كتاب “خطر” عن آخر أيام ترامب في البيت الأبيض: جرس إنذار/ فكتور شلهوب
ما احتواه الكتاب الجديد بعنوان “خطر” من تفاصيل حول ما جرى في الأيام الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب، يبدو أقرب إلى الإنذار، وعزز التحذيرات المتداولة في السنوات الأخيرة من أن الديمقراطية الأميركية صارت مهدّدة بالضمور، وربما بالتحلّل. فما حدث في تلك الفترة حسب ما جاء في الكتاب، وصل إلى حدّ يمكن التصوّر معه أنه لو كان في رئاسة أركان القوات المسلّحة جنرال مقرّب من الرئيس ترامب (مثل الجنرال مايكل فلين مثلاً)، لكان الدستور الأميركي قد صار على الأرجح في خبر كان.
المقتطفات المنقولة عن الكتاب الذي لم يوزع بعد في المكتبات وحتى الأسبوع المقبل، لم تؤكد المعروف فقط، بل كشفت ولأول مرة عن معلومات سرّية عميقة وغير معهودة، أثارت الكثير من المخاوف الحقيقية كما من الارتياب والشكوك حول ما إذا كان وراء الأكمة آنذاك ما وراءها، خصوصاً أن مصادر هذه المعلومات أو المعنيين بها لم يكذبوا الرواية، بل اعترفوا بصحتها. ولا يقل أهمية أن مؤلف الكتاب الصحافي الشهير بوب وودورد – مع زميله في “واشنطن بوست” روبرت كوستا – مشهود له بمصادره الموثوقة، منذ أن كشف عن فضيحة “ووترغيت” في يونيو/حزيران 1972 عن طريق نائب مدير “إف بي أي” والتي أطاحت بالرئيس نيكسون.
يتميز الكتاب حسب القراءات الأولية، بسردياته المثيرة عن يوميات وأحداث ومجريات الأشهر الثلاثة الفاصلة بين الانتخابات التي خسرها ترامب وبين نهاية رئاسته. كما يتميز بما حمله من اقتباسات نارية منسوبة إلى مسؤولين كبار، مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي وصفت ترامب بـ”المجنون”، وطلبت من البنتاغون أخذ الاحتياطات اللازمة لقطع طريق التنفيذ على أي أوامر عسكرية خطيرة يصدرها في ذلك الوقت.
لكن أكثر ما استوقف كان ما تضمنه الكتاب حول اتصال رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي مرتين بنظيره الصيني لطمأنته بأن الأمور تحت السيطرة، وأنه ليس في النية القيام بهجوم ضد بلاده. وأكد له أنه “لو كان مثل هذا الهجوم وارداً لكنت أبلغتك سلفاً بالأمر، لكنه لن يكون مفاجأة”. في ذلك الوقت، كانت هناك خشية لدى دوائر القرار بواشنطن من احتمال لجوء الرئيس ترامب إلى حرب تقلب الحسابات، علّها تبرر بقاءه في سدة الرئاسة، كما كان هناك “خوف سائد في أوساط أعوانه، حتى المقربين منه في البيت الأبيض”، من أن يقوم بخطوة من خارج الحسبان، تترتب عليها تبعات مكلفة. ولهذا كان من المفهوم أن يتخذ ميلي التدابير اللازمة، واستنفار صمامات الأمان لإحباط أي قرار عسكري يصدره ترامب آنذاك. وهذا ما طالبته به رئيسة المجلس النيابي نانسي بيلوسي.
لكن الغريب أن تحصل المكالمة الأولى مع رئيس الأركان الصيني يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل 4 أيام من الانتخابات، وبالتالي قبل أن يبدأ ترامب التحرك للإطاحة بنتائجها. والأغرب أن يتطوع ميلي بهذا التعهد لنظيره الصيني من دون موافقة رئيسه المدني، أي الرئيس أو وزير الدفاع. تصرف طرح أسئلة وأثار مطالبات بفتح تحقيق في الكونغرس لسبر غور مبادرة الجنرال، مع الغمز من زاوية طموحه المحتمل للتدخل كعسكري في السياسة. ولذلك، ثمة في الكونغرس من طالب بإقالته. ومع أن العسكر بقي عموماً خارج السياسة في أميركا التي لم تعرف الانقلابات في تاريخها، إلا أن مثل هذا الطموح جرى التعبير عنه أحياناً بصورة أو بأخرى على يد جنرالات أثناء وجودهم في الخدمة، مثل الجنرال دوغلاس مكارثر، قائد القوات الأميركية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، والجنرال ستانلي مكريستال، قائد القوات الأميركية في افغانستان. وكلاهما جرى تسريحه عقاباً على تدخله في السياسة ومشاكسة رئيسه.
هل تدخل الجنرال ميلي في السياسة ويواجه نفس المصير؟ الرئيس بايدن سارع إلى منحه الثقة، لكن الموقف قد يتغير إذا ما كشفت التحقيقات عن أمور غير معروفة. حتى الآن، لعب الجنرال دوراً هاماً على ما يبدو في تطويق خطر كاد أن يتحول إلى انهيار كبير في 6 يناير/كانون الثاني الماضي. بيد أن هذا الخطر الذي سلّط الكتاب الأضواء عليه، ما زال يحوم فوق الوضع، حسب التحذيرات التي ما فتئت تطلقها الجهات الأمنية المعنية. الديمقراطية الأميركية محصنة بمؤسسات وأعراف وتقاليد عريقة، لكنها صارت سريعة العطب وباعتراف أصحابها. في السنوات الأخيرة، صدرت كتب ومنشورات ودراسات وتحليلات عديدة تحذر من المخاطر التي تهدد الديمقراطية في أميركا، من بينها كتاب لوزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت بعنوان “الفاشية”. واليوم يأتي كتاب “الخطر” ليقدم صورة عن المشهد المتدهور في هذا الاتجاه، والذي يحتاج إلى عملية إنقاذ كالتي اعتادت أميركا إنتاجها للخروج من أزماتها الصعبة.
العربي الجديد