خلاصة “الحوار الوطني” موضوع “شكل الدولة الأنسب لسورية الجديدة”
ضمن إطار برنامج الحوار الوطني الذي أطلقه مركز حرمون في مطلع حزيران/ يونيو الفائت، حول مجموعة من القضايا الوطنية الرئيسة التي تُشكِّل ملامح سورية الجديدة؛ عقد المركز جلستي حوار مغلقتين، حول موضوع “شكل الدولة الأنسب لسورية الجديدة“، وهو الموضوع الثالث في هذا البرنامج.
وكما جاء في الورقة الخلفية التي جرى وفقها الحوار، فإن موضوع “شكل الدولة” يكتسي أهمية استثنائية بالنسبة إلى السوريين، لأسباب عدة، أولها لارتباط شكل الإدارة المركزية الشديدة بنظام الأسد على مدى نصف قرن، كما هو الأمر بالنسبة إلى نظام الحكم الرئاسي، ما خلق نفورًا مضاعفًا لدى السوريين واندفاعًا نحو اللامركزية؛ وثانيها لأن التعدد والتنوع الذي يميز الشعب السوري يفرض نفسه في هذا الإطار؛ وثالثها لأن هذا الموضوع أصبح محلًّا للخلاف والتجاذبات والشقاق بين السوريين، بعد ارتفاع بعض الأصوات المطالبة بالشكل الفيدرالي، أسوة بنموذج إقليم كردستان العراق، بعيد انطلاق الحراك الثوري، وما استدعاه ذلك من ردات فعل وسجالات وسط أجواء من التوجس وغياب الثقة. كلّ ذلك دفعنا إلى إعطاء هذا الموضوع أولوية، في برنامجنا للحوار الوطني، من أجل بلورة المواقف بشكل أوضح وخلق توافقات سورية حول الموضوع.
يطرح موضوع شكل الدولة مجموعة من الأسئلة التي تجدر مناقشتها بالعمق والشفافية والمسؤولية اللائقة:
* هل تكمن مصلحة البلاد في إدارة مركزية شديدة، تحتكر فيها العاصمة جميع القرارات، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتصلة بجميع المناطق، كتلك التي عرفتها سورية في عهد البعث – الأسد، من دون الاكتراث برغبات سكان المناطق واحتياجاتهم وأولوياتهم وخصوصياتهم؟
* أم تكمن مصلحة البلاد في إدارة لامركزية، يجري تقريرها وتعريفها وتحديد مداها في دستور ديمقراطي، وتعطى فيها الإدارات المحلية المنتخبة صلاحيات واسعة لإدارة وتقرير شؤون مناطقها بعيدًا عن إملاءات العاصمة، بما ينسجم مع ظروفها وحاجاتها وخصوصياتها ورغبات أبنائها؟
وإلى أيّ مدى يجدر التوسع في صلاحيات الإدارات المحلية، حتى تتحقق الفائدة المثلى للإدارة اللامركزية من دون التفريط بقوة الدولة وتماسكها، ودون المساس بسموّ الهوية الوطنية، وبوحدة الوطن السوري شعبًا وترابًا؟ وماذا عن جملة من القضايا المهمة والحساسة التي تطرحها اللامركزية الموسعة، كاللغة الرسمية، واللغات التي يسمح بتدريسها في المدارس العامة والخاصة، وحدود دور الإدارات المحلية في السيطرة على قطاع التعليم وتقرير برامجه، ووجود قوى أمن محلية وصلاحياتها، ووجود موازنات محلية لها موارد مالية من الضرائب ومن الاستثمارات المحلية أيضًا، ويكون للإدارات المحلية صلاحيات واسعة في تقرير برامجها التنموية المحلية؟
* أم تكمن مصلحة البلاد في تبنّي الشكل الاتحادي (الفيدرالي) للدولة، الذي بدأ البعض بطرحه كحلّ مناسب للحالة السورية، بعيد انطلاق الحراك الثوري السوري في آذار 2011، ويقوم على تقسيم سورية إلى أقاليم عدة، يكون لكل منها دستورها وبرلمانها وقوانينها المحلية وحكوماتها وشرطتها وجيشها ومحاكمها وعلَمها وماليتها، وصلاحياتها في تقرير مناهجها التعليمية ولغتها الرسمية، وأن يثبت ذلك في الدستور الاتحادي؟
وعلى أي أساس سيتم تشكيل هذه الأقاليم؟ وهل تتوفر الشروط الموضوعية والجغرافية والعملية والتاريخية لهذا السيناريو؟ وهل يسمح المناخ السياسي الحالي في سورية بذلك؟ وهل تسمح إرادات القوى الإقليمية والدولية بذلك؟
جرى الحوار الذي دام خمس ساعات، ضمن جلستين مغلقتين، شارك فيهما ثمانية عشر سوريًا وسورية، عُقدت الجلسة الأولى بتاريخ 16 آب/ أغسطس 2021، والثانية بتاريخ 19 آب/ أغسطس2021، وكانت خلاصة الآراء التي تم عرضها هي الآتية:
– تكمن أهمية أيّ شكل قادم للدولة السورية في مستوى توزيع الصلاحيات على نحو متوازن، بين المركز ومناطق الإدارات المحلية (أي بين المركزية واللامركزية)، وفي محتوى تلك الصلاحيات، أكثر مما تكمن في التسمية. والموضوع سياسي وتقني في آن، غايته تحقيق أعلى مستوى ممكن من الممارسة الديمقراطية، وأفضل مستوى ممكن من الكفاءة والمرونة، في إدارة المناطق وتخصيص الموارد، بما يضمن تحقيق مستوى أفضل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تُحدَّد تفاصيلها عبر دراسات وحوارات معمقة، وبالاستئناس بتجارب دول أخرى، على أن تبقى مفتوحة للنقاش والتعديل، بحسب تبدّل الظروف والحاجات، وتراكم الخبرات الذاتية.
– توافق جميع المتحاورين على استبعاد خيار شكل الدولة المركزية، نظرًا لما ينطوي عليه من سلبيات أصبحت معروفة على مستوى العالم، وبشكل خاص، بسبب ما عاناه السوريون خلال نصف قرن من حكم الأسد، وما اتسمت به هذه الحقبة من مركزية شديدة سلبت إراداتهم وأغفلت خصوصياتهم وثقافاتهم، وحرمت مناطقهم من فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية..
– عبَّرت قلة من المتحاورين عن خيارها للشكل الاتحادي (الفيدرالي)، بوصفه، حسب رأيهم، الشكل الوحيد القادر على التعامل الصحيح مع مشكلات التعددية الإثنية والمذهبية في سورية على مختلف المستويات، والقادر على تجسيد إرادة السكان المحليين وتلبية متطلباتهم ومراعاة خصوصياتهم ونيل رضاهم، منافحين عن رأيهم هذا بإبراز كفاءة هذا الشكل في تجارب دول فيدرالية عديدة ناجحة ومتقدمة على مستوى العالم.
– في حين أثار عدد من المتحاورين مسألة عدم توفر الشروط الموضوعية الديموغرافية والجغرافية والتاريخية لقيام نظام فيدرالي في سورية، خاصة في بلادٍ تمزقها الحرب، وتفتقر إلى السياسة ومؤسسات الدولة كما تفتقر إلى الثقة بين الجماعات، الأمر الذي من شأنه أن يهدد وحدة البلاد.
– أكد معظم المتحاورين، مع بعض التباين في آرائهم، أن الخيار الأنسب لسورية الجديدة هو شكل الدولة اللامركزية الإدارية الموسعة، التي توفّر للبلديات والمجالس المحلية المنتخبة ديمقراطيًا صلاحيات واسعة، يحددها دستور ديمقراطي، كما يحدد الدستور طبيعة العلاقة بينها وبين السلطة المركزية، وحدود الرقابة التي تمارسها مؤسسات السلطة المركزية على السلطات المحلية. ورأى أصحاب هذا الرأي، وهم أغلبية المتحاورين، أن هذا الشكل يستجيب لتطلعات السوريين جميعًا، ويراعي تنوعهم ويحترم رغباتهم وثقافاتهم، ويعزز انتماءهم الوطني، على أن آراء هذه المجموعة تباينت، بهذه الدرجة أو تلك، بين من رأوا حصر صلاحيات السلطات المحلية بالشؤون الإدارية والاجتماعية والصحية والبنى التحتية، ومن رأوا أن تكون صلاحيات موسَّعة تشمل، بالإضافة إلى ذلك، صلاحيات خاصة بالتعليم واللغة. ومنهم من تحدث عن إمكانية اعتماد لامركزية لا متناظرة، تسمح لبعض المناطق التي تتميز بتنوع سكاني خاص، بصلاحيات خاصة بها، تناسب أوضاعها وظروفها، من دون أن تعطى لباقي المناطق.
– اتفق جميع المتحاورين على وحدة الشعب السوري، ووحدة الأراضي السورية، وعلى أن المؤسسات المركزية التي تمثل تلك الوحدة تحتفظ، وفق الدستور، بصلاحياتها على المستوى الوطني، خاصة في ميادين السياسية الخارجية والدفاع والأمن القومي، وكلّ ما يتعلق بالمحافظة على هوية الدولة الوطنية، على أن تضطلع المحكمة الدستورية العليا بدورها في مراقبة توزيع السلطات بين المركز والأطراف، ومعالجة مشكلاته.
…………………………
المشاركون في الحوار حسب الترتيب الأبجدي:
بسام الأحمد، بسام قوتلي، حسن النيفي، سعد وفائي، سلام كواكبي، سميرة المسالمة، عبد الله الحلاق، عبد العزيز أيو، فؤاد عليكو، مزن مرشد، مهند الكاطع، ميداس أزيزي، ناهد بدوية، نشوان أتاسي، نواف الركاد، وسام جلاحج، وفاء سليمان، وفاء علوش.
مركز حرمون