تحقيقات

كيف تساعد السفارات السورية في أوروبا على تمويل الحرب؟/ علي الابراهيم

حولت الرسوم الباهظة التي يدفعها سوريون لتجنب التجنيد العسكري، الشتات السوري إلى مصدر دخل رئيسي للنظام الواقع تحت ضيق مالي، فيما يواجه الذين لا يدفعون المطلوب، خطر مصادرة أصولهم وأصول عائلاتهم في سوريا.

في وقت مبكر من هذا العام، وجد يوسف، وهو سوري يبلغ من العمر 32 سنة ويعيش في السويد، نفسه أمام خيارين مستحيلين: إما الانخراط في جيش الحكومة التي جعلته لاجئاً، أو المخاطرة بفقدان عائلته لمنزلها في العاصمة دمشق.

تعتبر الخدمة العسكرية إلزامية للرجال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 سنة. لكن في شباط/ فبراير هذا العام  ارتفعت المخاطر بشكل كبير عندما أعلن مسؤول في الجيش السوري على “فايسبوك” أن تعديل قانون جديد سيسمح للسلطات بمصادرة ممتلكات “المتهربين من الخدمة” وأسرهم. وحينها ازداد الضغط على يوسف لاتخاذ القرار.

وهكذا، في حزيران/ يونيو، شق  يوسف طريقه إلى السفارة السورية في ستوكهولم ومعه 8000 دولار نقداً، مستعداً لدفع الرسوم  لشطب اسمه من قوائم التجنيد الإجباري. و سرت قشعريرة في جسده لحظة استلامه الايصال.

بصوت مرتجف قال يوسف لـ”مشروع تغطية الجريمة والفساد العابر للحدود” OCCRP.ORG الشريك الإعلامي للوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج”: “سيستخدم النظام السوري هذه الأموال لشراء الأسلحة وقتل المزيد من الناس”.

لم يكن يوسف الوحيد الذي واجه وضعاً صعباً كهذا. حوالى خُمس سكان سوريا البالغ عددهم 17 مليون نسمة هم من الرجال في سن الخدمة العسكرية، وفقاً لبيانات البنك الدولي. ومع فرار حوالى 6.6 مليون سوري إلى الخارج مذ انزلقت حركة الاحتجاج في أوائل عام 2011 إلى حرب أهلية، فمن المرجح أن يكون هناك مئات الآلاف في وضع يوسف نفسه.

أظهرت الدراسات أن التجنيد هو تهديد رئيسي يجعل الكثير من اللاجئين يخشون العودة إلى سوريا.

تمكنت الحكومة السورية من الاستفادة من هذا الوضع عبر اللعب على وتر مخاوف الشباب في الخارج لخلق إيرادات. حيث تكون قد قامت في جباية مبالغ كبيرة بالعملات الاجنبية من حوالى مليون سوري، استقروا في أوروبا للمساعدة في دعم ميزانيتها المتداعية بعدما عزلتها العقوبات الأميركية عن النظام المصرفي العالمي العام الماضي.

بدأت السفارات السورية، التي كان عملها ينحصر في تنفيذ المعاملات الحكومية الخاصة بالإعفاءات العسكرية، في تحصيل المدفوعات النقدية بالعملة الاجنبية- يورو أو دولار- بعدما دخلت العقوبات الأميركية حيز التنفيذ. وقال مسؤول أمني في أحد المطارات العربية وآخر ديبلوماسي سابق قابلته OCCRP ووحدة “سراج”، إنهما يشتبهان في أن الأموال تعود إلى سوريا عبر الحقيبة الديبلوماسية.

على رغم صعوبة تحديد عدد السوريين الذين دفعوا رسوم الإعفاء العسكري تحديداً حتى اليوم، إلا أن الوثائق الحكومية والتصريحات الرسمية تظهر أن حكومة بشار الأسد توقعت أن تؤدي هذه السياسة إلى زيادة كبيرة في الدخل.

تتحدث النتائج التي توصل إليها هذا التحقيق الاستقصائي عن المدى الذي تذهب إليه الحكومة السورية من أجل جمع الأموال، وتثير شكوكاً تحديداً حول انزلاق العلاقات السيادية بين الحكومة والمواطنين إلى شكل من أشكال الابتزاز.

ولم يستجب الجيش السوري ووزارة المالية ووزارة الخارجية والبنك المركزي ومديرية التجنيد العامة لطلبات التعليق على هذا الموضوع. وكذلك امتنعت السلطات الأميركية عن التعليق.

العقوبات والأزمة

في حزيران/ يونيو 2020، طبقت  الولايات المتحدة قانون قيصر، وهو مجموعة صارمة من العقوبات التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى ضابط سوري منشق كان قد سرب عشرات الآلاف من الصور لضحايا التعذيب في السجون السورية منذ ست سنوات.

أدت هذه العقوبات إلى تفاقم الوضع المالي الصعب أصلاً في سوريا، ما أدى إلى منع دخولها النظام المصرفي الدولي. وأصبح توفير قيمة الواردات الحيوية مثل القمح والمنتجات النفطية أكثر صعوبة، وتكبدت الليرة  السورية المزيد من الخسائر وباتت العملة المحلية بالكاد تساوي 1 في المئة من قيمتها قبل الأزمة مقابل الدولار.

وقال أرميناك توكماجيان، الباحث في “مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت”، لـ OCCRP: “أصبح نقص العملات الأجنبية مشكلة حادة، بخاصة بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ”. وقال إن  “النظام بحاجة إلى العملة الصعبة. وكلما حصل على المزيد منها، استطاع البقاء أكثر”.

تحت الضغط، اعتمدت الحكومة بشكل متزايد على السوريين المنتشرين حول العالم لملء خزائنها منذ اندلاع الحرب  قبل عقد من الزمن. جواز السفر السوري على سبيل المثال، هو واحد من أغلى جوازات السفر في العالم مذ رفعت السلطات الرسوم منذ أربع سنوات، بحيث بات الحصول على جواز سفر جديد خارج سوريا يتكلّف مبلغ 300 دولار أميركي خلال شهر، و800 دولار للحصول عليه بصورة عاجلة.

أما رسوم الإعفاء العسكري فكلفتها أعلى بكثير إذ تصل الى نحو 8000 دولار. ويستحيل الهروب من التجنيد في سوريا، إذ يكرس الدستور الخدمة العسكرية على أنها “واجب مقدس”.

وضع تعديلان أخيران على قانون التجنيد في سوريا الأساس القانوني للوضع الجديد الذي يواجهه يوسف وغيره. التعديل الأول الذي صدر في آب/ أغسطس 2014، رفع رسوم الإعفاء من 4000 دولار إلى 8000 دولار. والتعديل الثاني  صدر في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وسمح للحكومة بمصادرة الأصول دون سابق إنذار من أشخاص بلغوا سن 42 عاماً ولم يؤدوا خدمتهم أو لم يحصلوا على إعفاء.

في وقت سابق من هذا العام، أثار رئيس فرع الإعفاء والبدل في الجيش السوري العميد إلياس بيطار، مخاوف الكثير من المجندين المحتملين عندما أعلن في مقابلة مصورة نشرت على صفحة “فايسبوك” الخاصة بوزارة الإعلام أن التعديل الجديد دخل  حيز التنفيذ.

الخوف من المصادرة

ليس واضحاً إلى أي مدى استُخدم تعديل قانون الخدمة العسكرية الإلزامية (قانون التجنيد) الجديد لمصادرة أصول المتهربين عن الخدمة في سوريا. لكن كانت هناك سابقة في “القانون رقم 10″ سيئ الصيت  لعام 2018، والذي سمح فعلياً للسلطات بمصادرة الممتلكات من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة و”مرسوم 66” السابق، الذي استُخدم لطرد سكان المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً.

قالت سارة كيالي، الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لـOCCRP إن المنظمة تلقت “تقارير موثوقة إلى حد ما” من أشخاص وضعت أصولهم على قوائم لتجميدها من قبل وزارة المالية.

وقالت كيالي، على رغم أن القوائم لم تذكر بالضبط سبب تجميد الأصول، “فقد حدث ذلك بعد دخول عقوبات قيصر حيز التنفيذ. لذلك نقدر أن هذه الحالات هي نتيجة لتجميد الأصول للأشخاص الفارين من التجنيد العسكري”.

كما أن هناك دلائل على أن الحكومة توقعت أن يحقق تعديل التجنيد إيرادات جديدة.

توقعت دراسة برلمانية أجريت عام 2015، وهو العام الذي أعقب قيام سوريا برفع الرسوم، أن المدفوعات لتجنب الخدمة العسكرية يمكن أن تدر أكثر من 1.2 مليار دولار سنوياً، حتى لو دفع 10 إلى 15 في المئة فقط من السوريين المطلوبين للتجنيد الإجباري، كما أوضح مجيب الرحمن الدندن، عضو مجلس الشعب السوري، في مقابلة مع إذاعة محلية أجريت معه في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. ونشر التصريح أيضاً على صفحته الرسمية على “فايسبوك”.

لم يتم الإعلان عن الدراسة. لكن وفقاً لدندن، وجدت الدراسة أن الإيرادات السنوية من الرسوم يمكن أن ترتفع إلى ما بين 2 إلى 3 مليارات دولار في غضون خمس سنوات، ما يعني أنها ستكون “مساهماً جيداً في الخزانة” ويمكنها حتى “المساعدة في رفع أجور الموظفين العموميين، بما في ذلك العسكريين”.

وقال مشرع سوري طلب عدم ذكر اسمه أن هناك مليوني متخلف عن أداء الخدمة العسكرية في سوريا لتاريخه. وقال لمنظمة OCCRP إن دفع بدل الخدمة سيحد من “هجرة الشباب إضافة إلى إعادة جزء كبير منهم، من المتهربين من الخدمة الإلزامية إلى سقف القانون”.

تتوقع الموازنة السورية لعام 2021 أن تصل عائدات رسوم الإعفاء العسكري إلى 240 مليار ليرة سورية- نحو 190 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي- مقابل 70 مليار ليرة سورية عام 2020، وفقاً لنسخ الميزانية السورية العامة والتي نشرت في الجريدة الرسمية.

وقال الخبير الاقتصادي السوري كرم الشعار  لـ”وحدة سراج” وOCCRP إن إيرادات البدل النقدي الخاصة بالخدمة الإلزامية المقدرة تشكل 3.2 في المئة من إيرادات ميزانية هذا العام، بعدما كانت 1.75 في المئة في عام 2020.

على الأرض، تحرص الحكومة على ملاحقة المتهربين من خدمة التجنيد. في كانون الثاني/ يناير 2019، أصدرت وزارة الدفاع  قوائم بأسماء أكثر من ربع مليون شخص مطلوبين للتجنيد الاحتياطي ووزعتها على شعب التجنيد في جميع أنحاء البلاد.

دراسة حالة: السويد

توضح حالة الشبان السوريين في السويد كيف أثر تطبيق التعديلات الجديدة عليهم. إذ تستضيف هذه الدولة الاسكندنافية حوالى 114000 لاجئ سوري من أصل حوالى مليون لاجئ في أوروبا، وهي موطن لعشرات الآلاف من الوافدين الجدد نسبياً وسوريين من الجيلين الثاني والثالث. 

بين حزيران/ يونيو وآب/ أغسطس من هذا العام، قام مراسلو OCCRP بثلاث زيارات إلى السفارة السورية في ستوكهولم مستخدمين كاميرات سرية. أحصوا ما معدله 10 متقدمين في اليوم ينتظرون في طابور السفارة لدفع بدل الإعفاء من الخدمة العسكرية أو بدء المعاملة.

جاء مؤشر آخر عن عدد الأشخاص الذين كانوا يدفعون رسوم الإعفاء في حزيران 2020، عندما نشر موقع السفارة أسماء 43 سورياً تم الانتهاء من عملية إجراءات دفعهم لرسوم الإعفاء، وهو ما يمثل عدد الذين تقدموا بطلبات في شهر أيار/ مايو. وبحسبة بسيطة، إذا دفعوا جميعاً الرسوم، فستصل العوائد إلى 344000 دولار نقداً في شهر واحد من سفارة أجنبية واحدة.

إعلان حزيران على موقع السفارة كان آخر إعلان عام من هذا القبيل.

وقال موظف في السفارة – لمراسل OCCRP الذي لم يعرّف عن نفسه – إنه لا يمكنه تحديد عدد الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعفاء من الخدمة، ولكن كانت هناك “زيادة كبيرة” في النصف الأول من عام 2021. ونسب الموظف ذلك الارتفاع إلى تهديدات  العميد البيطار بمصادرة الممتلكات المتخلفين عن دفع البدل النقدي للإعفاء من الخدمة العسكرية. 

قال موظف السفارة السورية “في بعض الأيام، يأتي إلينا 10 وفي أيام أخرى قد يصل الرقم إلى 50 متقدماً”.

إذا كان هذا الرقم دقيقاً، فهذا يعني أن السفارة قد تتلقى ما يصل إلى 400 ألف دولار نقداً في بعض الأيام.

رفضت السفارات السورية في ألمانيا ورومانيا وفرنسا وأوكرانيا الرد على أسئلة OCCRP بخصوص عدد الشبان ممن حصلوا على موافقة لدفع بدل الإعفاء النقدي منذ حزيران 2020.

النقد هو الملك

حتى قبل عقوبات قانون قيصر، وسع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العقوبات لتشمل البنك المركزي السوري. ما جعل من شبه المستحيل على السفارات السورية في الدول الأوروبية إرسال الأموال إلى سوريا إلكترونياً بعدما التزمت المصارف التجارية المحلية ورفضت إجراء المعاملات.

على مدخل السفارة السورية في استوكهولم وضع إعلان  يشير إلى أن استيفاء رسوم المعاملات والمدفوعات يجب أن يكون نقداً بعدما توقف معالج الدفع الإلكتروني السويدي بامبورا Bambora عن العمل مع السفارة السورية.

قالت سوزان ستوغر، المتحدثة باسم بامبورا، لـOCCRP أن خدمة الدفع أنهت عقدها مع السفارة بناءً على تعليمات من MasterCard – إحدى العلامات التجارية لبطاقات الائتمان التي تعالج مدفوعاتها- نظراً إلى حظر التعامل مع الحكومة السورية. وقالت إن شركة Wordline، وهي شركة خدمات الدفع التي تمتلك بامبورا، قد وصفت التعامل مع سوريا بأنه خطر “غير مقبول”.

لكن كيف تصل الأموال إلى دمشق؟

قال المسؤول الأمني في أحد المطارات العربية وأيضاً الديبلوماسي السابق في السفارة السورية في ستوكهولم إنهما يشتبهان في أن السفارات تستخدم الحقائب الديبلوماسية للالتفاف على هذه القيود.

قال أيمن عبد النور، الباحث المقيم في واشنطن ومدير إحدى وسائل الإعلام المعارضة، لـ OCCRP أن قانون قيصر أجبر الحكومة السورية على التكيف مع الوضع، معتبراً الحقائب الدبلوماسية كأحد الطرق لنقل الأموال. وقال: “كلما زاد المال الذي يحصل عليه النظام، زاد بقاؤه في السلطة”.

بسام العمادي، الذي شغل منصب سفير سوريا في السويد بين عامي 2004 و 2008 ثم انشق في 2011 ويعيش الآن في إسبانيا حيث يدير مركز أبحاث ودراسات، قال أيضاً إنه يشتبه في أن السفارات تستخدم الحقائب الديبلوماسية لإعادة الأموال إلى سوريا.

وقال إنه إذا كان هذا صحيحاً، فإن هذه الخطوة تنتهك اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961، التي تنظم عمل البعثات الدبلوماسية. تنص الاتفاقية على أن “الطرود التي تشكل الحقيبة الديبلوماسية يجب أن تحمل علامات خارجية مرئية لطابعها ويمكن أن تحتوي فقط على وثائق ديبلوماسية أو مواد مخصصة للاستخدام الرسمي”.

وقال العمادي إن “الحصانة الديبلوماسية لا تشمل إرسال الأموال داخل الحقيبة الديبلوماسية”.

“لن أفعل ذلك”

تحدثت OCCRP مع عشرة سوريين شبان وصلوا إلى سن خدمة العلم – 8 في السويد وواحد في ألمانيا وواحد في لبنان – قرروا دفع رسوم التجنيد. البعض، مثل يوسف، كان خائفاً من احتمال مصادرة الأصول العائدة له ولأسرته في سوريا. لكن البعض الآخر كانت لديه أسباب أكثر عملية.

قال علي البالغ من العمر 29 سنة، إنه دفع الرسوم بتشجيع من أفراد عائلته، الذين اعتبروا المبلغ “شكلاً من أشكال المشاركة المباشرة في المجهود الحربي السوري”.

وقال جيان، وهو سوري يعمل في دار للمسنين في فرانكفورت في ألمانيا، إنه لا مشكلة لديه في دفع المال.

ويضيف جيان “أتقاضى راتباً شهرياً، وعملية الإعفاء سهلة، وأريد حماية ممتلكات عائلتي في سوريا من الاستيلاء عليها”. قال إن ثلاثة أقارب له حاصلين على حق اللجوء في ألمانيا دفعوا الرسوم أيضاً.

لكن الكثير من السوريين ما زالوا يخشون تمويل الحكومة التي يشعرون أنها مسؤولة عن معاناتهم بعد إجبارهم على اللجوء خارج البلاد.

وقال عبد الله جعفر، وهو سوري يبلغ من العمر 35 سنة ويعيش في غوتنبرغ، ثاني أكبر مدينة في السويد، منذ 8 سنوات، إنه يرى في مدفوعات الإعفاء نوعاً من الابتزاز.

وأضاف جعفر، “لدي كامل المبلغ ويمكن أن أدفعه لكنني لن أفعل”. “هذه الحكومة غير شرعية”.

شارك في إعداد التحقيق الاستقصائي: عبد اللطيف حاج محمد (صحفي استقصائي مستقل)، سناء سبوعي (OCCRP)، ولارا دعمس (OCCRP).

درج

—————————————-

تهريب في الحقائب الدبلوماسية… كيف يبتزّ النظام السوري اللاجئين لتمويل خزانته؟

 شرع النظام السوري في إجبار الشباب في الخارج على تحويل أموال إلى خزينة الدولة، أو العودة إلى البلاد التي فروا منها، من أجل تأدية ما يعرف بخدمة العلم أي التجنيد الإلزامي.

وهدد النظام السوري الشباب الذين لا يعودون إلى البلاد من أجل الخدمة العسكرية أو تحويل الأموال لخزينة حكومته بالاستيلاء على ممتلكاتهم أو ممتلكات عائلاتهم.

وفقاً للدستور السوري، تكون الخدمة العسكرية إلزامية للرجال السوريين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و 42 عاماً، وهو ما يعني أن هناك الملايين من المواطنين اللاجئين خارج البلاد مؤهلون للخدمة العسكرية.

 وكشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان في 28 أيلول/سبتمبر الحالي أن شاباً سورياً يدعى يوسف، ويبلغ من العمر 32 عاماً يعيش في السويد، وجد نفسه أمام خيارين، إما الانضمام إلى جيش الحكومة التي جعلت منه لاجئاً، أو المخاطرة بأن تفقد عائلته في سوريا منزلها الذي لا يزال أفرادها يعيشون فيه.

ما لقاه يوسف يستند إلى قرار عسكري أعلنه الجيش العربي السوري التابع لبشار الأسد في فبراير/ شباط الماضي، نشرت بمقتضاه لائحة جديدة تسمح للسلطات بمصادرة ممتلكات “المتهربين من الخدمة” وعائلاتهم.

في حزيران/يونيو الماضي، ذهب يوسف إلى السفارة السورية في ستوكهولم ومعه مبلغ ثمانية آلاف دولار أمريكي، استعداداً لدفع رسوم حذف اسمه من قوائم التجنيد الإجباري، وقال إن “قشعريرة ركضت في عموده الفقري أثناء استلامه الإيصال”.

وأضاف يوسف لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)” بصوت يرتجف: “سيستخدم النظام السوري هذه الأموال لشراء أسلحة وقتل المزيد من الناس”.

وفقاً لصحيفة الغارديان، فإن بيانات البنك الدولي تظهر أن حوالى خُمس سكان سوريا البالغ عددهم 17 مليوناً هم من الرجال في سن التجنيد، مشيرة إلى أن التهديد بالتجنيد الإجباري هو سبب رئيسي يخشى معه العديد من اللاجئين العودة.

وقالت الصحيفة البريطانية إن الحكومة السورية تمكنت من الاستفادة من هذا القلق في زيادة إيرادات خزانتها الخاوية، وباتت تحصد العملات الأجنبية من حوالى مليون سوري استقروا في أوروبا، تستعين بخوفهم على دعم ميزانيتها المتعثرة جراء العقوبات الأمريكية التي قطعت البلاد عن النظام المصرفي الدولي.

التهريب في حقائب دبلوماسية

وبدأت السفارات السورية، التي ترفض عادة معالجة أوراق اللاجئين إلا إن كانت معاملات ورقية تختص بالإعفاءات العسكرية في تحصيل المدفوعات النقدية.

وقال باحثان، أحدهما مسؤول في مطار هيثرو البريطاني، وآخر دبلوماسي سابق، قابلهما مكتب مكافحة جرائم الفساد والجرائم الاقتصادية في بريطانيا، إنهما يشتبهان في عودة الأموال إلى سوريا عبر الحقيبة الدبلوماسية، وهو ما يعد تنتهكاً لاتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية، وهي تنص على أن “الطرود التي تشكل الحقيبة الدبلوماسية… قد تحتوي فقط على وثائق دبلوماسية أو مواد مخصصة للاستخدام الرسمي”. وتمنع معاهدة فيينا والأعراف الدولية إخضاع الحقائب الدبلوماسية للتفتيش.

وأدت العقوبات الأمريكية المطبقة ضد النظام السوري عام 2020 بموجب قانون قيصر إلى تفاقم الوضع المالي الصعب، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد.

ونتيجة لذلك، أصبحت مدفوعات تجهيز الواردات الحيوية مثل القمح ومنتجات النفط أكثر صعوبة، وتكبدت الليرة السورية المزيد من الخسائر.

 قال أرميناك توكماجيان، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: “أصبح النقص في العملات الأجنبية مشكلة حادة ، خاصة بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ. يحتاج النظام إلى العملة الأجنبية. وكلما زادت العملات في حوزته، طالت مدة بقائه وقبضه على مقاليد الأمور”.

وعليه، أصبح جواز السفر السوري أحد أغلى وثائق السفر في العالم، إذ تتقاضى السفارة السورية في بريطانيا 220 جنيهاً إسترلينياً كي تقبل استخراج جواز سفر جديد، وحوالى 600 جنيه إسترليني إضافية لـ”تسريع” عملية الحصول عليه.

وتتوقع سوريا أن تضم إلى ميزانيتها لعام 2021 نحو 240 مليار ليرة من رسوم الإعفاء العسكري، في حين ضمت 70 ملياراً للغرض نفسه عام 2020، وذلك وفقاً للنسخ المنشورة في الجريدة الرسمية السورية.

وتستضيف الدول الاسكندنافية وحدها نحو 114 ألف لاجئ سوري، وهي موطن لعشرات الآلاف من الوافدين الجدد.

بين حزيران/يونيو وآب/أغسطس2021، زار مراسلو “OCCRP” ثلاث مرات السفارة السورية في ستوكهولم، وأحصوا وجود 10 متقدمين في اليوم ينتظرون في قائمة الانتظار للحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية مقابل آلاف الدولارات.

وذكر موظف في السفارة للمشروع أنه لا يستطيع تحديد عدد المتقدمين للحصول على إعفاء من الخدمة، ولكن هناك “زيادة كبيرة” في النصف الأول من عام 2021، عزاها إلى اللائحة المنشورة في شباط/ فبراير الماضي. إذ يخشى اللاجئون في الخارج أن تدفع عائلاتهم الباقية في سوريا ثمن خروج أبنائها متشردين من منازلهم.

وأضاف الموظف: “في بعض الأيام، يأتي 10 [أشخاص] إلينا، وفي أيام أخرى قد يصل الرقم إلى 50”. وتعلق الغارديان: “إذا كان هذا دقيقاً، فهذا يعني أن السفارة قد تتلقى نحو 400 ألف دولار نقداً في بعض الأيام”.

 ونقلت الصحيفة عن شاب سوري يدعى علي، يبلغ من العمر 29 عاماً، أنه دفع الرسوم بتشجيع من أسرته، التي اعتبرت الدفع “شكلاً من أشكال المشاركة المباشرة في المجهود الحربي السوري”.

 وقال جيان، وهو سوري يعمل في دار للمسنين في فرانكفورت بألمانيا، إنه ليس لديه مشكلة في دفع المال. وتابع: “أتقاضى راتباً شهرياً، وعملية الإعفاء سهلة، وأريد حماية ممتلكات عائلتي في سوريا من الاستيلاء عليها”. وكشف أن لدى ثلاثة من حق اللجوء في ألمانيا، ومع ذلك دفعوا الرسوم أيضاً.

 وعبّر الكثير من السوريين عن مخاوفهم من تمويل الحكومة التي يشعرون أنها مسؤولة عن تحولهم إلى لاجئين في المنفى. ويرى عبد الله جعفر، البالغ من العمر 35 عاماً والذي يعيش في غوتنبرغ السويدية منذ ثماني سنوات، إن خطوة الحكومة هذه “نوع من الابتزاز”. وقال: “لدي كامل المبلغ، ويمكنني أن أدفعه، لكنني لن أفعل، هذه الحكومة غير شرعية”

 رصيف 22

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button