صفحات الحوار

جو معكرون: تغيُّر في السلوك الأميركي

مايكل يونغ

يناقش جو معكرون، في مقابلة معه، خصائص الموقف الأميركي المتبدّل حيال الشرق الأوسط.

جو معكرون باحث مقيم في المركز العربي في واشنطن العاصمة، تركز أبحاثه على الاستراتيجية الأميركية والعلاقات الدولية وتحليل النزاعات في الشرق الأوسط، كما يولي اهتمامًا خاصًا لبلدان المشرق العربي والعراق. عمل سابقًا كمحلل في مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، ومركز عصام فارس في لبنان، ومركز كولن باول لدراسة السياسات في كلية مدينة نيويورك. إضافةً إلى كونه صحافيًا سابقًا، عمل أيضًا مستشارًا لصندوق النقد الدولي حول الانخراط العام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي مناصب عدّة في منظومة الأمم المتحدة. أجرت “ديوان” مقابلة معه في منتصف تشرين الأول/أكتوبر للاطلاع على وجهة نظره حول أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في عهد بايدن، ولا سيما في سورية.

مايكل يونغ: اتّخذت الولايات المتحدة مؤخرًا موقفًا أكثر تساهلًا حيال سورية من خلال عدم الاعتراض على خطة إرسال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر خط أنابيب يمرّ في الأردن وسورية. كيف تقيّم الموقف الأميركي من سورية، وهل يشهد تغييرًا فيما يبدو نظام الأسد باقيًا اليوم؟

جو معكرون: لا يملك الرئيس جو بايدن سياسة محددة حيال سورية، تمامًا كحال الرئيس السابق دونالد ترامب. فمنذ التدخل الروسي في سورية في العام 2015، تمثّل النهج الذي اعتمدته الولايات المتحدة في التواصل مع موسكو أو الضغط عليها لكبح النفوذ الإيراني في سورية والتخلّص من الرئيس بشار الأسد. ويبدو واضحًا أن هذا النهج قد فشل. فالولايات المتحدة تسعى الآن إلى الانخراط في لعبة طويلة الأمد في سورية، عبر الاحتفاظ بوجود طفيف في شمال شرق البلاد من خلال قوات سورية الديمقراطية، والإبقاء على العقوبات التي فرضتها على الأسد ريثما تُبدي روسيا استعدادًا لتقديم تنازلات بشأن إنهاء الصراع.

يُعدّ الفرق بين سياسة كلٍّ من ترامب وبايدن في سورية تكتيكيًا وليس استراتيجيًا. فترامب رفض بشكل قاطع أي تطبيع للعلاقات بين دول الخليج والأسد، وفضلّت الأنظمة العربية تجنُّب الوقوف في وجهه. أما إدارة بايدن في المقابل فموقفها أقل حدةً وتوّجه رسائل متباينة. فهي لا تبدي اعتراضًا على الانخراط المحدود مع الأسد شرط ألا يشكّل ذلك انتهاكًا صارخًا لقانون قيصر الأميركي الذي صُمِّم لمعاقبة النظام السوري على جرائم الحرب التي ارتكبها. ويُعتبر ذلك بمثابة غصن زيتون ممدود لموسكو على وقع تقدّم المحادثات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي انطلقت بعد قمة بايدن وبوتين، وشملت الملف السوري. مع ذلك، يجب ألا ننسى أن ترامب وافق أيضًا على منح العراق إعفاء من العقوبات الأميركية من أجل استيراد الغاز الإيراني، لذا لا يمكن اعتبار موقف بايدن حيال مسألة خط أنابيب الغاز العربي إلى لبنان تحولًا كبيرًا في السياسة العامة. إضافةً إلى ذلك، سيواصل موقف واشنطن تبدّلًه التدريجي لأن خياراتها في سورية محدودة ببساطة. لكن السؤال الأساسي لا يزال هو نفسه: ما الأكلاف التي تبدو موسكو مستعدة لتكبّدها مقابل إنهاء الصراع السوري، وإلى أي درجة ستكون الولايات المتحدة مرنة؟ في هذا السياق، ثمة حاليًا عودة أميركية إلى شعار تغيير سلوك الأسد، ما يشي بأن واشنطن تتوقّع ضغطًا روسيًا على الأسد لتقديم تنازلات من أجل حلّ النزاع. برأيي، إن مستقبل الأسد يعتمد إلى حدّ كبير على هذه المبادرة الأميركية الروسية للتوصل إلى اتفاق.

يونغ: سلّط انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الضوء على أن الإدارة الأميركية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، تبدو شديدة الحرص على الحدّ من وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط الأوسع. انطلاقًا من هذا التفكير، كيف تقرأ مصير الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق؟

معكرون: يُعتبر الوجود الأميركي في سورية، على عكس الوضع في أفغانستان، فعّالًا من حيث الكلفة ويتركز في منطقة جغرافية محدّدة، ويشمل لعب دور استشاري لصالح قوات سورية الديمقراطية المنظّمة تنظيمًا جيّدًا، فضلًا عن توفير غطاء جوي بالطائرات المسيّرة عند الضرورة. وما لم يصبح هذا الوجود عبئًا، لا يمكن أن نتوقّع تحولًا في السياسة الأميركية على المدى القصير. مع ذلك، تساور قوات سورية الديمقراطية مخاوف على المدى الطويل حيال السيناريوهات المحتمل حدوثها، وهي تعمل على وضع خطط احتياطية في هذا السياق.

مؤخرًا، عمدت إدارة بايدن إلى اتّخاذ خطوات مهمة لطمأنة قوات سورية الديمقراطية حيال التزام الولايات المتحدة في سورية بعد انسحابها من أفغانستان. حتى الآن، لا تزال الإدارة الأميركية عازمة على الحفاظ على وجود عسكري في البلاد، إذ تمّ تنظيمه بطريقة تسهل إدارته والتحكم به. لكن على المستوى السياسي، ليست هناك رؤية أميركية واضحة حول كيفية حماية هذا الوجود العسكري في المدى المتوسط أو التخطيط لاستراتيجية خروج في نهاية المطاف.

يونغ: خطا الأردن خطوات سريعة على مسار تحسين العلاقات مع نظام الأسد، ويبدو أن مصر والجزائر والعراق والإمارات ولبنان تحذو كلها حذوه. كيف تتوقع سير العلاقات بين الدول العربية عمومًا وسورية خلال العام المقبل؟

معكرون: يُبدي عددٌ متزايد من الأنظمة العربية استعداده للانخراط مع نظام الأسد، كل لأسبابه الخاصة والمختلفة. فعلى سبيل المثال، يمتلك كلٌّ من الأردن والعراق ولبنان دوافع محلية، فيما تسعى السعودية والإمارات إلى ردع النفوذ الإيراني والتركي. إضافةً إلى ذلك، لا تتشارك هذه الأنظمة العربية مع بايدن العلاقة نفسها التي جمعتها بترامب، لذا تبدو مستعدة للتقرّب من روسيا حيال الشأن السوري. وما قد يحثّها على اتخاذ هكذا خطوة هو أن إدارة بايدن لم تقدّم بديلًا، ولم تطلق تحذيرات واضحة ضدّ تطبيع العلاقات مع الأسد كما فعلت إدارة ترامب. أعتقد أن قطار التطبيع العربي قد انطلق، وما يمكن أن تفعله إدارة بايدن الآن هو الحؤول دون ذهاب هذا المسار بعيدًا والتأكد من ألّا تضفي هذه الخطوات شرعية دولية إلى بشار الأسد. وبغض النظر عن النهج الذي تتبعه إدارة بايدن، ينبغي أن تكون أكثر استباقيةً في سياستها حيال سورية.

يونغ: يرى كثيرون في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة تسحب يدها من المنطقة، بيد أن المسؤولين الأميركيين يصرّون على العكس، بل يعتبرون أن جلّ ما تفعله الإدارة الأميركية هو تقليص التزاماتها العسكرية. لكن حتى لو افترضنا أن هذا الأمر صحيح، يحمل هذا السلوك دلالة بالغة ويُحدث تحولات في المنطقة. هل بإمكانك شرح وقع هذه الرؤية الأميركية الجديدة تجاه المنطقة وما تفرزه من تأثيرات؟

معكرون: هناك تعب أميركي واضح من الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد. لقد أقدم الرئيس الأسبق باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران بهدف تسهيل تحوّل اهتمام واشنطن نحو آسيا، في ظل حرص المنظومة السياسية الأميركية على تحويل مواردها بعيدًا عن المنطقة لمواجهة الصين وروسيا عالميًا. لكن الشرق الأوسط يعود في كل مرة ليطرق باب البيت الأبيض. وقد حظي قادة المنطقة بدللٍ استثنائي في عهد ترامب الذي تبنّى نهجًا انتهازيًا يخدم مصالحه الخاصة. لكن يبدو أن إدارة بايدن تعيد الأمور إلى حالتها الطبيعية المعهودة، وعلى القادة العرب التأقلم مع رئيس أميركي غير مهتّم بالانخراط معهم ما لم يكن ذلك ضروريًا. إذًا، ستحافظ إدارة بايدن على المسار الراهن للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. صحيحٌ أنها قد تعمد إلى تغيير تكتيكاتها، إلا أن هدفها سيبقى متمثّلًا في الحفاظ على الوجود والنفوذ الأميركيين، وتجنّب خوض مواجهة مع قوى أخرى، وإدارة الصراعات المحلية. مع ذلك، ونظرًا إلى غياب أي استراتيجية أميركية متماسكة أو خواتيم واضحة، ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها عرضةً للتأثّر بالديناميكيات الإقليمية المتغيّرة وبالسياسات الأميركية الداخلية المتقلبّة.

يونغ: يُعتبر تجديد الاتفاق النووي مع إيران من الوسائل التي ترغب واشنطن في استخدامها تحضيرًا لانسحابها من المنطقة. ما مصير هذه المفاوضات برأيك؟

معكرون: لا مفر من الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران لأنه أمر يرغب فيه الجانبان. إنها مسالة وقت قبل أن تضع طهران حدًّا لموقفها المتعالي، لأن البديل هو استمرار تدهور الوضع الاقتصادي الذي لم يعد النظام الإيراني قادرًا على تحمّله. وعلى غرار أوباما، يرى بايدن أن تجديد الاتفاق سيساعد على لجم البرنامج النووي الإيراني وتوفير بيئة أقل عدائية للقوات الأميركية في العراق، ما قد يخفف من الضغوط على الوجود الأميركي الأكبر في الشرق الأوسط. إضافةً إلى ذلك، من المتوقّع أن تستمر الخصومة بين الولايات المتحدة وإيران، كما نرى راهنًا في لبنان والعراق. لا ينبغي تفسير الاتفاق النووي على أنه شكل من أشكال فك الارتباط الأميركي مع المنطقة، بل هو محاولة لإدارة النزاع الدائر مع إيران والتخفيف من حدّته.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

جو معكرون: تغيُّر في السلوك الأميركي

مايكل يونغ

يناقش جو معكرون، في مقابلة معه، خصائص الموقف الأميركي المتبدّل حيال الشرق الأوسط.

جو معكرون باحث مقيم في المركز العربي في واشنطن العاصمة، تركز أبحاثه على الاستراتيجية الأميركية والعلاقات الدولية وتحليل النزاعات في الشرق الأوسط، كما يولي اهتمامًا خاصًا لبلدان المشرق العربي والعراق. عمل سابقًا كمحلل في مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، ومركز عصام فارس في لبنان، ومركز كولن باول لدراسة السياسات في كلية مدينة نيويورك. إضافةً إلى كونه صحافيًا سابقًا، عمل أيضًا مستشارًا لصندوق النقد الدولي حول الانخراط العام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي مناصب عدّة في منظومة الأمم المتحدة. أجرت “ديوان” مقابلة معه في منتصف تشرين الأول/أكتوبر للاطلاع على وجهة نظره حول أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في عهد بايدن، ولا سيما في سورية.

مايكل يونغ: اتّخذت الولايات المتحدة مؤخرًا موقفًا أكثر تساهلًا حيال سورية من خلال عدم الاعتراض على خطة إرسال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر خط أنابيب يمرّ في الأردن وسورية. كيف تقيّم الموقف الأميركي من سورية، وهل يشهد تغييرًا فيما يبدو نظام الأسد باقيًا اليوم؟

جو معكرون: لا يملك الرئيس جو بايدن سياسة محددة حيال سورية، تمامًا كحال الرئيس السابق دونالد ترامب. فمنذ التدخل الروسي في سورية في العام 2015، تمثّل النهج الذي اعتمدته الولايات المتحدة في التواصل مع موسكو أو الضغط عليها لكبح النفوذ الإيراني في سورية والتخلّص من الرئيس بشار الأسد. ويبدو واضحًا أن هذا النهج قد فشل. فالولايات المتحدة تسعى الآن إلى الانخراط في لعبة طويلة الأمد في سورية، عبر الاحتفاظ بوجود طفيف في شمال شرق البلاد من خلال قوات سورية الديمقراطية، والإبقاء على العقوبات التي فرضتها على الأسد ريثما تُبدي روسيا استعدادًا لتقديم تنازلات بشأن إنهاء الصراع.

يُعدّ الفرق بين سياسة كلٍّ من ترامب وبايدن في سورية تكتيكيًا وليس استراتيجيًا. فترامب رفض بشكل قاطع أي تطبيع للعلاقات بين دول الخليج والأسد، وفضلّت الأنظمة العربية تجنُّب الوقوف في وجهه. أما إدارة بايدن في المقابل فموقفها أقل حدةً وتوّجه رسائل متباينة. فهي لا تبدي اعتراضًا على الانخراط المحدود مع الأسد شرط ألا يشكّل ذلك انتهاكًا صارخًا لقانون قيصر الأميركي الذي صُمِّم لمعاقبة النظام السوري على جرائم الحرب التي ارتكبها. ويُعتبر ذلك بمثابة غصن زيتون ممدود لموسكو على وقع تقدّم المحادثات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي انطلقت بعد قمة بايدن وبوتين، وشملت الملف السوري. مع ذلك، يجب ألا ننسى أن ترامب وافق أيضًا على منح العراق إعفاء من العقوبات الأميركية من أجل استيراد الغاز الإيراني، لذا لا يمكن اعتبار موقف بايدن حيال مسألة خط أنابيب الغاز العربي إلى لبنان تحولًا كبيرًا في السياسة العامة. إضافةً إلى ذلك، سيواصل موقف واشنطن تبدّلًه التدريجي لأن خياراتها في سورية محدودة ببساطة. لكن السؤال الأساسي لا يزال هو نفسه: ما الأكلاف التي تبدو موسكو مستعدة لتكبّدها مقابل إنهاء الصراع السوري، وإلى أي درجة ستكون الولايات المتحدة مرنة؟ في هذا السياق، ثمة حاليًا عودة أميركية إلى شعار تغيير سلوك الأسد، ما يشي بأن واشنطن تتوقّع ضغطًا روسيًا على الأسد لتقديم تنازلات من أجل حلّ النزاع. برأيي، إن مستقبل الأسد يعتمد إلى حدّ كبير على هذه المبادرة الأميركية الروسية للتوصل إلى اتفاق.

يونغ: سلّط انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الضوء على أن الإدارة الأميركية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، تبدو شديدة الحرص على الحدّ من وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط الأوسع. انطلاقًا من هذا التفكير، كيف تقرأ مصير الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق؟

معكرون: يُعتبر الوجود الأميركي في سورية، على عكس الوضع في أفغانستان، فعّالًا من حيث الكلفة ويتركز في منطقة جغرافية محدّدة، ويشمل لعب دور استشاري لصالح قوات سورية الديمقراطية المنظّمة تنظيمًا جيّدًا، فضلًا عن توفير غطاء جوي بالطائرات المسيّرة عند الضرورة. وما لم يصبح هذا الوجود عبئًا، لا يمكن أن نتوقّع تحولًا في السياسة الأميركية على المدى القصير. مع ذلك، تساور قوات سورية الديمقراطية مخاوف على المدى الطويل حيال السيناريوهات المحتمل حدوثها، وهي تعمل على وضع خطط احتياطية في هذا السياق.

مؤخرًا، عمدت إدارة بايدن إلى اتّخاذ خطوات مهمة لطمأنة قوات سورية الديمقراطية حيال التزام الولايات المتحدة في سورية بعد انسحابها من أفغانستان. حتى الآن، لا تزال الإدارة الأميركية عازمة على الحفاظ على وجود عسكري في البلاد، إذ تمّ تنظيمه بطريقة تسهل إدارته والتحكم به. لكن على المستوى السياسي، ليست هناك رؤية أميركية واضحة حول كيفية حماية هذا الوجود العسكري في المدى المتوسط أو التخطيط لاستراتيجية خروج في نهاية المطاف.

يونغ: خطا الأردن خطوات سريعة على مسار تحسين العلاقات مع نظام الأسد، ويبدو أن مصر والجزائر والعراق والإمارات ولبنان تحذو كلها حذوه. كيف تتوقع سير العلاقات بين الدول العربية عمومًا وسورية خلال العام المقبل؟

معكرون: يُبدي عددٌ متزايد من الأنظمة العربية استعداده للانخراط مع نظام الأسد، كل لأسبابه الخاصة والمختلفة. فعلى سبيل المثال، يمتلك كلٌّ من الأردن والعراق ولبنان دوافع محلية، فيما تسعى السعودية والإمارات إلى ردع النفوذ الإيراني والتركي. إضافةً إلى ذلك، لا تتشارك هذه الأنظمة العربية مع بايدن العلاقة نفسها التي جمعتها بترامب، لذا تبدو مستعدة للتقرّب من روسيا حيال الشأن السوري. وما قد يحثّها على اتخاذ هكذا خطوة هو أن إدارة بايدن لم تقدّم بديلًا، ولم تطلق تحذيرات واضحة ضدّ تطبيع العلاقات مع الأسد كما فعلت إدارة ترامب. أعتقد أن قطار التطبيع العربي قد انطلق، وما يمكن أن تفعله إدارة بايدن الآن هو الحؤول دون ذهاب هذا المسار بعيدًا والتأكد من ألّا تضفي هذه الخطوات شرعية دولية إلى بشار الأسد. وبغض النظر عن النهج الذي تتبعه إدارة بايدن، ينبغي أن تكون أكثر استباقيةً في سياستها حيال سورية.

يونغ: يرى كثيرون في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة تسحب يدها من المنطقة، بيد أن المسؤولين الأميركيين يصرّون على العكس، بل يعتبرون أن جلّ ما تفعله الإدارة الأميركية هو تقليص التزاماتها العسكرية. لكن حتى لو افترضنا أن هذا الأمر صحيح، يحمل هذا السلوك دلالة بالغة ويُحدث تحولات في المنطقة. هل بإمكانك شرح وقع هذه الرؤية الأميركية الجديدة تجاه المنطقة وما تفرزه من تأثيرات؟

معكرون: هناك تعب أميركي واضح من الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد. لقد أقدم الرئيس الأسبق باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران بهدف تسهيل تحوّل اهتمام واشنطن نحو آسيا، في ظل حرص المنظومة السياسية الأميركية على تحويل مواردها بعيدًا عن المنطقة لمواجهة الصين وروسيا عالميًا. لكن الشرق الأوسط يعود في كل مرة ليطرق باب البيت الأبيض. وقد حظي قادة المنطقة بدللٍ استثنائي في عهد ترامب الذي تبنّى نهجًا انتهازيًا يخدم مصالحه الخاصة. لكن يبدو أن إدارة بايدن تعيد الأمور إلى حالتها الطبيعية المعهودة، وعلى القادة العرب التأقلم مع رئيس أميركي غير مهتّم بالانخراط معهم ما لم يكن ذلك ضروريًا. إذًا، ستحافظ إدارة بايدن على المسار الراهن للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. صحيحٌ أنها قد تعمد إلى تغيير تكتيكاتها، إلا أن هدفها سيبقى متمثّلًا في الحفاظ على الوجود والنفوذ الأميركيين، وتجنّب خوض مواجهة مع قوى أخرى، وإدارة الصراعات المحلية. مع ذلك، ونظرًا إلى غياب أي استراتيجية أميركية متماسكة أو خواتيم واضحة، ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها عرضةً للتأثّر بالديناميكيات الإقليمية المتغيّرة وبالسياسات الأميركية الداخلية المتقلبّة.

يونغ: يُعتبر تجديد الاتفاق النووي مع إيران من الوسائل التي ترغب واشنطن في استخدامها تحضيرًا لانسحابها من المنطقة. ما مصير هذه المفاوضات برأيك؟

معكرون: لا مفر من الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران لأنه أمر يرغب فيه الجانبان. إنها مسالة وقت قبل أن تضع طهران حدًّا لموقفها المتعالي، لأن البديل هو استمرار تدهور الوضع الاقتصادي الذي لم يعد النظام الإيراني قادرًا على تحمّله. وعلى غرار أوباما، يرى بايدن أن تجديد الاتفاق سيساعد على لجم البرنامج النووي الإيراني وتوفير بيئة أقل عدائية للقوات الأميركية في العراق، ما قد يخفف من الضغوط على الوجود الأميركي الأكبر في الشرق الأوسط. إضافةً إلى ذلك، من المتوقّع أن تستمر الخصومة بين الولايات المتحدة وإيران، كما نرى راهنًا في لبنان والعراق. لا ينبغي تفسير الاتفاق النووي على أنه شكل من أشكال فك الارتباط الأميركي مع المنطقة، بل هو محاولة لإدارة النزاع الدائر مع إيران والتخفيف من حدّته.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button