هذه أنا، امرأة وحيدة على عتبات الفصل البارد… قصائد للشاعرة الإيرانية فُروغ فَرُّخ زاد
مريم حيدري
مازالت فروغ فرّخ زاد تُعتبر أهمّ شاعرة إيرانية، ليست بين الشاعرات، بل إنها، وإلى جانب نيما يوشيج، عميد الشعر الفارسي الحديث، وأحمد شاملو، وسهراب سبِهري، كوّنت شاكلة الشعر الحديث في إيران. أهمّ ما يميّز فروغ هو أنها استطاعت أن تطلقَ في شعرها صوتَ المرأة وصوتَ الإنسانِ معاً، وفي ذات واحدة، دون أن تسقط في هاوية الاستغاثات والشكوى والتعبير عن الشعور بالاضطهاد، كما كثير من نساء جيلها والأجيال التالية. إنها تجسيد للمرأة/الإنسان التي تحاول أن تنطلق لتقترب من ذاتِها الأصيلة التي رأت أن قيوداً شتى تحاصرها، تحبّ بأصالةٍ، وتنفر وترفض بأصالة.
ولدت فروغ عام 1934 في طهران. تزوجت في السادسة عشرة من عمرها، وبدافع الحبّ، من رجل يكبرها بخمسة عشر عاماً، ولم يدُم هذا الزواج أكثر من خمسة أعوام. ثم تعرفت إلى الكاتب الإيراني الشهير، إبراهيم كُلِستان، ليكون رفيقَ حياتها على المستويين الشخصي والإبداعي.
أصدرت فروغ خلال حياتها القصيرة خمس مجموعات شعرية: “الأسيرة” (1952)، “الجدار” (1957)، “تمرّد” (1959)، “ميلاد آخر” (1962) وتوفّيت قبل الانتهاء من مجموعتها الأخيرة “فلنؤمن بحلول الفصل البارد”. كما أن لها تجارب في السينما أيضاً، فقد قامت بإخراج الفيلم الوثائقي “البيتُ أسود” الذي يعتبر من أهم الأفلام الوثائقية الإيرانية، ويتحدث عن حياة المجذومين في بيت خصّص لهم، وقد حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم في مهرجان أوبير هاوزن في ألمانيا.
شاركت الشاعرةُ في إعداد أفلام ناجحة أخرى، وجرّبت التمثيل أيضاً. وفي عام 1965 أخرج برناردو برتولوتشي فيلماً في نصف ساعة عن حياتها بطلب من منظمة اليونسكو.
توفيت فروغ عام 1966 إثر حادث سيارة في أحد شوارع طهران.
فلنؤمن بحلول الفصلِ البارد
(مقطع)
وهذه أنا
امرأة وحيدة
على عتبات الفصل البارد
في بداية فهمِ الكينونة الملوّثةِ للأرض
ويأس السماءِ البسيط والحزين
وعجزِ هذه الأيدي الإسمنتية.
مرّ الوقتُ
مرّ الوقتُ ودقّت الساعةُ أربع مرّات
الساعةُ دقّت أربع مرّات
اليوم هو اليوم الأول من الشتاء.
أنا أعرف سرّ الفصول
وأفهم كلامَ اللحظات
المنقذُ راقدٌ في القبرِ
والتّربةُ، التّربةُ المرحِّبة
إشارةٌ للهدوء.
مرّ الوقتُ ودقّت الساعةُ أربع مرّات.
تهبّ الرّيحُ في الزّقاق
تهبّ الرّيحُ في الزّقاق
وأنا أفكّر بلقاحِ الأزهار
وبراعمَ سيقانُها هزيلةٌ وشاحبة
بهذا الوقتِ المتعَبِ المسلول
والرّجل الذي يمرّ من جنب الأشجارِ النديّة
الرّجل الذي تزحف سلاسلُ عروقِه الزرقاء
من طرفيْ عنقِه
مثل حيّاتٍ ميتة
وفي صدغيهِ المضطربين
يردّد تلك الكلمةَ الدامية:
مرحبا
مرحبا.
وأنا أفكّر بلقاحِ الأزهار
على عتباتِ الفصل البارد
في حفلِ تأبينِ المرايا
وحشد حِدادِ التجاربِ الباهتة
وهذا الغروب الخصبِ بمعرفةِ الصّمت
كيف يمكن أن يقالَ: قفْ!
للذي يسير هكذا
صبوراً
ورزيناً
وهائماً؟
كيف يمكن أن يُقال للرجل إنه ليس حياً،
إنه لم يكن حيّاً أبداً؟
تهبّ الريح في الزقاق
غِربانُ الوحدة والانزواء
تطوف في حدائق الملل الهرِمة
ويا لهذا السلّم
كَم حقيراً علوّه!
إنهم حملوا معهم سذاجةَ قلبٍ ما
نحو قصر الحكايا
والآن
كيف يمكن لواحدةٍ أن تنهض للرقص
وتسكب جدائل طفولتها
في المياه
وتدعس التفاحةَ التي اقتطفتها أخيراً
وشمّتها؟
أيها الحبيب، أيها الحبيب الأوحد
كم من غيمة سوداء تنتظر يومَ ضيافة الشّمس.
كأنه كان طريقاً لتَصوّرِ الطيران
حيث ظهرت تلك الطيورُ ذات يوم.
وكأنها كانت من خطوط الخيال الخضراء
تلك الأوراق الطرية التي تنفست في شهوة النسيم
وكأن تلك الألهبةَ البنفسجية التي كانت تتصاعد في ذهن الشبابيك النقيّ
لم تكن سوى تصورٍ بريءٍ من المصباح.
تهبّ الريح في الزّقاق
وهذه بداية الحُطام
ذلك اليوم حين تحطّمت يداك كانت الريح أيضاً تهبّ
أيتها النجوم الغالية
النجوم الكرتونية الغالية!
حين يهبّ الكذبُ في السماء
كيف يمكن الإيمان بسُوَرِ الرّسل المخفقين؟
نلتقي وكأننا موتى منذ ألف عام، ثمّ
تحكمُ الشمسُ على زوالِ اجسادنا
أشعر بالبرد
أشعر بالبرد وكأنني لن أشعر بالدفء أبداً.
إن أتيتَ إلى بيتي، أيها الودود،فأْتِ بمصباحٍ
ونافذةٍ
لأنظر منها إلى زحام الزّقاقِ السّعيد
هدية
أنا أتحدّث عن نهاية الليل
أتحدّث عن نهاية العتمة
وعن نهاية الليل
إن أتيتَ إلى بيتي، أيها الودود،
فأْتِ بمصباحٍ
ونافذةٍ
لأنظر منها إلى زحام الزّقاقِ السّعيد.
الطائر آيل للموت
قلبي مكتئب
قلبي مكتئب
أذهب إلى الشرفةِ وأمرّر أصابعي
على جِلدِ الليل المتقلّص
مصابيحُ العلاقة مظلمةٌ
مصابيح العلاقةِ مظلمةٌ
لا أحد
يعرّفني إلى الشمس
لا أحد
ياخذني إلى ضيافة العصافير
تذكّر الطيرانَ،
فالطائر آيل للموت.
رصيف 22