رفضه ما يحصل، والسُلطة تستمر في خشيتها على نفسها من شعبها. إلا أن شلال الجوع وإن كان يُعبر عن نفسه ببطءٍ وخوف، لكنه في لحظة ما ينطلق غير آبه بما سيخلفه تمرده ورفضه من دمار وخراب. الأقانيم الاقتصادية المحلية غنية جداً بمواردها المالية، لكن السرقة والفساد والنهب المنظم التي تحولت إلى ثقافة وجزء من هويّة هذه الإدارة، أصبحت شيئاً فشيئاً مارداً عملاقاً لا تمكن السيطرة عليه، بخاصة مع الحصانات التي تتمتع بها النُخب الفاسدة المتسببة بهدر مليارات الدولارات التي كانت كفيلة بتحسين ظروف المنطقة. والجياع إذا أرادوا يستطيعون خلق توازن جديد، لا يمكن تكهّن نتائجه وانعكاساته على الإدارة وعلى المجتمع أيضاً.
إن هدم الإدارة الذاتية، ليس الحل المأمول أو الأفضل، لكن استمرار قادتها بهذه العقليات يخدم أطرافاً تكن العداء والحقد للمكونات، منها من هو حاقدٌ على الكُرد لأسباب تاريخية أو سياسية. فيما يحقد آخرون على جميع المكونات المجتمعية المنضوية في الائتلاف السوري المعارض، وبذلك فإن التفاضل والمقاربة التي تطلقها الإدارة الذاتية حول رضوخ الأهالي لها بشكلها الحالي، أو اختيار البديل ما بين سيطرة تركيا، أو قوات الحكومة السورية، وعدم قدرة المجلس الكردي على إدارة البلاد بمفرده، هذا الحل الذي تُلوح به الإدارة الذاتية لا يخرج عن فكرة “القبول الخانع والرضا غير المشروط والتأقلم”.
لا يزال الحديث السياسي للإدارة الذاتية وألسنتها الشعبية والرسمية، يدور في فلك أن الدعوة إلى الحريات والعيش الكريم، والمساواة، والعدالة وتوزيع الثروة، هي ديناميات الأطراف المتآمرة على تجربة الإدارة الذاتية، بالقول إن المعارضين ليسوا سوى امتداد لقوى خارجية تسعى إلى الفوضى وزعزعة الأمان والنيل من شمال شرقي سوريا.
في المحصلة، ما عادت التسميات مهمة، بقدر خلق ظروف الاستقرار، فلو أطلق على هذه المنطقة اسم كردستان الكبرى، كردستان سوريا، روج أفا، شمال شرق سوريا، شرق الفرات. كُلها تتراجع إلى المرتبة الثانية أمام الأساس الرصين لخلق أيّ كيان حقيقي، فلا وطن ولا مواطنة ولا فائدة للتسميات من دون العدالة والانفتاح والانتماء وكرامة العيش. أما البقية فمجرّد فقاعات إعلامية.
درج
——————————–
=========================