سياسة

روسيا وإسرائيل في الأزمة السورية، حد من نفوذ إيران على أرض سوريا

تسعى روسيا وإسرائيل في سوريا لتحقيق مصالح مشتركة بوضع حد لسياسة التوسع الإيرانية. تحليل الباحث ماركوس بيكل لموقع قنطرة مؤكدا أن إسرائيل ترى الأسد ضامنا لحدودها.

كان اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مدينة سوتشي دافئًا وودِّيًا. حيث قال نفتالي بينيت في أوَّل لقاء جمعهما في نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2021 في هذه المدينة المطلة على البحر الأسود: “أستطيع أن أقول لك باسم مواطني إسرائيل إنَّنا ننظر إليك باعتبارك صديقًا حقيقيًا للشعب اليهودي”. ومن جانبه، وصف فلاديمير بوتين العلاقات الروسية-الإسرائيلية بأنَّها “فريدة” وشدَّد على أنَّ “حوارنا وعلاقاتنا تقوم على أساس روابط عميقة جدًا بين شعبينا”.

لقد أتاحت هذه الزيارة لنفتالي بينيت – بعد أربعة أشهر من تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة سلطتها – الفرصة ليثبت أنَّ هذه العلاقة الجيِّدة القائمة بين البلدين لا تزال قائمة بصرف النظر عن رحيل بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

وكذلك أوضح فلاديمير بوتين ونفتالي بينيت أنَّ هذه العلاقة الجيِّدة تؤتي ثمارها أيضًا في المواقف الصعبة – وأخيرًا وليس آخرًا بالنظر إلى سوريا، حيث تسعى إسرائيل إلى منع زيادة قوة الميليشيات الإيرانية، في حين أنَّ روسيا تقف بشدة إلى جانب الرئيس بشار الأسد منذ تدخُّلها في الحرب السورية في عام 2015. وهكذا فقد أشار بوتين إلى أنَّ هناك وعلى الرغم من بعض المشكلات المتعلقة بالوضع في سوريا “قواسمَ مشتركةً وفرصًا للتعاون أيضًا”، خاصةً فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب.

لقد حدَّد هذا المسار وزيرُ الخارجية الإسرائيلي الجديد يائير لبيد ونظيره الروسي سيرغي لافروف في أيلول/سبتمبر 2021 أثناء لقائهما في موسكو، حيث قال لافروف: “نحن ضدَّ تحوُّل سوريا إلى ساحة مواجهة بين أطراف ثالثة، ولهذا السبب فنحن لا نريد أن يتم استخدام الأراضي السورية من أجل شنِّ هجمات ضدَّ إسرائيل أو أي طرف آخر”.

مئات الهجمات على مواقع موالية لإيران في سوريا

 وبهدف ضمان عدم تعارض القوَّات الجوية الإسرائيلية والروسية مع بعضها في سوريا فقد وضعت روسيا وإسرائيل منذ فترة طويلة ما يعرف باسم “آلية تجنُّب الاشتباكات العسكرية”. وتنصُّ هذه الآلية على عقد اجتماعات منتظمة بين ضبَّاط عسكريين من كلا الطرفين وإنشاء خطّ مباشر بين مراكز القيادة العسكرية الإسرائيلية والجيش الروسي.

فقد تعرَّضت في عام 2018 العلاقات الروسية الإسرائيلية لاختبار صعب نتيجة إسقاط المضادات الجوية السورية طائرة مقاتلة روسية، وذلك إثر ردِّها على غارة جوية إسرائيلية واشتباهها بأنَّ طائرة استطلاع روسية هي طائرة حربية إسرائيلية، وقد أسفر إسقاط الطائرة الروسية عن مقتل جميع أفراد طاقمها الخمسة عشر.

الحفاظ على مسافة ولكن فقط بسبب كورونا: رئيس النظام السوري بشار الأسد مقابل حليفه المقرَّب جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. يرى ماركوس بيكل في تحليله أنَّ من مصلحة إسرائيل وروسيا الحدَّ من نفوذ إيران في سوريا. جدَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت التأكيد على التعاون بين بلديهما أثناء لقائهما في مدينة سوتشي. يشكِّل النفوذ الإيراني في سوريا تهديدًا خاصًا بالنسبة لإسرائيل، ولكن إسرائيل تنظر في الوقت نفسه إلى الأسد باعتباره ضامنًا لعدم تزايد قوة الميليشيات الإسلاموية عند حدودها الشمالية.

تُظهر هذه الاجتماعات الأخيرة المعقودة على أعلى المستويات أنَّ تلك الأوقات العصيبة قد باتت من الماضي – ولم يبقَ أي شيء من التوتُّرات، التي أُثيرت في الصيف بين الجانبين من خلال تصريحات الأدميرال الروسي فاديم كوليت، نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا. فقد ادَّعى فاديم كوليت في شهر تمُّوز/يوليو 2021 أنَّ الجيش السوري أسقط أكثر من عشرة صواريخ إسرائيلية بالقرب من حلب وحمص بصواريخ أرض جو روسية، مما أثار تكهُّنات بأنَّ روسيا لم تعد مستعدة لتحمُّل حرب إسرائيل بالوكالة ضدَّ إيران في سوريا.

لقد قامت إسرائيل منذ بداية الحرب في سوريا قبل عشرة أعوام بمئات الهجمات الجوية على مواقع الميليشيات الموالية لإيران. وكثيرًا ما تستهدف غارات سلاح الجو الإسرائيلي أيضًا قوافل نقل السلاح إلى حزب الله اللبناني المرتبط ماليًا وسياسيًا بإيران. ففي شهري تشرين الأوَّل/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2021 فقط، وقعت سبعُ هجمات على مراكز قيادية وقوافل بالقرب من حمص وطرطوس – وتحديدًا في أماكن غير بعيدة عن قاعدة حميميم الجوية الروسية.

ولكن نادرًا ما ينجح الجيش السوري في إصابة الصواريخ الإسرائيلية بواسطة أنظمة دفاعٍ جوي باتت قديمة من طراز إس أيه 17 وإس أيه 22 مستوردة من روسيا. ففي بداية شهر أيلول/سبتمبر 2021، على سبيل المثال، سقط صاروخ دفاعي سوري في مكان غير بعيد عن تل أبيب، في حين أنَّ الطائرات الإسرائيلية المقاتلة من طراز إف 16، التي أطلقت قبل ذلك عشرات الصواريخ في محيط دمشق، قد عادت إلى قواعدها سالمة.

أمَّا إشارة فاديم كوليت إلى استخدام صواريخ الدفاع الروسية المتوسطة المدى من طراز بوك 2 إم إي في شهر تموز/يوليو 2021، فقد بات يتم تفسيرها بمعنى أنَّ موسكو أرادت استغلال تغيير السلطة في واشنطن والقدس من أجل اختبار العلاقة بين نفتالي بينيت والرئيس الأمريكي جو بايدن. فقد بات من الواضح بعد لقاء نفتالي بينيت وفلاديمير بوتين أنَّ: لا موسكو ولا القدس مهتمَّتان بتغيير قواعد اللعب الحالية في سوريا.

بوتين يريد علاقات جيَّدة مع إسرائيل – حتى بعد نتنياهو

 وهذا يعني أنَّ روسيا تدعم – مثلما تفعل منذ بداية تدخلها العسكري في عام 2015 – الرئيس السوري بشار الأسد في استعادته السيادة الكاملة على أراضيه جنبًا إلى جنب مع إيران، التي ضمنت قمع ميليشيات المعارضة من خلال إرسالها حرسها الثوري وحزب الله، وأنَّ بإمكان إسرائيل أن تواصل غاراتها على قوافل السلاح المرسلة لحزب الله وعلى مواقع الميليشيات الموالية لإيران من دون التعرُّض لانتقادات روسية.

غير أنَّ العلاقة بين حليفتي بشار الأسد إيران وروسيا لا تخلو تمامًا من النزاعات، خاصةً في المنطقة الحدودية مع الأردن وإسرائيل، حيث بدأت الثورة على دكتاتورية الأسد في عام 2011: فعلى الرغم من أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار المعقود بواسطة موسكو في شهر أيلول/سبتمبر 2021 ينصُّ على عودة القوَّات الحكومية السورية إلى مدينة درعا البلد ودمج مقاتلي ميليشيات المعارضة في القوَّات المسلحة النظامية، ولكن على العكس مما كان يريده النظام في دمشق فقد تم وقف دخول الجماعات الموالية لإيران.

وعدا ذلك فإنَّ اللواء الثامن التابع لقوَّات الفيلق الخامس النظامية -وهو وحْدةٌ شكَّلتها روسيا من ميليشيات معارضة وافقت على وقف إطلاق النار مع النظام- يبقى منتشرًا في المنطقة التي كانت تسيطر عليها -حتى المعارك العنيفة في الصيف- وحدات مناهضة للأسد، علمًا بأنَّ أنصار الأسد كثيرًا ما يصفون هذا اللواء بأنَّه “عصابة لصوص”.

وبما أنَّ سيرغي لافروف قد ميَّز بوضوح أثناء لقائه يائير لبيد بين المصالح “غير المشروعة” والمصالح “المشروعة، مثل المصالح الأمنية الإسرائيلية”، فهذا يبيِّن أنَّ حكومة فلاديمير بوتين حريصة على حفاظها على علاقات جيِّدة مع إسرائيل وحتى بعد ترك بنيامين نتنياهو منصبه. وتشير إلى ذلك أيضًا زيارة الملك عبد الله الثاني إلى موسكو في شهر آب/أغسطس 2021، التي احتل الوضعُ في درعا البلد الواقعة على الحدود مع الأردن مساحةً واسعةً منها. وكذلك لقد التقى نفتالي بينيت بالملك عبد الله الثاني في عمان مباشرة بعد توليه منصبه، كإشارة إلى التقارب بعد إهمال نتنياهو العلاقات مع الأردن بوضوح.

الغوطة الشرقية – صور معلقة على جدار لِـ بوتين وَ الأسد – دمشق – سوريا. Syrien Ost Ghouta Putin Assad Wandbilder FOTO REUTERS

تقارب موسكو -المدافعة عن الأسد- مع إسرائيل: هل تحجِّم روسيا نفوذ إيران في سوريا؟ في الوقت الذي تباعدت فيه إيران وروسيا على الأرض السورية ازداد التقارب بين موسكو وتل أبيب. البلدان يتوحدان في مقاومة النفوذ الإيراني وحضورها في البلد الذي مزقته الحرب الأهلية.

ولهذا السبب فقد يؤدِّي لقاء نفتالي بينيت مع فلاديمير بوتين إلى زيادة نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. لقد عزَّز بوتين في الأعوام الأخيرة علاقات بلاده مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتَّحدة ومصر، وجميع هذه الدول تعتبر من الحلفاء التقليديين للولايات المتَّحدة الأمريكية. وهذه الدول الثلاث تقف في طليعة التحالف العربي المعادي للثورة، والذي تشعر إسرائيل أيضًا بأنَّها تابعة له منذ إقامتها علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين قبل عام.

بإمكان هذا التحالف أن يُشكِّل الأساس لهيكل أمني إقليمي يجب عليه يومًا ما أن يستمر من دون وجود القوة العسكرية الأمريكية وذلك نطرًا لانسحاب الولايات المتَّحدة الأمريكية التدريجي من المنطقة. أمَّا تقارب الأردن والإمارات من الأسد مؤخرًا (2021) فيُبيِّن أنَّ هذا التقارب ممكن أن يؤدِّي على المدى المتوسط إلى قبول سوريا من جديد في جامعة الدول العربية.

وسيكون ذلك من دون شكّ من مصلحة إسرائيل، التي تحاول الحدّ من نفوذ إيران في سوريا – ولكنها كانت تنظر دائمًا إلى الأسد باعتباره ضامنًا لعدم تزايد قوة الميليشيات الإسلاموية عند حدودها الشمالية.

ماركوس بيكِل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

ماركوس بيكل خبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير مكتب مؤسَّسة روزا لوكسمبورغ الألمانية في تل أبيب بإسرائيل.

————————————–

بوتين والاسد..شركاء في القول والعمل/ بسام مقداد

قالت عضو المجلس السياسي لحزب “بارناس” (حزب الحرية الشعبية) الروسي المعارض، نجمة إنتفاضة الروس ضد الكرملين 2011 ـــــــ 2012 والكاتبة المسرحية ناتاليا بيليفينا، ل”المدن” إن الروس قليلاً ما يهمهم موضوع سوريا. أما في روسيا تجري الآن حملة “تنظيف شاملة للمعارضة” (وزارة العدل سحبت الربيع الماضي من أحزاب معارضة عديدة تراخيص العمل، وأدرجت آخرين في قائمة “عميل اجنبي”). الطغاة يتمسكون دائماً ببعضهم البعض، ومواجهتهم ستبقى دائماً قضية الشرفاء مهما كان الثمن، كما تقول.

كلام ناتاليا هذا جاء في معرض ردها على الأسئلة التي طرحتها “المدن” على عدد من الكتاب والناشطين السياسيين الروس بمناسبة مصادفة مرور 30 عاماً على سقوط الإتحاد السوفياتي في مثل هذا الشهر من العام 1991.

لم ترد ناتاليا غى الأسئلة المتعلقة بالشراكة الروسية الإيرانية في سوريا والعلاقات الروسية الإسرائيلية، واكتفت بالإجابة على الأسئلة المتعلقة بسقوط الإتحاد السوفياتي وسوريا. في ردها على السؤال بشأن قول بوتين بأن سقوط الإتحاد السوفياتي كان “أعظم كارثة في القرن العشرين”، قالت بأن بينها وبين بوتين أراء مختلفة بشأن العديد من القضايا، بما فيها هذه القضية. حتى العام 1991 كان الإتحاد السوفياتي قد أصبح ميتاً كتشكيل موحد أكثر مما كان حياً. فلم يعد هناك أساس أيديولوجي مشترك، ولا إمكانيات إقتصادية، وأصبح من غير المجدي مواصلة جر هذه الجثة الهائلة إلى أبعد من ذلك.

“المخابراتي والإمبراطوري بوتين إعتبر هذا الأمر سقوطا، على ما في هذا الإعتبار من سخافة. أما بالنسبة لي فقد كانت تلك النهاية المنطقية الممكنة”.

أما بشأن علاقة روسيا بوتين بالجمهوريات السوفياتية السابقة، فهي محكومة بتلك الطموحات الإمبراطورية عينها، وفي أفضل الأحوال أقامها بوتين من موقع الشقيق الأكبر الشرير. وليس من علاقات طبيعية لبوتين اليوم سوى مع ديكنتنوربات الإتحاد السوفياتي السابق في كازخستان، بيلوروسيا، طاجكستان وأذربيجان. أما أوكرانيا ودول البلطيق فقد فقدتها روسيا لعشرات سنين كثيرة.

وترى ناتاليا أن الإتحاد السوفياتي بقي موجوداً طالما بقي الناس يؤمنون بفكرة الشيوعية. وتقول بأن والدتها كانت ما زالت في الثمانينات تؤمن بأن التجربة الأكبر في التاريخ (بناء الشيوعية البلشفية) سوف تتكلل بالنجاح. وحين بدأ الإيمان يُفقد أصبحت أيام الإتحاد السوفياتي معدودة. كما تعتبر أن التساؤل عن أوالية العوامل الخارجية أو الداخلية في إنهيار الإتحاد السوفياتي هو من باب الثرثرة، لأن من الواضح أو هذه وتلك تسببت في هذا الإنهيار. في الداخل إنهارت الأيديولوجية السوفياتية، وفي الخارج كانت الحرب الأفغانية العبثية، وبعد العام 1985 وإزاحة الستار الحديدي أصبح عدد متزايد من المواطنين السوفيات يعرفون كيف هو الغرب في الواقع. “وكل هذا تجمع في محصلة واحدة”.

الشهر الجاري، هو شهر الشعائر الجنائزية الأخيرة لموت الإتحاد السوفياتي منذ 30 عاماً. وقد شهد نشاطاً إعلاميا وسياسياً كثيفاً في روسيا في هذه المناسبة. فقد أجرت قناة التلفزة الروسية الأولى منتصف الشهر مقابلة مع بوتين تحدث فيها عن هذه السنوية. أصر بوتين على اعتبار هذا السقوط كارثة، لكنها لم تعد “أعظم كارثة في القرن العشرين”، ولم تعد كارثة جيوسياسية، بل أصبحت “كارثة إنسانية” فقط،  تعني “سقوط روسيا التاريخية تحت إسم الإتحاد السوفياتي”. لكنهم في الدوما الروسية (مجلس النواب) مصرون على رأي بوتين السابق، حيث تقدم أحد أحزاب السلطة الأسبوع المنصرم بإقتراح إصدار بيان للمجلس يعتبر سقوط الإتحاد السوفياتي “الكارثة الجيوسياسية الرئيسية في القرن العشرين”. وتذكرت نوفوستي ميخائيل غورباتشوف الذي يحمله الكرملين مسؤولية أساسية في سقوط الإتحاد السوفياتي، وأجرت معه منذ ايام مقابلة ركزت على العلاقات الروسية الأميركية قبل إنطلاق المفاوضات مطالع العام المقبل، وليس على المناسبة. قال غورباتشوف بأن إنهيار الإتحاد السوفياتي خلف الفوضى وإقتصاداً مدمراً، وتساءل كيف يمكن في ظل مثل هذا الوضع أن تبنى علاقات متساوية مع الولايات المتحدة والغرب. كما أن السلوك الإنتصاري للغرب، وخاصة الولايات المتحدة، دفعهم للتغطرس والثقة المفرطة بالنفس، و”من هنا ظهرت فكرة توسيع الناتو”.

في نص بمناسبة ذكرى مغادرة غورباتشوف الكرملين وإنزال العلم السوفياتي عن الكرملين في 25 من مثل هذا الشهر العام1991، يقول كاتب النص في نوفوستي بأن الحدث لم يثر إهتمام أحد، والصور كانت بمبادرة من المصور لم يطلبها أحد منه، ولم يحتشد جمهور لحضور الحدث التاريخي. وبعد أن تم تسليم  يلتسين الحقيبة النووية ومغادرة غورباتشوف الكرملين، دخل يلتسين مكتبه برفقة إثنين من أنصاره مع زجاجة كونياك ليحتفلوا بالنصر. “وبدأت روسيا الجديدة”.

عضو اللجنة السياسية الإتحادية للحزب الديموقراطي الروسي الموحد ( يابلوكا) المؤرخ والخبير السياسي ليف شلوسبرغ، وفي الإطلالة الأولى لأحد ممثلي هذا الحزب  المعارض في “المدن”، قال في رده على السؤال بشأن رأي بوتين بسقوط الإتحاد السوفياتي بأن الرجل نشأ وتكونت قناعاته في الحقبة السوفياتية، حيث كانت تنشئة “الإنسان السوفياتي” المهمة الرئيسية للتعليم بكافة مستوياته، خاصة في إعداد كادرات جهاز KGB، ولذلك نظرته للحدث “منطقية نماماً”.

ويعتبر المؤرخ أن أولى رئاستي بوتين حتى العام 2008 أفلحتا في إنهاء حرب الشيشان، تجاوز التدهور الإقتصادي العميق، بناء نموذج دولة فدرالية يمكن إدارته، مواصلة النهج الودي حيال الغرب في السياسة الخارجية وإستعادة هيبة السلطة وثقة المواطنين بها. لكن ضم القرم العام 2014 شكل نقطة تحول في تطور البلاد، تبعته سلسلة من العقوبات الإقتصادية الجدية أدت: إلى عزلة دولية فعلية لروسيا، سياسة داخلية لإنتاج بديل المستورد، إنخفاض عام في وتائر التطور الإقتصدي،  إنخفاض سعر الروبل، إرتفاع الأسعار، إنخفاض قدرة المواطين الشرائية. وأفضى كل ذلك مجتمعاً إلى أعمق كساد إقتصادي تعانيه روسيا راهناً يترافق مع صعود الإستبداد السياسي، مما يثير أشد القلق لدى الروس وعدم رغبة جيل الشباب العيش في روسيا.

وعن العلاقات مع الجمهوريات السوفياتية السابقة، وبعد أن يوصّف المؤرخ الوضع الراهن لهذه العلاقات، يقول بأن القيادة الروسية لا تزال ترفض الإقتناع بقدرة معظم هذه الجمهوريات على تحديد سياستها الداخلية والخارجية على نحو مستقل. ويعتبر أنه طالما لم تتغير القيادة في روسيا، لن يطرأ أي تغيير في هذه المسألة. 

وحول بقاء الإتحاد السوفياتي طيلة هذه المدة، يسهب المؤرخ في تحليل إستغلال البلاشفة العوامل التاريخية الإجتماعية الإقتصادية في تطور روسيا لترسيخ سلطتهم بالعنف والعزلة. ويكاد يتفق مع كلام ناتاليا أعلاه بشأن أوالية العوامل الداخلية أو الخارجية في السقوط، حيث يمر بالسؤال سريعاً.

وعن تأثير سقوط نظام البلاشفة على الشرق الأوسط، يقول بأن عدداً من دول المنطقة فقد مساعدة مادية وازنة كان يقدمها الإتحاد السوفياتي دون مقابل، خدمة لمصالحه الجيوسياسية الخاصة. وعلى الرغم من تصاعد التوتر الذي تركه هذا السقوط، إلا أن الشرق الأوسط إكتسب حرية أكبر في السياسة الخارجية، حيث لم يعد مضطراً للإلتقات إلى ما يقوله السوفيات.

التورط الروسي في سوريا، يصفه المؤرخ بأنه مغامرة جيوسياسية جدية تكلف موارد كبيرة. لكن السلطات الروسية لا تتوخى سوى مصالحها السياسية الخارجية، تحدوها الرغبة في استعادة النفوذ الروسي في  الشرق الأوسط. ولذلك فإن دور روسيا كوسيط في حل الأزمة السورية لا يستدعي سوى الأسف. ومن المهم للشعب السوري أن يدرك أن لا أحد سواه بوسعه حل الأزمة التي تستغلها روسيا والغرب على قدم المساواة كأداة نفوذ في الشرق الأوسط.

وعن الشراكة الروسية الإيرانية في سوريا، يدعو المؤرخ الشعب السوري لتوخي الحذر الشديد، لأن هذه الشراكة “لن تكون لصالحه على الأرجح”.

يختتم الرجل بالرد على السؤال عن العلاقات الودية مع إسرائيل، فيصفها بأنها علاقات شراكة متينة  راسخة، لكنها تحتوي على جانب داخلي معقد. ويرى أن إسرائيل لن تفسد في يوم من الأيام علاقاتها مع حليفها الرئيسي الولايات المتحدة.

المدن

——————————–

كيف ترد روسيا المُهانة في أوكرانيا في سورية؟/ غازي دحمان

يبدو أن روسيا في طريقها إلى أخذ جرعة، قد تكون كبيرة، من الإذلال الذي يمارسه الغرب تجاهها. ويبدو أن تقديرات الكرملين عن قدرته على إرعاب الغرب ودفعه للنظر إلى روسيا فاعلاً دولياً من الدرجة الأولى ذهبت أدراج الرياح، مع إهمال عواصم الغرب التحذيرات التي أطلقتها روسيا، وما طلبته من ضماناتٍ لن تجد صدى تلبية لها في الوقت الراهن.

المأزق الذي تجد روسيا اليوم نفسها به هو ناتج الفجوة بين سقف مطالبها العالي وإمكاناتها الحقيقية، ما يجعل تهديداتها بلا وزن، في ظل موازين قوى مختلة لغير صالحها، في عالم يضع معايير صارمة للقوة، ومقاييس ومؤشّرات، لا تملك روسيا منها سوى عنصر او اثنين، من ضمن حزمة كبيرة، وهو ما لا يؤهلها للوقوف في الصف الأول بين عالم أخذ في الاقتصار على قوتين، الولايات المتحدة والصين، فيما روسيا وأوروبا في الصف الثاني، مع وجود مستوياتٍ عديدةٍ أيضاً ضمن هذا الصف.

ولعل المتابع للحركة الروسية، منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، يلحظ أن سلوك هذه الدولة وفعاليتها ركّزا، في السنوات التالية، على تحصيل اعتراف غربي بمكانتها ودورها، وكان الهدف من كل ما قامت به دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً صناعة مسار يوصلها إلى مكانة مفقودة في النسق الدولي الذي تجاوز بمراحل، وبمعاييره ومقاييسه، ما بعد العولمة، إمكانية ضم روسيا إلى نادي الكبار، وظلت تقف على أعتابه في مكانةٍ هي أقل من قوة عظمى، وأكبر من دولة إقليمية.

في مرحلة أولى، في طريق البحث عن المكانة، تمسّكت روسيا بأسلحتها النووية، باعتبارها بطاقة عبور واقعية إلى استعادة مكانتها، لكن النادي النووي، في ذلك الوقت، أضاف لعضويته أعضاء جدد ليسوا مصنفين بالضرورة ضمن المقرّرين في النظام الدولي، الهند وباكستان وجنوب أفريقيا، ودول أخرى لديها البنية التحتية والإمكانية للتحوّل إلى قوّة نووية إن أرادت، اليابان، وبالتالي بات هذا العنصر غير كافٍ ليصبح مالكه، عضواً، بشكل أوتوماتيكي، ضمن المؤثرين دولياً.

وفي مرحلة ثانية، اعتقد صانع القرار الروسي أن شركة غاز بروم هي بطاقته للتحوّل إلى قوّة عظمى، نظراً إلى أهمية الطاقة في التفاعلات الدولية الحديثة، ومركزيتها في الاقتصاد العالمي، إلا أن الوقائع ستكشف أن الوزن النسبي لهذا العنصر، مع أهميته، ليس كبيراً بالدرجة التي يتصوّرها الروسي، بالنظر إلى البدائل العديدة عن مصادر الطاقة الروسية، كما أن روسيا المحتاجة جداً عوائد النفط والغاز لن يكون في مقدورها استخدام هذه الورقة في المساومة الدولية.

المرحلة الأخطر في مساعي روسيا للوصول إلى لقب الدولة العظمى كانت في تدخلاتها الخارجية في ملفات دولية، يمكن القول إنها مهملة دولياً، مثل سورية، أو لا تفضل الأطراف الدولية الانخراط فيها، نظراً إلى تعقيداتها ومخاطرها، مثل الأزمة الليبية، أو مالي وأفريقيا الوسطى.

تميّز السلوك الروسي في هذه المرحلة بالتوحش والخروج عن أي منطق أو مراعاة لأي قانون، وخصوصا في سورية. أرادت روسيا من ذلك الخروج من الوضع المذلّ الذي وضعها فيه الغرب سنوات طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. لذا مارست أقصى درجات العنف، في ظل سياسة أميركية اتسمت بالانتهازية إلى أبعد الحدود، عبر إستراتيجيةٍ أُريد منها إغراق روسيا، بأحلامها وشغبها وشغفها، في بلاد الرمال والموت، على ما أضمر باراك أوباما، وصرّح دونالد ترامب.

كانت أوكرانيا وجورجيا ولاتفيا في صلب حسابات أميركا والغرب في تسهيل طرق روسيا صوب الشام، فكل ما سيصرفه من طاقةٍ هناك سيخفّض من رصيد (ومخزون) عدائيته تجاه هذه البلدان، إذ سيكون محرجاً للغرب السكوت عن تصرّفات بوتين تجاه دولٍ تعتبرها جزءاً من مجالها الحضاري، على عكس قبائل الشام وصحاريها. ولكن بوتين لم يحسب الأمر على هذه الشاكلة، فقد وضع ما اعتبرها انتصارات محقّقة في سورية ضمن رصيده قوة عظمى يجب أن يكون لها “عمق حيوي” في أوروبا، وأرض حرام لا يجوز لحلف الناتو، ولا الاتحاد الأوروبي، الاقتراب منها، وتحديداً أوكرانيا التي كانت، حتى وقت قريب، جزءاً من الدولة الروسية، حتى قبل بروز الاتحاد السوفييتي.

بوتين اليوم في مأزق، منذ خمس سنوات والماكينة الروسية تستخدم التهويل والتضخيم في إبراز قوّة روسيا التي جربت أكثر من ثلاثمائة سلاح في سورية، وأعادت هيكلة قواتها العسكرية لتتناسب مع منطق الحروب الحديثة، واستطاعت إجبار أقطاب عالمية كثيرة على احترام المعادلات التي تم صنعها في هذا البلد المنكوب، فكيف ستترجم ذلك كله في ردع خصومها الغربيين الذين يرفضون السماح لها بمزيدٍ من قضم أراضي أوكرانيا؟ المرجح أن بوتين سيبتلع كأس السم في أوكرانيا، لكنه سيتقيأه في سورية. كل شحنات الذل التي سيحملها من ملف أوكرانيا، سيفرغها عنجهيةً على سورية، سواء عبر مزيد من الإذلال لتابعه بشار الأسد، او فرض اتفاقياتٍ مذلة على النظام السوري، وربما مزيد من الضربات على رؤوس السوريين، فقدر هذه البلاد أن تكون ملعباً لدولةٍ أذلّتها البيئة العالمية، لكن التاريخ أيضاً يفيد بأن دولة صغيرة، بحجم فنلندا، أذلّت الاتحاد السوفييتي وبقيادة ستالين، حين تصوّر أنه قادرٌ على جعلها عبرة لخصومه الأوروبيين.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى