ما وراء الصفحات.. كتب تعلمك الكتابة وتخبرك عن عوالمها/ كاميليا حسين
في رسائل الرافعي المنشورة عام 1969 عن دار المعارف، يجيب عن تساؤل أحد أصدقائه عن كيفية امتلاك ناصية الأدب قائلا: “فينبغي أن تكون لك مواهب وراثيةٌ تؤديك إلى هذه الغاية، وهي ما لا يعرف إلا بعد أن تشتغل بالتحصيل زمنا، فإن ظهر عليك أثرها، وإلا كنت أديبا كسائر الأدباء، الذين يستعيضون من الموهبة بقوَّة الكسب والاجتهاد”.
لا خلاف على أن الكتابة موهبة، أداتها الألفاظ والاستعارات والإيقاع، تماما كما يتلاعب الرسام بألوانه وخطوطه، والموسيقيّ بألحانه. لكنها تبقى فنا أيضا، وليست مجرد إلهام. لا وجود إذن للكاتب الملهَم الذي يجلس أمام الورقة منتظرا هبوط الوحي من السماء، فالكتابة مثل كل فن، عملية تقتضي العمل والالتزام بالتطوير والتحسين المستمر. ليس ثمة وحي يهبط، بل أنت من يستدعيه، سواء من السماء أو من باطن الأرض، من أقسى مخاوفك أو من أكثر المناطق ظلمة في عقلك. تتطلب الكتابة عملا يوميا وممارسة وتمرينا، أيا كان ما تكتبه. نقدم لك اليوم مجموعة من الكتب، ولن نزعم أنها ستصنع منك كاتبا، لكنها ستساعدك على تطوير مهاراتك وصقلها والوصول بما تكتبه إلى مستوى أفضل.
الحكاية وما فيها (محمد عبد النبي)
في ورشته الخاصة للكتابة الإبداعية التي حملت الاسم نفسه (الحكاية وما فيها)، شارك الكاتب والمترجم محمد عبد النبي على مدار سنوات خبراته في الكتابة السردية وتقنياتها المختلفة وأدواتها. في النهاية، جمع عبد النبي خلاصات تجاربه في هذا الكتاب، والذي قدمه في البداية عبر سلسلة من المقالات على موقع هنداوي.
يعد هذا الكتاب واحدا من الكتب العربية القليلة في هذا السياق. وينطلق فيه الكاتب من النظرة إلى الكتابة بوصفها عملا يحتاج إلى الممارسة والانتظام والتطوير والتأمل، مخرجا إياها من الإطار الغيبي غير الملموس كوحي أو إلهام إلى منطقة مضيئة ويمكن التعامل معها بشكل أكثر سلاسة كعمل/التزام، ما يفتح المجال أمام إمكانية التطوير والتعلم.
يتناول الكتاب عددا من الموضوعات المهمة لكل كاتب، مثل: مصادر الإلهام، والتغلب على قفلة الكاتب، والتركيز على المحاور الأساسية في الكتابة السردية، كالثيمة والحبكة والشخصيات والحوار والوصف. وعلى الرغم من توجه أغلب فصول الكتاب لكُتَّاب السرد، فإن الكثير من مواده قد تفيد من يمارسون كتابة أنواع أدبية أخرى.
إضافة إلى الجانب النظري في الكتاب، هناك شق عملي مفيد يضم مجموعة من تمارين الكتابة. ويضم الكتاب أيضا ملحقين؛ الأول يستعرض 10 كتب مترجمة عن الكتابة الإبداعية، والثاني يحتوي الكثير من النصائح من عدد من الكُتّاب الكبار.
الكتاب من إصدار مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ويمكن تحميله مجانا من هناك.
مسيرتي في التأليف: مذكرات هذه الصنعة
في عام 1997 قرر الكاتب الشهير” ستيفن كينج” البدء في كتابه “On Writing” المترجم إلى العربية بعنوان “مسيرتي في التأليف: مذكرات هذه الصنعة”، والذي تناول فيه حياته وحرفته بوصفه كاتبا. خلال العمل على الكتاب وقع له حادث خطير أقعده لفترة عن الحركة، وخلال الأشهر التالية التي تابع فيها الاستشفاء، استأنف العمل على الكتاب، لتتحول الكتابة في هذه الفترة إلى عملية إنقاذ حقيقية وملهمة لحياته بوصفه كاتبا وإنسانا.
يدور الجزء الأول الذي حمل عنوان “سيرة ذاتية” حول طفولة “كينج” ومراهقته وتركيزه المبكر على الكتابة، ومسيرته في نشر قصصه المبكرة وروايته الأولى “كاري”. ورغم أنه يبدو جزءا ذاتيا، لكنه ملهم لكل كاتب، فمن خلال هذه المذكرات يستعرض كينج أمورا عملية، مثل التعامل مع الرفض من المحررين ودور النشر، وكيفية إدارة التوازن بين عملك في الكتابة وعملك في وظائف أخرى لإعالة نفسك أو أسرتك. وباستعراض تجربته المؤلمة في إدمان الكحول، يحطم كينج في هذا الجزء الأسطورة الرومانسية التي تربط بين الكتابة أو الفن والكحول.
أما الجزء الثاني من الكتاب فهو يركز على حرفة الكتابة ذاتها، سواء الأدوات الأسلوبية، أو عناصر الكتابة السردية، وعملية التحرير. الرائع أن هذه النصائح لا تأتي جامدة، بل تأتي بصوت ستيفن كينج وأسلوبه الشيق وحسه الفكاهي اللاذع، ما يجعل تلقيها أشبه بالحديث مع صديق، بدلا من مجرد تلقي نصائح جامدة. سواء كنتم من محبي خيال كينج ورواياته أم لا، لا يمكن إنكار موهبته أو تمكنه من حرفته.
ويأتي القسم الختامي حول الحادث المؤسف الذي تعرض له، حيث كان كينج قد بدأ في تأليف الكتاب -كما أسلفنا- في عام 1997، وأنهى القسمين الأولين منه في أوائل عام 1998، وفي 19 يونيو/حزيران 1999 صدمته شاحنة، وأقعده الحادث لفترة عاجزا عن الحركة، وكانت الكتابة هي الحافز الرئيس في رحلة شفائه. في النهاية يعرض ستيفن كينج ملحقا بمجموعة من الكتب المهمة ﻷي كاتب، بالإضافة إلى نموذج لقصة قصيرة قبل وبعد المراجعة؛ لتوضيح العديد من المفاهيم المتعلقة بالتحرير بطريقة عملية.
الكتاب منشور عربيا من ترجمة أوليغ عوكي، لصالح الدار العربية للعلوم ناشرون.
اللغز وراء السطور: أحاديث من مطبخ الكتابة
بأسلوب سلس، يقدم د. أحمد خالد توفيق كتابه، والذي انقسم إلى قسمين: الأول عنوانه “مقالات من داخل المطبخ”، ويحوي مقالات قصيرة استخدم فيها أحمد خالد توفيق أسلوبه الساخر والسلس المألوف لقرائه، مستعرضا تقنيات مثل منحنيات السرد في الكتابة، وأنواعا أدبية مثل الروايات المقنَّعة والقصة القصيرة والتأليف المسرحي وأدب الخيال العلمي، ومشكلات مثل سدة الكاتب (writer’s block) والالتزام والجنس في الأعمال الفنية، مستعرضا أمثلة من مختلف الأعمال العربية والأجنبية. ويقدم هذه النصائح من خلال أسلوب قصصي شيق. بينما الجزء الثاني المعنون بـ”ثرثرة من خارج المطبخ”، يجمع مجموعة من المقالات حول مواضيع أدبية وفنية شتى.
الكتاب من إصدار دار الشروق في مصر، ويمكنك العثور عليه في منافذ الكتب المعتادة.
لياقات الكاتب
على الرغم من مرور ما يقرب من تسعين عاما على نشر هذا الكتاب، فإنه لا يزال صالحا سواء للكتاب المبتدئين لتطوير مهاراتهم، أو للكتاب المتمرسين لاستعادة لياقتهم. لا يقتصر الكتاب على النصائح النظرية فقط، بل يتضمن كذلك الكثير من التمارين العملية المفيدة. يناقش الكتاب العديد من الموضوعات، من بينها طرق تكوّن الأفكار، وبناء الشخصيات، والسرد، كما يتناول المشكلات والصعوبات المختلفة التي تواجه الكاتب خلال عمله والكثير من التمارين التي تساعده على تخطي الصعوبات ومواجهتها وتطوير حرفته. ينتهي الكتاب بملحق بمجموعة من العناوين المهمة المقترحة، والتي تشمل كتبا عن الكتابة والتأمل والعديد من الأعمال الكلاسيكية المهمة لكل كاتب.
الكتاب متوفر باللغة العربية، من ترجمة فريق ضاد (غزة)، لصالح دار كلمات للنشر والتوزيع.
ورشة سيناريو غابرييل غارسيا ماركيز
ما رأيك في أن تشارك في ورشة كتابة يديرها أشهر كُتّاب الواقعية السحرية “غابرييل غارسيا ماركيز”؟ حسنا، هذا لم يعد حلما قابلا للتحقق مع الأسف، فماركيز أو “غابو” -كما اعتاد محبوه تدليله- رحل عن عالمنا بالفعل، لكن -على الأقل- بإمكانك أن تشهد ورشة كتابة سيناريو يديرها عبر صفحات هذا الكتاب، مكونة من ثلاثة أجزاء، هي: كيف تُحكى حكاية؟، ونزوة القص المباركة، وبائعة الأحلام.
عبر الكتاب سوف تراقب عملية توليد الأفكار وتطويرها بين المشاركين في الورشة، وكذلك تطوير الشخصيات والحوار والأحداث، وكيف يعمل ماركيز على قيادة عملية تطوير الأفكار وتوليدها بحسه الساحر، ما يجعله بمثابة المايسترو. وخلال القراءة ربما تمسك نفسك وأنت تشارك في الأفكار وفي تطويرها وكأنك حاضر بين المشاركين. تجربة رائعة تتيح لك نظرة على عملية الكتابة، وتوليد الأفكار، وكيف تكسو العظام لحما.
الكتاب متوفر بالعربية في دار المدى للثقافة والنشر، وهو من ترجمة صالح علماني.
يوم من حياة كاتب (59 كاتبا يتحدثون عن روتين الكتابة)
يواجه الكثير من الكُتّاب تحديا فيما يتعلق بظروف الكتابة، وأعني هنا الظروف العملية المتعلقة بتنظيم اليوم حول عملية الكتابة، وإيجاد الوقت اليومي المناسب للعمل على مشاريعهم. البعض ينتظر وقتا مثاليا لا يأتي أبدا، ويعلق العمل على شماعة طقوس لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع. إذا كنت من هؤلاء فربما يفيدك هذا الكتاب.
الكتاب لا يقدم نصائح مباشرة، لكنه يتضمن 59 مقالة لكتّاب عالميين اختارتهم صحيفة الغارديان البريطانية ضمن سلسلتها عن روتين الكتابة، يستعرض كل كاتب فيها روتينه اليومي، والتحديات التي تواجهه وطريقته في التغلب عليها، وهو ما قد يمنحك بعض الإلهام.
الكتاب من ترجمة علي زين، وهو متوفر في منشورات تكوين للنشر والتوزيع.
آليات الكتابة السردية
هذا الكتاب ليس كتابا تعليميا مباشرا، ولا يتضمن نصائح حول الكتابة كما قد يخدعك عنوانه، وإنما هو بمثابة ملاحظات وتأملات كتبها الروائي والفيلسوف الإيطالي “أمبرتو إيكو” حول تجربته السردية، وهو صاحب الرواية الشهيرة “اسم الوردة” التي حققت نجاحا كبيرا وأثيرت حولها العديد من النقاشات.
يتناول الفصل الأول من الكتاب الرواية نفسها تحت عنوان “حاشية على اسم الوردة”، حيث يقدم إيكو تأمله الخاص ببناء روايته: من أين جاءت الفكرة؟ وكيف تطورت وتشعبت بهذا الشكل؟ وكيف استطاع تأسيس عالمه الروائي؟
تستمر تأملات إيكو حول مراحل الكتابة في الفصلين التاليين، مانحا قُرّاءه المزيد من التفاصيل حول عالم الكتابة وأسرارها. لذا، على الرغم من عدم تشابه هذا الكتاب بالكتب السابقة، فإن ملاحظات إيكو الثرية والسلسة في الوقت ذاته حول عملية الكتابة مفيدة وملهمة لكل كاتب.
حقا لا وجود لعصا سحرية تلمسك فتصنع منك كاتبا موهوبا، لكن لا شك أن الالتزام والمِرَان اليومي يمكنه أن يصقل تجربتك ويشحذ أدواتك، كي تصعد بك إلى آفاق كتابية أكثر رحابة واتساعا. بل ويقول إيكو نفسه في كتابه “اعترافات روائي ناشئ” أنه عاش لسنوات أسيرا لاصطلاحاتٍ مثل الشغف والوحي والإلهام، بدلا من التركيز على العمل والتدريب، وأرفق ذلك باقتباس يقول فيه: “لقد تعلّمت أشياء كثيرة وأنا أكتب روايتي الأولى، منها أن الإلهام كلمة سيئة”.
المصدر : الجزيرة