تحقيقات

هذا ما حدث لأيقونة سوريا الحقوقية رزان زيتونة؟

تحقيق: كيف استهدفت جماعات سورية مسلحة الأيقونة الحقوقية رزان زيتونة؟

شكّل اختفاء رزان زيتونة أواخر عام 2013 وزملائها أحد أكثر ألغاز الحرب السورية غموضا حتى يومنا هذا. وحدة التحقيقات الاستقصائية في DW قامت بجمع أدلة في ست دول من أجل تعقب الجناة المحتملين وحل هذا اللغز.

بحلول صيف عام 2013، أصبح توثيق انتهاكات حقوق الإنسان حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية من المحرمات، بيد أن هذا لم ينتقص من شجاعة رزان زيتونة – أيقونة حقوق الإنسان في سوريا. فقد كانت رزان زيتونة – المحامية الحقوقية البارزة والمدافعة عن حقوق الإنسان – في ذاك الوقت قد فرت لِلتَّوّ من العاصمة دمشق بسبب الضغط الكبير الذي مارسه النظام السوري على عملها. لكنها أيضا لم تكن على استعداد لوقف عملها بناء من أوامر من مسلحين في مدينة دوما الواقعة على أطراف دمشق والخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في ذلك الوقت.

بيد أن مثابرة رزان زيتونة ستكون مصيرية ومنذرة بسوء. فعلى الرغم من أن قادة فصائل المعارضة المسلحة الكبيرة كانوا يدعمون بشكل كبير توثيق الفظائع التي ارتكبتها القوات التابعة للرئيس بشار الأسد، إلا أنهم اعتبروا الجهود الرامية لتسجيل وتوثيق جرائم الحرب التي يرتكبها مسلحو المعارضة كأنها نوعا من العداء الصريح ضدهم.

وبعد شهور قليلة عقب وصولها في مطلع عام 2013،يُقدم مسلحون على خطف زيتونة وزوجها وإثنين من زملائها. وخلال السنوات الثمانية التي تلت هذه الواقعة، بدأ عدد شهود العيان المحتملين يتناقص إذ تم تهديد وترهيب البعض منهم بشكل روتيني حتى يظلوا صامتين، فيما تعرض آخرون للقتل. وعلى وقع هذا، ظل اختطاف رزان زيتونة واحدا من أكبر ألغاز الحرب السورية الذي استعصى حله حتى يومنا هذا. وقامت وحدة التحقيقات الاستقصائية في DW بجمع أدلة في ست دول وتحدثت إلى عشرات الشهود الذين كان لديهم معرفة ودراية وثيقة بالقضية من أجل تعقب الجناة المحتملين. وفي هذا السياق قررت DW عدم الكشف عن هوية بعض مصادرها في معظم الحالات بسبب المخاوف الأمنية وحمايتها من أي عمل انتقامي.

ترحيب عدائي

بعد أسابيع من وصولها إلى مدينة دوما السورية، طلبت رزان الوصول إلى مختلف السجون الخاضعة لإدارة فصائل المعارضة السورية المسلحة من أجل التحقيق في مزاعم تعرض معتقلين للتعذيب. وأثارت جهودها هذه ارتياب الكثيرين في المدينة إذ أعرب البعض في حينه عن مخاوفه وشكوكه حيال “ولاء” رزان للثورة السورية – التي تعد واحدة من الانتفاضات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضد الأنظمة الاستبدادية في عام 2011 والتي عُرفت بـ “الربيع العربي”.

لكن هذا الأمر كان بمثابة لحظة حاسمة لرزان زيتونة – المدافعة عن حقوق الإنسان التي تؤمن بأنه يجب صون كرامة البشر كافة ويتعين توثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان من أجل تحقيق المساءلة. وفي مقابلة مع DW، قال نديم حوري –  المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي وأحد أصدقاء رزان – “لقد كانت رزان من أوائل الأصوات داخل المعارضة السورية التي قالت إننا لن نمنح الفصائل المسلحة حرية التصرف بشكل تام حتى لو كانوا يحاربون الشر الأكبر”.

“جيش الإسلام فوق الجميع”

وفي ذاك التوقيت، لم تكن مدينة دوما بريف دمشق ساحة للمعارك بين المعارضة والنظام فحسب وإنما كانت مدينة تشهد تنازعا بين “جيش الإسلام” و “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة، وأيضا فصائل أخرى تتنافس على السلطة والسيطرة في المدينة. واعترضت جماعة “جيش الإسلام” التي كانت تعتبر نفسها الفصيل الأفضل مقارنة بكافة الفصائل، على عمل رزان في مدينة دوما. وفي مقابلة مع DW، قال محمد علوش – القائد السياسي السابق لـ “جيش الإسلام” – “لقد نصحت السيدة رزان بأن الكتابة عن النظام تعد مسألة أخلاقية كبيرة”.

وأضاف “لكن وقبل كتابة رزان تقارير عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل المعارضة، طلبت منها التحدث إليهم وتقديم النصائح وتثقيفهم في مجال حقوق الإنسان”. ويبدو أن ما قدمه علوش من نصح لرزان كان على نحو بالكاد جاد، إذ تم منع رزان بشكل متكرر من الوصول إلى منشآت تابعة للفصائل المسلحة بما في ذلك تلك التي كان يديرها مسلحو “جيش الإسلام”.

وفي ذلك، قال نشطاء ومصادر عديدة في المعارضة كانوا متواجدين في دوما في ذلك التوقيت إنه عندما رفضت رزان التراجع، اتخذ مسلحو “جيش الإسلام” عدة خطوات تصعيدية بداية من تدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعتها وإظهار أنها “امرأة غير ملتزمة اخلاقيا” ووصولا إلى تصويرها وكأنها جاسوسة للنظام السوري. وشكلت هذه المزاعم خطرا شديدا على سلامة رزان إلا أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا – وهي منظمة إغاثة ساعدت رزان في إنشائها مع بداية الانتفاضة السورية- يقرر المضي قدما في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن هوية مرتكبيها.

“لماذا لا تخطفون رزان؟”

وبحلول سبتمبر/ أيلول عام 2013، أصبحت المساعي لوقف عمل زران الحقوقي في دوما، عدوانية إذ تلقت في الشهر ذاته خطاب تهديد وتعرضت لإطلاق نار بسبب ما كانت تقوم به. وقد حصلت DW  على تسجيل صوتي لشخص تلقى أوامر من أحد منتسبي “جيش الإسلام” كي يهدد رزان بقتلها. ويمكن سماع هذا الرجل وهو يصف الحوار . ففي هذا التسجيل يقول الرجل: “لقد أبلغني بأن هذه الفتاة عميلة وأنها توثق معلومات عن الجيش السوري الحر وتكتب تقارير إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وهذه التقارير قد تجلبنا إلى المحكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب”.

ويضيف الرجل في التسجيل: “أبلغته إذا كانت عميلة وتعمل ضد البلد، فلماذا لا تقومون بعمل أي شيء؟ لماذا لا تقومون بخطفها؟ هل أنتم خائفون؟ ورد قائلا: (لا، لسنا خائفين منها، سوف نطيح بها، لكن الآن نريد أن نهددها)”. وكان الرجل في التسجيل الصوتي يشير إلى حسين الشاذلي وهو مسؤول أمني محلي أعترف فيما بعد أمام محكمة محلية بأنه تلقى أوامر مباشرة من سمير كعكة – المسؤول الشرعي في “جيش الإسلام”، وفقا لما ذكرته مصادر حضرت مثول الشاذلي، في مقابلة مع DW .

ويبدو أن الشاذلي – الذي حافظ على علاقة ودية مع تنظيم “جيش الإسلام”- كان يهدد رزان زيتونة بقتلها إذا لم تغادر دوما “خلال أيام”. ويعيش الشاذلي حاليا في بلدة الباب في الشمال السوري تحت حماية “جيش الإسلام”. ولم يكن تنظيم “جيش الإسلام” الفصيل الوحيد الذي استهدف رزان بسبب نشاطها الحقوقي، لكن لم يقدم أي فصيل آخر على استهدافها بالنحو الذي قام به مسلحو “جيش الإسلام”.

اختفاء دون أثر

في حوالي الساعة العاشرة من مساء التاسع من سبتمبر/ أيلول 2013، اقتحم مهاجمون مجهولون الهوية مكاتب مركز توثيق الانتهاكات حيث كانت تعيش رزان وزوجها وائل حمادة. وكانت الناشطة السياسية سميرة خليل والمحامي ناظم حمادي – وهما أيضا صديقان لرزان وزوجها- متواجدين في ذلك التوقيت. وعندما وقع الاقتحام، كان حمادي يجرى اتصالا عبر موقع “سكايب” مع شقيقه لكنه أنهى الاتصال للتعامل مع الأمر. بيد أنه وقبل انقطاع الاتصال ترددت في أصداء المكان عبارة “أعداء الله”.

“أعداء الله”

لم يُعرف إلا القليل حيال ما وقع في الليلة التي شهدت اقتحام المهاجمين مكتب مركز توثيق الانتهاكات، إلا أن الجيران قالوا إنهم سمعوا المسلحين وهم يصرخون. وقال أحد الجيران إنه رأى أحد قادة المعارضة وهو يغادر المكان بسيارة برفقته النشطاء، فيما تشير تقارير محلية إلى أن المهاجمين كانوا مسلحين. وقامتDW بالتحقيق في العديد من المزاعم، إلا أن القليل منها كان يحمل في طياته قرائن حقيقية. بيد أنه من المؤكد مصادرة أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بالنشطاء وأيضا هواتفهم والعديد من الملفات خلال عملية الاقتحام. وقد تم إبلاغ DW  أن مبلغ يقدر بأكثر من 30 ألف ليرة سورية كان على الطاولة في المكتب لكنه لم يقم أي شخص بأخذه.

بعض الأدلة الرقمية

وفقا لمصادر لـ DW، فإن الأيام التي أعقبت عملية الاختطاف شهدت تمكن عنصر ينتمي إلى “جيش الإسلام” من الدخول إلى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال جهاز الحاسب الآلي الذي قدمته وزارة الخارجية الأمريكية إلى رزان وزوجها خليل. وقال أحد المصادر إنه قام بتنبيه السفير الأمريكي في ذاك الوقت روبرت فورد بأن جهاز الحاسب الآلي قد تمت مصادرته خلال عملية الاختطاف. وفي مقابلة مع DW، قال المصدر إن السلطات الأمريكية تمكنت من تحديد موقع جهاز الحاسب الآلي وكذلك هوية المستخدم الذي تمكن من الوصول إليه. وقد عرفتDW  بهوية هذا المستخدم فيما تم تحديد موقع جهاز الحاسب الآلي إذ تبين أنه موجود في مجمع أمنى لـ “جيش الإسلام” في دوما. ويضم هذا المجمع الأمني سجن “التوبة” سيء السمعة الخاضع لإدارة تنظيم “جيش الإسلام”.

وقال ناطق باسم الخارجية الأمريكية لـ DW  إن المسؤولين لا يعلمون مصير رزان عقب اختطافها. بيد أن آخرين على دراية بالحادث قد واجهوا زهران علوش – زعيم جماعة “جيش الإسلام” في ذاك الوقت والذي قُتل في غارة على غوطة دمشق الشرقية عام 2015 – بالمعلومات حيال جهاز الحاسب الآلي الخاص برزان. ونفى زهران علوش في حينه تورط تنظيم “جيش الإسلام” في عملية الاختطاف. وقالت مصادر لـ DW  إنه عقب 24 ساعة من تلك المواجهة، تم حذف حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بعنصر “جيش الإسلام” الذي قام بالدخول إليها من خلال جهاز الحاسب الآلي الخاص برزان.وأضافت المصادر أنه لم يُسمع عن هذا الشخص مرة أخرى.

كل الطرق تؤدي إلى “سجن التوبة”

وفقا لشهادة صوتية حصلت عليها DW، فقد رأت إحدى سجينات سجن “التوبة” رزان زيتونة في السجن بعد أشهر من اختطافها. واستطاعت هذه السجينة تحديد رزان في بين مجموعة من صور مختلفة لآخرين، حسبما ذكرت مصادر كانت موجودة خلال هذه الجلسة. وقالت هذه السيدة في شهادة أدلت بها إلى فصيل معارض آخر: “كنت في (سجن) التوبة في مارس / آذار وسمعت اسم رزان زيتونة. لقد قاموا بضرب هذه المرأة (رزان) ما أدى إلى انهيارها. وقد طلبوا منا إعادتها إلى محبسها. اتذكر عينيها ذات اللون الأخضر”.

ووفقا لمصادر تحدثت إلى DW، فإن بعض شهود العيان قالوا إن رزان تم وضعها في سجن “التوبة” في الفترة ما بين عامي 2017 و2018. ولا يمكن الإفصاح عن هوية شهود العيان أو ذكر متى وأين شاهدوا رزان خوفا من تعرضهم لأي تهديد بسبب الكشف عن هذه المعلومات. وتحدثت DW  مع أشخاص تم احتجازهم من قبل “تنظيم جيش الإسلام” إذ أكدوا بوقوع عدد من الفظائع شملت جرائم اغتصاب وتعذيب وإعدامات داخل سجن “التوبة”. وفي مقابلة مع DW، قال راتب خيبة – القيادي السابق في تنظيم “جيش الإسلام” وأحد سجناء سجن “التوبة” – “جيش الإسلام سيءُ بقدر سوء نظام الأسد. لقد تعرض (مسلحو التنظيم) للاعتقال والتعذيب في سجون النظام. لذا فقد قاموا بتعذيب سجنائهم بنفس الطريقة”.

ارتكاب فظائع

ونفت قيادة “جيش الإسلام” عدة مرات تورط التنظيم في اختفاء رزان. وقد واجهتDW  قادة في التنظيم مرة أخرى إلا أنهم اتهموا شهود العيان بالكذب. وقال الناطق الرسمي لجيش الإسلام “حمزة بيرقدار” لـ DW “أي شخص يزعم أن “جيش الإسلام” مسؤول عن اختطاف (رزان) فإنه يتخذ موقفا سياسيا باتهامه “جيش الإسلام” بدلا عن قول الحقيقة والكشف عن الجناة”. وقالت مصادر DW  إنه من غير المرجح أن زهران علوش كان على دراية بعملية الاختطاف بشكل مسبق إذ كان يخوض معركة استراتيجية في حينه ضد قوات الأسد من أجل فتح ممر إمداد إلى دوما.

ويعتقد أن علوش اكتشف بأمر عملية اختطاف رزان بعد ذلك بأيام فيما كان نائبه أبو قصي الديراني يشرف على الفرع الأمني للتنظيم في دوما. وتشير الأدلة إلى أن الديراني و سمير كعكة – المسؤول الشرعي في “جيش الإسلام” – هما من قاما بتدبير الأمر وإصدار أوامر باختطاف رزان دون معرفة زهران علوش. وطلبت DW إجراء مقابلات مع الديراني وكعكة إلا أن الطلب قوبل بالرفض. ولا يزال الرجلان من قادة التنظيم النشطاء، فيما ليس واضحا بعد مدى علم القيادات الأخرى داخل التنظيم بشأن تورط “جيش الإسلام” في عملية اختطاف رزان.

كان جيش الإسلام أحد أقوى الفصائل السورية قبل هزيمته في الغوطة الشرقية قرب دمشق

محاولات لإطلاق سراح رزان

أفادت التقارير بأن زهران علوش عقب معرفته بواقعة الاختطاف، أصبح يائسا حيال ما يمكن القيام به بشأن النشطاء الأربعة الذين تم اختطافهم ومن بينهم رزان. وقبل شهور قليلة من مقتله في غارة جوية روسية في ديسمبر / كانون أول عام 2015، تعهد علوش للأطراف التي تمثل الضحايا الأربعة، بالإجابة على أسئلتهم حيال مصير رزان والآخرين. وفي مقابلة مع DW، قال أسامة نصار – ناشط سوري وصديق لرزان- “عندما التقينا بزعماء جيش الإسلام خلف الأبواب المغلقة، فإن النقاش لم يتطرق إلى حقيقة أنهم هم من قاموا باختطاف رزان وإخفائها. كنا نتحدث عن الخطوة المستقبلية وكيف يمكنهم إطلاق سراحها”. ودفع هذا الأمر بعض الأطراف إلى التعهد باتخاذ خطوات لضمان عدم تحميل جيش الإسلام أي مسؤولية حيال عملية الاختطاف، لكن مقتل علوش أنهى هذا الاتفاق. وعقب مقتله، رفض ابن عمه وخليفته السياسي محمد علوش الالتزام بالاتفاق.

ومع حلول عام 2016، قرر محمد علوش الذهاب لقيادة وفد المعارضة في مفاوضات أستانا وجنيف الرامية إلى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق. واليوم يمتلك علوش مطعما يقدر بملايين الدولارات في قلب مدينة اسطنبول التركية. وسعدت أطراف أخرى من بينها الولايات المتحدة وروسيا إلى إطلاق سراح رزان إلى جانب أقاربها وأصدقائها. وفي إحدى الحالات، يعتقد أن قطر – بطلب من الولايات المتحدة- عرضت على قادة تنظيم “جيش الإسلام” مبلغا من المال يقدر بأكثر من مليون دولار لضمان إطلاق سراح النشطاء الأربعة بينهم رزان. وباءت كافة المحاولات الأخرى للتفاوض مع تنظيم “جيش الإسلام” بالفشل.

تحقيق العدالة

وعقب عقد من الحرب في سوريا، تشهد الساحة زخما جديدا لمحاسبة الأطراف المتورطة في ارتكاب جرائم. ففي القارة الأوروبية، دشنت عدد من البلدان بينها ألمانيا تحقيقات جنائية حول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في خضم الصراع السوري. ورغم أن معظم الفظائع المتعلقة بجرائم حرب ارتكبتها القوات الحكومية وتنظيمات إرهابية مثل “داعش”، فإن هناك جهود تبذل للتحقيق في جرائم ارتكبتها جهات أخرى فاعلة غير حكومية بما في ذلك فصائل المعارضة المسلحة مثل تنظيم “جيش الإسلام”.

المانيا من الدول التي يحاول القضاء فيها ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا

ففي العام المنصرم، ألقت السلطات الفرنسية القبض على قيادي سابق في تنظيم “جيش الإسلام” يدعي مجدي مصطفى نعمة المعروف باسمه الحركي “إسلام علوش” على خلفية اختفاء الناشطة رزان.وكان “إسلام علوش” من بين أبرز قادة تنظيم “جيش الإسلام” حيث كان الناطق الرسمي باسم التنظيم لأكثر من خمس سنوات.

وفي باريس، أكدت الوحدة الفرنسية المعنية بالتحقيق في جرائم الحرب لـ DW  أنها تباشر تحقيقات بشأن تنظيم “جيش الإسلام” لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل لأن التحقيق لا يزال مستمرا. بيد أن كليمانس بكتارت – المحامية الفرنسية في مجال حقوق الإنسان والتي تقود حملة قانونية ضد “جيش الإسلام” – قدمت بعض المعلومات حيال التحقيقات. وأضافت “لقد حان الوقت للقول بصوت عال أن المعارضة السورية وقعت أيضا ضحية لفصائل أخرى تظاهرت بالقتال من أجل الثورة لكنها انقلبت أيضا على الشعب السوري”. وفي مقابلة مع DW، قالت بكتارت إن “هذا ما كانت رزان منزعجة بسببه وتحذر منه وربما يكون هذا السبب وراء وفاتها.”

وحتى اليوم، يستمر تنظيم “جيش الإسلام” في التواجد بسوريا إذ اندمج داخل “الجيش السوري الحر” وهو تحالف فضفاض يضم عددا من جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا – إحدى أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويعبر قادة التنظيم إلى تركيا بحرية تامة دون الخوف من التعرض للمساءلة.

ويتوقع أن يستغرق القضاء الفرنسي عدة أشهر وربما سنوات حتى يقرروا بشكل رسمي فتح قضية في المحاكم الفرنسية ضد تنظيم “جيش الإسلام”. وعندما يطل هذا اليوم، فإنه ربما سيكون بمثابة خطوة أمامية أخرى نحو تحقيق المساءلة حيال واحدة من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين.

شاركت دانا سوملاجي ووفاء البدري في إعداد هذا التقرير/ م.ع

https://www.dw.com/ar/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%81%D8%AA-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%82%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%B1%D8%B2%D8%A7%D9%86-%D8%B2%D9%8A%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%A9/a-58280245

————————————

تحقيق أين اختفت رزان زيتون

تحقيق استقصائي دويتشه فيله 2021: غموض اختفاء رزان زيتونة في إحدى ضواحي دمشق عام 2013 مع زملاء لها لغز في الحرب السورية دفع دويتشه فيله إلى جمع أدلة في ست دول لتعقب الجناة المحتملين وحل هذا اللغز. رزان ساعدت في إنشاء مركز للتوثيق يسعى لكشف انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن مرتكبيها: المعارضة أو النظام.

بحلول صيف عام 2013، أصبح توثيق انتهاكات حقوق الإنسان حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية من المحرمات، بيد أن هذا لم ينتقص من شجاعة رزان زيتونة – أيقونة حقوق الإنسان في سوريا. فقد كانت رزان زيتونة – المحامية الحقوقية البارزة والمدافعة عن حقوق الإنسان – في ذاك الوقت قد فرت لِلتَّوّ من العاصمة دمشق بسبب الضغط الكبير الذي مارسه النظام السوري على عملها. لكنها أيضا لم تكن على استعداد لوقف عملها بناء على أوامر من مسلحين في مدينة دوما الواقعة على أطراف دمشق والخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في ذلك الوقت.

بيد أن مثابرة رزان زيتونة كانت مصيرية ومنذرة بسوء. فعلى الرغم من أن قادة فصائل المعارضة المسلحة الكبيرة كانوا يدعمون بشكل كبير توثيق الفظائع التي ارتكبتها القوات التابعة للرئيس بشار الأسد، إلا أنهم اعتبروا الجهود الرامية لتسجيل وتوثيق جرائم الحرب التي يرتكبها مسلحو المعارضة كأنها نوعا من العداء الصريح ضدهم.

وبعد شهور قليلة عقب وصولها في مطلع عام 2013، أقدم مسلحون على خطف زيتونة وزوجها واثنين من زملائها. وخلال السنوات الثماني التي تلت هذه الواقعة، بدأ عدد شهود العيان المحتملين يتناقص إذ تم تهديد وترهيب البعض منهم بشكل روتيني حتى يظلوا صامتين، فيما تعرض آخرون للقتل. وعلى وقع هذا، ظل اختطاف رزان زيتونة واحدا من أكبر ألغاز الحرب السورية الذي استعصى حله حتى يومنا هذا. وقامت وحدة التحقيقات الاستقصائية في دويتشه فيله بجمع أدلة في ست دول وتحدثت إلى عشرات الشهود الذين كان لديهم معرفة ودراية وثيقة بالقضية من أجل تعقب الجناة المحتملين. وفي هذا السياق قررت دويتشه فيله عدم الكشف عن هوية بعض مصادرها في معظم الحالات بسبب المخاوف الأمنية وحمايتها من أي عمل انتقامي.

ترحيب عدائي

بعد أسابيع من وصولها إلى مدينة دوما السورية، طلبت رزان الوصول إلى مختلف السجون الخاضعة لإدارة فصائل المعارضة السورية المسلحة من أجل التحقيق في مزاعم تعرض معتقلين للتعذيب. وأثارت جهودها هذه ارتياب الكثيرين في المدينة إذ أعرب البعض في حينه عن مخاوفه وشكوكه حيال “ولاء” رزان للثورة السورية – التي تعد واحدة من الانتفاضات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضد الأنظمة الاستبدادية في عام 2011 والتي عُرفت بـ “الربيع العربي”.

لكن هذا الأمر كان بمثابة لحظة حاسمة لرزان زيتونة – المدافعة عن حقوق الإنسان التي تؤمن بأنه يجب صون كرامة البشر كافة ويتعين توثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان من أجل تحقيق المساءلة. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال نديم حوري –  المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي وأحد أصدقاء رزان – “لقد كانت رزان من أوائل الأصوات داخل المعارضة السورية التي قالت إننا لن نمنح الفصائل المسلحة حرية التصرف بشكل تام حتى لو كانوا يحاربون الشر الأكبر”.أحد أفراد “جيش الإسلام” في دوما في السابق – سوريا. Foto AFP

من أصدقاء إلى أعداء؟ اعترض “جيش الإسلام” -الذي اعتبر نفسه الفصيل الأفضل- على عمل رزان في مدينة دوما، في مقابلة مع دويتشه فيله قال محمد علوش -القائد السياسي السابق لـ “جيش الإسلام- “لقد نصحتُ السيدة رزان بأن الكتابة عن النظام تعد مسألة أخلاقية كبيرة”. وأضاف “لكن وقبل كتابة رزان تقارير عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل المعارضة طلبتُ منها التحدث إليهم وتقديم النصائح وتثقيفهم في مجال حقوق الإنسان”. ويبدو أن ما قدمه علوش من نصح لرزان كان على نحو بالكأد جاد، إذ تم منع رزان مرارا من بلوغ منشآت تابعة للفصائل المسلحة بما في ذلك تلك التي كان يديرها مسلحو “جيش الإسلام”. ونقل نشطاء من المعارضة كانوا في دوما آنذاك إنه عندما رفضت رزان التراجع اتخذ مسلحو “جيش الإسلام” خطوات تصعيدية بداية من تدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعتها وإظهار أنها “امرأة غير ملتزمة أخلاقيا” ووصولا إلى تصويرها وكأنها جاسوسة للنظام السوري. مركز توثيق الانتهاكات في سوريا الذي ساعدت رزان في إنشائه يكشف انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن هوية مرتكبيها. ونفت قيادة “جيش الإسلام” عدة مرات تورطه في اختفاء رزان.

“جيش الإسلام فوق الجميع”

وفي ذاك التوقيت، لم تكن مدينة دوما بريف دمشق ساحة للمعارك بين المعارضة والنظام فحسب وإنما كانت مدينة تشهد تنازعا بين “جيش الإسلام” و “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة، وأيضا فصائل أخرى تتنافس على السلطة والسيطرة في المدينة. واعترضت جماعة “جيش الإسلام” التي كانت تعتبر نفسها الفصيل الأفضل مقارنة بكافة الفصائل، على عمل رزان في مدينة دوما. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال محمد علوش – القائد السياسي السابق لـ “جيش الإسلام” – “لقد نصحت السيدة رزان بأن الكتابة عن النظام تعد مسألة أخلاقية كبيرة”.

وأضاف “لكن وقبل كتابة رزان تقارير عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل المعارضة، طلبت منها التحدث إليهم وتقديم النصائح وتثقيفهم في مجال حقوق الإنسان”. ويبدو أن ما قدمه علوش من نصح لرزان كان على نحو بالكأد جاد، إذ تم منع رزان بشكل متكرر من الوصول إلى منشآت تابعة للفصائل المسلحة بما في ذلك تلك التي كان يديرها مسلحو “جيش الإسلام”.

في ذلك، قال نشطاء ومصادر عديدة في المعارضة كانوا متواجدين في دوما في ذلك التوقيت إنه عندما رفضت رزان التراجع، اتخذ مسلحو “جيش الإسلام” عدة خطوات تصعيدية بداية من تدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعتها وإظهار أنها “امرأة غير ملتزمة أخلاقيا” ووصولا إلى تصويرها وكأنها جاسوسة للنظام السوري. وشكلت هذه المزاعم خطرا شديدا على سلامة رزان إلا أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا – وهي منظمة إغاثة ساعدت رزان في إنشائها مع بداية الانتفاضة السورية- يقرر المضي قدما في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن هوية مرتكبيها.

“لماذا لا تخطفون رزان؟”

وبحلول سبتمبر/ أيلول عام 2013، أصبحت المساعي لوقف عمل زران الحقوقي في دوما، عدوانية إذ تلقت في الشهر ذاته خطاب تهديد وتعرضت لإطلاق نار بسبب ما كانت تقوم به. وقد حصلت دويتشه  على تسجيل صوتي لشخص تلقى أوامر من أحد منتسبي “جيش الإسلام” كي يهدد رزان بقتلها. ويمكن سماع هذا الرجل وهو يصف الحوار . ففي هذا التسجيل يقول الرجل: “لقد أبلغني بأن هذه الفتاة عميلة وأنها توثق معلومات عن الجيش السوري الحر وتكتب تقارير إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وهذه التقارير قد تجلبنا إلى المحكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب”.

ويضيف الرجل في التسجيل: “أبلغته إذا كانت عميلة وتعمل ضد البلد، فلماذا لا تقومون بعمل أي شيء؟ لماذا لا تقومون بخطفها؟ هل أنتم خائفون؟ ورد قائلا: (لا، لسنا خائفين منها، سوف نطيح بها، لكن الآن نريد أن نهددها)”. وكان الرجل في التسجيل الصوتي يشير إلى حسين الشاذلي وهو مسؤول أمني محلي اعترف فيما بعد أمام محكمة محلية بأنه تلقى أوامر مباشرة من سمير كعكة – المسؤول الشرعي في “جيش الإسلام”، وفقا لما ذكرته مصادر حضرت مثول الشاذلي، في مقابلة مع دويتشه فيله.

ويبدو أن الشاذلي – الذي حافظ على علاقة ودية مع تنظيم “جيش الإسلام”- كان يهدد رزان زيتونة بقتلها إذا لم تغادر دوما “خلال أيام”. ويعيش الشاذلي حاليا في بلدة الباب في الشمال السوري تحت حماية “جيش الإسلام”. ولم يكن تنظيم “جيش الإسلام” الفصيل الوحيد الذي استهدف رزان بسبب نشاطها الحقوقي، لكن لم يقدم أي فصيل آخر على استهدافها بالنحو الذي قام به مسلحو “جيش الإسلام”.

اختفاء دون أثر

في حوالي الساعة العاشرة من مساء التاسع من سبتمبر/ أيلول 2013، اقتحم مهاجمون مجهولون الهوية مكاتب مركز توثيق الانتهاكات حيث كانت تعيش رزان وزوجها وائل حمادة. وكانت الناشطة السياسية سميرة خليل والمحامي ناظم حمادي – وهما أيضا صديقان لرزان وزوجها – متواجدين في ذلك التوقيت. وعندما وقع الاقتحام، كان حمادي يجرى اتصالا عبر موقع “سكايب” مع شقيقه لكنه أنهى الاتصال للتعامل مع الأمر. بيد أنه وقبل انقطاع الاتصال ترددت في أصداء المكان عبارة “أعداء الله”.

“أعداء الله”

لم يُعرَف إلا القليل حيال ما وقع في الليلة التي شهدت اقتحام المهاجمين مكتب مركز توثيق الانتهاكات، إلا أن الجيران قالوا إنهم سمعوا المسلحين وهم يصرخون. وقال أحد الجيران إنه رأى أحد قادة المعارضة وهو يغادر المكان بسيارة برفقته النشطاء، فيما تشير تقارير محلية إلى أن المهاجمين كانوا مسلحين. وقامت دويتشه فيله بالتحقيق في العديد من المزاعم، إلا أن القليل منها كان يحمل في طياته قرائن حقيقية. بيد أنه من المؤكد مصادرة أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بالنشطاء وأيضا هواتفهم والعديد من الملفات خلال عملية الاقتحام. وقد تم إبلاغ دويتشه فيله بأن مبلغ يقدر بأكثر من 30 ألف ليرة سورية كان على الطاولة في المكتب لكن لم يقم أي شخص بأخذه.مجمَّع أمني تابع لجيش الإسلام في سوريا – Foto Google Earth (source: Google Earth)

مجمَّع أمني تابع لجيش الإسلام في سوريا: وفقا لشهادة صوتية حصلت عليها دويتشه فيله، فقد رأت إحدى سجينات سجن “التوبة” رزان زيتونة في السجن بعد أشهر من اختطافها. واستطاعت هذه السجينة تحديد رزان بين مجموعة من صور مختلفة لآخرين، بحسب ما ذكرت مصادر كانت موجودة خلال هذه الجلسة. وقالت هذه السيدة في شهادة أدلت بها إلى فصيل معارض آخر: “كنت في (سجن) التوبة في مارس / آذار وسمعت اسم رزان زيتونة. لقد قاموا بضرب هذه المرأة (رزان) ما أدى إلى انهيارها. وقد طلبوا منا إعادتها إلى محبسها. أتذكر عينيها ذات اللون الأخضر”. ووفقا لمصادر تحدثت إلى دويتشه فيله، فإن بعض شهود العيان قالوا إن رزان تم وضعها في سجن “التوبة” في الفترة ما بين عامي 2017 و2018.

بعض الأدلة الرقمية

وفقا لمصادر لدويتشه فيله، فإن الأيام التي أعقبت عملية الاختطاف شهدت تمكن عنصر ينتمي إلى “جيش الإسلام” من الدخول إلى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال جهاز الحاسب الآلي الذي قدمته وزارة الخارجية الأمريكية إلى رزان وزوجها خليل. وقال أحد المصادر إنه قام بتنبيه السفير الأمريكي في ذاك الوقت روبرت فورد بأن جهاز الحاسب الآلي قد تمت مصادرته خلال عملية الاختطاف. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال المصدر إن السلطات الأمريكية تمكنت من تحديد موقع جهاز الحاسب الآلي وكذلك هوية المستخدم الذي تمكن من الوصول إليه. وقد عرفت دويتشه فيله بهوية هذا المستخدم فيما تم تحديد موقع جهاز الحاسب الآلي إذ تبين أنه موجود في مجمع أمنى لـ “جيش الإسلام” في دوما. ويضم هذا المجمع الأمني سجن “التوبة” سيء السمعة الخاضع لإدارة تنظيم “جيش الإسلام”.

وقال ناطق باسم الخارجية الأمريكية لـ دويتشه فيله إن المسؤولين لا يعلمون مصير رزان عقب اختطافها. بيد أن آخرين على دراية بالحادث قد واجهوا زهران علوش – زعيم جماعة “جيش الإسلام” في ذاك الوقت والذي قُتل في غارة على غوطة دمشق الشرقية عام 2015 – بالمعلومات حيال جهاز الحاسب الآلي الخاص برزان. ونفى زهران علوش في حينه تورط تنظيم “جيش الإسلام” في عملية الاختطاف. وقالت مصادر لدويتشه فيله إنه عقب 24 ساعة من تلك المواجهة، تم حذف حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بعنصر “جيش الإسلام” الذي قام بالدخول إليها من خلال جهاز الحاسب الآلي الخاص برزان. وأضافت المصادر أنه لم يُسمع عن هذا الشخص مرة أخرى.

كل الطرق تؤدي إلى “سجن التوبة”

وفقا لشهادة صوتية حصلت عليها دويتشه فيله، فقد رأت إحدى سجينات سجن “التوبة” رزان زيتونة في السجن بعد أشهر من اختطافها. واستطاعت هذه السجينة تحديد رزان بين مجموعة من صور مختلفة لآخرين، بحسب ما ذكرت مصادر كانت موجودة خلال هذه الجلسة. وقالت هذه السيدة في شهادة أدلت بها إلى فصيل معارض آخر: “كنت في (سجن) التوبة في مارس / آذار وسمعت اسم رزان زيتونة. لقد قاموا بضرب هذه المرأة (رزان) ما أدى إلى انهيارها. وقد طلبوا منا إعادتها إلى محبسها. أتذكر عينيها ذات اللون الأخضر”.

ووفقا لمصادر تحدثت إلى دويتشه فيله، فإن بعض شهود العيان قالوا إن رزان تم وضعها في سجن “التوبة” في الفترة ما بين عامي 2017 و2018. ولا يمكن الإفصاح عن هوية شهود العيان أو ذكر متى وأين شاهدوا رزان خوفا من تعرضهم لأي تهديد بسبب الكشف عن هذه المعلومات. وتحدثت دويتشه فيله مع أشخاص تم احتجازهم من قبل “تنظيم جيش الإسلام” إذ أكدوا بوقوع عدد من الفظائع شملت جرائم اغتصاب وتعذيب وإعدامات داخل سجن “التوبة”. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال راتب خيبة – القيادي السابق في تنظيم “جيش الإسلام” وأحد سجناء سجن “التوبة” – “جيش الإسلام سيءُ بقدر سوء نظام الأسد. لقد تعرض (مسلحو التنظيم) للاعتقال والتعذيب في سجون النظام. لذا فقد قاموا بتعذيب سجنائهم بنفس الطريقة”.

ارتكاب فظائع

ونفت قيادة “جيش الإسلام” عدة مرات تورط التنظيم في اختفاء رزان. وقد واجهت دويتشه فيله قادة في التنظيم مرة أخرى إلا أنهم اتهموا شهود العيان بالكذب. وقال الناطق الرسمي لجيش الإسلام “حمزة بيرقدار” لدويتشه فيله “أي شخص يزعم أن “جيش الإسلام” مسؤول عن اختطاف (رزان) فإنه يتخذ موقفا سياسيا باتهامه “جيش الإسلام” بدلا عن قول الحقيقة والكشف عن الجناة”. وقالت مصادر دويتشه فيله إنه من غير المرجح أن زهران علوش كان على دراية بعملية الاختطاف بشكل مسبق إذ كان يخوض معركة استراتيجية في حينه ضد قوات الأسد من أجل فتح ممر إمداد إلى دوما.

في باريس، أكدت الوحدة الفرنسية المعنية بالتحقيق في جرائم الحرب لدويتشه فيله أنها تباشر تحقيقات بشأن تنظيم “جيش الإسلام”: لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل لأن التحقيق لا يزال مستمرا. بيد أن كليمانس بكتارت – المحامية الفرنسية في مجال حقوق الإنسان والتي تقود حملة قانونية ضد “جيش الإسلام” – قدمت بعض المعلومات حيال التحقيقات. وأضافت “لقد حان الوقت للقول بصوت عال أن المعارضة السورية وقعت أيضا ضحية لفصائل أخرى تظاهرت بالقتال من أجل الثورة لكنها انقلبت أيضا على الشعب السوري”. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قالت بكتارت إن “هذا ما كانت رزان منزعجة بسببه وتحذر منه وربما يكون هذا السبب وراء وفاتها”. وحتى اليوم، يستمر تنظيم “جيش الإسلام” في التواجد بسوريا إذ اندمج داخل “الجيش السوري الحر” وهو تحالف فضفاض يضم عددا من جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا – إحدى أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويعبر قادة التنظيم إلى تركيا بحرية تامة دون الخوف من التعرض للمساءلة. ويتوقع أن يستغرق القضاء الفرنسي عدة أشهر وربما سنوات حتى يقرروا بشكل رسمي فتح قضية في المحاكم الفرنسية ضد تنظيم “جيش الإسلام”.

ويعتقد أن علوش اكتشف بأمر عملية اختطاف رزان بعد ذلك بأيام فيما كان نائبه أبو قصي الديراني يشرف على الفرع الأمني للتنظيم في دوما. وتشير الأدلة إلى أن الديراني و سمير كعكة – المسؤول الشرعي في “جيش الإسلام” – هما من قاما بتدبير الأمر وإصدار أوامر باختطاف رزان دون معرفة زهران علوش. وطلبت دويتشه فيله إجراء مقابلات مع الديراني وكعكة إلا أن الطلب قوبل بالرفض. ولا يزال الرجلان من قادة التنظيم النشطاء، فيما ليس واضحا بعد مدى علم القيادات الأخرى داخل التنظيم بشأن تورط “جيش الإسلام” في عملية اختطاف رزان.

محاولات لإطلاق سراح رزان

أفادت التقارير بأن زهران علوش عقب معرفته بواقعة الاختطاف، أصبح يائسا حيال ما يمكن القيام به بشأن النشطاء الأربعة الذين تم اختطافهم ومن بينهم رزان. وقبل شهور قليلة من مقتله في غارة جوية روسية في ديسمبر / كانون أول عام 2015، تعهد علوش للأطراف التي تمثل الضحايا الأربعة، بالإجابة على أسئلتهم حيال مصير رزان والآخرين. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال أسامة نصار – ناشط سوري وصديق لرزان – “عندما التقينا بزعماء جيش الإسلام خلف الأبواب المغلقة، فإن النقاش لم يتطرق إلى حقيقة أنهم هم من قاموا باختطاف رزان وإخفائها. كنا نتحدث عن الخطوة المستقبلية وكيف يمكنهم إطلاق سراحها”. ودفع هذا الأمر بعض الأطراف إلى التعهد باتخاذ خطوات لضمان عدم تحميل جيش الإسلام أي مسؤولية حيال عملية الاختطاف، لكن مقتل علوش أنهى هذا الاتفاق. وعقب مقتله، رفض ابن عمه وخليفته السياسي محمد علوش الالتزام بالاتفاق.

ومع حلول عام 2016، قرر محمد علوش الذهاب لقيادة وفد المعارضة في مفاوضات أستانا وجنيف الرامية إلى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق. واليوم يمتلك علوش مطعما يقدر بملايين الدولارات في قلب مدينة اسطنبول التركية. وسعت أطراف أخرى من بينها الولايات المتحدة وروسيا إلى إطلاق سراح رزان إلى جانب أقاربها وأصدقائها. وفي إحدى الحالات، يعتقد أن قطر – بطلب من الولايات المتحدة – عرضت على قادة تنظيم “جيش الإسلام” مبلغا من المال يقدر بأكثر من مليون دولار لضمان إطلاق سراح النشطاء الأربعة بينهم رزان. وباءت كافة المحاولات الأخرى للتفاوض مع تنظيم “جيش الإسلام” بالفشل.

تحقيق العدالة

وعقب عقد من الحرب في سوريا، تشهد الساحة زخما جديدا لمحاسبة الأطراف المتورطة في ارتكاب جرائم. ففي القارة الأوروبية، دشنت عدد من البلدان بينها ألمانيا تحقيقات جنائية حول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في خضم الصراع السوري. ورغم أن معظم الفظائع المتعلقة بجرائم حرب ارتكبتها القوات الحكومية وتنظيمات إرهابية مثل “داعش”، فإن هناك جهودا تبذل للتحقيق في جرائم ارتكبتها جهات أخرى فاعلة غير حكومية بما في ذلك فصائل المعارضة المسلحة مثل تنظيم “جيش الإسلام”.

ففي العام المنصرم 2020، ألقت السلطات الفرنسية القبض على قيادي سابق في تنظيم “جيش الإسلام” يدعي مجدي مصطفى نعمة المعروف باسمه الحركي “إسلام علوش” على خلفية اختفاء الناشطة رزان. وكان “إسلام علوش” من بين أبرز قادة تنظيم “جيش الإسلام” حيث كان الناطق الرسمي باسم التنظيم لأكثر من خمس سنوات.زهران علوش، زعيم “جيش الإسلام” الذي قُتل في غارة جوية في ريف دمشق (photo: Hamza Al Almahi/AA/picture-alliance)

نفى زهران علوش في حينه تورط تنظيم “جيش الإسلام” في اختطاف رزان زيتونة: أفادت التقارير بأن زهران علوش عقب معرفته بواقعة الاختطاف، أصبح يائسا حيال ما يمكن القيام به بشأن النشطاء الأربعة الذين تم اختطافهم ومن بينهم رزان. وقبل شهور قليلة من مقتله في الغارة الجوية الروسية في ديسمبر / كانون أول عام 2015، تعهد علوش للأطراف التي تمثل الضحايا الأربعة، بالإجابة على أسئلتهم حيال مصير رزان والآخرين. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال أسامة نصار – ناشط سوري وصديق لرزان – “عندما التقينا بزعماء جيش الإسلام خلف الأبواب المغلقة، فإن النقاش لم يتطرق إلى حقيقة أنهم هم من قاموا باختطاف رزان وإخفائها. كنا نتحدث عن الخطوة المستقبلية وكيف يمكنهم إطلاق سراحها”. ودفع هذا الأمر بعض الأطراف إلى التعهد باتخاذ خطوات لضمان عدم تحميل جيش الإسلام أي مسؤولية حيال عملية الاختطاف، لكن مقتل علوش أنهى هذا الاتفاق.

وفي باريس، أكدت الوحدة الفرنسية المعنية بالتحقيق في جرائم الحرب لدويتشه فيله أنها تباشر تحقيقات بشأن تنظيم “جيش الإسلام” لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل لأن التحقيق لا يزال مستمرا. بيد أن كليمانس بكتارت – المحامية الفرنسية في مجال حقوق الإنسان والتي تقود حملة قانونية ضد “جيش الإسلام” – قدمت بعض المعلومات حيال التحقيقات. وأضافت “لقد حان الوقت للقول بصوت عال أن المعارضة السورية وقعت أيضا ضحية لفصائل أخرى تظاهرت بالقتال من أجل الثورة لكنها انقلبت أيضا على الشعب السوري”. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قالت بكتارت إن “هذا ما كانت رزان منزعجة بسببه وتحذر منه وربما يكون هذا السبب وراء وفاتها”.

وحتى اليوم، يستمر تنظيم “جيش الإسلام” في التواجد بسوريا إذ اندمج داخل “الجيش السوري الحر” وهو تحالف فضفاض يضم عددا من جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا – إحدى أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويعبر قادة التنظيم إلى تركيا بحرية تامة دون الخوف من التعرض للمساءلة.

ويتوقع أن يستغرق القضاء الفرنسي عدة أشهر وربما سنوات حتى يقرروا بشكل رسمي فتح قضية في المحاكم الفرنسية ضد تنظيم “جيش الإسلام”. وعندما يطل هذا اليوم، فإنه ربما سيكون بمثابة خطوة أمامية أخرى نحو تحقيق المساءلة حيال واحدة من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين.

بيرغيتا شولكه-غيل / ماريا شحادة / لويس ساندرز

شاركت دانا سوملاجي ووفاء البدري في إعداد هذا التقرير / م.ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021

————————————

واحد من أكبر ألغاز الحرب السورية.. رزان زيتونة للواجهة

عدد الشهود المحتملين عن الحادثة انخفض في السنوات الثماني إلى ثلث العدد

فظائع الحرب السورية المستمرة منذ 10 سنوات لا تنتهي، بيد أن أبرز الملفات العالقة فيها إلى جانب الضحايا، هو ملف المعتقلين والمفقودين.

ولعل اختفاء الناشطة الحقوقية رزان زيتونة وزملائها مازال يعتبر أحد أكبر ألغاز الحرب حتى اليوم، فرغم التحقيقات الطويلة التي أجريت على مدار السنين الماضية من جهات مختلفة، لم يأتِ خبر يشفي العليل.

فالمحامية الحقوقية السورية التي اشتهرت بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، اختفت في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2013، بعدما فرّت من العاصمة دمشق إلى دوما بالريف، المدينة التي كانت قابعة حينها تحت قبضة ما كان يعرف بـ”جيش الإسلام”.

وهناك قام مهاجمون مجهولون باختطافها وزوجها واثنين من زملائها، فيما انخفض عدد الشهود المحتملين عن الحادثة في السنوات الثماني إلى ثلث العدد.

ووفق بعض المعلومات فإن منهم مهددا ولذلك التزم الصمت، وآخرين قتلوا، ليبقى سر الاختفاء هذا دون حل لأكثر من 8 سنوات.

تحقيق جديد

أما الجديد اليوم، فهو أن فريقاً من “دولتشيه فيليه” الألماني، قد جمع بعض الأدلة عبر 6 دول، بمساعدة عشرات الشهود الذين لديهم معرفة وثيقة بالقضية، وتعقب الفريق المجموعة التي من المرجح أن تكون مسؤولة عن اختفاء الناشطة المعروفة.

وبسبب المخاوف الأمنية والخوف من الانتقام، قرر الفريق أن يبقي هوية المصادر مجهولة في معظم الحالات.

كما أشارت المعلومات وفق التحقيق إلى أن زيتونة طلبت بعد أسابيع من وصولها إلى دوما أي في ربيع 2013، زيارة مختلف السجون التي تديرها جماعة جيش الإسلام التي كانت مسيطرة تلك الفترة، وذلك للتحقيق في اتهامات تعرض المعتقلين للتعذيب.

طلب قد يكون وراء الاختفاء

إلا أن هذا الطلب لم يرق للبعض على ما يبدو، فقد أدت جهودها إلى زعزعة استقرار الكثيرين في المدينة، حتى إن هناك من أعرب عن مخاوفه بشأن ولائها لـ “الثورة السورية”.

ومن المهم التوضيح أن دوما في تلك الفترة لم تكن ساحة للقتال بين النظام والمعارضة فقط، بل كانت بلدة متنازع عليها بشدة بين داعش آنذاك، وجبهة النصرة، وقوات أخرى مسلحة، ولهذا فإن أصابع الاتهام غير محددة الأهداف.

ورغم أن فصيل “جيش الإسلام” كان من ساعد زيتونة وزوجها على الهرب إلى دوما من مناطق النظام، إلا أنهم اعترضوا فيما بعد على نشاطها في المدينة.

نصيحة من “محمد علوش”

وأوضح محمد علوش، القيادي السابق للفصيل وممثله لاحقاً في المفاوضات السورية، لـ DW، أنه نصح رزان بنفسه بأن الكتابة عن النظام في دوما مسألة كبيرة، مشيراً إلى أنه طلب منها قبل “كتابة تقارير عن الانتهاكات التي ترتكبها جماعات المسلحة، وأن تتحدث إليهم وتعطيهم النصح وتعلمهم حقوق الإنسان”، وفق تعبيره.

فيما أشارت المعلومات إلى أن رزان حرمت من الوصول إلى السجون، بما في ذلك تلك التي يديرها جيش الإسلام، وعندما رفضت التراجع، أخذ أعضاء الفصيل خطوة بحقها، وأطلقوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعتها.

وكان هدف الحملة تشويه سمعتها من الناحية الأخلاقية، واتهامها بأنها “جاسوسة” تعمل لصالح النظام في سوريا، وذلك وفقاً للعديد من الثوار والناشطين الذين كانوا في دوما في ذلك الوقت.

“حان وقت التهديد”

وبحلول سبتمبر / أيلول 2013، أصبحت الجهود المبذولة لوقف عملها في مجال حقوق الإنسان في دوما أكثر عدوانية، ففي ذلك الشهر، تلقت رسالة تهديد وأطلق الرصاص على باب منزلها، كما حصل الفريق المعني بالتحقيق على تسجيل صوتي لعناصر من جيش الإسلام يخططون لتهديد زيتونة.

ويقول الرجل: “هذه الفتاة عميلة، توثق معلومات عن المقاتلين، وتكتب تقارير إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ويمكن أن تقدمنا ​​للمحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب”.

فأجاب الآخر: ” إذا كانت كذلك لماذا لا تفعل شيئا؟، لماذا لا تخطفها؟، هل تخاف منها؟”.

فرد الأول: “نحن لسنا خائفين، وسنقوم بإسقاطها، لكن في الوقت الحالي نريد تهديدها “.

إلى أن تبين لاحقاً أن الرجل في التسجيل هو حسين الشاذلي، وهو رجل أمن محلي اعترف لاحقا بتلقيه أوامر مباشرة من قيادي آخر في جيش الإسلام وهو سمير كعكة بتهديد زيتونة إن لم تغادر دوما خلال أيام.

ووفق المصادر، فإن مجموعات أخرى استهدفت زيتونة أيضا بسبب عملها، لكن “جيش الإسلام” كان الأكثر تهديداً.

اليوم الأخير

في حوالي الساعة العاشرة من مساء يوم 9 كانون الأول 2013، دخل الخاطفون مكاتب مركز توثيق الانتهاكات، حيث تعيش زيتونة مع زوجها وائل حمادة، ومعهما صديقان آخران، الناشطة السياسية سميرة خليل والمحامي ناظم حمادي.

كان حمادي على مكالمة عبر سكايب مع شقيقه عندما اقتحم المتسللون المكان، فقطع المكالمة من أجل التعامل معهم، إلا أن جملة واحدة سمعت قبل أن ينقطع الخط: “أعداء الله”.

فيما لا يُعرف سوى القليل عما حدث في تلك الليلة، إلا أن الجيران أفادوا بأنهم سمعوا صراخ رجال مجهولين، وادعى أحدهم أنه رأى أحد قادة الفصائل يقود سيارته مع النشطاء، فيما قالت تقارير إعلامية أن المهاجمين كانوا مسلحين.

إلا أن التحقيق أكد أن أجهزة الكمبيوتر والهواتف الخاصة بالنشطاء كانت من بين الأشياء التي استولى عليها الخاطفون، إلى جانب حفنة من الملفات، فيما قيل للفريق إن أكثر من 25000 يورو بالعملة السورية تركت على الطاولة دون مساس.

أدلة رقمية وبصمات

بعد شهرين من الاختطاف، دخل أحد أعضاء جيش الإسلام إلى حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي مستخدماً جهاز كمبيوتر حصل عليه أثناء اختطاف زيتونة وخليل، وأعلن عن الأمر من خلال برنامج ممول من وزارة الخارجية الأميركية.

وقال مصدر آنذاك إنه نبه السفير الأميركي روبرت فورد، بأن أجهزة الكمبيوتر قد تم أخذها خلال عملية الاختطاف، مضيفاً أن السلطات الأميركية تمكنت من تحديد الموقع الجغرافي للكمبيوتر والتعرف على المستخدم الذي وصل إليه.

ثم تم تتبع الكمبيوتر ليوصل الفريق إلى مجمع جيش الإسلام الأمني ​​في دوما، والذي يضم سجناً سيئ السمعة يُعرف باسم “التوبة”.

إلا أن المسؤولين الأميركيين أكدوا أنهم لا يعملون شيئا عن الناشطة بعد اختطافها، فيما واجه آخرون على علم بالحادثة مؤسس الفصيل، المتوفى الآن زهران علوش، بمعلومات حول الكمبيوتر، إلا أنه نفى تورط مجموعته في الاختطاف.

ماذا حدث بعد 24 ساعة

ومع ذلك ، بعد 24 ساعة من تلك المواجهة، تم حذف حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لعضو جيش الإسلام الذي وصل من الكمبيوتر إلى منصات متعددة، وأفاد التحقيق بأن هذا الشخص لم يسمع عنه مرة أخرى.

فيما أظهرت صور الأقمار الصناعية أن جيش الإسلام حوّل مباني منشأة زراعية تابعة للنظام إلى مجمع أمني وسجن.

كل الطرق تؤدي إلى السجن

في غضون أشهر من اختطافها، شاهدت محتجزة زيتونة في “سجن التوبة”، وتعرّفت المرأة على رزان بعدما عرضت عليها سلسلة من الصور، بحسب ناشطين.

وأوضحت المرأة في شهادتها أمام جماعة مسلحة أخرى، أنها سمعت عن اسم رزان زيتونة في “سجن التوبة”، وأن جيش الإسلام أتى بها للاستجواب، وحين رفضت قام أحد العناصر بضربها فأغمي عليها، فطلبوا منهم إعادتها إلى زنزانتها، وعندما استيقظت، رأت السجينة أن عينيها خضراوتان، وفق التحقيق.

كما أفاد العديد من الشهود الآخرين بأن زيتونة وجدت في سجن التوبة بين عامي 2014 و 2017، فيما أكد سجناء آخرون بـ”سجن التوبة” سيئ السمعة، وقوع فظائع كثيرة ارتكبت فيه،بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة، وأكدوا أن “جيش الإسلام” كما كان يطلق عليه، كانت جماعة تعتقل وتعذب مقاتلين ومدنيين على حد سواء.

إلا أن قيادة الجماعة نفت قيادة باستمرار تورطها في اختفاء الزيتونة، واتهموا الشهود بالزور، كما أنكر المتحدث باسم الفصيل حمزة بيرقدار تماماً أي علاقة له أو لجماعته بقضية الناشطة.

فيما لفتت مصادر أمنية إلى أنه من غير المرجح أن يكون المؤسس القتيل للتنظيم والقائد العسكري زهران علوش على علم بالاختطاف رزان، ففي ذلك الوقت كان يخوض معركة استراتيجية ضد النظام لفتح ممر إمداد إلى دوما، فيما يعتقد أنه اكتشف ذلك بعد أيام فقط.

وأشارت إلى إمكانية أن يكون نائبه أبو قصي الديراني المشرف على الفرع الأمني ​​للتنظيم في دوما، ومعه سمير كعكة قد تآمرا معا وأمرا بالاختطاف دون علم علوش.

محاولات لإطلاق سراحها

وبعد إبلاغه، ورد أن زهران علوش أصبح مرتبكاً بشأن ما يجب فعله مع النشطاء الأربعة المختطفين، وفقاً لمصادر من الناشطين.

وأفادت المعلومات بأنه وقبل أسابيع فقط من قتله بغارة جوية روسية في ديسمبر 2015، وعد علوش أصدقاء وعائلات الضحايا بتسوية مسألة مصيرهم.

بدوره أوضح مازن درويش، محامي حقوق الإنسان وصديق قديم لزيتونة، بأنه عرض عليهم تسجيل شريط فيديو، يتبنى فيه حادث الاختطاف

وتبرير ذلك بمشاكل مالية وسياسية أو أي ضمان آخر يطلبونه إلا أنه رفضوا، ورد المفاوض: “حتى لو أعطيتنا الشريط، هل يمكنك أن تضمن أن رزان لن تتحدث؟”، مشيراً إلى أن اغتيال علوش المفاجئ هو ما أفسد الصفقة.

في أعقاب ذلك، رفض ابن عمه وخليفته السياسي محمد علوش الالتزام بالاتفاق، وأضافت المعلومات أن الزعيم السياسي السابق لجيش الإسلام، محمد علوش قد رفض صفقة حول النشطاء الأربعة.

العدالة

يشار إلى أنه وبعد عقد من الحرب في سوريا، بدأت عدة دول تحقيقات جنائية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة، أهمها في ألمانيا، لتشمل جميع الأطراف بينهم “جيش الإسلام”.

ففي العام الماضي، اعتقلت السلطات الفرنسية مجدي مصطفى نعمة، المعروف باسمه الحركي، إسلام علوش، على خلفية اختفاء الزيتونة، حيث كان المذكور من بين كبار الرتب في الفصيل، وشغل منصب المتحدث باسم الجماعة لأكثر من 5 سنوات.

واليوم، يواصل جيش الإسلام العمل في سوريا، حيث اندمج مع قوة تعرف بـ “الجيش الوطني السوري”، وهو جماعة من الجماعات التي تدعمها تركيا في الشمال السوري.

والعام الماضي، عاد طيف رزان زيتونة بعد إعلان النظام السوري عن اكتشاف مقبرة جماعية في دوما بريف دمشق، تضم 70 رفاتا بينها امرأة، وحينها رجحت عدة وسائل إعلام سورية معارضة أن تكون جثة رزان من ضمنها، إلا أن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير سرعان ما نفى صحة خبر.

العربية

—————————

هذا ما حدث لأيقونة سوريا الحقوقية رزان زيتونة؟

تحقيق استقصائي: غموض اختفاء رزان زيتونة في إحدى ضواحي دمشق عام 2013 مع زملاء لها لغز في الحرب السورية دفع دويتشه فيله إلى جمع أدلة في ست دول لتعقب الجناة المحتملين وحل هذا اللغز. رزان ساعدت في إنشاء مركز للتوثيق يسعى لكشف انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن مرتكبيها: المعارضة أو النظام.

بحلول صيف عام 2013، أصبح توثيق انتهاكات حقوق الإنسان حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية من المحرمات، بيد أن هذا لم ينتقص من شجاعة رزان زيتونة – أيقونة حقوق الإنسان في سوريا. فقد كانت رزان زيتونة – المحامية الحقوقية البارزة والمدافعة عن حقوق الإنسان – في ذاك الوقت قد فرت لِلتَّوّ من العاصمة دمشق بسبب الضغط الكبير الذي مارسه النظام السوري على عملها. لكنها أيضا لم تكن على استعداد لوقف عملها بناء على أوامر من مسلحين في مدينة دوما الواقعة على أطراف دمشق والخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في ذلك الوقت.

بيد أن مثابرة رزان زيتونة كانت مصيرية ومنذرة بسوء. فعلى الرغم من أن قادة فصائل المعارضة المسلحة الكبيرة كانوا يدعمون بشكل كبير توثيق الفظائع التي ارتكبتها القوات التابعة للرئيس بشار الأسد، إلا أنهم اعتبروا الجهود الرامية لتسجيل وتوثيق جرائم الحرب التي يرتكبها مسلحو المعارضة كأنها نوعا من العداء الصريح ضدهم.

وبعد شهور قليلة عقب وصولها في مطلع عام 2013، أقدم مسلحون على خطف زيتونة وزوجها واثنين من زملائها. وخلال السنوات الثماني التي تلت هذه الواقعة، بدأ عدد شهود العيان المحتملين يتناقص إذ تم تهديد وترهيب البعض منهم بشكل روتيني حتى يظلوا صامتين، فيما تعرض آخرون للقتل. وعلى وقع هذا، ظل اختطاف رزان زيتونة واحدا من أكبر ألغاز الحرب السورية الذي استعصى حله حتى يومنا هذا. وقامت وحدة التحقيقات الاستقصائية في دويتشه فيله بجمع أدلة في ست دول وتحدثت إلى عشرات الشهود الذين كان لديهم معرفة ودراية وثيقة بالقضية من أجل تعقب الجناة المحتملين. وفي هذا السياق قررت دويتشه فيله عدم الكشف عن هوية بعض مصادرها في معظم الحالات بسبب المخاوف الأمنية وحمايتها من أي عمل انتقامي.

ترحيب عدائي

بعد أسابيع من وصولها إلى مدينة دوما السورية، طلبت رزان الوصول إلى مختلف السجون الخاضعة لإدارة فصائل المعارضة السورية المسلحة من أجل التحقيق في مزاعم تعرض معتقلين للتعذيب. وأثارت جهودها هذه ارتياب الكثيرين في المدينة إذ أعرب البعض في حينه عن مخاوفه وشكوكه حيال “ولاء” رزان للثورة السورية – التي تعد واحدة من الانتفاضات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضد الأنظمة الاستبدادية في عام 2011 والتي عُرفت بـ “الربيع العربي”.

لكن هذا الأمر كان بمثابة لحظة حاسمة لرزان زيتونة – المدافعة عن حقوق الإنسان التي تؤمن بأنه يجب صون كرامة البشر كافة ويتعين توثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان من أجل تحقيق المساءلة. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال نديم حوري –  المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي وأحد أصدقاء رزان – “لقد كانت رزان من أوائل الأصوات داخل المعارضة السورية التي قالت إننا لن نمنح الفصائل المسلحة حرية التصرف بشكل تام حتى لو كانوا يحاربون الشر الأكبر”.

“جيش الإسلام فوق الجميع”

وفي ذاك التوقيت، لم تكن مدينة دوما بريف دمشق ساحة للمعارك بين المعارضة والنظام فحسب وإنما كانت مدينة تشهد تنازعا بين “جيش الإسلام” و “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة، وأيضا فصائل أخرى تتنافس على السلطة والسيطرة في المدينة. واعترضت جماعة “جيش الإسلام” التي كانت تعتبر نفسها الفصيل الأفضل مقارنة بكافة الفصائل، على عمل رزان في مدينة دوما. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال محمد علوش – القائد السياسي السابق لـ “جيش الإسلام” – “لقد نصحت السيدة رزان بأن الكتابة عن النظام تعد مسألة أخلاقية كبيرة”.

وأضاف “لكن وقبل كتابة رزان تقارير عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل المعارضة، طلبت منها التحدث إليهم وتقديم النصائح وتثقيفهم في مجال حقوق الإنسان”. ويبدو أن ما قدمه علوش من نصح لرزان كان على نحو بالكأد جاد، إذ تم منع رزان بشكل متكرر من الوصول إلى منشآت تابعة للفصائل المسلحة بما في ذلك تلك التي كان يديرها مسلحو “جيش الإسلام”.

وفي ذلك، قال نشطاء ومصادر عديدة في المعارضة كانوا متواجدين في دوما في ذلك التوقيت إنه عندما رفضت رزان التراجع، اتخذ مسلحو “جيش الإسلام” عدة خطوات تصعيدية بداية من تدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعتها وإظهار أنها “امرأة غير ملتزمة أخلاقيا” ووصولا إلى تصويرها وكأنها جاسوسة للنظام السوري. وشكلت هذه المزاعم خطرا شديدا على سلامة رزان إلا أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا – وهي منظمة إغاثة ساعدت رزان في إنشائها مع بداية الانتفاضة السورية- يقرر المضي قدما في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن هوية مرتكبيها.

“لماذا لا تخطفون رزان؟”

وبحلول سبتمبر/ أيلول عام 2013، أصبحت المساعي لوقف عمل زران الحقوقي في دوما، عدوانية إذ تلقت في الشهر ذاته خطاب تهديد وتعرضت لإطلاق نار بسبب ما كانت تقوم به. وقد حصلت دويتشه  على تسجيل صوتي لشخص تلقى أوامر من أحد منتسبي “جيش الإسلام” كي يهدد رزان بقتلها. ويمكن سماع هذا الرجل وهو يصف الحوار . ففي هذا التسجيل يقول الرجل: “لقد أبلغني بأن هذه الفتاة عميلة وأنها توثق معلومات عن الجيش السوري الحر وتكتب تقارير إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وهذه التقارير قد تجلبنا إلى المحكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب”.

ويضيف الرجل في التسجيل: “أبلغته إذا كانت عميلة وتعمل ضد البلد، فلماذا لا تقومون بعمل أي شيء؟ لماذا لا تقومون بخطفها؟ هل أنتم خائفون؟ ورد قائلا: (لا، لسنا خائفين منها، سوف نطيح بها، لكن الآن نريد أن نهددها)”. وكان الرجل في التسجيل الصوتي يشير إلى حسين الشاذلي وهو مسؤول أمني محلي اعترف فيما بعد أمام محكمة محلية بأنه تلقى أوامر مباشرة من سمير كعكة – المسؤول الشرعي في “جيش الإسلام”، وفقا لما ذكرته مصادر حضرت مثول الشاذلي، في مقابلة مع دويتشه فيله.

ويبدو أن الشاذلي – الذي حافظ على علاقة ودية مع تنظيم “جيش الإسلام”- كان يهدد رزان زيتونة بقتلها إذا لم تغادر دوما “خلال أيام”. ويعيش الشاذلي حاليا في بلدة الباب في الشمال السوري تحت حماية “جيش الإسلام”. ولم يكن تنظيم “جيش الإسلام” الفصيل الوحيد الذي استهدف رزان بسبب نشاطها الحقوقي، لكن لم يقدم أي فصيل آخر على استهدافها بالنحو الذي قام به مسلحو “جيش الإسلام”.

اختفاء دون أثر

في حوالي الساعة العاشرة من مساء التاسع من سبتمبر/ أيلول 2013، اقتحم مهاجمون مجهولون الهوية مكاتب مركز توثيق الانتهاكات حيث كانت تعيش رزان وزوجها وائل حمادة. وكانت الناشطة السياسية سميرة خليل والمحامي ناظم حمادي – وهما أيضا صديقان لرزان وزوجها – متواجدين في ذلك التوقيت. وعندما وقع الاقتحام، كان حمادي يجرى اتصالا عبر موقع “سكايب” مع شقيقه لكنه أنهى الاتصال للتعامل مع الأمر. بيد أنه وقبل انقطاع الاتصال ترددت في أصداء المكان عبارة “أعداء الله”.

“أعداء الله”

لم يُعرَف إلا القليل حيال ما وقع في الليلة التي شهدت اقتحام المهاجمين مكتب مركز توثيق الانتهاكات، إلا أن الجيران قالوا إنهم سمعوا المسلحين وهم يصرخون. وقال أحد الجيران إنه رأى أحد قادة المعارضة وهو يغادر المكان بسيارة برفقته النشطاء، فيما تشير تقارير محلية إلى أن المهاجمين كانوا مسلحين. وقامت دويتشه فيله بالتحقيق في العديد من المزاعم، إلا أن القليل منها كان يحمل في طياته قرائن حقيقية. بيد أنه من المؤكد مصادرة أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بالنشطاء وأيضا هواتفهم والعديد من الملفات خلال عملية الاقتحام. وقد تم إبلاغ دويتشه فيله بأن مبلغ يقدر بأكثر من 30 ألف ليرة سورية كان على الطاولة في المكتب لكن لم يقم أي شخص بأخذه.

بعض الأدلة الرقمية

وفقا لمصادر لدويتشه فيله، فإن الأيام التي أعقبت عملية الاختطاف شهدت تمكن عنصر ينتمي إلى “جيش الإسلام” من الدخول إلى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال جهاز الحاسب الآلي الذي قدمته وزارة الخارجية الأمريكية إلى رزان وزوجها خليل. وقال أحد المصادر إنه قام بتنبيه السفير الأمريكي في ذاك الوقت روبرت فورد بأن جهاز الحاسب الآلي قد تمت مصادرته خلال عملية الاختطاف. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال المصدر إن السلطات الأمريكية تمكنت من تحديد موقع جهاز الحاسب الآلي وكذلك هوية المستخدم الذي تمكن من الوصول إليه. وقد عرفت دويتشه فيله بهوية هذا المستخدم فيما تم تحديد موقع جهاز الحاسب الآلي إذ تبين أنه موجود في مجمع أمنى لـ “جيش الإسلام” في دوما. ويضم هذا المجمع الأمني سجن “التوبة” سيء السمعة الخاضع لإدارة تنظيم “جيش الإسلام”.

وقال ناطق باسم الخارجية الأمريكية لـ دويتشه فيله إن المسؤولين لا يعلمون مصير رزان عقب اختطافها. بيد أن آخرين على دراية بالحادث قد واجهوا زهران علوش – زعيم جماعة “جيش الإسلام” في ذاك الوقت والذي قُتل في غارة على غوطة دمشق الشرقية عام 2015 – بالمعلومات حيال جهاز الحاسب الآلي الخاص برزان. ونفى زهران علوش في حينه تورط تنظيم “جيش الإسلام” في عملية الاختطاف. وقالت مصادر لدويتشه فيله إنه عقب 24 ساعة من تلك المواجهة، تم حذف حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بعنصر “جيش الإسلام” الذي قام بالدخول إليها من خلال جهاز الحاسب الآلي الخاص برزان. وأضافت المصادر أنه لم يُسمع عن هذا الشخص مرة أخرى.

    تقدم فريق دولي من المحامين بدعوى قضائية أمام محكمة فرنسية لتجريم جماعة #جيش_الإسلام بتهم عديدة منها تعذيب المدنيين والمعارضين وتنفيذ عمليات إعدام ضدهم. ويأمل الفريق أن تصدر المحكمة لائحة اتهامات قريباً ويسعى إلى تأمين العدد اللازم من الشهود في القضية.#فرنسا #الأسد #سوريا pic.twitter.com/4z9a4rsPfr

    — DW عربية (@dw_arabic) July 22, 2021

كل الطرق تؤدي إلى “سجن التوبة”

وفقا لشهادة صوتية حصلت عليها دويتشه فيله، فقد رأت إحدى سجينات سجن “التوبة” رزان زيتونة في السجن بعد أشهر من اختطافها. واستطاعت هذه السجينة تحديد رزان بين مجموعة من صور مختلفة لآخرين، بحسب ما ذكرت مصادر كانت موجودة خلال هذه الجلسة. وقالت هذه السيدة في شهادة أدلت بها إلى فصيل معارض آخر: “كنت في (سجن) التوبة في مارس / آذار وسمعت اسم رزان زيتونة. لقد قاموا بضرب هذه المرأة (رزان) ما أدى إلى انهيارها. وقد طلبوا منا إعادتها إلى محبسها. أتذكر عينيها ذات اللون الأخضر”.

ووفقا لمصادر تحدثت إلى دويتشه فيله، فإن بعض شهود العيان قالوا إن رزان تم وضعها في سجن “التوبة” في الفترة ما بين عامي 2017 و2018. ولا يمكن الإفصاح عن هوية شهود العيان أو ذكر متى وأين شاهدوا رزان خوفا من تعرضهم لأي تهديد بسبب الكشف عن هذه المعلومات. وتحدثت دويتشه فيله مع أشخاص تم احتجازهم من قبل “تنظيم جيش الإسلام” إذ أكدوا بوقوع عدد من الفظائع شملت جرائم اغتصاب وتعذيب وإعدامات داخل سجن “التوبة”. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال راتب خيبة – القيادي السابق في تنظيم “جيش الإسلام” وأحد سجناء سجن “التوبة” – “جيش الإسلام سيءُ بقدر سوء نظام الأسد. لقد تعرض (مسلحو التنظيم) للاعتقال والتعذيب في سجون النظام. لذا فقد قاموا بتعذيب سجنائهم بنفس الطريقة”.

ارتكاب فظائع

ونفت قيادة “جيش الإسلام” عدة مرات تورط التنظيم في اختفاء رزان. وقد واجهت دويتشه فيله قادة في التنظيم مرة أخرى إلا أنهم اتهموا شهود العيان بالكذب. وقال الناطق الرسمي لجيش الإسلام “حمزة بيرقدار” لدويتشه فيله “أي شخص يزعم أن “جيش الإسلام” مسؤول عن اختطاف (رزان) فإنه يتخذ موقفا سياسيا باتهامه “جيش الإسلام” بدلا عن قول الحقيقة والكشف عن الجناة”. وقالت مصادر دويتشه فيله إنه من غير المرجح أن زهران علوش كان على دراية بعملية الاختطاف بشكل مسبق إذ كان يخوض معركة استراتيجية في حينه ضد قوات الأسد من أجل فتح ممر إمداد إلى دوما.

نظرة تظهر بعض الأدوات التي استخدمها “جيش الإٍسلام” للتعذيب في أحد سجونه تحت الأرض في مدينة دوما السورية Foto AFP

ويعتقد أن علوش اكتشف بأمر عملية اختطاف رزان بعد ذلك بأيام فيما كان نائبه أبو قصي الديراني يشرف على الفرع الأمني للتنظيم في دوما. وتشير الأدلة إلى أن الديراني و سمير كعكة – المسؤول الشرعي في “جيش الإسلام” – هما من قاما بتدبير الأمر وإصدار أوامر باختطاف رزان دون معرفة زهران علوش. وطلبت دويتشه فيله إجراء مقابلات مع الديراني وكعكة إلا أن الطلب قوبل بالرفض. ولا يزال الرجلان من قادة التنظيم النشطاء، فيما ليس واضحا بعد مدى علم القيادات الأخرى داخل التنظيم بشأن تورط “جيش الإسلام” في عملية اختطاف رزان.

محاولات لإطلاق سراح رزان

أفادت التقارير بأن زهران علوش عقب معرفته بواقعة الاختطاف، أصبح يائسا حيال ما يمكن القيام به بشأن النشطاء الأربعة الذين تم اختطافهم ومن بينهم رزان. وقبل شهور قليلة من مقتله في غارة جوية روسية في ديسمبر / كانون أول عام 2015، تعهد علوش للأطراف التي تمثل الضحايا الأربعة، بالإجابة على أسئلتهم حيال مصير رزان والآخرين. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال أسامة نصار – ناشط سوري وصديق لرزان – “عندما التقينا بزعماء جيش الإسلام خلف الأبواب المغلقة، فإن النقاش لم يتطرق إلى حقيقة أنهم هم من قاموا باختطاف رزان وإخفائها. كنا نتحدث عن الخطوة المستقبلية وكيف يمكنهم إطلاق سراحها”. ودفع هذا الأمر بعض الأطراف إلى التعهد باتخاذ خطوات لضمان عدم تحميل جيش الإسلام أي مسؤولية حيال عملية الاختطاف، لكن مقتل علوش أنهى هذا الاتفاق. وعقب مقتله، رفض ابن عمه وخليفته السياسي محمد علوش الالتزام بالاتفاق.

ومع حلول عام 2016، قرر محمد علوش الذهاب لقيادة وفد المعارضة في مفاوضات أستانا وجنيف الرامية إلى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق. واليوم يمتلك علوش مطعما يقدر بملايين الدولارات في قلب مدينة اسطنبول التركية. وسعت أطراف أخرى من بينها الولايات المتحدة وروسيا إلى إطلاق سراح رزان إلى جانب أقاربها وأصدقائها. وفي إحدى الحالات، يعتقد أن قطر – بطلب من الولايات المتحدة – عرضت على قادة تنظيم “جيش الإسلام” مبلغا من المال يقدر بأكثر من مليون دولار لضمان إطلاق سراح النشطاء الأربعة بينهم رزان. وباءت كافة المحاولات الأخرى للتفاوض مع تنظيم “جيش الإسلام” بالفشل.

تحقيق العدالة

وعقب عقد من الحرب في سوريا، تشهد الساحة زخما جديدا لمحاسبة الأطراف المتورطة في ارتكاب جرائم. ففي القارة الأوروبية، دشنت عدد من البلدان بينها ألمانيا تحقيقات جنائية حول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في خضم الصراع السوري. ورغم أن معظم الفظائع المتعلقة بجرائم حرب ارتكبتها القوات الحكومية وتنظيمات إرهابية مثل “داعش”، فإن هناك جهودا تبذل للتحقيق في جرائم ارتكبتها جهات أخرى فاعلة غير حكومية بما في ذلك فصائل المعارضة المسلحة مثل تنظيم “جيش الإسلام”.

ففي العام المنصرم 2020، ألقت السلطات الفرنسية القبض على قيادي سابق في تنظيم “جيش الإسلام” يدعي مجدي مصطفى نعمة المعروف باسمه الحركي “إسلام علوش” على خلفية اختفاء الناشطة رزان. وكان “إسلام علوش” من بين أبرز قادة تنظيم “جيش الإسلام” حيث كان الناطق الرسمي باسم التنظيم لأكثر من خمس سنوات.

وفي باريس، أكدت الوحدة الفرنسية المعنية بالتحقيق في جرائم الحرب لدويتشه فيله أنها تباشر تحقيقات بشأن تنظيم “جيش الإسلام” لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل لأن التحقيق لا يزال مستمرا. بيد أن كليمانس بكتارت – المحامية الفرنسية في مجال حقوق الإنسان والتي تقود حملة قانونية ضد “جيش الإسلام” – قدمت بعض المعلومات حيال التحقيقات. وأضافت “لقد حان الوقت للقول بصوت عال أن المعارضة السورية وقعت أيضا ضحية لفصائل أخرى تظاهرت بالقتال من أجل الثورة لكنها انقلبت أيضا على الشعب السوري”. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قالت بكتارت إن “هذا ما كانت رزان منزعجة بسببه وتحذر منه وربما يكون هذا السبب وراء وفاتها”.

وحتى اليوم، يستمر تنظيم “جيش الإسلام” في التواجد بسوريا إذ اندمج داخل “الجيش السوري الحر” وهو تحالف فضفاض يضم عددا من جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا – إحدى أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويعبر قادة التنظيم إلى تركيا بحرية تامة دون الخوف من التعرض للمساءلة.

ويتوقع أن يستغرق القضاء الفرنسي عدة أشهر وربما سنوات حتى يقرروا بشكل رسمي فتح قضية في المحاكم الفرنسية ضد تنظيم “جيش الإسلام”. وعندما يطل هذا اليوم، فإنه ربما سيكون بمثابة خطوة أمامية أخرى نحو تحقيق المساءلة حيال واحدة من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين.

بيرغيتا شولكه-غيل / ماريا شحادة / لويس ساندرز

شاركت دانا سوملاجي ووفاء البدري في إعداد هذا التقرير / م.ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021

ar.Qantara.de

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى