القبائل العربية في الحسكة: اصطفاف وانقسام لخدمة أطراف الصراع/ محمد حسان – سامر الأحمد
حالة انقسام المجتمع القبلي والعشائري في محافظة الحسكة المعقدة، تحكمها اعتبارات عدة، كان لها دور مهم في رسم حالة اصطفاف جزء من هذه العشيرة أو تلك إلى جانب كل طرف من أطراف الصراع.
انتخب “الائتلاف السوري المعارض”، سالم المسلط رئيساً عاشراً له خلفاً لنصر الحريري، على هامش اجتماعات هيئته العامة في مدينة إسطنبول التركية.
المسلط المنحدر من بيت المشيخة لقبيلة الجبور العربية والتي يتركّز ثقلها في محافظة الحسكة، يقف أخوه نواف، زعيم العشيرة، إلى جانب الآخر مع النظام السوري، ما يوضح حالة الانقسام داخل بيوت المشيخة.
الانقسام داخل بيت الزعامة في قبيلة الجبور، صورة مصغرة عن الشرخ الذي يشهده المجتمع العشائري في محافظة الحسكة، وفقاً لتوازنات القوى والجهات السياسية المؤثرة، والتي يمكن توزيعها على خمسة أطراف هي، النظام السوري، روسيا، إيران، تركيا، الإدارة الذاتية.
تشير المعطيات على الأرض في محافظة الحسكة وبالنظر إلى الواقع القائم حالياً، إلى نفور عشائر الحسكة من مشروع “قسد” ولجوئها للاقتراب أكثر من الطرح السياسي الروسي والتركي والإيراني.
قبيلة طي
تنتشر على مساحة جغرافية واسعة في محيط مدينة القامشلي شرقاً وجنوباً، وصولاً إلى الحدود العراقية- السورية، وتعتبر حارة طي التي سيطرت عليها “قسد” في الفترة الأخيرة في القامشلي، أحد الأماكن التي يتركز وجود القبيلة فيها، وتقع مضافة القبيلة في قرية جرمز ويتزعمها الشيخ محمد عبد الرزاق العساف الطائي، ولكن الزعامة الفعلية تعود لابن عمه محمد الفارس العساف الطائي. وتتكون القبيلة من تحالف أكثر من 10 عشائر منها: البو عاصي، البني سبعة، الراشد، الجوالة، العساف…
قبيلة الجبور
تنتشر قبيلة الجبور في ناحية تل براك ومحيطها وصولاً إلى مدينة الحسكة، ويتركز ثقلها جنوب مدينة الحسكة، وتُعد مدينة الشدادي أحد أهم مراكزها، وتنتشر الجبور بنسبة كبيرة في وسط مدينة الحسكة، ويتزعمها الشيخ نواف عبد العزيز المسلط، وأخوه سالم المسلط الذي انتخب رئيساً للائتلاف.
قبيلة شمر
تنتشر قبيلة شمر على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق وفي بلدة اليعربية وريفها، وكذلك ناحية جزعة، ويقع قصر حميدي الدهام الجربا، زعيم القبيلة، في قرية تل علو قرب بلدة رميلان النفطية، وينحدر من القبيلة الرئيس السابق للائتلاف أحمد عوينان الجربا.
عشيرة حرب
تنتشر عشيرة حرب في جنوب القامشلي، بين جنوب طريق M4 من قرية ذبانة وقرى أخرى، تخضع بمجملها لسيطرة النظام السوري. وتنتشر العشيرة في ناحية أبو راسين وريفها شرق مدينة رأس العين، وفي مدينة رأس العين يوجد حي باسم العشيرة، وتقع ديوانية العشيرة في قرية تل عودة ويتزعمها الشيخ محمود المنصور العاكوب.
قبيلة الشرابيين
تنتشر هذه القبيلة في 4 مناطق جغرافية منفصلة، في جنوب مدينة رأس العين وقرب الشريط الحدودي مع العراق وقرب بلدة تل حميس وناحية جزعة، إضافة إلى قرى في شرق مدينة رميلان شمال شرقي محافظة الحسكة، ويتزعمها حالياً نواف صالح البشار.
قبيلة زبيد
تنتشر بشكل رئيس في الريف الغربي لبلدة الجوادية شرق مدينة القامشلي.
قبيلة عدوان
تنتشر في منطقة رأس العين بشكل رئيس ويتزعمها آل الحلو.
قبيلة البكارة
تنتشر على مساحة جغرافية واسعة وتتركز في منطقة جبل عبد العزيز وأرياف مدينة الحسكة ومركدة، وصولاً إلى الحدود السورية- العراقية، وهي امتداد لتمركز القبيلة الأساسي في محافظة دير الزور وريف الرقة وريف حلب.
عوامل رسم الولاء عند عشائر الحسكة
ينقسم المجتمع العشائري في محافظة الحسكة حالة إلى موقفين الأول مؤيد للثورة السورية والآخر مناصر للنظام السوري. حالة الانقسام الحاد بين طرفي الثورة والنظام، خلفت في السنوات الأخيرة انقساماً متعدداً داخل كل طرف. ففي الجزء المؤيد للثورة، تنقسم ولاءات المجتمع القبلي بين تركيا والإدارة الذاتية وسابقاً تنظيم الدولة “داعش”، بينما القسم المناصر للنظام لم يعد يمثل مصالح النظام وحده، إذ بنت مجتمعات عشائرية تحالفات مع كل من روسيا وإيران.
حالة انقسام المجتمع القبلي والعشائري في محافظة الحسكة المعقدة، تحكمها اعتبارات عدة، كان لها دور مهم في رسم حالة اصطفاف جزء من هذه العشيرة أو تلك إلى جانب كل طرف من أطراف الصراع. وأولها عامل التوافق بين طرفي الصراع والمجتمع القبائلي من حيث الرؤية السياسية أو المصلحية، فحالياً هناك عشائر عربية تدعم الأتراك في مساعي السيطرة على مناطق من محافظة الحسكة، حيث تجمع الطرفين مصلحة واحدة بأهداف مختلفة، فتركيا تسعى إلى إبعاد خطر “حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي” من حدودها، بينما يسعى أبناء العشائر الداعمة لها للعودة إلى مناطقهم واستعادة مكانتهم.
أما العامل الثاني في محددات الولاء، فهو وجود طرف من الصراع في المنطقة القبلية كسلطة أمر واقع، وتمارس المجتمعات القبلية البراغماتية أو الميوعة في الولاءات في التعامل مع تناوب السلطات على أراضيها، عبر الولاءات الموقتة لضمان سلامة كيانها وسلامة أفرادها وتجنب الضغوط الأمنية. ويمكن العثور على أمثلة كثيرة تدعم هذا الأمر في محافظة الحسكة، حيث بنت تلك المجتمعات القبلية علاقات ومنحت ولاءاتها للأطراف المتناوبة، من النظام إلى فصائل المعارضة ثم “داعش” والإدارة الذاتية والأتراك، عندما كانت تلك الأطراف سلطات أمر واقع.
خشية أبناء العشائر من مشروع كردي انفصالي مستقبلي، انعكس كصراع كردي- عربي، تعتبر العامل الثالث من عوامل رسم محددات الولاء للقبائل العربية في الحسكة، بخاصة بعد تنامي حالة الصراع هذه مع سيطرة قوات “حزب الاتحاد الديموقراطي” على معظم المحافظة، حيث سعى كل طرف من الأطراف إلى فرض هيمنته وإلغاء سلطة الطرف الآخر، وتبني غالبية القبائل ولاءاتها مع المشاريع المناهضة لمشروع الإدارة الكردية في شمال شرقي سوريا، وهذا ما سيُظهره جدول بياني يشرح توزع ولاء الزعامات القبلية لأطراف الصراع، والذي يصب معظمه في مصلحة النظام وحلفائه من جانب وتركيا من جانب آخر، وجميع هؤلاء هم مناهضون لمشروع “حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي” في المنطقة.
العشيرة تبحث عن حليف يحفظ دورها ومصالحها
تشير المعطيات على الأرض في محافظة الحسكة وبالنظر إلى الواقع القائم حالياً، إلى نفور عشائر الحسكة من مشروع “قسد” ولجوئها للاقتراب أكثر من الطرح السياسي الروسي والتركي والإيراني.
نتيجة الإقصاء والانتهاكات التي حصلت بحق أبناء العشائر في الحسكة وتهميش سلطات الأمر الواقع، “الإدارة الذاتية”، أدوارهم، لجأ عدد من وجهاء العشائر في الحسكة إلى نسج تحالفات مع نظام الأسد أو حليفتيه إيران وروسيا، وذلك لقدرتهما على اختراق المجتمعات القبلية وطرح بروباغندا تعتمد على رفع شعارات لمشاريع تحافظ على مركزية الدولة، وترفض التقسيم وتعطي وجهاء العشائر دوراً قيادياً في مجتمعاتهم، من خلال تعزيز دورهم في التدخل بأمور أمنية وبخاصة ملف المعتقلين.
العامل الثاني الذي ساهم في زيادة ميول الولاءات العشائرية إلى النظام وحلفائه، هو فكرة عدم وجود الحليف الدائم في حال حاولت العشائر توطيد علاقات معه في المنطقة، بخاصة أن الأميركيين يلوحون دائماً بالانسحاب من المنطقة وتركها، ولم يبنوا جسور صلة مع العشائر، بينما تركيا تعلن أن الهدف من التدخل في تلك المناطق ينتهي بالقضاء على خصمها التقليدي “حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي” أو التوصل إلى تسوية معه.
العامل الأخير الذي ساهم في نجاح النظام وحلفائه في كسب العشائر، أن الإدارة الذاتية نفسها في مناسبات عدة دخلت مع النظام السوري في مفاوضات، بهدف الوصول إلى تسوية سياسية بين الطرفين، ما أثبت للمجتمعات العشائرية أن سيطرة النظام على المنطقة قد تكون قصة وقت، وبالتالي يجب العمل معه لتجنب أي عداء معه.
تركيا تعد ثاني أكبر الحاصلين على ولاءات المجتمعات العشائرية في محافظة الحسكة، ومعظم الولاءات التي تقف إلى جانبها من الفئة المؤيدة للثورة السورية والمعارضة لكل من “داعش” والإدارة الذاتية، ومعظم تلك الولاءات بنتها تركيا مع شيوخ وأبناء القبائل الذين فروا إلى أراضيهم أو مناطق سيطرة حليفها الجيش الوطني.
تلك الولاءات لمصلحة تركيا ازدادت نوعاً ما خلال السنوات الأخيرة، بخاصة بعد دخول تركيا وحليفها الجيش الوطني إلى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة والسيطرة عليها، ما منح المجتمعات العشائرية أملاً باستمرار العمل العسكري في فترات لاحقة، ما يضمن عودتها إلى كامل المحافظة. على رغم ذلك، هناك أسباب كثيرة تمنع تركيا من الحصول على المزيد من ولاءات المجتمعات القبلية، منها عدم طرح خطط ثابتة وواضحة حول حدود تدخلها في الحسكة.
الإدارة الذاتية والولايات المتحدة الأميركية تعتبران صاحبة الحصة الأضعف من الولاءات القبلية في الحسكة، والتحالف بين “قسد” وقبيلة شمر هو الحالة الأوضح لتلك التحالفات، لكن ذلك التحالف ليس مطلقاً، فحميدي الدهام الجربا شيخ قبيلة شمر، يملك صلات وصل مع روسيا، وما تحالفه مع الإدارة الذاتية إلا حالة موقتة قد تتغير مع أي معطيات جديدة على الأرض.
وتتلخص أسباب فشل الإدارة الذاتية وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية في الفشل بالحصول على ولاءات المجتمعات القبلية، إلى اعتماد الولايات المتحدة الأميركية وشريكها في الإدارة على الأرض على الايديولوجية السلطوية وتهميش المجتمعات المحلية، وتعتمد على كوادر كردية وتهميش المكون العربي وبخاصة أبناء القبائل، فلا شراكة حقيقية في مشروع الإدارة الذاتية، حيث تتركز السلطة والقرار في يد أشخاص ينتمون لأيديولوجية “حزب العمال الكردستاني” وولاءاتها الخارجية، بينما وجود العنصر العشائري فيها مجرد مناصب شكلية، إضافة إلى مشكلة المشروع الذي تتبناه “قسد” حول روج آفا، الذي يُثير قلق العشائر من التقسيم مستقبلاً.
استثمار الولاءات العشائرية في الصراع الدولي
يستثمر النظام السوري وحليفتاه روسيا وإيران مباشرة في ولاء المجتمعات القبلية الموالية لهم في محافظة الحسكة. هذا الاستثمار يأتي عبر تحريض تلك الأطراف العشائرية لإطلاق مقاومة شعبية ضد الوجود الأميركي في مناطق شرق الفرات عموماً ومحافظة الحسكة خصوصاً.
تحريضات النظام وروسيا وإيران في الحسكة، أثمرت عن صدامات كثيرة بين أبناء المجتمعات العشائرية والقوات الأميركية، مثل ما حدث في قرية خربة عمو في شهر شباط/ فبراير 2020، حين حاول أهالي القرية منع مرور الدوريات الأميركية من الطريق بالقرب من القرية، ما أدى إلى مواجهات بين الطرفين، انتهت بمقتل شاب من أبناء القرية. وراهناً حاول الأهالي منع الدوريات الأميركية من دخول قرية فرفرة في ريف القامشلي الجنوبي إضافة إلى عشرات الحوادث المشابهة.
استثمار النظام الولاءات العشائرية لا يقتصر على التحريض ضد القوات الأميركية، بل يشمل عمليات التحريض ضد الإدارة الذاتية وملحقاتها العسكرية، عبر دفع مجموعات الدفاع الوطني وحلفائه العشائريين لخلق نزاعات مستمرة مع الإدارة الذاتية. هدف تلك العمليات إرباك الإدارة وزعزعة الاستقرار داخل مناطقها، مثل ما يحدث بشكل متكرر في مدينة الحسكة وراهناً في أحداث حارة طي بمدينة القامشلي، وربما يتطور مستقبلاً لتحريض بعض المجموعات العشائرية لزراعة عبوات ناسفة تستهدف الدوريات الأميركية في ريف المحافظة، ما يهدد الوجود الأميركي في سوريا وينذر بتكرار سيناريو العراق.
أما تركيا فتستثمر في المجتمعات العشائرية الموالية لها، هذا الاستثمار يأتي على صعيدين، الأول عسكري من خلال مشاركة الفصائل العسكرية في المحافظة إلى جانبها في معاركها في الشمال السوري، والثاني سياسي عبر محاولة إضفاء الشرعية لتدخلها هناك، بحجة دعم أبناء المنطقة تلك التدخلات ومطالبتهم بها.
وفيما يعتبر استثمار الإدارة الذاتية الولاءات العشائرية سياسياً محضاً، فالهدف منه تصدير الإدارة الذاتية كجهة سياسية تمثل الأطياف والأعراق في مناطق سيطرتها، والاستثمار العسكري عبر مشاركة حلفائها في معاركها ضد التنظيم، وفي بعض الأحيان وليس دائماً معاركها ضد تركيا وحليفها الجيش الوطني.
وتستثمر جميع الأطراف في العشائر سياسياً عبر عقد اجتماعات وتأسيس مجالس قبلية، الهدف منها الحصول على تغطية سياسية ومحاولة الحصول على شرعية لسلطات الأمر الواقع في مختلف أنحاء المحافظة، سواء “قسد” أو روسيا أو تركيا.
ماذا عن الولايات المتحدة؟
من غير المبرر الإهمال الأميركي لعشائر الحسكة، على رغم دعمها مشروع حزب مؤدلج عابر للحدود، وهي تستطيع كسب ود العشائر وقطع الطريق على كل من إيران وروسيا اللتين تحاولان تحريض العشائر على الانتفاض في وجه واشنطن.
تحسين الولايات المتحدة علاقاتها مع المجتمع العشائري في الحسكة وكسب ولائه، بحاجة إلى خطوات عدة، أولها إيجاد حالة من التشاركية السياسية الحقيقية بين المكونين العربي والكردي في مناطق سيطرتها، إضافة إلى طرح مشروعها ورؤيتها السياسية في سوريا، فالمجتمعات القبلية يصعد دورها ويتفاعل مع المشاريع السياسية الواضحة لا الخطط الموقتة. أما الخطوة الثالثة، فهي التعامل مع الجيل الجديد من أبناء الزعامات العشائرية، والذي يبدي استعداده لتغيير التحالفات.
تعتبر الفترة الحالية فرصة للأميركيين للمضي في كسب ولاءات العشائر بخاصة قبيلة طي وعشيرتي الجبور وشمر، بعد أحداث حارة طي في مدينة القامشلي، التي هزت ثقة تلك القبائل بالنظام السوري ومدى جديته في حماية حلفائه، بعدما ترك أبناء قبيلة طي في مواجهة منفردة مع الإدارة الذاتية، فخسروا المعركة، ما أغضب أبناء تلك القبائل العربية وجعلها تعيد حساباتها الولائية.