تحقيقات

للمرة الأولى.. تحقيق يكشف هوية مالك شحنة الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت

شارك فراس حاطوم في تحقيق كشف هوية مالك شحنة الأمونيوم التي انفجرت في مرفا بيروت، رفقة كل من أوبري بلفورد، ويانينا كورنينكو، وإزوبيل كوشيو، وستيليوس أورفانيدس.

 وتحت عنوان “Ownership of Chemicals that Exploded at Beirut Port Traces Back to Ukraine”، جاء في التحقيق:

بعد عام على انفجار شحنة هائلة من نترات الأمونيوم في بيروت، حسم تحقيق استقصائي لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP.ORG) واحداً من أكبر الأسئلة العالقة: مَن هو المالك الحقيقي للشحنة؟ يكشف تعقُّب الوثائق أن المالك هو شبكة لتجارة الأسمدة، يمتد عمرها عقوداً، يديرها أوكرانيون وتتخفّى تحت ستارٍ من الوكلاء والشركات الوهمية.

 خلال العام الذي مضى منذ انفجار شحنة هائلة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وتدمير جزء من العاصمة اللبنانية، كان أحد أبرز الأسئلة وأهمها هو الأصعب في العثور على جواب له: مَن هو المالك الحقيقي للشحنة؟

 نيترات الأمونيوم المفقودة

على رغم الدمار المذهل الناتج عن الانفجار، هناك علامات على أن جزءاً ضئيلاً فقط من الحمولة الإجمالية لسفينة روسوس كان لا يزال في مرفأ بيروت عند وقوع الانفجار.

 وتشير تقارير إلى أن تحقيقاً أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي قد خلَصَ إلى أن 20 في المئة فقط من حمولة سفينة روسوس من نيترات الأمونيوم هو ما انفجر. وهذا ما زاد من الأسئلة حول مصير النسبة الباقية (أي 80 في المئة من الحمولة)؛ بما في ذلك احتمال أن تكون قد سُرِقت من مرفأ بيروت.

 ولكن اتضح أن حتى معرفة مالك سافارو يمثّل تحدياً. فالمساهمون الحقيقيون في الشركة يتخفّون خلف مجموعة من المديرين والمساهمين بالوكالة في ملاذات آمنة.

 وأصبح فولوديمير فيربونول، وهو رجل أعمال أوكراني يمتلك شركة بالاسم نفسه في مدينة دنيبرو، تحت المجهر. ولكن بعد إنكاره أمام الصحافيين وجود أي صلة بينه وبينه شحنة بيروت، أفلت فيربونول من الوقوع تحت مزيد من الاهتمام.

 وقد أثبت الآن تحقيق استقصائي لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” وشركائه من الإعلاميين أن فيربونول في الواقع هو من يقف خلف سافارو. إذ تثبت عملية تعقُّب الوثائق التي قام بها الصحافيون أن فيربونول ليس وحده مَن يدير شركة سافارو، بل إن الشركة جزء من مشروع كبير وعمره عقود، لتجارة الأسمدة من الفئة التقنية التي تدخل في صناعة المتفجرات. كانت شبكة الشركات التي مقرها مدينة دنيبرو الأوكرانية تمتلكها وتديرها شبكة من رجال الأعمال، ومنهم قطب بارز على المستوى الوطني في قطاع الإنشاءات.

 أخفت هذه الشبكة عمليتها وراء ما لا يقل عن ستة أسماء تجارية وعدد من الشركات الوهمية التي توزعت على إنكلترا وأسكتلندا ومنطقة البحر الكاريبي وأوكرانيا وجنوب المحيط الهادي و وولاية أركنساس الأميركية.

 انخرطت الشبكة في تجارة الأسمدة والمواد الكيماوية، خصوصاً مع الدول الأفريقية منذ العقد الأول من الألفية الثانية 2000s على الأقل. وقد وجد الصحافيون أيضاً أن الشبكة أرسلت على الأقل ثلاث شحنات من نيترات الأمونيوم عبر أساليب مشابهة إلى موزمبيق عام 2013. وكانت شبكة سافارو شراكةً معقدة تضم أناساً منهم فيربونول وزوجته تيتيانا وقطب في مجال الإنشاءات في مدينة دنيبرو يُدعَى ميكولا أليسينكو. وهناك أيضاً امرأة تدعى أولغا، يبدو أنها ابنة أليسينكو، وهي شريكة فيربونول في إحدى شركاته التي ما زالت تقوم بتسويق الأسمدة.

 كما قام اثنان من مقدمي الخدمات الأفشور في الخارج، عادة ما يعملان مع شركات في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق- وهما شركة إنترستاتوس (Interstatus) في قبرص ومجموعة “ألفا وأوميغا” لوكلاء تكوين الشركات ومقرها بريطانيا- بتسهيل عمليات الشبكة على مدى سنوات.

 ترسم هذه النتائج الصورة الأوضح حتى الآن للأشخاص والهيئات الذين تقفون وراء  شحنة نيترات الأمونيوم. وقد تكون للأمر أيضاً عواقب قانونية في القريب العاجل. ففي الشهر الماضي رفع محامون قضية ضد سافارو في المملكة المتحدة بالإنابة عن  نقابة المحامين في بيروت وضحايا الانفجار، وقالوا إن الشركة تتحمل مسؤولية كبرى عن هذه  الكارثة.

 إضافة إلى هذا، فإن الشبكة المركبة التي تقف خلف الشحنة تخبرنا عن الأساليب المعقدة التي يتم تنفيذها بشكل روتيني في قطاع الشحن من أجل إخفاء المِلكية، ما يفسره خبراء بأه عادةً ما يكون محاولة متعمدة للتنصل من المسؤولية وتسهيل الممارسات الإجرامية أو غيرها من الأعمال  التجارية المخادعة.

 وقال كميل بوسليمان، المحامي الرئيس في قضية لندن المرفوعة على سافارو، إن الشركة تتحمل المسؤولية عن الانفجار، لأنها كانت المالك القانوني للشحنة وفشلت في أخذ التدابير المناسبة لاسترداد هذه المواد الخطرة. وعبر عن أمله بأن تكون هذه القضية ضد الشركة الخطوة الأولى في مساءلة المتسببين في هذه الكارثة.

 وفي تصريح لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”، قال مارك تايلور، وهو محلل رفيع المستوى يعمل مع  “قفص الاتهام ” The Docket، إحدى مبادرات مؤسسة كلوني للعدالة، “لا شك في أنه وبحسب النظام الحقوقي الدولي تتحمل شركة سافارو ومَن يديرونها مسؤولية ضمان تخزين شحناتهم بشكل ملائم، وألا تمثل خطراً على حياة البشر، إذ لا يجوز في ظل هذا النظام الحقوقي، تخزين مواد كيماوية خطيرة في المستودعات والعنابر وتركها ثم إهمال الأمر”.

 وفي تصريح مكتوب أرسلته الشركات الأوكرانية إلى الصحافيين العاملين على هذا المشروع الاستقصائي، نفت وجود أي دور لها في حمولة السفينة من نيترات الأمونيوم وحملت السلطات اللبنانية مسؤولية انفجار بيروت.

 وأضافت الشركات: “لقد كان، دائماً، مجال عمل أتلانتيس كوربوريشن Atlantis Corporation وسافارو Savaro ودنيبرو سوفت Dniprosoft، في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتحديداً إنتاج البرمجيات والتسويق عبر الإنترنت”، في إشارة إلى أسماء الشركات الأوكرانية الثلاث في الشبكة.

 وأوضحت أن الإعلان الإلكتروني عن سلع أخرى، كالأسمدة، كان يتم لمصلحة عملائهم وكان “ينشره موظّفون، وأحياناً متدرّبون، ربما ليسوا على وعي تام بأن شركتنا كانت تعمل في هذا الصدد بالإنابة عن الشركات المصنّعة”.

 لم يجب محامي شركة سافارو، البريطاني ريتشارد سليد، على طلب للتعليق على الأسئلة المكتوبة التي أرسلها له الفريق الإعلامي.

 غياب المساءلة

أدى انفجار شحنة نيترات الأمونيوم في آب/ أغسطس إلى تدمير تام للميناء الرئيس في لبنان، البلد المعتمِد على الاستيراد، وأحدَثَ أضراراً تصل إلى 8 مليارات و100 مليون دولار في العاصمة اللبنانية، وساهم في دفع البلد الذي يعاني من الفساد وسوء الإدارة، إلى أزمة شاملة.

 وبعد مضيّ أكثر من عام، يعاني لبنان من التضخم المُفرِط وشح الأدوية وظهور طوابير للحصول على الوقود والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، إضافة إلى وموجة من اللبنانيين الذين يغادرون البلاد بحثاً عن حياة أفضل في الخارج.

 ويعتقد كثر من اللبنانيين أن النخبة السياسية في البلاد تتحمل المسؤولية النهائية عن الكارثة، بعد ظهور دلائل على أن مسؤولين كباراً كانوا يدركون المخاطر التي تمثلها مادة نيترات الأمونيوم، ولكنهم لم يُزيلوها.

 ولكن حتى اليوم لم توجَّه التهم إلا إلى مسؤولين من ذوي الرتب المنخفضة والمتوسطة في الجمارك والمرفأ. فيما حاول قاضٍ محلي اتهام مسؤولين كبار بالإهمال، ومنهم رئيس الوزراء السابق حسان دياب، لكن هذا القاضي أعفي من منصبه في شباط/ فبراير الماضي، بعد تراجع المؤسسة السياسية في البلاد؛ وعُيِّن قاضٍ جديد ما زال يواصل تحقيقاته.

 فيما قال المحامي اللبناني الناشط الحقوقي زياد بارود، وهو وزير الداخلية والبلديات الأسبق، في تصريح لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” إنه لم يكن يتوقع إطلاقاً اتخاذ قرارات قانونية عاجلة، نظراً إلى حجم القضية. لكن في الوقت نفسه “فإن حجم التمسك بالحصانات وبالامتيازات القضائية وبالأذونات لافت جداً… وهذا النوع من النظام القائم على الحمايات والامتيازات في الواقع غالباً ما يؤدي إلى عرقلة عمل القضاء والإفلات من العقاب إلى حد ما”.

 وقال: “ولو، بعد كل يللي صار، وبعد سنة على الانفجار بعدنا عم نفتش على الشكليات والحصانة ولم ندخل في موضوع المحاكمة ومضمونها”، لافتاً إلى أن “حجم المأساة كبير لدرجة أنه لا تمكن لفلفة هذا الموضوع”.

 وأشار إلى أن المحقق العدلي يبدوأنه استكمل تحقيقه ولديه في الملف ما يكفي لإصدار “قرار ظني حتى ولو لم يتكمن من استجواب بعض الأشخاص أو الادعاء عليهم نظراً إلى الحصانات والامتيازات القضائية”.

 قذائف البحر

قامت شركتان من شبكة سافارو- أتلانتيس باستئجار سفينة روسوس وشراء حمولتها؛  شركة “سافارو المحدودة” المسجَّلة في لندن، وشركة أخرى تسمّى “أغروبلند المحدودة للتصدير” (Agroblend Exports (BVI) Ltd)، وهي مسجلة في جزر العذراء البريطانية.

 على الأوراق، لم يبدُ أن أياً من الشركتين ترتبط بأي شخص في أوكرانيا. فما زالت مِلكية أغروبلند ومديروها يختفون خلف جدار السرية الصارمة في جزر العذراء البريطانية. فيما تُظهر السجلات البريطانية أن ملكية سافارو الحقيقية مخفية عبر موظفين وكلاء وشركة وهمية ترتبط بشركة إنترستاتوس، التي تقدم خدمات الشركات ومقرها قبرص.

 وتقول إنترستاتوس، التي تأسّست عام 2000، إنها تقدم خدماتها تحديداً لعملاء في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وتقدم الهيئة خدمات تكوين الشركات، إضافة إلى الخدمات القانونية والمحاسبية، في بعض أكثر الملاذات الخارجية غموضاً في العالم، ومنها بليز Belize وبنما وجزر مارشال ونيفيس Nevis وجزر العذراء البريطانية.

 وقدمت “إنترستاتوس” خدمات الترشيح لأربع شركات على الأقل تحمل اسم سافارو. إحداها، وهي شرَاكة أسكتلندية محدودة أعلنت أنها تتاجر في الأسمدة، كانت أعمالها الورقية تتم بشكل مشترك بين “إنترستاتوس” ووحدات من مجموعة “ألفا وأوميغا”، وهي شبكة من مقدمي خدمات الشركات، مقرها بريطانيا، وتخدم أيضاً عملاء من الاتحاد السوفياتي السابق؛ وقد وُصفَت بأنها تعمل لمصلحة أفراد فرضت عليهم عقوبات وهم متهمون بغسيل الأموال.

 ووفقَ ما صرّح به بِين كاودوك، رئيس  فريق التحقيقات في الفرع البريطاني لمنظمة الشفافية الدولية لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”، فإن الفرع أرسل تقريراً حول مجموعة “ألفا وأوميغا” إلى سلطات الإيرادات في المملكة المتحدة في العام الماضي، تحثها على إجراء تحقيق. ولكن المنظمة لم تتلقَّ رداً رسمياً حتى اليوم.

 وأضاف كاودوك أنه “في ما يتعلّق بعدد الشركات التي استُخدمت في أنشطة مشبوهة، فإن مجموعة (ألفا وأوميغا) قطعاً واحدة من أكثر الشركات غزارة”.

 وتخضع اليوم شركة “إنترستاتوس” للتحقيق من قِبَل الهيئة التنظيمية المالية القبرصية (CySEC)، وفق ما قالته رئيستها المُنتهية ولايتها ديميترا كالوغيرو لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”.

 وقالت مالكة “إنترستاتوس”، مارينا بسيلّو، لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” إن شركتها أجرت فحوصاً كاملة  لتدقيق جميع العملاء، ولكنها لم تستطع مشاركة أسماء المُلّاك الحقيقيين مع طرف ثالث.

 وأضافت أن شركة سافارو، ومقرها بريطانيا، “في حدود معرفتنا واعتقادنا كانت دائماً خاملة، ولطالما قدّمها لنا عميلُنا على هذا النحو”.

 ورفض رئيس مجموعة “ألفا وأوميغا” اليكسي ستروكوف التعليق على طبيعة عملائهم، ولكنه قال إن شركته تعمل مع “إنترستاتوس”، وتقدم خدمات العناوين وتوجيه البريد للعملاء.

 سافارو وشبهات سورية

حقّق الصحافيون والمحقّقون في احتمال أن تكون شحنة نيترات الأمونيوم لم تكن أبداً يفترض أن تذهب إلى موزمبيق، بل تُرِكت في بيروت عمداً لتهريبها إلى سوريا واستخدامها في صنع متفجّرات.

 ودعم هذه النظرية جزئياً ما كشفه سابقاً “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”، في تحقيقه السابق الذي نشرت نسخته العربية على موقع “درج” https://daraj.com/52864/ أن المجموعة الموزمبيقية التي طلبت نيترات الأمونيوم تم التحقيق معها سابقاً بتهم تهريب السلاح.

 وقد كُشِف أيضاً أن مالك السفينة القبرصي مَدين لـ”بنك الشرق الأوسط الفيدرالي” (FBME)، وهو مصرف في تنزانيا وقبرص، يمتلكه إخوة لبنانيون، وأغلق لاحقاً بتهم غسيل الأموال وتقديم خدمات للحكومة السورية وحليفها المسلَّح في لبنان، تنظيم “حزب الله”.

 أثارت ملكية سافارو المبهمة المزيد من الشكوك. وهذا العام، وجد تقرير لقناة “الجديد” اللبنانية أعده الصحافي فراس حاطوم، الذي عمل على هذه القضية مع فريق “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”، أن الشركة القبرصية “إنترستاتوس” ومجموعة “ألفا آند أوميغا” برزتا ضمن الشركات التي رُشّحت لتسجيل شركات تنتمي إلى رجل الأعمال الموالي للنظام السوري جورج حسواني ورجل الأعمال السوري الروسي عماد خوري، الذي يُقال إن شقيقه مُدلّل خوري يعمل وسيطاً بين النظامين السوري والروسي.

 وأبقت شركة “هيسكو لأعمال الهندسة والبناء” التي كان يمتلكها حسواني في وقتٍ ما على سجلها التجاري في العنوان البريطاني ذاته المسجلة به شركة “سافارو المحدودة”، ثم نُقل موقع تسجيل الشركتين مرتين في اليوم ذاته ــ مرة عام 2008 ومرة أخرى عام 2011.

 وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على كل من حسواني والأخوَين خوري لدعمهما نظام بشار الأسد. واستُهدف مدلل خوري أيضاً بالعقوبات لمحاولته شراء نيترات الأمونيوم لحكومة الأسد عام 2013؛ وهو العام ذاته الذي وصلت فيه السفينة روسوس إلى بيروت.

 ووفقاً لتقرير صدر عن شركة “إرنست آند يونغ” عام 2014، أحال الأَخوان خوري في كثير من الأحيان معاملات العملاء إلى “بنك الشرق الأوسط الفيدرالي” FBME الذي كان مالك السفينة روسوس مديناً له. وكانت شركة هيسكو أيضاً من عملاء المصرف ذاته.

 وكان حسواني والأخوان خوري قد نفوا صلتهم بشحنة السفينة روسوس.

 مسار دولي

تحدّد المسار المؤدي من شركتي “سافارو” و”أغروبلند” إلى شبكة فيربونول عبر  سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني التي بدأ ممثل الشركة إرسالَها بعد فترة وجيزة من احتجاز روسوس في بيروت.

وف كانون الأول/ ديسمبر 2013، اتصل ممثل عن شركة “أغروبلند”، يسمّي نفسه كورتيس إغليهارت، برجل أعمال لبناني لمساعدته في استرداد شُحنة السفينة التي وصفها بأنها “خطيرة”.

 وقدّم إغليهارت شكوى بعدم علم شركته بقرارات الشركة المالكة للسفينة، “تيتو شيبينغ” (Teto Shipping)، المتعلقة بالتوقف من دون إعلان مُسبَق في اليونان وبيروت، حيث احتُجزت السفينة روسوس في النهاية.

 وكتب إغليهارت أنه على رغم دفعه بالفعل التكلفة الكاملة للشحن- التي تقترب، على حد قوله، من 375 ألف دولار أميركي- قالت شركة “تيتو شيبينغ” إنه كان من الصعب، مالياً، مواصلة الإبحار إلى ميناء بيرا في موزمبيق. واتهم إغليهارت الشركة المشغّلة للسفينة بالإضرار بمصالح شركته في سبيل الحصول على المزيد من المال.

 وقال في إحدى مراسلاته إنه “في الوقت الحالي، لا تزال السفينة في بيروت، ويقول مالكوها إنه ليس بإمكانهم إنزال البضائع في بيروت، ولا يملكون المال الكافي للإبحار إلى بيرا. وبدأوا ابتزازنا لدفع 180 ألفَ دولار إضافية (وإلا فلن نرى شحنتنا أبداً)”.

 وبعد نحو عام، تواصل إغليهارت مجدداً مع رجل الأعمال ذاته. لكن بدلاً من تمثيل “أغروبلند”، وصلت الرسائل من حساب بريد إلكتروني مرتبط بالموقع الإلكتروني savaro.com.

 وعلى رغم استخدامه خاصية إخفاء ملكية النطاق من خلال خدمات التشفير الإلكترونية، وجد الصحافيون أن موقع savaro.com، يشترك في خادم البريد الإلكتروني مع الشركة الأوكرانية التي تحمل الاسم ذاته، ويملكها فيربونول وشركاؤه. وتشارك الموقع أيضاً “عنوانَ بروتوكول الإنترنت” IP address الذي استخدمته شركة “سافارو أوكرانيا”، ومواقع أخرى مرتبطة بشركات خارجية موجودة في الشبكة يُزعَم أنها تبيع الأسمدة والمواد الكيماوية الأخرى في لاتفيا والولايات المتحدة.

 ولعب إغليهارت أيضاً دوراً في جهود سافارو لتوظيف محامٍ لبناني، هو جوزيف قارِح، لفحص نيترات الأمونيوم عام 2015. ويبدو أن الشركة توقفت، بعد ذلك، عن محاولة استعادة شحنتها. وحوّلت “سافارو” أموالاً إلى قارح من حساب باسمها في الفرع القبرصي لـ”بريفات بنك” (PrivatBank) المملوك لأوكرانيا.

 ولم يتمكن الصحافيون من العثور على موظف يُدعى إغليهارت في سجلات الشركة، بل عجزوا عن الوصول إلى الرقم الذي استخدمه سابقاً في المملكة المتحدة.

 سوق خصب

وُلد فلودومير فيربونول عام 1959، ونشأ في دوائر الأعمال والسياسة في دنيبرو، وهي مدينة صناعية في وسط أوكرانيا.

 وطوال التسعينات، عمل فيربونول في بادئ الأمر مساعداً للزعيم النقابي الأوكراني البارز ميخائيلو فولينيتس ثم مساعداً لدينيس دزينزرسكي، وهو عضو سابق في البرلمان تشارك معه في مجال الأعمال في التسعينات، وهو مطلوب الآن من قِبل المكتب الوطني الأوكراني لمكافحة الفساد.

 وعام 2001، أنشأ فيربونول شركة باسم “أتلانتيس كوربوريشن”، عملت في تسويق الأسمدة ومنتجات أخرى، وفقاً لأجزاء من صفحة ويب محذوفة الآن، ولكن استعادها الصحافيون. وكان فيربونول هو الوجه العام للشركة.

 وسرعان ما أنشأ فيربونول مع شركائه سلسلة من الكيانات، تقع مقرّات معظمها في مبنيين في وسط مدينة دنيبرو، وتسوّق هذه الكيانات لمنتجات متنوعة مثل الأسمدة والمعدات المعدنية وتقدّم خدمات ذات صلة بالبرمجيات وتصميم المواقع الإلكترونية.

 واعتباراً من عام 2007، دخل فيربونول في شراكة مع ميكولا أليسينكو، قطب الإنشاءات والعقارات، في الكثير من الشركات. وشملت هذه الكيانات الفرع الأوكراني لشركة “سافارو”، الذي تأسّس عام 2009 وأُدرج في بادئ الأمر بوصفه يعمل في تجارة الآلات الصناعية، ثم بوصفه مطوّر مواقع إلكترونية. ضمت الشبكة أيضاً مجموعة من الشركات الوهمية الخارجية، التي كانت “إنترستاتوس” تدير معظمها، بحسب ما كشفته سجلات الشركة. واشتملت الشبكة على شركات تحمل اسم “سافارو” في أسكتلندا وإنكلترا وجزر العذراء البريطانية، إضافة إلى شركات قابضة أخرى ذات صلة تقع في جزر مارشال والولايات المتحدة.

 وتُظهر مواقع الشركة الإلكترونية، المحذوفة في الوقت الحالي، أن أليسينكو كان يرأس الشركة، وأن فيربونول وموظفيه قاموا بأدوار بارزة. وعرض الموقع بوضوح صوراً لزيارات رجال أعمال، معظمهم يعملون في الزراعة وتجارة السلع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهم يتفقّدون الأعمال التجارية في منطقة دنيبرو مع فيربونول وآخرين.

 الكشف عن شحنات جديدة من نترات الأمونيوم

أُغلقت شركة “أتلانتيس”، الكائنة بأوكرانيا والتابعة لفيربونول، عام 2011 بعد إعلان إفلاسها، في حين واصلت الشركات الأخرى المُدرجة في الشبكة أعمالها. وفي العام نفسه، تواصل مسؤولو الويب في الشبكة مع المنظمة التي تدير “أرشيف الإنترنت”، وهو أرشيف رقمي غير ربحي يدعم صفحات الويب القديمة من خلال أرشفتها في أرشيف يسمّى “واي باك ماشين” (Wayback Machine)، وطلبوا إزالة سجلات اثنين من أبرز المواقع الإلكترونية للشبكة، وهما savaro.com وatlantis.ua، بحسب ما قاله مارك غراهام، مدير “واي باك مشين”، لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”.

 وعلى رغم ذلك، تمكن الصحافيون من استعادة أجزاء من موقع الويب السابق الخاص بشركة “أتلانتيس”، بوساطة موقع طرف ثالث، هو موقع خدمة الترجمة Linguee. وكشف الصحافيون أن الشركة سوّقت الأسمدة وأعلنت أن فيربونول هو رئيسها. وتُظهر صفحة من موقع savaro.com، لا تزال متاحة على الإنترنت، أن الشركة أدرجت مواد زراعية في قائمة منتجاتها، بما في ذلك نيترات الأمونيوم.

 ويبدو أن الشركات الأوكرانية التابعة لفيربونول وشركائه قد توقفت عن الإعلان عن الأسمدة بعد تلك اللحظة. لكن المواقع الإلكترونية المرتبطة بالهيكل الخارجي لشركات فيربونول واصلت أعمال التسويق للمواد الكيماوية.

 وبدلاً من ذلك، قدّمت شركة سافارو الكائنة في أوكرانيا نفسها بوصفها تعمل في بيع المعدات الصناعية وتقديم خدمات ذات صلة بالبرمجيات وتطوير مواقع الإنترنت.

 وقال موظف سابق في شبكة سافارو -كان يعمل في الشركات التابعة لشركاء فيربونول حتى وقت قريب من ترتيب شحنة روسوس- لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” إنه لم يرصد أدلة كافية تثبت أن “سافارو” كانت تنفّذ أعمالاً ذات صلة بتكنولوجيا المعلومات، وأن مبيعات الأسمدة ظلت هي ركيزة أعمالها.

 وأضاف الموظف السابق، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة: “لا أتذكر أنني رأيت في الشركة شخصاً ذا علاقة بالبرمجيات. لم يكن هناك موظفون متخصصون في تكنولوجيا المعلومات ولا حتى مطورو برامج”.

 وقد استطاع الصحافيون أيضاً الكشف عن ثلاث شحنات أخرى على الأقل من نيترات الأمونيوم في وقت قريب من تسيير شحنة بيروت. وقد شُحنت الشحنات، التي تجاوز حجمها 17 ألفَ طن متري من نيترات الأمونيوم، إلى الوجهة ذاتها التي فشلت روسوس في بلوغها: ميناء بيرا في موزمبيق.

 وأخطرت الشركةُ الموزمبيقية ذاتُها التي كان يفترض أن تستقبل شحنة “روسوس” -وهي “مصنع موزمبيق للمتفجرات” (Fábrica de Explosivos de Moçambique, FEM)- “مشروعَ الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” أنها نجحت في شراء شحنتين من سافارو في ذلك العام تحويان نحو 11 ألف طن متري من نيترات الأمونيوم عالية الجودة، التي تُستخدم عادةً في صنع المتفجرات.

 وقال المتحدث باسم المصنع، أنطونيو كونا فاز، إن شركة سافارو كانت- على حد علمه- شركة أوكرانية، وإن رئيسها كان يُعرَف ببساطة لدى المصنع باسم “السيد فولوديمير”.

 وأدخلت أيضاً شركة “أغروبليند”، الشقيقة لشركة “سافارو”، شحنة منفصلة تحوي 6500 طن من نيترات الأمونيوم من أوكرانيا وكرواتيا إلى ميناء بيرا، ووصلت تلك الشحنة في أغسطس/آب 2013، وفقاً لشركة MUR Shipping، المشغلة  الهولندية للسفينة.

 ولم يتّضح مَن اشترى هذه الشحنة. بينما قال كونا فاز، المتحدث باسم المصنع الموزمبيقي، إن المصنع لم يكن هو العميل الذي اشترى هذه الشحنة.

 ممارسات التخفي

وفيما اتخذت  الإجراءات القانونية مسارها في لندن، يبدو أن مالكي سافارو يتحركون لتغطية آثار ممارساتهم.

 وفي 23 آب، أُودِعت وثائق في سجل الشركات البريطاني تُظهر أن ملكية سافارو نُقلت إلى محامٍ أوكراني يُدعى فولوديمير هليادشينكو.

 فيما تُظهر السجلات الأوكرانية أن هليادشينكو هو المالك المُحتمل الواضح لعشرات الشركات المحلية، ومنها شركة واحدة على الأقل يقع مقرها حيث مقر شركة “سافارو أوكرانيا”.

 وقال هليادشينكو، الذي تم التواصل معه هاتفياً، إنه كان يتطلع لشراء شركة في لندن واختار “سافارو” بناء على اقتراح تقدم به محامون في أوكرانيا بشكل عشوائي. ونوّه إلى أنه يجب ألا يوجه اللوم لشركته على على انفجار بيروت

 ربما حاولت الشبكة أيضاً محو الأدلة التي تثبت مواصلتها بيع المواد الكيماوية.

 وفي تموز/ يوليو، عثر الصحافيون على موقع إلكتروني يسوّق لنيترات الأمونيوم ومواد أخرى تحت اسم “دنيبرو ميتال” Dniprometal، وهو اسم شركة أسسها في تموز 2011 كلٌّ من فيربونول وأولغا أليسينكو، التي يشير اسم عائلتها، ميكوليفنا، إلى أنها قد تكون ابنة ميكولا أليسينكو.

 وفي ذلك الوقت، أُدرج على الموقع عنوان مكتب دنيبرو الذي تستخدمه الشركة والكثير من شركات شبكة “سافارو” الأخرى. وتشارَك الموقع أيضاً عنوان بروتوكول الإنترنت مع عدد من مواقع الشركات المرتبطة بالشبكة.

 وإبان ردهم على أسئلة “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”، أنكر فيربونول وشركاؤه صلتهم بالموقع الإلكتروني.

 بعد فترة وجيزة، وجد الصحافيون أن عنوان مكتب دنيبرو الذي تستخدمه شركات شبكة “سافارو” قد حُذف من الموقع، ووضع مكانه عنوان شركة منفصلة ورقم سجلها الرسمي، وهي تُدعى أيضاً “دنيبرو ميتال”، لكنّها كانت مملوكة لأشخاص آخرين وأُغلقت قبل أكثر من عشر سنوات.

 وقد أرسل الصحافيون رسالة متابعة بالبريد الإلكتروني إلى فيربونول وشركائه، يسألونهم فيها إذا كانوا قد غيّروا الموقع من أجل خداع الصحافيين أو مقيمي الدعوى القضائية في لندن.

 لكنهم لم يجيبوا على هذه الرسالة.

درج

للإطلاع على التحقيق بالنسخة الأجنبية إضغط هنا

https://www.occrp.org/en/investigations/ownership-of-chemicals-that-exploded-at-beirut-port-traces-back-to-ukraine

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button