تحقيقات

“صبية الموت” في سوريا: العبور من “أشبال الخلافة” الى الميليشيات الإيرانية/ وليد النوفل

يكشف هذا التحقيق عمليات تجنيد الأطفال السوريين من قبل المليشيات الإيرانية وتلك التي تتلقى دعماً إيرانياً، وعمليات التضليل الإعلامي التي يتم استخدامها من قبل هذه المليشيات والمؤسسات الثقافية والدينية الإيرانية لهذا الغرض.

“لا نريد أموالهم أو العمل معهم، من سرق ولدي مني، لا يخاف الله”، بهذه الكلمات تلخص أم عباس قصتها، راجية أن يكون ولدها، عباس حيدر (اسم مستعار- 16 عاماً)، ما يزال على قيد الحياة.

ففي شباط/فبراير 2021، اختفى عباس، المعيل الوحيد لأمه وإخوته الثلاثة الأصغر منه سناً ( البالغين من العمر 7و12و14 عاما)، لم تترك العائلة مكاناً في محافظة دير الزور شرق سوريا إلا وبحثت فيه عن ابنها، بدءاً من مكان عمله في بيع الدخان والمازوت في شوارع قريته الصغيرة غرب دير الزور، وصولاً إلى المخافر والمشافي وحتى في صفوف المليشيات والفصائل العسكرية السورية والإيرانية في المنطقة، إلا إنها لم تعثر عليه.

بعد مضي شهرين على اختفائه، عاد عباس إلى أمه، بـ”وجه شاحب، كأنه وجه ميت”، وهيئة لا تبدو هيئته التي اعتادت رؤيته عليها لستة عشر عاماً. عرفت العائلة أن ولدها التحق بحركة “النجباء” العراقية، التي تدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وتمتلك علاقات وطيدة مع “حزب الله” اللبناني، ويعمل قسم من عناصرها في الأراضي السورية.

أخبر الطفل والدته أنه كان في دورة عسكرية مع “النجباء”، ومن ثم أعطاها مبلغ 175 ألف ليرة سورية (53 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف البالغ 3,340 ليرة للدولار الواحد في السوق الموازية)، حصل عليها لقاء إكماله فترة التدريب التي امتدت لشهرين. وبانتهاء الدورة العسكرية أصبح الطفل مجنداً رسمياً في “النجباء”، وبدأ يتقاضى راتباً شهرياً قدره 300 ألف ليرة (90 دولار).

وبحسب ما قالته أم عباس  لمعد التحقيق في تسجيلات صوتية عبر تطبيق “واتساب”، بأن هذه الدورة القصيرة، كانت كفيلة بتغيير سلوك طفلها، إذ أصبح يمتنع عن الكلام، فلا يعطيها تفاصيل عن عمله، وأين يذهب، وماذا يفعل، تغيرت كل حياته وتغير هو بشكل كبير: “لم أعرف إذا كان هذا طفلنا أم لا، تغير من القاع للسما”. مضيفة “لم يعد يسمع كلامي، وأصبح خائفا دائماً من شيء لا أعلمه”.

من جهة أخرى، سرعان ما بدأت ملامح الطفل الخارجية بالاختلاف، إذ أصبح يقلدّ عناصر المليشيات العراقية والأفغانية في لباسه ومظهره: “حينما شاهدت ولدي لأول مرة بدا كمقاتل عراقي أو أفغاني من المقاتلين الموجودين بمنطقتنا، حيث تغير شكله تماما”، تؤكد أم عباس.

تتهم الأم أعضاء من “النجباء” بأنهم “لعبوا بعقل” ولدها: “أغروه بالمصاري، وأنهم سوف يشترون له كل ما يريد، وسيزوجونه، هم يعرفون أن وضع العائلة صعب جداً وأن المعيشة غالية، لكن نحن لا نريد أموالهم أو العمل معهم”.

بعد شهرين من انتسابه رسمياً لـ”النجباء” اختفى الطفل من جديد، وعادت الأم للبحث عن نجلها مرة أخرى، وحينما سألت مسؤولين في الحركة عن طفلها أخبروها أنه وقع أسيراً لدى تنظيم الدولة (داعش) في إحدى العمليات العسكرية، وأنهم يفاوضون لإستعادته.

بعد أسابيع، قررت حركة “النجباء” صرف راتب قدره 50 ألف ليرة (15 دولار) شهرياً للعائلة، واعتبار طفلها شهيداً، لكن ذلك لم يقنع أم عباس، التي لا تزال تبحث عن ولدها، مُطالبة بجثته أو شيئا من ملابسه يثبت أن ابنها قد مات. إلا أنهم لم يعطوها شيئا مما طلبته، وحينما يزور أعضاء من “النجباء” منزل أم عباس لتقديم الراتب لها، وتعيد سؤالهم عن ولدها ، “يصرخون ويغضبون من سؤالي”.

باس هو واحد من 78 طفلاً على الأقل تم تجنيدهم ضمن ميلشيات إيرانية أو مدعومة من قبل إيران، استطاعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان توثيقهم خلال الفترة الممتدة من مطلع العام 2014 وحتى آب/أغسطس 2021، قتل منهم 23 طفلاً أثناء اشتراكهم في الأعمال القتالية وعمليات القصف والتمشيط، وبشكل خاص في البادية السورية. في حين يقدّر مجموع الأطفال المجندين حالياً وبشكل رئيسي في لواء “فاطميون” الأفغاني، ولواء “القدس” ، بقرابة 850 طفلاً، بحسب مدير الشبكة فضل عبد الغني.

الأزمة السورية وانعكاسها على تجنيد الأطفال

مع اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، بدأت أطراف النزاع كافة، بتجنيد الأطفال في صفوفها، وزجهم في العمليات العسكرية والقتالية على الأرض، من قبيل: القوات الحكومية السورية والمليشيات المساندة لها، المليشيات الإيرانية وتلك المدعومة من إيران، فصائل المعارضة، القوات الكردية، والجماعات الجهادية والمتطرفة.

لكن إعلان “داعش” خلافته المزعومة في حزيران/يونيو 2014، شكّل نقطة مفصلية في ملف تجنيد الأطفال، من حيث الكم والطريقة والأيديولوجيا، لاسيما وأن التنظيم بث العديد من التسجيلات المصورة لما أسماه “أشبال الخلافة”، وهم ينفذون عمليات قتل وقطع رؤوس، وغيرها من الأفعال العسكرية والقتالية الإجرامية.

ومع انحسار دور التنظيم بفعل العمليات العسكرية لصالح خصومه، لاسيما في الفترة الممتدة من مطلع العام 2018 وحتى إعلان هزيمته في آذار/مارس 2019، تمكنت المليشيات الإيرانية والمدعومة إيرانياً من السيطرة على مناطق شاسعة للتنظيم في شرق وشمال ووسط سوريا، لاسيما في أرياف محافظات دير الزور والرقة وشرق حلب والبادية السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

شكّل هذا التوغل الإيراني، إضافة إلى حالة الفقر والغلاء المعيشي في هذه المناطق وسطاً مناسباً لتتحوّل المنطقة إلى بؤرة لعمليات تجنيد الأطفال لصالح طهران ومليشياتها.

ففي مطلع العام 2018، بعد سيطرة دمشق بدعم من المليشيات الإيرانية على مساحات واسعة في ريف دير الزور الغربي وطرد “داعش” منها، بدأت المئات من العائلات النازحة إلى مناطق المعارضة شمال سوريا ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية شمال شرق سوريا بالعودة إلى منازلها وقراها التي باتت تحت سيطرة نظام الأسد، حيث ساهم الوضع الإقتصادي المتردي وغلاء إيجارات المنازل في مناطق اللجوء،  في عودة الكثير من العائلات إلى بيوتها، عبر المعابر المائية والجسور على نهر الفرات، والتي تقسم المنطقة إلى ضفتين.

اغتنمت المليشيات الإيرانية الفرصة لوضع مكاتب انتساب لها على المعابر المائية، التي سيسلكها النازحون العائدون، من أجل “إقناع الأطفال من عمر 13 سنة فما فوق، وكذلك الشباب بالانضمام إلى صفوف القوات الإيرانية”، بحسب جودي العكيدي، ناشط سوري من مدينة البوكمال شرق سوريا يقيم حاليا في شمال حلب.

في مقابل الانتساب، “قدمت المليشيات للأطفال المنتسبين راتباً شهرياً يتراوح بين 50 – 75 ألف ليرة سورية [14 – 22 دولار]”، بالإضافة إلى “الشعور بالسلطة وعدم المحاسبة، إذ بمجرد الانتساب لمليشيا إيرانية يحصل الطفل أو الشاب على بطاقة تحميه من المحاسبة والمساءلة، وسلة غذائية شهرية يقدمها الحرس الثوري الإيراني”، كما يؤكد العكيدي.

ونتيجة للفقر والعودة من رحلة نزوح مضنية،  اضطرت الكثير من العائلات إلى الزج بأبنائها في صفوف المليشيات الإيرانية أو التابعة لإيران. ومن أبرز المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني هناك: حركة النجباء، لواء فاطميون، زينبيون. أما المليشيات العراقية، والتي غالبيتها يتبع لـ”الحشد الشعبي”، فهي: حزب الله العراقي، أبو الفضل العباس، كتائب سيد الشهداء، السيدة زينب. إضافة حزب الله اللبناني، هناك أيضا مجموعة من المليشيات السورية التي تتلقى تمويلاً إيرانياً من قبيل: الفوج 47، فوج نينوى، ولواء القدس، وغيرها

 تجنيد 5,700 طفل في القتال ما بين 2011 و2020

بعد عودة عدد كبير من أهالي ريف دير الزور الغربي إلى مدينة البوكمال، في تشرين الأول/أكتوبر 2018، افتتح الحاج سلمان(إيراني الجنسية)، القائد العسكري للمليشيات الإيرانية مكتباً للانتساب في المدينة.

وساهم العديد من أبناء المنطقة في تلك الفترة في عمليات تجنيد الأطفال، أبرزهم القيادي محمد أحمد العلي، المعروف بـ”حنوش أبو العباس”، الذي أصبح القيادي الأبرز في الفوج 47 بعد تشكيله في العام 2018، ويضم عشرات الشبان والأطفال من أبناء المنطقة، حسب العكيدي.

وبعد انتهاء مهمة الحاج سلمان العسكرية في البوكمال، في العام 2019، وتسلم الحاج عسكر ومساعده الحاج سجاد مكانه، بدأت المرحلة الثانية من عمليات التجنيد في المنطقة الشرقية من سوريا، إذ تسلم الحاج عسكر بنفسه الإشراف على مكتب الانتساب، كما عزل القيادي حنوش أبو العباس  من مكتب الانتساب والفوج 47، وسلم هذه المهمة إلى القيادي السوري أبو عيسى المشهداني،  الذي واصل تجنيد الشبان والأطفال بذات الإغراءات: راتب شهري، ضمان عدم المساءلة من قبل حكومة دمشق وبطاقة انتساب للحرس الثوري، وفقاً للعكيدي.

وتتم عملية التجنيد عبر توجه الشبان والأطفال إلى مكتب الانتساب لتقديم طلب انتساب للمليشيات الإيرانية، وبعد إتمام الطلب يتم إرساله إلى المخابرات العامة في دمشق من أجل إجراء دراسة أمنية على مقدم الطلب، في الوقت ذاته، يجري ما يعرف بـ”الأمن الإيراني” في المنطقة دراسة أمنية مشابهة مستعيناً بعملائه وعناصره السوريين، وغالباً ما يأتي الجواب بـ”الموافقة”.

لكن، في كانون الثاني/يناير 2021، أُغلق مكتب الانتساب، وأوكلت مهمته إلى عذال الدندل -أحد وجهاء عشيرة الحسون المعروفة بولائها للنظام من قبل الثورة السورية- الذي أصبح يقوم بعمليات التجنيد للأطفال والشبان من منزله لصالح الحاج عسكر.

وجاء الإغلاق بحسب العكيدي، بسبب “تراجع أعداد الأشخاص الذين يرغبون في الإنتساب، فوقع الإختيار على الدندل، لكسب ولاء عشيرة “الحسون” وعشائر المنطقة، لاسيما وأن إيران كانت قد كسبت ولاء عشيرة “المشاهدة” من خلال الفوج 47 التابع للحرس الثوري”.

بحسب أمجد الساري، الناطق باسم شبكة عين الفرات، شبكة إعلامية محلية تغطي مناطق شرق سوريا، وتعمل على توثيق عمليات تجنيد الأطفال، فإن “عدد الأطفال المنتسبين للمليشيات الإيرانية خلال الشهرين الماضيين في محافظة دير الزور بلغ قرابة 250 طفلا، منهم 100 طفل يحملون السلاح ويقاتلون على الجبهات”، بينما يحمل 150 طفلا آخرين السلاح ولكنهم “يعملون في مجال الخدمات والحراسة حالياً. وهم أيضاً جاهزون للقتال حين الحاجة”.

ويكشف الساري وجود “ما يقارب 2,000 طفل في طور التأهيل، ليكونوا في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وهؤلاء يتم تأهيلهم وزرع أفكار شيعية طائفية في عقولهم، من أجل تجهيزهم ليكونوا مقاتلين”. موضحاً أن “هذا يتم عبر عدة مراكز منتشرة في دير الزور بالعموم، وهي: مراكز الكشافة، مركز النور الساطع، مركز بصيرة، وجمعية الشهيد وغيرها”.

ووفقاً لما قاله ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة في سوريا، بو فيكتور نيلوند، في آذار/مارس الماضي، فإنه تم التحقق من تجنيد 5,700 طفل في القتال، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 7 سنوات، ما بين عامي 2011 و 2020.

مع ذلك، فإن الأرقام الحقيقية لعدد الأطفال المجندين ما تزال غائبة، نتيجة صعوبة التحقق من عمليات التجنيد التي تنفذها مليشيات غير منضبطة.

الفقر أساس الداء

قبل ثلاث سنوات، وبعد موت والده في عملية عسكرية بين القوات الحكومية السورية و”داعش” في ريف الرقة الجنوبي عام 2018، لم يجد محمد العبد الله،( 18 عاماً) من أبناء ريف الرقة الغربي، خياراً لإعالة أمه وأخوته الخمسة، سوى السير على طريق والده، وذلك بأن يصبح مقاتلاً عسكرياً في إحدى التشكيلات العسكرية التي تقاتل إلى جانب حكومة دمشق.

أُجبر العبدالله، على الالتحاق بحركة “النجباء”، حينما كان يبلغ من العمر 15 عاماً، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها العائلة بعد موت والده.

وحينما حسم  قراره، ذهب إلى مركز حركة “النجباء” في بلدة معدان شرق الرقة، وهناك قدم طلب انتساب للحركة، وبعد أسابيع التحق بدورة عسكرية مدتها شهران بريف دير الزور الغربي،تدرّب خلالها على استعمال الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى تدريب على الأسلحة المضادة للدبابات وقذائف الكروسنبول. بعد ذلك عاد إلى معدان والتحق بأحد الحواجز العسكرية للحركة بالمدينة، ليبدأ من هناك مسيرته القتالية.

وفي منتصف آذار/مارس 2021، حصل العبدالله على ترقية في حركة “النجباء”، ليصبح مسؤولاً عن حاجز عسكري للحركة في إحدى بلدات ريف الرقة الشرقي، وليرتفع راتبه الشهري بذلك من 75 ألف إلى 275 ألف ليرة (20 – 75 دولار، على التوالي).

على غراره، التحق أحمد سليمان أيضا بحركة “النجباء” وذلك عبر مركز تدمر في ريف حمص الشرقي عام 2019، وكان حينها يبلغ من العمر 15 عاماً. نقل بعد انتسابه إلى بلدة معدان، وهناك التحق بدورة عسكرية ومن ثم دورة فكرية، استمرت بشكل متقطع لثلاثة شهور في معسكر أهل الحق، كما قال لـمعد التحقيق. الهدف من الدورة الفكرية، بحسب الناشط العكيدي، هي تغيير عقيدة المتطوعين وضمهم للمذهب الشيعي، ويشرف عليها “معممون” من الجنسيات العراقية والأفغانية والإيرانية واللبنانية، كما أن هذه الدورات “غالباً ما تُقام في معسكر التليلة في ريف تدمر، وتنحصر في الدروس الدينية الطائفية من دون تدريب على السلاح أو العمليات القتالية”.

مع انتهاء الدورة “الفكرية”، قامت إدارة “النجباء” بفرز أحمد سليمان إلى بلدة معدان، بهدف حصوله على منزل للسكن هو وشقيقه الأصغر (12 سنة) وشقيقته الأكبر منه سناً (17 سنة)، بعد فقدان والديهم خلال معارك عسكرية بين “داعش” والقوات الحكومية في مدينة تدمر، وصرفت له راتباً شهرياً قدره 85 ألف ليرة (25 دولار).

ويشغل أحمد اليوم، منصباً إدارياً في أمن الحواجز التابعة لـ”النجباء” في ريف الرقة الشرقي، ويتقاضى راتباً شهرياً قدره 310 آلاف ليرة (92 دولار)، إضافة إلى مساعدات غذائية شهرية. كذلك وبعد إتمامه مجموعة من الدورات “الفكرية”، التي تعرّف من خلالها بشكل أكبر على المذهب الشيعي، ونتيجة انخراطه في العمل مع مجموعة من قيادات الحركة من الطائفة الشيعية، اتخذ قراره بتغيير مذهبه من مسلم سنّي إلى شيعي في العام 2020، كما قال لمعد التحقيق.

من “أشبال الخلافة” إلى حضن ميليشيا “أبو الفضل العباس”

مع تراجع “داعش” وانحسار نفوذه في ريف دير الزور الغربي لصالح النظام السوري، اضطرت عائلة حمزة الناصر (اسم مستعار)، أحد “أشبال الخلافة” إلى الهرب إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية شرقي نهر الفرات، وبعد مضي أشهر بدأ حلم العودة إلى مدينة الميادين شرق دير الزور، يراود العائلة.

وللعودة كان يتوجب على عائلة الناصر إخفاء ماضي طفلها الأكبر ذي الخمسة عشر عاماً. لذا اقترح عليه صديقه حسام محمد، أحد الأطفال القُصر المنتسبين إلى مليشيا أبو الفضل العباس، أن يمكّنه من الانتساب إلى تنظيم “أبو الفضل العباس” والحصول على “بطاقة زرقاء”، التي ستمنحه “حصانة من ملاحقة مخابرات النظام السوري”، وهي بطاقة ذات لون أزرق يحملها عناصر المليشيات التابعة لإيران وتصدر عن الحرس الثوري الإيراني.

وفي مطلع العام 2019، أبلغ  حسام محمد صديقه أن إجراءات الانتساب اكتملت، ولم يبق له سوى التوجه من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية إلى مدينة الميادين عبر المعابر المائية، حيث سيكون بانتظاره على ضفة النهر، وهو ما حدث بالفعل، كما يقول الناصر.

هناك على الضفة الثانية، كانت سيارة عسكرية تنتظر الناصر، حيث اصطحبه حسام وذهبا سوياً إلى مكتب الانتساب في مدينة الميادين. وفي المكتب حصل هذا الأخير على “إضبارة” تحوي على طلب انتسابه ومعلوماته الشخصية، ومن ثم انتقلت السيارة ذاتها به إلى منطقة المزارع في بادية الميادين للالتحاق بدورة عقائدية: “أخذت دروسا دينية خلال دورة مدتها 25 يوم، ومن ثم بدأنا بدورة عسكرية استمرت 25 يوما، تدربنا فيها على فك وتركيب سلاح الكلاشنكوف والرمي به” كما يقول الناصر، بالإضافة إلى “ممارسة تمارين اللياقة البدنية”، وبعد انتهاء التدريب نُقلت المجموعة في اليوم التالي إلى “مزار نبع عين علي” في أطراف مدينة الميادين، وهي نبعة مياه يتبارك الشيعة بها، وطُلب من المنتسبين حديثاً الاغتسال بمياه النبع، بغرض التبرك به.”

يضيف الناصر: “بعد الاغتسال تسلمت بدلة عسكرية وسلاح كلاشنكوف وجعبة تحوي أربع مخازن رصاص، وصرت مقاتلاً بشكل رسمي في تنظيم أبو الفضل العباس، براتب شهري قدره 120 ألف ليرة (36 دولارا)”. ولاحقاً تم تعيين الناصر في إحدى نقاط الحراسة بالقرب من مزار عين علي، والتي يقع على عاتقها تأمين المزار وزواره. ولم يحظ بأي امتيازات سوى ” بعض التعاطف من القيادات لصغر سنه، حيث يقومون بإعطائه هدايا وسلاّت غذائية”.

في نيسان/أبريل الماضي، قُتل اثنان من زملاء الناصر الذين كانوا معه في دورة الانتساب، يبلغان من العمر 16 عاماً، جراء انفجار عبوّة ناسفة زرعتها خلايا تنظيم الدولة على الطريق الترابي الواصل بين مقر مليشيا أبو الفضل العباس في منطقة المزارع ومزار عين علي: “ما زلت أتذكر منظر تناثر أشلائهم، نتيجة الانفجار، وفي كل يوم أتخيل نفسي  في مثل هذا المشهد في يوم من الأيام. لكن، ماذا سيحصل لعائلتي لو متّ؟ ربما سيعطونهم راتبي والقليل من المساعدات ومنحا مالية، وتصبح مسؤولية العائلة على عاتق مكتب الشهداء والأسرى”.

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الناصر أنه حمى أهله حياً وميتاً، فإنه لا يخفي ندمه من الالتحاق بالمليشيات الإيرانية، بقوله “طبعاً أنا نادم على التحاقي بالقوات الإيرانية، لأن مستقبلي ومصيري أصبحا مجهولين، لكن هذا هو الملاذ الوحيد للنجاة من بطش مخابرات النظام”، مضيفاً “كنت أتمنى أن أكمل تعليمي وأن أحصل على شهادات عليا. لذلك أنصح كل من هم في عمري بالابتعاد عن الحياة العسكرية وأن يذهبوا إلى المدارس ليكملوا تعليمهم”.

آليات التجنيد

تستخدم المليشيات الإيرانية والشخصيات المرتبطة بها التي تعمل على تجنيد الأطفال والشبان مجموعة كبيرة من آليات التجنيد من أجل الإيقاع بضحاياها، والتي تختلف بين أنشطة دينية وثقافية ودعوية وفكرية وكذلك إغراءات مادية ومعنوية.

ووفقاً لما يؤكده أبو حسين المشهداني (اسم مستعار)، مسؤول إداري في مليشيا أبو الفضل العباس، ضالع في عمليات تجنيد الأطفال، فإنه “يتم جذب الأطفال عن طريق النشاطات الدعوية والثقافية والترفيهية، التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني والمراكز الدعوية لكل تشكيل عسكري إيراني”، والتي تنشط في “المدارس الإبتدائية، الحدائق العامة، الأسواق العامة، وأماكن الرحلات الترفيهية التي تقوم بها العوائل”. يتم عبر هذه الأنشطة “توزيع الهدايا والحلويات وعرض الأفلام القصيرة التي تتحدث عن أن القوات الإيرانية هي من حررتنا من الإرهاب، وأنها تحمل على عاتقها واجب الجهاد المقدس وتحرير فلسطين، وأن هذا الجيل هو الذي سيقوم بهذا الواجب والتحرير”، كما يقول لـمعد التحقيق، ويشير إلى “توزيع منشورات دعوية على الأطفال يوجد في أسفلها عناوين وأرقام هواتف مراكز الانتساب في نهاية الأنشطة”.

إلى جانب ذلك، يشكل قيام مجموعة من الشخصيات من قادة المليشيات والمجموعات من العناصر السورية، ووجهاء العشائر الموالين لإيران، ثاني قنوات تجنيد الأطفال الرئيسية للمليشيات الإيرانية. ووفقاً للمشهداني، فإن الكثير من هؤلاء يرون في عمليات التجنيد هذه “تقربا لقادة التشكيلات الإيرانية والمسؤولين الأجانب، من أجل التكفير عن ماضيهم وحماية أنفسهم من محاسبة النظام لهم، نتيجة إما لوجود قيود إجرامية عليهم أو انضمامهم سابقاً لداعش أو فصائل المعارضة السورية “، وهي الأسباب ذاتها التي تدفعه للانخراط في عمليات تجنيد أبناء منطقته.

أما القناة الثالثة، والتي يتولى زمامها المركز الثقافي الإيراني في دير الزور، فإنها تعتمد على قيام المركز بفعاليات وأنشطة ترفيهية وثقافية لاستقطاب الأطفال، وتُقدّم خلال الحفل الإغراءات للأطفال من قبيل الهدايا والحلوى وغيرها، بحسب  الناطق باسم شبكة عين الفرات أمجد الساري، الذي يفسّر لمعدّ التحقيق أنه “قبل عام تقريباً أرسل 55 طفلا من أبناء محافظة دير الزور إلى كربلاء العراقية، للدراسة في الحوزة العلمية هناك، بإشراف المركز الثقافي الإيراني وقيادة كشافة المهدي، بقوا هناك 20 يوما ثم عادوا”.

كذلك تعدّ “مؤسسة الشهيد”، التي تقودها منار الأسعد، زوجة قائد مليشيا الدفاع الوطني في سوريا، والتي تُعنى بتقديم المساعدات المالية والإنسانية لعوائل الشهداء والأسرى وكذلك بعض العائلات الفقيرة، إحدى قنوات تجنيد الأطفال.

فبحسب الساري، “تقوم مؤسسة الشهيد بزيارة لبعض العوائل الفقيرة وعائلات الضحايا والأسرى لاستقطاب أطفالهم من عمر 8 – 12 سنة لمراكز النور الساطع وغيرها من المراكز الإيرانية”، مضيفاً “كل ثلاثة أشهر، يتخرج 250 طفلا من هذا المركز، وخلال التدريب يتم تأهيلهم “فكرياً” لمرحلة القتال، وبعد ذلك يتم أخذ قسم منهم للمرحلة الثانية”، وتشمل الدورة دروسا دينية. و”يشرف على المركز الحاج مهدي، أفغاني الجنسية، وهو يتحدث العربية بطلاقة، كما يتم تدريب الأطفال على السلاح ليكونوا جاهزين للقتال في صفوف المليشيات”.

أما القناة الرابعة، فتعتمد على تجنيد الأطفال لبعضهم من خلال “إما قناعة الأطفال بما يقومون به من جهاد، أو من خلال حديثهم عن المغريات التي يحصلون عليها”، بحسب المشهداني.

يلعب هاجس الخوف من المساءلة نتيجة الظروف التي مرت بها العائلات من سيطرة “داعش” وكذلك فصائل المعارضة على المنطقة الشرقية، وانخراط الكثير من افرادها وأطفالها في أعمال قد لا تكون مرضية بالنسبة لدمشق، دوراً كبيراً في توجهها نحو لمليشيات الإيرانية: “قسم كبير من الأطفال الذين انتسبوا إلى المليشيات الإيرانية هم من المنتسبين السابقين لتنظيم داعش تحت مسمى أشبال الخلافة، أو اقتربوا من سن الخدمة العسكرية في الجيش السوري، ولا يرغبون في الخدمة لدى النظام”، وهو ما يدفع هذه العائلات إلى “إرسال أبنائها إلى التشكيلات الإيرانية لضمان عدم ملاحقتهم أمنياً من قبل الأفرع الأمنية السورية”، لاسيما وأن “التشكيلات العسكرية الإيرانية توفر حصانة أمنية لكل عناصرها”، يفسر المشهداني.

من جهته، يكشف أبو القاسم الجعفر (اسم مستعار)، مسؤول التجنيد في الفوج 47 المدعوم إيرانياً، أن قائدهم الحاج عسكر طلب منهم أن يجمعوا له أكبر عدد من الكبار والصغار، وأي شخص قادر على حمل السلاح، بغرض “زيادة أعداد الفوج”، مضيفا “نحن نبحث عن أي شخص يرغب أو يقدر على حمل السلاح بغض النظر عن العمر، ثم نقوم بإرساله إلى مكاتب الانتساب، وهناك يستكمل  أوراقه”. ولأجل ذلك، يحاول الجعفر، التركيز على الأشخاص الذين لديهم مشاكل أمنية مع النظام السوري، إذ يقوم بالذهاب إليهم لإقناعهم بالالتحاق بالفوج 47 مقابل أن يقدم لهم الحماية والراتب الشهري، و”بطاقة انتساب زرقاء ممهورة بختم الحرس الثوري الإيراني”.

عدا عن ذلك، تشكّل الإغراءات التي يقدمها الفوج، حافزاً إضافياً لجلب الأطفال والشباب، إذ يقدم راتباً شهرياً يقدر بـ 75 ألف ليرة للعازب (21 دولار)، و 100 إلى 125 ألف ليرة للمتزوج (28 إلى 35 دولار)، ناهيك عن “الحصص الغذائية وقسائم المازوت والبنزين والنشاطات الترفيهية والرحلات الدينية”.

ويبيّن الجعفر أن فيلقه يتواصل حالياً مع شبان نازحين إلى منطقة الجزيرة السورية (مناطق سيطرة الإدارة الذاتية) وهم مطلوبون للنظام، “ويرغبون في العودة إلى قراهم الخاضعة لسيطرتنا، وبينهم أشخاص تحت سن الخدمة العسكرية، وذلك من أجل تجنيدهم”. مضيفا: “طلبنا منهم إرسال صورة عن الهوية ومن لا يملك فصورة دفتر العائلة، لتنسيبه واستخراج بطاقة له”. ويتابع: “أخبرتهم أنه حال صدور بطاقة الحرس الثوري سأقوم بانتظارهم على الحدود الفاصلة لأعطيهم البطاقات والبدلة العسكرية، وبعدها يستطيعون الدخول والسير في مناطقنا من دون أي يتعرض لهم أحد، فمجرد مشاهدة البدلة العسكرية هو ضمان أنه لن يستطيع أحد إيقافك من عناصر النظام”.

وتعليقاً على ذلك، يقول فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن “آلية التجنيد معقدة وتجري بطرق عدة، وتدخل فيها العوامل الإيديولوجية بشكل كبير، بالإضافة إلى  عمليات التحشيد، وهو ما يفسر دفع العوائل بأطفالها للتجنيد، إذ أنهم يعتقدون أنهم يقومون بخدمة الدين ونشره وما  إلى ذلك، لاسيما أن التدخل الإيراني في سوريا ارتكز بشكل أساسي على الخطاب الأيديولوجي المتطرف”.

ويفسر أن هناك عاملاً آخر مهم وهو الفقر “لكون نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في سوريا تخطت 80% من السكان، لذا أصبح القتال نوعاً من العمل”. وفي هذا الصدد، تقوم الميليشيات أيضا  “باستهداف الأطفال المشردين أو الذين خسروا أهاليهم، أو الأطفال الذين يعيشون من دون معيل أو موجه، وهم بعشرات اللآلاف اليوم”، كماأنها تقوم “بتصوير الأطفال المنتسبين على أنهم أبطال ورجال وما إلى ذلك”.

المعسكرات: توزعها وأنواعها

يكشف أبو حسين المشهداني، المسؤول الإداري في مليشيا أبو الفضل العباس، أن جميع المليشيات الإيرانية العاملة في شرق سوريا تمتلك قطاعات خاصة في بادية الميادين، التي تعد أكبر تجمع للمليشيات الإيرانية بدير الزور، مؤكداّ أن “كل تشكيل عسكري إيراني أو يتبع لإيران لديه معسكر تدريب خاص  به في هذه المنطقة”.

ويقول المشهداني إن “المسؤول عن معسكر “فاطميون” هو المدعو: الحاج علي طالبي، أفغاني الجنسية. وعن معسكر حركة “النجباء”، المدعو مهدي الموسوي، عراقي الجنسية. وعن معسكر “أبوالفضل العباس”، القيادي السوري روبين الوهيبي. أما معسكر “فصيل السيدة زينب”، فيرأسه القيادي السوري أبوعلي الضويحي”.

ويؤكد المشهداني وجود منافسة بين المليشيات الأربعة لتجنيد أكبر عدد ممكن من الأطفال، من أجل كسب امتيازات ودعم مادي من قبل القيادة العامة للقوات الإيرانية في المنطقة، التي أوعزت لهذه التشكيلات التابعة لها بالتركيز وتكثيف عمليات تجنيد أطفال المنطقة.

ويتفق الناشط الإعلامي جودي العكيدي، مع ما قاله المشهداني، مشيراً إلى أنه بعد موافقة الانتساب، ينقل الأطفال إلى مقر في قرية السيال على طريق دير الزور – البوكمال، تابع لقيادة الحرس الثوري الإيراني وهو عبارة عن أربع فيلات محاطة بسور، وبداخلها مسجد كبير تحول بعد استيلاء المليشيات الإيرانية عليها إلى حسينية، وتبلغ مساحة المقر كاملاً قرابة 2 كيلومتر. و”قد تم اعتماد هذا المقر كمركز مؤقت للتدريب في الأشهر الأخيرة بعد الضربات الجوية التي استهدفت المنطقة”، مُوضحّا أن “مدة التدريب فيه تتراوح ما بين من 15 إلى 20 يوما، ثم ينقل الأطفال بعدها إلى دورات الرمي بالذخيرة الحية في بادية البوكمال في منطقة يطلق عليها اسم “الصقور”، أو إلى قاعدة الإمام علي في منطقة الحزام.

استقطاب الأطفال والفتية عبر الإنترنت

خلال العامين الماضيين، نشر المركز الثقافي الإيراني في دير الزور، الذي تأسس في تشرين الأول/أكتوبر 2017، والتابع للسفارة الإيرانية في دمشق، العديد من الفيديوهات على حساباته الرسمية، لاسيما تطبيق “تلغرام”، من بينها أناشيد وأغاني حماسية، يظهر فيها أطفال يرتدون اللباس العسكري، ويرددون كلمات الأغاني. وفي أحد هذه الفيديوهات يردد الأطفال: “ها نحن جنود الثأر يا خصمنا، وسنهزم إسرائيل من عزمنا”.

كما تظهر في الفيديو العديد من اللقطات لقائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قتل بغارة جوية أميركية في العراق في كانون الثاني/يناير 2020، وكذلك في لقطة مع اقتراب نهاية الفيديو تظهر يداً تمسك ببدلة عسكرية ، ومن ثم أحدهم يقوم بلف عصبة على يده كتب عليها “كلنا عباسك يا زينب”، وفي النهاية يختم الفيديو بصورة لسليماني.

وفي فيديو ثاني نشره المركز الثقافي الإيراني في دير الزور، يبدأ الفيديو بكلام قائد حزب الله اللبناني، حسن نصر الله: “يجب أن يكون هدفنا في محور المقاومة هو التالي، الرد على دماء قاسم سليماني وأبو مهدي، وإخراج القوات الأميركية من كل منطقتنا”. ومن ثم يظهر مجموعة من الأطفال الذين يرتدون اللباس العسكري، ويرددون: “باسم الله القاسم، باسم رب القاسم، يا كل العالم فاسمع ردنا حاسم، أخبروا الشيطان إنا من سليماني، ولقد سبقنا الراية بنجيعه القاني، عشقنا القدس إليها جندنا قادم، ليزيل جيش من اعتدى عهداً أيا قاسم”.

وفي فيديو ثالث يظهر مجموعة من الأطفال الإناث والأطفال الذكور الذين يرتدون الزي العسكري، وهم يغنون ويحملون العلمين السوري والإيراني. كما يظهر الفيديو لقطات لقاسم سليماني.

كذلك، تنشط العديد من الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي والتي تعود لمليشيات إيرانية أو مدعومة إيرانياً، وعلى الرغم من أن هذه الحسابات غالباً ما يتم إغلاقها بعد فترات مختلفة، إلا أن الجهات القائمة عليها تعاود فتح حسابات جديدة.

وتعليقاً على ذلك، يقول عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن “إيران اعتمدت بشكل أساسي وكبير في دخولها إلى سوريا على البروباغندا والشائعات والتضليل الديني الطائفي، وبنت أغلب سرديتها وتجييشها في هذا الإطار، عبر توظيف الدين والطائفية”. ويضيف “استخدمت الصور وصفحات التواصل الاجتماعي كجزء من هذا التجييش، موضحاً أنها “استخدمت صور الأطفال، خاصة الذين يرتدون اللباس العسكري ويضعون الرباط الأخضر ويحملون الأسلحة، في محاولة لإظهارهم بمظهر البطولة والشجاعة، إضافة إلى ثناء القادة عليهم، وتصوير تدريباتهم، وهو ما شجع أطفالاً آخرين على الانضمام، والأهم أنها سخرت البعد الديني والطائفي لتشجيع الأهالي على دفع أبنائهم للتجنيد مستندة على فتاوى دينية”.

فمثلاً تنشر العديد من حسابات الميليشيات صورا يظهر فيها طفل يحمل رايات تحمل شعارات شيعية، ويرتدي البنطال العسكري والقميص الأسود، وعصبة رأس كتب عليها “لبيك يا حسين”.

كذلك تنتشر صور وعبارات تدل على حربهم الدائمة ضد إسرائيل وتحث الشباب على تحرير فلسطين والجهاد ضد ما يسمونه “الشيطان الأكبر”، أي الولايات المتحدة الأميركية. فمثلاً في هذه الصورة التعبيرية يظهر عنصر من حزب الله يدوس جندياً إسرائيلياً، وارفقت الصورة بـعبارة “إن هدف حزب الله واضح، وهو إزالة إسرائيل”، وهي مقولة للقيادي السابق في حزب الله اللبناني عماد مغنية، الذي قتل في انفجار سيارة مفخخة في شباط/فبراير 2008، بمدينة دمشق.

وتعتمد غالبية هذه الحسابات بشكل أساسي على نشر صور الشهداء ووصياتهم واقتباسات منسوبة لهم، بالإضافة إلى عبارات تحث الشباب على الجهاد وترغبهم بالشهادة، كما يظهر في مجموعة الصورة التالية:

القانون الدولي يجرّم استخدام الأطفال لأغراض عسكرية

يعاقب القانون الدولي المجموعات والمنظمات التي تستخدم الأطفال لأغراض عسكرية، بما في ذلك تجنيدهم وتدريبهم على السلاح، كما يعتبر بحسب القانون الجنائي الدولي جريمة.

وبحسب القاعدة 136 والقاعدة 137 للصليب الأحمر، على التوالي، فإنه “لا يجند الأطفال في القوات المسلحة أو في الجماعات المسلحة”، كما “لا يسمح للأطفال بالمشاركة في الأعمال العدائية”.

وتحظر اتفاقية حقوق الطفل، الموقعة في العام 1989 من معظم دول العالم تجنيد الأطفال وتدريبهم على السلاح دون سن 15 عاماً، حيث تنص المادة 38 من الاتفاقية على أن الدول الأطراف في الاتفاقية “تتعهد بأن تحترم قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة عليها في النزاعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد”، كما يتوجب على الدول الأطراف، اتخاذ “جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألا يشارك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتركاً مباشراً في الحرب” وفقاً للمادة ذاتها، التي لاقت انتقاداً واسعاً حينها بسبب تحديد سن السماح بالتجنيد لمن يبلغون سن الخامسة عشرة وما فوق.

لكن، في كانون الثاني/يناير العام 2000، اعتمدت مجموعة العمل التابعة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة نص مشروع “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة“، والذي يطالب الدول الموقعة على الاتفاقية بضمان عدم تجنيد الأطفال تحت سن الثامنة عشرة. ووقعت إيران على البروتوكول في 21 أيلول/سبتمبر 2010، إلا أنها لم تصادق على الإتفاقية.

كما يعد تدريب الأطفال على السلاح واستخدامهم في العمليات العسكرية مناقضاً لمبادئ “اتفاقية باريس ومبادئها التوجيهية بشأن الاطفال المرتبطين بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة“، وكذلك “التزامات باريس لحماية الأطفال من التجنيد أو الاستخدام غير المشروع“، وقد تم اعتماد الوثيقتين رسمياً من قبل 58 دولة في شباط/ فبراير 2007.

وتعليقاً على ذلك، قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن عمليات تجنيد الأطفال تشكل “انتهاكا كبيرا للقانون الدولي، وهو تجنيد بحالة حرب ويشكل جريمة حرب”. مضيفاً “في حالة المناطق المسيطر عليها من قبل المليشيات الإيرانية في سوريا، ويتم فيها عمليات تجنيد للأطفال، فإن ذلك يشكل أكثر من انتهاك لاتفاقية حقوق الطفل، ويحرم الطفل من حريته ويخرق اتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال“، إذ “يعد التجنيد واحداً من أسوأ أشكال عمالة الأطفال بحسب منظمة العمل الدولية، وخرقا كبيرا لحقوق الطفل الأساسية”.

ويختم عبد الغني بالقول بأن “القانون الدولي يوصف المشكلة، لكن ليست لديه آليات لوقف هذا الانتهاك وردع المليشيات الإيرانية، فهي مليشيات مارقة إرهابية متطرفة ولا تكترث لسمعتها”.

في الأثناء، ينفطر قلب أم عباس حزنا على ابنها المفقود: “رغم أن عندي أطفال آخرون، لكن قلبي يتقطع على ولدي الذي لا أعرف عنه شيئا، ونصيحتي لكل أم لا ترسلي ابنك إلى يلي بروح ما برجع”.

أنجز هذا التحقيق بدعم من مشروع أضواء، تحت إشراف حنان زبيس

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى