نصوص

استهلاك دمشق: الثقافة العامة وبناء الهوية الاجتماعية/ كريستا سالاماندرا

إذا دخلْتَ مدينة دمشق القديمة من بوابتها الشرقية، وسرتَ بضعة ياردات في الشارع المستقيم، ثم انعطفتَ في أول زقاق ضيّق على اليمين، ستشاهد في تلك المنطقة السكنية الهادئة لافتةً بارزة بين منازل عربية تطلّ على الداخل، تحمل اسم «البيانو بار». ادخلْ من الباب الخشبي المنحوت، وسرْ على طول البهو المبلّط، تحت قفص طائر مغرّد، عابرًا خزانةَ عرض معلقة بقلائد فضية سميكة، واصعدْ منصةً حجريةً إلى غرفة الطعام المرتفعة. هناك يجلس السوريون الموسرون حول طاولات متجاورة يحتسون العرق وويسكي الـ«بلاك ليبل» ويأكلون الدجاج المشوي أو السباغيتي. زُيّن كلّ جدار من الجدران حولهم بأسلوب مختلف: على أحدها عُلّقت مجموعة من الصحون الخزفية الهولندية مثبتة بالجص، وعلى آخر ثُبّتت رفوف من الرخام الملون وُضعت فوقها سلسلة من الصناديق الزجاجية المخططة بالموزاييك والتي تحتوي على آلات نفخية. وعلى جدار آخر تظهر نوافذ بقضبان حديدية على شكل أزهار مكسوّة بقماش مخطط منتج محليًّا، فيما ترقص على جدار آخر نوتات موسيقية مشغولة من الحديد. وفي مقدمة الغرفة الطويلة المقسّمة، مرآةٌ ضخمة مؤطرة بالصدف وفوقها لوحة رقمية تطفو عليها بشكل متكرر لائحة طعام «البيانو بار» وساعات العمل. يغنّي المالك أغنية «طريقي» وأغانٍ أخرى مفضّلة لفرانك سيناترا على شريط نَسخ احتياطي في آلة الكاريوكي. وحين ينتهي، تصدر عن شاشات فيديو مزروعة في الزوايا أغان مؤدّاة جماعيًّا لألتون جون. وفي بعض الليالي يعزف عازف بيانو وعازف كلارينيت أغاني روسية بينما يقرع الزبائن صنجات خشبية.

تلعب أشكال الثقافة العامة كـ«البيانو بار» دورًا في بناء الهويات الاجتماعية في دمشق. فمن ناحية، لا يقع «البيانو البار» في المدينة القديمة بل هو من دمشق القديمة، مهما كان الأمر مستبعدًا. ويتضمن موقعُ الأشكال الثقافية العابرة للحدود الوطنية كالمطاعم وبرامج التلفزيون فكرةً متخيلةً عن المدينة وماضيها. وتتوفر بعض الأشكال الثقافية، كالمطاعم والبرامج التلفزيونية، للجميع بسهولة، فيما أشكال أخرى كـ«البيانو بار» لا تُتاح إلا لمجموعة محددة من الناس. وصار الاستهلاك الانتقائي لهذا الماضي المُسلّع نمطًا رئيسًا من التمييز الطبقي والاجتماعي.

تكتسب الروابط بين أهل دمشق ودمشق القديمة وتمثيلاتها أهمية متزايدة في سياق تغير اجتماعي وديموغرافي سريع وعميق. وعلى غرار كثير من المدن الشرق أوسطية، اتّسمت دمشق بازدياد منتظم وكبير في عدد السكان خلال القرن العشرين. وبعد الاستقلال، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ارتفع عدد سكان المدينة أربعة أضعاف، وبلغ مليونًا و٣٤٧ ألفًا في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. وتقول التقديرات غير الرسمية إن الرقم الآن هو بين ٣ ملايين و٤ ملايين. وبُنيت الضواحي السكنية بسرعة وبتكلفة منخفضة، أو حلّت محلّ الأبنية الموسّعة والأقدم ذات الطبقتين مجمعاتٌ سكنية شاهقة لإسكان أعداد كبيرة من المهاجرين من الريف، وهُدمت بعض أجزاء المدينة القديمة، وتلك المتبقية مهددة. ويجد الدمشقيون الآن مدينتهم قد تغيرت وتغلّب عليهم عدديًّا أشخاص يختلفون عنهم في الطبقة الاجتماعية والخلفية المناطقية والطائفة الدينية.

استهلاك المدينة القديمة

تشير «دمشق القديمة»، في الاستخدام السوري، إلى عدد من الظواهر المتداخلة على نحو وثيق. وتحيل بصورة ملموسة أكثر إلى المكان المادي للمدينة القديمة نفسها، في الماضي والحاضر. لقد هُدمت أجزاء من دمشق القديمة لشق الطرق للمجمّعات الشاهقة والجادّات الحديثة، لكن دمشق القديمة تشير أيضًا إلى نمط حياة مرتبط بالمدينة كما كانت (أو من المفترض أنها كانت) قبل حدوث التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الرئيسة التي بدأت في أوائل الستينيات. أخيرًا، إن دمشق القديمة فكرة متخيلة عن الماضي، مسلّعة في شكل مطاعم ومقاهٍ وكتب وبرامج تلفزيونية وإعلانات ومناسبات اجتماعية وفن ومَعارض صور فوتوغرافية وبوتيكات.

تظهر دمشق القديمة الآن في المعارض الفنية والفوتوغرافية والمحاضرات والمهرجانات الفولكلورية التي ترعاها الدولة والمصممة للسوريين أكثر مما هي مصممة للسياح الأجانب. ويبدو كأن هناك رابطًا بين صناعة السياحة وانبعاث الاهتمام بدمشق القديمة. ففي الثمانينيات، انتقل الاهتمام الرئيس لوزارة السياحة من الآثار القديمة إلى الماضي الأحدث. جعل أيمن الدقر، الذي عُيّن وزيرًا للسياحة من ١٩٨١ إلى ١٩٨٨، من أولوياته الحفاظ على المدينة القديمة وإعادة بنائها. وشجّع الدقر، الذي يتحدّر من عائلة دمشقية قديمة والمتباهي بنسَبه، المناسبات التي تحتفي بالمدينة. فضلاً عن ذلك، قيل إن غالبية موظفي وزارة السياحة يتحدرون من أصل دمشقي. وتتحدّر نجاح العطار، التي شغلت منصب وزيرة الثقافة منذ أواخر السبعينيات، من عائلة دمشقية عريقة أيضًا. رَبطت السياحة بين المحلّي والعالمي بطرق لا توسّط فيها، وقُدمت دمشقُ كمدينة قديمة ومسلّعة خالية من العمق. لكن التعبيرات الأقوى للمدافعين عن دمشق القديمة يُعثر عليها في مكان آخر، في الأشكال الوسيطة للثقافة التعبيرية، كالكتب.

كانت الوسيلة الرئيسة لتعزيز الإحساس بالهوية الدمشقية سلسلة مذكرات كتبها دمشقيون معظمهم من عائلات معتبرة، وتناولت المذكرات الحياة الاجتماعية في دمشق القديمة لشبابهم. نُشرت المذكرات الأولى لسهام ترجمان، يا مال الشام، عام ١٩٦٩. ونُشرت مذكرات أخرى تعود إلى منتصف الثمانينيات وما بعدها. وتمثّل هذه الأعمال التي جَمعت بين السيرة الذاتية والتاريخ الاجتماعي نمطًا غير موجود في الأدب العربي الكلاسيكي. وعلى عكس السير الذاتية (التراجم)، لا تروي هذه الكتب تفاصيل وأحداث حياةٍ عبرت (عادةً حياة باحث ديني) والصلات التي تشكل تراثًا متناقَلاً تم تعلّمه (Eickelman, 1991). إنها تبني، عوضًا عن ذلك، قصصًا مبعثرة وخيالية ومشحونة بالتوتر العاطفي عن الماضي بصورة أشمل. وتستحضر كتب المذكرات الشخصية تجربة مشتركة، سواءٌ بمعرفة أو بخلاف ذلك. كما أن معظم مؤلفي المذكرات مهنيون بارزون (أطباء ومحامون وصحافيون) يعرف بعضهم بعضًا جيدًا، ويشكلون دائرة أدبية من الهواة. على سبيل المثال، تضمنت مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب نجاة قصاب حسن، «حديث دمشقي»، شكرًا وتقديرًا ورسائل ثناء من كثير من كتّاب مذكرات آخرين. وتحتوي ذكريات دمشق القديمة على وصفٍ حيّ متحرر من الزمان ظاهريًّا للمنزل المبني على الطراز الدمشقي، ولطرق إعداد وتناول الطعام التقليدي وعادات وتقاليد مرتبطة بالعطلات وحفلات الزفاف والولادات والجنازات. وتندب جميع هذه المذكرات انتهاءَ ما رأته كطريقة حياة صحية ومتكاملة. وفي كتاب «يا مال الشام» تتحدث ترجمان بمحبة عن الأصوات والروائح والمذاقات من شبابها الذي أمضته في أحياء مختلفة من المدينة القديمة، وتصفُ الزفافات والجنازات والرحلات إلى الحمّام العام والأغاني والحكايات والأمثال بعاطفة وقّادة مشحونة بالحنين:

«حين أعود إلى الأحياء القديمة التي يقع فيها بيتنا العريق، أو إلى أسواق تفوح منها رائحة الزمن القديم، أكتشف أن ارتباطي بالأشياء القديمة أقوى من ارتباطي بالحديثة منها، وأن الحقيقة النقية الوحيدة في روحي هي حقيقة الطفولة، كما لو أن الطفولة كائن يعي ما يجري حوله، يتمسك بما هو أكثر أصالة كي يحافظ عليه من عوادي الزمان. إن هذا التوقير للماضي يطمئنني إلى أن طفولتي العارفة المتنبهة والنقية سترفض أي شيء مزيّف يمكن أن يقدمه الغد».

ما يميز هذه المنشورات الأخيرة من كتابات أدبية سابقة عن الفخر وحب دمشق، وخاصةً كتاب «يوميات شامية» لابن كنان من القرن الثامن عشر وكتاب محمد كرد علي «دمشق مدينة السحر والشعر» الصادر عام ١٩٤٤، هو تمامًا هذا الشعور بالفقدان. إن المثال المؤثّر على نحو خاص هو كتاب ناديا خوست «الهجرة من الجنة»، وهو مرثاة لحيّ المدينة القديمة الذي مُزّق إلى نصفين بعد شقّ شارع الثورة:

«إن أكثر ما أشعر به اليوم هو الأسى لأن ابنتي لا تعرف ما هو الاستيقاظ في منزل عربي، فاتحةً عينيها على زخارفه. ما يحزنني هو أنها تجهل متعة النظر من وراء زخارف حاجز الشرفة والياسمين إلى الفناء، ولا تعرف تبدلات الضوء على شجرة الكبّاد. هناك أجيال من عشاق الحضارة لن يعرفوا ما الذي سقط تحت الأنقاض في دمشق» (١٩٨٩، ١٠).

في كتابه «دمشق الأسرار»، يندب الصحافي الدمشقي وعضو مجلس الشعب السابق نصر الدين البحرة فقدان ثقافته الأصلية، بينما ترتفع الأبنية الإسمنتية العالية للمدينة الجديدة كي تغمر القديمة:

«دمشقك تصبح اثنتين: الأولى، الأصيلة، تتقلص وتتدهور. الثانية، جاءت إلى الوجود كطفل صغير، بدأت تنتشر كالسرطان، انتشارًا أعمى، منحطًّا ومن دون هوية» (١٩٩٢، ١٤).

إن المذكرات كتعبير عن الذاكرة الوطنية هي من بين الأشكال الثقافية الأكثر توافرًا للعالم خارج سورية. ومن المثير أنها تقع في دائرة الاهتمام العالمي المتزايد بعوالم أخرى، عوالم ماضية، أشارت إليها خوست. وبدأت الكتب التي تتناول الحياة في دمشق القديمة بجذب المترجمين، ففي ١٩٩٤ نشرت مطبعة جامعة تكساس ترجمة إنكليزية لكتاب ترجمان «يا مال الشام» صدرت بعنوان Daughter of Damascus (ابنة دمشق). ويبيع مؤلفون مثل ترجمان جيدًا في سوق عالمي مزدهر لنساء العالم الثالث، لكن سهام ترجمان داخل سورية شخصية مثيرة للجدل، فهناك أقسام كبيرة من المجتمع السوري ترفض ما تعتبره نزعةً نخبوبةً وإقصائيةً في التجربة التي ترويها. وإذا أخرجنا كتاب «يا مال الشام» من السياق يفقد قوّته السياسية. أما كتاب «ابنة دمشق» فهو بعيد جدًّا عن الصراعات الثقافية المعقدة التي تم تصوّر كتاب «يا مال الشام» داخلها، والتي تجعله كاشفًا على نحو غني لبيئته. ويسوّق الإعلام الغربي كتابات نخبوية كهذه عن الثقافة المحلية على أنها تتّسم بأصالة لا تشوبها شائبة.

يجد سكان دمشق القديمة، مثل ترجمان وخوست والبحرة، أنفسهم أقليةً في «مدينتهم». وكما يقول المؤرخ الأميركي ديفد لوينثال: إن الأقليات غالبًا ما «توظف التراث لا كي تنسحب من الدولة الوطنية بل كي تحقق مكاسب داخلها» (David Lowenthal, 1996, 8). ويقدّم هؤلاء المؤلفون دمشقَ والهوية الدمشقية كرمز للثقافة الوطنية السورية. وكان هذا أسهل، بما أن المصطلح الأكثر عاطفية- «شام»- رمزَ لكلّ من المدينة والإقليم السوري العثماني، بالطريقة التي أشارت فيها مصر إلى كل من القاهرة ومصر. وكما يقول ريتشارد هاندلر (Richard, Handler, 1985, 207-8): ينطوي بناء الهوية الوطنية على تطويع موضوعات ثقافية منفصلة توظف كي ترمز للثقافة الوطنية. وفي هذه الحالة، إن دمشق نفسها والذكريات عنها أصبحت مواضيع للأمة السورية. تكتب ترجمان: «دمشق هي الشعب السوري وشعبي» (١٩٩٤، ٦). وعلى نحو مشابه تؤكد خوست أن الطراز المعماري الفريد للمدينة «ليس من أجل جذب السياح فحسب، وليس فقط الأرض التي تجمع أجيالاً من الحضارات، وليس المنزل الذي يريد كل المنازل المتبقية إلى جانبه… بل بالأحرى إنه ذاكرة وطنية» (١٩٨٩، ١١). ولأن المدينة القديمة تمثل أجيالاً من الحضارة، كما تقول خوست، فإن الحفاظ عليها «مهمة وطنية وثقافية رئيسة». وهي تخاطب القارئ السوري بضمير المخاطب رابطةً اهتمامها بدمشق القديمة بضياع أصالات أخرى:

«تقودك الحداثة التي حولك إلى الاعتقاد أن الماضي عارٍ وأن المدينة القديمة التاريخية تشكل إهانة لك إلى أن يتبين لك الخيط الأبيض من الأسود في الحياة، فيما الجفاف والإسمنت ينتشر حولك. هناك آخرون في العالم تركوا جِنانهم للوهم والبرد، وهم أيضًا يجمعون شظايا الذاكرة والقطع المحطمة لحدائقهم المهجورة في الماضي. لقد فهموا قبلكَ قيمة ما دُمّر وما تركوه خلفهم» (١٩٨٩، ٢٦).

السياق: مدينة وأرياف

ترتبط ظاهرة دمشق القديمة بالتحولات التي طرأت على المجتمع السوري خلال الأعوام الثلاثين الماضية. فقد هيمن عدد من العائلات النخبوية «المرموقة»، التي امتلكت روابط طويلة مع المدينة، على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دمشق إلى أن جاء «حزب البعث الاشتراكي» (Hourani, 1946, 1968; Khouri 1983, 1987; Hinnebusch, 1991). وجاءت الضربة الأولى لهذا الاحتكار من محاولة الوحدة مع مصر (١٩٥٨-١٩٦١). وبعد تعزيز حكومة «حزب البعث» عام ١٩٦٣، انتقلت السلطة السياسية إلى نخبة عسكرية غير دمشقية وغير مدينية إلى حد كبير، وصارت أكثر قوة بعد النجاحات التي تحققت لحرب ١٩٧٣. وهيمن على هذه النخبة العسكرية أعضاءُ الطائفة الدينية العلوية، أكبر أقلية دينية في سورية، والتي يعتبرها السنّة الدمشقيون المتشددون مهرطقة [كذا في الأصل]. وقوّضت عمليات التأميم في أواسط الستينيات هيمنةَ الوجهاء أكثر. فضلاً عن ذلك، إن غير الدمشقيين (كان معظمهم فلاحين)، الذين بنوا ثروات في الخليج أثناء الازدهار النفطي في السبعينيات، لم يعودوا إلى قراهم بل إلى دمشق، حيث شكلوا طبقة من محدثي النعمة والذين تجاوزت ثرواتهم ثروات العائلات المرموقة القديمة. وأُجبر الدمشقيون على الاشتراك في الأعمال مع الأغنياء الجدد والأقوياء الذين اعتبروهم أدنى منهم اجتماعيًّا، وقدموا لهم فروض الطاعة أحيانًا. بيد أنه في الحقيقة من غير الواضح أي مجموعة تهيمن بالفعل على أي مجال في الحياة. وينظر إليهم دمشقيون من الداعمين لدمشق القديمة على أنهم البرابرة القادمون من الريف والذين دمروا الأشكال الدمشقية الأقدم من التجارة عبر تطبيق السياسات الاشتراكية، لكنهم جمعوا لأنفسهم ثروات من خلال ترخيص التجارة القانونية والسيطرة على التهريب. وقالوا إن المناصب الحكومية الأعلى حكر على العلويين. وأضافوا أن نظام الأسد، الذي عمره ٢٨ سنة، نجح في محو الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية السنّية. وقال مدير التلفزيون الدمشقي في نهاية حفل صوفيّ أقيم في بيت داخل المدينة القديمة في ليلة القدر: «درجت العادة أن يقام الكثير من الحفلات كهذه لكن الحكومة أوقفتها. إنهم يحاولون تدمير كلّ ما هو سنّي». حين سألتهُ لماذا أصبح الناس مهتمين بدمشق القديمة مؤخرًا بهذه الطريقة، أجاب:

«ليس كل الناس، الدمشقيون الحقيقيون فقط. لماذا؟ لأنهم يشعرون بأنهم أقلية. إن دمشق بلدة غزاها أبناء الأرياف. جاء الناس إلى هنا لأن الحياة الاجتماعية في الريف كريهة. يهرعون إلى دمشق كي يعيشوا حياة أفضل. يعتقدون أنها أكثر تحضرًا مما في أراضيهم… إذا ذهبتِ إلى بيروت تجدين نيو جيرسي. دمشق تشبه المكان الأول في الشرق أمام الحضارة الغربية. أنتِ في بلدة تدير ظهرها لجميع مظاهر الحضارة الغربية. ثم فجأة تحصل الأحداث التي تقضي على كل شيء».

تابع كلامه واصفًا ما اعتبره مؤامرة حاكها «حزب البعث» كي يقضي على الأقسام الإسلامية من المدينة القديمة، وقال إن الأحياء التي استُثنيت هي مسيحية ويهودية بصورة رئيسة.

لكن بالنسبة لغير الدمشقيين، إن «الأمراء هم تجار دمشق» الذين ما زالوا يسيطرون على القطاع التجاري، كما عبّرَ أستاذ جامعي علويّ عن الأمر. وبحسب كاتب علويّ من اللاذقية، فإن أعضاء طائفته ليسوا مفضّلين آليًّا للحكومة ومناصب أخرى:

«إن أهم الوظائف هي للدمشقيين والمسيحيين. إن وظائف الرواتب العالية في الفنادق الدولية تذهب إلى المسيحيين. كما أن معظم الدبلوماسيين دمشقيون ومسيحيون، ويتم إرسال المسيحيين إلى الغرب والدمشقيين إلى البلدان العربية. أما المنَح الدراسية في الغرب فتذهب للمسيحيين. إن رئيس المكتب المسؤول عن إرسال الطلاب إلى الخارج مسيحي. يقولون إن النظام علوي ولكنني لا أظن هذا. أو يمكنك القول إن هناك فئة من العلويين تستفيد، لكن ليس الباقون. هناك قرى علوية لا تزال من دون كهرباء. إذا سألتِ دمشقيًّا فسيجيب بطريقة تعكس مسبقاته. سيقول إنهم (أي العلويين) جاؤوا وهيمنوا على كل شيء، وهلمّ جرّا. لكن الذين جاؤوا من مناطق أخرى يعيشون في الضواحي، في عشوائيات ومساكن دون المستوى، بينما الذين في المركز هم دمشقيون ومسيحيون».

كانت الجامعة محمية دمشقية أيضًا، وذكر الأستاذ الجامعي العلوي زميلاً دمشقيًّا شكا من أن الغرباء دمّروا الجامعة. «هل تقصدني أنا؟» سأله الأستاذ. «كلا، ليس أنت، بل جميع الآخرين»، أجاب الزميل. وسألتْني زوجةُ الأستاذ الجامعي: «ما الذي يقوله الدمشقيون حين تتحدثين معهم؟ هل يكرهوننا؟» أجبتُ أن هناك بعض الاستياء. وروى الكاتب العلوي قصة مشابهة:

«سألتُ أحد الدمشقيين: لماذا أنتم مهتمّون بترميم مدينة قديمة بدلاً من بناء مدينة المستقبل؟ شعرتُ أن هناك شيئًا أيديولوجيًّا في جوابه. قال إنه قبل المشاريع الكثيرة التي غيّرت الشخصية المعمارية لدمشق عاش الناس حياة أكثر هدوءًا وطمأنينة. يظنون أن ما حدث للناس في دمشق هو أنهم جُرّدوا من إنسانيتهم، وفقدوا الانفتاح والتواصل والثقة. لكن الدمشقيين منغلقون جدًّا ولا يزورون غير الدمشقيين ولا يدعون غير الدمشقيين إلى منازلهم. ليس بوسعك أن تصادق النساء، ومع الرجال تستطيع أن تبني صداقات فقط هي ليست صداقات في الوقت نفسه. هناك نزعة طائفية تدفع أولئك الذين يُظهرون اهتمامًا بدمشق القديمة. يعزلون أنفسهم كمجموعة خاصة من العائلات البرجوازية الدمشقية، ويعتبرون الناس الذين يأتون إلى دمشق غزاة أفسدوا جمال المدينة القديمة وغيّروها».

لكن من هو الدمشقي؟ وبصورة أكثر تحديدًا، من هي العائلات النخبوية القديمة؟ من غير الواضح كم يجب أن تكون الجذور العائلية متأصّلة في المدينة وكم يجب أن تكون عائلة بارزة كي تُعتبر مرموقة. إن مفهوم «ابن أو بنت عائلة» مرموقة من الصعب توضيحه. الأكيد أن سلسلة من الأسماء المعروفة جيدًا هي دومًا متضمَّنة في هذه الفئة، لكنها أحيانًا مطبّقة بشكل فضفاض أكثر. والأكثر إشكالية هو سؤال أين عائلات النخبة القديمة الآن، وما علاقتها بما أدعوه حركة دمشق القديمة؟ لقد تزوج كثير من أعضاء النخبة القديمة من الطبقات الثرية الجديدة وغادر كثر آخرون سورية منذ عقود مع وصول حكم «حزب البعث». ويشير مايكل هيرزفيلد (Herzfeld, 1991, 166) إلى موقف مشابه حصل في اليونان في مدينة ريزيمنوس Rethemnos التي هاجرت منها جميع العائلات التي شكلت نخبتها التجارية عند منعطف القرن. أما الذين بقوا فكانوا يندبون ضياع «القيم الأرستقراطية» على الرغم من أنهم أنفسهم نادرًا ما كان بوسعهم ادّعاء المكانة الأرستقراطية.

على الرغم من أن مسألة من هو قادر على الادعاء، بصورة شرعية، أن له مكانة دمشقية قديمة، تبدو واضحة، فهي في النهاية غير مساعدة. إن ما هو مهم سوسيولوجيًّا، ليس صلاحية ادّعاء المكانة، بل كيف يُستخدم هذا الزعم في منافسات الهوية المدنية. لقد صارت الروابط مع نخبة دمشقية قديمة، حقيقية أو زائفة، رأس مال ثقافيًّا، بالمعنى الذي قصده بيير بورديو (Bourdieu, 1984)، في سياقٍ من التحول الاجتماعي السريع والتأكيد المتزايد على المظهر العام والاستعراض. وتشكل المدينة القديمة نفسُها الآن مصدرَ أصالة غنية للدمشقيين في الوطن وفي الخارج، هي التي كانت منذ عشرين عامًا منطقةً أدنى مرتبطة بتخلف الماضي. وفي سياق عالمي يثمّن بصورة متزايدة الثقافات المحلية، صارت دمشق القديمة، مرة أخرى، علامة على المكانة. يتباهى الدمشقيون بعظمة المدينة القديمة أمام الأجانب وأمام سوريين آخرين على حد سواء. مثلاً، تقوم رنا قباني، الكاتبة الدمشقية والشخصية الإعلامية التي تعيش الآن في لندن، بترويج ثروة دمشق القديمة من منتجات الجمال الطبيعي التقليدية لقرّاء مجلة «فوغ» البريطانية (١٩٩٨- العدد ١٣٤ – ص ٣٥).

إن الكثير من داعمي دمشق القديمة ليسوا بين أغنى المواطنين في المدينة، ولا يمثلون اقترانًا جديدًا بين الثروة والمكانة القديمة. كثرٌ منهم مهنيون من الطبقة الوسطى، لهم توجهات فكرية (محامون وأطباء وصحافيون) يعيشون حياة مريحة لكنها ليست باذخة بأي طريقة من الطرق. تمتلك عائلاتهم عادةً جذورًا عميقة في المدينة، وأسماؤهم معروفة جيدًا ومرتبطة غالبًا بالتميّز الدمشقي، لكنهم ليسوا دومًا «أولاد عائلة»، أي أبناء عائلة قديمة مرموقة. ولا يشعر كثيرون بأي إحساس بالتماهي مع رجال الأعمال (بعضهم ذوو نسب قديم ومرموق) ويلومونهم على العمل مع الحكومة لتدمير المدينة القديمة. الهوية الدمشقية بالنسبة لهم شكلٌ من أشكال المقاومة للقيم المهيمنة التي يرونها مادية ومصطنعة. ومن المثير للاهتمام أن بعضًا من الأكثر بروزًا بينهم كانوا يساريين سابقين آمنوا مرةً بالمشروع القومي، وخاب أملهم منذ ذلك الوقت. وبحسب مترجم شاب:

«لاحظتُ في الأعوام الماضية أنني أصبحت أكثر فخرًا بكوني دمشقيًّا. أرى هذا أيضًا في أبي، الذي كان أحد مؤسسي حزب البعث. اعتاد البعثيون أن يعتقدوا أن السوريين هم سوريون فحسب. ندم كثيرون منهم على ذلك. يشعرون الآن أنهم متميزون عن جميع القرويين، وخاصةً عن العلويين. يعتقدون أن العلويين ربما يمتلكون النقود والسلطة لكنهم بلا تقاليد».

أحيانًا، تجذب هيبة هذه التقاليد غيرَ الدمشقيين ذوي الادعاءات الأرستقراطية. كان وزير الدفاع غير الدمشقي، السنّي، مصطفى طلاس من المعروفين جدًّا بحماستهم لدمشق القديمة، وأصدرت دار نشره «دار طلاس» أحد كتب المذكرات عن دمشق القديمة الأكثر مبيعًا. من المحتمل أيضًا أن الدمشقيين القدامى الذين تحالفت ثرواتهم مع المال الجديد لا يحتاجون إلى ترويج مكانتهم في دمشق القديمة. ومهما كان السبب، يميل الأثرياء جدًّا إلى أن يكونوا في واجهة الحركة. وقد خاب أمل بعض الهواة الجديين من يساريين سابقين، وغالبًا ما أشار نقّاد تيار دمشق القديمة إلى التبدل في انتمائهم السياسي كدليل على ضعف الشخصية الدمشقية عادة. ويرى الداعمون التراثَ كبديل للمادية.

يتصاعد الاهتمام بدمشق القديمة فيما الثروة المادية تصبح على نحو متزايد مقياسًا للمكانة في سورية. إن أحياء المدينة محددة إلى حدّ كبير بهذه الطريقة. ولم يعد السؤال المهم لعروس أو عريس «من هو والدك؟» أو «ما هو عملك؟» بل «أين تسكن/ين؟». ويتحدث الناس بحزن عن وقتٍ كان فيه التعليم والخلفية العائلية مهمَّين. وبحسب كاتب شاب من حلب: «كان الناس في السابق يحترمون من أنت وماذا فعلت، لكن كل ما يهمّهم الآن هو الاستهلاك».

نجَم منحُ الامتياز لرأس المال الاقتصادي فوق كل شيء، جزئيًّا، عن سياسات «البعث» الاشتراكية. وارتبطت سلطة عائلات النخبة القديمة بمزيج من الهيمنة الاقتصادية والسياسية، والمدخل إلى الغرب عبر الأسفار والتعليم والبضائع الاستهلاكية ونمط حياة مديني مصقول بتعليم عالٍ وآداب راقية والانتباه إلى مسائل الذوق. وكان هذا أحيانًا مرتبطًا بالتعلم الديني. وحَدد انتهاء هيمنة العائلات القديمة على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في دمشق انتقالاً في فهم ما اعتُبر نخبة.

أصدقاء ومتطفلون

ينتمي كثير من ناشطي المدينة القديمة إلى منظمة تُدعى «جمعية أصدقاء دمشق» التي أسسها عام ١٩٧٧ «أشخاص حريصون جدًّا على جعل المدينة كما ينبغي أن تكون»، كما عبّر عن الأمر رئيسها برهان قصاب حسن (شقيق نجاة). وأسست المنظمة متحفَ مدينة دمشق، وهي ترعى محاضرات ومَعارض. يبدو هنا أن الهدف أيضًا هو ترويج هوية دمشقية على نحو مميز. يقدّر قصاب حسن أن ٣٠٪ من أعضاء «جمعية أصدقاء دمشق» هم دمشقيون. «لا نضع قيودًا (ضد غير الدمشقيين) لكننا نفضّل عضوية الدمشقيين لأنهم يحبون دمشق أكثر». عمليًّا، العضوية مشروطة: يجب أن يرشَّح الشخص للعضوية من قِبل عضوين حاليين. ويضيف قصاب حسن أن قيودًا كهذه توجد «لأننا نحتاج إلى أشخاص يعملون، لا يتسلّون». ويتباهى بجهود الجمعية في الحماية: «أوقفنا هدم المنازل… وبذلنا ما في وسعنا لذلك. يتعاون معنا جميع مسؤولي الحكومة. يودّ كثيرون أن يشاهدوا دمشق كما كانت من قبل. وسواءٌ أحبوا هذا أو لم يحبّوه، حين نقول هذا أو ذاك يجب أن يوافقوا».

غالبًا ما يرتبط اسم «جمعية أصدقاء دمشق» بحفلات عشاء باذخة تقام في منازل المدينة القديمة، لكنها تقام الآن في فنادق المدينة الجديدة الفاخرة. وعلى غرار جمعية «بنات الثورة الأميركية» في الولايات المتحدة، إن هدف الجمعية الرئيس كما يبدو لي، ليس الحفاظ على المدينة القديمة واستعادتها، بل الحفاظ على النخبة الاجتماعية القديمة والترويج لها. إن ناشطي دمشق القديمة المتحمسين، غالبًا ما يعبّرون عن الاستياء والإحباط من عدم نجاح الجمعية في تمرير قوانين لحماية مناطق كبيرة من دمشق القديمة. ويشير أعضاء «جمعية أصدقاء دمشق» أنفسهم إلى ميل لتفضيل النشاط الاجتماعي على الحراك. يقول أحدهم: «يجب أن تُدعى الجمعية جمعيةَ الأصدقاء، لا جمعية أصدقاء دمشق». وبحسب عضو آخر، وهو مؤرخ معماري:

«لا يفعلون أي شيء، يضيّعون وقتهم فحسب في إلقاء المحاضرات. إن إلقاء المحاضرات لا يعني أي شيء، نحن بحاجة إلى حركة! في رمضان يفطرون في فندق الشام على ألحان البيانو. هذا سخيف! يجب أن يعملوا بطريقة مختلفة جدًّا، يجب أن يثقفوا الناس حول دمشق، حول الحفظ والصيانة، يجب أن ينشروا المقالات ويغيّروا أفكارهم وطريقة عملهم من أجل أن يكونوا أفضل بكثير».

ويضيف مهندس معماري: «ما الذي يريده أعضاء جمعية أصدقاء دمشق؟ يريدون ما يمكن أن تسمّيه الحظوة. يريدون أن يبنوا علاقات في ما بينهم ومع الوزراء وأشخاص آخرين بارزين، وأن يحافظوا عليها». وتوجِّه عضوة سابقة، وهي امرأة من أصحاب المهن في منتصف الثلاثينيات، نقدًا لاذعًا للجمعية: «لا أعرف لماذا أنتِ مهتمة بجمعية أصدقاء دمشق. لقد تحولت إلى شركة وسطاء زواج أكثر منها جمعية. إن معظم النساء فيها عوانس يبحثن عن أزواج».

يعيش كثير من السوريين من أصل غير دمشقي في دمشق ويرون «جمعية أصدقاء دمشق» جمعيةً شريرةً يهدف أعضاؤها المتعصبون والكارهون للأجانب إلى تخليص المدينة من «الغرباء». وبحسب كاتب عَلويّ، هو في الأصل من الساحل السوري: «إنّ فكرتهم غير المعبّر عنها بشكل مباشر أنّ دمشق تعرضت للغزو من كثير من المهاجرين الذين شوهوا هويتها القديمة أو الموروثة. يعتبرون أن الذين أتوا إلى دمشق قد أفسدوا جمال المدينة القديمة. يريدوننا أن نغادر».

بناء التراث المحلّي

تتلاقى جميع دلالات دمشق القديمة في التحول الحالي للمدينة القديمة إلى مركز ترفيهي. منذ عقود، غادر معظم العائلات المرموقة القديمة منازلها في المدينة القديمة وانتقلوا إلى شقق حديثة في أحياء النخبة في دمشق. يعود أولادهم وأحفادهم الآن إلى دمشق القديمة لا كي يعيشوا كما عاش أسلافهم أو كي يتسوقوا أثناء النهار كالفلاحين والسياح، بل كي يمضوا ساعات فراغهم في المساء، إما في «البيانو بار» أو في أحد المطاعم الكثيرة التي فتحت حديثًا. تخلّت هذه المطاعم، التي تقع في منازل تجار قدامى، عن طراز المطعم الغربي. وبدلاً من ذلك، هدفت إلى تقديم تجربة مطعم «شرقية» متعمدة، ووراء ذلك، دمشقية على نحو متميز. إن الأكثر إتقانًا بينها هو مطعم «القصر الأموي» الذي يقع في القبو المقبَّب لما يُعتقد أنه القصر الأموي المدمر منذ وقت طويل. «يرحب الكرم والضيافة الدمشقية بكم في القصر الأموي»، كما كُتب على الكرّاس الترويجي للمطعم المصقول واللمّاع، بالعربية والإنكليزية. يتم إيصال العشاء على درج مخطط بالسجاد إلى غرفة غائرة مزينة بترف بعددٍ من السجادات ونبعٍ مبقبق ونباتات تتدلى من كوى وأرضية رخامية منقوشة وكراس منجّدة بالبروكار ومرصعة بالأصداف وطاولات نحاسية منخفضة وزجاج محلّي منفوخ وأوان نحاسية وصناديق زجاجية مليئة بالفخّار والصور القديمة. يقدم الشراب نُدُل في شراويل سوداء فضفاضة وقمصان مخططة باللونين الأسود والفضي مصنوعة من القماش المحلي، يعتمرون طرابيش، وينتعلون أحذية دوكسايدر مقلدة. يبدأ العرض الترفيهي بفرقة «فولكلورية» يرتدي أعضاؤها ملابس لمّاعة خضراء وسوداء من البولييستر، يرقصون على موسيقى مسجلة. يتواصل الرقص لنصف ساعة، بعدها يُدعى الضيوف إلى بوفيه «شرقي» حصري تقريبًا. يقدَّم في المطعم الشاي والقهوة والنراجيل بعد الوجبة، فيما تعزف فرقة «تقليدية» ترتدي العباءات والطرابيش وتؤدي أغاني قديمة. تُختتم السهرة بالدراويش الذين يرقصون بشكل دائري، وبالموسيقى الصوفية.

لا تقتصر التمثيلات المسلّعة لدمشق القديمة على المدينة القديمة نفسها. فقد ظهرت مطاعم ومقاه تستلهم فكرة دمشق القديمة في الأحياء الأغنى من المدينة الجديدة خلال العقد الماضي. ما هو جدير بالملاحظة بينها، الإضافات الأخيرة إلى «شيراتون» دمشق، الفندق الأرقى في المدينة، والذي تفضّل نخبُ المدينة التردد عليه. إن مقهى «النَيربين» الذي بُني على الأراضي الخلفية للفندق، نسخةٌ راقية من «النوفرة»، المقهى المشهور الذي يقع خلف الجامع الأموي في المدينة القديمة. يقدم هذا المقهى للعائلات ومجموعات المراهقين القهوة والشاي وأطعمة بسيطة كانت خاصة لوقت طويل بالفقراء، مثل الفول والفتّة، بأسعار باهظة. في الصيف، ينتقل «النيربين» إلى الخارج، يصبح «النوافير» (وهو اسم يذكّر ثانية بمقهى النوفرة الشعبي). حذا فندق «الميريديان» حذو فندق «الشيراتون» مفتتحًا مقهى «تريك تراك»، وهو مطعم بمستويين داخل فناء مزيّن بالموزاييك والنباتات الخضراء، ومشهور بتدخين النراجيل ولعب الطاولة والورق في مساءات الصيف. يمضي الزبائن ساعات طوالًا متأنقين ومزيّني الشعر وبالحليّ الذهبية المتلألئة، يتحدثون ويلعبون النرد، يشاهِدون ويشاهَدون. إن المطاعم أماكن استثنائية لمراقبة الناس، على عكس أنشطة ترفيهية أخرى كالسينما أو المسرح، التي ترى فيها أعضاء الجمهور بشكل سريع، يقدم الذهاب إلى المطعم نظرة مطولة إلى الآخر (Finkelstein, 1989, 17)، كما أن الطاولات تعج بالمسؤولين والأقوياء وذوي الصلة.

غيّر «الشيراتون» أيضًا مطعمه الفرنسي المترف وافتتح مكانه «مطعم إشبيلية» المشرقي. هنا أيضًا، الجو «شرقي» بصورة مدروسة، ويتجلى هذا حتى في شوارب الخدم المشمّعة الطويلة. في الليلة التي زرتُ فيها المطعم كان معظم الطاولات يعج بالرجال السوريين، وكان كثيرون منهم يستضيفون ما بدوا أنهم شركاء أعمال. كان حول إحدى الطاولات شخصيات إعلامية سورية. عام ١٩٨٦ ابتكر «الشيراتون» تقليدًا محليًّا أسبوعيًّا خاصًّا به اسمه «ليالينا»، وهو مناسبة ترفيهية كبيرة حلّت محلّ المناسبات الأصغر والأعلى تكلفة التي يقدَّم فيها طعام فرنسي أو عالمي. تحصل هذه المناسبة الجديدة حول بركة السباحة الخاصة بالفندق والتي صارت، بسبب درجها الطويل المهيب المصمم لمواكب الزفاف، المكانَ الأكثر نشدانًا لحفلات الزفاف الصيفية١. تقام مناسبة «ليالينا» في ليالي الاثنين لأن الحلاقين في دمشق يغلقون في هذا اليوم، مما يحدّ من احتمال أن يفقد «الشيراتون» حجوزات الزفاف٢. بالإضافة إلى «بوفيه مفتوح» ينمّ عن بذَخ في الأطعمة المحلية، يقوم فيه نادل يرتدي زيًّا تقليديًّا بتوزيع الفلافل، وهو طعام سوقيّ لا يؤكل عادةً في المطاعم، خصوصًا في مطعم من عيار «الشيراتون»، يوزّعه من عربة كتلك التي استُخدمت مرة في المدينة القديمة. يقدّم نادل آخر الحلويات كتلك التي تُباع خارج المدارس. كانت جميع هذه الابتكارات قرارات مهنية صائبة، بحسب مساعد المدير للمأكولات والمشروبات سامي فرح الذي يقول: «ملّ الناس الطعام الأوروبي الكلاسيكي. يريدون المازة واللحوم المشوية والعرق».

لكن شعبية المطاعم التي تستلهم فكرة دمشق القديمة يجب أن لا تُرى كرفض للمطاعم غير الدمشقية، الأجنبية والغربية. بدلاً من ذلك، إن الثقافة المحلية تحتل موضعها، بصورة واعية ذاتيًّا، بين الثقافات العالمية، ذلك أن مقهى «تريك تراك» يتموضع إلى جانب المطعم المكسيكي لـ«الميريديان» و«النيربين»، وإلى جانب مطعم البيتزا في «الشيراتون». وعلى الرغم من أن المقارنة بين انتقائية «البيانو بار» وصورة المدينة القديمة تبدو ساخرة، فإن إحدى علامات التميز الاجتماعي في سورية هي القدرة على إتقان كل من المصطلحات الكوزموبوليتية والمحلية.

يعكس الانتشارُ المتزايد لصورة زائفة عن دمشق القديمة أيضًا تطورَ الحداثة من خلال نمو أنشطة ترفيهية جديدة، فبعدما كانت الأنشطة الترفيهية في أوقات الفراغ جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية، صارت الآن منفصلة عن العمل ومخصخَصة ومسلَّعة (Rojek, 1995, 191). إن المطاعم مثال على ذلك، إذ أصبح تناول العشاء في الخارج النشاطَ الترفيهي الأكثر شعبية بين النخبة الدمشقية لتمضية الوقت. منذ عقدين فقط، كان ارتياد المطاعم يقتصر على الأجانب والمسافرين والطلاب٣، فقد درج الدمشقيون على الحط من قدر جودة ونظافة مطاعمهم. وكان تناول الطعام نشاطًا منزليًّا ومتمحورًا حول الأسرة. صارت المطاعم الآن محورية لتجربة الماضي والحاضر، القريب والبعيد، أن تشاهد الآخرين وأن يشاهدوك، أن تكون وأن تُصْبح. إنها موضع الثقافة المحلية الجديدة.

تشكل المطاعم وأشكالٌ ثقافية أخرى جديدة نسبيًّا على الشرق الأوسط مواضعَ تتم فيها إعادة ابتكار التراث. يقدِّم مفهومُ «الثقافة العامة»، كما طوّرته المجلة الرائدة التي تحمل الاسم نفسه، إطارًا مفيدًا. تهتم دراسات الثقافة العامة بالإنتاج والتلقّي المحلي للأشكال الثقافية العابرة للحدود الوطنية، وغالبًا في سياقات مدينية غير غربية. وكما يشير كلّ من كارول بريكيريدج وأرغون أبادوراي: «تبنّت أجزاء كثيرة من العالم اللاغربي أشكالَ التمثيل التكنولوجي والاستهلاك والتسليع التي كُيّفت لتناسب خصائص تقاليدها والطرق التي تعاود بها نخبُها المحلية بناءَ هذه التقاليد» (1988 ,1). أودّ أن أضيف أن ما يحصل في دمشق ليس مجرد دمج للتراث المحلي مع شكل غربي، بل بناء للمحلي تمامًا. وبينما ينطوي بناء الهوية على استهلاك أشكال ثقافية كوزموبوليتية، فإن هذه تُنتج محليًّا وتحوّل محليًّا.

مسلسلات التلفزيون والأصالة

إن التلفزيون هو الشيء الأكثر والأسهل توافرًا من هذه الأشكال. ففي النصف الأول من شهر الصيام رمضان عام ١٩٩٣ بث التلفزيون السوري مسلسلاً دراميًّا من ١٥ حلقة بعنوان «أيام شامية» من إخراج بسام الملا. قيل إن هذا المسلسل الذي استُلهم من المسلسل المصري «ليالي الحلمية» الذي حقق نجاحًا لافتًا، كان أول مسلسل يصور الحياة الاجتماعية في دمشق في أواخر المرحلة العثمانية (١٩١٠)٤. قيل أيضًا إنه أول مسلسل من نوعه يخلو من حبكة قوية ولا يركز على السياسة. حاول مسلسل «أيام شامية» أن يصور الحياة اليومية في حي غير مُسمّى في المدينة القديمة، وركّز على العلاقات العائلية والمشاكل بين الجيران والإدارة المحلية، وصوّر بعناية العادات والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاجتماعية المهمة.

كان مسلسل «أيام شامية» حدث العام الإعلامي. من الصعب المبالغة في تقدير مدى مشاهدة المسلسل ومناقشته. يتلقى معظم المنازل في دمشق قناتين تلفزيونيتين فقط: «القناة الأولى» التي بثّت المسلسل، و«القناة الثانية» التي تبث برامج باللغة الأجنبية٥. تنتج سورية الكثير من المسلسلات الدرامية التلفزيونية ذات الميزانية المنخفضة كلّ عام، لكن العروض المهمة ذات التمويل العالي تُبث أثناء شهر رمضان٦. عُرض مسلسل «أيام شامية» أثناء ما يمكن أن يُدْعى وقت الذروة في رمضان، الساعة التي تلي بداية الإفطار، وهو الوقت الذي يسترخي فيه معظم الناس في المنازل مع عائلاتهم بعد تناول أول وجبة طعام في اليوم. تُفتح أجهزة التلفزيون على المسلسل حتى في حضور أعداد كبيرة من الضيوف. ولقد أثار مسلسل «أيام شامية» جدلاً محتدمًا في الإعلام وفي الأحاديث. وبثّ التلفزيون السوري أيضًا نقاشًا استمر ساعتين تم تصويره في منزل دمشقي قديم وشاركت فيه أسرة الإنتاج كلها.

انقسمت تقييمات المسلسل بعامّة على طول خطوط متنبّأ بها: فالأشخاص المتحدّرون من أصل دمشقي كانوا متحمسين، بينما تسلسلت ردود غير الدمشقيين من عدم اهتمام خفيف إلى معارضة شديدة. وتركز معظم النقاشات على مسألة الأصالة. قال النقاد إن المسلسل نقّى الحياة في المدينة القديمة من الشوائب وأضفى طابعًا رومانسيًّا عليها، مموّهًا أو مخففًا من الفروق الاقتصادية والاجتماعية. في مسلسل «أيام شامية» يمتلك كلّ من التاجر وبائع الحمّص أثاثًا مرصّعة بالصدف، ويتمتع جميع الشخصيات بمواصفات إيجابية، باستثناء الجنود الأتراك المتوحشين والمهرّجين. قيل إن حتى الشخصيات التركية، التي تظهر لوقت وجيز فقط كي تعتقل هاربًا أو تغتصب ابنة بائع السندويش، كان يجب أن تُصور بقسوة أكبر. وشدّد الداعمون على أصالة الحوار، الذي كان غنيًّا بالمفردات القديمة، وعلى الديكور الذي ضم أثاثًا مرصعًا ومنتجات محلية أخرى وعادات اجتماعية كتلك المتصلة بالزواج. أما بالنسبة للإهمال المفترض للفروق الطبقية، فقد قال محبّو المسلسل إن الفروق الاجتماعية في ذلك الوقت كانت أقل حدّة مما هي عليه الآن.

احتلت دمشق القديمة مرة ثانية فترة بث التلفزيون السوري بعد الإفطار في رمضان ١٩٩٤، بمسلسل «علاء الدين كوكش» المؤلف من ٣٠ حلقة، «أبو كامل – الجزء الثاني». إن هذا المسلسل غير الناجح، المتمم لمسلسل «أبو كامل» المشهور الذي تدور أحداثه في حي من المدينة القديمة أثناء الأيام الأخيرة للانتداب الفرنسي، انتقدتْه بشدّة أوساط عديدة، خاصةً بين الدمشقيين. اعتقد كثيرون أنه ممطوط وغريب وبليد. وعلى عكس مسلسل «أيام دمشقية» الذي قدم حيًّا من دمشق القديمة غاضبًا من الأتراك، يصوّر مسلسل «أبو كامل – الجزء الثاني» الدمشقيين كخوَنة تعاونوا مع الفرنسيين وتقاتلوا في ما بينهم. بُث مسلسل آخر في وقت لاحق لنجدت إسماعيل أنزور هو «نهاية رجل شجاع» صوّرَ شعب بانياس، وهي مدينة ساحلية قاتل أبناؤها معًا ضد القوات الفرنسية. استمد المسلسل أحداثه من رواية للكاتب السوري حنا مينة بعنوان «نهاية رجل شجاع»، وحظي بمديح كبير في دوائر كثيرة بسبب حبكته المحكمة وكلفة إنتاجه العالية وتصويره أيضًا لماضٍ شجاع ونبيل توحّد فيه الجميع.

تمايزات اجتماعية جديدة

اختفى كثير من الأشكال الأقدم للتمييز الاجتماعي وحَل محلها الاستهلاك فحسب. لم يعد يُنظر إلى التعليم العالي كعلامة مهمة في التميز الاجتماعي بالنسبة للنخبة، أو كوسيلة يُعتمد عليها من أجل الارتقاء نحو الأعلى بالنسبة للفقراء. لقد أثّر فتحُ الجامعات السورية في جودة التعليم، فمعظم الطلاب المتخرجين لا يتمتعون بالخبرة. وفي الوقت نفسه، إن أجور التعليم المنخفضة ومعايير القبول الأقل صرامة جعلت التعليم العالي أكثر توافرًا، مما أنهى المكانة التي ارتبطت مرةً بالشهادة الجامعية. ينطبق الأمر نفسه على الشهادات من الجامعات الغربية، بعد أن صار أولاد الطبقات المالية الجديدة الآخذة في الاتساع قادرين على الحصول عليها بسهولة. ويشجّعُ بعض العائلات من الطبقة المتوسطة العليا أبناءها على تجنب الجامعة والذهاب مباشرةً إلى أعمال العائلة. ولم يعدْ للقب دكتور الرنين العميق نفسه.

إن مواصفات ثقافة النخبة الغربية (معرفة الحركات الحالية في الأداء والفنون البصرية، المسرح والأوبرا وارتياد السينما، زيارة المتحف وصالات الفن التشكيلي، قراءة الروايات الفنية رفيعة المستوى) لا تشكل رأس مال ثقافيًّا في المناطق العليا من المجتمع الدمشقي، كما تفعل في فرنسا زمن بورديو (١٩٨٤). إن الأجانب (الدبلوماسيون وموظفو شركات النفط) هم في الحقيقة رعاة الفن الوحيدون. وغالبًا ما يشكل الجزءُ الأكثر فقرًا من الجماعة الفنية الجمهورَ وجمهورَ القراء للإنتاج المحلي الثقافي الرفيع. وتتكرر الوجوه نفسها في جميع المناسبات الفنية رفيعة المستوى: في الحفلات والمسرحيات والأفلام وافتتاح المعارض. ومن المفارقات أن الإعلام الجماهيري كالتلفزيون يربط أوسع الجماهير ببضعة منتجين يرفعهم نجاحهم إلى عضوية شرف في النخبة الاجتماعية.

يجري استعراض الثروة في فنادق النخبة والمطاعم الفاخرة وحفلات الخطوبة والزفاف والجنازات ومناسبات أخرى مهمة. إن الممارسات الاستهلاكية للنخبة غالبًا ما تميّز تمثيلات دمشق القديمة، أو على الأقل التلميحات إلى أشكال أقدم من الحياة الاجتماعية: المقاهي التي تستلهم فكرة دمشق القديمة، وعربات الزفاف عتيقة الطراز التي تجرّها الخيول والإفطارات والسحورات في المطاعم الفاخرة. وكان حفل الزفاف الذي حظي بالحديث الأكبر في موسم ١٩٩٥ هو الذي نظّمه نجدت إسماعيل أنزور، مخرج «نهاية رجل شجاع»، والذي صوّر فيه العروس وهي تدخل «الشيراتون» على ظهر جمل.

إن إعادة البناء في دمشق القديمة كعلامات على المكانة وكرمز للثقافة الوطنية صارت محورية لتجربة الحداثة في سورية. وكما يشير دانييل ميلر (Miller, 1995, 4) بلغة أكثر شمولاً، إن كثيرًا من الفئات الاجتماعية حول العالم تتشكّل الآن ليس من خلال أنظمة قيمة تقليدية بل من خلال تبنّي أو رفض الأشكال العالمية. إن إنتاج واستهلاك ورفض الصورة الزائفة لدمشق هي بالنسبة للسوريين المواد الأساسية لبناء الهوية.

تمثّل دمشق الأصلية القديمة التي يصورها مسلسل «أيام شامية» استهلاكًا جماهيريًّا حقيقيًّا متاحًا للجميع ومرفوضًا من البعض. لكن أولئك الذين ينتجون الأصالة للجماهير يمكن أن يكونوا أنفسهم قنوات حصرية مثل «البيانو بار»، حيث يكلف كأس المشروب ٥ دولارات والديكور خليط غرائبي من الماضي والحاضر، المحلي والأجنبي٧. وغالبًا ما تتجاهل النقاشات التي تتناول الاستخدامات المحلية للأشكال الثقافية العالمية فروقًا كهذه. وعلى مستوى الصور، صحيح أن البحث عن عودة الأصالة الدمشقية القديمة هو رحلة إلى تجربة الحداثة المدينية الشرق أوسطية: فمن المدينة القديمة نفسها (التي سيتركها معظم سكانها الذين هم من الطبقة الوسطى أو الدنيا إن استطاعوا)، إلى مفكرين وشخصيات إعلامية تزعم أنها تمثل التراث المحلي وتشكو من اللامبالاة والإحباط، إلى مَعارض وحفلات عشاء، ومكتبات وعروض تلفزيونية، إلى ذلك المكان المفضّل لدى الدمشقيين القدامى، فندق «الشيراتون»، وأخيرًا إلى اللامركزية المطلقة لـ«البيانو بار»، الذي، «لا يملك إطلاقًا أي هوية» كما عبّر أمين مكتبة.

«استوعب الشخص الذي نفذ الديكور ثقافات كثيرة. لدينا مثل معبّر: «من كلّ بستان زهرة». إن تلك الصحون التي على الجدار هولندية لكنها غير مرتّبة بطريقة هولندية. إنها للشباب الأصغر سنًّا. لا تستطيع أن تضعها في أي مكان. يقدمون قائمة طعام محدودة: الشيش طاووق الذي هو تركي والسباغيتي الإيطالية. لديهم قطعة أثرية خلف البار كانت جزءًا من القصر الأموي. إن مزيجًا كهذا لا يُعقل. والستائر! لم أرَ إطلاقًا هذا النسيج، الذي كان يُستخدم للوسائد، يُستخدم للستائر. إنهم يرتّبون الأشياء الأقدم بطريقة فنية حديثة. لدينا هذه الرغبة بأن نعيش بطريقة حديثة، لأنه على الأقل في الأثاث نستطيع أن نفعلها. في أفكارنا نحن غالبًا مقيّدون بأفكار قديمة».

والمفارقة الأخيرة أن «الأفكار القديمة» هي ذاتها الصورة المميزة للحداثة، وأن السعي وراء «دمشق القديمة» ظاهرة معاصرة.

أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة نيويورك CUNY، مؤلفة أول كتاب عن ثقافة الاستهلاك في سورية: «دمشق القديمة والحديثة. الأصالة والتمايز في سورية المدينية»،

بدايات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى