ماهي ترتيبات المرحلة المقبلة في سورية -مقالات مختارة-
آخر المقالات والتحليلات المضافة في نهاية المقال -محدث بشكل يومي-
—————————-
سورية .. ترتيبات المرحلة المقبلة/ مروان قبلان
فيما يشتدّ تفشّي وباء كورونا في مناطق شمال غرب سورية، تتجه الأنظار إلى القمة الروسية – التركية التي تعقد في سوتشي، في وقت لاحق من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، على وقع تصعيد روسي يهدف إلى فرض وقائع جديدة في المنطقة الأخيرة من مناطق ما يسمّى “خفض التصعيد”. إذ تعمد موسكو، بعد أن أحكمت قبضتها على مناطق الداخل، إلى وضع ترتيبات خاصة بالمناطق الطرفية (الحدودية) التي تقع خارج سيطرتها، في إطار تفاهمات ثنائية أو متعدّدة الأطراف مع دول الجوار. في جنوب غرب البلاد، تمكّنت موسكو، بالتنسيق مع الأردن (وإسرائيل)، من إنهاء العمل باتفاق 2018، وإعادة المنطقة إلى سيطرة النظام، تمهيداً لإعادة فتح الحدود كلياً مع الأردن والاستعداد لتنفيذ اتفاق نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سورية، والذي أجازته الولايات المتحدة.
وما إن أنهت موسكو ترتيب الأوضاع في جنوب غرب البلاد، حتى انتقل تركيزها إلى الشمال الذي تحكمه معادلات قوة مختلفة، والمرشّح لتطورات مهمة في المدى المنظور. في الشمال الغربي، تسعى روسيا الى إلزام تركيا بفتح الطريق الدولي “إم 4” الذي يربط بين حلب واللاذقية، بموجب اتفاق الخامس من مارس/ آذار 2020، ودفع قوات المعارضة إلى شمال الطريق. وتحاول روسيا هنا على ما يبدو تكرار سيناريو السيطرة على طريق “إم 5” الرابط بين حماة وحلب، مطلع عام 2020، إذا فشلت قمة سوتشي في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن. تبدو أهداف روسيا في هذه المرحلة محدودة، فهي على الأرجح لن تغامر بمعركةٍ شاملةٍ في إدلب تكون مكلفة سياسياً وعسكرياً، تضعها في مواجهةٍ مباشرة مع تركيا، كما حصل مطلع عام 2020، وتقوض الحوار الروسي – الأميركي الذي نجح في شهر يوليو/ تموز الماضي، بعد قمة بوتين – بايدن في جنيف، في الاتفاق على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى، كما أن حملة كبيرة في إدلب ستعرض العلاقات الروسية – الأوروبية لمزيد من التدهور، إذا حصلت موجة لجوء جديدة، فيما يصارع الجميع لاحتواء وباء كورونا. خلاف ذلك لا تريد روسيا، على ما يبدو، ولا هي مستعدّة، أقله الآن، لتحمل مسؤولية نحو أربعة ملايين سوري يعيشون في مناطق الشمال الغربي، فيما يمكن إبقاء العبء ملقىً على كاهل الأتراك والأمم المتحدة.
في الشمال الشرقي، تبدو الترتيبات أعقد قليلاً بالنسبة إلى الروس، بسبب وجود “جار” إضافي كبير، هو الولايات المتحدة، إلى جانب تركيا طبعاً. وفيما تتفق روسيا وتركيا في رغبتهما فدفع الولايات المتحدة للخروج من المنطقة، روسيا لأنها تريد عودة النظام ووضع يدها على ثروات المنطقة (نفط – غاز – قمح – قطن… إلخ)، حيث تسعى تركيا إلى القضاء على مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعدّها فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل الانفصال في تركيا، فإنهما تختلفان على كل شيء آخر تقريباً. بالمثل، تختلف “قسد” والمعارضة السورية جوهرياً في الرؤى والمواقف، إلا أنهما تتمسّكان ببقاء الأميركيين في المنطقة.
وعلى الرغم من غياب ضغوط داخلية أو على الأرض، كما في أفغانستان، لسحب نحو 900 جندي أميركي من شرق سورية، إلا أن هذا الاحتمال لا يمكن شطبه نهائياً، في ظل توجه واشنطن إلى التركيز كلياً تقريباً على الصين. إذا حصل هذا، من غير الواضح الطرف الذي سيعمد الأميركيون إلى التنسيق معه لملء الفراغ، وتولي مهمة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشرق السوري: “الحليف” التركي الذي سيبطش بالأكراد، وقد كانوا ذراع واشنطن في محاربة “داعش”، ولهم أصدقاء كثر في إدارة بايدن، أم “الخصم” الروسي الذي يمكن لواشنطن أن تضمن معه للأكراد نوعاً ما من لامركزية إدارية في مناطقهم. هذه الهواجس هي ما دعت قيادة مجلس سورية الديموقراطية (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، والتنظيم الكردي الأبرز في مناطق شرق الفرات، إلى زيارة موسكو وفتح الأبواب معها، استباقاً لأي تطورات محتملة بهذا الاتجاه، بدل الاستمرار في الرهان على وفاء “الحليف” الأميركي، وانتظار اتضاح مصيرها في بازار المفاوضات الثلاثية الجارية بين موسكو وواشنطن وأنقرة، كما تفعل المعارضة السورية القابعة في إسطنبول، وغيرها، بانتظار معجزةٍ تنقذها من مصيرٍ يبدو، وفق أدائها، بائساً محتوماً.
العربي الجديد
———————————
سوريا في قلب التحولات الإقليمية/ مهند الحاج علي
إلى هذه اللحظة، من الصعب التفكير في صراع بين القوى الإقليمية والدولية حتى، لم يُترجم بعد على الأرض في سوريا، وهي أيضاً مسقط رأس تحولات إقليمية جديدة ما زالت قيد الاختبار.
سوريا اليوم في قلب المحاولات الإسرائيلية لاحتواء ما تعتبره “تهديداً ايرانياً”، وهذا نراه جلياً في القصف المتواصل لمنع طهران من بناء قواعد أو تهريب أسلحة نوعية لميليشياتها. وأيضاً سوريا اليوم مسرح أساسي للصراع بين تركيا وروسيا، ولآليات التفاهم والتواصل بينهما. الصين تعتبر مواجهة “الحزب الإسلامي التركستاني” أولوية أمنية وجيوسياسية لها، بما أن التنظيم درّب ويُدرّب آلاف المقاتلين ممن قد يُشكلون تهديداً مستقبلياً لأمن بكين ومصالحها في المنطقة. هذا الحزب الناشط برعاية تركية غير مُعلنة، أيضاً تهديد طويل الأمد لجهة تغذيته عالم الجهاديين بالعداء لبكين وسياساتها عبر منشوراته باللغة العربية وكذلك علاقاته وتحالفاته في الداخل السوري حيث حصل على وعود بمناصرة قضيته مستقبلاً لرد جميل مشاركته السخية في قتال النظام.
عدد الدول المنخرطة في النزاع السوري، تمويلاً أو تسليحاً أو قتالاً، ليس بالهين. بعض هذه الأهمية تتوزع بين الموقع الجغرافي، على ضفاف المتوسط، وكصلة بين تركيا من جهة وبقية العالم العربي، شرقاً وغرباً وجنوباً، وكمركز ديني ولاعب من الوزن الثقيل تاريخياً في المنطقة. كانت سوريا مركزاً للصراعات الإقليمية والدولية في خمسينات وستينات القرن الماضي، ومقبرة لمشاريع الوحدة العربية.
كما أسس النزاع غير المتكافئ في سوريا اليوم لمروحة من الأحداث، بدءاً بأزمة اللجوء وانعكاسها على الأردن ولبنان وتركيا، وانتهاء بتأجيج الصراعات الإقليمية والتوترات السنية-الشيعية. الأثر كان واسعاً. بيد أن من الصعب التفكير بمآلات الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، دون النظر الى أثر جرائم النظام السوري في صدم الوعي العربي، وتبديل موقع القضية الفلسطينية وارتكابات الاحتلال في قائمة الأولويات العربية. بكلام آخر، غطت ممارسات النظام السوري على قضية محقة، وبدلت الوعي العربي حيال المظالم الفلسطينية، بصفتها أقل حدة من نظيرتها السورية.
اليوم، وفي خضم التطورات المتسارعة في المنطقة، وعلى رأسها انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، هناك محاولات للتطبيع مع النظام السوري، وإعادة تعويمه محلياً واقليمياً، بصفته ممراً للاستقرار في المنطقة، وربما لأدوار طموحة اقليمياً. كبير مراسلي صحيفة الأوبزرفر البريطانية مارتن شولوف، كتب في مقال له يوم أمس أن الأردن يلعب دور الوسيط لاعادة تعويم النظام السوري كضامن للسلام في المنطقة وضمنها لبنان. ومشروع الغاز العربي الذي يمر بالأردن وسوريا، يضع النظام السوري في قلب مسعى لإيجاد حلول للبنان، وفقاً لشولوف، وبالتالي فإن النظام سيستغل هذه الوضعية للخروج من مأزقه الحالي. بكلام آخر، يلعب الأردن دوراً كوسيط بين الولايات المتحدة وأوروبا، من جهة، وبين النظام السوري، من جهة ثانية، لإيجاد مكان له في المعادلات الإقليمية. في ظل غياب دور أميركي فاعل، بإمكان حلفاء مثل الأردن ومصر لعب أدوار بالوكالة، إلى جانب الفاعلين الروسي والإيراني والتركي.
الدور الأردني بالوكالة (عن الولايات المتحدة)، بدأ للتو، وسيكون حاضراً بعد صفقة الغاز، في ملفات أساسية مثل الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، ولو كان ذلك مؤجلاً لما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس العام المقبل.
لن يلعب النظام السوري دوراً هنا، بل جُل ما يقدر أن يفعله هو التحول الى ممر، إذ أن دمشق لا تملك الاستقرار ولا القدرة اللوجستية على التحول الى لاعب إقليمي. النظام يُساوم على مكاسب داخلية وبعض الاعتراف، لكنه ما زال خفيراً في ساحة يملك فيها لاعبون كبار أوراقاً كثيرة. سوريا، ورغم وهن نظامها وتبعيته، تبقى ساحة رئيسية قد يتبلور فيها وعبرها توزع القوى الإقليمية وأدوارها.
المدن
————————————-
ألوان روسية تركية في الخريطة السورية/ سميرة المسالمة
يحسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد غد الأربعاء، التوقعات المتناقضة عن لقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. فبين متفائل بالدور التركي في حل الصراع في سورية لمصلحة المعارضة الموالية لهم في إدلب ومناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، ومن يرى أن العلاقات الروسية – التركية في تحسّن مستمر على حساب مصالح الثورة السورية، وأيضاً على حساب المعارضة بمختلف تبعياتها الإقليمية، بما فيها المتهمة بالتبعية المطلقة لحكومة أنقرة، حيث كسبت روسيا مختلف الجولات التفاوضية منذ بداية تدخّلها العسكري في سورية 2015 إلى جانب النظام السوري، وحتى آخر لقاء بين الزعيمين، ووضعت خلال اللقاءات خططا عملياتية مرحلية لاستعادة سيطرة النظام السوري على معظم الأراضي، بدءا من استعادة حلب 2016 وريف دمشق وقضم بعض القرى والمدن في إدلب لاحقاً، حتى فتح المعابر وتفعيل حركة المرور على الطرق الرئيسية M4 وM5L وصولاً إلى درعا وإطباق الحصار عليها.
واللافت في لقاءات القمة الثنائية بين الجانبين أنها تأتي في أعقاب توترات وعمليات عسكرية واسعة الأهداف المعلنة، ثم تنتهي بعد عشرات الضحايا السوريين ببيانات مشتركة روسية – تركية، ثم يحقّق من خلال ذلك النظام السوري الذي تدعم عملياته العسكرية روسيا خطوة إلى الأمام، في عملية تقليص مساحات المعارضة. ومع كل لقاء يمكن رصد تغير خريطة سورية، وتموضع القوات المتصارعة فيها من الروسية إلى الإيرانية والتركية، وكذلك الأميركية، عبر تغير تموضع القوات الكردية المدعومة منها، وما نتج عن هذه اللقاءات من تسوياتٍ، بدءا من مقايضة حلب بعملية غصن الزيتون التي كانت فاتحة أعمال الجيش التركي رسمياً داخل الحدود السورية، وصولا إلى عمليتي غصن الزيتون ونبع الفرات.
ويمكن ملاحظة أن العمليات التركية في سورية لم تلق اعتراضاً روسيا عليها، لأنها تقع ضمنياً مع خصومٍ ترى موسكو أن إزاحتهم من الطريق يمهّد لها أجواء تفاهمات دولية، سواء مع تركيا التي يسهل على موسكو الوصول إلى اتفاقياتٍ مستدامةٍ معها، أو مع الولايات المتحدة التي لم تُبد، في أي مرّة، انزعاجها من تغير خريطة سورية السيادية على يد القوات التركية، على الرغم من أنها كانت في العمليتين التركيتين، “درع الفرات” و”نبع السلام”، على حساب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الإدارة الأميركية، في حين كان شعار العملية الأولى (درع الفرات) طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من ريفي حلب الشمالي والشرقي، ما يعني أنها كانت عمليات تحت الغطاء الروسي من جهة، وتحت الغطاء الأميركي الصامت من جهة ثانية.
وتأتي زيارة أردوغان سوتشي وسط أجواء زياراته السابقة بما يتعلق بالوضع السوري، تصعيد من قوات النظام وتصريحات نارية من مسؤوليه. وعلى الجهة المقابلة، تحرّكات وتموضعات جديدة للقوات التركية، بما يوحي بقرب نشوب حربٍ كالتي جرت في بداية العام الماضي، وانتهت باتفاق وقف إطلاق نار توصل إليه الرئيسان في 5 مارس/آذار 2020 وتم الاتفاق فيه، إضافة إلى وقف إطلاق النار، على تبنّي قرار الأمم المتحدة بشأن تصنيف المنظمات الإرهابية، ومنها تصنيف جبهة النصرة التي تسيطر في شمال غرب سورية على نحو 75% من مناطق إدلب الخارجة عن سيطرة النظام.
لا يمكن فصل ما تم تسريبه من لقاء بوتين بالرئيس السوري بشار الأسد، أخيرا في موسكو، أن “المشكلة في سورية هي بسبب وجود القوات الأجنبية غير الشرعية”، عن ما يحدث من تحرّكات القوات السورية وتصريحات وزير الخارجية، فيصل المقداد، في هذا الشأن. ما يعني أن روسيا ترى ضرورة تحريك خطوط خارطة سورية من جديد، وفق استراتيجيتها التي اعتمدتها مع كل تقدّم في علاقاتها مع تركيا، وهي بذلك تستثمر مجموعة متغيرات في الواقع الدولي، منها تأزّم المجتمع الأوروبي من موجات اللجوء، وهي الورقة التي يستخدمها أردوغان في وجه أوروبا أيضاً، ومنها الصمت الأميركي تجاه الخطوات الروسية لتفعيل الحوار بين “قسد” والنظام السوري، وعدم وجود خطوط واضحة للدور الذي تريده إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في سورية، والأهم واقع اقتصاد تركيا وأمنها وحاجتها إلى موسكو كعكازة تسندها عند التقلبات الأميركية تجاهها.
ولا ترى تركيا في موسكو خصماً لها في سورية، وكذلك الحال مع إيران، تراها منافسا لها على المصالح. وبالتالي، من شأن التوصل معها إلى اتفاقٍ مرضٍ أن يجعل رسم الخريطة السياسية والجغرافية (النفوذ) أسهل على كل الأطراف المعنية، فليس من مصلحة تركية في الدفاع عن “سلاح أمير النصرة أبي محمد الجولاني” في إدلب، على الأقل تنفيذاً لاتفاق مارس 2020. ولكن أيضاً لن يكون تسليم إدلب بالحدود التي يطلبها النظام أمرا سهلا، وليس في متناول أردوغان كاملاً، وهو ما يمكن استشرافه من تحرّكات أمير “النصرة”، أخيرا، سواء بلقاءاته مع الأميركيين أو مع الأتراك. لهذا فإن وسطية الحل تقتضي باتفاق مرحلي يأخذ فيه النظام مناطق استراتيجية في إدلب، بينما تستعد تركيا لتغيير جديد في طبيعة تجمعات الفصائل المسلحة المحسوبة عليها في إدلب ومناطق نفوذها، وفي تسمية هذه التجمعات.
ويمكن أيضا الربط بين حديث رئيس النظام عن لامركزية سورية الذي يظن الكرد أنه جاء تلبية لمطالبهم لعقد تفاهات مع دمشق برعاية روسية، بينما هو يدخل كذلك في صميم المصلحة التركية المستقبلية، في حال سمحت روسيا والولايات المتحدة لأردوغان بأن يقوم بحملته العسكرية في سورية “الأخيرة” ضد مناطق “قسد” التي تقع على حدودها الجنوبية، ما يجعلها في مأمنين: ضمان إبعاد الكرد، وعدم تواصلهم الجغرافي مع أراضيها، وضمان بقاء حلفائها السوريين في مناطق تخضع لحكمهم ضمن سورية “لامركزية”، حيث يشكلون اليوم الأكثرية العددية والقوة الاقتصادية، وكل ما يحتاجه الأمر تعويم مسودة مشروع الدستور السوري التي أعدّتها موسكو في عام 2017، وقدّمته للمعارضة السورية في أول اجتماعات مسار أستانة التفاوضي.
يمكن للقاء المرتقب أن يحمل مفاجآت عديدة للسوريين، لما يحمله من مقايضات لملفات خارجية، ستكون الألوان الجديدة لخريطة سورية ثمناً لها، وذلك لا يعيب تركيا، الدولة المثقلة بالعدد الكبير للاجئين السوريين على أراضيها، والتي تعمل للحفاظ على مصالحها في وجه أزمةٍ دوليةٍ عامة، كما يعمل أردوغان على تخفيف استفادة معارضته من حدّة الغضب الشعبي في الموضوع السوري، من خلال تنظيم رؤية جديدة للحل السوري مع حليفه الروسي، قبل أن ينضم لهما الشخص الثالث الذي استبعده، عندما أكّد أنه اجتماع ثنائي لا ثالث فيه، ولكن الأمر برمته يعيب من سلم قراره واستسلم لما تمليه عليه أجندات الداعمين على الجانبين، النظام والمعارضة، الغائبين والمغيبين، عن مناقشة مصير دولتهم وشعبهم.
العربي الجديد
————————————–
على أعتاب شرق أوسط جديد/ غازي دحمان
ليست المرّة الأولى التي يجري فيها الحديث عن شرق أوسط جديد، لكن الفرق أن الأمر هذه المرّة، وعلى الرغم من جدّيته، إلا أنه يتم بصخب أقل، وبدون طرح أهداف ومهام كبيرة، بالإضافة إلى عدم وجود عرّاب علني لهذا التشكّل القادم في المنطقة، حيث تتولّى هامشية رسمه وموضعته، بديلاً عن نظام سابق انتهى إلى فوضى عارمة في المنطقة، نتيجة تضارب الرؤى والمصالح والأولويات.
يرتكز الشرق الأوسط الجديد، حسبما هو ظاهر، على ما صنعته أحداث العقد الماضي، وبشكلٍ أكثر تحديداً، حراكات الربيع العربي التي شملت جميع الدول العربية، بدرجاتٍ مختلفة، وتأثيرات هذا الحدث على دول الجوار غير العربية، إيران وتركيا وإسرائيل، وانخراط بعض الفاعلين الدوليين في هذا الحدث، الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وتأثّرهم بتداعياته، وتأثيرهم في مجرياته.
تقوم فلسفة تأسيس هذا الشرق الأوسط الجديد على فكرة أن الأمور آخذة في الاستقرار، بعد عقد مديد من الصراع والحوار، وأن إمكانات التغيير، على المستوى السياسي، في جميع دول المنطقة، توقفت عند نقطة محدّدة، يستحيل تجاوزها في ظل موازين القوى القائمة الآن، وأنه لا إمكانية لحدوث تغييراتٍ مهمةٍ على المعادلات القائمة في المديين، المنظور والمتوسط، ما يحتّم على جميع اللاعبين الداخليين والخارجيين، التصالح مع هذه الحقيقة، والبناء على الواقع الموجود، بدل الاستمرار في لعبةٍ لن يكون فيها رابحون.
لقد ساهمت العوامل الاقتصادية، والتداعيات التي خلّفتها أزمة كورونا على اقتصاديات العالم، فضلاً عن اتجاهات الصراع الجيوسياسي الدولي المستجدّة، وبروز أهمية المحيطين، الهندي والهادي، في تحديد نوع القوى المهيمنة في العقود المقبلة إلى التسريع بتظهير نسخة الشرق الأوسط الجديدة، إذ لم تعد دمقرطة المنطقة مسألة ذات أهمية بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما دامت المنطقة كلها قد فقدت، في تقييم هذه الأطراف، أهميتها الإستراتيجية، مقابل صعود أهمية آسيا، قارّة الإمكانات الهائلة. ويبدو أن هذه المعطيات ستشكل سمات هذا الشرق الأوسط الجديد والتي يمكن تحديدها بما يلي:
– نهاية عصر الثورات، بل ونهاية أحلام التغيير إلى أجل غير مسمّى، فلا فواعل خارجيين قد يدعمون حراكات داخلية، ولا قوى محلية لديها القدرة على إعلان الثورة بعد الدمار الذي لحق بمجتمعات المنطقة، وما صنعته الثورات المضادّة من تدمير للنسج الوطنية وتغيير في البنى الاجتماعية، دفع بطليعة الجيل الحالي إلى الموت والسجون والهجرة.
– واستتباعاً، استمرار الأوضاع الحالية، سواء في تركيبة النخب الحاكمة، أو في وسائل الحكم وأدواته، إذ إنه حتى التغيير السلمي، بمعنى إحداث تغييرات بطيئة، على شكل إصلاحات، من خلال البرلمانات والنقابات والمجتمعات المدنية، لم يعد ممكناً، في ظل قراءة النخب الحاكمة لأي نشاط في هذا الاتجاه، بأنه يشكّل خطراً على وجودها.
– تراجع دور الحركات الإسلامية، بل وانتهاء فعاليتها ودخولها في أزماتٍ من المقدّر استمرارها سنوات طويلة. ومعلوم أنها كانت أقوى الفواعل في الحراكات العربية في مواجهة الأنظمة، وثمّة مؤشّرات عديدة على خروج هذه الحراكات من دوائر التأثير، وقد تستغرق إعادة بنائها أو ترميمها، بما فيه إعداد كوادر جديدة والتوصل إلى رؤى جديدة، فترة قد تطول إلى نهاية العقد الحالي.
– تغيّر أدوار الدول وفعاليتها، فمن الواضح أن الدول الأصغر حجماً ستكون هي الدول المركزية في هذا الشرق الأوسط الجديد، ذلك أن اللاعبين الإقليميين الكبار، من العرب والجوار، إما أنهم باتوا مستهلكين، بفعل انخراطهم في صراعات العقد الماضي، أو لعدم امتلاكهم مرونةً دبلوماسيةً وسياسيةً تتيح لهم اللعب مع جميع الأطراف، أو لأن أغلبهم من أصحاب المشاريع التي تهاوت على وقع المستجدّات الطارئة.
– الميزة الأهم لهذا الشرق الأوسط الجديد سيطرة مراكز المال والاقتصاد، في دول المنطقة، على التشكيل الجديد وصياغته على أسس المنافع الاقتصادية، يبدو ذلك واضحا من خلال توجهات الأردن ومصر لترتيب علاقات إقليمية أساسها اقتصادي، ويدخل فيها دور الشركات في إعادة إعمار العراق وسورية، بقيادة النخب الرأسمالية في البلدين.
– الميزة الأخيرة، تتمثل بانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بعد أن كانت، على مدار السبعين عاماً الماضية، القوّة المحرّكة والمؤثرة في توجهات المنطقة وتفاعلاتها، إذ بات واضحا أن أميركا تعمل على تسليم مفاتيح المنطقة للاعبين المحليين، كل بحسب قدراته وإمكاناته، مع دور إشرافي أميركي، ربما لسنوات معدودة، قبل أن تغلق واشنطن آخر قواعدها في المنطقة.
بناء على ذلك، من المتوقع أن يقوم الشرق الأوسط الجديد على توليفة تقوم على قبول إسرائيل ضمن هذا التشكّل طرفا شرعيا، يتم إدماجه، في مرحلة أولى، ضمن الفعاليات الاقتصادية، مثل مشاريع الغاز وشبكات الموانئ والتجارة الحرّة. وبالطبع، التعايش مع إيران بشكلها الحالي، على أمل أن يدفع التشبيك الاقتصادي بين دول الإقليم إلى نفي الحاجة للوجود الإيراني، بشكليه، العسكري والمليشياوي، من الأطراف الخاضعة لسيطرة إيران حالياً، العراق وسورية ولبنان.
لا يقوم الشرق الأوسط الجديد هذه المرّة على دعاوى أيديولوجية، ولا استجابة لاستقطابات دولية، بل على مبرّر واقعي، تفرضه حاجة دول المنطقة إلى التصالح والسلام والاهتمام بالقضايا الاقتصادية. وعلى الرغم من أهمية الوعي بهذا الأمر، إلا أن الخطر الذي ينطوي عليه هذا التشكّل الجديد هو تكريسه الظلم واللامساواة وإزاحة الديمقراطية والتحرّر إلى عقود طويلة عن منطقةٍ مات مئات الألوف من شعوبها في سبيل الوصول إلى تلك القيم.
العربي الجديد
—————————————-
لكن جبهة النصرة ليست طالبان/ عمر قدور
أعلن مكتب الرئاسة التركية عن انعقاد قمة بوتين-أردوغان في سوتشي في التاسع والعشرين من هذا الشهر، والخبر كان مرتقباً لما هو منتظر من القمة على خلفية تصريحات الجانبين السابقة عليها. الجانب الروسي، مع تصعيد غاراته الجوية على مناطق النفوذ التركية في إدلب وريف حلب، كان قد أشار إلى عدم وفاء أنقرة بالتزاماتها المنصوص عليها في التفاهمات السابقة بين الجانبين، وقابل وزير الدفاع التركي تصريحات لافروف بالقول أن موسكو لم تفِ بالتزامها بالتهدئة بموجب التفاهمات ذاتها.
بالتزامن مع إعلان مكتب الرئاسة التركية، أكدت موسكو بدء التحضيرات لانعقاد القمة، من دون ذكر موعدها، وهذا واحد من أساليب “الدبلوماسية” الروسية في إظهار عدم الحماس، والتلميح تالياً إلى صعوبة ما سيلاقيه أردوغان من نظيره. لكن تبقى الألاعيب الدبلوماسية أهون الشرور، إذ يُخشى “كما حدث مراراً” أن تتولى الطائرات الروسية إيصال الرسائل قبيل القمة بأجساد السوريين في إدلب أو سواها، والخشية تبقى قائمة حتى تنفض القمة وتبدأ نتائجها الفعلية بالظهور.
كما هو معلوم ستكون إدلب في صلب المحادثات، ولموسكو مطلبان سبق لأنقرة أن إلتزمت بتنفيذهما. الأول هو فتح طريق إم4، والثاني هو التزام أنقرة القديم المتعلق بفصل التنظيمات الإرهابية عن الفصائل المسلحة المعتدلة. الثاني منهما ركزت عليه موسكو مؤخراً، وهي تتسلح بوجود جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الدولية بموجب قرار لمجلس الأمن، وبأن الجانب التركي مع الفصائل التابعة له لم يواجه النصرة، بل إن الأخيرة بعد سريان تفاهمات سوتشي الأولى ومسار أستانة عززت من سيطرتها على إدلب وطردت فصائل أصغر كان لها بعض الحضور.
تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وقبلها بشهور قليلة إلى “جبهة فتح الشام”، لم يساعد النصرة على التملص من لائحة الإرهاب فبقيت الجبهة بأسمائها المختلفة على اللائحة. أيضاً إعلانها قطع العلاقة مع تنظيم القاعدة، ومحاربة تنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، لم يشفعا لها على الصعيد نفسه، وكل الافتراضات المتعلقة بإعادة تأهيلها لتكون شريكاً مقبولاً بقيت بلا سند حتى الآن، وبقي معها النظر إلى إدلب كرهينة لدى النصرة تتوعد موسكو بالانقضاض عليها، ولا يفضّل الغرب هذا الخيار فقط لما قد يخلّفه من تدفق جديد للاجئين في اتجاه أوروبا.
ربما لاحت بوادر مطمئنة للنصرة في السنة الأخيرة من حكم ترامب، وحينها أبدت واشنطن معارضة واضحة لأي هجوم روسي على إدلب يخلخل بشكل مؤثر ترسيمة النفوذ الموجودة، وكان للعلاقة الشخصية الجيدة بين ترامب وأردوغان أثر إيجابي ملموس في تظهير الموقف الأمريكي والحفاظ على الهدنة الهشة. حالياً يذهب بوتين إلى القمة المقبلة وهو مستند إلى موقف أمريكي بارد تجاه أنقرة، وإلى موقف أمريكي أكثر سلبية تجاه النصرة. قد نضيف إلى ما سبق عدم وفاء بايدن بتعهداته بعلاقة أفضل مع الحلفاء الأوروبيين، هناك ملفان طازجان هما الانسحاب من أفغانستان وصفقة الغواصات الأسترالية، وفي كليهما عدم اكتراث بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين، وفي الأول منهما خاصةً قلة حساسية إزاء التخوفات الأوروبية من تدفق اللاجئين الأفغان بعد هيمنة طالبان.
على نحو مباشر، يدخل بوتين القمة متسلحاً بالصمت الأمريكي خلال ما يزيد عن شهرين ونصف من حصار درعا البلد وقصفها، فواشنطن صمتت عما يحدث إلى الجوار الملاصق لحليفها الأقرب “إسرائيل”. حاجته إلى التحالف مع أنقرة وإرضائها من أجل مواجهة الوجود الأمريكي الداعم للإدارة الذاتية الكردية باتت أقل من قبل، فالانسحاب من أفغانستان تكفل بالضغط على مسد وتقريبها من موسكو مع التخوف من تخلٍّ أمريكي مقبل. وأفضل صفقة لتركيا قد يطرحها بوتين على أردوغان ستكون على حساب قسد، إذا تضمنت سيطرة موسكو على شريط جديد من إدلب مقابل تمدد أنقرة إلى تل رفعت التي تسيطر عليها قسد.
على صعيد متصل، سيسعى بوتين من خلال القمة إلى تكريس دوره كوصي أساسي على الشأن السوري بالتشارك مع واشنطن كقوتين عظميين، في حين يترتب على أنقرة الالتزام بالواقع القديم المتجدد، الواقع الذي كان يطل في عهد أوباما مع لقاءات لافروف-كيري المتكررة وضحكاتها أمام الصحفيين التي تفصح عن مدى التنسيق بينهما أفضل من أي كلام. بهذا المعنى لن يكتفي بوتين بالضغط من أجل الحصول على تنازلات حالية، بل سيحاول التأسيس لوضع جديد يبتز بموجبه تنازلات لاحقة عندما يحين موعدها.
لن تنفجر عقدة إدلب أو تُحل في القمة الحالية، التجاذب سيكون فقط حول قضم جزء منها، ووفق سياسة قضم متدرجة لا تخلف دفعة واحدة الكارثة الإنسانية المرتقبة. الذريعة موجودة، ولا مؤشرات على نزعها. إنها جبهة النصرة التي لن يفيدها الخروج من جلدها مرة أخرى، ولن تكون مثل طالبان التي رأى جزء من “المجتمع الدولي” أنها تغيرت، بينما نادى البعض الآخر بانتظار الأفعال لا الأقوال. لا تتسع سوريا لنموذج على مثال طالبان التي تابت عن علاقتها بالقاعدة، ومنذ وضعت النصرة على اللائحة الدولية للإرهاب رُسم مصيرها.
لكن ما الذي تفعله النصرة وهي مهددة بالهجوم على معقلها وبفقدانها قسماً من الأراضي التي تسيطر عليها؟ ما الذي تفعله بينما يخشى المعنيون بالشأن السوري ومتابعوه أيضاً من كارثة إنسانية سيتسبب بها الهجوم إذا حدث؟ الواقع أن التهديدات والأخطار لا تهز رسوخ النصرة، ولا تثني “دولتها وحكومتها” عن المضي فيما هو معتاد من شؤون الحكم. بل لا مغالاة في القول أن النصرة قوية وصلبة إزاء مختلف الشدائد، ففي ظل التهديدات الحالية، ومع شبح تفشي كورونا على نحو كارثي، تجد وزارة “الأوقاف والدعوة والإرشاد” في حكومة الإنقاذ التابعة لها متسعاً من الوقت والجهد والإمكانيات لإطلاق حملة “حراس الفضيلة”. و”حراس الفضيلة” هي التسمية الإسلامية المشتركة لحملات متشابهة من الحوثيين في اليمن مروراً بغزة وصولاً إلى إدلب، والمقصود بها حراسة النساء وفرض النمط الإسلامي عليهن وفق تصور كل من التنظيمات المسيطرة.
حراس الفضيلة هؤلاء، في هذا الوضع الكارثي، أولويتهم هي تعليق لوحات ضخمة، كما تفعل مثلاً مديرية أوقاف سلقين، تتوجه إحداها إلى الرجل بالقول: أخي الغالي.. عرضك أمانة فإتقِ الله فيهم.. فلباس المرأة يحكي تربية أبيها، غيرة أخيها، رجولة زوجها. للإنصاف لا تتوجه كافة اللوحات إلى الرجال، فهناك لوحة فيها رسم لثلاث إناث من مختلف الأعمار لا يظهر من ملامحهن أي شيء مع تعليق: أختاه أنت صانعة الأبطال ومربية الأجيال.. فإتقي الله فأنت على ثغر عظيم.. قيل لنابليون: أي حصون الشرق الإسلامي كان الأمنع على فرنسا؟؟ قال: “الأمهات الصالحات”. من يدري! لعل اللوحة مكتوبة بقصد الإنذار، ولعل بوتين يتعظ من مصير نابليون.
المدن
—————————————
التفاهمات الأميركية الروسية في سورية إلى أين؟/ خالد المطلق
بنظرة سريعة على الواقع الميداني الحالي في سورية، نشاهد جملةً من التفاهمات أو شبه التفاهمات، حول ما يجري على الأراضي السورية بين عدد من الأطراف الظاهرة بجلاء على مسرح الأحداث، مثل روسيا وإيران وتركيا، وبين أطراف تعمل من خلف الكواليس كالولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية. ولعلّ ما يجري في درعا، من تجاذبات بين أهل درعا ورجالاتها، وبين المحتل الروسي ومن خلفه عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية المتغلغلة في الجنوب السوري، هو خير مثال على تلك التفاهمات التي أبرمتها الأطراف الخارجية، وقد تعثر تطبيقها بسبب صمود أهلنا في درعا وتمسكهم بأرضهم، فمنذ مؤتمر جنيف الأول، كان هناك تفاهم روسي أميركي حول سورية، على الرغم من وجود عدم ثقة مطلقة بين الطرفين، وهذا ما دفع الروس إلى التدخل العسكري وعقد مؤتمرات آستانة وسوتشي التي ساعدت الأسد في استعادة أغلب المناطق المحررة، تحت نظر العالم أجمع ومسمعه، خاصة الولايات المتحدة الأميركية الصامتة عن تلك المؤتمرات ونتائجها، ولولا الرضا الأميركي لما نجح الروس في عقد تلك المؤتمرات وإبرام صفقات مع ما يسمّى معارضة، تلك المعارضة التي تنازلت عن دماء الشباب السوري التي أراقها الأسد والروس والإيرانيون الذين ثبت أنهم استخدموا تلك المعارضة، مقابل مكاسب شخصية وحزبية رخيصة لتحقيق هدفهم، وهو إعادة إنتاج الأسد من بوابة استعادة الأراضي التي حررها الجيش الحر في السنوات الثلاث الأولى من الثورة، ولهذا لا يمكن أن نقول إن الروس عملوا منفردين في القضية السورية، بمعزل عن الأميركيين الذي كان صمتهم دليلًا على رضاهم عمّا يحدث على الأراضي السورية، بل ظهر أن هناك تفاهمات سرية، تُترجم بفعل روسي إيراني وصمت أميركي أوروبي عربي. هذه المواقف لم تكن في بداية الثورة، فالولايات المتحدة الأميركية سعت بكل جهودها لتحقيق شيء من التغيير في سورية، على الرغم من الفيتو الروسي المتكرر في أي قرار لمجلس الأمن الدولي، لكنّ تغيّر الموقف الأميركي من الثورة السورية جاء لسببين: الأول وقوف الدول العربية مع نظام الأسد منذ البداية؛ والسبب الثاني الجوهري نجاح العرب وإيران ومخابرات الأسد في إلصاق تهمة “الإرهاب” بالثورة السورية، من خلال تبنيها ودعمها اللامحدود للفصائل الراديكالية، ومن هنا خشيت أميركا وحلفاؤها أن يتكرر سيناريو العراق وأفغانستان في سورية التي تتمتع بموقع جيوسياسي استراتيجي، من حيث وجودها على حدود الكيان الصهيوني، وكونها صلة الوصل الجغرافية بين أوروبا والدول العربية والخليجية خاصة. ومنذ جنيف واحد، سعت أميركا وحلفاؤها لجرّ المعارضة إلى التفاوض مع الأسد، بحجة أنهم لن يسمحوا بانهيار الدولة السورية، وأن تغيير النظام ممكن لكن من دون السماح للمنظمات الإرهابية بمسك زمام أمور الدولة السورية، وتحدثوا عن سلطة انتقالية يرضى بها الطرفان الروسي والأميركي، وهذا -برأيهم- هو الحل الأنسب للقضية السورية، وعندما بدأ نظام الأسد بالانهيار، بداية عام 2013؛ كنتُ أحد المدعوين لوضع خطط وآليات عمل لملء الفراغ الذي يمكن أن يحصل عند انهيار النظام، لكن إيران والعرب كان لهم رأي آخر، حيث استخدموا كلّ ما يملكون لمنع سقوط نظام الأسد، من خلال دعم إيران اللامحدود للأسد بالعتاد وعناصر الميليشيات، ومن خلال دعم الدول العربية للفصائل الراديكالية، بشرط عدم المساس بالنظام ودخول دمشق أو المدن التي يسيطر عليها الأسد، وفي الوقت نفسه، تم تقديم الدعم المادي للأسد لاستمرارية بقائه في السلطة، فكانت معركة القصير البذرة الأولى التي أنتشت ذلك الدعم، حيث اقتحمت قوات “حزب الله” اللبناني بلدة “القصير” الحدودية، ودمرتها تدميرًا كاملًا، ونكلت بسكانها وهجرتهم من بلدتهم، وكانت هذا المعركة بداية طريق التغيير الديموغرافي في سورية، وامتدت المعارك إلى حمص، ومن ثم إلى بقية المناطق المحررة؛ فالدخول الإيراني المركّز والدعم العربي للفصائل الجهادية، وقطع الدعم عن الجيش الحر، وتعويضه بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي اشترت كثيرًا من قادة فصائل الجيش الحر، من أصحاب النفوس الرخيصة.
كل هذا أدى إلى منع سقوط الأسد في تلك المرحلة من مراحل الثورة، وعلى الرغم من كل ذلك الدعم، لم يستطع أحد من الطرفين المتصارعين على الأرض حسم المعركة؛ فقوات الأسد والميليشيات الداعمة لها والدعم الروسي، مقابل فصائل الجيش الحر الوطنية التي لم تحمل أي أيديولوجية، بل كان همَّها وطنٌ اسمه سورية، يعيش فيه كل السوريين، على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم العرقية والطائفية والدينية والقومية، وخوفًا من أن يحسم أحد الطرفين الأمور، دخل الروسي -بالاتفاق مع الأميركان- كعامل مرجّح، وتخاذل الأميركيون في دعم المعارضة، وفي الوقت نفسه، ساقتهم روسيا، برضًا أميركي، إلى مؤتمر آستانة الذي تمخّض عنه تقسيم المناطق المحررة، وتسليمها تباعًا إلى الأسد، ومنع الأسد من تحقيق الانتصار الساحق، بانتظار القضاء على التنظيمات والجماعات الإرهابية، وعندئذ يمكن تغيير رأس النظام وجزء من منظومته الأمنية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وفق منظور متفق عليه دوليًّا وعربيًّا وإقليميًّا، وهنا تشكل التحالف الدولي لمحاربة (داعش)، وبالذريعة ذاتها، دخلت روسيا، لكنها لم تقاتل إلا الجيش الحر وحاضنته الشعبية؛ فاجتمع على قتل السوريين عصاباتُ الأسد والميليشيات الإيرانية والروس والأميركيون وتنظيم “داعش”، ومن جهة أخرى الفصائل الراديكالية الأخرى التي بدأت ممارسة الإرهاب على حاضنة الثورة، بطرق وأساليب مختلفة، هذا كله يأتي في إطار الحل اللاأخلاقي، أو كما يُسمّى الحلّ القذر الذي ما يزال مُسْتَمِرًّا حتى الآن، وهدفه الآن تركيع درعا وشعبها، أو طردهم من بيوتهم وأراضيهم، لمنع وجود أيّ فصيل غير متحكّم فيه، يمكن أن يشكل تهديدًا للسلطة الانتقالية المنتظرة، ولو تمّ التغيير الديموغرافي الذي يبدو أنه يُسعد أميركا والروس قبل إيران، ولهذا نشاهد صمت الإدارة الأميركية المطبق عمّا يجري في درعا، وعما تقوم به روسيا من نقض للاتفاقيات التي تعقدها مع ممثلي أهالي درعا، بحجج واهية، وبهذا يمكن أن نعتبر أن الروس ماضون في تثبيت حكم الأسد، بكل الطرق.
إلا أن الأميركيين -كما يبدو من خلال تصريحاتهم- لن يقبلوا بذلك، وسيقومون بالضغط على الروس بطرق عدة، من أهمها منع إعادة الإعمار، ومنع استقرار الوضع في سورية، وعدم الاعتراف بشرعية نظام الأسد، والأهمّ محاسبة النظام على الجرائم التي ارتكبها، وعلى رأس القائمة استخدامه الكيمياوي ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى ملفات قانون سيزر الذي صدر بناء على الصور التي تؤكد الانتهاكات الصارخة في سجون الأسد وأجهزة مخابراته، وبالتالي؛ سيَقبل الروسي مكرهًا بالعودة للقرارات الدولية التي تنصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالي. وهذا يعني أن الخطة تسير بشكل رتيب نحو سيطرة نظام الأسد على الجنوب السوري بالكامل، بعد أن فرض سيطرته جُزْئِيًّا، من خلال اتفاقيات آستانة وسوتشي، وسيتم سحب السلاح من أهالي المنطقة، حتى لا يبقى أيّ سلاح بيد أي جهة يمكن أن تهدد من سيتسلم مهمات المرحلة الانتقالية، بعد ذلك بمدة لن تتجاوز شهرين، سيتم التركيز على المناطق المحررة من إدلب، ليُنفذ السيناريو نفسه، وكلّ من يصمت عن ذلك سيكون صمته دليلًا على موافقته على هذا السيناريو، وهناك ثلاث مؤشرات تدلّ -بشكل أو بآخر- على رضا الصامتين في الشمال عمّا سيجري في المستقبل القريب في المحرر؛ وأولهما السماح بفتح معبرٍ بين إدلب ونظام الأسد؛ والثاني منع قيام أي تظاهرة لنصرة درعا؛ والثالث عدم التحرك وفتح الجبهات مع نظام الأسد لمساندة درعا وتخفيف الضغط عما يجري فيها. والأيام والأسابيع القادمة ستُثبت صحة هذا أو تنفيه، أما الأميركان، فسيجدون حلًّا ما يُمكّن نظام الأسد من السيطرة على المنطقة، وأعتقد أن سيناريو دخول القوات الروسية مع قوات من “الفيلق الخامس” هو الأرجح تنفيذه، نظرًا لنجاحه في باقي المناطق التي سُلّمت إلى النظام، وهنا لن يُسمح ببقاء أي فصيل يمكن أن يُهدد هذه الاتفاقيات، وسيعود نظام الأسد تدريجيًّا إلى الشمال بالكامل، والصامتون عن هذا، مما يسمى الجيش الوطني، ستتم مكافأتهم بدمجهم في جيش الأسد لاحقًا، أما الجزء المتبقي من سورية، الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد”؛ فالأمر سيبدأ من لحظة انسحاب القوات الأميركية من سورية، وهو المظلة العسكرية الحقيقية لـ (قسد) التي ستجد نفسها مكشوفة وغير قادرة على مواجهة مخطط تلك الدول، ولهذا يمكن أن تعقد صفقةً ما مع الأسد تحفظ بها ماء وجهها وتحقق لها جزءًا من الشعارات التي نادت بها، خاصة أن أميركا لم تعِد (قسد) بكيان مستقل، بل كان دعمها العسكري ينصبّ فقط لمحاربة (داعش)، وعند انتهاء تلك المهمة، ستتخلى أميركا عنها، مقابل تفاهمات بينها وبين تركيا، تقضي بمنع قيام كيان كردي على الحدود الجنوبية لتركيا، فتركيا هي الأهمّ، بالنسبة إلى أميركا، من حيث المصالح المشتركة بينهما وبعض القضايا الإقليمية التي تقوم تركيا بدور فعّال فيها، ففي الحلّ القادم لن يكون هناك كيانات مستقلة، وستكون هناك دولة مركزية، على الأقل عَسْكَرِيًّا وَأَمْنِيًّا وَقَانُونِيًّا، يمكن أن يتخللها إدارة ذاتية محلية فقط، وبذلك ستبسط قوات الأسد سيطرتها على كامل الأراضي السورية، وفي تلك المرحلة، ستكون سورية جاهزة لمرحلة انتقالية، ما تزال معالمها النهائية غير واضحة حتى الآن، وهذا يعتمد على صدق روسيا مع المجتمع الدولي، ومدى تأثير الضغوط الأميركية على الروس، بالإضافة إلى مدى تحقيق إيران للهدف الذي تدخلت من أجله في سورية، والضغوط التي يمكن أن تمارس عليها للانسحاب من سورية، ويبدو أنّ إيران شعرت بهذا الآن، ولهذا طلبت إدراج الملف السوري ضمن ملفات مفاوضاتها مع الأميركيين، أملًا في تحقيق مكاسب مقابل انسحابها من سورية، وباعتقادي؛ لا يمكن أن يقتنع الأميركي والإسرائيلي بأن الاستقرار في سورية والمنطقة سيتحقق في ظل وجود القوات الإيرانية وميليشياتها في سورية، التي ستكون ورقة قوية ضمن مجموعة من الأوراق التي تعتمد عليها إيران في غزوها لسورية، وأعتقد أنه لا يمكن إخراج إيران من سورية بالقوة العسكرية، لعدم وجود قوة محلية يمكن أن تواجه القوة الإيرانية على الأرض، سواء أكانت قوة محلية أم قوة دولية يمكن أن تُشكل لهذه الغاية، في ظل غياب الرغبة الدولية والأميركية بذلك، ولهذا لا يمكن التأثير على الميليشيات الإيرانية في سورية إلا من خلال إعادة المهجّرين إلى ديارهم، ليكونوا قوة بشرية، والبدء بأعمال المقاومة الشعبية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأمنية، بالإضافة إلى الممارسات اليومية للمواطنين السوريين، وتطويق ومحاربة الأعمال الإيرانية التي يمكن أن ترسخ وجودها على الأرض السورية، ذلك بأن تطهير سورية من الإيراني ليس عملية سهلة بالمطلق، وتحتاج إلى زمن قد يطول أو يقصر، ويعتمد ذلك على الخطط التي يمكن أن يضعها وينفذها السوريون أنفسهم، بعد عودتهم إلى ديارهم، وهي عودة مرتبطة بعددٍ من الشروط لا يمكن تجاوزها، وأهمها تغيير رأس النظام، وإجراء تعديلات جوهرية على المؤسسة العسكرية والأمنية، لتغيير المناخ الذي يعيش فيه السوريون، ويمكن أن يبدأ التغيير من فرض هيئة حكم انتقالية تُرضي جميع الأطراف الداخلية والخارجية، تستطيع تلك الهيئة إدارة شؤون البلاد إلى حين فرض الاستقرار الأمني وإخراج الميليشيات الأجنبية من البلاد، وعودة المهجرين إلى ديارهم، لإيجاد المناخ الملائم وإجراء انتخابات تشريعية حقيقية، يشارك فيها جميع السوريين، ومن ثم تسليم مؤسسات الدولة إلى طاقم يستطيع السيطرة على البلاد، ويقوم بمهامه الوظيفية التي يمكن أن يكون أوّلها إنشاء دستور للبلاد، يكون جامعًا للسوريين، ويعمل تحت مظلته كل السوريين، ومن ثم يمكن المباشرة بإعادة الإعمار لتنظيم المدن السورية، وفق مخططات حديثة تجاري العصر.
خلاصة القول: يمكن أن نجزم بأن الحلول في سورية ستكون من خلال هذا السيناريو الذي تحدثنا عنه، وغير ذلك سيكون مضيعة للوقت واستنزافًا لما تبقى من دماء السوريين ومدخراتهم، وهذا يجب أن يعرفه الأسد وعصاباته جيدًا، وإن إعادة الأراضي التي حررها الجيش الحر إلى سيطرة الأسد وحلفائه ليست آخر المطاف، بل هناك استحقاقات ستُفرض بالقوة، إذا لم يستجب لها رأس النظام وزبانيته، وأوّل هذه الاستحقاقات هو رحيل تلك العصابة المارقة التي دمّرت سورية، وقتلت وهجرت شعبها، وسمحت بدخول كلّ شذاذ الآفاق إليها، ليعيثوا فسادًا وإفسادًا، ويرتكبوا أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، والتي ستكون حقبة سوداء في تاريخ سورية لا تُشبهها أي حقبة عبر التاريخ السوري العريق الممتد إلى آلاف السنين. وفي الوقت نفسه، سيضيع حُلم مَن سرق تمثيل الثورة، من أفراد وأحزاب وجماعات عابرة للحدود، في حكم سورية المستقبل التي لن تنعم بالاستقرار بوجود هؤلاء من شذاذ الآفاق والحاقدين على السوريين، والمتحالفين مع نظام الملالي في طهران ألدّ أعداء الشعب السوري، وبهذا؛ يمكن أن تطوى صفحة من صفحات الحرب القذرة التي تعرّض لها الشعب السوري من قبل اللاهثين وراء السلطة من الطرفين، وأدواتهم القذرة، كالميليشيات الإيرانية والفصائل الراديكالية التي مارست كل أنواع الإرهاب ضدّ هذا الشعب المسكين الذي خرج ليطالب بحريته وكرامته، فكان له هؤلاء مجتمعين خنجرًا مسمومًا لم يترك شبرًا في جسد هذا الشعب إلا طعنه.
مركز حرمون
———————————–
نعم.. لقد انسحبت أمريكا من سوريا/ عمر قدور
سؤال الانسحاب الأمريكي من سوريا قفز إلى الواجهة بقوة منذ الانسحاب من أفغانستان، وبقي في حيز التكهنات رغم تأكيد إدارة بايدن على أن الخطر الإرهابي القادم من سوريا والعراق يفوق مثيله القادم من أفغانستان، ما يعني بقاء القوات الأمريكية في سوريا، وأيضاً بقاء المستشارين العسكريين في العراق. قلة عدد القوات الأمريكية في سوريا يجعل من انسحابها عملية صغيرة لا تشغل حيزاً في وسائل الإعلام، وعدم وجود سوريا ضمن الأولويات الأمريكية أصلاً سيجعلها خارج السجال الداخلي، باستثناء ما هو معتاد منه بين الجمهوريين والديموقراطيين.
بعيداً عن التشويق الإعلامي بين “تنسحب” و”لاتنسحب”؛ لقد انسحبت أمريكا فعلياً من سوريا. الانسحاب أتى تدريجياً وصولاً إلى ما يمكن اعتباره المرحلة النهائية منه، حيث في هذه المرحلة يتدبر مسؤولو إدارة بايدن أمر تمهيد الأجواء من أجل الخطوة النهائية التي لم يتقرر توقيتها بعد، خطوة إجلاء القوات ومعداتها على النحو الذي لم يقتصر على أفغانستان، بل تعداها إلى عملية إعادة انتشار أو إعادة نظر في طبيعة وجود القوات في السعودية والعراق.
لم تأتِ إدارة بايدن بجديد عندما ربطت وجودها في سوريا بخطر داعش، فالقوات الأمريكية في عهد أوباما دخلت سوريا للحرب على داعش، وعقد شراكتها مع قسد ينص على قتال داعش فقط وفقط. حدث انزياح عن هذه المهة في السنة الأخيرة من ولاية ترامب، فهو كان في مستهل عام2019 قد صرّح بأن خطر داعش انتهى، وقال عبارته الشهيرة آنذاك “سوريا ضاعت ولم يبق فيها إلا الرمال والموت” ليتراجع في الأسبوع الأخير من تشرين الأول في العام نفسه متحدثاً عن إبقاء قوات صغيرة تسيطر عل منابع النفط، ثم يصبح بقاؤها مكملاً الضغوط الأمريكية بموجب قانون قيصر، فلا يعود مقتصراً على هدف القضاء على داعش الذي كان ترامب قد أعلن الانتهاء منه.
الفكرة الأساسية فيما سبق أن إدارة بايدن عادت إلى السياسة التي لا تقرن وجود قواتها في سوريا بالقضية السورية نفسها؛ هي موجودة لتحقيق هدف يتعلق بـ”الأمن القومي الأمريكي”، وانسحابها مسألة وقت لا أكثر طالما أنه مرتبط بالإعلان عن تحقيق الهدف. التكهنات حول وجود أهداف أمريكية غير معلنة هي بمثابة اجتهادات شخصية لا تُسأل واشنطن عنها، فهي منذ اتصلت مع بعض فصائل المعارضة “قبل الاتفاق مع قسد” كانت جازمة في عدم ربط وجودها العسكري بالصراع السوري الداخلي، وكانت صريحة في عدم إعلان هدف واضح في سياستها السورية تُضطر إلى الالتزام به لاحقاً.
على كثرة ما قيل حول علاقة واشنطن بالأكراد، وتحديداً حول الدعم الذي يحظى به الأكراد في أوساط الحزب الديموقراطي، لم تحصل الإدارة الذاتية الكردية أو قسد على ضمانات أمريكية من أي نوع، لا ضمانات لإبقاء القوات الأمريكية، ولا ضمانات حول مستقبل الأكراد وفق الحل السياسي الذي طالبت به الإدارات الأمريكية الثلاث المتعاقبة. بل في العديد من المناسبات أتت توجهات الإدارات الأمريكية وتوجيهاتها لتشرح عدم وجود التزام، وتحديداً عدم ممانعتها وجود تواصل وعلاقة دافئة بين الإدارة الذاتية والأسد، أو التشجيع على التواصل معه في ما يبدو كترجمة للواقع تتدبر فيها السلطة الكردية أمرها وأمر مستقبلها مع سلطة الأسد من دون دعم أمريكي.
على وقع الانسحاب من أفغانستان، كانت قوات الأسد تخوض معركة الانقضاض على تفاهمات درعا، ومن أوجه نجاحها ونجاح موسكو ذلك التجاهل الأمريكي لما يحدث في بقعة جغرافية متاخمة لإسرائيل. أيضاً استبقت موسكو لقاء مبعوثيها بالمبعوث الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط بريت ماكغورك بالعديد من الغارات على إدلب، ولم يتأثر إيقاع الغارات الروسية بلقاء جنيف الذي عُقد يوم الخميس الفائت، الأمر الذي يساعد على “ترجمة” الأجواء الإيجابية التي سادت أثناء اللقاء من دون أن يُفصح الجانبان عن تفاصيلها.
معروف عن بريت ماكغورك هذا سلبيته تجاه أنقرة وإيجابيته تجاه الأكراد، وسلبيته تجاه أنقرة تظهر برفضه الضغوط العسكرية التركية على قسد، أما إيجابيته إزاء الأكراد فتظهر بتشجيع الإدارة الذاتية على التفاهم مع الأسد! قبل اللقاء الأمريكي-الروسي في جنيف بيوم، كانت إلهام أحمد رئيسة اللجنة التنفيذية لمسد تلتقي في موسكو المبعوث الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، وهو “حسب الإعلام الروسي” أعاد على مسامعها الموقف الروسي الداعم “لسيادة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية”، وربما يكون قد أشار “عرضاً” إلى درعا كمثال على استعادة السيادة، وأكد بيان وزارة الخارجية الروسية عقب الاجتماع على مواصلة الحوار الفعال بين مسد ودمشق. ومن المعلوم أن موسكو لا تمانع باتفاقيات تلحظ الخصوصية الثقافية الكردية، بينما يرفض الأسد “مسنوداً بموقف طهران وبالضغوط التركية على حزب العمال وتفرعاته” الاعترافَ بتلك الخصوصية، ولا يقبل سوى بمستوى محدود جداً من اللامركزية الإدارية الخالية تماماً من البعد السياسي.
قبل يومين زار وزير دفاع الأسد الأردن، وكما نذكر كان الملك الأردني قد دشن بعد زيارة له لواشنطن انعطافة معلنة في الموقف من الأسد، وزيارة وزير الدفاع لها مغزى “أمني” أبعد بكثير من اجتماع وزراء الطاقة الذي كان مكرساً لموضوع أنابيب الغاز المصري وشبكة الربط الكهربائية الواصلين إلى لبنان. إنه مؤشر يؤكد على أن الملك سمع في زيارته الأمريكية “أو لمس مناخاً” يتجاوز المعلن، حتى أن الإدارة هي التي بادرت لاحقاً إلى طرح إعفاءات من عقوبات قيصر، مع التلميح إلى تساهل قادم متى عُثر على مبرر له.
لا يُستبعد أن يكون التجديد القادم للمساعدات الإنسانية مناسبةً لتسهيلات جيدة تتعلق بعقوبات قيصر، بحيث تظهر الإعفاءات الجديدة إنسانية بحتة، ومن المحتمل جداً أن توافق واشنطن على تجديد تذهب من خلاله المساعدات كاملة إلى سلطة الأسد، وهي التي تتحكم بتمرير حصتي الشمال، الواقع تحت نفوذ تركيا والواقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية. يجدر التذكير بأن عقوبات قيصر، مع قليل من التشدد الأمريكي، ردعت دولاً في المنطقة عن التطبيع مع الأسد، وفي عهد بايدن تبدو واشنطن وكأنها تعطي إشارة معاكسة لمن يرغب.
كل ما تفعله إدارة بايدن هو دفع الجميع إلى التفكير على أساس أنها سحبت قواتها من سوريا، رغم عدم تحديدها لتوقيت إجلاء تلك القلة من جنودها، فالعبرة في الانسحابات الأخرى من الشأن السوري التي ستجعل إجلاء القوات شأناً رمزياً. هو انسحاب تدريجي منظم بالتخلي الطوعي عن أدوات الضغط وعن الرغبة في استخدامه، بدأ في عهد أوباما، ليشكو ترامب من أن سلفه لم يترك له ما يفعله في “أرض الرمال والموت”، ثم ليأتي بايدن كمزيج من أسوأ ما في الاثنين.
المدن
———————————
هل وصلت رياح التطبيع مع الأسد إلى تركيا؟/ عمر كوش
تتواتر أحاديث، في أيامنا هذه، عن ممكنات التطبيع بين القيادة التركية ونظام الأسد، في بعض وسائل الإعلام التركية وأوساط سياسية، على خلفية مستجدّات جيوسياسية على المستويين، الدولي والإقليمي، استدعت حدوث انعطافةٍ جديدةٍ في السياسة الخارجية التركية نحو تحسين العلاقات المتوترة وتطبيعها مع دول متعددة في المنطقة، مثل مصر والسعودية والإمارات، إلى جانب الدفع الروسي لأنقرة من أجل تليين موقفها من نظام الأسد، والجلوس معه على طاولة التفاوض، في إطار المحاولات الروسية الرامية إلى تلميع نظام الأسد وتأهيله إقليمياً ودولياً. إضافة إلى تجدّد دعوات بعض شخصيات المعارضة التركية وأحزابها المطالبة بتغيير الموقف التركي والتطبيع مع الأسد، بحجّة إنهاء مسألة وجود اللاجئين السوريين في تركيا، والتخلص من تبعاتها، عبر إعادتهم إلى سورية بالاتفاق مع نظام الأسد، وذلك بعد أن تمكّنت المعارضة التركية من توظيف مسألة اللاجئين سياسياً، وتحويلها إلى قضية وطنية لها مفاعيلها وارتداداتها السلبية في الأوساط الشعبية، وباتت تشكل عاملاً ضاغطاً متزايداً على حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، الذي بدأ يميل إلى تغيير مواقفه واتخاذ سياساتٍ متشدّدة حيال اللاجئين، في محاولةٍ لسحب ورقتهم من بساط التداول في بازارات أحزاب المعارضة.
ويبدو أن جملة من التطورات السياسية والميدانية المستجدّة دفعت باتجاه بروز تحليلات عن حيثيات التطبيع التركي مع نظام الأسد ودوافعه، خصوصا مع اقتراب موعد اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أواخر شهر سبتمبر/ أيلول الجاري في سوتشي الروسية، حيث استبق بوتين اللقاء بإرسال رسائل سياسية إلى تركيا والولايات المتحدة، في حديثه عن الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية في سورية، ويقصد بها القوات الأميركية والتركية، وذلك خلال لقائه مع بشار الأسد الذي شحنه سرّاً إلى موسكو وتحت جنح الظلام. إلى جانب رسائل التصعيد العسكري الميدانية، من خلال تكثيف المقاتلات الروسية غاراتها على مناطق إدلب. وبالتالي، يريد بوتين من ذلك كله دفع الساسة الأتراك إلى تغيير مواقفهم حيال نظام الأسد، وابتزازهم بغية تقديم تنازلات سياسية أيضاً. وهو أمر جعل وسائل إعلام تركية تسهب، في تقاريرها، عن رغبة نظام الأسد للتفاوض مع تركيا، والعروض المتكرّرة التي قدمها الرئيس بوتين للرئيس أردوغان من أجل التطبيع مع نظام الأسد والجلوس معه على طاولة التفاوض، وعقد تفاهماتٍ أمنية وعسكرية معه، خصوصا أن الساسة الروس بدأوا يعتقدون أن عملية إعادة إنتاج نظام الأسد وتسويقه بدأت تثمر بعد الحراك الذي قاده ملك الأردن عبد الله الثاني، وعقد صفقة الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، وأن انخراط تركيا سيعطي العملية دفعة قوية.
وترى أوساط سياسية وإعلامية تركية، مقرّبة من حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وأخرى معارضة، أن نهج التطبيع في السياسة الخارجية التركية مع دول فاعلة في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحات جديدة في العلاقات معها، مرتبطٌ بالتغيرات الجيوسياسية في العالم، في ظل الضرر الذي لحق بدولها نتيجة التكتلات والمحاور المتصارعة في المنطقة، وأنه بعد تخفيف التوترات والانفراج في العلاقات الإقليمية مع كل من مصر والسعودية والإمارات، على تركيا اتخاذ خطوة نحو نظام الأسد، بالنظر إلى امتلاكها قدرة أكبر على المناورة وتدوير الخلافات. وعليه تتوقع هذه الأوساط أن تبدأ عملية الاستكشاف معه من الباب الاستخباراتي، في ضوء أحاديث عن لقاء مرتقب بين رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، مع رئيس مكتب الأمن الوطني لنظام الأسد، علي مملوك، وصفه رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية السابق، إسماعيل حقي بكين، بأنه سيكون بمثابة “بداية لعملية جديدة”.
ولم ينف مسؤولون أتراك حصول لقاءات أمنية مع نظام الأسد، بل إن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أعلن انفتاح بلاده على مثل هذه اللقاءات التي حصر أهميتها في مجال التنسيق الأمني ومحاربة الإرهاب، وغيرها من الملفات. كما لم يصدر أي نفي تركي رسمي لتسريباتٍ إعلامية أفادت بحصول لقاء بين أجهزة الاستخبارات التركية وأجهزة نظام الأسد في بغداد لترتيب اللقاء بين بين فيدان ومملوك، بينما نفت وسائل إعلام نظام الأسد وجود أي ترتيباتٍ لعقد مثل هذا اللقاء، كما عبر بعض مسؤوليه عن اعتراض النظام ورفضه القاطع أي نوع من التواصل مع تركيا، بوصفها عدوه اللدود، لكن ذلك لا قيمة له ولا وزن، ولا يعكس حقيقة موقف النظام، إذ سبق أن أطلق مسؤولون في نظام الأسد تصريحاتٍ قاطعةً في هذا الخصوص، ثم تبيّن أن كلا من فيدان ومملوك التقيا في 13 يناير/ كانون الثاني 2020 في موسكو بحضور مسؤولين من أجهزة الاستخبارات الروسية.
وتدفع أوساط سياسية تركية باتجاه المصالحة مع نظام الأسد، من منطلق أنها ستُفضي إلى القضاء على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومليشياته وحدات حماية الشعب الكردية، وإدارته الذاتية، لكنها تربط ذلك بانسحاب القوات الأميركية من المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”. ولعل من اللافت أن يعتبر مدير مركز البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، برهان الدين دوران، أن “مستقبل تركيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكيفية حل القضية السورية، ومسألة التعامل مع اللاجئين، والفرع السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني”. وهو ما يشكل عنوان التحرّكات التركية في الملف السوري. لذلك من الطبيعي اعتبار أن نهج تركيا الحالي لا يهدف إلى إطاحة نظام الأسد، لأن لتركيا هدفين رئيسيين: “عودة آمنة للاجئين السوريين، ومنع تشكيل حزام إرهابي للفرع السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني”. أما شروط التطبيع مع نظام الأسد، فما تزال أوساط من الطبقة السياسية التركية تراها في انخراطه في عملية التسوية السياسية، واستعداده “لإعادة أبناء شعبه إلى بلادهم” و”التوقف عن دفع ملايين السوريين في إدلب باتجاه الحدود التركية جرّاء هجماته العسكرية المستمرة فيها”.
وصلت رياح التطبيع مع نظام الأسد إلى تركيا، لكنها لم تتجاوز بعد حدود الاختبار وجسّ النبض والسعي إلى التنسيق الأمني، والاستعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، إلى جانب الدفع الروسي، وبروز مؤشّراتٍ متسارعةٍ لتعويم نظام الأسد دولياً وإقليمياً، وذلك من خلال الميل الواضح لدى بعض الدول الغربية والعربية نحو الدخول في مرحلة جديدة تفتح الأبواب على نظام الأسد، وإدارة الظهر نهائياً للكارثة التي ألمّت بسورية والسوريين، وذلك في إطار لعبة المصالح الدولية.
العربي الجديد
————————————–
الحل السوري يصل لنهايته/ مزن مرشد
أتابع كما عادتي الحراك السياسي السوري، كمواطن سوري ينتظر الحل أملاً بالعودة، بتجرد مطلق، بعيدة كل البعد عن رأيي كناشطة سياسية أو صحفية متخصصة، أو عاملة بالشأن العام، حتى أكون رقيباً صادقاً غير متأثرة بأي من أرائي الخاصة أو انحيازي لطرف دون آخر.
أتأمل بما يحصل، فلا أصل إلا إلى طريق مسدود، دون أي أفق يبعث في نفسي القليل من الأمل لرؤية بلدي مرة أخرى، أو زيارة عابرة لبيتي الذي بنيته طوبة، طوبة، كما يقول أهلنا المصريون، والذي تركته على عجل دون وداع يليق به.
باتت قناعتي الآن بأننا أمام وضع غير قابل للحل، لا حل سياسي، ولا حل عسكري، ولا حتى أممي أيضاً.
وصل الحال السوري إلى ما كنا نخشاه، وما كنا نحذر منه، وما كنا نراه كنظرة قاتمة لمستقبل بلد أنهكته الحرب، وأدماه حاكمه، وصلنا إلى الأفق المسدود تماماً: دولة منهارة تماماً (لا دولة).
نظام ما يزال على حاله يضع على عينيه ساتر العنين الذي يستخدم للدواب (أجلكم الله).
مجتمع دولي راضٍ تماماً عن الوضع، المهم أن يكون الكيان المزروع بالمنطقة بخير وأن يبقى الكيان الإيراني قوياً وبخير (نظراً لحاجتهم له في استنزاف بترول وثروات كامل الشرق الأوسط) ولا بأس بأن يتحمل الغرب عدداً قليلاً من اللاجئين لن يؤثروا على ميزانيته بل سيستفيد من اندماجهم مع أطفالهم لاحقاً.
وأخيراً، معارضة فاشلة ومهزومة ومرتهنة ولا تستطيع أن تقرر وحدها متى تدخل الحمام، بشقيها الرسمي والمستقل.
كل يوم تتفتق عبقرية معارضتنا الفذة عن مبادرة جديدة للحل، يجتمع بضع عشرات يرون بنفسهم المنقذ (نظرياً)، وضحك على الذقون بالغالب، ليعقدوا مؤتمراً ما، تحت مظلة ما، يجتمعون (فيزيائياً أو افتراضياً) لا مشكلة، يتحادثون، يتشابكون، يختلفون، ثم يتفقون (لزوم الحبكة المسرحية)، ثم يخرجون ببيان ختامي يأخذ نصيبه من التغطية الإعلامية، وتعمل المواقع السورية عليه ردحاً من الوقت بجمع تصريحاتٍ ممن حضر، وممن رفض الحضور، وممن مع، وممن ضد، موجة صغيرة وينتهي الحال بتشكيل لجنة متابعة أو أمانة عامة أو لتسموها ما شئتم، وصلّى الله وبارك، ويذهب كل إلى بيته، لنعيد اجترار الأحداث، مراراً وتكراراً، بحدث يتماثل منذ عشر سنوات.
عشر سنوات واقتربنا من طرق باب السنة الحادية عشر، وما زالت شخوص المعارضة مشخصاتية يأخذون دور الفلاسفة حيناً والأبطال حيناً آخر والمناضلين أحايين، ودور التقاة اللاخطائين دائماً، مقدمين أنفسهم على أن كلاً منهم التقيُ، النقيُ، الطاهر، العليمُ، ويا ليتنا لا نعلم حقيقتهم وماضي بعضهم وتاريخ بعضهم الآخر لكانت اطمأنت أرواحنا ولو قليلاً.
لا يقدم السوري المعارض اليوم، بشقيه الرسمي والمستقل، إلا منتجاً كلامياً، افتراضياً وهمياً، يفتقد لإمكانية التطبيق على الأرض، كما يفتقد في ذات الوقت لأي مصداقية لدى المتلقين، فجمهور السوريين لم يعد بالإمكان مراوغتهم بشعارات مهما كانت، فقد بلغ السوري حداً من التجربة والوعي، تجعله غير قابل للانجرار خلف أي من الشخصيات الظاهرة على الساحات اليوم، إن كانت السياسية أو الإعلامية أو الحزبية، أو حتى شخصيات المعارضة التقليدية القديمة، فبات لزاماً على من يسعى لدخول المعترك السياسي السوري، حزبياً أو عقائدياً، أن يكون واعياً لهذه القضية، فإقناع الشارع بالشعار والكلام لم يعد وارداً، وحسابات الأرض باتت أكبر من الجميع، باستثناء من يشتري الأتباع في الداخل بالمال، نظراً للحاجة والفاقة التي وصل إليها الناس، وعليه لا يحق له أن يقول لي مؤيدون بالداخل أو لي جيش بالداخل، فهؤلاء يا عزيزي ليسوا معك ولا مع فكرك ولا مع مشروعك وإنما مع لقمة عيشهم ورغيف أطفالهم.
أما الحل فلن يكون إلا بإرادة دولية هي اليوم تعيش حالة من الطمأنينة تاركة الحال على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى، دون أي حراك يذكر، حتى القلق لم يعد وارداً في التصريحات الأممية، وباتت أنظارهم موجهةً إلى نقاط أخرى من العالم، لتصبح أولوياتهم بعيدة كل البعد عن سوريا وما يحصل بها، حتى لو دام الوضع على حاله لخمسين سنة قادمة.
فتنحصر خيبة أمل السوري بأنه خرج من بيته متخيلاً أن غيبته ستدوم شهراً، أو شهرين، أو ثلاثة على أبعد تقدير، ليجد نفسه منفياً في أرض الله الواسعة لعشر سنوات مستمرة، دون أي بصيص نور حتى أن يزوره مرة أخرى -هذا إن لم يتهدم- ويبقى محتفظاً بمفاتيحه، مثل قصص الجدات الفلسطينيات اللواتي متن وهنّ يعلقن مفاتيح دورهن بنهايات جدائل شعرهن على أمل العودة.
—————————————–
عروبة الاسد..المستعادة في نيويورك والجزائر/ ساطع نور الدين
خرج نظام الرئيس السوري بشار الاسد بنصر سياسي جديد من الدورة الحالية للجمعية العامة للامم المتحدة. سبع دول عربية أرسلت وزراء خارجيتها للقاء نظيرهم السوري فيصل المقداد في نيويورك، بشكل علني، ودّي، يبغي طي صفحة سنوات القطيعة الدبلوماسية، ويمهد لفتح صفحة جديدة لم يعد يحول دونها أي موقف سياسي أو أي إعتبار أخلاقي..أو أي تدخل أميركي.
في الاصل لم تكن هناك قطيعة كاملة. القرار الذي صدر بالاغلبية عن الجامعة العربية في خريف العام 2011 نص على تعليق عضوية سوريا حتى يتوقف النظام عن قمع معارضيه وإغلاق السفارات والقنصليات وفتح قنوات الاتصال الامنية والاستخباراتية، التي سجلت في السنوات القليلة الماضية، نشاطاً محموماً، بعدما مالت كفة الصراع لمصلحة النظام نتيجة التدخل الايراني ثم الروسي، وظهرت التنظيمات الاسلامية المسلحة في مناطق المعارضة السورية.
ما إستجد أخيراً، لا سيما في نيويورك، هو رفع مستوى التواصل من رتبة ضباط الاستخبارات، أو ما كان يعرف ب”دبلوماسية الاستخبارات”، الى مرتبة وزراء الخارجية، الذين حضر منهم سبعة في نيويورك، هم وزراء مصر والاردن والعراق وتونس وعُمان وموريتانيا وفلسطين، وغاب منهم وزراء دول عربية أخرى لا تقل حماسة للتطبيع مع نظام الاسد، بينها لبنان والسودان والجزائر واليمن والبحرين والامارات، ما يعني أن سوريا باتت تتمتع بأغلبية الثلثين للعودة المظفرة الى الجامعة العربية.
ويتردد أن الجزائر، التي وقفت مع النظام السوري بحزم منذ أن أطلق الرصاصة الاولى على معارضيه غير الاسلاميين في درعا في ربيع العام 2011، هي التي ستتولى مهمة إستعادة النظام مقعده العربي، في خلال القمة العربية العادية التي تستضيفها في نهاية شهر تشرين الاول/أكتوبر المقبل، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة بقوله مؤخرا أن سوريا موضوع أساسي في التحضيرات لتلك القمة، وعودتها الى الجامعة العربية ستكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل العربي.
وتتسلح الجزائر بغالبية الثلثين، إن لم يكن أكثر، لكي تنظم هذه العملية الدبلوماسية التي قد تشمل دعوة الاسد الى حضور القمة، بعد ان يقرر إجتماع وزراء الخارجية التمهيدي إلغاء قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة..بإعتبار أن النظام السوري توقف عن قمع معارضيه، وهي مهمة صارت في عهدة الايرانيين والروس ومسؤوليتهم، التي لا يمكن ان تجادل في أي قمة عربية، لا سيما إذا كانت قمة تنعقد في فترة يرفض فيها الاميركيون مجرد التعبير عن موقف من الازمة السورية، التي لم تعد على سلم إهتمامات إدارتهم الجديدة، غير المعنية حتى بتعيين مبعوث خاص الى سوريا، ولا بالنقاش حول ما كان يسمى إعادة تأهيل الاسد، او التواصل معه ولو بشروط، أو حتى التطرق الى مستقبله في أي تفاوض مع الايرانيين والروس.
ولأن خريطة سوريا لا تظهر على أي مرصد أميركي، فمن الطبيعي الإستنتاج أن العودة السورية الى الحضن العربي، خلال قمة الجزائر، لن تكون مجرد إنتهاز لفرصة أميركية متاحة، بقدر ما ستكون إنتكاسة عربية أمام إيران وروسيا اللتين تنتظران بفارغ الصبر تقدم العرب نحو سوريا لتحمل جزء من أعباء أزمتها وتكاليف إعادة إعمارها.. حتى ولو إقتضى الأمر التخلي عن الاحتفالات الايرانية والروسية المرتقبة بالنصر النهائي في معركة حماية نظام الاسد.
ويبدو أنه ليس على جدول أعمال أحد، لا من العرب ولا سواهم، البحث في ما يمكن ان يقدمه نظام الاسد لشعبه على الاقل مقابل عودته الى الحضن العربي، التي ردد أكثر من مرة أنه لم ولن يطلبها، بل ألمح الى أنه سيطلب إعتذاراً عربياً عن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة.. يمكن أن يصدر عن قمة الجزائر، باللغات الثلاث، العربية والفارسية والروسية.
المدن
—————————————–
القضية السورية والخليج/ بشير البكر
نظم مركز حرمون ومركز دراسات الخليج ندوة في الثامن عشر والتاسع عشر من الشهر الحالي، حول “الدور الخليجي والصراع في سوريا”، وكانت بمشاركة شخصيات سورية وغير سورية. وتعد هذه الندوة الأولى من نوعها، ومن شأنها أن تفتح الباب لأعمال مشابهة لأن دور الخليج العربي في المسألة السورية مهم جدا، ولم يلق الدراسة الكافية حتى الآن. وفي كل الأحوال لا يمكن، وليس من الإنصاف قياس كل أهل الخليج بمسطرة واحدة وميزان واحد. هناك مواقف رسمية، وأخرى شعبية، وما بين بين. وتختلف الأحوال من بلد لآخر، ما بين من لعب أدوارا بناءة، ومن لعب أدوارا هدامة، وهناك من تدخل ودافعه مصلحة الشعب السوري، وآخر كان تدخله ضد مصلحة الشعب السوري. ورغم اختلاف الاتجاهات، ثمة سؤالان أساسيان، الأول هو إلى أي حد كان الدور الخليجي مؤثرا في مسار الثورة السورية، وفي أي ميدان ومتى؟ والسؤال الثاني هو ما الدور الذي سيلعبه الخليج لاحقا، وما مدى تأثيره على مستقبل الصراع في سوريا؟
ومهما تشعب النقاش لا بد أن يعود ويلتقي عند هذين السؤالين. ولأن المقدمات على صلة بالنتائج، فمن لعب دورا تخريبا ضد مصلحة الشعب السوري لن يغير رأيه اليوم أو في المستقبل كي يقف مع هذا الشعب المنكوب، ومن وقف في الضفة الثانية لن يغير رأيه اليوم ويذهب إلى صف النظام وحلفائه. وهذا المعادلة بدأت تتضح أكثر من خلال الفرز الذي حصل في مواقف وأدوار بلدان الخليج بعد التدخل الروسي الذي شكل المنعطف الأساسي في الأزمة، وما كان لذلك التدخل أن يتم لولا مباركة أطراف من الخليج مثل السعودية والإمارات وسلطنة عمان. ولوعدنا قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى عشية ذلك التدخل، لوجدنا ذلك واضحا بلا غموض أو مواربة. فهناك من توهم أن تدخل روسيا هو الكفيل بإنهاء دور إيران، في حين فشل فيها التدخل الإيراني كليا في حماية نظام الأسد، وبقي أسبوعان فقط على سقوط دمشق حسب تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وكما نلاحظ اليوم فإن أصحاب هذا الرأي خرجوا لا من أمامهم ولا من ورائهم، خسروا سوريا، ولم يخرجوا إيران من سوريا، ولا تزال روسيا تبيعهم الأوهام.
وهناك ملاحظتان أساسيتان، الأولى هي أن الأدوار الخليجية في الصراع على اختلافها، استدعاها السوريون، ووفروا لها الغطاء، ومهدوا الطريق على المستويين السياسي والعسكري، وهذا ينسحب على بقية الأدوار الإقليمية والدولية، بحيث إن السوريين تحولوا إلى أرقام، ولم ينجحوا في تكوين هيئة مستقلة القرار، على غرار منظمة التحرير الفلسطينية التي حققت الكيانية الفلسطينية بعد مرحلة الشتات. والملاحظة الثانية هي، يمكن لبعض دول الخليج أن تلعب دورا مؤثرا في المستقبل لتسد فراغ الدور العربي الفاضح، ويمكن التعويل هنا على المصالحة القطرية السعودية، التي فتحت الباب أمام إمكانية التفاهم بين الرياض والدوحة لتحريك الموقف العربي الموحد، في الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول الخروج عن إجماع 2012 بتعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية.
ولكون الوضع السوري بات في أيدي قوى خارجية لكل منها نفوذه العسكري على الأرض، فإن التعاون مع تركيا هو الكفيل بدعم الدور العربي. ويبقى في كل الأحوال أن مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة تبدأ من سوريا، وهذا شأن سوري وإقليمي ودولي، ولكنه يتحول إلى ضرورة خليجية كل يوم بالنظر إلى خطورة الدور الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن، ومن دون شك فإن حرب اليمن هي إحدى أهم تجليات الدور الإيراني، وهي حرب ضد السعودية بالوكالة. وإذا لم تأخذ دول الخليج الموضوع بجدية فإن الدور الإيراني سيبقى يتمدد وسنراه في المدى القريب على حدود الأردن بعد دخول ميليشيات إيران إلى درعا.
تلفزيون سوريا
———————————
سورية المحتضرة إلى أين؟/ منير شحود
يسمُ الرعب من المستقبل حياةَ (أو شبه حياة) السوريين الذين ما زالوا في “القفص”، وكأنّ قدرهم أن ينتقلوا من مرحلة الخوف من القهر والتعسُّف، إلى الخوف من المجهول القادم، الذي دفع كثير منهم إلى مغامرة الهجرة عبر كل المسالك، فيما ينتظر آخرون فرصة الأمل هذه، خاصة الأجيال الجديدة، مع أن سبل الهجرة صارت أكثر وعورة وصعوبة، وتضيق مجالاتها بشدة، ويستمر تدهور مؤشرات العيش الكريم في الداخل باطراد، ويقع ترتيب سورية في آخر قائمة دول العالم في ما يتعلق بنوعية الحياة، خاصة في مناطق سيطرة النظام، وقد بات التوافق الدولي على حلّ سياسي أكثر ضبابية، ولا أمل حقيقيًا يلوح في الأفق حتى الآن.
ولم يعد تحويل الأنظار عن الواقع المزري ممكنًا، ولا الظروف مواتية لتشغيل آلة التجييش والحشد، التي تم استخدامها بفاعلية في زمن الحرب، فالمعارك قد توقفت أو تكاد، والمزاج الشعبي صار في مكان آخر مغاير لثقافة الحرب، وقد تبيّن مدى الخديعة التي انطلت على البعض، في ما يتعلق بالحديث عن تحقيق انتصارات وهمية على أنقاض بلد منكوب ومدمّر، بات تأمين أبسط مقومات الحياة فيه، كرغيف الخبز وأي نوع من أنواع الطاقة، مشكلة بحد ذاتها. من هذه الزاوية، أي من زاوية المزاج الشعبي الرافض للحرب، يمكن قراءة اتفاق درعا الأخير، كمثال للطريقة التي يمكن أن تُحلّ بها باقي المشكلات العالقة، من دون خوض معارك حاسمة وبأقل ما يمكن من الدمار، وهي تمثل رغبة معظم الأطراف الدولية الراعية أيضًا.
في هذه الأثناء، تدخل سورية مرحلةً جديدة تطوي من خلالها مرحلة الانقسام والتراشق الإعلامي زمن الحرب، وينزوي، ربّما إلى غير رجعة، أولئك الذين لعبوا على أوتار الانقسامات الطائفية والعرقية، ولو أن تحقيق ذلك على نحوٍ حاسم ونهائي يحتاج إلى البدء بالعملية السياسية وتحقيق الحد الأدنى من العدالة الانتقالية. كما تزداد درجة التعبير عن الرأي في الأوساط الشعبية العريضة والميل إلى تسمية الأمور بمسمياتها، وسط ارتباك متزايد في المنظومة الحاكمة، إذ يقف “حرّاس الهيكل” غير عارفين ما الذي ينبغي فعله بالضبط: أما يزال القمع العاري وسيلة ناجعة أم أنه سيعني سحب البساط من تحت أقدامهم إلى غير رجعة؟
التحوّل النوعي الذي يحصل الآن هو أن الاحتجاج والتململ يطال أساسًا ما كان يُدعى بالحاضنة الشعبية للنظام، وبصورة غير مسبوقة، ولو أن الأمر لم يصل بعدُ إلى حد العصيان، لكن استمرار تفاقم الحالة المعيشية والأساليب غير الناجعة في معالجتها ينذر بمزيد من التصعيد في المستقبل القريب. في هذه الظروف، تبدو مواجهة الاحتجاجات بالعنف غير مضمونة، وربما تكون نتائجها عكسية؛ لأن الأمر يتعلق بمطالب تهدف إلى استمرار الحياة من دون أن تُطرح شعارات سياسية واضحة، وإن كان كل احتجاج مطلبي يتضمن احتجاجًا سياسيًا، كون حالة العجز هي سياسية في الأساس، ولا مخرج إلا بالتغيير، تبعًا لما هو متاح ومُتَّفق عليه في القرار الدولي رقم 2254.
تتميز فترة التدهور الحالية بأنّ كل ما فيها يسير بخطى ثابتة نحو الكارثة الحتمية، ما لم تُقطع الطريق المُفضية إلى الهاوية، وما لم يوجد قرارٌ لوقف هذا المسار وعكسه. بالطبع، لا يمكن لمن ساهم في أخذ الأمور في هذا الاتجاه أن يُحدث تغييرًا إيجابيًا أو يعكس مسار الأحداث، إلا بنظر بعض الواهمين، الذين يتقلص عددهم باستمرار. استحالة التغيير الذاتية لا تعود فقط إلى طبيعة النظام، كدولة أمنية، إنما بسبب كون البنية السياسية قائمة على الفساد، وبالتالي من المستحيل أن يتم تغيير هذه الحالة من خلال الآليات الداخلية.
فالفساد موجود في كل البلدان، بدرجات مختلفة، وثمة آليات قانونية لإبقائه في الحدود الدنيا. لكن أن يوجد الفساد على كل المستويات وفي أساس العلاقات والتعاملات، وفي ظروف لا يوجد فيها قضاء مستقل، فهذا يعني أنه لا يمكن الحديث عن خطوات جدية لمعالجته، وأن ما يحدث من إجراءات في هذا الاتجاه لا يعدو عن كونه مجرد إعادة توزيع الثروة بين القوى المتنفذة والمتنافسة داخل السلطة وفي هامشها.
سورية المحتضرة لا تقتصر على مناطق سيطرة النظام، وتتمثل بقوى الأمر الواقع المهيمنة في باقي المناطق، التي لا تختلف جذريًا في طبيعتها، كما تتمثل بتلك الهياكل السياسية الخاوية وفاقدة الصلاحية للمعارضة، التي عكست وما تزال هيمنة وأدوار الدول الإقليمية في هذه المرحلة أو تلك. الخديعة هنا هي في استمرار هذه الهياكل كأمر واقع، وهي تسير أيضًا على مبدأ العطالة، وتفتقر إلى أي دور يمكن أن يصب في مسار التغيير الإيجابي لمصلحة السوريين جميعهم منذ نشأتها في عام 2011، بالرغم من كل محاولات الترقيع التي تعرضت لها لاحقًا.
الاحتضار السوري ليس نهاية المطاف، تحت رماده تتحضر براعم الحياة الجديدة لتطل برؤوسها، حين يحلّ مناخ التغيير، وهذا الاحتضار يعمل كرافعة سياسية، من خلال اقتناع أكثرية السوريين بضرورة التغيير، في مختلف تجلياته وأشكاله، وعلى أسس جديدة يضمحلّ فيها القديم ويحيا فيها الجديد، ككل تغيير تاريخي حقيقي لا رجعة فيه، إن بدأ ببناء أساس دستوري متين لدولة العدل والقانون والمؤسسات.
مركز حرمون
———————————–
مَسار التطبيع العربيّ مع النظام السوريّ ومُستقبَله
تمهيد
تباين تعاطي الدول العربية مع النظام السوري بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضده واستخدامه للعنف المفرط في مواجهة المحتجين، فاتخذت كل من قطر والسعودية موقفاً متقدماً، تَمثَّل بالدعوة إلى إيقاف العنف الفوري، ثم إغلاق السفارتين القطرية والسعودية في دمشق على التوالي، في شهرَيْ تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2011.
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 اتخذ وزراء الخارجية العرب قراراً ينصّ على سحب سفراء الدول العربية من دمشق، وتعليق مشاركة الوفود السورية في اجتماعات الجامعة العربية، حيث وافق على القرار 18 دولة، واعترضت عليه فقط لبنان واليمن، في حين امتنع العراق عن التصويت.
وشاركت غالبية الدول العربية في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي احتضنته تونس في شهر شباط/ فبراير 2012، بالتزامن مع تقديم كل من قطر والسعودية والإمارات والأردن الدعمَ للمعارضة السورية العسكرية، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الدخول في غرف الدعم العسكري الدولية التي تم إنشاؤها في تركيا (الموك) والأردن (الموم).
ولقد ساهمت طبيعة العلاقة بين النظام السوري وإيران في توجُّه العديد من الدول العربية لمساندة فصائل المعارضة السورية المسلحة، خاصة السعودية والأردن، بالإضافة إلى تأثُّر تلك الدول بالتوجه الغربي بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبية بارزة، الذين تبنَّوْا خلال السنوات الأولى من الاحتجاجات سقوفاً مرتفعة ضد النظام السوري.
أتى التدخل العسكري الروسي المباشر في الملف السوري أواخر عام 2015، وتوقف الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة السورية عام 2016، ثم اتَّسع الدور التركي شمال غربي سورية، وكل هذه المعطيات أفرزت واقعاً جديداً على الساحة السورية، وتركت آثارها على توجُّهات العديد من الدول العربية.
انتعش الحديث عن إعادة الدول العربية لعلاقاتها مع النظام السوري في أواخر عام 2018، من خلال إعادة فتح سفارات بعض الدول العربية بدمشق، في ظل شعور متنامٍ بتخلي واشنطن عن فكرة إسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتراجُع أهمية الملف السوري لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
غاب الحديث عن الموضوع طِيلة عامَيْ 2019 و2020، على خلفية تحذيرات أمريكية واضحة من العواقب، وعاد للواجهة مجدداً في العام الحالي من خلال المبادرة التي طرحها ملك الأردن عبد الله الثاني في تموز/ يوليو 2021، ومن ضِمن بنودها إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.
وتأتي أهمية هذه الدراسة كونها متزامنة مع عدّة تطوُّرات، أهمها الاتفاق على خطة عمل وجدول زمني لتنفيذ نقل الغاز المصري إلى لبنان عَبْر الأراضي السورية، وإعادة افتتاح معبر “جابر – نصيب” الذي يربط بين الأراضي السورية والأردنية ودول الخليج.
ونسعى من خلال هذه الورقة لنقاش الأسباب الكامنة وراء تحرُّكات بعض الدول العربية لاستعادة علاقاتها مع النظام السوري، وتحديد العقبات التي حالت –وتحول- دون ذلك، بالإضافة إلى استشراف مآل هذا المسار، وهل سيتحول بالفعل إلى أمر واقع، أم أن هناك معوقات ستؤدي إلى تجميده وتحول دون نجاحه بالمطلق، أو تعيق تنفيذه بشكل جزئيّ على الأقل.
لقراءة المادة بشكل كامل يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية (اضغط هنا)
https://www.jusoor.co/content_images/users/5/contents/1543.pdf
جسور
——————————–
سورية تنتظر انقسامات سياسية جديدة مع انتهاء الحرب في سورية/ ريان بول
ترجمة – قسم الترجمة في “نداء بوست” – عبدالحميد فحام
مع اقتراب الحرب في سورية من نهايتها يبرز خلاف جديد بين الإصلاحيين داخل النظام والمتشددين، ويلقي ذلك بظلاله على خيارات موسكو والعلاقة مع إيران والقوى الداخلية والخارجية الأخرى. فالإصلاحيون داخل النظام يرغبون في إعادة الانخراط مع العالم مقابل رغبة المتشددين في استمرار السيطرة الصارمة على اقتصاد البلاد ونظامها السياسي. إن روسيا وهي الحليف العسكري الحاسم لدمشق، التي أدّى تدخُّلها إلى عكس اتجاه الحرب في البلاد ستُجبَر على لعب دور الوسيط بين الطرفين (الإصلاحيين والمتشددين) لإنهاء دوامات العنف التي لا نهاية لها في سورية من دون تعريض وضعها للخطر.
الفقاعات الأولى مع انتهاء حالة الطوارئ العسكرية للحرب في سورية عادت مشكلات الطعام إلى صدارة السياسات المتجمّدة في البلاد، ومع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة ظهرت احتجاجات حتى في معاقل الحكومة مثل دمشق، إذ نزل السوريون إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من نقص الوقود من بين مظالم أخرى، وعلى هذه الخلفية ظهرت البوادر الأولى لمرحلة جديدة محتملة من الاضطرابات. حتى العلويون -الداعمون الرئيسيون لحكومة الأسد- أصبحوا أكثر جرأة في شكواهم من السياسات الاقتصادية، وبدؤوا الضغط على دمشق لإيجاد طرق لاستعادة العلاقات التجارية مع العالم الخارجي، وكذلك المقرّبون من الحكومة أصبحوا ضحايا سياسات الحكومة. إن إعادة الاتصال بالعالم الخارجي ستعني تقديم تنازُلات للمعارضة، ومن المحتمل أن تأخذ شكل صفقة تقوم إمّا بإضفاء صفة الفيدرالية على سورية، أو إضعاف سلطات الرئاسة، أو بكِلا الأمرين، وهو أمر يكرهه المتشددون في النظام، وهناك القليل من المؤشرات على أن الدائرة الداخلية مستعدّة للتنازل الآن، خاصة بعد تحقيق نصر عسكري إستراتيجي في درعا. روسيا وإيران ومع ذلك، إن المتشددين ليس لديهم تفهُّم كامل لما يحدث في سورية، ولدى الشريكين الأمنيين الرئيسيين للنظام (روسيا وإيران) رأي أيضاً، لا سيما وسط تضاؤُل جيش النظام على مدار العقد الماضي من الحرب وهجرة السكان. وأرسلت روسيا بالفعل إشارات إلى أنها تفضّل نهجاً أقل خطورة من الحرب، مع الحفاظ على الانفتاح على الولايات المتحدة، مع وقف اتفاقيات خفض التصعيد مع كل من المعارضة المسلحة وتركيا. الضغط الروسي وفي الوقت الذي تقوّض فيه العزلة الاقتصادية للنظام السوري مشاعر بعض الموالين، وتهدد باستئناف الاضطرابات المدنية؛ تريد موسكو أيضاً من الأسد دعم الإصلاحيين داخل الحكومة، والضغط من أجل المصالحة مع بعض جماعات المعارضة على الأقل، كما تريد في النهاية أن يبتعد النظام عن إستراتيجية الأرض المحروقة خوفاً من “تطهير” المزيد من السوريين ودفع البلاد بعيداً عن إعادة الإعمار. ومع انتهاء الحرب قد تضطر روسيا إلى تحمُّل مخاطر أكبر في متابعة إستراتيجيتها، التي تستهدف الحفاظ على قاعدتها البحرية في طرطوس وإعادة بناء المصداقية كقوة عظمى في المنطقة، وهي أهداف اعتمدت على بقاء حكومة الأسد في السلطة. وإذا قررت روسيا دعم الأسد حتى مع انهيار الاقتصاد السوري أكثر فمن المرجّح أن تلعب موسكو دوراً أعمق في تهدئة التوترات بين المتشددين والإصلاحيين. ففي درعا، يبدو أن روسيا نجحت في تجنُّب هجوم عسكري مكلِّف من خلال التوسّط بين المعارضين والنظام، وهو الدور الذي لعبته موسكو أيضاً في إدلب وشرق دمشق وأماكن أخرى في البلاد.
من التدخل إلى الاحتلال الجزئي والآن، يمكن لروسيا أن تواجه احتمال الاضطرار إلى الموازنة بين الطبقات المتوسطة والفقراء والتجار في دمشق والعلويين في اللاذقية ضدّ الدائرة الداخلية المتشددة؛ فقد تنفجر هذه التوترات في بعض الأحيان وتتحول إلى أعمال عنف، ورغم أن تكرار الانتفاضات الشعبية عام 2011 أمر غير مرجَّح، فإن مثل هذه الاضطرابات قد تُجبر الجيش الروسي على القيام بدور صانع السلام وتحويل تدخُّله إلى احتلال في أجزاء من البلاد. ومن ناحية أخرى إذا استخدمت روسيا نفوذها في محاولة لدفع المتشددين نحو الإصلاح، فإنها تخاطر بعزل أعضاء الدائرة المقربة من الأسد الذين يلعبون دوراً رئيسياً في الحفاظ على موقف موسكو في سورية. إن هذه الدائرة المتشددة تعتمد على الدعم الإيراني لكثير من أمنها، مع العلم أن طهران تدعم حرباً شاملة لفرض سيطرة كاملة على سورية، ونتيجة لذلك قد تشجع على مقاومة طلبات الإصلاح الروسية. وختاماً فلا بد من القول: إن الموالين للنظام المستبعدين قد يُجبرون موسكو أيضاً على الاختيار بين إنهاء تدخُّلها في سورية مع المخاطرة بترك الميدان لإيران والمتشددين السوريين، أو ربما إحياء تكتيكات موسكو في حقبة الحرب الباردة لمحاولة اختيار قادة الدول الحليفة لها.
محلل في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ستراتفور
المصدر: موقع ستراتفور الأمني
————————————
سوريا المقسمة والمحاصرة «تعرض» شروطها للتطبيع/ إبراهيم حميدي
تريد دمشق فرض شروطها. نعم، على الأقل هذا ما تعرضه وتريده، وتحاوله.
سوريا، المقسمة إلى 3 مناطق نفوذ، وفيها 5 جيوش، تعتقد أنها في وضع القادر على تقديم طلبات لقبول الانخراط وطلبات التطبيع. وهذا الشعور زاد بعد «الصفعة الأفغانية».
لم تتغير المشكلات والأزمات، بل ربما زادت، بل تفاقمت وتعمقت. لكن دمشق ترى أنها في «موقع تفاوضي أقوى»، وأن الزمن لصالحها طالما أن أميركا تخلت عن مبدأ «بناء الأمم» و«تغيير الأنظمة».
هي، تشد ظهرها بموسكو، وتعتقد أنها قادرة على الاعتراض، وعندما تتريث أو تتردد، تمد الدبلوماسية الروسية لها يد المعونة. والأمثلة كثيرة على ذلك؛ خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، وبعضها حصل في الأيام الأخيرة. كانت دمشق قد ترددت باستقبال المبعوث الأممي غير بيدرسن منذ بداية العام الحالي، ثم رفضت، رغم الوعود الروسية. وفي لحظة ما «تدخلت» موسكو وقبلت دمشق. بيدرسن سيلتقي وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يوم السبت.
بالنسبة إلى الجانب السوري، فهو يأتي بعد «درعا». فقبل 10 سنوات انطلقت «شرارة الثورة» من حي درعا البلد. ودمشق تريد العودة حرباً أو سلماً، لتقول إن «المؤامرة بدأت منها وستدفن فيها». ولم يخفِ الموالون لدمشق هذا الكلام. وبالنسبة للمعارضة، فإن «الثورة بدأت من هنا، وشعلتها لن تنطفئ»، وإن «الربيع لن يتحول خريفاً».
لا مانع لدى موسكو في العمل حسب التوقيت السوري، بل إنها أرسلت نائب وزير الدفاع الروسي، الذي وضع قبضته الغليظة، وراء رغبة دمشق. وقالها المسؤول، بوضوح: «سندخل درعا بالسلاح أو السلام». وفعلاً، هذا ما حصل.
الاستعجال الروسي، وراءه سبب آخر، لا تعرف دمشق كل خباياه. فجدول موسكو بالنسبة إلى درعا مرتبط بـ3 مواعيد…
الأول، لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الإسرائيلي مائير لابيد في موسكو أمس، تمهيداً لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت الشهر المقبل. روسيا، قالتها في بيان وزارة خارجيتها قبل وصول الضيف، وهو أنها لا تريد سوريا «حلبة لصراع عسكري بين دول أخرى» لأن هذا يهدد بـ«تصعيد عسكري في المنطقة برمتها». وباللغة المباشرة، تقول موسكو إنها لا تريد للغارات الإسرائيلية في سوريا أن تتحول إلى مواجهة بين دمشق وتل أبيب أو بين طهران وتل أبيب عبر الجولان – درعا.
وكان الجانب الروسي اقترح أن يبلغه الجانب الإسرائيلي عبر الخط الأحمر المفتوح بين قاعدة حميميم وتل أبيب، أي معلومات عن تحركات إيرانية في سوريا، كي يتصرف معها، بدلاً من أن تضربها إسرائيل. لكن تل أبيب لا تثق بتقديم معلومات استخباراتية لموسكو، و«عدم الثقة» تم حله بعلاقة خاصة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والرئيس فلاديمير بوتين، بحيث تغض الصواريخ الروسية المتطورة الطرف عن الصواريخ الإسرائيلية عندما تضرب «مواقع إيران» شرط عدم استهداف القوات السورية أو الروسية طبعاً. وتعبيراً عن اختلال ساعة التنسيق منذ مجيء بينت، ضربت إسرائيل منظومات سورية في سوريا، وأعلنت روسيا عن تشغيل صواريخ روسية ضد طائرات إسرائيل.
يضاف روسياً، إلى هذا عنصر آخر يرتبط بدرعا، ويتعلق بوجود إيران و«حزب الله» في الجنوب. تل أبيب وعمان وواشنطن غير راضية عن مدى تطبيق روسيا للاتفاق الذي عقد في منتصف 2018 ونص على خروج إيران من الجنوب مقابل عودة الجيش السوري. موسكو، تقول إن العودة الكاملة لدمشق إلى درعا البلد ستساهم في تطبيق ما اتفق عليه قبل 3 سنوات، والمسؤول الروسي كان واضحاً في درعا قبل يومين، عندما قال: «نحن في 2021 وليس 2018. وحصلت تطورات كثيرة».
يتعلق الموعد الثاني، باجتماع وزراء النفط السوري والأردني والمصري واللبناني في عمان أمس لبحث نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا. أميركا وافقت على ذلك، بل إن إدارة جو بايدن أقرت استثناء الربط من عقوبات «قانون قيصر» بناء على طلب أردني. لكن كان لدمشق شروط عدة؛ أولها زيارات سياسية لسوريا، وهذا ما حصل لدى مجيء وفد وزاري لبناني لأول مرة منذ 2011 وإحياء المجلس الأعلى. الثاني، اجتماع عربي وزاري بمشاركة سوريا في عمان. ثالثها، إقرار ضمني بقبول العودة الرسمية إلى درعا البلد، باعتبارها ضرورة لإصلاح عشرات الكيلومترات من أنبوب الغاز وفرض الأمن وضبط حدود الأردن.
يخص الموعد الثالث المظلة الأوسع، وهي الحوار السوري – الأميركي، إذ جرى الاتفاق على عقد لقاء بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينيف في جنيف يومي 14 و15 من الشهر الحالي. وكانت واشنطن اشترطت بقمة بوتين – بايدن، قبل أي حوار سياسي أن توافق موسكو على تمديد قرار المساعدات الإنسانية «عبر الحدود». وهذا حصل باتفاق سري بين ماكغورك وفريشنين في جنيف بداية جنيف. اللقاء المقبل، سيتناول تقويماً لنتائج تنفيذ القرار، خصوصاً «الإنعاش المبكر» والمساعدات «عبر الخطوط»، لكن الأهم سيتناول أموراً سياسية وعسكرية، بما يشمل الوجود الإيراني، وخصوصاً في الجنوب، والترتيبات العسكرية والسياسية والاقتصادية بين شرق الفرات؛ حيث قررت أميركا تثبيت بقائها بعد «الصفعة الأفغانية»، وبين دمشق التي تجد نفسها مع موسكو، في موقف تفاوضي أقوى.
كل المؤشرات تدل إلى أن الخلاف الروسي – الغربي لا يزال قائماً في شكل عملي على «النظرة الأولى» أو «من ترمش عينه أولاً». وقال لافروف في جلسات مغلقة مع مسؤولين أوروبيين قبل أيام: «عليكم البدء بالمساهمة في إعمار سوريا والتحدث للأسد باعتباره رئيساً وأمراً واقعاً، ثم يمكن التحرك السياسي». المسؤولون الأوروبيون، يقولون: «يجب تغيير سلوك النظام بداية، قبل النظر في أدوات الضغط الثلاث لدينا، وهي العقوبات والعزل والإعمار».
واقع الحال أنه بينما ينتظر السوريون على جمر الخراب «النظرة الأولى» من اللاعبين الخارجيين، يواصل الجانب الروسي قضم الشروط واختراق المرجعيات الغربية وفتح النوافذ والشرايين؛ خصوصاً أن مواقيت الصبر للدول المجاورة لسوريا لا تتطابق مع برنامج الدول الغربية، المصدومة بأفغانستان.
الشرق الأوسط
—————————————–
لا إشارة للاجئين.. هل تمهد صفقة الغاز اللبنانية للتطبيع العربي مع الأسد وإنهاء عزلته الدولية؟
عربي بوست
زاد الحديث عن التطبيع العربي مع الأسد بعد تحركات سعودية أخيرة، وصفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، إضافة إلى المواقف الأردنية، فهل يحدث تطبيع عربي مع سوريا، وهل يقود هذا التطبيع إلى إنهاء عزلة الأسد الدولية، وكيف سينعكس ذلك على اللاجئين السوريين.
وثمّة من يرى أن الحرب في سوريا حُسمت عسكرياً لصالح قوات النظام والقوات الحليفة لها منذ عام 2018، بخروج مقاتلي المعارضة المسلحة من محيط العاصمة ومحافظة درعا القريبة منها، وأن فرص إسقاط النظام عسكرياً باتت “معدومة” تماماً.
وبدفع من حكومات عربية، يدور نقاش عميق في أوساط جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأناضول.
ومن الواضح أن النقاش العربي حول عودة سوريا للجامعة العربية يتركز على تخفيف النفوذ الإيراني في دمشق، أما مسألة وضع المعارضة أو حقوق الشعب السوري أو إجراء بعض الإصلاحات الدستورية- وهي الشروط السابقة التي سبق أن تحدث عنها مسؤولو الجامعة العربية- ففي الأغلب تراجعت أهميتها، حتى لو كانت مازالت مثارة على المستوى الشكلي، خاصة أن الدول العربية الرئيسية المعنية بالأزمة السورية مثل السعودية ومصر هي معادية لأي إصلاحات ديمقراطية عامة، كما أن أولوية محاربة التوجه الإسلامي للمعارضة السورية وعلاقتها مع تركيا باتت أهم لديها من حقيقة أن نظام الأسد هو نظام طائفي يستند إلى الأقلية العلوية لاضطهاد الأغلبية السنية في سوريا.
ولكن اللافت في التطورات الأخيرة، المتعلقة بسوريا، أنها لا تؤشر إلى توجه لإنهاء عزلتها العربية، بل هناك مؤشرات على توجه قد يكون أخف لإنهاء عزلة الأسد الدولية أيضاً، حسبما يظهر من صفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والأردن التي هي فكرة أمريكية.
جدل في الجامعة العربية
وعلقت الجامعة نشاط سوريا، في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين.
وبعد مرور عشر سنوات من الحرب في سوريا، لا يزال البلد يعاني من عدم استقرار داخلي وتراجع المستوى المعيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مع عزلة سياسية حاول النظام الخروج منها عبر بوابات عديدة، مثل العراق وروسيا وإيران.
وقدمت دول عربية، في بداية الصراع السوري، الكثير من الدعم السياسي والمالي والتسليحي لفصائل المعارضة السورية منذ أواخر 2011، بعد أشهر من توجه الثورة السورية إلى الخيار المسلح لمواجهة القمع من طرف القوات الأمنية وحملات القتل والاعتقالات.
وكان للعمليات العسكرية في سوريا تداعيات مباشرة على أمن واستقرار دول الجوار السوري، لبنان والعراق والأردن وتركيا.
وسبق أن نفى مسؤولو الجامعة العربية، وجود نية قريبة لإعادة نشاط سوريا في الجامعة أو حضورها قريباً للقمة، وكان من الواضح من تصريحاتهم أن هناك اعتراضاً سعودياً إضافة إلى الاعتراض القطري.
في كل الأحوال، لم تكن سوريا ونظام الحكم فيها معزولة بالكامل سياسياً واقتصادياً، حتى مع قرار الجامعة تعليق عضوية سوريا، حيث وقفت معظم الدول العربية في شمال إفريقيا والعراق وسلطنة عمان ودول أخرى، بينها مصر، على الحياد في الصراع الداخلي، مع استمرار قنوات التواصل مع النظام.
وأكد التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية (منذ 2015)، وقبله الدعم الإيراني بعشرات الآلاف من مقاتلي المجموعات الشيعية المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بقاء نظام بشار الأسد في الحكم وتراجع احتمالات إسقاطه عسكرياً.
وعلى ما يبدو، فإن الكثير من الدول العربية أدركت في وقت مبكر هذه الحقيقة، ورأت أن من مصلحتها إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام الحاكم في دمشق.
لكن التحول الأكبر في الموقف العربي كان بدايات عام 2017، الذي شهد خسارة المعارضة المسلحة معركة حلب (شمال)، وخلال 2018 عندما خسرت معارك ريف دمشق ومحافظة درعا (جنوب) وتسليمها أسلحتها للنظام والقبول بالخروج من تلك المناطق إلى الشمال السوري، الذي تسيطر عليه فصائل الجيش الوطني (المعارض) وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى.
وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، نهاية 2018، على مستوى القائمين بالأعمال، بينما فشلت تونس والجزائر في إعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق، لتصبح أول دولة خليجية تعيد تمثيلها الدبلوماسي على مستوى السفراء.
السعودية المعترض الأكبر تغيير موقفها
ووفقاً لتقارير إعلامية، أعادت السعودية، في مايو/أيار الماضي، فتح قنوات اتصال مباشرة مع سوريا، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، الفريق خالد الحميدان، لدمشق ولقائه بشار الأسد، ورئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك.
وهو ما أكده متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لقناة “الحرة”، بقوله إن “الوزارة على علم بالتقارير التي تحدثت عن محادثات سورية سعودية جارية لإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق”.
وسبق ذلك حضور وزير السياحة السوري، محمد رامي رضوان مرتيني، مؤتمراً بالرياض في مارس/آذار الماضي، ليصبح أول مسؤول سوري يزور المملكة علناً منذ 2011.
لكن الموقف الرسمي السعودي لا يزال متمسكاً بالحل السياسي، برعاية وإشراف الأمم المتحدة، لوقف الحرب، علماً أن الموقف السعودي سيكون له تأثير كبير على دول الخليج والأردن ومصر، إضافة إلى نفوذها في الجامعة العربية.
وكانت السعودية استدعت سفيرها من دمشق، في أغسطس/آب 2011، ثم أعلنت في مارس/ آذار 2012 إغلاق سفارتها وسحب جميع الدبلوماسيين والعاملين فيها.
زيارة غير مسبوقة لوزير الدفاع السوري للأردن
قبل أيام، أجرى وزير الدفاع السوري أول زيارة للعاصمة الأردنية عمان منذ 2011، والتقى خلالها رئيس الأركان الأردني ومسؤولين آخرين، بعد توقف الدعم الأردني، بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول خليجية، لفصائل المعارضة المسلحة جنوبي سوريا.
كما سمح الأردن بمرور الغاز المصري وإمدادات الكهرباء الأردنية إلى سوريا، ومن ثم إلى لبنان.
وبالإضافة إلى هذه المستجدات من جانب الأردن، تخطو دمشق خطوات أخرى على طريق إعادة الاندماج في محيطها العربي عبر بوابة العراق، الذي كان راغباً في دعوة رئيس النظام السوري لمؤتمر الشراكة والتعاون في بغداد (أغسطس/آب الماضي)، لولا الضغوط الفرنسية والتركية، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
كان الأردن وسوريا على طرفي نقيض منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، حيث تحالف الرئيس السوري بشار الأسد مع روسيا، بينما انحاز العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى جانب الولايات المتحدة.
لكن زيارة أيوب قد تُمثل نقطة تحول دبلوماسية، حيث من المتوقع أن يزور مسؤولون سوريون آخرون رفيعو المستوى عمان في المستقبل، لكن كيف تُبرر المملكة الهاشمية تحولها السياسي؟
اعتبارات أمنية
الآن في عامه العاشر، تسبّب الصراع في سوريا في أسوأ أزمة لاجئين في العالم، حيث فرّ أكثر من 5.6 مليون سوري إلى البلدان المجاورة، وأكثر من مليون يعيشون في أوروبا.
قُتل حوالي نصف مليون شخص في الصراع السوري، بما في ذلك آلاف الأشخاص المحتجزين في سجون المخابرات السورية، الذين لقوا حتفهم نتيجة التعذيب الوحشي.
وثَّق تقرير للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر زيادة في القتال في الآونة الأخيرة داخل سوريا، مصحوبة بـ”عودة الحصار والتكتيكات الشبيهة بالحصار” في بعض أجزاء البلاد، بما في ذلك محافظة درعا الجنوبية الغربية، مسقط رأس الثورة السورية، وواحدة من آخر معاقل مقاتلي المعارضة.
التطبيع العربي مع الأسد
وسبق أن اتهمت دمشق الأردن بتدريب مقاتلين من المعارضة والسماح لهم بدخول سوريا عبر حدودها.
تدهورت العلاقات بين البلدين إلى درجة طرد الأردن السفير السوري بهجت سليمان من البلاد في عام 2014.
لكن بحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا)، فإن لقاء أيوب مع رئيس أركان الجيش الأردني العماد يوسف الحنيطي كان يهدف إلى “ضمان سلامة الحدود المشتركة بين البلدين، والوضع في جنوب سوريا، ومحاربة الإرهاب، والعمل معاً من أجل وقف تهريب المخدرات”.
وبحسب الجنرال الأردني المتقاعد مأمون أبو نوار، فإن زيارة وزير الدفاع السوري هدفت إلى “تعزيز الأمن على الحدود، بعد أن استعاد الجيش السوري السيادة على المناطق الجنوبية القريبة من الحدود الأردنية”.
قال أبو نوار لموقع Middle East Eye: “المفتاح هو ضمان عدم انتقال الفوضى في سوريا إلى الأردن”.
وقال الجنرال المتقاعد إن عمان تلقت تأكيدات بأن الميليشيات المدعومة من إيران لن تكون في المنطقة الحدودية الآن، بعد أن حصل الأردن على إعفاء من قانون قيصر الأمريكي، الذي فرض عقوبات على أي تجارة مع الحكومة السورية.
من دعوة الأسد للتنحي إلى التطبيع والتنسيق الأمني
وتأتي الزيارة في الوقت الذي سعى فيه الأردن مؤخراً إلى تطبيع العلاقات مع الأسد، وهو انقلاب قوي للموقف السابق للحكومة.
في عام 2017، لمّح الملك عبد الله إلى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بأن على الأسد أن يستقيل. قال الملك في ذلك الوقت: “الحس السليم يملي على شخص ما، الذي هو زعيم إراقة الدماء هذه تجاه شعبه، أن يمضي قدماً”.
لكن عبد الله تبنى منذ ذلك الحين نهجاً أكثر براغماتية، حسب وصف الموقع البريطاني، حيث قال لشبكة سي إن إن في يوليوتموز الماضي، إن الأسد وحكومته كانوا يقيمون في سوريا لفترة طويلة، وبالتالي فإن الحوار والتنسيق ضروريان.
الأردن بوابة الأسد للعودة للجامعة العربية
في 19 أغسطس/آب 2021، قال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، إن الأردن ومصر يدفعان لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية. وصرح رئيس الوزراء لصحيفة الإندبندنت البريطانية، أن “الأردن وحكومة مصر ودول شقيقة أخرى ترغب في استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية”.
المعلق الأردني مالك عثامنة يرى أن هذا التغيير “في مصلحة الطرفين”.
وقال لموقع Middle East Eye: “هذا التقارب بين البلدين يخدم مصالحهما الخاصة”. منذ زيارة الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض، في يوليو/تموز الماضي، ومناقشته للقضايا السورية واللبنانية، فهمت واشنطن موقف الأردن من محاولة تغيير الموقف السوري بدلاً من تغيير النظام بأكمله.
ونتيجة لذلك، تمكن الأردن من الحصول على تنازل عن حركة المنتجات ونقل الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، وكل هذا أدى إلى تحسين فرص التوصل إلى تفاهم إقليمي جديد.
هناك دوافع اقتصادية أيضاً
تحرك الأردن نحو سوريا، التي أعاد فتح معبر حدودي معها لتعزيز اقتصاده، جاء بعد أن شهدت المملكة أزمات متتالية جراء جائحة “كورونا”، وخفض الولايات المتحدة والدول الخليجية مستوى الدعم والمساعدات لعَمان.
في غضون ذلك، كشف وزير شؤون الإعلام الأردني، صخر دودين، في لقاء مغلق مع منتجي الإذاعات الأردنية مؤخراً، عن “عقد اجتماع لوزراء سوريين وأردنيين خلال الأسابيع المقبلة، لبحث مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية بين البلدين”.
وبحسب دودين، “تم التخطيط لعقد اجتماعات لوزراء الطاقة والمياه والزراعة، والتي ستنسجم بشكل جيد مع خطط الحكومة الأردنية الجديدة للمرحلة المقبلة من العلاقات مع الدول المجاورة، التي تهدف إلى التنمية الاقتصادية”.
عقد في الواقع اجتماع في عمان، في 8 سبتمبر/أيلول، بين وزراء الطاقة في مصر وسوريا ولبنان والأردن، ناقشوا فيه تفاصيل إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والأردن.
قال خالد شنيكات، الرئيس الأردني السابق لجمعية العلوم السياسية، إن الأردن الذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري تضرّر اقتصادياً من قطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود. انخفض الميزان التجاري الأردني مع سوريا من 615 مليون دولار في عام 2010 إلى 94 مليون دولار في عام 2020، وفقاً لإحصاءات أردنية رسمية.
وقال شنيكات إن “الأردن وعدد من الدول الغربية يرون أن الاستقرار في سوريا أولوية على وجود مجموعات عسكرية تسبب المشاكل”.
كما يتحرك النظام السوري عبر بوابة لبنان، يساعده في ذلك أن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون حليف للأسد، ويرى أن كلاهما حليف طبيعي، باعتبارهما ينتميان للأقليات في مواجهة الأغلبية السنية في المنطقة.
كما أن حزب الله وحلفاء سوريا الآخرين نافذون في الحكومة اللبنانية، خاصة الجيش والأمن العام الذي يسيطر عليه الشيعة.
وللمرة الأولى استقبلت دمشق وفداً رسمياً لبنانياً قُبيل تشكيل حكومة رئيس الوزراء الجديد، نجيب ميقاتي (نالت ثقة البرلمان مؤخراً)، الذي تربطه بدمشق علاقة وثيقة تمتد لسنوات، عززتها استثماراته الضخمة في المرافق الاقتصادية السورية.
اتفاق الطاقة مع لبنان: هل يكون بداية نهاية عزلة الأسد؟
ينظر البعض إلى اتفاق سوري – أردني جديد للطاقة من أجل لبنان على أنه خطوة أخرى نحو إعادة التأهيل الدولي لنظام الأسد الوحشي، حسب وصف تقرير لموقع دويتشه فيله “DW” الألماني.
خطة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا مدعومة من الحكومة الأردنية وسفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان، دوروثي شيا. وترى الأخيرة أنها وسيلة لمواجهة النفوذ الإيراني في لبنان.
في 19 أغسطس/آب، قال زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، إن حليفته إيران ترسل شحنات وقود لمساعدة لبنان على تجاوز أزمة قوته. في اليوم نفسه، أعلن شي أن الولايات المتحدة كانت تتحدث مع مصر والأردن حول حلول مختلفة لأزمة القوة اللبنانية.
وقال شيا إن بعض ما يُعرف بعقوبات قانون قيصر- الذي سمي على اسم المصور العسكري السوري الذي انشق ومعه 53 ألف صورة توثق التعذيب والقتل من قبل حكومة الأسد- يمكن تعديله للتعامل مع عمليات نقل الوقود إلى لبنان عبر سوريا.
في المجمل، ينظر البعض إلى الاجتماعات رفيعة المستوى وتخفيف العقوبات على أنها علامة أخرى على أن حكومة الأسد الوحشية تخضع لشيء من إعادة التأهيل الدبلوماسي، حسب الموقع الألماني.
قال جوليان بارنز-داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـDW: “أعتقد أن وصفها بـ”إعادة التأهيل الدبلوماسي” يذهب بعيداً بعض الشيء. ومع ذلك، أقر بأن “نوعاً من إعادة التكامل الإقليمي مستمر منذ فترة”.
وأوضح بارنز داسي: “بشكل عام، قبلت الحكومات في المنطقة أن الأسد قد نجا وأنه سيبقى [في السلطة] لبعض الوقت”. وقال: “لذلك من مصلحتهم تطبيع العلاقات مع سوريا. هناك قضايا اقتصادية وقضايا طاقة تعمل لصالح الجميع”.
أشارت بارنز-داسي إلى أن سوريا والأردن، اللتين تعانيان من ضائقة اقتصادية صعبة، سبق لهما القيام بتجارة كبيرة عبر الحدود مع بعضهما البعض.
يتعلق الأمر أيضاً باستخدام الولايات المتحدة لأسلوب أكثر ليونة بالشرق الأوسط في عهد الرئيس جو بايدن. وأكدت بارنز-داسي أن “إدارة بايدن لن تستثمر في وضع نظام الأسد تحت ضغط كبير”، “والنتيجة هي أن الجهات الفاعلة الإقليمية أعادت ضبط توجهاتها تجاه الأسد”.
هل صفقة الطاقة مجرد استثناء؟
قال جاي بيرتون، أستاذ الشؤون الدولية في كلية بروكسل للحكم، والذي يركز عمله على الشرق الأوسط: “ما إذا كانت صفقة الطاقة المقترحة ستؤدي إلى إعادة تأهيل دبلوماسي لسوريا، يعتمد إلى حد كبير على أي جانب من الطاولة تجلس”.
ومن المؤكد أن النظام السوري نفسه سيستخدمها على هذا النحو. وقد يرحب به بعض جيرانه العرب، مثل الأردن ومصر ودول الخليج، الذين يرون أنه وسيلة للحد من النفوذ الإيراني.
لكن من المهم أن نتذكر أن الغاز والكهرباء سيمران فقط عبر سوريا، كما يقول كرم الشعار، المستشار المستقل في الاقتصاد السياسي السوري والمحاضر البارز في سياسات الشرق الأوسط بجامعة ماسي في نيوزيلندا.
وأضاف: “ستحصل هذه المعاملة فقط على تنازل خاص من الولايات المتحدة”، ولكنه لفت إلى أن “الشركة التي تشغّل خط الأنابيب ستظل خاضعة للعقوبات”.
قال الشعار، الذي نشر ورقة بحثية عن قطاع الكهرباء بسوريا في أغسطس/آب 2021، إن ما يسمى بخط الغاز العربي المصمم لجلب الغاز من مصر يعمل بالفعل. وأضاف أن شبكة الكهرباء بين سوريا والأردن- بالقرب من درعا، حيث اندلع قتال خطير مؤخراً- تضررت ولكن يمكن إصلاحها في غضون بضعة أشهر مقابل أقل من 4 ملايين دولار (3.4 مليون يورو).
بالنسبة للشعار، وهو نفسه سوري الجنسية، فإن التقارب الأردني-السوري له ما يبرره بطريقة واحدة على الأقل: “سيفيد اللبنانيي، بل ويفيد الشعب السوري، لأن الغاز والكهرباء مهمان للبلاد”.
ولكنه يرى أنه غير مبرر “إذا كان هذا جزءاً من مخطط أكبر لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد”.
وأضاف بيرتون: “هناك خطر في أنه كلما زاد تطبيع موقف الأسد، يمكن أن تكون لذلك تداعيات على اللاجئين”. تستضيف كل من لبنان والأردن أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين وتطالبهم بالعودة إلى ديارهم.
وتابع بيرتون قائلاً إن هناك انعدام سلام أو عدالة في سوريا، مما يدعم قضية استمرار عزل نظام الأسد.
وخلص بيرتون إلى أن المشكلة تكمن في أن هذا الرأي الخاص بضرورة الوضع في الاعتبار أوضاع السوريين تحت حكم الأسد، يُتبنى في الغالب من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين. وقال بيرتون: “على النقيض من ذلك، بالنسبة لدول أخرى مثل روسيا وإيران وربما الآن بعض الدول العربية، فإن مثل هذه القضايا أقل أهمية بكثير. بالنسبة لهم، فإن النظام والاستقرار هما الأكثر أهمية”، “ومن المرجح أن يكونوا سعداء مع من يستطيع تحقيق ذلك، وضمن ذلك الأسد نفسه”.
اللافت أن هناك دولاً أوروبية تتحدث عن نيتها إعادة فتح سفاراتها في دمشق، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا والتشيك.
وسيكون تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري تعزيزاً لشرعيته، التي تتعارض مع مواقف كثير من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وغيرها من الدول التي ترى أن هذا النظام فقد شرعيته منذ استخدامه الأسلحة الكيمياوية ضد مدنيين سوريين في 2013.
ولا تزال الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تضغط على النظام السوري، عبر عقوبات سياسية واقتصادية، لعزله وإجباره على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ومخرجات مؤتمر جنيف لتسوية الصراع السوري سياسياً.
لكن النظام ظل يماطل في التوصل إلى اتفاق عبر جولات تفاوض في جنيف برعاية الأمم المتحدة، ويأمل استعادة شرعيته عبر فتح قنوات تواصل مع عدد من الدول العربية لترسيخ سلطاته على الأراضي السورية بالكامل وتحقيق الاستقرار اللازم لإعادة إعمار المدن التي خربتها الحرب منذ 2011.
ويرى مراقبون أن الانفتاح العربي على دمشق جاء نتيجة لتغيير الولايات المتحدة استراتيجياتها في المنطقة بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني الماضي.
وكذلك تبعات سياسات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب (2017-2021)، الذي تبنى شعار “أمريكا أولاً”، واتجاه واشنطن حالياً لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، والتركيز على إبقاء عمليات الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود مفتوحة في أجزاء من سوريا لا تخضع لسيطرة قوات النظام.
وتستند معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا إلى افتراض غير واقعي بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية بسوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار.
وعلى الرغم من عدم توافر معطيات عن إمكانية تفكيك التحالف بين النظام السوري وإيران، وعدم وجود إرادة سياسية أو رغبة لدى النظام، فإن الإمارات والبحرين ودولاً أخرى تعتقد أن التطبيع مع النظام واستعادة الدور السوري في محيطيه العربي والإقليمي سيتكفلان بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
ولكن التجربة أثبتت أن علاقة النظام السوري مع إيران تتجاوز أي ضغوط، لأنها تستند إلى عوامل طائفية، جعلت نظام الأسد يؤيد إيران في حربه ضد العراق في عهد صدام حسين رغم أن دمشق وبغداد كانتا محكومتين من حزب البعث، كما أن الروس بدعمهم القوي للأسد، ونفوذهم الهائل في سوريا، لم يستطيعوا تقليل النفوذ الإيراني المتغلغل في كل مكان بسوريا، وفي كل مؤسسات نظام الأسد.
الأهم أن التطبيع العربي أو الغربي مع سوريا دون تغيير النظام لسلوكياته من شأنه تضييع فرصة لإجباره على تقديم بعض التحسينات في الأوضاع الإنسانية بالبلاد، بل العكس سيؤدي إلى تشجيعه على مزيد من العنف ضد المدنيين ومناطق المعارضة.
ماذا عن اللاجئين السوريين؟
القضية التي قد تكون أهم بالنسبة للغرب ودول الجوار أن هذا التطبيع العربي مع الأسد وإنهاء عزلته الدولية من شأنه تضييع فرص الضغط عليه لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي المسألة التي يقاومها النظام بشدة؛ لرغبته في تغيير هوية سوريا الديموغرافية وجعل العرب السُّنة أقلية.
علماً بأن الأسد قاوم ضغوطاً روسية لإعادة اللاجئين مقابل رفع أو تخفيف العقوبات الغربية، رغم ما في ذلك من فائدة للطرفين: ينهي قادة الدول الأوروبية أزمة اللجوء التي تحفز اليمين المتطرف، فيما يكسب الأسد بعض الأموال، لحكومته المفلسة.
ولكن طبيعة نظام الأسد تجعل الغنائم الديموغرافية للحرب وفرار اللاجئين للخارج ستحلان له مشكلة أبدية وهي: سوريا بلد ذو أغلبية عربية سنية تحكمه أقلية علوية، أهم من إنهاء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها بمزيد من القمع أو تشجيع تهريب المخدرات، إلى حين ييأس العالم، ويضطر للتعامل معه.
والمفارقة هنا أنه بينما يكاد يسقط قادة غربيون كبار بسبب أزمة اللاجئين السوريين مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي فقدت شعبيتها بسبب توسعها في استقبالهم، فإن الأسد باقٍ في منصبه رغم جرائمه بحق هؤلاء اللاجئين.
عربي بوست
————————————-
هل ينجح الأردن في تدوير زوايا الملف السوري؟/ غازي دحمان
تشهد المنطقة، في الشهرين الأخيرين، حراكاً غير اعتيادي، يظهر على سطحه دور بارز للأردن، الذي يحاول، وبشكلٍ لا لبس فيه، تدوير الزوايا الحادّة في ملفات المنطقة، وبالتحديد الملف السوري، الذي يرتبط بفاعلين إقليميين ودوليين كثر، ما يعني أن جميع هؤلاء، بإرادتهم أو من دونها، إما سيكونون منخرطين في هذه العملية، أو أنهم سيضطرون لصياغة أسلوب مواجهة لهذا التحرك.
ليس خافياً أن الملف السوري من أكثر الملفات خطورة وتعقيداً. ونتيجة ذلك التعقيد، دخل هذا الملف في حالة ستاتيكو، بسبب خلافات الفاعلين على إدارته، وتصارع الرؤى حول الحل السياسي المنتظر، وحدّة الاستقطابات الناتجة عن هذا الصراع، ما أدّى إلى انكفاء اللاعبين عن طرح أي مبادرةٍ جديدةٍ لتحريك الأوضاع الراكدة، والتي وصلت إلى حدود مأساوية.
إزاء هذا الوضع، لم يعد ممكناً التعاطي مع الملف السوري بشكل مباشر، أو بشكل شامل، وهو الأمر الذي تنبهت له بعض الأطراف الإقليمية، وخصوصا الأردن، والأطراف العربية التي تقف خلفه، والراغبة في تغيير المقاربة في الملف السوري، من الغرب.
تقوم المقاربة الجديدة على تدوير الزوايا الحادّة لتسهيل حصول عملية اختراق للملف المعقّد. وبالاعتماد على مفاتيح من نوع مراعاة الواقع الاقتصادي الإقليمي المنهك، وموقع سورية الجغرافي الحاكم، وخصوصا لجهة كونه بوابة أوروبا برّياً للأردن ومصر والخليج. وبالتالي، استمرار العقوبات عليه هو عقاب لهذه الأطراف، ووسيلة لقطع سلاسل التوريد مع أكبر سوق اقتصادية في العالم، الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى حقيقة أن بلداناً مثل لبنان محكومة جغرافياً بالمرور عبر سورية، وكذا إمكانات إنقاذه من مأزقه محكومة أيضاً بوصول الدعم العربي له من سورية.
من الطبيعي أن يتم طرح السؤال عن سبب هذا التحرّك في هذا التوقيت، مع أن الطابع العام أن العامل الاقتصادي هو المحرّك والدافع والمبرّر الرئيسي لهذا الحراك، لكن هذا العنوان يطوي تحته حزمةً من التداعيات التي ستُنتجها مخرجات الحراك القائم، إنْ بسبب ترقية النظام السوري من نظام معزول إلى أحد الأطراف السياسيين المنوط بهم إدارة مرحلة انتقالية للعلاقات الإقليمية والدولية في المنطقة، أو نتيجة التفاعلات التي ستترتب على هذا الحراك، سواء داخل نواة الحكم السورية، أو بالنسبة لردّات فعل اللاعبين الإقليميين والدوليين المحرّكين لنظام الأسد.
من حيث الشكل، يبدو أن الأردن يدير لعبةً هدفها النهائي إعادة تقييم أوزان اللاعبين في الملف السوري، عبر إضعاف التأثير الإيراني، ولكن بطريقة غير صدامية، عبر الالتفاف على الدور الإيراني، من خلال جملةٍ من الإجراءات التي لا تدخل ضمن دائرة التأثير الإيراني في سورية، ولا تتعارض معها، مثل تفعيل طرق التجارة بين سورية والدول العربية، أو دعم إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية. وهذه القضايا، على الرغم من أهميتها، لا تصطدم، من قريب أو بعيد، بالمشروع الإيراني في سورية، ما يضمن عدم إثارة العناصر المتطرّفة في إيران واضطرارها لردّات فعل عنيفة.
ولأن هذه المسارات يصعب التحرّك فيها بدون ضوء أخضر أميركي وروسي، فقد زار الملك عبد الله الثاني الولايات المتحدة وروسيا على التوالي، ويبدو أن ما جرى الإعلان عنه عقب الزيارتين لم يكن سوى كلام عام وبروتوكولي، في حين أن التسريبات المتتالية تؤكد أن ملك الأردن قد وضع على طاولة مباحثاته في واشنطن ولندن خططاً لإعادة صياغة، ليس الملف السوري وحسب، وإنما هندسة المنطقة من جديد، بما يضمن مصالح اللاعبين الأساسيين، الأميركي والروسي، ويخرج المنطقة من أوضاعها المأزقية نتيجة انهيار الدولة الوطنية في أكثر من بقعة.
تقوم الركيزة الأساسية في هذه الخطط على طي صفحة الحرب السورية ونتائجها، فما دام لم تعد للاعبين الأساسيين على طرفي الصراع أهداف كبرى، من نوع تغيير النظام السوري، بالنسبة للولايات المتحدة، وما دامت روسيا قد وصلت إلى ذروة مطامحها في الملف السوري، ولم يعد هذا الملف قادراً على إضافة أشياء جديدة لموسكو، فإنه يتوجّب الانطلاق من هذه الحقائق لصياغة تسويةٍ لهذا الملف تساهم مخرجاتها في حل الأزمات التي تولدت عن الصراع السوري، اللاجئين والفوضى الأمنية وتحوّل سورية إلى مصنع للمخدّرات يهدّد الأمن الإقليمي والدولي.
ليس معروفا مدى تجاوب إدارة الرئيس الأميركي بايدن مع الطرح الأردني. ولكن، واضح تماماً أنها بدأت تغضّ النظر عن محاولات التقارب العربية مع النظام السوري، وقد يكون ذلك أحد الوعود التي حصل عليها الملك في واشنطن، وقد وصف المحلل السياسي في مجلة فورين بوليسي الأميركية نيل كويليام هذا التحرّك بـ”محاولة إجراء تموضع مسبق” قبل تسوية سياسية مقبلة، بدلاً من خطواتٍ نهائية نحو تطبيع العلاقات مع الأسد في ظل الوضع الراهن، معتبراً أن ذلك يأتي في سياق بحث الدول العربية عن طرق لتطوير حل عربي للحرب. ومن خلال القيام بذلك، إعادة سورية إلى ما يسمى “الحضن العربي”. وبالطبع، العامل الاقتصادي، حسب تحليل كويليام، يلعب دوراً أساسياً في المساعي العربية، نتيجة طموح الدول العربية في الحصول على حصّة مهمة من عوائد عملية الإعمار.
لكن، لا بد أن الأردن، وغيره من الأطراف العربية، يدركون استحالة تحقيق أي اختراق في الملف السوري، إذا لم يكن اللاعبون الأساسيون، أميركا وروسيا، وحتى إيران، ضامنين لمصالحهم، وإذا لم تتناسق التحرّكات التي يجريها الآخرون مع هذه المصالح. من هنا يبدو أن مشوار الأردن قد يكون طويلاً في مهمة تدوير زوايا الملف السوري، بما يستدعي سهر المطبخ السياسي الأردني ليالي طويلة.
العربي الجديد
———————————————
“ضاقت حلقاتها” على الأسد
عربي بوست
سوريا تشهد أزمة اقتصادية غير مسبوقة تُهدد بتدمير ما تبقَّى من أركان النظام والنجاح فيما فشل فيه ثوار الشام قبل 10 سنوات.. الوضع الراهن وسيناريوهات المستقبل
في الأسابيع الأولى من عام 2021، دعا بشار الأسد مجموعة من الصحفيين الموالين إلى لقاء تضمَّن أكثر من مفاجأة.
الأولى أنه اختار “الصراحة” عند الحديث عن الأزمة الاقتصادية.
قال “الطاغية” إنه لا يملك حلولاً ملموسة للمحنة الشديدة التي تمر بها البلاد وتؤرق الشعب.
وأظهر الرجل دون تردد عجزه عن فعل أي شيء.
سأله أصدقاؤه “الموالون” عن انهيار العملة الذي أضر بالرواتب.
والارتفاع الهائل لأسعار السلع الأساسية.
والنقص الحاد في الوقود والخبز.
وكان رده الوحيد مفاجأة أخرى، فقد طلب من القنوات التلفزيونية “إلغاء برامج الطهي حتى لا تعذب السوريين بتصوير وجبات بعيدة عن متناولهم”!.
صحيفة New York Times التي نقلت إجابات الأسد، قالت في تقريرها إن التهديدات المباشرة للأسد لم تعُد فقط الفصائل المتمردة والقوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، تصل إلى نحو 30%.
ما يهدد الآن بإسقاط الأسد من عرشه هي الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعاقت جهود إعادة إعمار المدن المدمرة، وأدت إلى إفقار السكان، حيث بات العديد من السوريين يكافحون للحصول على ما يسد رمقهم من الغذاء.
الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوري هي الأسوأ منذ بداية الحرب عام 2011.
إذ تراجع سعر الليرة مقابل الدولار بالسوق السوداء في ربيع 2021 إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
انخفضت قيمة الرواتب وارتفعت تكلفة الواردات.
قفزت أسعار المواد الغذائية بأكثر من الضعف خلال العام المنصرم، حتى إن برنامج الغذاء العالمي حذر من أن 60% من السوريين، أي 12.4 مليون شخص، باتوا معرضين لخطر المجاعة.
إنها أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تُهدد بتدمير ما تبقى من أركان النظام.
تهدد حتى الأقلية العلوية، التي يعتمد عليها النظام في العديد من المؤسسات والأجهزة الأمنية، وخاصة في الشرطة السرية والقتال في صفوف الجيش.
هكذا تطورت محنة الحرب الأهلية السورية التي التهمت الحجر والبشر في 10 سنوات عجاف، لتقترب من وضع لافتة “النهاية” المؤلمة للمحنة.
لكنها ليست أبداً نهاية سعيدة، حتى لو كانت تعني انهيار نظام الديكتاتور، والبحث عن بدائل له وسط الركام.
هذا التقرير يستعرض الأزمة غير المسبوقة للاقتصاد السوري في ظل الحرب، والمصاعب التي تواجه المواطن السوري للحصول على عمل وطعام، بعد أن التهمت وحوش البطالة والتضخم وانهيار الليرة كل شيء، ووضعت رأس النظام في متاهته الأخيرة.
بداية الانتفاضة:
فتش عن الاقتصاد
في موعدها قبل 10 سنوات خرجت المظاهرات في مدن سوريا.
في 2011 تظاهر السوريون ضد بطش النظام وطغيانه، لكنهم في 2021 تظاهروا ضد الفقر والبطالة وضيق العيش.
خرجت مظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سوريا، إضافة إلى درعا في الجنوب، إحياء للذكرى العاشرة للثورة السورية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها السوريون في الآونة الأخيرة أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر في البلاد 86 ضعفاً بحسب أرقام الأمم المتحدة.
منذ اندلاع الثورة السورية يكافح نظام بشار الأسد من أجل إبقاء الحياة مستمرة حتى في قلب منطقته الحيوية، إلا أن الحرب دمرت جزءاً كبيراً من البلد الذي يسيطر الأسد على ثلثي أراضيه، فضلاً عن أن النظام يواجه أيضاً عقوبات غربية.
يدخل الصراع في سوريا الآن عامه الـ11 ليتحول إلى أحد أطول الصراعات وأكثرها ترويعاً في التاريخ، حيث تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون سوري، وفي معاناة إنسانية غير مسبوقة ما زالت مستمرة، فيما لم يظهر الرئيس “المستبد” بشار الأسد أي التزام حقيقي حتى الآن بحل سياسي مدعوم دولياً للصراع.
العنف الذي بدأه الأسد شكل أكبر كارثة بشرية من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن العنف لم يهدد عرش بشار.
وانتفاضة الثوار التي اندلعت في 2011، لم تنجح حتى الآن في إسقاط الطاغية، لكن يبدو أن الانهيار الاقتصادي الشامل سينجح.
فقد الاقتصاد السوري خلال عشر سنوات من أزمة مستمرة وحرب طاحنة متعددة ثلثي مقدراته. وبفعل تبعات الحرب والعقوبات أضحت غالبية السوريين تحت خط الفقر.
قبل الكارثة بأعوام قليلة
اعتمدت سوريا في اقتصادها قبل الحرب على دعائم متينة وقوية، نظراً لموقعها الاستراتيجي في التبادل التجاري، ومناخها وتربتها الخصبة ومصادرها المائية العديدة، إضافةً إلى مدنها الصناعية التي كانت تُعتبر إحدى أهمّ مدن الشرق الأوسط.
نهايات عام 2010، شهدت سوريا تطوراً متسارعاً في مدخلات الاقتصاد السوري، من حيث الصناعة والزراعة والسياحة، وباتت سوريا دولة تعتمد على الاكتفاء الذاتي، لديها صفر مديونية.
كانت سوريا بوابة عبور الشرق إلى الغرب، ونافذة أوروبا إلى العالم العربي، لأسباب عديدة.
كانت نسب الأمان المرتفعة تجذب لها ملايين السيّاح حول العالم، ليطّلعوا على حضارة تلك البلاد العريقة.
وكانت حلب في أوج ازدهارها حين كان يُصدَّر الفائض الوفير من منتجاتها إلى كلٍّ من العراق ولبنان والأردن ودول الخليج، إضافةً إلى تركيا وأوروبا.
كلّ تلك الدول كانت سوقاً مفتوحاً أمام المنتجات السورية المختلفة، منها النسيجية والهندسية والميكانيكية والورقية والغذائية، إضافةً إلى الصناعات الكيميائية كالأدوية ومواد التجميل والبلاستيك والصابون المصنّع من زيت الزيتون السوري وورق الغار الحلبي.
لكن الفقر حط الرحال في قلب الشام، حتى قبل سنوات من الانتفاضة، والآن أصبح مقيماً لا أحد يعرف له موعداً للرحيل.
الجفاف القياسي الذي اجتاح القطاع الزراعي في سوريا بين 2007 و2010 ساهم في اندلاع الانتفاضة.
هذا ما يذهب إليه باحثون أمريكيون، قالوا في دراسة أكاديمية إن هذا الجفاف كان الأكثر حدة في السجلات المناخية.
ضرب المنطقة الزراعية الرئيسية في شمال سوريا، وأجبر مئات الآلاف من المزارعين ومربي الماشية المفلسين على النزوح نحو المدن.
في حمص ودمشق ودرعا وغيرها كان الفقراء الوافدون شرارة الثورات وفق الدراسة. “ليس الجفاف هو سبب الحرب، لكنه أضيف إلى جميع العوامل الأخرى، ليساهم بهذا الشكل في الصراع”.
كانت النتيجة أن انخفض الإنتاج الزراعي بأكثر من %30 قبيل الحرب. وبينما كانت الزراعة تساهم قبل ذلك بربع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، مثلت منه بالكاد 16% في 2010.
انخفض إنتاج القمح مثلاً إلى النصف في ذلك العام البعيد جداً، القريب جداً.
ماذا يفعل اقتصاد الحرب بالسوريين؟
اقتصاد الحرب يعني تنظيم الأنشطة الاقتصادية لبلد معين بهدف إعادة توزيع الموارد والثروات التي يمتلكها هذا البلد، وتوجيهها لضمان تحقيق الانتصار العسكري.
يتميّز اقتصاد الحرب، وخاصة في الحروب الأهلية بملامح عامة.
في السطور التالية نستعرض أبرز ما تعرضت له سوريا منها منذ 2011:
التحايل على الاقتصاد النظامي وتدميره.
ونمو الأسواق غير النظامية والسوداء.
وسيادة السلب، والابتزاز، والعنف المتعمّد ضد المدنيين من قبل المقاتلين لاكتساب السيطرة على الأصول المربحة، واستغلال اليد العاملة.
اقتصاد الحرب يتّسم باللامركزية، ويزدهر فيه الاعتماد على التهريب، واستغلال الأقليات من السكان.
انكشاف الاقتصاد واعتماده على الواردات والتمويل الخارجي والمساعدات.
تدهورت نسبة الصادرات إلى الواردات بشدة.
فقدان الثقة بالليرة السورية عبر انتشار “الدولرة” في البيع والشراء.
والنتيجة: مع نهاية عام 2014، صنّف تقرير الأونروا 82% من الشعب السوري في فئة الفقراء.
لكن الوسطاء هم أغنياء الحرب في كل مكان وزمان.
العقوبات أجبرت الدولة والمستثمرين البارزين للبحث عن وسطاء لإتمام صفقاتهم.
هؤلاء الوسطاء تحولوا تدريجياً ليصبحوا الأثرياء الجدد.
فقد منحت الحكومة رخص تأسيس شركات جديدة غير مدرجة في القوائم السوداء، لطمس تفاصيل المعاملات المالية والتجارية، وإخفاء مصدر الأموال ووجهتها.
تتعامل هذه الشركات المؤسسة مع وسطاء، يتعاقدون بدورهم مع الموردين، عن طريق مصرف يقع مقره خارج سوريا.
وفي كل مرحلة يتم فرض رسوم وتوليد هوامش ربحية جديدة.
هكذا يحقّق الوسطاء أرباحاً ضخمة.
وهكذا ترتفع التكلفة الإجمالية للمنتجات، والتي يتحملها بدوره المواطن السوري.
الليرة السورية تواصل السقوط الحر
انخفاض قيمة العملة المحلية في البلاد أدى إلى زيادة التضخم، ما جعل السوريين يكافحون لشراء سلع أساسية مثل الغذاء والطاقة.
رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد دعا، يوم الثلاثاء 30 مارس/آذار المنصرم، إلى معاقبة التجار المتربحين من انهيار العملة المحلية، لافتاً إلى أنه أبلغ مجلس الوزراء أن الهبوط الحاد في سعر صرف الليرة السورية يجب التعامل معه على أنه “معركة” ستخسرها مؤسسات الدولة إذا لم يقف المواطن معها.
في بدايات مايو/أيار 2021 شهدت السوق الموازية للعملة انتعاشاً متصاعداً داخل البلاد، وسط تراجع وفرة النقد الأجنبي، ليسجل الدولار الأمريكي الواحد في التعاملات غير الرسمية اليوم 3300 ليرة، مقارنة مع 1257 للسعر الرسمي.
النتيجة؟
أصبحت رواتب الجنود والموظفين الحكوميين تساوي جزءاً بسيطاً مما كانت عليه في السابق، خاصة مع ارتفاع التضخم، والانخفاض الحاد في الليرة السورية.
وصل الدولار اليوم #سوريا ل٤٠٠٠ ليرة والسقوط الحر سيصل ل ٥٠٠٠ ليس لدى نظام #الأسد أي قدرة على السيطرة على ارتفاع الأسعار والتعامل مع التضخم الكبير،سيزداد الوضع سوء ونسبة الفقر ستتسع والمجاعة قادمة لا محالة مع خلل اجتماعي كانتشار الجريمة،لا بد من إيقاف الأسد وإنقاذ #سورية والسوريين
— Radwan Ziadeh رضوان زيادة (@radwanziadeh) March 2, 2021
تغريدة عن انهيار الليرة من رضوان زيادة، باحث سوري مقيم في أمريكا
زادت الأوضاع الاقتصادية في سوريا سوءاً مع هبوط سعر الليرة السورية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، حيث يعادل الدولار الواحد 4 آلاف ليرة، وفي لبنان المجاور، حيث يرتبط الاقتصاد ارتباطاً وثيقاً باقتصاد سوريا، تراجعت العملة المحلية إلى مستوى غير مسبوق، بواقع 12 ألف ليرة مقابل الدولار.
وتقول الباحثة والناشطة الحقوقية المتخصصة في الشأن السوري، إليزابيث تسوركوف Elizabeth Tsurkov في هذا السياق: “هذه كارثة لأن كلا البلدين يعتمدان بشكل كبير على الواردات، وقد دُمّرت الصناعات المحلية خلال الحرب الأهلية في البلاد”.
The prospect of a famine in both Lebanon and Syria is becoming more palpable by the day https://t.co/Pv5vi6v3C5
— Elizabeth Tsurkov (@Elizrael) March 9, 2021
تغريدة للباحثة إليزابيث تسوركوف عن انهيار الليرتين، السورية واللبنانية
ترجمة: احتمال حدوث مجاعة في كل من لبنان وسوريا أصبح أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم
انهيار احتياطي العملة وارتفاع التضخم والأسعار
رغم إبقاء السرية حوله، فقد انهار احتياطي العملة الأجنبية الذي كان مقدراً بـ21 مليار دولار قبل الصراع. وبوجود خزينة فارغة تقريباً، تواصل الحكومة في ظلها دفع الرواتب لموظفيها ومنحهم زيادات في الأجور، سرعان ما يلحقها التضخم.
وبحسب جولة على أسعار سوق المواد الغذائية في مدينة حلب بداية مارس/آذار 2021، بلغ سعر كيلو لحم الغنم 21 ألف ليرة سورية.
طبق البيض 6 آلاف ليرة.
كيلو البندورة (الطماطم) 1200 ليرة.
كيلو البطاطا 750 ليرة.
كيلو التفاح ألف ليرة.
هذه الأسعار التي جعلت المدنيين يحجمون عن الشراء تضاعفت 2000% منذ نحو 10 سنوات.
نعم، أكبر 2000 مرة من مثيلاتها في عام الأساس وهو 2011، وفق ما أعلن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا.
مشوار التضخم الاقتصادي في سوريا بدأ منذ تأخر النظام السوري في الاستجابة لمطالبة الثورة، واستخدام الآلة العسكرية والاستعانة بجيوش الدول لإنهاك الجسد الاقتصادي السوري المتعب أصلاً قبل عام 2011.
وعلى الفور بدأ انفلات الأسعار من عقالها وهبوط المستوى المعيشي للمواطن السوري، والدخول في مرحلة مخيفة من الجوع والفقر لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوريا المعاصر، كما يشرح المحلل الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي.
البنك المركزي السوري في رأي أسامة القاضي، تحول إلى فرع أمن يملك محل صرافة كبيراً يحتكر سوق الصرافة، ويفرض أسعاره بقوة الأمن والبطش وإغلاق محال الصرافة.
ويزج بالصرافين في السجون بحجة ضبط سعر الصرف.
ومن مهامه طباعة عملة لا قيمة لها بفئات 5 آلاف و10 آلاف.
استمرار التضخم بمعدل 50% كل عام يعني أن سعر الليرة السورية عام 2025 سيصل إلى 14 ألفاً و500 ليرة للدولار الواحد، وعندها سيصل التضخم ما بين 2011 و2025 إلى 29000%.
“الشبيحة” يتحكمون في اقتصاد الظل.. وأكثر
مع كل مرحلة جديدة تدخلها سوريا يتهاوى معها ذلك الاقتصاد، حتى بلغ العجز مبلغاً لا تشفى بعده البلاد إلا بسنوات طويلة.
ما يزيد الجراح عمقاً، أسباب كثيرة، في مقدمتها تعنت النظام.
والعقوبات التي فرضها العالم عليه.
وزيادة نسبة الفساد.
أسهم ذلك في تمدد الاقتصاد الموازي المسمى “اقتصاد الظل” على حساب اقتصاد البلاد الطبيعي.
وفي هذا الصدد، يقول يونس الكريم، الخبير في الشأن الاقتصادي السوري، إن اقتصاد الظل في سوريا مركب ومعقد، وتحول بعد عقد على الثورة إلى اقتصاد واقع مع محاولة النظام إعطاءه الشرعية من خلال قوانين تضعف قدرة الدولة على التصدي له.
بعد 10 سنوات وعقب الصدام الذي جرى مع تيار رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، أصبحت زوجته أسماء الأسد وتيارها في صدارة اقتصاد الظل.
ليس مجرد منظومة “اقتصاد ظل”، بل الأمر يتجاوز ذلك كثيراً.
المدير التنفيذي في مجموعة عمل اقتصاد سوريا تمّام البارودي يطلق مصطلح اقتصاد “الشبيحة” بدلاً من اقتصاد الظل الذي يُدار من رجال أعمال موالين للنظام السوري. وقال البارودي لـ”الجزيرة نت”، إن النظام صدّر وجوهاً جديدة لإدارة مقدرات الشعب وأرزاقه حيث يتاجرون باستيراد الأرز والزيت والسكر وغيرها دون أن يكون هناك أي دور للدولة فعلياً.
حتى إن المتحكمين في اقتصاد الظل والشبيحة يتصارعون علناً على الكعكة الحرام التي يسرقونها من دم ولحم المواطن السوري.
تركت المعركة الاقتصادية بين رامي مخلوف وأسماء الأخرس آثارها على الاقتصاد بشكل كبير، وكان ذلك بحديث مباشر من بشار الأسد الذي قال في وقت سابق إن سبب انهيار اقتصاد البلاد لا يقع على عاتق العقوبات الأمريكية فقط، بل إن محاولات إخراج الأموال من البلاد التي تقدر بالمليارات كانت أبرز الأسباب.
الباحثون عن الخبز في طوابير لا نهائية
تغير السوريون كثيراً في الحرب، بعد أن اختفت الأخبار السعيدة، والابتسامات.
نهاية 2020 رفعت الحكومة أسعار الخبز بنسبة 100%، وانتقلت الطوابير الطويلة من محطات الوقود إلى المخابز. قد يستغرق الوصول من نهاية الطابور إلى الخباز بين 3 إلى 4 ساعات.
الخبز لم يعد متوفراً بسهولة في جميع المحافظات السورية التي تعيش تحت سلطة النظام السوري. ونقل تقرير لوكالة رويترز عن شهود أن مشاجرات تنشب بين الواقفين في هذه الطوابير رغم أن المعارضة السافرة للسلطات لا تزال نادرة نسبياً وسط مخاوف من قمعها بالقوة.
برر المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز زياد هزاع الأزمة بأن هناك صعوبة في تأمين مادة القمح وتكاليف عالية حتى يتم إنتاج الرغيف، بينما اعتبر يونس الكريم، الباحث في الشؤون الاقتصادية السورية، أن إفلاس البنك المركزي هو أبرز الأسباب: “روسيا تريد تصدير القمح للنظام بشرط أن يدفع نقداً”.
زادت المشكلة المالية في لبنان وأزمة البنوك من الصعوبات على النظام السوري الذي يستخدمها عادة للحصول على السلع الأساسية ومنها القمح، بالإضافة إلى تعطل ميناء بيروت الذي يعتبر طريق واردات النظام السوري.
هناك أسباب أخرى غير إفلاس المركزي.
الفساد الذي يضرب جميع المؤسسات.
كميات الخبز الكبيرة التي تذهب إلى جيش الأسد والقوات الموالية له دون رقابة، ويقدرها البعض بين 15 و20 مليون رغيف شهرياً، يتم بيع بعضها لاحقاً على أنها أعلاف للحيوانات.
هناك أيضاً تدهور الزراعة السورية في المحافظات الرئيسية المنتجة للقمح مثل محافظتي درعا والسويداء اللتين تنتجان 20% من احتياجات سوريا، كما يتم منع قمح محافظات شمالي شرق البلاد عن النظام حيث تنتج 60% من الاحتياج العام.
والكمية الباقية لا تكفي احتياجات النظام.
عاصفة الفقر الجديدة في 2021
لم يهنأ السوريون كثيراً بهدوء جبهات القتال في أكثر من منطقة، حتى اشتعلت جبهات أخرى أكثر صعوبة، ليجدوا أنفسهم وقد خرجوا من الكفاح الأصغر إلى الكفاح الأكبر: الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
بدأت العاصفة الجديدة في مارس/آذار 2021 بزيادة أسعار البنزين من 1250 ليرة إلى 2000 ليرة للتر الواحد، أي بمعدل 75%، فيما قفز بنزين أوكتان 90 من 250 إلى 750 ليرة، بعد رفع الدعم عنه.
في السطور التالية نطالع يوميات المواطن السوري مع اقتصاد في حالة انهيار، والسيناريوهات الثلاثة التي قد ينجم عنها الوضع الراهن.
يوميات الحرب التي يعيشها كل سوري
في ظل هذا العجز الحكومي عن الرقابة أو إيجاد الحلول المطلوبة، لجأ الناس إلى المبدأ المعروف سورياً “دَبِّر راسك”، بمعنى أن أحداً لن يساعدك لأن أحداً لا يفكر فيك.. وعليك أن تتأقلم، وتبتكر طرقاً للعيش وسط الفقر والدمار والموت الذي يسكن الزوايا.
فيما يلي بعض الإجراءات التي اتّبعها عموم الناس للتعامل مع اقتصاد الحرب، عبر إجراءات فرضتها الضرورة:
دعا رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع إلى ضرورة تغيير العادات الاستهلاكية ضمن حدود الحاجة فقط.
لجأ كثيرون لتغيير العادات الاستهلاكية وصولاً إلى بدائل بعضها قانوني وآخر مخالف للقانون.
اختفت الفواكه ومعها الكثير من الأغذية الضرورية، واكتفى السوريون بتناولها في المواسم الرخيصة فقط.
كثير من الحاجات الضرورية من موائد السوريين، بات تناولها شهرياً أو موسمياً بدلاً من تناولها يومياً. ودفع الغلاء الفاحش كثيراً من السوريين، كما ذكرت وسائل الإعلام المحلية، إلى استبدال اللحم أو الدجاج بمكعبات بودرة الدجاج والسمنة بالزيت أصبحت بديلاً عن اللحم والدجاج.
زاد الإقبال على شراء الفيتامينات لتعويض نقص التغذية، وقدّرت إحدى المجلات الاقتصادية في سوريا، أن تكلفة طبق السلطة أصبحت أغلى من كيلو دجاج، وأنّ السوريين مهدّدون بالعزوف عن الخضار بعد اللحوم.
لجأ كثيرون حتى في المدن إلى زراعة الخضار على أسطح المنازل وتربية الدواجن في حدائق البيوت.
بعد ارتفاع أسعار التبغ الذي تحدّده الحكومة، عاد مدخنون إلى “دخان اللف” غير المُعبّأ، كملاذ أقل تكلفة.
عاد مزارعون بإيجاد حلول محلية إلى الطبخ على النار والحطب، بسبب نقص الغاز المنزلي. واستطاع بعضهم في السويداء وريف طرطوس توليد الغاز من روث البقر عبر تقنيات هندسية بدائية.
تفادياً لزحمة الطرقات التي تتسبّب بها الحواجز الأمنية المنتشرة، وتفادياً لارتفاع أسعار المواصلات، اتجه السوريون إلى السير على الأقدام واستخدام الدراجات الهوائية.
بسبب انقطاع الاتصالات بين المحافظات، عاد كثيرون إلى أيام الرسائل الورقية التي ترسل مع سائقي الشاحنات.
في المحافظات التي خرجت عن سيطرة الحكومة كلياً أو جزئياً، مثل الرقة وحلب ودير الزور وريف حمص، ظهرت اقتصادات الحرب بشكل أكثر وضوحاً بالاعتماد على اقتصادات غير شرعية في بعض الحالات.
ورصد المركز السوري لبحوث السياسات ظهور اقتصادات العنف في سوريا، تجلّت في العديد من الظواهر، كممارسة القتل أو الإهانة أو الإيذاء للسوري الآخر، وتوسّعت ظواهر الاتجار بالإنسان والسلاح والمخدرات والخطف لقاء فدية.
ظهرت في دير الزور والرقة اقتصادات تعتمد على الاستيلاء على آبار النفط وتكريرها محلياً وبيعها، بعدما توقفت بشكل شبه كامل السلطة المركزية عن دفع الرواتب للموظفين في هاتين المحافظتين، وفقاً لتقرير مركز كارنيغي.
نشرت صحيفة “تشرين” الرسمية تقريراً حمل عنوان “ارتفاع الأسعار يلتهم ثلث الراتب ويدفع إلى التسول والتشليح”.
فيما يمكن وصفه بالاقتصاد الرمادي، ظهرت مهن تعتمد الاحتيال لكسب النقود، مثل مهنة “الدورجي” في حلب، وهو شخص يحجز أدواراً في الطوابير أمام الأفران ومحطات الوقود بهدف بيعها للمضطرين.
وهكذا ضاقت على اقتصاد النظام: 3 سيناريوهات
الآن تبدو آفاق الانتعاش الاقتصادي ضعيفة في ضوء اشتداد العقوبات الأمريكية والانهيار المالي في لبنان المجاور.
وتأثر تحويلات السوريين العاملين في الخارج بجائحة كوفيد-19.
وعجز الحليفان روسيا وإيران عن تقديم المساعدات الكافية.
اليوم “ما عندك مصادر القطع الأجنبي. لا النفط والقمح موجود. وكله بندفع عنه عملة صعبة. موارد الحكومة محدودةط، كما قالها لرويترز رجل الأعمال السوري البارز خليل طعمة الذي يتخذ من دمشق قاعدة لأعماله.
سيناريوهات المستقبل
لم يعد أمام النظام سوى ثلاثة سيناريوهات، بعد تدهور قيمة الليرة ومعاناة الاقتصاد السوري.
هذا ما توصلت إليه دراسة ظهرت صيف 2020، نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحت عنوان “الأزمة الاقتصادية في سوريا: أسبابها وتداعياتها واتجاهاتها”.
1 تخفيف جزئي للعقوبات يوقف التدهور
تذهب الدراسة إلى أن مرونة النظام قد تدفع واشنطن إلى تعليق بعض العقوبات، وحصول النظام على بعض المساعدات الاقتصادية الخارجية، ما يعطي هامشاً لإبقاء الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه، وتحول دون مزيد من التدهور والانهيار، من دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى حل سياسي شامل.
يتوق هذا الاحتمال على “رغبة” صانعي القرار الدولي في الاحتفاظ بنظام الطاغية لبعض الوقت خدمة لمصالح بعينها.
2 مزيد من الصمود وربط الأحزمة
السيناريو الثاني هو “سياسات الصمود”، مثل “تخفيض تكاليف الإنتاج لتشجيع النمو في القطاع الزراعي وزيادة المحاصيل الزراعية.
وإعادة تشغيل خطوط الإنتاج في عدد من الصناعات الحيوية للسوق المحلية.
وإلغاء تصدير العديد من المواد، وتقليص استيراد مواد لمصلحة توطينها محلياً”.
يبدو هذا السيناريو صعب التنفيذ بسبب العجز المالي، ولأن أهم الموارد الاقتصادية خارجة عن سيطرة النظام.
على سبيل المثال تخضع مواد الطاقة والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية كالقمح، لسيطرة “الإدارة الذاتية” المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى العجز المالي وعدم قدرة روسيا وإيران على دعم النظام.
3 استمرار الضغوط انتظاراً للانفجار الكبير
يتمثل السيناريو الثالث بـ”سياسة التعنت”، أي استمرار النظام في أسلوبه القمعي ونهجه الأمني في التعامل مع الملفات السياسية والاقتصادية، وتعليق فشله على قانون قيصر والعقوبات الدولية.
وفي ظل هذا السيناريو تتوقع الدراسة الدخول في نطاق “التضخم الجامح”، بحيث يرتفع معدل التضخم بأكثر من 50% على أساس شهري.
وقتها قد تخرج كل الأمور عن السيطرة، لأن الفقر والحرمان هما أكبر صانعي الثورات في التاريخ.
.. لكن ليس بعد الجوع ذنب
لا أحد تقريباً داخل سوريا يجرؤ على توبيخ بشار الأسد علناً، إلا أن الكثيرين يشعرون بأن رئيس النظام تخلى عنهم، حسب صحيفة The Financial Times البريطانية.
بعض الرموز السورية المعارضة حذّرت من أن استمرار تدهور الأوضاع الراهنة دون القيام بتغيير سياسي حقيقي سيؤدي إلى حتماً اندلاع “ثورة جياع”، لأن مَن يستطيعون تحريك عجلة الاقتصاد السوري منفيون خارج البلاد بسبب دموية نظام الأسد وامتلاكه أداة وحيدة في جعبته، وهي المطرقة التي يضرب بها كل حراك سياسي يهدف إلى حل سياسي يخرج سوريا من مأزقها التاريخي، كما ينقل التقرير.
تدهور تردي الوضع المعيشي ونقص الغذاء، لا يقل خطورة عما يعانيه السوريون تحت الحرب والتفجيرات.
وحلفاء الأسد شركاء في الميدان العسكري فقط، لكن هؤلاء الحلفاء، الذين هم أنفسهم يصارعون في ظل العقوبات الغربية، من غير المرجح أن ينقذوه مالياً.
وقد أثار المسؤولون في روسيا وإيران تساؤلات حول كيف سيدفع لهم السيد الأسد مقابل دعمهم في كل ما سبق.
انتهت سوريا حالياً إلى أنقاض محترقة يجلس على قمتها بشار الأسد.
وتحكم أجزاء منها ميليشيات مدعومة من روسيا وإيران.
وبعيداً عن “الأسد أو لا أحد”، فإن لدى الشعب السوري الآن زعيم حزب الله حسن نصر الله وآية الله علي خامنئي والروسي فلاديمير بوتين، وهم “أمراء الحرب المتشابكون الذين يعتمدون على العنف اليومي للحفاظ على نفوذهم”، كما ورد في تقرير Foreign Policy.
حلفاء النظام في إيران وروسيا لن يُمولوا إعادة الإعمار.
بدلاً من ذلك يتطلعون إلى الاتحاد الأوروبي وآخرين لدفع فاتورة تدمير البنية التحتية للبلاد.
والغرب لن يفتح خزائنه، ولن يسقط العقوبات دون إحراز تقدم نحو الانتقال السياسي الذي أحرق نظامُ الأسد البلاد لتجنبه.
إذاً، المزيد من الضحايا والخراب حتى إشعار آخر.
والمزيد من التجويع الذي سوف يدفع الجميع ثمنه: المواطن السوري الذي يعاني كل أنواع جرائم النظام.. لكن ليس بعد التجويع ذنب.
والوسطاء الفاسدون الذين سيخسرون كل شيء إذا كنست ثورة الجياع في طريقها الأخضر واليابس.
أما النظام فهو الخاسر في كل سيناريوهات المستقبل وهو يفقد السيطرة كل يوم على مفاصل المناطق التي يتحكم فيها رجاله.
وهو يشاهد دوّامة التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط تسلب منه أحبابه إلى أحضان أخرى. فالأمر في النهاية هو لعبة المصالح وقواعدها المعروفة التي لا ترحم صديقاً قديماً، أو عزيز قوم ذلّ.
الأزمة الاقتصادية في سوريا 2021 غير مسبوقة، وتُنذر بهدم ما تبقى من أركان النظام.
https://arabicpost.shorthandstories.com/syria-economy/index.html
————————————-
=====================
تحديث 29 أيلول 2021
————————————
مَن هم حلفاء بوتين ضد أردوغان؟/ عمر قدور
الجديد في قمة بوتين-أردوغان يوم الاربعاء 29 أيلول/سبتمبر أن التمهيد العسكري لها لم يقتصر على إدلب، فالطيران الروسي شن غاراته أيضاً على منطقة النفوذ التركي في عفرين. من نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح لافروف بأن هناك “بؤرة إرهاب” واحدة متبقية في سوريا، هي إدلب، مشدداً على مكافحتها. يصعب فهم تهديد لافروف الخاص بإدلب من دون ربطه بكلمة أردوغان أمام الجمعية العامة قبل أربعة أيام، إذ استنكر الرئيس التركي “المفاضلة بين التنظيمات الإرهابية”، قاصداً بقوله حزب الاتحاد الديموقراطيPYD ومنظومته العسكرية.
إذاً، لا توافق موسكو على تصنيف أنقرة الخاص بالإرهاب؛ هذه رسالة مزدوجة. الوجهة الأولى، المدعومة بالغارات الروسية على عفرين، هي الإدارة الذاتية الكردية وقوات قسد، فموسكو تطمئن الإدارة الذاتية بأنها لن تكون طرفاً خاسراً على مائدة القمة، فضلاً عن إغرائها بالطيران الروسي الذي يداعب أحلامها باستعادة عفرين. الرسالة الموجهة لأنقرة يمكن اختزالها بأن زمن المقايضات قد انتهى، فموسكو تريد أن تأخذ في إدلب من دون أن تعطي على حساب قسد على تخوم عفرين. بل على أنقرة ألا تركن حتى إلى سيطرتها على عفرين، لأن بقاءها فيها رهن بالإيعازات التي تُعطى للطيارين الروس.
ردود الأفعال التركية على الغارات الروسية توضح بدورها موازين القوى في قمة الغد، فالفصائل التابعة لأنقرة في إدلب وعفرين تحاشت الرد باستثناء استهداف بسيط لقوات الأسد هنا أو هناك، ومن عيار المناوشات التي تحدث بين الجانبين من دون أن تصل إلى الإعلام. ذلك بينما كان لافروف من نيويورك يتحدث عن هجمات ضد قواته وقوات الأسد يشنها “إرهابيون” من منطقة خفض التصعيد في إدلب، وهذه كذبة روسية يكررها المسؤولون الروس كلما كان هناك قرار باستهداف كذبة أخرى هي منطقة خفض التصعيد.
تريد موسكو أن تأخذ، وعلى أنقرة أن تتنازل، لقد انتهى زمن المقايضات. لماذا يدخل بوتين غداً قمته مع أردوغان بهذه القوة؟ أو بهذا الاستقواء؟
إذا تجاوزنا الانكفاء الأمريكي، وهو بالتأكيد له النصيب الأكبر من التأثير على ما عداه، يمكن القول أن بوتين يحظى الآن بمجموعة واسعة من الحلفاء، لم تتهيأ له مع الظروف المواتية منذ تدخله العسكري في سوريا. وكي لا يُبخس حقه، أنجز بوتين لنفسه حصته من تلك الظروف بإدارة تدخله العسكري بحنكة، خاصة باختراعه مسار أستانة ومناطق خفض التصعيد التي لم يبقِ منها سوى إدلب خارج سيطرة الأسد. ذلك المسار العسكري، مسار الـ”خطوة خطوة”، أُرفق بتجميد العملية السياسية التي كان يُفترض أن تمضي برعاية أممية، وعنى ذلك عملياً الإقلاع شيئاً فشيئاً عن فكرة التغيير في سوريا. بعمومية؛ حلفاء بوتين اليوم هم كل الذين يرون أن الحرب قد انتهت بانتصار بشار وحلفائه، وينبغي التسليم بهذه الحصيلة والشروع فيما بعدها.
واحد من الترتيبات المرتبطة بإعادة تدوير الأسد هو الوجود الإيراني في سوريا، وإبعاد إيران كما نعلم مطلب إسرائيلي يكاد يكون أقوى مما تطالب به دول عربية بينها وبين إيران خصومة. مطلب إبعاد إيران شغل ويشغل حيزاً من اهتمام الإعلام، بخلاف إنهاء الوجود التركي الذي يبدو مطلباً لبشار ومنظومة الإدارة الذاتية فحسب. لكن دولاً عربية، تقود علناً أو سراً قاطرة التطبيع مع بشار وإعادته إلى جامعة الدول العربية، تريد أيضاً إنهاء الوجود التركي. سبق لبعض هذه الدول التعبير عن هذه الرغبة، ورغم تواري التصريحات مع انفتاح أردوغان على مصر والإمارات والسعودية إلا أن التطبيع التركي مع هذه الحكومات لا يغير في تطلعها إلى رحيله عن سوريا تحت يافطة حربها على الإسلاميين. قد تدعم أنظمة عربية سيناريو تنسحب بموجبه ميليشيات إيرانية مع إجبار أنقرة على الانسحاب، وهذا لا يقوض النفوذ الإيراني المتغلغل في سلطة الأسد بينما يقوض النفوذ التركي المقترن بالفصائل المنتهية معه، وثمة مؤشرات قوية على أن بعض الأنظمة نقل رهانه السوري من واشنطن إلى موسكو.
حالياً، لا توجد جبهات اشتباك عديدة بين موسكو وأنقرة، كما كان الحال أيام اشتعال المواجهة في ليبيا أو في إقليم ناغورني قره باغ، وتالياً لا وجود لإمكانية مقايضة بينهما عابرة للحدود. وبينما تشهد علاقات أنقرة بأوروبا تراجعاً، ولم يطوِ النسيان السجال الحاد بينها وبين باريس ضمن اجتماع للحلف، لا يخلو من مغزى أن أول اجتماع للافروف على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة كان بأمين عام حلف الناتو، والأجواء الإيجابية بين الطرفين شجعت أحد الصحفيين على سؤاله عما إذا كانت بلاده تنوي الانضمام إلى الحلف فنفى ذلك. أبعد من هذا، تشجع الأجواء الإيجابية على الاعتقاد بوجود محاولة غربية، بقيادة أمريكية، لاستمالة روسيا أو تحييدها في المواجهة مع الصين، ورشوتها بتركها تملأ الفراغ الذي يخلفه الانسحاب الأمريكي والناتو من مناطق نفوذ سابقة.
حتى تهديد أوروبا بتدفق اللاجئين مع دورة عنف جديدة صار من الماضي، وأزمة اللاجئين في طليعة أزمات باتت تسحب من رصيد أردوغان الداخلي بدل منحه قوة في مواجهة أوروبا. لقد اضطرت حكومة أردوغان مؤخراً، تحت ضغط المعارضة والشارع، إلى اتخاذ إجراءات تمييزية ضد اللاجئين السوريين بمن فيهم المجنسين، مع التصريح بعودة مئات الآلاف إلى مناطق نفوذها في سوريا لإبراز فوائد وجودها أمام الجمهور. خسر أردوغان وحزبه من شعبيتهما الكثير في السنة الأخيرة، وأية مواجهة عسكرية خاسرة مع خسائر بشرية تركية ستصب لمصلحة خصومه المتأهبين للانتخابات المقبلة.
يدخل بوتين إلى القمة غداً مدعوماً بأفضل الظروف منذ تدخله العسكري في سوريا، حلفاؤه المباشرون وغير المباشرين كثر، من واشنطن إلى أوروبا إلى العدد الأكبر من الدول العربية المؤثرة، وأخيراً المتاعب السياسية الداخلية لأردوغان، في حين فاز حزب بوتين للتو بالانتخابات التشريعية ولو على الطريقة الأسدية كالمعتاد. يعرف بوتين كيف يستغل أوراق القوة التي صنعها بنفسه والتي وُهبت له بسبب المتغيرات الدولية، ويعرف أيضاً أنه ليس من الحصافة رمي كافة الأوراق دفعة واحدة على الطاولة، فرغم ما سبق يُتوقع أن يحسب بوتين حساباً للجار الأكبر على الحدود السورية، بمنطق الواقعية لا بموجب ميزان القوى العسكري فحسب. في الواقع، ثمة سلاح غير مكلف لأنقرة إذا أرغمت على الرحيل بلا ثمن هو سلاح مياه الفرات، وتعامل أثيوبيا مع مياه النيل ومع مصر والسودان يشرح فقط جزءاً مما في حوزة أنقرة، ومما لا يفيد معه التشكي والتباكي.
المدني
————————————
سوتشي .. مشهد مكرّر/ مروان قبلان
تتجه الأنظار اليوم (الأربعاء) إلى اللقاء الذي يُعقد في منتجع سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان. وفيما يتوقع أن تستأثر القضية السورية (مصير إدلب تحديداً) بالجزء الأكبر من المباحثات، إلا أن تداخل العلاقات بين البلدين حول سلة من القضايا يعني أن موضوعاتٍ عديدة أخرى سوف تكون حاضرة أيضاً. مفاوضات الجانبين استبقت القمة بتحرّكات على الأرض، وفي دهاليز السياسة الدولية. إذ أخذت روسيا في التحضير للقاء بتصعيد عسكري في إدلب، وفي منطقة عمليات “غصن الزيتون”، بهدف الضغط على تركيا لإلزامها بفتح طريق اللاذقية – حلب. تحاول موسكو أيضاً إقناع أنقرة بأخذ انعطافةٍ أخرى كبيرة في علاقتها بالنظام السوري، بعد أن تخلّت عن فكرة إسقاطه. استبق الأتراك القمة بمحاولة الضغط على روسيا تارّة، وإغرائها تارّة أخرى، لدفعها إلى الالتزام باتفاق مارس 2020 الذي أوقف القتال في إدلب. إذ أكد الرئيس أردوغان، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، على موقف بلاده الرافض ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وذلك بعد أن أوفد وزير خارجيته، مولود تشاووش أوغلو، الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، لتمثيله في القمة الافتتاحية “لمنصّة القرم” في كييف، والتي وصفها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حينها بأنها “تجمّع ساحرات”. من بوابة الإغراءات، أعرب الرئيس أردوغان عن تمسّك بلاده بمنظومة صواريخ إس 400 الروسية، ونيته شراء دفعة ثانية منها، كما عبّر عن رغبة بلاده في تطوير العلاقات الاقتصادية مع روسيا، والوصول بها إلى مستوى جديد.
وفيما لا يمكن فصل مسار العلاقات التركية – الروسية عن علاقات البلدين بواشنطن، من المتوقع أن تتردّد في كواليس قمة سوتشي أصداء فشل عقد لقاء بين الرئيسين أردوغان وجو بايدن، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فمن جهةٍ، سوف تستغل موسكو التدهور المتزايد في العلاقة التركية – الأميركية لممارسة مزيدٍ من الضغط على أنقرة المخذولة أميركيا. لكنها قد تدفع موسكو، من جهةٍ أخرى، إلى تقديم بعض التنازلات لتركيا، لتشجيعها على الابتعاد أكثر عن واشنطن. في هذا المنحى، قد يحاول البلدان تطوير بعض النقاط المشتركة القليلة القائمة بينهما، في سورية تحديداً. فعلى الرغم من أن أنقرة وموسكو تختلفان على كل شيء تقريباً هنا، إلا أنهما تتشاركان الرغبة في إخراج أميركا من مناطق شرق الفرات، ورفض التفاهمات والدعم الأميركي لأكراد سورية، والذي بات عقدة المنشار في العلاقة بين أردوغان وبايدن. وترى تركيا أن تطور علاقات واشنطن بالأكراد، وجديدها تخصيص 177 مليون دولار لدعم قوات سورية الديموقراطية (قسد) التي تعدّها أنقرة تجمعاً “لإرهابيي حزب العمال الكردستاني”، يمثل خطراً أكبر على مصالحها الأمنية من حصول تفاهمات محتملة بين روسيا والأكراد، فالأولى فيها شبهة دعم تطلعات الأكراد الانفصالية، فيما ترجّح الثانية عودة النظام إلى مناطق شرق الفرات (مع أن هذا الاحتمال ينطوي على إمكانية استئناف النظام دعم الأكراد واستخدامهم ضد تركيا لدفعها للانسحاب من مناطق الشمال والتخلّي عن فصائل المعارضة).
مع ذلك، ترى تركيا أن احتمال حصول تفاهم بينها وبين روسيا في الموضوع الكردي في سورية أكبر من احتماله مع واشنطن، وقد حصل هذا ثلاث مرات: الأولى في عملية “درع الفرات” في آب 2016، حيث سيطرت تركيا وفصائل المعارضة السورية المتعاونة معها على مثلث جرابلس – الباب – أعزاز، بعد أن طردت منها تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب الكردية، فيما ظلت منبج المجاورة تحت سيطرة الأكراد بدعم أميركي. والثانية عملية “غصن الزيتون” في فبراير/ شباط 2018، حيث سيطرة تركيا على منطقة عفرين، وطردت وحدات حماية الشعب منها، لكن الأخيرة تمكّنت من الاحتفاظ بمنطقة تل رفعت المحاذية، بعد أن رفض الروس إدخالها في الاتفاق حول عفرين. والثالثة عندما توصل أردوغان وبوتين إلى اتفاق 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وقضى بوقف عملية “نبع السلام” في مناطق شرق الفرات، واقتصارها على إنشاء حزام تركي بين تل أبيض ورأس العين بعمق 30 كم، في مقابل تعهد روسيا بسحب المليشيات الكردية، بعيداً عن الحدود السورية – التركية. قمة سوتشي اليوم لن تكون أكثر من مشهد مكرّر لتفاهمات بين خصمين يعرفان جيداً كيف يعقدان تسوياتٍ تضمن الحد الأدنى من مصالحهما، في أجواء تناحرية. قد يفيد السوريين تعلّم شيء من هذا.
العربي الجديد
——————————-
قمة أردوغان ـ بوتين: الأمور بخواتيمها دائماً
من المقرر أن يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد التقى اليوم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في قمة ثنائية تحتضنها مدينة سوتشي الروسية وتنعقد ضمن سياقات إقليمية ودولية تهم أنقرة وموسكو على حد سواء، ويمكن بالتالي أن تسفر عن تفاهمات متقدمة بصدد ملفات عديدة أو تؤدي إلى تشديد نقاط الخلاف الراهنة بين البلدين، أو تتوصل إلى مناطق وسطى تلبي مصالحهما المشتركة.
ومن الواضح أن الخلفية الأولى التي سوف تهيمن على القمة الروسية التركية هي الوضع الراهن في أفغانستان، سواء تبعات الانسحاب الأمريكي والأطلسي من هذا البلد، أو سيطرة الطالبان على مقاليد الحكم فيه. وليس أقل وضوحاً بالطبع أن أنقرة تتبنى مقاربة تجاه الملف الأفغاني أكثر مرونة وأعلى تأثيراً بسبب الدور التركي الفاعل قبيل هيمنة الطالبان وبعدها، وأن موسكو تطمح إلى لعب أدوار أكثر فاعلية في أفغانستان على أصعدة سياسية واقتصادية وعسكرية واستثمارية. وفي الحالتين سوف تكرس الخيارات التركية والروسية فارقاً نوعياً بالمقارنة مع الولايات المتحدة، بما يعنيه ذلك من تأجيج الخلافات الثلاثية أو على العكس تسهيل التوصل إلى توافقات.
ولم يكن مستغرباً أن يختار الرئيس التركي منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كي يوجه واحدة من أعنف رسائله الانتقادية إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤكداً أن «العلاقات التركية الأمريكية ليست على ما يرام» وأن «أجواء الخصومة» هي التي تسود «بين دولتين أطلسيتين». وأعاد أردوغان التذكير بأن صفقة منظومة إس ـ 400، التي أبرمتها تركيا مع روسيا وأغضبت واشنطن خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، «منتهية بالنسبة إلينا» بل أن تركيا سوف تبحث عن حقوقها القانونية في قرار واشنطن استبعادها من برنامج المقاتلة الأمريكية إف-35. أكثر من هذا، مضى أردوغان أبعد حين صرح بأن «أمريكا لا بد أن تدفع ثمن ما ارتكبته من أخطاء في أفغانستان».
ولا يخفى أن الرئيس التركي غاضب من نظيره الأمريكي لأسباب إضافية أخرى، في طليعتها إصرار واشنطن على تسليح «قوات سوريا الديمقراطية» والفصائل الكردية الأخرى التي تصنفها أنقرة في خانة أعداء تركيا، وكذلك لأن لقاء قمة ثنائياً بين أردوغان وبايدن لم يُعقد خلال اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك. وبهذا المعنى فإن اجتماع سوتشي يبدو بمثابة ردّ من الرئاسة التركية على الرئاسة الأمريكية، لا تغيب عنه رغبة الكرملين أيضاً.
وإذا كانت العلاقات التركية الأمريكية ليست في أفضل أحوالها، فإن العلاقات التركية الروسية قد لا تنطوي في حقيقتها على حال الوئام والتلاقي التي يمكن أن تعكسها قمة سوتشي. الكرملين يظل حامي النظام السوري وعرابه ووسيط إعادة تأهيله في هذا المحفل الدولي أو ذاك، كما أن الطيران الحربي الروسي يتابع تكثيف هجماته على الفصائل السورية المنضوية تحت الحماية التركية في إدلب، أي في المنطقة ذاتها التي شهدت توقيع اتفاقية خفض التصعيد الروسية التركية الإيرانية.
وهذا لا يقود تلقائياً إلى إصدار أحكام بالنجاح أو الفشل على قمة سوتشي، فالعلاقات التركية الروسية خلال السنوات الأخيرة حكمتها قواعد كثيرة متقلبة ومتبدلة، حيث الأمور دائماً رهن بخواتيمها.
القدس العربي
——————————-
هل هي بوادر اتفاق أميركي روسي حول سورية؟/ عبد الباسط سيدا
وأخيرًا، تمكّن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون من زيارة دمشق، ولقاء وزير خارجية سلطة بشار الأسد، وذلك في محاولة لتحريك ملفّ اللجنة الدستورية، وقد عقد كذلك اجتماعات مع المعنيين بالملفّ ذاته، من جانب المعارضة الرسمية، في إسطنبول.
وبالتزامن مع هذا التحرك، جرت، وتجري، اتصالات بين الجانبين الأميركي والروسي حول سورية، وسبر إمكانية التفاهم على خطوات محددة، قد تكون مكمّلة لتلك التي تمت في إطار التمهيد لتمرير قرار مجلس الأمن رقم 2585 تاريخ 9 تموز/ يوليو 2021 الخاص بتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر (باب الهوى).
وقبل ذلك، كانت هناك لقاءات إقليمية تُوّجت بمؤتمر بغداد، في محاولة لإيجاد صيغة من التوافق في الموضوع السوري، خاصة بعد صدور تصريحات أميركية بيّنت عدم وجود نيّة عند الولايات المتحدة لتغيير النظام في دمشق، وإنما هناك رغبة في تعديل سلوكاته. وفي هذا الإطار، جاء الإعلان الأميركي حول موضوع استجرار الغاز من مصر إلى لبنان، عبر الأردن وسورية، وهو موضوع لم يكن له أن يكون، لولا تفاهمات إقليمية-دولية، أسهمت على الأرجح في إطلاق عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، برئاسة نجيب ميقاتي.
ويضاف إلى ذلك أنّ ما سُرّب، حول إمكانية عقد لقاء بين هاكان فيدان (رئيس المخابرات التركية) وعلي مملوك (نائب بشار الأسد للشؤون الأمنية) في بغداد، يشير هو الآخر إلى قابلية الوصول إلى تفاهمات بين الجانبين التركي والسوري الرسمي، ربّما تترجم في صيغة مقايضات في المناطق الشمالية من سورية، سواء من جهة الغرب أم الشرق. ولكن كلّ ذلك لن يكون بعيدًا عن عِلم الجانب الأميركي، وربّما يكون بضوء أخضر منه.
أثار لقاء بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو كثيرًا من التساؤلات والتكهنات، حول الخطوات اللاحقة، والتفاهمات الإقليمية والدولية حول الموضوع السوري. وقد كان لافتًا تصريح الرئيس الروسي بأن النظام يسيطر على 90% من الأراضي السورية؛ في حين أن منطقة شرقيّ الفرات وحدها (التي تسيطر عليها قوات “قسد” واجهة حزب “العمال الكردستاني”، بالتعاون مع الأميركان) تشكّل ثلث مساحة سورية!
وما دفع المراقبين إلى التركيز على هذه الزيارة، ومحاولة فهم دلالاتها وأبعادها، هو أنها جاءت غداة الترتيبات التي تمت في منطقة درعا، بتدخل وإشراف روسيين مباشرين، وعشية لقاء مهم بين الجانبين الروسي والأميركي في جنيف، كان من المتوقع أن يكون تكملة لخطوات التنسيق في الموضوع السوري، التي كانت بين الجانبين حتى الآن.
وعلى الرغم من التباين في التقديرات والأولويات والحسابات بينهما، يُلاحظ أن التنسيق العام هو سيد الموقف. وما حصل في منطقة درعا قبل أيام لم يكن هو الآخر بعيدًا عن التفاهمات القائمة بين الجانبين، خاصة بعد زيارتي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى كل من واشنطن وموسكو. إلا أن الجدل الأساس يتمحور حاليًا حول منطقة شرقي الفرات. والسؤال الجوهري في هذا المجال هو: هل سيستمرّ الوجود الأميركي هناك، وهو الوجود الذي يعتمد ميدانيًا على (قسد)؟ أم أننا سنشهد انسحابًا أميركيًا، بشرط وضع حدّ للنفوذ الإيراني، لصالح تعزيز الوجود الروسي الذي من الواضح أنه يُطمئن إسرائيل أكثر من الوجود الإيراني؟ أمّا مشروع (قسد) نفسه فهو الآخر سيكون جزءًا من التفاهمات التي ستكون بين الروس والأميركان من جهة، وبين الروس ونظام بشار من جهة ثانية.
فالجانب الأميركي تركيزه على العراق، واستراتيجيته في منطقة شرقي الفرات تتمحور حول الحد من النفوذ الإيراني هناك، وهو النفوذ الذي بات متغلغلًا في مفاصل الدولة والمجتمع السوريين. فإذا أبدى الروس استعدادهم للقيام بهذه المهمة، وتمكّنوا من إقناع بشار، أو فرضوا عليه ذلك، فحينئذٍ لن تكون هناك مشكلة عند الجانب الأميركي في الانسحاب من المنطقة المعنية، وذلك مقابل تفاهمات في أمكنة أخرى مع الروس.
أما “حزب العمال الكردستاني” العمود الفقري والطرف المهيمن في (قسد) ومشروع “الإدارة الذاتية”، فإنه لا يجد أي حرج في التفاهم مع نظام بشار، وهو الذي لم تنقطع علاقته معه في يوم ما؛ وهي علاقة مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. فمن حيث المبدأ، لا توجد مشكلة لدى هذا الحزب في الإعلان مجددًا عن علاقاته المستمرة مع النظام، وإنما التفاصيل الخاصة بكيفية الإخراج والتسويق هي التي قد تأخذ بعض الوقت.
خلاصة القول: ما يُستنتج، من جملة التحرّكات واللقاءات والتصريحات والتسريبات التي تتمحور حول الموضوع السوري، هو أن الجانبين الأميركي والروسي قد قطعا شوطًا كبيرًا في طريق التفاهمات في الموضوع السوري، خاصة من جهة معرفة كل طرف بحسابات وأولويات الآخر، سواء في سورية أم في كل من لبنان والعراق، أو في مناطق أخرى من العالم.
أما التأثير السوري المعارض، فقد بات صفريًا، بكل أسف، وذلك نتيجة ارتباط “منصّات المعارضة الرسمية” المختلفة بأجندات القوى الإقليمية والدولية، وهي في وضعية انتظار التوافقات التي ستكون، وتمنّي النفس بإمكانية الحصول على موقعٍ هنا أو هناك، في إطار الصفقات التي ستتم بين اللاعبين الدوليين والإقليميين.
وعلى الرغم من أن هناك جهودًا كثيرة بُذلت من قبل مجموعات سورية، هنا وهناك، بهدف تشكيل تحالفات أو جبهات واسعة تضمّ مختلف التيارات السياسية والفكرية، أو حتى الدعوة إلى مؤتمر عام يتبنّى برنامجًا وطنيًا عامًا يُجمع عليه السوريون؛ فإن تلك الجهود كانت تصطدم دائمًا بالخلافات الناجمة عن عدم القدرة على تحديد الأولويات، والعجز عن التحرر من الأوهام الأيديولوجية، أو الأجندات الخاصة بحسابات محلية أو إقليمية.
وإنّ عدم إقدام القوى السياسية التي كانت في صدارة العمل المعارض حتى الآن على إجراء مراجعات جريئة جادة، وإعادة تقييم ما حدث من جهة الأخطاء التي ارتُكبت والشعارات التي رُفعت والتحالفات الاستراتيجية التكتيكية التي كانت والاصطفافات التي ترسّخت، فضلًا عن الممارسات والتصريحات السلبية التي أخفقت في طمأنة جميع السوريين من دون أيّ استثناء، إضافة إلى عدم وجود تصوّر واضح لكيفية ترميم النسيج المجتمعي الوطني السوري.. كلّ هذه الأمور وغيرها ما زالت تعوق إمكانية الاستفادة من التجارب السابقة، وما زالت تسدّ الأبواب أمام جهود مشتركة مسؤولة، كان من شأنها توحيد الطاقات وتركيزها في خدمة مشروع وطني سوري عام، يشمل كلّ السوريين، ويُطمئن الجميع.
مركز حرمون
———————————
أردوغان_ بوتين: وثيقة جديدة بشأن إدلب/ بسام مقداد
مروحة الآراء والتصريحات التي يطلقها السياسيون والإعلاميون الروس، عشية قمة بوتين إردوغان في سوتشي في 29 من الجاري، شديدة التنوع، بل ومتناقضة. لكنها تجمع على أن إدلب ستكون على رأس جدول أعمال القمة. وبين التصريح ـــــ الإنذار لوزير الخارجية لافروف بشأن إدلب، وتصريح الناطق بإسم الكرملين بشأن تأكيد إردوغان من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عدم الإعتراف بالقرم روسياً، تراوحت الآراء بين القول بالمواجهة بين الرئيسين، والقول بأنهما سيخرجان بإتفاق جديد بشأن إدلب، والتأكيد بأن القمة لن تخرج بشيئ.
وكالة نوفوستي، وفي نص بعنوان “”هذا سوف يكون مذبحة”. ما الذي بدأ في إدلب السورية”، قالت بأن الوضع في شمال سوريا قد يتصاعد بشكل خطير في الأيام القريبة القادمة. وتنقل عن مصادر في الحكومة التركية قولها ل Bloombergبأن أنقرة تنقل إلى الشمال السوري آلاف العسكريين ومئات الاليات العسكرية. وفي الوقت عينه إنتشرت أنباء عن إستعداد الجيش السوري لشن هجوم كبير في إدلب.
ونقلت نوفوستي عن الوكالة رأيها بأن إردوغان نقل القوات إلى سوريا ليمسك بورقة رابحة في لقائه مع بوتين في سوتشي. ومن المتوقع أن تتناول المفاوضات، بشكل أساسي، معالجة “مسألة إدلب”، ولن يكون من السهل على الطرفين التوصل إلى توافق.
وفي إشارة منها إلى موافقتها على رأي الوكالة الأميركية، تقول نوفوستي بأن لدى موسكو وأنقرة مصالح متناقضة كلياً في إدلب. ففي حين تريد موسكو مساعدة الأسد على تنظيف المحافظة من المقاتلين وإعادتها إلى سلطته، يحاول إردوغان المحافظة على الوجود العسكري والنفوذ في سوريا. إلا أنه يخشى موجة مهجرين جديدة إلى المناطق التركية المحاذية لسوريا، سيؤدي إليها حتماً بدء الأعمال القتالية. وتنسب نوفوستي إلى Bloomberg قولها بأن الهدف الرئيسي من نقل القوات التركية إلى إدلب هو إجبار دمشق على التخلي عن هجوم واسع.
تشير نوفوستي إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الإعلام الغربي عن هذه العملية. ومن دون أن تحدد من يقوم بذلك، تقول بأنه منذ أكثر من شهر ينقلون إلى حدود “المحافظة المشكلة” وحدات كبيرة، تقوم دورياً بتوجيه ضربات إلى مواقع الإرهابيين. كما نشط جداً في الأسابيع الأخيرة الطيران الروسي الذي يشن يومياً غارات على مواقع الإرهابيين. إلا أن لا دمشق ولا موسكو اعلنتا “حتى الآن” عن الإعداد لهجوم.
تقول الوكالة بأن تعاون تركيا مع المقاتلين في إدلب ليس سراً لأحد منذ زمن طويل. وترى بأنه لولا أنقرة لكان السوريون قد تمكنوا منذ زمن طويل من تحرير المحافظة. وليس من الواضح إلى ما سيفضي إليه التصعيد في شمال غرب سوريا، لكن من الواضح أن المفاوضات في سوتشي “سوف تكون صعبة”. إردوغان مصمم على المواجهة، وليس عازماً على التراجع. وهذا ما يؤكده حديثه “المتشدد بشكل غير متوقع” في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، من أن انقرة لن تعترف ابداً بالقرم روسياً. وتعتبر نوفوستي أن هذا التصريح “ليس الأكثر دبلوماسية قبل الإجتماع مع بوتين”.
صحيفة “Gazeta.ru” جمعت آراء اكثر من بوليتولوغ حول “الإتفاقات المحتملة بين بوتين وإردوغان في سوتشي”. ونقلت عن رئيس تحرير الدورية الروسية “روسيا في السياسة الدولية” فيودور لوكيانوف قوله بان بوتين وإردوغان يفهمان بعضهما جيداً، إلا أنه مع ذلك “لا يمكن توقع إتفاقيات حقيقية من هذا اللقاء”. وقال بان الرجلين لم يلتقيا يوماً فقط لمصافحة بعضهما. لدى روسيا علاقات متنوعة مع الدول الأخرى، بما فيها العلاقات الشكلية، “لكنها مع تركيا ليست شكلية”.
الإجتماعات بين الرجلين مليئة دائماً بالمسائل الحقيقية، التي ينبغي دوماً القيام بمساومة صعبة بشأنها، لكنها تدخل أحياناً بطريق مسدود، وحينها يكون “اللقاء بين الزعيمين ضروريا، على قول لوكيانوفً. لكنه مقتنع بأنه لا يوجد حل توافقي في أزمة إدلب، لأن لروسيا وتركيا مصالح “متناقضة كلياً” في المنطقة. فجميع الإتفاقات التي تم التوصل إليها أكثر من مرة بشأن سحب تركيا للمقاتلين من إدلب، بقيت معطلة. بعد المفاوضات تقوم تركيا بعملية واسعة، ثم تأتي بعدها مرحلة الضغط العسكري من قبل روسيا، بما فيها قصف الطيران، بعد ذلك “يجلسون إلى طاولة المفاوضات”. ويرى لوكيانوف أن “لا حل هنا”، بل ثمة عملية لا نهاية لها. ويعتبر أن هذا لا يشير إلى أن “كل شيئ سيئ”، بل على العكس “كل شيئ جيد”. فمنذ ست سنوات، وبمعجزة ما، يتم الحؤول دون صدام مباشر بين تركيا وروسيا.
بدوره الباحث في معهد الإستشراق آمور غادجييف يقول للصحيفة بأن الوضع في سوريا “يبقى بعيداً عن النهاية”، وذلك لأن تركيا، ولأسباب موضوعية وغير موضوعية، ليست مستعجلة في تنفيذ إلتزاماتها. وهو يعتقد بأن الرئيسين سوف يوقعان “وثيقة جديدة” بشأن إدلب، فهما لن يلتقيا عبثاً، بل سوف يوقعان على “شيئ وازن”، على إتفاقيات تلقي الضوء على العملية اللاحقة للتسوية في إدلب، لأن العمل على الصعيد الدبلوماسي كان “مكثفاً جداً”.
وبعد أن بذكر بأن لقاء الرئيسين سوف بتطرق إلى أفغانستان وناغورني كتراباخ وليبيا ونفط شرق المتوسط وشراء تركيا دفعة جديدة من صواريخ S-400، يرى غادجييف أن موضوع القرم والجدال الذي دار حول كلام إردوغان بشأنه ، لن يبحث في مفاوضات سوتشي. فالقرم “مسألة منتهية”، وتركيا تدرك جيداً أن “القرم روسي”، والكلام كان يحمل طابعاً شعبوياً صرفاً، ولن يترك تأثيراً مباشراً على جو المفاوضات.
ويتفق فيودور لوكيانوف مع غادجييف، ويضيف يأنه ليس من المفهوم لماذا تناول إردوغان مسألة القرم من منبر الأمم المتحدة. ويضيف بأنه يبدو أن ثمة حاجة للتذكير من وقت لآخر بانتماء ما للغرب.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي (الدوما) سفتلانا جوروفا أكدت للصحيفة أن بوتين وإردوغان “قد يبحثا” موضوع القرم، لكن بوتين سوف يرد بأن “القرم أرض روسية”. وعلى الرغم من الإختلاف بشأن القرم و”المسائل الأخرى”، إلا أن روسيا وتركيا تبقيان “شريكين إستراتيجيين”.
صحيقة “MK” الروسية تنقل عن المجلة الأميركية The National Interest قولها بأن الرئيسين سوف يبحثان، على الأغلب، تجدد العمليات الحربية في شمال شرق سوريا. وتنقل عن صحافي تركي غرّد قائلاً بأن أكثر خطوة صحيحة يمكن أن تقدم عليها تركيا في إدلب، هي أن تسحب جنودها من المناطق التي تتعرض لقصف الطيران. وقد يبدو هذا مذلاً، إلا أن أمن العسكريين يأتي بالمرتبة الأولى، و”نحن لم ننس حتى الآن 34 عسكرياً استشهدوا على يد روسيا”.
مشارك آخر في موقع تركي على الشبكة الإجتماعية، نقلت عنه الصحيفة قوله بأن تركيا في قمة الرئيسين سوف تكون منذ البداية في موقع الخاسر. ففي تصريح إردوغان لدى عودته من الولايات المتحدة، قال بأنه سيتوجه إلى روسيا بإقتراح عقد صداقة. وقال الموقع بأنه سوف يتابع بانتباه ما هي التنازلات التي سيقدم عليها إردوغان، وعن ماذا ستتخلى تركيا، وأي ثمن ستدفعه. ويتساءل ما إن كانت تركيا ستتمكن من أن لا تخسر شيئاً في القمة المقبلة؟
المدن
———————————
بوتين وأردوغان..قمة الضرورة وأوراق القوة والضعف/ العقيد عبد الجبار العكيدي
يلتقي اليوم الاربعاء، الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي، لمواصلة بحث القضايا العالقة بين الجانبين، والتي سيكون الملف السوري على رأس أولوياتهما، وذلك قبل يوم واحد من ذكرى مرور ست سنوات على التدخل العسكري الروسي في سوريا، الذي قلب موازين القوى وغيّر الخارطة العسكرية لمصلحة النظام على حساب فصائل الثورة والمعارضة التي كانت تسيطر على ما يقارب من 70 في المئة من الجغرافية السورية، وكانت على أبواب العاصمة دمشق، وجعلت النظام على وشك السقوط، حسب تصريحات المسؤولين الروس لولا تدخلهم في الوقت الحرج لإنقاذ الأسد، وبضوء اخضر أميركي.
ربما يصح تسمية قمة الرئيسين الروسي والتركي ب”لقاء الضرورة”، ففي ظل الشهية العربية للتطبيع مع النظام، والمتوجة بحراك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في الإقليم والدول الفاعلة في الشأن السوري، ولقاء بعض وزراء خارجية الدول العربية مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في محاولة لإعادة العلاقات مع الأسد والقبول بالواقع الجديد في ظل الإهمال المتعمد من الإدارة الأميركية، وصولاً إلى تسريبات الانسحاب الأميركي من سوريا ، كل ذلك جعل من روسيا تتعجل في فرض واقع سياسي يسمح بتأهيل الأسد وتعويمه دولياً.
يذهب الرئيسان وفي جعبة كل منهما العديد من المطالب لطرحها على الاخر، في محاولة لتحقيق ما أمكن من المكاسب، معززين مواقفهم التفاوضية بأوراق قوة، منطلقين من نظرية القائد الإنكليزي تشرشل “إذا ذهبت للتفاوض حضر نفسك للحرب”.
الاستراتيجية الروسية المتمثلة بتصعيد عسكري على الأرض بموازاة أي استحقاق سياسي، لتكون ورقة الضغط الأقوى أثناء اللقاء، كانت دائما تتركز على مناطق إدلب وجبل الزاوية وجبال الساحل، ولكن خلال الأيام الماضية تجاوزته لتستهدف مواقع لإحدى فصائل الجيش الوطني (فرقة الحمزة) المدعومة تركياً، ولتطال المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي في منطقتي عمليات غصن الزيتون، ونبع السلام. هذا التصعيد لم يكن مجرد حدث عابر، بل له دلالاته الخطيرة بأن الضامنين لاتفاقات أستانة وتفاهمات سوتشي، غير متوافقين على ما يبدو، حول مستقبل الترتيبات في شمال وشمال غرب سوريا، وأن الروس يريدون فرض واقع عسكري جديد على غرار ما حصل في محافظة درعا.
هذا التصعيد قبيل لقاء الرئيسين يحمل رسائل روسية دموية مرتبطة بالتفاهمات الأميركية الروسية وهشاشة موقف الرئيس الأميركي جو بايدن من القضية السورية، والليونة في تطبيق قانون عقوبات قيصر، بالإضافة للبرود الحاصل بين الرئيسين الأميركي والتركي، وتعثّر عقد لقاء بينهما في نيويورك أو واشنطن خلال الأيام الأخيرة الماضية، ما أعطى الضوء الأخضر لبوتين، الذي لن يضيع هذه الفرصة بالضغط على الجانب التركي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية في سوريا، من خلال قضم مزيد من المناطق، وفتح الطرق التجارية إم-4 وإم-5، والمعابر بين مناطق النظام ومناطق سيطرة المعارضة، لتنفيذ استراتيجيته باستعادة سيطرة النظام لكامل الأراضي السورية وإنعاشه اقتصادياً.
روسيا التي تتسلح بالدبلوماسية العالية المعززة بالقوة العسكرية، تقدم نفسها اليوم كبديل لضبط الأمن في المنطقة، في ظل التراجع الأميركي، وفي سوريا تحارب أصالة عن النظام لفرض أمر واقع من خلال تقدم جديد على الأرض يلغي كل التفاهمات السابقة مع تركيا، ويوصل رسائل إليها مفادها بأن نفوذها على مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام لن يحصّن هذه المناطق من الاستهداف، وكأن حال بوتين يقول لأردوغان قبيل اللقاء إن وجودكم على الأراضي السورية غير شرعي، مثله مثل الوجود الأميركي، وعليكم أن تقبلوا بإملاءاتنا وأن تخضعوا لشروطنا.
انطلاقاً من هذه الغطرسة الروسية والظروف الدولية التي ليست في صالح تركيا، يعتقد البعض أن الموقف الروسي في مفاوضات اليوم سيكون هو الأقوى، وربما لن يكون لقاءً متكافئاً بين الرئيسين.
الرئيس التركي الذي يجيد سياسة حافة الهاوية، قلق بالتأكيد من أي تغيير للواقع في إدلب وما قد يترتب عليه من أزمات، سواء جيو-استراتيجية أو إنسانية، حيث قد يؤدي الى موجة نزوح جديدة باتجاه الحدود، وبالتالي هو يسعى ما أمكن للحفاظ على هدن وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد، وتطبيق ما تم التفاهم عليه مع الرئيس الروسي في 5 آذار 2020، لكنه ذاهب وفي جعبته الكثير من أوراق القوة التي لا يستهان بها.
أهم أوراق القوة التركية
روسيا التي كان أحد أهم الاسباب الرئيسية لتدخلها العسكري في سوريا بالإضافة لمنع سقوط الأسد، تعطيل حلف الناتو من خلال إحداث انقسام داخله، وهذا يتوقف على نجاح روسيا بتحويل التنافس والعداء مع تركيا إلى تعاون وتحالف وثيق وشراكة، وهذا ما تجسد فعلاً من خلال التعاون المشترك بين الطرفين في أذربيجان وليبيا، وسوريا بشكل خاص في ملف خفض التصعيد، ونجاح الروس بتعطيل مسار المفاوضات في جنيف والاستعاضة عنه بمسار أستانة واللجنة الدستورية.
طورت تركيا من جانبها، شيئاً فشيئاً استراتيجية الردع، وحولت نقاط المراقبة إلى نقاط عسكرية دفاعية وهجومية، ونشرتها على شكل خطوط صد ودفاع على طول خطوط التماس مع النظام، مما قلّل هامش المناورة لقوات النظام، خلافاً للعمليات السابقة، وأصبح النظام مضطراً للاشتباك المباشر مع القوات التركية في حال نيته القيام بأي عمل عسكري، وبالتالي ستتحمل روسيا الأعباء المترتبة على ذلك وستكون علاقتها مع تركيا على المحك.
كما تمتلك تركيا الطائرات المسيرة (بيرقدار) التي أثبتت فاعلية عالية وكبدت النظام خسائر كبيرة في معركة درع الربيع، ربيع 2020، وكان لها تأثير كبير على سمعة الأسلحة الروسية وعدم مقدرة منظومات الدفاع الجوي الروسية على التعامل معها، وكسر احتكار روسيا للمجال الجوي السوري، بالإضافة الى الدور الكبير الذي لعبته تلك الطائرات في حسم المعركة في أذربيجان لصالح حلفاء تركيا.
إلى جانب ذلك، فإن تركيا مازالت تنسق بشكل مشترك مع الولايات المتحدة وبالحدود العليا على مستوى الأمن الاستراتيجي ومكافحة الإرهاب، فيما تنسق مع روسيا بشكل مستقل وبالحدود الدنيا، مما يهدد في حال أي تصعيد ضدها بفشل المخططات الروسية باستقطاب تركيا، التي تعمل على رسم علاقتها مع روسيا بما لا يضر تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن والغرب، فيما تبذل روسيا قصارى جهدها لرسم علاقة مع تركيا بما يؤدي في النهاية لزعزعة العلاقات بين حلفاء الولايات المتحدة، وبالتالي خشية الروس من انعطافها نحو الغرب في حال استفزازها أكثر من اللازم.
ومن نقاط قوتها الأخرى أن تركيا ما تزال الطرف الضامن لفصائل المعارضة التي دربتها وأهّلتها ودعمتها على مدار السنوات الخمس الماضية، بعد توقف الدعم من غرفتي العمليات (الموم، الموك)، هذه الفصائل التي تمتلك قدرة عالية على تهديد المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، تبدي التزاماً كبيراً بسياسات تركيا وأمنها، ولطالما أبدت استعدادها للتصدي لقوات النظام وحلفائه، وطالبت مراراً تحت ضغط الحاضنة الشعبية بالسماح لها بتحرير مدينة تل رفعت والقرى التي حولها، ومدينة منبج، التي يسيطر عليهم النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وربما لو قُدم لهذه الفصائل الدعم الكافي من السلاح والذخيرة لاستعادة مدينة حلب وكل المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام بسرعة كبيرة، وبالتالي فإن تركيا قادرة على تهديد كل المكاسب التي حققها النظام السوري بعد التدخل الروسي إذا ما سمحت أو أوعزت للفصائل بالتحرك.
كل ما تقدم يفرض على الجانبين التركي والروسي تفاهمات صعبة حيث لا هوامش للمناورة لدى الطرفين، ولا إمكانية لتخلي طرف عن الطرف الاخر، كل ذلك يجعلنا نتوقع من لقاء الرئيسين حقائق بعدما استنزفت السياسة كل طاقتها، وبات لزاماً مواجهة الحقيقة؟ ومن المرجح أن الرئيسين ذاهبان للاتفاق وليس للاختلاف، والتعامل مع الخلافات على أساس الاتفاقات السابقة، مع إمكانية إدخال تعديلات عليها وفق مقتضيات الأمر الواقع الجديد والتطورات الأخيرة السياسية والعسكرية.
المدن
———————————-
قمة سوتشي اليوم: توقعات متدنية بشأن إدلب/ أمين العاصي
يحضر ملف الشمال الغربي من سورية بنداً أساسياً في قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية، حيث من المتوقع أن تُراجع موسكو وأنقرة مجمل التفاهمات حول هذا الملف الأكثر سخونة في المشهد السوري. وقبيل القمة التي ربما يحضرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وسّع الجانب الروسي دائرة التصعيد في محافظة إدلب ومحيطها خلال الأيام القليلة الماضية. وحول لقاء سوتشي، ذكرت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، أمس الثلاثاء، أن أردوغان وبوتين سيبحثان خلال اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن المتوقع أن يناقش الزعيمان التطورات الإقليمية الراهنة والقضايا الدولية، وعلى رأسها التطورات في سورية وليبيا وأفغانستان.
بدوره، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن اللقاء سيركز بشكل أساسي على ملف سورية والعلاقات التجارية بين البلدين. وأوضح في تصريحات صحافية أمس، أن المساعدات الإنسانية إلى سورية والملف الليبي يمكن أن يكونا أيضاً ضمن جدول أعمال الاجتماع. وفي إطار استمرار الغارات الروسية على إدلب، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: “نحن ملتزمون بأسس الاتفاق المبرم مع روسيا، وننتظر من الطرف المقابل تحمل مسؤولياته المتعلقة بالاتفاق”. وأضاف عقب اجتماع الحكومة التركية، مساء أول من أمس الإثنين، أن “الروس يقولون إنهم يستهدفون المجموعات الإرهابية في إدلب، إلا أن ضحايا هذه الهجمات ليس بينهم إرهابيون”. وأوضح أن الهجمات تُعدّ سبباً لتزايد الهجرة وتصاعد التطرف بين سكان المنطقة، مؤكداً على أهمية استمرار وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار. ورداً على سؤال حول التنسيق بين تركيا وروسيا في المنطقة، أكد أكار وجود آلية دقيقة هناك، وقنوات تواصل بين البلدين. وفي ملف شرق الفرات، ذكر الوزير التركي أن لدى بلاده مذكرات تفاهم متوازية مع كل من روسيا والولايات المتحدة. وقال: “اتفقنا على انسحاب الإرهابيين ولكن للأسف لا يزال وجودهم مستمراً هناك”.
من جانبها، ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أمس، أن “اتفاقي موسكو (الموقّع في 5 مارس/ آذار 2020، والمتعلق بفتح الطريق الدولي أم 4، الرابط بين حلب واللاذقية)، وسوتشي (الموقع في 17 سبتمبر/ أيلول 2018، والمتعلق بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب)، سيوضعان على طاولة المباحثات للخروج بتفاهمات ملزمة للجانب التركي ووفق جدول زمني جديد قصير الأمد ولا يقبل التأويل”. وأضافت الصحيفة أن “الجدول ينصّ على وضع طريق أم 4 في الخدمة، مع خلق منطقة آمنة على طول ضفتيه ومساره الذي يصل إلى 70 كيلومتراً”. وأشارت إلى أن التفاهمات الجديدة تتضمن فصل مسلحي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) عن فصائل المعارضة السورية في ريف إدلب الجنوبي “لا سيما من غرفة العمليات المسماة (الفتح المبين)، الناشطة في جبل الزاوية، جنوبي إدلب وجنوبي طريق أم 4”.
وكان الجانبان التركي والروسي قد اتفقا في موسكو، في مارس 2020، على استعادة الحركة على الطريق المذكور، إلا أن تعقيدات ميدانية حالت دون ذلك. ويبدو أن فتح الطريق وتوفير بيئة آمنة في محيطه باتا هدفاً روسياً مستعجلاً، في ظلّ سعي روسيا إلى تنشيط اقتصاد النظام من خلال استعادة السيطرة على الطرق الدولية.
وحول هذه المعطيات، يصف الباحث بالشأن التركي طه عودة أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، قمة أردوغان وبوتين بـ”المهمة”، لكنه يشير إلى أنها معقدة “في ظل تعقيدات سياسية وتشابكات في الميدان على الساحة السورية بين البلدين”. ويرى أنه “من الصعوبة التنبؤ بنتائج القمة ومخرجاتها على المدى البعيد”، مضيفاً: هناك متغيرات جديدة طرأت بالمنطقة بشكل عام وعلى الساحة السورية بشكل خاص.
وحول التوقعات المرتقبة من القمة، يقول عودة أوغلو: يبدو أنها لن تخرج عن الأطر السابقة التي ضبطت مسار العلاقات بين البلدين خلال السنوات الثلاث الماضية. ويعرب عن اعتقاده بأن القمة “لن تخرج بتسوية كاملة لملف إدلب”، مضيفاً: ستبقى التهدئة مرهونة بمدى قدرة الطرفين على تنفيذ بنود الاتفاقات السابقة، وعلى رأسها الطريق الدولي أم 4، في حين تنتظر أنقرة من موسكو النظر في التفاهمات التركية الروسية المتعلقة بـ”الوحدات الكردية” في شرق الفرات، وتنفيذ الروس وعودهم في هذا الصدد.
من جهته، يعرب الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم عن قناعته بأن قمة سوتشي “ستقرّ توافقاً جديداً في استمرار اتفاق موسكو”، متوقعاً في حديث مع “العربي الجديد”، استمرار الخلافات على الملفات الأساسية، مثل ملف “هيئة تحرير الشام”، والطرقات الدولية. ويرجّح سالم “ترحيل الخلافات مرة أخرى، لتبقى قضية الجماعات المتطرفة ذريعة دائمة ومستمرة، تستخدمها روسيا لخرق التفاهمات متى أرادت الضغط على تركيا وكلما سنحت لها الفرصة”. ويتوقع انبثاق توافق هش جديد، مع ترحيل الخلافات إلى لقاءات جديدة، وقد تكون هناك مرونة تركية في موضوع المعابر أو القضايا الاقتصادية مع الروس.
ميدانياً، جمّدت القوات الروسية قصفها لمواقع فصائل المعارضة السورية في مناطق خاضعة للنفوذ التركي، والتي استمرت أياماً في محاولة لرفع سقف التفاوض والحصول على أعلى مكاسب للنظام السوري، قبل يوم من القمة. وساد الهدوء الحذر الشمال الغربي من سورية قبل قمة سوتشي، تخلله تحليق مكثف من طائرات الاستطلاع. كما أُعلن عن دخول رتل جديد من الجيش التركي إلى الأراضي السورية، مساء أول من أمس الإثنين، من معبر كفرلوسين. وأشارت مصادر محلية إلى أن الرتل ضمّ نحو 30 آلية، من بينها دبابات ومدافع ثقيلة، إضافة لعشرات الجنود، موضحة أنه توجه نحو المسطومة، جنوبي إدلب، والتي تضم قاعدة عسكرية تركية.
وفي استمرار لكيل الاتهامات لفصائل المعارضة السورية، ادّعى “مركز المصالحة الروسي في سورية”، أن أنظمة الدفاع الجوي في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، أسقطت طائرة مسيّرة أطلقها مسلحون من إدلب باتجاهها. وجاء في بيان للمركز نُشر على الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع الروسية على “فيسبوك”، مساء الاثنين، أن “وسائل المراقبة بقاعدة حميميم الجوية الروسية رصدت طائرة مسيّرة أُطلقت من الأراضي التي تسيطر عليها الزمر المسلحة في منطقة إدلب لوقف التصعيد”. وأضاف البيان أن نظام “بانتسير إس” للدفاع الجوي في القاعدة الروسية “دمّر الهدف الجوي على مسافة بعيدة عن القاعدة”. ولكن المرصد السوري لحقوق الإنسان نفى الادعاءات الروسية، مؤكداً عدم استهداف طائرة مسيرة لقاعدة حميميم الروسية، الأكبر في سورية والواقعة في ريف اللاذقية، غربي البلاد.
وتأتي قمة سوتشي قبل يوم واحد من الذكرى السنوية السادسة للتدخل الروسي العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر 2015، والذي رجّح كفة النظام على حساب المدنيين السوريين. وقالت منظمة “الدفاع المدني السوري” التابعة للمعارضة، في تقرير حديث لها، إنّ روسيا منذ تدخلها في سورية إلى جانب النظام قتلت وجرحت أكثر من 12 ألف مدني، خلال الفترة الممتدة من 30 سبتمبر 2015 وحتى 20 سبتمبر الحالي. وبحسب التقرير، فإنّ “الهجمات الروسية، البالغ عددها 5586 هجوماً، أدت على مدى السنوات الست الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين. ووثّقت فرقنا، خلال الفترة الممتدة من 30 سبتمبر 2015 حتى 20 سبتمبر 2021، مقتل 4018 مدنياً، بينهم أطفال ونساء”.
العربي الجديد
————————–
واشنطن ترحب بعودة الرحلات الجوية بين الأردن وسوريا..ثم تتراجع
أعلنت نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية جيلينا بورتر، أن الإدارة الأميركية تراجع قرار إعلان الأردن استئناف الرحلات الجوية التجارية إلى سوريا.
وأشارت بورتر لقناة “الحرة” الأميركية، إلى أن “الخارجية الأميركية تراجع الإعلان”، كما أكد مسؤول آخر في الوزارة للقناة أن الخارجية الأميركية تراجع الإعلان.
وتراجعت بورتر عن ترحيب سابق، بإعلان الأردن استئناف الرحلات الجوية إلى دمشق، حيث قالت المتحدثة في مؤتمر صحافي الثلاثاء، إنه “طالما الأمر يتعلق بالتجاري فنحن نرحب بذلك”، وذلك في أول تعليق رسمي أميركي على اللقاءات المتتالية بين النظام السوري والجانب الأردني.
وأعلنت رئاسة الوزراء الأردنية أنه “اعتباراً من 3 تشرين الأول/أكتوبر، تعود طائرات الملكية الأردنية لتسيير رحلاتها لنقل الركاب بين عمان ودمشق، وبحث الإجراءات اللازمة لإعادة عمل المنطقة الحرة الأردنية السورية المشتركة”.
وقال وزير النقل الأردني وجيه عزايزة في بيان، إن شركة الملكية الأردنية وبالتعاون مع هيئة تنظيم الطيران المدني، ستباشر رحلتها إلى سوريا، شريطة التزامها بكامل الشروط التي تتوافق مع البرتوكولات الصحية.
ويأتي تعليق الخارجية الأميركية بعد انتقاد المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل رايبرن لإعادة فتح معبر جابر-نصيب حيث تساءل عن عواقب قرار الأردن إعادة فتح حدودها مع سوريا رغم تدفق المخدرات.
وتزامنت عملية استئناف الرحلات وفتح المعابر الحدودية، مع زيارة وفد وزاري للنظام السوري إلى عمّان، حيث تناولت الاجتماعات بين اللجنة الوزارية المشتركة الأردنية-السورية الاثنين، بحسب وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، “مقترح تزويد سوريا بالكهرباء الأردنية مقابل المياه في الاتجاه المعاكس، وتعظيم الاستفادة من مياه حوض اليرموك السوري، وإمكانية تسريع وتيرة نقل الغاز المصري والكهرباء من الأردن وسوريا إلى لبنان”.
وبحثت الاجتماعات “وضع خريطة طريق واضحة لإعادة تأهيل الشبكة الكهربائية المتضررة على الجانب السوري، وتبادل قوائم السلع الزراعية بين البلدين، إضافة إلى سبل انسياب السلع وتسهيل حركة الشحن ونقل البضائع والركاب”.
———————————-
إسرائيل:الاسد يعيد بناء قدراته الكيميائية..بمساعدة إيران
قال “مركز بحوث الأمن القومي” الإسرائيلي إنه رغم المساعي لإعادة بناء جيش النظام السوري في السنوات الأخيرة، فإنه لا يشكل تهديداً لإسرائيل، معتبراً أن “التهديد الأكبر يتمثل في الترسانة الكيماوية التي يقوم النظام بتجديدها، وبطاريات الدفاع الجوي الروسية”.
وأضاف المركز في دراسة أعدها عنات بن حاييم أنه رغم المساعي لإعادة بناء جيش النظام في السنوات الأخيرة، فإن القدرة القتالية لقوات النظام “بقيت محدودة”، كما لم تشكل عمليات النظام تجاه الداخل والخارج “تهديداً”، متابعاً أن “هذا يعود إلى سلسلة تحديات تقف في وجه الجيش. أولاً، كثرة مراكز القوة في سوريا والتنافس بينها، وعلى رأسها الفصائل التي تعمل بشكل مستقل والوحدات الموالية لروسيا أو لإيران، ما يجعل من الصعب حصر استخدام القوة في يد الجيش فقط”.
ثانياً، تتسبب الأزمة الاقتصادية في سوريا بغياب الميزانيات، والفساد في جيش النظام، وغياب القوى البشرية النوعية، واستمرار القتال الداخلي في سوريا، فضلاً عن المعركة الإسرائيلية ضد التموضع الإيراني في سوريا.
وتابع المركز أن “الجيش السوري يجد صعوبة في أداء مهامه، فقد فشلت كل محاولات السيطرة أو تقليص مجال سيطرة الثوار في إدلب”، مضيفاً أنه “في شرق سوريا، منطقة الذخائر الاستراتيجية للنظام وحقول النفط، يراوح الجيش مكانه ويجد صعوبة في تفعيل دوره. وفي جنوب سوريا أيضاً، فشلت محاولات النظام لاستعادة السيطرة على درعا وجمع السلاح من الثوار”.
صراع روسي-إيراني
وقال المركز إنه مع انحسار حدة القتال في سوريا منذ أواخر العام 2017، “بدأت مساعي بناء القوة العسكرية لجيش النظام برعاية روسيا، ومنذ ذلك الوقت تظهر منافسة إيرانية-روسية على النفوذ في بناء الجيش”.
وأضاف “عملياً، لروسيا نفوذ متزايد في سياقات بناء الجيش السوري واستخدامه على المستوى الاستراتيجي والعملياتي، ومع بداية التدخل الروسي عام 2015، أقامت روسيا قيادة متعددة الأذرع ومركز عمليات مشتركاً، ما يعطل منصب هيئة الأركان السورية”، مشيراً إلى أن “روسيا حرصت على عدم تعيين رئيس أركان للجيش السوري منذ عام 2018 وحتى اليوم”.
وتابع أن “مبنى القيادة والتحكم الذي أنشأته روسيا في سوريا، يضمن تدخل ضباطها ومستشاريها في كل مستويات القتال في البلد تقريباً، بما في ذلك مفهوم استخدام الجيش السوري، واستنفاد أسلحته في ميدان القتال”، لافتاً إلى أنه “رغم الصدارة الروسية، تعمل إيران وحزب الله على تحقيق نفوذ على الجيش، خصوصاً في ما يخص نشر قوات هجومية، وصواريخ أرض-أرض، وطائرات هجومية مسيّرة، في القتال المشترك مع وحدات الجيش السوري تحت القيادة الإيرانية”.
واعتبر المركز أن هناك “استياءً روسياً من تأثير إيران وفروعها على الجيش السوري في جنوب سوريا”، مؤكداً أن “التأثير الإيراني محصور في المجالات التي توجد فيها لطهران مصلحة واضحة تجاه إسرائيل، وهو محدود بانعدام المقدرات الكافية، وبسبب الكبح الروسي”.
وذكر المركز أن “الهدف المركزي للجيش السوري من إعادة بنائه هو داخلي، وعلى رأسه الحاجة لإيقاع الهزيمة بالفصائل المعارضة ومنع نمو قوتهم”، علماً أنه في السابق، كان الهدف المركزي للجيش هو “التهديد العسكري الإسرائيلي”، مضيفاً أن “قوة جيش النظام تتركز في الوقت الحالي على إقامة وتأهيل وحدات قتالية لتحقيق السيطرة على الدولة، والقدرة على تحريك القوات، والقمع، وإعادة السيطرة على المناطق في ظل مشاركة فصائل مستقلة وشبه عسكرية”.
وتابع أنه “رغم أن الخطة الروسية تتمثل في دمج مجموعات من الثوار السابقين في صفوف الجيش السوري بغية تثبيت سيطرة النظام وتقليص خطر الثورة”، إلا أن “فصائل موالية لإيران تشارك إلى جانب النظام، بشكل مستقل، بالخطط القتالية وتكتيكات الجيش السوري”.
تهديد روسي
وبشأن بناء قدرات الدفاع الجوي، ذكر المركز أن “روسيا تساعد الجيش السوري على إعادة بناء منظومة الدفاع الجوي، من خلال استخدام أسلحة وصواريخ أرض-جو متطورة ذات قدرة اعتراض للقذائف الموجهة التي تطلق من بعيد، لكن موسكو تمتنع عن نقل بطاريات صواريخ أرض- جو متطورة من طراز (S-400) إلى سوريا، علماً أن هذه المنظومات تشكل تهديداً لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي”.
ورأى المركز أن “التحدي العسكري الأساس الذي يشكله الجيش السوري على الجيش الإسرائيلي، هو في قدراته في الدفاع الجوي، التي تقوم على قدرات روسية وتفعّل بمشورة عسكرية روسية”، ولهذا السبب، يقول المركز إن “على إسرائيل أن تواصل ممارسة الضغط السياسي على روسيا لمنع تسليم بطاريات صواريخ أرض-جو متطورة للجيش السوري”.
ترسانة كيماوية
أما عن التهديد الإيراني-السوري لإسرائيل، قال المركز إن “إيران وسوريا تبذلان جهداً مشتركاً ومتوازياً لتركيب صواريخ أرض-أرض لمسافات مختلفة، بهدف تهديد الجبهة الداخلية لإسرائيل”، لافتاً إلى أن إيران نشرت في سوريا منظومات طائرات مسيّرة، “ولم يتبين بعد ما إذا كانت نُقلت إلى الجيش السوري أم أنها ستستخدم عند المواجهة من قبل فصائل موالية لإيران”.
ونقل المركز عن سلسلة منشورات من الأمم المتحدة والإدارة الأميركية، تدل على أن سوريا تعمل على تجديد ترسانتها الكيماوية، لا سيما غاز الكلورين والسارين بمساعدة إيرانية، وإعادة بناء قدرات الإنتاج في سوريا نفسها، رغم التزامها في عام 2013 بالقضاء على السلاح الكيماوي، مشيراً إلى أن “هذه القدرات الاستراتيجية يمكن أن توجه للداخل الإسرائيلي، وهي كفيلة بأن تشكل سلاح ردع تجاه إسرائيل”. وحذّر المركز من ضرورة أن “تكون إسرائيل يقظة للقدرات الكيماوية التي يعمل نظام الأسد على إعادتها بمساعدة إيرانية”.
————————
بوتين يستقبل إردوغان متفائلاً بإيجاد «تسويات» بينهما
بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان في العلاقات بين بلديهما والتي اتسمت بصعوبات عدة خلال السنوات الماضية، مشيدا بقدرتهما على التوصل الى «تسويات».
وقال بوتين أثناء استقبال إردوغان في سوتشي «أحياناً، لا تكون المفاوضات سهلة لكنها تُختتم بنتيجة إيجابية. لقد تعلمت أجهزتنا إيجاد تسويات مناسبة للطرفين».
واعتبر إردوغان الذي يلتقي بانتظام نظيره الروسي «أعتقد بوجود فائدة كبيرة في مواصلة تركيا وروسيا تعزيز علاقاتهما».
وتربط روسيا وتركيا علاقات معقدة، تتأرجح بين التنافس الإقليمي والمصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة. وفي السنوات الأخيرة، اختلفتا حول سوريا، إذ دعمت موسكو النظام فيما دعمت أنقرة فصائل معارضة، وحول الحرب بين أرمينيا المعادية لتركيا والقريبة من موسكو، وأذربيجان التي تدعمها أنقرة بقوة. كما يوجد خلاف بين البلدين حول النزاع في ليبيا.
لكن شهدت علاقاتهما تقارباً على خلفية التوتر بين موسكو والغرب، والعلاقات التي تزداد حدة بين تركيا وحلفائها في الحلف الاطلسي، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأثار بيع روسيا النظام الدفاعي «إس -400» المضاد للطائرات إلى تركيا، غضب الولايات المتحدة.
وتجمع بين أنقرة وموسكو كذلك مصالح اقتصادية مهمة، لا سيما في السياحة والصادرات الغذائية. وأشار بوتين إلى تدشين خط أنابيب الغاز «تورك ستريم» عام 2020 الذي سينقل الغاز الروسي الى تركيا وأوروبا عبر البحر الأسود.
واجتمع بوتين مع الرئيس التركي بعد انتهاء فترة العزل التي التزم بها عقب اكتشاف إصابات بكوفيد-19 في محيطه.
————————–
الأول منذ الثورة السورية.. ماذا وراء لقاء شكري والمقداد؟
أثار اللقاء الوزاري الأول من نوعه منذ 10 سنوات بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره السوري فيصل المقداد، تساؤلات حول دلالات وتداعيات التحول المفاجئ في موقف القاهرة من التأييد الضمني للنظام السوري إلى المعلن، في ظل تحولات المنطقة وتشابك قوى دولية وإقليمية مختلفة في الملف المتأزم منذ عام 2011.
لقاء شكري والمقداد جاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك -الجمعة الماضي- الذي بحثا خلاله سبل الوصول إلى حل للأزمة السورية، دون مزيد من التفاصيل عن مخرجاته، علما بأن شكري يُعد خامس وزير عربي يلتقي المقداد في نيويورك، بعد نظرائه من موريتانيا والأردن وعُمان والعراق.
وكان موقف مصر الرسمي الداعم للثورة السورية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد قد تبدل منذ صيف 2013. ففي وقت سابق، قال شكري إن بلاده “تتطلع إلى عودة سوريا إلى محيطها العربي والجامعة العربية”، رغم التباين العربي بشأن رفع التجميد عن عضوية سوريا، حسبما صرّح مؤخرا الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
بمقر البعثة المصرية في نيويورك… وزير الخارجية #سامح_شكري يستقبل الآن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وذلك للتباحث حول سبل إنهاء الأزمة في سوريا. pic.twitter.com/Ea8Ms6TYVJ
— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) September 24, 2021
الأول من نوعه
وعن مخرجات اللقاء، اكتفت الخارجية المصرية ببيان مقتضب أوضحت فيه أن الجانبين بحثا سبل إنهاء الأزمة السورية، بينما ذكرت وكالة أنباء النظام السوري (سانا) أن اللقاء عرض تطورات الأزمة، وأهمية تضافر كل الجهود لحلها، واحترام سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها.
وفي تصريحات أدلى بها في اليوم التالي، أوضح شكري أن لقاءه مع المقداد “هام بعد هدوء المعارك العسكرية؛ لاستكشاف الخطوات التي تؤدي للحفاظ على مقدرات الشعب السوري والخروج من الأزمة واستعادة سوريا كطرف فاعل في الإطار العربي”.
تحولات واسعة
وقد مرَّت العلاقات المصرية مع النظام والثورة السورية بعدة منعطفات في السنوات العشر الماضية، فمع اندلاع الثورة قطعت القاهرة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وناصرت الحراك الثوري المعارض.
لكن منذ صيف 2013 ومع تدخل الجيش لإزاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي من السلطة، تبدّل الموقف جذريا تجاه الملف السوري، إذ عادة ما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي -الذي كان وزيرا للدفاع قبل أن يقود التدخل لعزل الرئيس المنتخب- دعم بلاده للجيوش الوطنية.
ولم يقتصر التعاطي المصري مع الملف السوري على الدعم الضمني للنظام السوري، إذ إنه امتد إلى عقد لقاءات أمنية واستخباراتية -طبقا لتصريحات سابقة للرئيس السوري بشار الأسد ورئيس مكتب استخباراته علي المملوك- أشارت إلى “تنسيق لم يتوقف مع القاهرة سياسيا وفي إطار مكافحة الإرهاب”.
وجاء لقاء شكري والمقداد في خضم تحولات إقليمية كبيرة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تمثّل فيها سوريا أحد أبرز نقاط تماسها. فمن ناحية يأتي الملف السوري في طليعة المباحثات المصرية التركية لعودة العلاقات بين البلدين، حيث سبق أن اشترطت القاهرة على أنقرة خروجها من سوريا وليبيا من أجل تطبيع العلاقات.
كما تشير تقديرات دبلوماسيين سابقين في مصر، إلى إمكانية حدوث انفراجة في الموقف العربي من سوريا مع التقدم في مفاوضات فيينا لعودة أميركا إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفعها العقوبات تدريجيا عنها، والتطورات المحتملة لمحاولات التقارب بين السعودية وإيران.
وعلى جانب آخر، فإن مصر خطت خطوات نحو تمرير الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وسط تقديرات بعدم ممانعة واشنطن لذلك، في ضوء قانون قيصر الذي يمنع التعامل مع النظام السوري أو دعمه تحت أي ظرف كان.
لقاء استكشافي
وعن دلالات وأبعاد لقاء شكري والمقداد، يرى الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي، أنه “يبدو لقاءً استكشافيا من القاهرة؛ للاستعلام عن آخر تطورات الوضع في سوريا، والترتيبات التي يعد لها حاليا بقيادة روسيا من أجل خوض فترة انتقالية”.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال الزواوي إن هناك شبه إجماع عربي على إعادة سوريا مرة ثانية إلى الجامعة العربية، ولكن تبقى معرفة الترتيبات التي يعدّ لها حاليا من موسكو.
وبحسب الأكاديمي المصري، فإن التقارب المصري السوري أمر طبيعي داخل منظومة التحالفات المصرية ودوائر اهتمام السياسة الخارجية للقاهرة، في حين ربما تتباين أهمية سوريا لبعض الدول العربية الأخرى، باعتبار أنها لم تعد على ما كانت عليه قبل الثورة، فهي بحاجة إلى المساعدة أكثر من كونها دولة مؤثرة في تعزيز التحالفات الإقليمية.
وأضاف أن النظام السوري نظام براغماتي علماني، يتخذ من علاقته مع إيران علاقة مصلحية، ومن ثم فإن تحالفه مع طهران ليس إستراتيجيا، لكن علاقته مع موسكو أكثر عمقا، وبالتالي فإن مخرجات الترتيبات الروسية الحالية هي التي من شأنها أن تحدد طبيعة ونطاق عودة سوريا مرة ثانية إلى الجامعة العربية.
ورقة ضغط!
وحول تداعيات التقارب المصري السوري على المباحثات المصرية التركية، أشار الزواوي إلى أن مصر حاولت من قبل أن تعقد تقاربا مع أكراد سوريا من أجل الضغط على تركيا، واستقبلت مبعوثين منهم في القاهرة، لكنها تراجعت عن هذا النهج لعدم رغبتها في خوض حروب بالوكالة مع تركيا، باعتبار وزن كلا البلدين على المستوى الإقليمي.
وأضاف أن خوض حروب بالوكالة مع تركيا ليس مأمونا للجانبين، واستغلال أوراق ضغط على تركيا في سوريا يمكن أن يؤدي إلى أن تقوم أنقرة بالخطوة ذاتها في ليبيا، وهو ما من شأنه أن يضر بمصالح الدولتين، ومن ثم فإن التقارب في ملفات بعينها وترك الصراع في ملفات أخرى يبدو أنه الحل الأوفق لكل من القاهرة وأنقرة.
وفيما يتعلق بطبيعة التقارب المصري مع النظام السوري وأبعاده على تحركات القاهرة تجاه الأردن والعراق، قال الزواوي إن مصر تحاول إنشاء دائرة جديدة في الإقليم بعد انهيار الدائرة العربية، والتقارب مع العراق والأردن وسوريا من شأنه أن يعزز من مكانة القاهرة اقتصاديا، وأن يرفع من مستوى التعاون من اقتصادي إلى سياسي وإستراتيجي مستقبلا.
وأشار إلى أن سوريا تعد عنصرا مهما في تلك الإستراتيجية، بالنظر إلى الثقل التاريخي لسوريا ومكانتها في الإستراتيجية العسكرية المصرية، كأحد أهم عناصر تطويق إسرائيل ومنعها من التفرد بدولة دون أخرى في الإقليم.
بعد انقطاع لعشر سنوات..لقاء بين وزير خارجية #مصر #سامح_شكري ونظيره السوري #فيصل_المقداد في #نيويورك pic.twitter.com/r5wC7tuQwb
— برنامج هاشتاج (@ajmhashtag) September 25, 2021
ضوء أخضر
متجاوزا الرأي السابق باعتبار لقاء شكري والمقداد لقاءً استكشافيا، أبدى الأكاديمي والمحلل السياسي حسن نافعة عدم استغرابه من اللقاء الرسمي المعلن، مشيرا إلى أن الاتصالات بين النظام المصري ونظيره السوري لم تنقطع، وهي مستمرة منذ عدة سنوات.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال نافعة إن مصر مهتمة جدا بما يحدث في سوريا، حيث تعتبر أن ما يحدث فيها نتاج عملية تخريب ومؤامرة كبرى شاركت فيها دول عربية وأخرى من خارج الإقليم، وبالتالي فهي ضد فكرة تنحية بشار الأسد.
وفيما يتعلق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، استبعد نافعة أن تتحمس مصر في تبني حملة لإعادة المقعد السوري رغم تأييدها الرسمي لهذه العودة؛ حرصا على علاقاتها مع السعودية وبعض دول الخليج الأخرى التي ترفض الأمر.
وفيما يتعلق بتداعيات التقارب المصري السوري على المصري التركي، استبعد الأكاديمي المصري أن يكون اللقاء خطوة مقصودة لعرقلة مباحثات إعادة تطبيع العلاقات، موضحا أن التقارب التركي المصري يمكن أن يساعد على حلحلة بعض الأزمات في المنطقة، ومنها أزمتا سوريا وليبيا.
وعن تعارض مشروع خط الغاز المصري الواصل إلى لبنان عبر سوريا، مع عقوبات قانون قيصر الأميركي الذي يمنع التعامل مع النظام السوري أو دعمه، شدد نافعة على أن المشروع لن يمر إلا بموافقة الولايات المتحدة التي يبدو أنها أعطت الضوء الأخضر لتدشينه.
وعزا ذلك إلى أن واشنطن تخشى تغلغل إيران في الشأن اللبناني، خاصة بعد نجاح الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في جلب البواخر الإيرانية المحملة بالمواد النفطية.
وأضاف نافعة أن قانون قيصر الأميركي سيستثني سوريا بشكل أو بآخر، حال تسجيل الصعوبات الفنية التي تعترض توصيل الغاز المصري إلى لبنان مرورا بالأردن وسوريا.
ومن جانبه، اعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن الجلسة التي جمعت الوزيرين “بداية طيبة لعودة العلاقات”، مشددا في تصريحات صحفية أن مصر تنتظر التوافق العربي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتعمل على إعادة فتح السفارات السورية في كل الدول العربية مرة أخرى.
المصدر : الجزيرة
————————-
قمة سوتشي.. أردوغان: السلام في سوريا مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -اليوم الأربعاء- إن السلام في سوريا مرتبط بشكل مباشر بالعلاقات بين أنقرة وموسكو، بينما قال نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة جمعتهما في مدينة سوتشي الروسية إن البلدين تعاونا بشكل ناجح في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز.
وذكر الرئيس أردوغان أن دور أنقرة وموسكو كبير في سوريا، وأن الخطوات التي يتخذها البلدان بشكل مشترك بشأنها لها أهمية كبيرة، كما أن العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين روسيا وتركيا تشهد تطورا كبيرا.
وتأتي قمة سوتشي في ظل تصعيد للوضع العسكري في محافظة إدلب شمالي سوريا، وهي مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية تركية روسية، إذ يشن النظام السوري والروسي غارات على مواقع مختلفة في إدلب.
التعاون العسكري
وذكر مراسل الجزيرة أن الرئيس التركي ذكّر بأن مباحثاته مع بوتين ستتطرق لتطوير التعاون التقني العسكري بين البلدين. وتجري مشاورات بين أنقرة وموسكو لشراء دفعة ثانية من صواريخ “إس-400” (S-400) الروسية.
بوتين لأردوغان: علاقاتنا مع تركيا تتطور على نحو إيجابي تعلمنا إيجاد حلول وسط
— Ahmad Hassan (@binaasorya) September 29, 2021
وصرّح الرئيس الروسي أن “تعاون بلاده مع تركيا مستمر بنجاح على الساحة الدولية، وأعني هنا مواقفنا تجاه كل من سوريا وليبيا”، مضيفا أن اجتماعاته مع نظيره التركي لا تسير دائما بشكل سلس، و”مع ذلك يمكن لمؤسساتنا ومنظماتنا ذات الصلة أن تجد توافقا في الآراء”.
وأضاف بوتين أن التعاون بين روسيا وتركيا بخصوص إقليم ناغورني قره باغ في أذربيجان “يحمل أهمية كبيرة، من حيث المساهمة بتثبيت وقف إطلاق النار وضمان سلام أكثر متانة وديمومة في المستقبل”.
المشاريع الاقتصادية
وقال الرئيس الروسي إن المشاريع الكبيرة بين بلاده وتركيا تسير وفق الخطة المرسومة، والاستثمارات الروسية في تركيا بلغت 6.5 مليارات دولار، بينما استثمارات تركيا في بلاده وصلت إلى 1.5 مليار دولار.
ويضمّ الوفد الذي يرافق الرئيس التركي إلى سوتشي كلا من رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن.
تجدر الإشارة إلى أن قمم الرئيسين بوتين وأردوغان تمخضت عنها في الكثير من الأحيان تفاهمات أسهمت بإنهاء التوترات بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني السوري المدعوم تركيًّا.
المصدر : الجزيرة + الأناضول
——————————
انتهاء قمة أردوغان – بوتين في سوتشي.. بماذا صرح الرئيسان؟
انتهى لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مساء اليوم الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية وجرى اللقاء بعيداً عن وسائل الإعلام، في قصر الرئاسة بمدينة سوتشي، واستغرق ساعتين و45 دقيقة.
وقالت وكالة الأناضول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شكر نظيره التركي رجب طيب أردوغان، لزيارته بلاده، مؤكدا أن اللقاء الثنائي في مدينة سوتشي كان مفيدا وشاملا للغاية.
جاء ذلك خلال وداع بوتين لنظيره التركي أمام مقر الرئاسة في سوتشي، مساء الأربعاء، وقال بوتين أثناء مصافحته أردوغان: “أشكرك على زيارتك. اللقاء كان مفيدا وشاملا للغاية. سنواصل الاتصالات”.
بدوره، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاءه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ”المثمر”.
وذكر أردوغان في تدوينة نشرها عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء، إنه غادر مدينة سوتشي الروسية بعد لقاء مثمر مع بوتين، وأرفق الرئيس التركي التدوينة بصورة جمعته مع نظيره الروسي.
وفي وقت سابق اليوم، وصل أردوغان إلى سوتشي، برفقة وفد يضم رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة فخر الدين ألطون، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن.
ويرافق أردوغان في زيارته رئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالن.
ويعدّ هذا اللقاء الحضوري هو الأوّل بين “بوتين” و”أردوغان”، منذ آخر لقاء مباشر جمع الرئيسين في العاصمة موسكو، شهر آذار 2020.
يأتي هذا اللقاء على وقع تصعيد عسكري مستمر لـ روسيا ونظام الأسد على منطقة إدلب شمال غربي سوريا، رغم توقيع اتفاق للتهدئة بين أنقرة وموسكو، مطلع العام المنصرم.
————————-
أردوغان: السلام في سوريا مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، إنّ السلام في سوريا مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا.
جاء ذلك في كلمةٍ لـ”أردوغان” قبيل انطلاق قمة ثنائية تجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي انطلقت ضمن جلسةٍ مغلقة، قبل ساعات من اليوم، في مدينة سوتشي الروسيّة.
وبحسب ما ذكرت وكالة “الأناضول” فقد أشار “أردوغان” في كلمته إلى أنّ “الخطوات التي يتخذها البلدان معاً بشأن سوريا لها أهمية كبيرة”.
من جانبه قال “بوتين” في كلمةٍ – قبيل انطلاق القمة أيضاً – إنّ اجتماعاته مع أردوغان “لا تسير دائما بشكل سلس، ومع ذلك يمكن للمؤسسات والمنظمات الروسيّة أن تجد توافقاً في الآراء”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد غادر بلاده، في وقتٍ سابق اليوم، متوجهاً إلى مدينة سوتشي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشكل منفرد، بهدف التباحث في عدة ملفات على رأسها التطورات الجارية في سوريا.
من رافق أردوغان في زيارته إلى روسيا؟
ويرافق أردوغان في زيارته رئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالن.
ويعدّ هذا اللقاء الحضوري هو الأوّل بين “بوتين” و”أردوغان”، منذ آخر لقاء مباشر جمع الرئيسين في العاصمة موسكو، شهر آذار 2020.
اقرأ أيضاً.. قمة سوتشي: أزمة ثقة بين تركيا وروسيا تهدد التهدئة في إدلب
يأتي هذا اللقاء على وقع تصعيد عسكري مستمر لـ روسيا ونظام الأسد على منطقة إدلب شمال غربي سوريا، رغم توقيع اتفاق للتهدئة بين أنقرة وموسكو، مطلع العام المنصرم.
———————————–
بعد اجتماع سوتشي.. بوتين لأردوغان: الأجسام المضادة لدي عالية
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن اجتماعه مع الرئيس رجب طيب أردوغان كان مفيدًا وشاملًا للغاية. بينما قال الرئيس أردوغان: “غادرنا سوتشي بعد لقاء مثمر مع زميلي بوتين”.
وبحسب صحيفة (يني شفق) التركية، أجرى بوتين محادثة قصيرة مع أردوغان عندما كان يودعه أمام مقر الرئاسة بعد لقائهما في سوتشي، قال فيها بوتين إن نحو 30 شخصاً كانوا يعملون معه أصيبوا بفيروس كورونا (Covid-19) بما فيهم الشخص الذي يرافقه على مدار اليوم. وعلى الرغم من ذلك، قال بوتين إنه لم يحدث له شيء لأن أجسامه المضادة عالية جدًا. مشيراً إلى أنهم أصيبوا بالفيروس بسبب تأخرهم في تلقي الجرعة الثالثة من اللقاح.
روسيا تنفي علاقتها بنشر معلومات مضللة حول لقاحات كورونا الغربية
وبحسب الصحيفة، فإن الرئيس أردوغان سأل الرئيس بوتين عن عدد الأجسام المضادة التي يملكها، أجاب بوتين “15 أو 16 لا أذكر بالضبط”، ليجيبه أردوغان بأن هذه الكمية منخفضة جداً، وبأن عدد الأجسام المضادة التي يملكها أكثر من 1000، عندها أعاد القول بأن هذه الأرقام تختلف بسبب طرق حساب الأجسام المضادة.
ثم أعاد بوتين مؤكدا أنه يمتلك أجساماً مضادة عالية، مضيفاً: “على الرغم من أنني كنت مع الشخص المصاب طوال اليوم، إلا أنني لم أشعر بالمرض”.
بوتين ينصح أردوغان بالحصول على لقاح “سبوتنيك” الروسي
وتضيف الصحيفة، في مادتها المنشورة على موقعها الإلكتروني، بعد أن أوصى بوتين أردوغان بتلقي اللقاح الثالث، لقاح “سبوتنيك” الروسي، قال أردوغان: “لقد حصلت على لقاح بيونتك”، ليقترح عليه بوتين بالحصول على لقاح “سبوتنيك” في المرة القادمة.
وقال بوتين أثناء مصافحته لأردوغان “شكرا على الزيارة. كان الاجتماع مفيدا وشاملا للغاية. وسنكون على اتصال”.
الرئيس أردوغان: لقد عقدنا اجتماعا مثمرا
صرح الرئيس رجب طيب أردوغان أنهما عقدا اجتماعًا مثمرًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي.
وكتب أردوغان على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي “غادرنا سوتشي بعد اجتماع مثمر مع زميلي بوتين”.
—————————
بوابة دمشق الجديدة.. ماذا تريد الأردن من الأسد؟/ محمد محمود بشار
البوابات التي تمر منها الحلول الإسعافية مهمة جداً لمعالجة الأزمات اليومية الناجمة عن الحروب المستمرّة منذ عقد من الزمن في سوريا.
الرئيس السوري بشار الأسد لا يثق في حلفائه إلى اللانهاية، فلكل ثقة حدودها التي ترتسم عند مصالح كل دولة أو قوة حليفة بالنسبة لدمشق. ولأنّ تلك المصالح هي التي تحكم على قرارات حلفاء دمشق، ما زالت لحدّ الآن الحدود السورية مع دول الجوار إما مغلقة أو مرهونة بصفقة يعقدها الحليف مع الجار من دون المرور بدمشق كعاصمة سابقة للقرار السياسي والسيادي في سوريا.
سوريا الآن هي بلد العواصم المتعددة، فعلى سبيل المثال (حميميم) الآن هي إحدى أهم العواصم السورية، حيث التواجد العسكري الروسي الضخم وتحول هذه القاعدة العسكرية إلى ملتقى دبلوماسي مهم، وعندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوريا، لم يتجه إلى دمشق، بل كانت النقطة الأولى التي وطأت قدماه فيها هي حميميم، وكان الأسد موجوداً في الصف الثاني لمستقبلي بوتين، حيث كان الصف الأول يتكون من الضباط الروس رفيعي المستوى.
العاصمة الأخرى هي بلدة (عين عيسى)، وهي التي اتّخذتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عاصمة لها، وعلى الرغم من صغرها فهي تشكل مركزاً رمزياً لاتخاذ القرارات لقوات سوريا الديمقراطية، وهي أهم حليف للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.
وإحدى العواصم هي مدينة جرابلس الواقعة تحت سلطة الجيش التركي الذي قام بشنّ ثلاثة عمليات عسكرية كبيرة احتلّ من خلالها العديد من المدن والبلدات السورية المتاخمة للحدود التركية، وذلك تحت مسميات (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام). ومدينة جرابلس لها رمزيتها وأهميتها بالنسبة للدولة التركية في عدوانها على الأراضي السورية، فهي أول مدينة احتلّتها تركيا في سوريا وذلك من دون حرب، فانتقلت المدينة من حكم داعش إلى حكم الأتراك.
أما (التنف) فهي دولة ضمن دولة، هي الدولة الأكثر سرية وغموضاً على مستوى كافة المناطق السورية، حيث التواجد الأمريكي المكثّف مع قوة عسكرية محلية غير واضحة المعالم بالنسبة لأغلبية السوريين وتلك القوى تطلق على نفسها اسم (مغاوير الثورة).
يحاول الرئيس السوري الآن إعادة ضخ الحياة إلى شرايين دمشق وإنعاشها كعاصمة لها ثقلها السيادي واستقلاليتها في القرار، وذلك من خلال التوجّه إلى العمق العربي من دون وصاية روسية أو إيرانية.
وبالنسبة للحدود المحيطة بسوريا، فإنّ الأردن هو أفضل حلّ إسعافي أمام دمشق لحلحلة بعض الأمور الآنية المستعجلة، وكذلك هو الطريق الذي سيعيد دمشق إلى عمقها العربي، وبنفس الوقت فإنّ دمشق ترى في عمان الجسر الأكثر متانة للتواصل مع مراكز صنع القرار في الغرب، لما للأردن من مكانة مميزة في شبكة العلاقات الدولية.
الحدود السورية التركية بشكل شبه كامل هي خارج سيطرة دمشق، حيث تدير الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أغلبية المدن والبلدات الحدودية في الشمال الشرقي، وتحتلّ تركيا ما تبقى من مدن وقصبات حدودية.
والحدود العراقية كذلك القسم الأكثر أهمية منها تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تدعمها واشنطن، للحفاظ على مصادر النفط والطاقة في سوريا، وبالتالي لتستطيع الاستمرار في حربها ضد داعش.
أما القسم الآخر من الحدود العراقية السورية يقع تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية، والتي جعلت من تلك الحدود بوابة لتمدّد النفوذ الإيراني في الدول العربية، وخاصة في سوريا والعراق ولبنان.
بالنسبة للحدود اللبنانية المتاخمة للحدود السورية، هي أيضاً من الناحية العملية تقع تحت سيطرة حزب الله، أي أنّ الدولة اللبنانية لا حول لها ولا قوة في إدارة المعابر الحدودية مع سوريا، وبالتالي لا يمكن لدمشق أن تعتمد على تلك الحدود عندما تتعامل كدولة مع الأمر.
الحدود الاسرائيلية هي شبه مغلقة منذ عقود، وخاصة في منطقة الجولان والقنيطرة، ودمشق لا تجرؤ حتى على التفكير في فتح هذه الحدود نظراً لحساسية العلاقة مع إسرائيل.
بقي أمام دمشق الحدود الأردنية، فهذه الحدود تحت سيطرة المملكة الأردنية بشكل كامل، والأردن هي الدولة الوحيدة من بين دول الجوار السوري التي لم تستخدم هذه الحدود لقضم أراضٍ سورية وتقوية نفوذها داخل سوريا، بالعكس تماماً، حيث دعا العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في آخر زيارة له لواشنطن، وأثناء لقائه مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تطبيع العلاقات مع دمشق.
الخطوة الأولى في عملية التطبيع استمدّت شرعيتها من حلّ أزمة المحروقات في لبنان وإيصال الغاز إلى لبنان عبر خط غاز يربط عدة دول عربية ويمر من الأردن إلى سوريا ليصل إلى لبنان، ومن ثم تطورت العلاقة بين عمان ودمشق لعقد اتفاقيات جديدة وفتح الحدود واستقبال الوفود الرسمية بين البلدين.
ولكن يبقى الأردن حليفاً مهماً للولايات المتحدة الأمريكية، وخيوط هذه الاستراتيجية الأردنية الجديدة إزاء الوضع السوري قد حيكت في البيت الأبيض، حيث تم الإعلان عنها في واشنطن وتحت رعاية جو بايدن.
يبدو أنّ السياسة الأمريكية الجديدة هي تجريد الرئيس السوري بشار الاسد من حلفائه الروس والإيرانيين، ودمشق راضية بهذا المسار الجديد، طالما أنّ كرسي الحكم في حي (المهاجرين) الدمشقي في أيادٍ أمينة.
———————-
انطلاق أعمال قمة بوتين- أردوغان.. تصريحات أولية حول سورية
انطلقت أعمال القمة التي تجمع الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية، اليوم الأربعاء، بتصريحات حول الملف السوري.
وقال الرئيس التركي في تصريحات صحفية قبل بدء اللقاء الثنائي، إن السلام في سورية مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا، معرباً عن أمله باستمرار العلاقات بين الجانبين وتعزيزها.
وأضاف: “السلام في سورية مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا، والخطوات التي يتخذها البلدان معاً بشأن سورية لها أهمية كبيرة”.
#مباشر | بدء لقاء القمة التركية الروسية في سوتشي https://t.co/wkxfP0sWxN
— ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) September 29, 2021
في حين قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن التعاون مع تركيا على الساحة الإقليمية والدولية يستمر بنجاح، مخصصاً بالذكر كل من سورية وليبيا.
ومع ذلك، اعتبر بوتين أن المحادثات مع أردوغان لا تسير دائماً بشكل سلس، بقوله: “محادثاتنا مع أردوغان لا تسير دائماً بشكل سلس. لكن يمكن لمؤسساتنا ومنظماتنا ذات الصلة أن تتوصل إلى إجماع على رأي”.
وأضاف موجهاً حديثه لأردوغان: “تعلمنا إيجاد حلول وسط ومفيدة للطرفين”.
ومن المقرر أن يبدأ بعد قليل اجتماع ثنائي مغلق يجمع بوتين وأردوغان، وسط ترقب لمخرجات القمة، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وصل إلى روسيا اليوم الأربعاء، برفقة رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، لعقد قمة مع نظيره التركي في مدينة سوتشي.
وبحسب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، فإنه عقب اللقاء الثنائي المغلق بين بوتين وأردوغان لن يتم عقد مؤتمر صحفي مشترك، على أن تصدر بيانات حول مخرجات القمة فقط.
ويسود ترقب لمخرجات القمة، خاصة فيما يتعلق بالتطورات في محافظة إدلب السورية، التي تتعرض لغارات شبه يومية من طيران النظام وروسيا، في الأسابيع القليلة الماضية، إضافة لقصف مدفعي يوقع ضحايا مدنيين.
وحسب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، فإن التطورات في إدلب ستكون على جدول أعمال الرئيسين، إلى جانب ملف المساعدات الإنسانية.
وتخضع إدلب إلى اتفاق تركي – روسي منذ مارس/آذار قبل الماضي، وينص على وقف إطلاق النار كأبرز البنود إلى جانب تسيير دوريات عسكرية تركية-روسية مشتركة وفتح الطرقات الدولية المارة في مناطق شمال غرب سورية.
———————
بين الترحيب والمراجعة..موقفان أمريكيان متناقضان حيال التقارب الأردني مع الأسد
أدلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جالينا بورتر، بتصريحين حيال التقارب الذي تشهده العلاقات الأردنية مع نظام الأسد.
بورتر رحبت في البداية بإعلان الأردن استئناف الرحلات الجوية إلى دمشق، وفتح المعابر الحدودية بالكامل بين الأردن وسورية، لتشير لاحقاً، إن الولايات المتحدة تراجع التطورات الأخيرة وتنظر فيها.
وقالت بورتر في سؤال وجهه لها أحد الصحفيين، أمس الثلاثاء، حول استئناف الرحلات الجوية بين الأردن وسورية:”عندما يتعلق الأمر بالسفر التجاري، نحن بالتأكيد نرحب بهذا الإعلان”.
Asked about the resuming of commercial flights between #Jordan & #Syria , Principal Deputy Press Secretary Jalina Porter said : When it comes to commercial travel, We certainly, you know, welcome this announcement.
— Hiba Nasr (@HibaNasr) September 28, 2021
إلا أنه وفي إحاطة صحفية لاحقة، نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية عبر موقعها الرسمي، قالت المتحدثة باسم الوزارة “ليس لدي ما أعلنه فيما يتعلق بحالة العلاقة أو أي تغيير في السياسة (تجاه نظام الأسد)، ما يمكنني قوله هو أننا نراجع الإعلان بالتأكيد”.
وطالبت بورتر الصحفيين باعتماد إجابتها الثانية، حول فتح المعابر واستئناف الرحلات الجوية بين الأردن وسورية.
وكان الأردن أعلن أمس الثلاثاء، استئناف الرحلات الجوية المدنية إلى سورية، بموجب اتفاق مع حكومة الأسد، بعد تسع سنوات من توقف حركة الطيران المدني بين البلدين.
وذكرت وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، اليوم الثلاثاء، أن شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية ستباشر رحلاتها إلى سورية اعتباراً من يوم الأحد، والذي يصادف 3 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
كما أعادت السلطات الأردنية، صباح اليوم الأربعاء، فتح معبر جابر- نصيب الحدودي بشكل كامل، أمام المدنيين وحركة التجارة، بموجب اتفاق يعود لعام 2018، إلا أنه منذ ذلك العام شهد المعبر إغلاقاً متكرراً نتيجة انتشار فيروس “كورونا” وعودة العمليات العسكرية في الجنوب السوري.
ويخضع نظام الأسد لعقوبات أمريكية وفق “قانون قيصر”، وتنص على منع التعامل الاقتصادي والتجاري مع نظام الأسد أو أحد الداعمين له، خاصة في مسألة إعادة الإعمار، لإجباره على القبول بحل سياسي، حسب مسؤولين أمريكيين.
ولم يتضح بعد ما إذا كان الأردن قد حصل على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، لإبرام اتفاقيات اقتصادية مع نظام الأسد، خاصة في مجال المياه والطاقة والكهرباء والزراعة والتجارة.
وعادت العلاقات الدبلوماسية بين نظام الأسد والأردن، تدريجياً، بعد قطيعة دامت سنوات، وبدأ الحديث عن عودة العلاقات عقب فتح معبر جابر- نصيب الحدودي بين سورية والأردن، وإجراء زيارات برلمانية أردنية إلى سورية.
إلا أن الأشهر الماضية شهدت تطورات نوعية في العلاقات، أبرزها تصريحات صادرة عن العاهل الأردني، عبد الله الثاني، خلال لقائه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في يوليو/ تموز الماضي، وقال حينها إن “الرئيس السوري بشار الأسد لديه استمرارية (باق لوقت طويل)، وعلينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نريد تغييراً في النظام أم تغييراً في السلوك؟”.
وأضاف “إذا كانت الإجابة تغير في السلوك، فماذا علينا أن نفعل للتلاقي حول كيفية التحاور مع النظام، لأن الجميع يقوم بذلك، لكن ليست هناك خطة واضحة إزاء الحوار حتى اللحظة”.
———————————–
الأردن طاقة فرج بشار الأسد/ عدنان عبد الرزاق
فعلتها المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، وفتحت، على غير جميع التوقعات، طاقة الفرج لنظام بشار الأسد، وخرجته من الحصار والعقوبات الاقتصادية بأقل الأضرار والأثمان.
فمؤشرات أعوام إجرام النظام السوري العشر، خلال قمعه ثورة السوريين وقتلهم وتهجيرهم، اتجهت إلى إيران وروسيا لقيادة كسر العزلة وإعادة تسويق الأسد، أو رجّح البعض أن تقوم دولة الإمارات، إقليمياً، بهذي المهمة.
ولكن، أن يقود الأردن هذا الدور النبيل، بعد أن كان ملكها عبد الله الثاني أول الناصحين لبشار الأسد، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بالرحيل، فهذا ما لم يدرجه لا السوريون ولا سواهم على جدول التحوّط أو المفاجآت.
فأن يتم التعامي عن تهجير نصف السكان وقتل مليون سوري، بعد حرب على الحقوق، فاق زمنها الحربين العالميتين وزادت خسائرها عنهما، فهذا أول غيث عصر وكالة بايدن الديمقراطي للأردن، والتي، للأسف، تبنئ بالمزيد.
قصارى القول: في أول لقاء جماعي لحكومة الأسد خارجياً، وربما البداية للتطبيع العربي العلني، أنهى وفد وزاري سوري كبير ورفيع، اليوم، الاجتماعات الوزارية السورية الأردنية في عمّان بالتوافق على آليات عمل مشتركة وتفاهمات وجداول زمنية لتعزيز التعاون في مجالات التجارة والطاقة والزراعة والمياه والنقل، بعد بلورة تفاهمات لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات “بما يعود بالفائدة على البلدين”.
وربما ذهاب وزراء حكومة الأسد “الطاقة والمياه والنقل والزراعة” إلى المملكة الشقيقة، كان نتيجة طبيعية للمساعي التي يبذلها الملك الأردني منذ زيارته لواشنطن في يوليو/تموز الفائت، ودعوته الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لتخفيف عقوبات قانون “قيصر” واستثناء الأردن مبدئياً، لأن “هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟”.
واستمرت مساعي الملك الأردني في قيادة مشروع نقل الغاز المصري والإسرائيلي إلى لبنان، ومن ثم إلى أوروبا، عبر سورية، وستتوّج غداً بإعادة فتح معبر جابر/نصيب لتعود صادرات البلدين إلى مجاريها، وتبقى حقوق السوريين ومآسي تهجيرهم وقتلهم، بل وحتى 40 طنًّا من الحشيش وأكثر من 83 مليون حبة كبتاغون دخلت المملكة عبر سورية العام الماضي فقط، مسائل هامشية أمام المطلب الملكي بتغيير سلوك الأسد لاحقاً.
نهاية القول: على الأرجح، بواقع التبدلات والأقطاب الجديدة بالمنطقة، لم يعد للسوريين وقضيتهم، بالحرية والكرامة والعدالة بتوزيع الثروة، نصير أو مؤيد، وربما ما قاله رئيس لجنة المصالحة ضمن فريق تسويق الأسد عمر رحمون اليوم “فاتكم القطار يا معارضة” اختصار فج وموجع لمشهد يتبلوّر وسيغيّر، دونما شك، ملامح المنطقة ومفاهيم العدالة والديمقراطية والإنسانية.
بيد أن أسئلة تتوثب على شفاه السوريين، بل وشكوك تساور جميع طلاب الحرية في العالم، ما هو مصير قانون “قيصر” الذي أوجعت صوره الـ55 ألفا ضمير العالم بعد أن وثّقت مقتل 11 ألف ضحية في معتقلات نظام الأسد، وهل سيكون الأردن سباقاً بالتطبيع، العربي والدولي، مع نظام الإجرام بدمشق؟!!
لأن تلك الأسئلة على بداهتها شكلاً وربما بلاهة طرحها بعصر الاستقواء مضموناً، تشكل إجاباتها ملامح تعاط شعبي بالمرحلة المقبلة، لأن الواقعية التي يقودها الأردن الشقيق اليوم، كما عبر عنها رئيس الدبلوماسية أيمن الصفدي أمس، خلال دعوته إلى حوار روسي – أميركي، “سورية دولة عربية، والدول العربية هي الأكثر تأثرا بما يجري في سورية”، هي تفخيخ خطر لكامل المنطقة، عبر دعم الاستبداد وزيادة تحقين الشعوب وقمعها، والتي لن يكون الأردن الذي لا يزيد ناتجه الإجمالي عن 43 مليار دولار، وسبق أن شهد انتفاضات متتالية بعد دخول ثلث شعبه خانة الفقراء، بمنأى عنها.
صحفي سوري
العربي الجديد
——————————-
هل تنجح المبادرات الإقليمية مع دمشق؟/ شارلز ليستر
بعد تسعة أشهر من وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بدأت «فلسفة» السياسة الخارجية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط في التكشف. فقد سعت العديد من الإدارات السابقة إلى «الابتعاد» عن الشرق الأوسط، لكنها بتلك الخطوة فكت ارتباطها بتلك المنطقة بسرعة كبيرة جداً.
تختلف إدارة بايدن اختلافاً طفيفاً، فهي أيضاً تريد «التركيز بعيداً» عن تلك المنطقة وتوجيه اهتمامها ومواردها إلى مكان آخر، تحديداً نحو منافسة القوى العظمى مع الصين، لكنها تدرك أنها لا تستطيع الانفصال تماماً عن الشرق الأوسط.
من القضية الإسرائيلية الفلسطينية إلى النزاعات وعدم الاستقرار في اليمن وسوريا والعراق وأماكن أخرى من العالم، تنتهج إدارة بايدن سياسة الاستقرار المفوض، حيث يجري تشجيع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على التفاوض والتوسط وحل القضايا الإقليمية مع رقابة أميركية محدودة تتم عن بُعد. بعبارة أخرى، لم تعد إدارة بايدن تريد أن تكون «الشرطي» و«القاضي» و«الوسيط» مثلما كان الرئيس ترمب، ويمكن لذلك أن يتحقق من خلال سلسلة من ترتيبات تقاسم الأعباء.
في بعض الحالات، يعد نقل الوساطة والدبلوماسية المحلية إلى الجهات الفاعلة المحلية خطوة ذكية من الناحية الاستراتيجية وجيدة التوقيت. ولأول مرة منذ سنوات، أصبحت هناك حكومة إسرائيلية مهتمة باستكشاف تحركات صغيرة لكنها ذات مغزى لوقف التصعيد مع الفلسطينيين وتعزيز العلاقة مع السلطة الفلسطينية. ورغم استطاعة الولايات المتحدة إقناع كلا الطرفين في الاتجاه الصحيح، فإنه ليس هناك حاجة كبيرة لمشاركة أميركية مباشرة. هناك ديناميكية مماثلة في العراق، حيث تظل الولايات المتحدة شريكاً دبلوماسياً وعسكرياً مهماً لبغداد وأربيل، لكنها ليست العامل المحدد لعملية صنع القرار الداخلي أو الإقليمي.
لكن في سوريا، لا يعد النهج الحالي لإدارة بايدن بالاستقرار ولا الاستدامة. فمنذ وقت مبكر من وجود الرئيس بايدن في منصبه، جرى تضييق السياسة في سوريا إلى أولويتين أساسيتين؛ المساعدة الإنسانية، ومكافحة «داعش». واعترافاً بفضل الإدارة الأميركية الذي اكتسبته عن جدارة، فقد نجح جهد دبلوماسي حاسم في الأمم المتحدة في تمديد المساعدة عبر الحدود لمدة 12 شهراً، وأشارت كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع بوضوح وثبات إلى أنه لا توجد نية لسحب قوات من شمال شرقي سوريا. لكن على الجبهة الدبلوماسية، لم تفعل الإدارة شيئاً يذكر لدفع العملية السياسية، وحتى الآن، لم تُبدِ اهتماماً بتعيين شخصية مؤثرة في مقعد المبعوث الخاص الذي لا يزال فارغاً.
مع غياب الولايات المتحدة بشكل ملحوظ عن أي دفعة دبلوماسية جادة، تقدم جيران سوريا الإقليميون للأمام لترتيب قرارات محلية خاصة بهم. وقد برز الأردن كقائد بارز في هذه الديناميكية الجديدة – وتوسط مؤخراً في خطة إقليمية لتزويد لبنان بالغاز الطبيعي عبر الأراضي الأردنية والسورية. وجرى تبادل زيارات وزارية متعددة بين عمان ودمشق.
وفي الآونة الأخيرة، زار وزير الدفاع السوري علي أيوب الأردن، في أول زيارة من نوعها منذ 10 سنوات لمناقشة مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات. إن كون النظام السوري دولة مخدرات بدرجة كبيرة، وكون ذلك هو المحرك الأقوى للتطرف العنيف في سوريا، فإن هذا يجعل هذه الزيارة مثيرة للسخرية بشكل مؤلم.
ورغم ذلك، وبتشجيع من نهج عدم التدخل الذي تتبعه إدارة بايدن وعدم اهتمامه الواضح بدفع الدبلوماسية السورية إلى الأمام، فإن الاتجاه نحو إعادة الارتباط الإقليمي مع نظام الأسد واضح ومن غير المرجح أن يتراجع. ورغم أن مبادرات الأردن المختلفة مفهومة تماماً في الظروف الحالية، فإنها لا تستند إلى استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
يجب أن تكون حالة عدم الاستقرار والأزمة المستمرة في درعا بمثابة جرس إنذار لأولئك الذين يعتقدون أن مجرد إشراك دمشق سيأتي بثمار العلاقات التي كانت قائمة قبل عام 2011، فبعد عامين ونصف، انتهك النظام تقريباً جميع شروط اتفاق «المصالحة» في درعا وفاقم جميع الأسباب الجذرية لانتفاضة درعا 2011، فبعد أن أعربت عن قبولها الضمني في السابق لاستيلاء النظام على السلطة في منتصف عام 2018 ها هم المسؤولون الإسرائيليون الآن يعربون عن قلقهم العميق وعن أسفهم بشأن تقييمهم السابق بأن الأسد يمكنه جلب الاستقرار إلى جنوب سوريا. وفي ظل غياب تغيير كبير، تبدو درعا الآن في طريقها إلى سنوات من عدم الاستقرار المزمن والمعاناة الإنسانية، وفي جميع الاحتمالات، سيكون هناك نشاط إرهابي في المستقبل. درعا هي أيضاً بؤرة رئيسية لعملية تهريب أسلحة ومخدرات مرتبطة بـ«حزب الله» ذي الامتداد الإقليمي.
خلال زيارته لواشنطن في يوليو (تموز)، كان الملك عبد الله محقاً في طلب توضيح من إدارة بايدن بشأن ما وصلت إليه مطالبتها بـ«التغيير السلوكي» لنظام الأسد، والمطالبة بتدخل أميركي في سبيل تحقيق ذلك. للأسف، يبدو أن الأسد موجود ليبقى، لكن هذا لا ينبغي أن يؤدي إلى قيام جيرانه أو المجتمع الدولي ككل بمنحه مطلق الحرية. إذا كانت دول الشرق الأوسط تريد أن تتوقف سوريا عن كونها مصدراً لعدم الاستقرار المقيت والجريمة المنظمة والإرهاب، فعليها أن تتجمع على اتفاق واحد للمطالبة بتغييرات ذات مغزى من شأنها أن تخفف من الأسباب الجذرية العديدة للأزمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم. إذا اكتسبت مثل هذه المبادرة زخماً، فقد يكون ذلك كافياً لتحفيز الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على دفعها نحو خط النهاية.
زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
الشرق الأوسط
——————————
دون تفاصيل وتوضيحات.. أردوغان يغادر سوتشي الروسية
غادر الرئيس التركي “رجب طيب أرودغان” اليوم الأربعاء، سوتشي بعد لقاء وصف بـ”المثمر” مع نظيره الروسي “فلاديمير بوتين”.
وشكر الرئيس الروسي الرئيس التركي على زيارته لروسيا، مؤكداً أن اللقاء كان مفيداً وشاملاً للغاية، دون تفاصيل إضافية.
وأشاد الروسي فلاديمير بوتين، في مستهل لقائه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان بواقع العلاقات بين موسكو وأنقرة، مضيفا: “يسرنا أن نشير إلى أن علاقاتنا تتطور على نحو إيجابي، والمؤسسات المختصة تعمل دائما مع بعضها البعض في جميع الاتجاهات”، بحسب روسيا اليوم.
واستطرد: “المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحيانا، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية إيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط تصب في مصلحة كلا الجانبين”.
وقال بوتين: “نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية إلى تنسيق المواقف بشأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز الروسي-التركي الخاص بالرقابة على وقف إطلاق النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، ويمثل هذا التعاون ضمانا ملموسا للاستقرار وتنسيق مواقف الطرفين بشأن الخطوات الجديدة الرامية إلى تحقيق المصالحة”.
من جانبه أردوغان، اعتبر أن العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين أنقرة وموسكو تشهد تطوراً كبيراً، مؤكداً أن “السلام في سوريا مرتبط بشكل مباشر بالعلاقات الروسية التركية ودور بلدينا كبير في هذه المنطقة”.
—————————
انقسامات في صفوف الديمقراطيين حول سوريا/ روبرت فورد
في واشنطن، تتزايد الانقسامات داخل صفوف الحزب الديمقراطي فيما يخص السياسات الخارجية، وشكلت قضية الوجود العسكري الأميركي في سوريا، الأسبوع الماضي، دليلاً واضحاً على ذلك. كان من الغريب الاستماع للرئيس جو بايدن وهو يقول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر (أيلول) إن الولايات المتحدة، وللمرة الأولى منذ 20 عاماً، ليست في حالة حرب. ويأتي ذلك رغم أنه في اليوم السابق أصدر أوامره بتوجيه ضربة جوية ضد هدف إرهابي في شمال غربي سوريا.
إضافة لذلك، أمر بايدن بتوجيه ضربات جوية ضد ميليشيات إيرانية في شرق سوريا في فبراير (شباط)، ومن جديد في يونيو (حزيران). في الوقت ذاته، لا تجري أي مناقشات جادة في صفوف إدارة بايدن حول سحب القوات الأميركية البالغ قوامها 900 جندي من شرق سوريا، بل وادعى بايدن خلال مقابلة أجرتها معه محطة «إيه بي سي» في أغسطس (آب)، أنه لا توجد قوات عسكرية أميركية في سوريا.
الواضح أنه مثلما الحال مع سياسيين أميركيين آخرين، يعاني بايدن أحياناً من زلات اللسان. سواء كانت هذه زلة لسان أم لا، تظل الحقيقة أن ثمة جدلا متصاعدا داخل حزب بايدن حول سوريا. وعقد أحد الأعضاء البارزين في الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، جمال بومان، عضو الكونغرس من نيويورك، الأسبوع الماضي، نقاشاً قصيراً أمام مجلس النواب حول المهمة العسكرية الأميركية في سوريا. ويمثل بومان العديد من المجتمعات منخفضة الدخل داخل مدينة نيويورك ومثل العديد من الآخرين في تيار اليسار داخل الحزب الديمقراطي، فإن أولويته تدور حول مساعدة الفقراء وإعادة بناء البنية التحتية الأميركية.
في الأسبوع الماضي، اقترح بومان تعديلاً على ميزانية وزارة الدفاع يتطلب عقد تصويت في الكونغرس بعد 60 يوماً للموافقة على استمرار الوجود العسكري. ويؤكد التعديل الذي اقترحه بومان على السلطة التي يمنحها الدستور للكونغرس لإعلان الحرب. جدير بالذكر في هذا الصدد، أنه بعد سبع سنوات من بدء الجيش الأميركي القتال في سوريا، لم يصوت الكونغرس حتى الآن للموافقة على التدخل العسكري، ولم يشرح أي من أوباما أو ترمب أو بايدن في الوقت الحاضر استراتيجية أو خطة القوات العسكرية الأميركية في سوريا.
من جانبه، يعتقد بومان وحلفاؤه أنه إذا حدد الكونغرس موعداً للتصويت على الوجود العسكري في سوريا، فإن هذا سيدفع البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية أخيراً نحو محاولة شرح أهدافهم واستراتيجياتهم حيال سوريا. ويتوقع هؤلاء الديمقراطيون اليساريون أن الإدارة لن تكون قادرة على طرح أهداف قابلة للتحقيق واستراتيجية مقنعة، وبالتالي سيرفض الكونغرس التدخل والأموال التي تدفع مقابل ذلك.
يذكر أنه من قبل أخفقت جهود بومان داخل مجلس النواب في 23 سبتمبر، عندما وافق 141 عضوا في مجلس النواب على التعديل، لكنه قوبل بالرفض من جانب 286. وأصر المعسكر الرافض لمقترح بومان على أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن الأكراد في سوريا، وشددوا على التهديد الذي تشكله جماعة «داعش» في الوقت الحاضر. ويحمل هذا الرفض وراءه ثلاثة تداعيات كبيرة: أولها، يعني تصويت 23 سبتمبر أن إدارة بايدن لديها الوقت للتفكير في سياستها تجاه سوريا دون موعد نهائي فوري من جانب الكونغرس. بعد أفغانستان، لا يبدو فريق العمل المعاون لبايدن في عجلة من أمره لمغادرة سوريا. ثانياً: كان 21 جمهورياً من بين الـ141 الداعمين لمقترح بومان (188 جمهورياً رفضوا المقترح). والآن، من هم هؤلاء الجمهوريون الـ21 الذين يرغبون في إنهاء المهمة الأميركية في سوريا؟ إنهم بعض أقوى أنصار الرئيس ترمب في مجلس النواب، مثل أندرو بيغز من ولاية أريزونا وجيمس جوردان من تينيسي.
جدير بالذكر هنا أن ترمب رغب في الانسحاب من سوريا هو الآخر، لكن في اللحظة الأخيرة أقنعه مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع بنشر جنود أميركيين للسيطرة على حقول النفط في الحسكة ودير الزور. وحتى اليوم، لا يزال ترمب وحلفاؤه يتميزون بقوة كبيرة، بل وربما يشكلون أقوى معسكر داخل الحزب الجمهوري.
اللافت أن اليمين المتطرف واليسار في السياسة الأميركية يتفقان حول سوريا.
ثالثاً: تتمثل الدلالة الأهم فيما يدور داخل الحزب الديمقراطي نفسه، فقد نال اقتراح بومان حول ضرورة مراجعة السياسة تجاه سوريا والتصويت عليها موافقة 120 من نواب الحزب الديمقراطي، ولم يصوت ضده سوى 98 ديمقراطياً.
ورغم تصويت زعماء الحزب وأقرب حلفاء بايدن ضد اقتراح بومان، فإن معظم النواب الديمقراطيين رفضوا موقف القيادة. وعليه، فإن دعم الحزب الديمقراطي لمهمة سوريا ليس قوياً على ما يبدو. ويكشف هذا التصويت حيال السياسة في سوريا، إلى جانب النقاشات داخل الحزب الديمقراطي حول سياسة بايدن الخارجية تجاه فلسطين وحقوق الإنسان وملفات أخرى، أن الجناح اليساري للحزب تزداد انتقاداته لبايدن وقيادة الحزب الديمقراطي يوماً بعد آخر فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية. في الوقت ذاته، فإن قادة الحزب الديمقراطي بحاجة إلى حماس وطاقة الجناح اليساري للحزب للفوز في انتخابات الكونغرس عام 2022 وانتخابات الرئاسة لعام 2024.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن السياسات الخارجية لا تشكل عادة قضية مهمة في الانتخابات الأميركية، لكن إذا أسفرت الخلافات داخل الحزب الديمقراطي عن امتناع 3 في المائة أو 4 في المائة من الناخبين الديمقراطيين عن التصويت، فإن الفوز في الانتخابات سيكون من نصيب الجمهوريين، الأمر الذي يدركه الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي جيداً، وسيحاول بومان، من جهته، مرة أخرى داخل الكونغرس العام المقبل وضع نهاية للوجود العسكري الأميركي في سوريا.
الشرق الأوسط
———————
ثلاثة أسباب تُعيق التطبيع بين تركيا ونظام الأسد.. فهل ينجح…/ رشيد حوراني
مقدمة:
تنخرط تركيا في العديد من القضايا بالغة الأهميّة في المنطقة، بهدف تحقيق مصالحها، وتثبيت دورها الإقليمي التي تعمل على تنميته وتطويره من خلال تدخلها بالملفات الملتهبة في المنطقة.
وتشكل المسألة السورية أهم هذه الملفات بالنسبة لها، نظرا لما تمثله المسألة الكردية من تهديد لأمنها واستقرارها، ولاعتبارها “وحدات حماية الشعب “(YPG)، على أنها امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي صنفته إلى جانب واشنطن على أنه منظمة إرهابية، وصولا إلى ما صرح به الرئيس التركي أردوغان قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي بوتين نهاية أيلول 2021م عن خطر نظام الأسد على أمن بلاده من الجهة الجنوبية، وأنها “تركيا” تنتظر كثيرا من الرئيس الروسي لإنهاء ذلك الخطر، قاطعًا بذلك الطريق على ما يرمي إليه بوتين من فتح أبواب التفاوض والحوار بين تركيا ونظام الأسد، ويتعامل الأخير مع حزب العمال الكردستاني “PKK”، وقام بتسليمه المقار والأسلحة بما فيها الثقيلة له ليكونوا خنجرا بخاصرة تركيا؛ الأمر الذي كشفه رئيس الوزراء السوري المنشق د. رياض حجاب في لقاء جمعه قبل انشقاقه؛ هو وشخصيات من الحكومة والحزب مع بشار الأسد في تموز 2012م[1].
أولا: مناورات روسية ترمي إلى الاعتراف بالنظام
تسعى روسيا إلى تليين المعارضة لنظام الأسد في المنطقة وتخفيف عزلته السياسية والدبلوماسية، واستمالة أطراف إقليمية، أو تحييد بعضها، وتدفع باتجاه إعادة إضفاء الشرعية على نظام الأسد وتأهيله إقليميا ودولياً، وتضغط على تركيا بشكل خاص من أجل تأمين مرونتها في موقفها منه، والجلوس معه على طاولة التفاوض، والاعتراف به من خلال توظيفها للعديد من أوراق القوة التي تمتلها على الساحة السورية أبرزها وجودها الميداني.
ففي العام 2019 م صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي بتاريخ يوم الإثنين 21 من تشرين الأول/ أكتوبر، عن “استعداد روسيا للمساعدة في إطلاق حوار بين تركيا وسوريا، يستند إلى اتفاقية أضنة، الموقعة بين البلدين؛ و الحاجة إلى الحوار بين تركيا والجمهورية العربية السورية، وقيام روسيا بدور داعم، لتشجيع مثل هذه الاتصالات المباشرة”[2].
ويعود ذلك إلى إدراك روسيا للتأثير الكبير للدور التركي على مخرجات أيّ تسوية محتملة للمسألة السورية في المستقبل، وأن تطبيع النظام مع الدول العربية، وتوجه الدبلوماسية الروسية إليها باعتبارها ساحة رخوة[3]، ما هو إلا عملية دعائية وإضفاء شرعية زائفة عليه.
في 11 آذار/مارس 2021م، أعلن وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر عن إطلاق “عملية تشاورية ثلاثية جديدة” للمساعدة على التوصل إلى “حل سياسي دائم في سورية”. وتهدف روسيا من إشراك قطر وتركيا، الفريقَين الإقليميَّين الوحيدَين اللذين لا يزالان ملتزمَين علنًا بدعم المعارضة السورية، إلى إنقاذ نظام الأسد، هو مسعى لانتهاز الفرصة المتاحة “المصالحة الخليجية وإمكانية تأثير دول الخليج على الموقف القطري”. ويسهم في تسهيل العمل على توسيع نطاق الدعم الخليجي لإعادة تأهيل النظام السوري على المستويَين السياسي والاقتصادي[4].
كما لم تتوقف كل من روسيا ونظام الأسد عن الرسائل العسكـرية والسياسية المتلاحقة ضـد الدور التركي في المنطقة الشمالية من سوريا مع اقتراب القمة بين الرئيسين التركي والروسي في سوتشي أواخر شهر أيلول/سبتمبر[5].
وفي المقابل تعمل تركيا على إعادة تموضعها في علاقاتها مع بعض الدول كاليونان، أو تطبيع علاقاتها مع دول أخرى كالسعودية ومصر والإمارات وما يدور الحديث عنه من تطبيع مع نظام الأسد في سورية[6]، لارتباط ذلك بشكلٍ مباشرٍ بتفسيرها للتغيرات الجيوسياسية على النطاق إقليمي.
ثانياً: ما وراء المؤشرات الميدانية والسياسية التي تحول دون تطبيع تركيا علاقاتها مع نظام الأسد
باتت التسريبات عن اللقاءات على المستوى الاستخباراتي بين تركيا ونظام الأسد؛ مؤشراً للتحوّل في الموقف، وبداية لعملية تطبيع للعلاقات بين الجانبين. وعلى الرغم أنه لا تهدف بعض اللقاءات على المستوى الاستخباراتي والتي ربما لا تكون مستمرة؛ التطبيع مع النظام بقدر ما تهدف إلى تحييد الضغط الروسي وتفريغه من مضمونه[7].
ويعتبر الموقع الجغرافي والأمن القومي من الثوابت التي تتحكم بالسياسية الخارجية التركية مع سورية، وجزئيتين أساسيتين في علاقة الطرفين مع بعضهما البعض، حيث يفرض الموقع الجغرافي لتركيا مشاركتها الحدود مع عدد من الدول غير المستقرة أمنيا “سورية والعراق وإيران”، ما يولد لديها حالة تخوف، تُلقي بالمسؤولية على السياسة الخارجية التركية والأجهزة الأمنية تأمين هذه الحدود وحمايتها، كما لا تنقطع العلاقات الأمنية بين الدول بهدف تبادل المعلومات الأمنية، وهي موجودة أيضا بين الدول والميليشيات العابرة للحدود من أجل ضبط الأمن الدولي[8].
في ظل كل هذا الحراك برزت جملة من المؤشرات الميدانية والسياسية تعكس معارضة تركيا ما تسعى إليه موسكو من تواصل مباشر مع نظام الأسد، حيث أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يوم السبت 11 أيلول/سبتمبر 2021م، جولة تفقدية على الوحدات العسكرية المنتشرة على حدود سورية، وعقد مع مرافقيه “رئيس الأركان يشار غولر، وقائد القوات البرية موسى أف ساوار” اجتماعاً مع قادة الوحدات وقيادة قطاع منطقة عمليات “درع الربيع” عند النقطة “صفر” على الحدود السورية، وناقشوا آخِر التطورات الميدانية والأنشطة التي سيتم تنفيذها[9]. وأُعلنت وزارة الدفاع التركية عن عملية “درع الربيع” بتاريخ 27 فبراير/ شباط 2020م في بيان رسمي، ولم تعلن عن انتهائها، على خلاف عملياتها التي نفذتها في سورية وأعلنت ببيانات رسمية عن تاريخ بدئها وانتهائها.
ونشرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية نقلًا عن مسؤولَين تركيَّين لم يكشفا عن اسميهما، عزم تركيا الاستمرار بصد الهجوم على الخطوط الأمامية، في الجبهات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، وأن آلاف الجنود الإضافيين سيساعدون في ردع أي محاولة تقدم للقوات البرية التابعة للنظام السوري في إدلب، والسيطرة على الطرق المؤدية إلى الحدود التركية[10].
كما عمل الجانب التركي على تحويل كافة نقاط المراقبة بعد إعادة انتشارها، وسحبها من مناطق النظام إلى قواعد عسكرية جاهزة لتنفيذ كافة العمليات القتالية؛ وتتضمن مختلف الأسلحة (دبابات – مدفعية – دفاع جوي قصير المدى منتشر على خطوط التماس – دفاع جوي متوسط المدى تم نشره على الحدود السورية التركية “MIM-23″ وهو نظام أمريكي يدعى هوك، ويبلغ مداه /45/كم، وارتفاع /25/ كم، ويستخدم ضد طائرات السوخوي” – استطلاع – مشاة – م/د – تشويش) ومع ذلك فإن عملية عسكرية لن تكون، وأن صداماً بين الجانب التركي والروسي لن يكون[11].
وفي الجهة المقابلة، تشير الوقائع الميدانية إلى عدم سعي الروس للتجهيز لعملية عسكرية على محاور المنطقة في شمال غرب سورية، بسبب الخلاف الروسي الأمريكي بشأن إيران، وعدم قبول نظام الأسد التعاون بهدف إخراجها، رغم السماح له بدخول درعا، لذلك رفض الرئيس الروسي استقبال رئيس النظام السوري في الجلسة الثانية مدعيا الالتزام بنظام العزل الذاتي بعد الكشف عن مخالطته شخصا مصابا بفيروس كورونا[12].
يدرك الجانب التركي ما تريده موسكو من سعيها بإعطاء نظام الأسد الشرعية السياسية، لذلك تُجدد بين الآونة والأخرى على لسان كبار مسؤوليها موقفها منه، وأكّد مؤخرا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تغريدة له على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أنّ أنقرة تعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة السورية المؤقتة هما الممثّل الشرعي للشعب السوري؛ عقب لقائه برئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض أنس العبدة، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى[13].
واعتبر ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعليقه على الانتخابات التي أجراها النظام في أيار 2021م، أن بشار الأسد عرض مسرحية انتخابية مبتذلة بأبشع طرق التهكم والسخرية من الديمقراطية وإرادة الشعب، وهو الذي لم يقدم للشعب السوري طيلة عشر سنوات خلت سوى الدماء والتعذيب والدموع والجوع والفقر[14].
يقف وراء عدم حماس الجانب التركي ولا مبالاته بما يتعلق بتطبيع علاقاته مع نظام الأسد، وتقديم فائدة له تساهم في إعادة تعويمه ضمن المجتمع الدولي مجموعة من العوامل، أبرزها:
1- حرص تركيا على حرمان الأسد استغلال مثل هذه القنوات لطرح مبادرات مستقبلا تتعلق بالعلاقة بين الطرفين، وهو حتى الآن لم يتحقق له الغرض من ذلك، ولا تزال تركيا العائق الوحيد ربما أمامه لاستكمال سيطرته على إدلب التي تشكل خطا أحمر لتركيا بالنظر إلى العديد من المعطيات ليس أقلها موضوع اللاجئين[15].
2- لقي أكثر من /60/ عنصرا من الجيش التركي مصرعهم على الأراضي السورية بقصف لنظام الأسد على النقاط العسكرية التركية، ولمقتل الجنود الأتراك خارج حدود بلادهم حساسية كبيرة لدى المجتمع التركي، وبالتالي فإن الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” عندما يريد التطبيع مع نظام الأسد يأخذ بعين الاعتبار ردة الفعل الشعبي، ويعتبر ذلك في غير صالحه، ويضر بسمعة الحزب ومكانته داخل المجتمع التركي، نظراً لبدء الحملة للانتخابات الرئاسية عام 2023م منذ أشهر[16].
3- ليس لدى نظام الأسد ما يقدمه من مصالح تعود بالفائدة للجانب التركي، خاصة بما يتعلق بملفي اللاجئين والمسألة الكردية، وهما ملفان بيد الجانب التركي أكثر منه من جانب النظام:
أ- بالنسبة لملف اللاجئين يفضل أغلب الموجودين في تركيا العودة إلى الشمال السوري على العودة إلى مناطق سيطرة النظام. كما أن السكان في مناطق النظام يخرجون بكثافة نحو مصر والعراق وتركيا وغيرها من الدول.
ب- أما بالنسبة للمسألة الكردية التي تُعد من المحاور الأساسية للسياسة الخارجية التركية مع سورية، فالنظام السوري ليس لديه القدرة التعاون مع تركيا لحماية حدودها، والعمل معها ضد الإدارة الذاتية بسبب علاقته مع حزب العمال الكردستاني المشار لها أعلاه في حديث رئيس الوزراء السوري المنشق د. رياض حجاب من جهة، وهو أقرب إلى الإدارة الذاتية وجناحها العسكري “قسد” من تركيا، ومن الممكن إقامة علاقات بين الجانبين بوساطة روسية، وهذا الأمر يُبعد فرصة تطبيع تركيا علاقاتها مع النظام من جهة ثانية[17].
ثالثاً: القياس على نماذج وقوف تركيا وراء حلفائها
بدأت تركيا سلسلة من التدخلات العسكرية بدوافع متعددة “جيوسياسية واقتصادية وتاريخية”؛ ففي ليبيا دعمت حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا، وتفتخر أن تدخّلها مع حكومة الوفاق في حينه، دعمًا وتنسيقًا وتدريبًا هو ما عدّل الموقف العسكري للحكومة وأنقذ طرابلس من حفتر، ورسّخ قناعة لدى العديد من الأطراف بأن الحل العسكري لم يكن ممكنًا، ودفع نحو المسار السياسي[18]،الذي أسهمت فيه للوصول إلى مرحلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، وعليها مسؤولية دعمها وتقويتها ومساعدتها على النجاح والوصول إلى المرحلة المقبلة، وهي محطة الانتخابات نهاية العام، وهي مسؤولية إضافية على المسؤولية المبدئية لكل الدول المنخرطة في الأزمة الليبية.
كما أعلنت تركيا دعمها المطلق لأذربيجان في اشتباكاتها الحدودية مع أرمينيا حول إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه منذ عقود بين الجانبين، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “تركيا لن تتردد أبداً في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان”. و استمر الدعم التركي الذي تم الإعلان عنه في التصريحات الرسمية إلى أن وقّعت أرمينيا وأذربيجان برعاية روسيا اتفاقا لوقف إطلاق النار بعد ستة أسابيع من المعارك، يكرس الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات باكو في الإقليم بدعم عسكري من تركيا[19].
تحمل تصريحات المسؤولين الأتراك في طياتها عدم الحماس لما طرحه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أكثر من مناسبة بالحوار مع دمشق في اجتماعاته مع الرئيس “التركي رجب طيب أردوغان” خلال الفترة الماضية.
واعتبر مستشار الرئاسة التركية وعضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية في المجمع الرئاسي التركي “برهان الدين ضوران” في مقال نشره “ضوران” في صحيفة “ديلي صباح” التركية أن النظام السوري مازال يوقف محـادثات جنيف ويعـارض عملية انتقالية تشـمل المعارضة. ويعيدنا الموقف هذا إلى منتصف العام 2011م وبدايات الثورة السورية، وكيف أمهلت الحكومة التركية النظام السوري أياما لتطبيق الإصلاحات، وإلا فإنها “ستبدأ بتطبيق العقوبات المشددة التي فرضتها الأمم المتحدة”[20]. وتدرك من جانب أخر كغيرها من الأطراف الفاعلة في الشأن السوري أن انخراط النظام بأي عملية سياسية بشكل جدي يؤدي إلى انهياره، وتعتمد في سياستها على بعض المناورات التي تقع ضمن خانة “السياسة فن الممكن” إذا كان ذلك سيؤدي في النهاية إلى إعانة الجانب التركي على التمسك بجوهر هذه المواقف، ويخدم في النهاية الهدف الأساسي.
وبناءً على ما سبق يمكن الوصول إلى مجموعة من السيناريوهات المتوقعة بخصوص ما تسعى إليه روسيا من تركيا، وإجراء التواصل المباشر بينها وبين النظام:
السيناريو الأول: وهو سيناريو ضعيف جداً وغير وارد؛ ويتمثل بإعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد في الفترة اللاحقة، لعدم وجود عوامل مشتركة بين الجانبين، ولعدم قدرة النظام على تقديم أي منفعة لتركيا، وهي التي تعتمد على البراغماتية المعتدلة التي تراعي القيم والمبادئ “مثلاً ذكر برهان الدين ضوران في مقالته في صحيفة ديلي صباح التركية عن عودة كريمة وآمنة للاجئين السوريين، وتحاول روسيا لي ذراع تركيا بإدلب”. كما تسعى لتحقيق المصالح والمنافع[21].
السيناريو الثاني: وجود طرف ثالث بين الطرفين بهدف تأمين التواصل بينهما دون أن يتطور إلى تواصل مباشر، وهو موجود، ويتمثل بالجانب الروسي.
السيناريو الثالث: تدرك تركيا أن الوضع في سورية يذهب باتجاه ما يشبه الحالة العراقية، وبالتالي لا حاجة للتطبيع معه في الفترة اللاحقة، ومنحه علاقات دبلوماسية بشكل مباشر تسهم في تدويله[22].
السيناريو الرابع: بناء على السيناريو الثالث، ونظرا لمناهضة حكومة كردستان في العراق لحزب العمال الكردستاني، وانفتاح الإدارة الذاتية في سورية على الحزب المذكور والمدرج على لوائح الإرهاب، قد لا تسمح تركيا باستمرار الإدارة الذاتية، وجناحها العسكري “قسد”، وتستمر بالدفع باتجاه الحل السياسي، على غرار الحالة الليبية، وتطبيق قرار مجلس الأمن /2254/ بشأن سوريا، وكذلك الاتفاقيات البينية مع كل من روسيا وإيران “أستانة” وما تضمنته من إعادة هيكلة للأجهزة الأمنية والعسكرية، وبالتالي تُبقي على فصائل المعارضة كذراع قوي لها ويؤمن لها مصالحها وأوراق قوتها الميدانية.
خاتمة
يبدو أن بوتين سيذهب إلى القمة مع أردوغان وهو مستند إلى مجموعة الأوراق الميدانية المتمثلة بالتصعيد العسكري وإضعاف المنطقة دون الذهاب إلى عملية عسكرية شاملة؛ وموقف أمريكي بارد تجاه أنقرة، وانعكاساته على تركيا وعلى الملفات المحيطة بها، إلا أنه لم يأخذ بالحسبان أن أمريكا لم تترك له الحبل على غاربه في سورية منذ بدء تدخله العسكري الذي مضى عليه /6/ سنوات. كما أن الأمريكيين طالبوا الروس في اجتماعاتهم الأخيرة بتسهيل وصول المساعدات الدولية إلى جميع السوريين وتحريك العملية السياسية واللجنة الدستورية ووقف إطلاق شامل للنار في البلاد وتجميد العمليات العسكرية، وشعر بعضهم بخيبة من نتائج الاجتماع[23]، والتي ستؤثر بدورها على صلاحياتهم في سوريا، وتُبقي على دورهم الوظيفي فيها.
المراجع:
[1] تلفزيون سوريا – رياض حجاب لـ تلفزيون سوريا: الملف السوري عاد إلى الواجهة بقوة
[2] عنب بلدي – روسيا تدعم إدخال تعديلات على اتفاقية أضنة الخاصة بالحدود السورية
[3] عربي 21 – عن التحركات الروسية في الخليج العربي
[4] مركز مالكوم – كير كارنيغي للشرق الأوسط – أداة دبلوماسية جديدة في يد موسكو – يزيد الصايغ
[5] قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حوار مع وكالة “نوفوستي” الروسية بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر2021م: “أعتقد أن على تركيا سحب قواتها على الفور. وعلى المجتمع الدولي بدوره أن يدعم جهود سوريا لتحرير الأراضي التي احتلتها في شمال البلاد”. واستبق لافروف لقاء أردوغان وبوتين بتصعيد اللهجة ضد إدلب عبر مؤتمر صحفي عقده في نيويورك بتاريخ 25 أيلول/سبتمبر 2021م: “نستخدم القوة في منطقة وقف التصعيد في إدلب بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 القاضي بمكافحة الإرهاب بحزم في سورية، وأن بلاده لن تتسامح مع الهجمات التي يشنها الإرهابيون من منطقة وقف التصعيد في إدلب ضد القوات الروسية وقوات النظام السوري.
[6] مقابلة بحثية مع الباحث في مركز الاناضول لدراسات الشرق الادنى أ. حسن الشاغل
تتحدد السياسة الخارجية لكل دولة بجملة من الثوابت والمتغيرات. وتتمثل الثوابت السياسية للسياسة الخارجية التركية بالعامل التاريخي والأمني والجغرافي، والقومية التركية التي تنتشر في عدة أجزاء من الجهة الشرقية لتركيا، وبالتالي العلاقة مع اليونان تُسمى إعادة تموضع، وليست “تطبيع” لتعلقها بالعامل التاريخي، وطريقة التعامل التركي مع اليونان هي من الثوابت التي لا يمكن أن تتغير. ومقارنة العلاقة التركية باليونانية، بالعلاقة التركية مع كل من مصر والسعودية وسورية غير صحيح. وما يجري حاليا بين تركيا واليونان هو إعادة تموضع للعلاقات بينهما نظرا لكون الدولتين عضوين في حلف الناتو.
[7] مقابلة بحثية مع د. علي باكير المختص في العلاقات الدولية.
[8] مقابلة بحثية مع الباحث في مركز الاناضول لدراسات الشرق الادنى أ. حسن الشاغل
[9] نداء بوست – أكار يصل إلى “النقطة الصفر” على حدود #إدلب ويبحث مع قادة عملية #درع_الربيع الأنشطة التي سيتم تنفيذها
[10] بلومبيرغ – Turkey Sends More Troops to Syria Ahead of Key Putin Meeting
[11] مقابلة بحثية مع ضابط منشق قيادي في الجيش الوطني.
[12] المرجع مكرر رقم “6”.
[13] حساب تويتر لوزير الخارجية التركي
[14] عربي بوست – ياسين أقطاي – مسرحية بشار الأسد الأخيرة
[15] مقابلة بحثية مع د. علي باكير المختص في العلاقات الدولية.
[16] المرجع مكرر رقم “6”.
[17] المرجع مكرر رقم “6”.
[18] الجزيرة نت – سعيد الحاج – السردية التركية في ليبيا بين التورط والانسحاب
[19] france24 – أرمينيا وأذربيجان توقعان اتفاقا لـ “وقف شامل لإطلاق النار” في إقليم ناغورني قره باغ برعاية موسكو
[20] المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام – رشيد حوراني – المسألة السوية ما بعد انقلاب تموز الفاشل في تركيا
[21] مدونات الجزيرة – مولاي علي الأمغاري – البراغماتية المعتدلة في سياسة أردوغان.
[22] السيناريوهات الثلاث الأولى من مقابلة بحثية مع الباحث في مركز الاناضول لدراسات الشرق الادنى أ. حسن الشاغل.
[23] صحيفة الشرق الأوسط – ابراهيم حميدي – حصيلة الحوار السياسي و العسكري الأمريكي – الروسي حول سوريا.
____________________________________________________________________
(للاطلاع على ورقة تقدير الموقف كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)
—————————————————————————————
http://www.syriainside.com/lib/download.php?path=05121053238537217947.pdf
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2021
———————————–
نظام الأسد يفوز على المعارضة في اجتماعات نيويورك بالنقاط/ وائل سواح
توجّه إلى نيويورك وواشنطن خلال شهر سبتمبر/أيلول ثلاثة وفود سورية. مثّل الوفد الأول نظام بشار الأسد الذي مدّد قبل أشهر لنفسه في خرق واضح للإجماع الدولي في القرار 2254، ومدّ لسانه للعالم، فكافأه العالم بإعادة تأهيله.
الوفد الثاني هو وفد المعارضة وهو وفد برأسين، رئيس الائتلاف الوطني الشيخ سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض أنس العبدة. ومع أن وفد النظام تألف من الوزير ونائبه ومساعدين، تألف وفد المعارضة من تسعة أعضاء، بينهم الرئيسان وثلاثة نواب وأربعة مساعدين، في مخالفة لتوصيات الأمم المتحدة في تقليص عدد الوفود بسبب جائحة كوفيد-19.
وبينما بدأ الوفد السوري بدايات متواضعة، فكان لا بدّ أن يلتقي بوزيري خارجية الراعيين الكبيرين له روسيا وإيران، ومن ثم التقى بممثلين من أنظمة يشبهونه، بينهم بيلاروسيا وأرمينيا وفنزويلا وكوبا، إلا أن دفة الريح تغيرت عندما التقى المقداد نظراءه وزراء خارجية تونس والجزائر والعراق وعمان. وكان ذروة هذه اللقاءات لقاءات جمع المقداد بنظيره المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي.
بدا المقداد في الصور التي نشرتها الصحافة السورية مبتهجاً ومرتاحاً، على عكس طلعته المتجهّمة على وجه العموم. ويبدو من الصور أنه سيعيد لأنه سيعود إلى دمشق لتلقي تهنئة معلمه على الإنجازات المهمة التي حققها.
تكمن أهمية هذين اللقاءين في أن مصر هي أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيرا في المنطقة، ولها علاقات مميزة مع الإدارة الأمريكية والحكومة الروسية وإسرائيل، وقد بدأت بعد ذلك تحسّن علاقاتها مع تركيا. ومصر إلى ذلك هي الدولة المضيفة لجامعة الدول العربية، ما يجعلها مؤهّلة لقيادة مسيرة التطبيع العربي مع الأسد، وهي أقدر دولة يمكنها أن تمهّد لعودة الأسد لاحتلال كرسي سوريا في الجامعة.
لقاء المقداد مع الصفدي مهمّ أيضاً لأن الأردن هي الدولة التي تقود الآن الانفتاح الاقتصادي على سوريا، فالملك عبد الله هو الذي طرح على الرئيس بايدن قضية التخفيف من قيود قانون قيصر على سوريا، وهو الذي يقود الآن مشروع جرّ الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا. وقبل أيام التقى وزير الدفاع السوري رئيس هيئة الأركان العامة الأردني في عمّان، وأعيد فتح معبر نصيب – جابر، وصرّح محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، لوكالة الأناضول التركية إن “حفظ أمن الحدود بين الأردن وسوريا لا يمكن أن يتحقق دون التنسيق بين جيشي البلدين، ولذلك شهدنا لقاءً عسكرياً هاماً جمع قائد الجيش بوزير الدفاع السوري”، متابعاً “الأردن صاحب مصلحة في استقرار سوريا، وأي حديث بخلاف ذلك لا يمت للحقيقة بصلة، دمشق عمقنا الجغرافي كما هو حالنا بالنسبة لهم”. وأضاف: “لم نغير موقفنا تجاه ما تشهده جارتنا العزيزة، ولطالما تحدثنا عن أهمية حل سياسي يحفظ أمنها واستقرارها، وحان الوقت لأن تعود سوريا إلى الحضن العربي”.
لقاءات المعارضة، رغم ضخامة وفدها، جاءت متواضعة، فباستثناء لقاء مع أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اقتصرت اللقاءات التي أجراها الوفد على ممثلين متوسطين أو دبلوماسيين عاملين في الخارجيات الأوروبية، فالتقى الوفد مع المدير العام لإفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأدنى والشرق الأوسط في البعثة الألمانية فیلیب أكرمان، والسفير الكندي لدى الأمم المتحدة بوب راي والوفد المرافق له، ونائبة الأمين العام للشؤون الخارجية في البعثة الدنماركية كريستينا ماركوس لاسين، ونائب الأمين العام للشؤون السياسية في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، والقائم بأعمال مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية إيسلين هاكاس والسكرتير الأول في البعثة النرويجية بالأمم المتحدة نيلي فارو هالي.
لا يحتاج المرء إلى كبير تدقيق ليجد أن كفة النظام هي التي ترجح في لعبة الميزان التي يلعبها النظام والمعارضة، بينما تحلّق كفة المعارضة في الهواء. ولذلك عدة أسباب، فالنظام الذي خسر معرته السياسية والاقتصادية والشعبية، ربح معركته العسكرية وهو يبدو الآن كفائز بحكم الأمر الواقع. لا يقلل من هذا الفوز أن النظام بات على حافة الهاوية اقتصاديا، وأن ثلث المساحة السورية تقع خارج قبضته وأن نصف شعبه مهجّر أم شرّد. كلّ ذلك لا يلاقي أي صدى في قاموس النظام ومن ورائه الروس والإيرانيون.
وبينما يثبت حلفاء النظام على مواقفهم الداعمة للأسد، يتراجع أصدقاء الشعب السوري شيئاً فشيئاً عن دعمهم لهذا الشعب. وقد تقلّصت مساحة الدعم من الساحة السياسية والعسكرية إلى الساحة الإنسانية. وترادف على حكم البيت البيض ثلاثة رؤساء كانت سوريا آخر همهم، ولكن الأخير بينهم، الرئيس جو بايدن، بات لا يخفي هذا الموضوع صراحة. وهذا يفسّر لماذا لم يلتق أي مسؤول أمريكي حتى الآن وفد المعارضة في نيويورك.
يُروى في الموروث الشعبي أن عنترة بن شداد الذي يعد في الوجدان الشعبي نموذجاً للقوة والفروسية والقدرة على التحمل، سُئِل مرّة عن جَلَده فقال: “كان الرجل يعض على أصبعي، وأعض على أصبعه إلى أن يصيح من الألم. فوالله لو انتظر لحظة لصرخت أنا”. هذا الدرس هو الذي مارسه نظام الأسد الذي يبدو أنه كان يعرف أن المجتمع الدولي لن يصبر كثيرا على لعبة عضّ الأصابع، وأنه إن صبر وجالد فسيفوز في النهاية.
وما جرى في نيويورك كان النتيجة التي حصدها الأسد، ففاز بالنقاط على منافسيه المعارضين. بقي أن نعرف إن كان النظام الدولي سيسمح له قريبا بالفوز بالضربة القاضية.
عل هامش هذا وذاك، ثمّة لاعب يعرف قواعد اللعبة السياسية أكثر من غيره، فلم يغرّه الذهاب إلى الجمعية العامة في نيويورك لتقديم استعراضات دبلوماسية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل انتقل من موسكو مباشرة إلى واشنطن، ليرى كيف تسير الأمور على الأرض. إنه وفد مسد برئاسة إلهام أحمد.
ففي موسكو بحثت أحمد تطورات الملف السوري ومخاطر إطلاق عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال والشرق السوريين. وفي واشنطن، أجرت سلسلة لقاءات مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية وأعضاء وجمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الأميركي.
ثم ختمت بندوة عقدتها في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في العاصمة الأميركية، حيث كشفت العناوين السياسية التي تريد أن تتبعها “مسد” في المرحلة القادمة، وأبرزها الانفتاح على الحوار وإجراء انتخابات عامة في مناطق الإدارة الذاتية.
وعبرت أحمد عن استعداد قوات سوريا الديمقراطية للحوار مع تركيا وحل كافة الخلافات معها بالطرق السلمية والحوار. وحثّت المجتمع الدولي على ضمان حوار منفتح وشامل بين الكرد في تركيا والحكومة التركية، لافتة إلى قدرة مثل هذا التفاهم على إرساء استقرار وأمان بعيدي المدى في المنطقة. كما أكدت أن مسؤولي الإدارة الذاتية لا يعارضون أي حوار من شأنه أن يصب في مصلحة الحل السياسي في سوريا، ولكنهم يشاركون الإدارة الأميركية مخاوفهم من “تزمّت مواقف النظام السوري وتمسّكه بمركزية سوريا”.
بين الأطراف السورية كافّة، يبدو أن مسد هي الطرف الذي تعلّم أكثر من غيره، وأنه تحول لرقم سيغدو تجاوزه أصعب فأصعب.
******
وائل السوّاح
——————————
تعويم الأسد.. المهمة الشاقة أمام روسيا/ رانيا مصطفى
تعوّل موسكو، في القمة الثلاثية المرتقبة بعد أيام في سوتشي ضمن تحالف أستانة، على حصول توافقات مع الجانب التركي في الملف السوري؛ وعلى ذلك هي بدأت حملة عسكرية في إدلب، للضغط على أردوغان، وتحصيل تفاهم يخصُّ منطقة “خفض التصعيد” في الشمال الغربي، وتسوية وضعها، ضمن محاولات روسيا لفرض سياسة الأمر الواقع، عبر توافقات ثنائية، أو بمشاركة دول الجوار، للمناطق غير المحسومة، على غرار ما أنجزته في جنوب غربي سوريا.
حيث اقتضى الاتفاق بمشاركة الأردن، وإسرائيل، عودة سيطرة النظام على درعا البلد والبلدات المحيطة، وإبعاد المليشيات الإيرانية والفرق العسكرية المقربة منها، وبالتالي فتح الحدود مع الأردن أمام الحركة التجارية، وكيفية تأمين العبور وحمايته من الإرهاب وتجارة المخدرات ونشاط المليشيات الشيعية، وهو ما تم التنسيق له في لقاء وزيري الدفاع السوري والأردني مؤخراً في عمان.
في شمال غربي سوريا، تريد روسيا تنفيذ بنود اتفاق موسكو في 5 آذار 2020، وخاصة الجانب المتعلق بفتح الطريق الدولي إم 4 أمام الحركة التجارية، وتأمينه، بإبعاد الفصائل المعارضة إلى شمال الطريق، وحصرها في جيب على الحدود مع تركيا؛ وهي بالتالي غير مهتمة، في المرحلة الحالية، باستعادة سيطرة النظام على شمالي سوريا على غرار ما حصل في الجنوب، لأن ذلك يعني فتح حرب شاملة ستتسبب في موجة لجوء جديدة، وستطيح بالتوافقات الأخيرة مع واشنطن حول تمديد عمل آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، وستُغضب الأتراك والأوروبيين. موسكو مهتمة في المرحلة الحالية بتسوية ثنائية مع تركيا لإقرار واقع جديد مقبول، تحمله معها في أية مفاوضات جديدة مع الجانب الأميركي.
تحاول موسكو استغلال طيب العلاقة مع واشنطن، منذ لقاء الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف في تموز الماضي، والتي أثمرت عن القرار الدولي الخاص بتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى مع تركيا، والسماح بدخولها عبر دمشق، وأن يتولى النظام توصيلها إلى المناطق الخارجة عن سيطرته عبر المعابر على خطوط التماس.
وتلا ذلك، الموافقة الأميركية على اتفاق الجنوب الأخير، وعلى دراسة مسألة التخفيف من عقوبات قانون قيصر على النظام السوري وعلى من يدعمه، من أجل تمرير مشروعات نقل الطاقة (الغاز المصري والكهرباء الأردني) عبر الأردن وسوريا، إلى لبنان، لإنقاذها من انهيار اقتصادي محتمل.
في هذا السياق، أكدت تصريحات المرشحة لمنصب مساعد وزير الخارجية، باربرا ليف، حول الانفتاح الأميركي على رفع بعض العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، عن نظام الأسد، لتسهيل مرور الغاز إلى لبنان عبر سوريا, وأن هذا الحل تتعاون فيه الأردن ومصر، ويدعمه البنك الدولي، باعتبار أن هذه الخطة تقدم حلاً معقولاً “قصير الأمد” لما يبدو أنه “مشكلة ضخمة ومرعبة في لبنان”. وفي حزيران الماضي، بدأت بالفعل إدارة بايدن رفع العقوبات عن عدد من رجالات الأعمال المرتبطين بشبكة الأسد وإيران المالية.
تعمل موسكو على بناء شبكة علاقات قوية مع كل الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، لذلك هي تقوي علاقتها بإسرائيل، وتضغط على تركيا لانتزاع التفاهمات، وتستفيد من الخلاف الأوروبي الأميركي الجديد، خاصة أنه يضعف حلف الناتو، وتستغل الرغبة الأميركية في الانسحاب من المنطقة، رغم انزعاجها من التمركز الأميركي في المحيط الهادئ، ومخاوفها من تداعيات الحدث الأفغاني، وما زالت متمسكة بالحليف الإيراني، رغم تضايقها من دوره في دفع النظام لتعطيل كل التوافقات والخطط التي تعمل عليها روسيا، ولا تشارك فيها إيران.
لذلك استدعى بوتين بشار الأسد، إلى موسكو، في زيارته الثانية، لدفعه إلى الانفتاح على تركيا، وعلى المعارضة، على الأقل تلك المدعومة من موسكو، ولتسهيل عودة اللاجئين، وعدم تعطيل عمل اللجنة الدستورية وجولات المفاوضات.
مشكلة روسيا مع النظام؛ ارتباطه اللصيق بإيران، والأخيرة تعمل دوماً على تعطيل التوافقات، وإبقاء المنطقة في حالة توتر، لأن أي اقتراب من الحل السياسي، سيعني خروجها من سوريا، وسيعطل مشروعها التوسعي.
لذلك ليس من السهل على روسيا إجبار النظام على التقيد كلياً بأجنداتها، بوجود إيران، رغم أن اتفاق درعا الأخير أظهر قدرة موسكو على إجبار النظام على تنفيذ الاتفاق، وقد يعود ذلك إلى مصلحة اقتصادية لدمشق، وطمعاً في تعويمه (النظام السوري) عربياً، بدءاً بفتح العلاقات مع الأردن.
في حين أن طهران باتت جزءاً من تحالفٍ صيني- روسي- إيراني يعمل على أخذ دور في المنطقة، الأمر الذي يدفع روسيا للتمسك بإيران، وعدم فتح المجال الجوي فوق سوريا، على نطاق واسع، أمام الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف التواجد الإيراني في سوريا، وهذا الموضوع كان هدف زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد إلى موسكو.
لا تريد واشنطن لأي تحالفات تضم الصين أن تقوى، لذلك يحتاج خروجها من العراق إلى ترتيبات كبيرة، في حين أن الانسحاب من سوريا ما زال بعيداً، وتصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة حول عدم قدرة قوات سوريا الديمقراطية على محاربة الإرهاب وحدها، دون دعم أميركي، تؤكد ذلك. هذا يشكل عقبة كبيرة أمام رغبة روسيا في السيطرة على شرق الفرات، والاستفادة من مخازن الطاقة فيه.
تريد روسيا، في المرحلة الحالية، انفتاح النظام على دول الجوار، وتخفيف العقوبات على النظام من أجل بدء استثماراتها في المنطقة، على الأقل في الجانب الإنساني، ضمن خطة “الإنعاش المبكر” التي قدمها بايدن في لقائه مع بوتين في جنيف، وأن تستغل موسكو هذا الانفتاح الدولي والإقليمي من أجل تعويم النظام.
وفي المدى الأبعد، تريد موسكو أن تأخذ دوراً في المنطقة، يتناسب مع نظرتها إلى نفسها كدولة عظمى، وأن يبدأ هذا الدور بحسم الملف السوري، بحلٍ يحفظ مصالحها، ويلتف على القرارات الدولية وخاصة ما يتعلق بالانتقال السياسي.
لا توافق واشنطن على تعويم النظام السوري، لكن تساهلاتها حول مسألة العقوبات تأتي في إطار تحقيق بعض الدعم الإنساني، ضمن ملف شديد التداخلات والتعقيدات، كحل إسعافي مؤقت، في ظل استعصاء الحل السياسي، وإصرار روسيا في دعمها للنظام، باعتباره، سلطة شرعية، أعطت مشروعية لتدخلها وقواعدها العسكرية في سوريا.
———————————–
======================
تحديث 30 أيلول 2021
——————-
صورة اللحظة الأخيرة قبل اجتماع سوتشي/ بكر صدقي
سيكون اجتماع القمة، في سوتشي، بين الرئيسين الروسي والتركي، بوتين وأردوغان، قد انتهت حين تنشر هذه المقالة. لكن الأحداث والتصريحات السابقة على انعقادها يمكن أن تعطينا إشارات كافية عن مضامينها والتوافقات التي قد تنتهي إليها. وعلى رغم كثرة العناوين الخلافية بين البلدين التي يعول على حلها خلال المباحثات، يبرز موضوعان أساسيان في حاجة إلى توافقات عاجلة، هما التصعيد الروسي في إدلب وجوارها، والاحتياجات التركية من الغاز الروسي.
كان الجديد في التصعيد العسكري الروسي في منطقة «خفض التصعيد» في محافظة إدلب وجوارها، هو قصف الطيران الروسي، للمرة الأولى، مواقع لـ«الجبهة الوطنية للتحرير» التابعة لتركيا في ريف عفرين الجنوبي، أي خارج محافظة إدلب التي اعتادت روسيا ونظام بشار على قصفها. هذا التوسع الروسي في الأهداف العسكرية، إضافة إلى التصعيد في محافظة إدلب نفسها، لا بد أن يحتل الأولوية الملحة على جدول أعمال قمة سوتشي، من وجهة نظر الجانب التركي.
قيل ويقال كثيراً بشأن هذا التصعيد، على أنه «رسائل» موجهة من بوتين إلى أردوغان. والحال أنها تتجاوز هذا التوصيف لتشكل مادة للابتزاز. إذ سيضيف الرئيس التركي، بعد هذا التصعيد، إلى مطالبه العادية مطلباً ملحاً هو وقف هذا التصعيد، فيطالبه بوتين بمقابل. بل إن المطالب «العادية» قد تنسحب من طاولة المباحثات لمصلحة هذا الطلب العاجل، فيكون هم أردوغان الوحيد هو المطالبة بـ«كف البلاء» الروسي! هذه هي الطريقة البوتينية في ابتزاز محاوريه.
ولكن لماذا يشكل وقف التصعيد مطلباً ملحاً بالنسبة لتركيا؟
لأن إدلب وجوارها التي تنتشر فيها نقاط المراقبة العسكرية التركية، ناهيكم عن مناطق سيطرة القوات التركية كعفرين وريف حلب الشمالي، قد تحولت، في غضون السنوات السابقة، من ميزة لتركيا إلى «بطنها الرخو» تحت رحمة الطيران الروسي. ففي شباط 2020، قتل هذا الطيران 33 جندياً من القوات التركية في ريف إدلب، وإن كانت تركيا اتهمت، وقتها، طيران نظام بشار بتلك العملية. فطيران النظام لا يمكنه أن يفعل شيئاً إلا بقرار روسي. بعد شهر على تلك الحادثة توصلت أنقرة وموسكو إلى اتفاق التهدئة الجديد الساري المفعول إلى اليوم. يبدو أن بوتين قد قرر انتهاء العمر الافتراضي لاتفاقية آذار 2020، وما التصعيد الأخير إلا تعبيراً عن الحاجة إلى اتفاق جديد، من وجهة النظر الروسية، يتسق مع التغيرات التي جرت منذ ذلك الوقت.
كان لافتاً كلام بوتين الموجه لبشار الأسد، في اللقاء الذي جمعهما في موسكو منتصف الشهر الحالي، عن أن العقبة الرئيسية أمام إعادة الاستقرار في سوريا، هي القوات الأجنبية الموجودة بصورة «غير شرعية» على الأراضي السورية، قاصداً بذلك القوات الأمريكية والتركية. هذا تلويح بشرعنة أي استهداف جديد للقوات التركية في محافظة إدلب أو جوارها القريب، ما لم تستجب أنقرة للمطالب الروسية. ومشكلة تركيا الكبرى هي أن قواتها الموجودة في «منطقة خفض التصعيد» محرومة من الحماية بغطاء جوي أو وسائل دفاع جوي، متروكة لإنصاف روسيا. ولا يخفف من ذلك تعزيز تركيا لقواتها البرية في المحافظة بمزيد من قوات النخبة والآليات، بل يزيد هذا من رخاوة بطنها أمام استهدافات روسيا والنظام. يمكن لتلك التعزيزات فقط أن تتيح لتركيا الرد الانتقامي على قوات الأسد، كما فعلت بعد مقتل الجنود الـ33 المشار إليه، لكن النظام قلما يأبه بمقتل جنوده، مقابل حساسية الرأي العام في تركيا أمام مقتل أي جندي تركي.
إضافة إلى هذا الميزان المختل سلفاً على طاولة مباحثات الرئيسين في سوتشي، هناك غياب تام للظهير الأمريكي لتركيا، بخلاف ما كان في عهد دونالد ترامب. فقد استعاد نظام بشار، بدعم روسي، السيطرة العسكرية التامة في درعا البلد وبلدات أخرى في محافظة درعا، بعد حصار وقصف استمر لأكثر من شهرين، ولم يصدر مجرد تصريح أمريكي مندد بذلك. كذا غابت واشنطن عن موجة التصعيد الأخيرة في إدلب وريف حلب وعفرين، حتى على مستوى التصريحات. بل إن الرئيس التركي الذي شارك في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، منتصف الشهر الحالي، عبر بصراحة عن خيبة أمله من العلاقة مع إدارة جو بايدن، بعدما أخفق في ترتيب لقاء مع الرئيس الأمريكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك.
هذا الجفاء المعلن بين واشنطن وأنقرة هو مما يسر الرئيس الروسي باعتباره شقاقاً بين خصمين عضوين في الحلف الأطلسي، ومما يقوي موقفه الابتزازي تجاه تركيا. يمكن قراءة تصريحه لوسائل الإعلام قبيل الاجتماع مع أردوغان في هذا الإطار، إذ قال: «لقاءاتنا مع تركيا تكون صعبة أحياناً، لكنها تنتهي دائماً نهاية إيجابية، فقد تعلمنا كيف نتوافق».
وبالنسبة لإدلب اشتكى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من «تباطؤ» تركيا في الوفاء بالتزاماتها وفق اتفاق 2020، بخصوص عزل المنظمات الإرهابية عن الفصائل المعتدلة، وفقاً للرطانة الروسية المعتادة، وهو ما يصعب على تركيا تحقيقه في منطقة تسيطر على معظم أراضيها «هيئة تحرير الشام». إذن سيكون «تسريع» العزل المطلوب مطلباً روسياً ضاغطاً مقابل خفض التصعيد الروسي.
على أبواب فصل الشتاء، ومع نمو الاحتياجات التركية من الغاز الطبيعي الذي يشكل أحد أهم وسائل التدفئة المنزلية، إضافة إلى استخدامه في توليد الطاقة الكهربائية، سيحتاج أردوغان إلى قدرة إقناع كبيرة لاستجرار ما يسد النقص في السوق من الغاز، بأسعار خاصة، في ظل ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا ارتفاعاً حاداً. هذا موضوع ابتزاز آخر، أو إغراء لتركيا مقابل تلبية مطالب روسية إضافية.
الخلاصة أن الاجتماع الجديد بين أردوغان وبوتين سيكون صعباً على الرئيس التركي.
كاتب سوري
القدس العربي
——————-
ما مغزى بوادر التطبيع العربي مع النظام السوري؟
رأي القدس
بدأت السلطات الأردنية مجموعة من إجراءات إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام السوري، فرعى أول لقاء جماعي لحكومة بشار الأسد في بلد عربي منذ بدء الثورة السورية، وأعلنت حكومة عمّان إنهاء زيارة الوفد السوري الرفيع بالتوافق على آليات عمل مشتركة في مجالات التجارة والطاقة والزراعة والمياه والنقل.
من الملفت أن هذا المسار الأردني مع النظام السوري بدأ خلال زيارة للملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى واشنطن في تموز/يوليو الماضي، حيث بادر إلى دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتخفيف عقوبات قيصر، واستثناء الأردن منها، بانيا هذا الموقف على تصريح قال فيه إن «بشار الأسد مستمر في الحكم، والنظام ما زال قائما، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا» متسائلا: «هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟».
اعتبر نظام الأسد هذا التصريح دعوة له للاستمرار في سلوكه المعتاد الذي استخدم القمع الوحشي وأسلحة الإبادة الجماعية ضد شعبه، مما أدى منذ عام 2011 إلى مقتل 350 ألفا، حسب تقرير «غير شامل» للأمم المتحدة، يعكس الحد الأدنى للضحايا، كما أدى لتهجير ونزوح أكثر من نصف الشعب السوري، الذين يستضيف الأردن منهم، حسب وزير الداخلية مازن الفراية، مليون و360 ألفا.
رغم أن ما يعنيه ذلك هو أن الذي تغير هو سلوك الأردن وليس سلوك النظام السوري، فقد ظهرت مؤشرات عربية أخرى على ميل متزايد لدى بعض الحكومات العربية لإعطاء دفعة لمسار التطبيع هذا، كما حصل خلال اجتماعات الأمم المتحدة، حيث التقى وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بوزراء خارجية تونس والجزائر والعراق وعُمان والأردن ومصر.
أحد المؤشرات الذي يمكن ربطه بدور الأردن القيادي في مسيرة التطبيع مع نظام الأسد هو البحث عن حلول لتدهور أوضاعه الاقتصادية، وعليه فإن الأمر لا علاقة له بتغيير سلوك النظام السوري، بل بالاستثمار في عدة قضايا: منها أن تكون عمّان معبر مبادرات المنظومة الدولية نحو دمشق، بدءا من قضية خط الغاز المصري باتجاه لبنان، وليس انتهاء بإمكانيات الاستثمار عبر الانفتاح على سوق مغلقة بفعل العقوبات والحرب، إضافة إلى بحث إمكانية إعادة أعداد من اللاجئين السوريين.
تعبر سلطات القاهرة، من جهتها، عن رغبة في التطبيع مع النظام السوري منذ سنوات، وهي سياسة ثابتة انضافت إليها الفوائد المترتبة على مشروع الغاز، وفي ظل الرغبة المعلنة التي أبدتها الجزائر عن رغبتها في إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية خلال اجتماعها المقبل فيها، فإن الدور المصري في هذا الاتجاه سيكون مؤثرا بدوره.
العراق، من جهته، والذي تتأثر سياسته الخارجية بالنفوذ الإيراني الكبير فيه، يشارك في سوق القاطرة العربية باتجاه دمشق، كما أن بعض الدول الخليجية، كالإمارات والبحرين، فقد جمعت في السنة الأخيرة، بين التطبيع المتزايد مع النظام السوري، مع التطبيع مع إسرائيل.
تبدو تونس اللاعب الجديد الداخل على خط التطبيع، وهو أمر ذو دلالة عند النظر إليه على خلفية الانقلاب الذي أحدثه الرئيس قيس سعيد في أوضاع البلاد، حيث تمتزج بوادر الاستفراد بالحكم مع خطابات تذكّر، للأسف، بخطابات الأسد، في وصف خصومه ومعارضيه.
تتأثر رؤية الحكومات العربية إلى النظام السوري بمصالح اقتصادية وسياسية متنوعة تتناقض في أغلبها مع مبادئ الأخلاق السياسية ومصالح الشعب السوري نفسه، وبذلك يمكن اعتبار خطوات تقاربها معه مؤشرا على اتجاه متزايد لترسيخ الاستبداد في المنظومة العربية، وإلى إعلان نهاية مرحلة كان يعد بها الربيع العربي
—————————
لقاء بوتين ـ إردوغان لـ«حلول وسط» في الملفات الخلافية
عشية ذكرى التدخل الروسي الذي قلب الموازين في سوريا
موسكو: رائد جبر
عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي على البحر الأسود أمس، جلسة محادثات مطولة مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، في لقاء هو الأول بين الزعيمين منذ 18 شهراً، وجاء على خلفية تصعيد متبادل في الاتهامات والتحركات الميدانية حول إدلب.
وعكست أجواء اللقاء، وطريقة تنظيمه، درجة صعوبة المفاوضات، خصوصاً في ما يتعلق بالوضع حول إدلب، رغم أن مصادر روسية كانت استبقت اللقاء بالإشارة إلى توجه موسكو وأنقرة إلى تعزيز التفهامات السابقة ووضع آليات جديدة لزيادة التنسيق في الملفات الأكثر تعقيداً.
وكان لافتاً أن اللقاء الذي استمر لمدة 3 ساعات جرى خلف أبواب مغلقة، ولم يعقد الرئيسان في ختامه مؤتمراً صحافياً مشتركاً، خلافاً للبروتوكولات التي يتبعها الكرملين في زيارات مماثلة. كما أن الرئيسين لم يصدرا بياناً ختامياً أو وثائق تشير إلى التوصل إلى اتفاقات جديدة. لكن رغم ذلك؛ فإن الارتياح بدا واضحاً على الطرفين خلال وداع بوتين لإردوغان على بوابة «قصر الضيافة» الذي شهد اللقاء. ووصف الزعيم الروسي المحادثات مع نظيره التركي بأنها كانت «إيجابية ومفيدة للغاية».
أيضاً لفت الأنظار أن اللقاء عقد في الجزء الأعظم منه «وجهاً لوجه» بشكل ثنائي، وانضم وفدا البلدين إلى المحادثات في جزء منها؛ وفقاً لمعطيات الكرملين. علماً بأن إردوغان اصطحب معه إلى سوتشي هاكان فيدان؛ رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، بالإضافة إلى مساعديه في الديوان الرئاسي فخر الدين ألتون رئيس مكتب الاتصال في الإدارة الرئاسية التركية، وإبراهيم قالين السكرتير الصحافي للرئيس التركي.
وأشاد بوتين، في مستهل اللقاء، بمستوى العلاقات بين موسكو وأنقرة. وقال إنه حافظ مع نظيره التركي على «تواصل مستمر منذ اللقاء الأخير الذي جمعنا في مارس (آذار) 2020»، مشيراً إلى أن «علاقاتنا تتطور على نحو إيجابي، والقنوات المختصة تعمل دائماً معاً في جميع الاتجاهات».
وأقر بوتين بأن ملفات خلافية تطغى على هذه الزيارة، لكنه أعرب في المقابل عن ثقة بقدرة الطرفين على التوصل إلى تفاهمات مُرضية للجانبين. وخاطب نظيره التركي بالقول: «المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحياناً، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية إيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط دائماً تصب في مصلحة كلا الجانبين».
وتطرق الرئيس الروسي في كلمته خصوصاً إلى التعاون بين موسكو وأنقرة في ملفات دولية ملحة، قائلاً: «نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك الوضع حول سوريا، واتصالاتنا الرامية إلى تنسيق المواقف بشأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط (المركز الروسي – التركي) الخاص بالرقابة على وقف إطلاق النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، ويمثل هذا التعاون ضماناً ملموساً للاستقرار وتنسيق مواقف الطرفين بشأن الخطوات الجديدة الرامية إلى تحقيق المصالحة».
وتابع الرئيس الروسي: «بطبيعة الحال؛ هناك العديد من المسائل المتراكمة، ويسرني جداً أن أرحب بكم في روسيا؛ لأنه لا يمكن مناقشة كل شيء هاتفياً».
وكان الكرملين مهد للقاء بالإشارة إلى أن الوضع حول إدلب سيكون على رأس أولويات الطرفين، وقال الناطق الرئاسي، ديمتري بيسكوف، إن «لدى الجانبين خبرة واسعة، وتوصلا إلى اتفاقات مهمة في السابق»، لكنه زاد أن «الوضع على الأرض ما زال معقداً ويشكل تهديداً خطيراً، ويعرقل إطلاق عملية تسوية سياسية جادة».
وعكس هذا الكلام طبيعة النقاشات التي جرت أمس، خلف الأبواب المغلقة. ووفقاً لمصادر روسية تحدثت في وقت سابق إلى «الشرق الأوسط»؛ فإن الطرفين بحثا خلال ترتيب الزيارة رزمة من الموضوعات المتعلقة بتعزيز التفاهمات السابقة، ووضع آليات لتهدئة الوضع حول إدلب، والتمهيد لاتفاقات جديدة في هذه المنطقة.
وجاء لقاء الرئيسين الروسي والتركي عشية الذكرى السادسة للتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا. وكانت موسكو نفذت أولى عملياتها العسكرية على الأرض السورية ليل 30 سبتمبر (أيلول) 2015 بعد مرور ساعات معدودة على إعلان دمشق أنها وجهت دعوة إلى روسيا لمساعدتها في «محاربة الإرهاب». وأعقب بدء العمليات العسكرية ترتيبات روسية واسعة لتعزيز الانتشار العسكري في قاعدة «حميميم» قبل أن تمدد موسكو خلال السنوات اللاحقة نشاط عسكرييها على عدد من المواقع العسكرية والمطارات.
وساهم التدخل الروسي المباشر في قلب موازين القوى على الأرض لصالح الحكومة السورية، وبعدما كانت المعارضة تسيطر قبل هذا التدخل على نحو 70 في المائة من الأراضي السورية، تقلص نفوذها بشكل حاد خلال السنوات اللاحقة لينحصر في إدلب وبعض المناطق في محيطها.
إلى ذلك، أعرب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن عن أمله في أن يسهم لقاء الرئيسين الروسي والتركي في تعزيز وقف إطلاق النار في سوريا. وقال بيدرسن خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي: «آمل أن يجري تعزيز وقف إطلاق النار في كل أنحاء سوريا. وعلى هذا الأساس؛ سنبدأ بالتحرك إلى الأمام في العملية السياسية». وأعرب عن ثقته بأن «الوضع في إدلب والمناطق الأخرى سيكون موضوعاً مهماً أثناء لقاء الرئيسين بوتين وإردوغان… أدعو جميع الجهات المتنفذة إلى أن تساعد في التهدئة».
الشرق الأوسط
——————————-
نتائج مبهمة حول ملف سورية في لقاء بوتين وأردوغان/ وسام سليم
اُختتم في مدينة سوتشي الروسية، اليوم الأربعاء، لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، دون أن يعقدا مؤتمراً صحافياً.
وبعد لقاء استمر ثلاثَ ساعات، لم يصرحِ الجانبان عن نتائج أو تفاهمات، باستثناء تصريحاتٍ دبلوماسية دون أي معلومات عن فحوى اللقاء.
وتحدث الرئيس الروسي خلال استقباله أردوغان، عن أهمية التعاون لتحقيق تقدم بالمحادثات حول سورية، فيما لم يصدر بيان ختامي عن اللقاء.
وأشاد الرئيس التركي في مستهل اللقاء بواقع العلاقات بين البلدين، وقال: “يسرنا أن نشير إلى أن علاقاتنا تتطور على نحو إيجابي، والمؤسسات المختصة تعمل دائماً مع بعضها البعض في جميع الاتجاهات”.
وتابع: “المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحياناً، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية إيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط تصب في مصلحة كلا الجانبين”.
وفيما يخص سورية، قال الرئيس الروسي: “نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سورية.”.
وعقب اللقاء وصف بوتين اللقاء بأنه كان “مفيداً” و”شاملاً للغاية”، في حين قال أردوغان:” غادرنا سوتشي بعد لقاء مثمر مع نظيري بوتين”.
ورغم أن الملف السوري هو ما دفعهما لعقد الاجتماع بعدما ظهر من خلافات عسكرية على شكل غارات وتهديدات للنقاط التركية، وقصف لمقرات عسكرية تتبع فصائل تدعمها أنقرة، إلا أن التصريحات جاءت هامشية ومختصرة.
وحول توقعات نتائج اللقاء على الوضع في شمال غربي سورية، قال القيادي العسكري السابق في “الفرقة الأولى الساحلية” التابعة لفصائل المعارضة أبو يزن الشامي إن هناك احتمالين لعدم إعلان نتائج القمة أولهما التوصل لاتفاق بانتظار ترتيب تفاصيله بين المؤسستين العسكريتين لكلا البلدين، مضيفاً أن ما يدعم هذا القول هو وصف اللقاء من قبل الرئيسين بأنه “مثمر”.
ولم يستبعد الشامي، في حديثه الخاص لـ”العربي الجديد”، فشل الطرفين في التوصل للاتفاق واستمرار الخلافات دون ايجاد حلول وسط، لاسيما أن الفترة الأخيرة شهدت تصريحات قوية من كلا الجانبين واتهامات بالتصعيد وعدم الإيفاء بالتزامات اتفاق آذار 2020.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي درويش خليفة في حديث لموقع “العربي الجديد” أن عدم التصريح بأي مخرجات عن الاجتماع يؤشر إلى عدم وجود اتفاق بين الطرفين وخلافات وحرصاً على ذلك لم يجر أي مؤتمر صحافي.
وأضاف خليفة أن الملف السوري هو أساس الاجتماع وليس كما يروج البعض حول أوكرانيا أو ليبيا، مؤكداً أن تركيا يبدو أنها ترفض أي عملية عسكرية في إدلب كما تسعى إلى ذلك روسيا نظراً لتأثيراتها الكبيرة على تركيا وملف اللجوء.
وتوقع المحلل السياسي أن يتم إحالة ملف إدلب إلى اللجان العسكرية المشتركة بين الطرفين، لإيجاد حل وسط أو التخفيف من حدة الخلافات.
وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أطلق تصريحات سبقت القمة بين الرئيسين اعتبر فيها أن “تركيا ملتزمة بأسس الاتفاق المبرم مع روسيا، وتنتظر من الطرف المقابل تحمل مسؤولياته المتعلقة بالاتفاق”، وأفاد بأن الروس يقولون إنهم يستهدفون “المجموعات الإرهابية في إدلب، إلا أن ضحايا هذه الهجمات ليس بينهم إرهابيون”.
—————————
قمة بوتين واردوغان: مفاوضات «صعبة» وترقب لـ«تسويات مناسبة»
هبة محمد
عواصم ـ «القدس العربي» ووكالات: اختتمت قمة الرئيسين، التركي رجب طيب اردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، أعمالها، أمس الأربعاء، بعيداً عن وسائل الإعلام، في قصر الرئاسة في مدينة سوتشي الروسية، وذلك في أول لقاء حضوري منذ أكثر من عام، حيث استغرقت المحادثات بين الزعيمين نحو ثلاث ساعات، دون حضور مسؤولين آخرين، ودون إدلائهما بتصريحات للصحافيين في أعقابها. وكان أمران لافتين في القمة، حسب مراقبين، أحدهما ملف التعاون العسكري التركي مع أوكرانيا الذي بقي يشكل نقطة تباين أساسية بين اردوغان وبوتين، حسب وكالة رويترز، والأمر الثاني، حصول الاجتماع بينهما على انفراد فقط، وسط تشكك البعض في المغزى من ذلك.
وقال بوتين، أثناء استقباله اردوغان، في سوتشي “أحياناً، لا تكون المفاوضات سهلة لكنها تُختتم بنتيجة إيجابية. لقد تعلمت أجهزتنا إيجاد تسويات مناسبة للطرفين”.
وبحث الرئيسان العلاقات بين بلديهما والتي اتسمت بصعوبات عدة خلال السنوات الماضية. وأشاد بوتين بقدرتهما على التوصل إلى “تسويات”.
وفي طليعة الملفات التي بحثاها، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وارتدادات ذلك على الإقليم كله، بالإضافة إلى ملف بيع صواريخ “أس 400” الروسية لتركيا وموضوع إدلب السورية خاصة، وسوريا بشكل عام، وملفا ليبيا وجنوب القوقاز.
ورافق اردوغان رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، هاكان فيدان. وقال مسؤولون أتراك قبل الاجتماع إن اردوغان سيطالب بوتين بعودة العمل بوقف إطلاق النار المتفق عليه العام الماضي لإنهاء هجوم تشنه روسيا وسوريا على مقاتلين معارضين تدعمهم تركيا في محافظة إدلب السورية.
وأكد أردوغان لبوتين في بداية المحادثات حول سوريا إن “السلام هناك يتوقف على العلاقات التركية – الروسية”. وأشار بوتين إشارة عابرة إلى سوريا في تعليقاته الافتتاحية، قائلاً إنها من المجالات التي حقق فيها التعاون بين البلدين قدراً كبيراً من النجاح.
وتضمن جدول أعمال المحادثات إمكانية شراء تركيا المزيد من بطاريات الدفاع الصاروخي الروسية أس400 ، وهو ما تعارضه واشنطن بشدة.
وفيما يبدو أنها إشارة إلى الأمريكيين، قال اردوغان لبوتين إنه يريد بحث المزيد من التعاون الدفاعي بغض النظر عن الاعتراضات الأمريكية. وأضاف أنه مصرّ على صفقة الصواريخ.
وفتحت القمة الرئاسية المغلقة الباب مشرعاً أمام التكهنات والتخمينات حول التسويات في سوريا، كما استرجعت الشائعات حول الصفقات والمساومات بين الطرفين، والتي قد تسمح بالتنازل عن قطعة من إدلب الداخلة ضمن النفوذ التركي شمال غربي سوريا، مقابل جزء من الأراضي الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد.
—————————-
بوتين لأردوغان:السلام في سوريا مرهون بالعلاقات الروسية-التركية
اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مستهل اجتماعه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في مجمع سوتشي في روسيا، أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية-الروسية”.
ورأى بوتين أن “المفاوضات مع تركيا تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها تنتهي بنتيجة إيجابية دائماً”، متوجهاً إلى أردوغان بالقول: “تعلمنا إيجاد حلول وسط بيننا”.
وتابع أن “تأثير تركيا على الوضع في كاراباخ (المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا) يعزز المصالحة في المنطقة”. كما شكر بوتين أردوغان على موقفه من بناء خط “نورد ستريم” لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا.
وتطرق الرئيس الروسي في كلمته إلى التعاون بين موسكو وأنقرة في ملفات دولية ملحة، قائلاً: “نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية إلى تنسيق المواقف بشأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز الروسي-التركي الخاص بالرقابة على وقف إطلاق النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، ويمثل هذا التعاون ضماناً ملموساً للاستقرار وتنسيق مواقف الطرفين بشأن الخطوات الجديدة الرامية إلى تحقيق المصالحة”.
وأضاف بوتين للرئيس التركي، أنه “لمن دواعي سرورنا أيضاً أن نلاحظ أن علاقاتنا تتطور وتتطور بشكل إيجابي حيث تعمل الإدارات المعنية باستمرار مع بعضها البعض وفي جميع الاتجاهات”.
وفي السياق، أشار بوتين إلى أن العلاقات التجارية بين روسيا وتركيا تتطور بشكل إيجابي، حيث بلغ نمو التجارة بين البلدين خلال 9 أشهر أكثر من 50 في المئة مقارنة بالعام 2020.
وتابع: “شهدنا العام الماضي انخفاضاً في حجم التجارة بأكثر من 20 في المئة. لكن خلال السنة الأخيرة تطور وازداد نحو 50 في المئة أي أننا لم نعوض فقط عن كل ما فقدناه خلال وباء كورونا، بل زدنا حجم التبادل بأكثر من 30 في المئة”.
من جهته أعتبر أردوغان أن “السلام في الشرق الأوسط يعتمد على تطور العلاقات بين تركيا وروسيا”. وأعرب عن امتنانه للمواطنين الروس، الذي اختاروا تركيا كوجهة سياحية خلال جائحة كورونا.
وقال أردوغان لبوتين: “أود بشكل خاص أن أعبر عن امتناني فيما يتعلق بالسياحة التي قدمتم دعماً لها أيضاً، نحن ممتنون لأن المواطنين الروس فضلوا الاستجمام في بلدنا خلال فترة كورونا.”.
———————
واشنطن:لن نطبع مع الأسد ولا نشجع الآخرين على ذلك
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن لا تعتزم تطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، كما أنها لا تشجع الآخرين على القيام بذلك.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لوكالة “رويترز” بشأن ما إذا كانت واشنطن تشجع أو تؤيد تقارباً بين الأردن وسوريا، إن “واشنطن ليس لديها أي خطط لترقية العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا تشجع أي أحد على القيام بذلك”.
ويأتي التصريح الأميركي بعد ساعات على تراجع نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية جيلينا بورتر عن ترحيبها بإعادة الرحلات التجارية الجوية بين سوريا والأردن، حيث عادت وأعلنت أن واشنطن تراجع قرار إعلان الأردن استئناف الرحلات التجارية إلى سوريا.
والأربعاء، أعيد افتتاح معبر جابر-نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا، حيث قال مدير مركز حدود جابر العقيد مؤيد الزعبي: “نحتفل بإعادة فتح المعبر الذي تم إغلاقه قبل فترة بسبب الأحداث التي شهدها الجانب السوري”.
من جهة أخرى التقى مسؤولان أميركيان في واشنطن مع ممثلي ائتلاف المعارضة السورية الأربعاء، لإعادة تأكيد الولايات المتحدة على الحل السياسي لإنهاء الصراع في سوريا.
ووفق تغريدة لوزارة الخارجية الأميركية، فقد التقى النائب الأول لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود، ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش، مع ممثلي المعارضة، حيث أكدا “دعم واشنطن بقوة للحل السياسي في سوريا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وقالت السفارة الأميركية في دمشق في تغريدة، إن “اللقاء جاء للتأكيد على دعم الولايات المتحدة للاستقرار في شمال شرق سوريا ولمواصلة تقديم المساعدات في المناطق المحررة من داعش وللحل السياسي الذي يشمل جميع السوريين”.
إلتقى النائب الأول لمساعد وزير الخارجية جوي هود ونائب مساعد وزير الخارجية إيثان غولدريتش ب @ElhamAhmadSDC لإعادة التأكيد على دعم الولايات المتحدة للاستقرار في شمال شرق سوريا ولمواصلة تقديم المساعدات في المناطق المحررة من داعش وللحل السياسي الذي يشمل جميع السوريين. pic.twitter.com/aP4BuRKr7f
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) September 29, 2021
وبعيد اللقاء، قال عضو الهيئة السياسية للائتلاف السوري عبد المجيد بركات لقناة “الحرة” إن اللقاء جاء بعد الغموض الأميركي بشأن الملف السوري، خصوصاً مع التأخير في تشكيل الفريق الخاص بسوريا من قبل واشنطن.
وأضاف بركات أن “الولايات المتحدة تعتبر الملف السوري من الملفات الضعيفة بالنسبة لواشنطن ولا تعطيه الأهمية المناسبة، وقد جاء اللقاء لفهم وجهة النظر الأميركية”.
—————–
“سوتشي”.. قمة إستراتيجية لإعادة ضبط مسار التعاون بين تركيا وروسيا/ فراس فحام
انتهت القمة التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة “سوتشي”، وقد استغرق اللقاء ثلاث ساعات إلا ربعاً، بعيداً عن وسائل الإعلام، وبحضور فريق الترجمة فقط.
لم يعقد الجانبان مؤتمراً صحفياً في ختام اللقاء، لكن تصريحاً واحداً لبوتين برز إلى وسائل الإعلام ليوضح الكثير مما جرى خلف الأبواب المغلقة، حيث قال الرئيس الروسي: “المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحياناً، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية وإيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط تصب في مصلحة كلا الجانبين”.
تصريحات بوتين تشير إلى أن القمة مهدت الطريق أمام الوفود التقنية من الجانبين لبحث التفاصيل التنفيذية، خاصة في سوريا، وهذا يعني أن اللقاء الرئاسي كان بمثابة “حوار إستراتيجي” على مستوى رفيع، لمناقشة مستقبل العلاقة بين البلدين.
وسبق انعقاد القمة أجواء من تراجع الثقة بشكل حاد بين أنقرة وموسكو، وليس من المبالغة القول إن الثقة انخفضت لأدنى مستوى لها منذ انطلاق مسار التعاون الثنائي بينهما في نهايات 2016، عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وانطلاق مسار “أستانا” في سوريا.
جسد التصعيد الروسي في إدلب غضب موسكو من سياسات أنقرة في ملفات مؤثرة بالنسبة لروسيا، وهو مرتبط بتطورات تتعلق بالملف السوري وملفات أخرى، حيث أرادت روسيا أن تلوح برغبتها بتجاوز مصالح أنقرة في الملف السوري الحساس بالنسبة للأتراك، تعبيراً عن القلق الروسي من تغيرات ترصدها في السياسة التركية.
هذه التغيرات والمخاوف المتبادلة بين تركيا وروسيا على الأرجح، هي التي كانت محور البحث في قمة “سوتشي”، والتي يمكن وصفها بأنها محاولة لإعادة ضبط مسار التعاون بين الجانبين.
تنامي النفوذ التركي في آسيا الوسطى
ازداد النفوذ التركي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، منذ أن وقفت أنقرة بشكل صريح إلى جانب أذربيجان في عملياتها العسكرية ضد أرمينيا في إقليم “قره باغ”، في ظل نشاط اقتصادي وثقافي وديني مكثف من “المجلس التركي” الذي يضم الدول الناطقة باللغة التركية في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
هذه التطورات أثارت مخاوف موسكو، إذ إن تعاظم النفوذ التركي في المنطقة يهدد ببسط الهيمنة على خطوط الغاز والطاقة، وبالتالي تحول أنقرة تدريجياً إلى منافس حقيقي بالنسبة لموسكو على توريد الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث إن تركيا لا تخفي نيتها بالتحول إلى منصة لتسييل الغاز وتوريده إلى مختلف الدول.
كذلك التنقيب الذي تقوم به تركيا في منطقتي حوض البحر المتوسط والبحر الأسود على الطاقة، يزيد من المخاوف الروسية، ويؤكد باستمرار أن تركيا قد تتحول مع الزمن إلى منافس شرس لروسيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وتطمح تركيا إلى ضم تركمانستان إلى “المجلس التركي”، ليرتفع بذلك عدد دول المنظمة إلى ستة، وهم: تركيا – قرغيزيا – أوزبكستان – أذربيجان – كازاخستان – تركمانستان، وهي دول كلها تقع فيما يسمى “دول الطوق” المحيطة بروسيا، وتتقاطع مع تركيا بالقومية والدين.
وتسعى تركيا في الآونة الأخيرة لتعزيز علاقتها بحركة “طالبان”، وتوسيع دورها في أفغانستان بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لروسيا.
الملف الليبي
خلال الأشهر الماضية باتت تركيا تركز بشكل أكبر على التنسيق مع الجانب المصري في الملف الليبي، إذ يتقاطع الطرفان في الخوف من تنامي النفوذ الروسي في ليبيا ومنطقة حوض البحر المتوسط، على اعتبار أن الدول الثلاثة تتنافس على سوق الطاقة الأوروبية.
ومنذ أن انخرطت تركيا في مسار تطبيع العلاقات مع مصر في حزيران/ يونيو من عام 2021، ركزت أنقرة والقاهرة على مسألة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية في ليبيا وفق رؤيتهما، وعن طريق التقارب بين غرب وشرق ليبيا، وهذا ما يشكل ازعاجاً بالنسبة لموسكو التي تنظر إلى المؤسسة العسكرية الليبية على أنها شريك إستراتيجي منذ حقبة “معمر القذافي”، وتعتبرها أداة مهمة لترسيخ نفوذها في منطقة البحر المتوسط على غرار ما فعلته في سوريا.
العلاقة مع حلف شمال الأطلسي
حاولت روسيا من خلال مسار التعاون المشترك مع تركيا خاصة في الملف السوري أن تجذب أنقرة بعيداً عن حلف شمال الأطلسي، مستغلة حالة التوتر التي سادت العلاقات التركية – الأميركية في حقبة “أوباما”، والتي لا تزال حتى اليوم تعاني من صعوبات واضحة، بالإضافة إلى الخلافات المستمرة مع دول بارزة في الحلف مثل فرنسا واليونان.
لكن تركيا وبحثاً عن تعزيز مواقعها في البحر المتوسط، وتدعيم أوراقها بمواجهة روسيا في ملفات مختلفة مثل سوريا وليبيا، عمدت في الآونة الأخيرة إلى تعزيز دورها في حلف شمال الأطلسي وليس العكس، وبرز هذا التوجه في تطورات عديدة، أهمها توقيع صفقة طائرات مسيرة مع بولندا، والمشاركة في دوريات الحلف الجوية على الحدود البولندية – الروسية، بالإضافة إلى تهدئة التوتر مع اليونان، الناجم عن الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية، مع خفض التصعيد السائد في العلاقات التركية – الفرنسية.
كل هذا أعطى مؤشرات لروسيا أن تركيا ترغب بالاستفادة من علاقاتها مع موسكو بالمناورة لتعزيز موقعها في حلف شمال الأطلسي وليس الخروج التدريجي منه، كما يطمح الروس.
التنافس على التركة الأميركية في المنطقة
مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وإبداء تركيا استعدادها لتشغيل مطار “كابول” بالتنسيق مع واشنطن، برزت إلى الواجهة مجدداً نوايا تركيا المتعلقة بوراثة التركة الأميركية بالمنطقة، مع إعطاء تطمينات للأخيرة حول ضمان مصالحها المتمثلة بمجابهة النفوذ الروسي، وعدم القبول بالمزيد من التمدد الإيراني.
هذا التنافس بين تركيا وروسيا على التركة الأميركية في المنطقة، سبق أن ظهر في نهاية 2019، في أعقاب الانسحاب الأميركي من بعض المواقع شمال شرقي سوريا، وإطلاق أنقرة عملية “نبع السلام” بشكل منسق مع واشنطن، وتعزيز نفوذها في بقعة جغرافية مؤثرة جداً في المشهد السوري، حيث ردت روسيا على تركيا بتفاهمات مع “قسد” أتاحت لموسكو إنشاء قواعد عسكرية، ما استدعى عقد جولة جديدة من قمم “سوتشي” الرئاسية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
واليوم أعطت واشنطن عبر انسحابها من أفغانستان مؤشرات على إمكانية تكرار السيناريو في سوريا، وقد دخلت أنقرة في حوار معها على منطقة شمال شرقي سوريا، بل أكثر من ذلك، فيبدو أن الجانب التركي قد يرعى مع الجانب الأميركي خطة لإعادة تشكيل المشهد في شمال شرقي سوريا وشمال غربها، يتزامن ذلك مع تصريحات متكررة من “قسد” تبدي فيها استعدادها للحوار مع أنقرة.
بالمقابل فتحت روسيا خلال الأسابيع الماضية حواراً إستراتيجياً مع الولايات المتحدة، تركزت على كل من ليبيا وسوريا، وقد اتخذت موسكو منذ الـ 28 من أيلول /سبتمبر الجاري، بعض خطوات بناء الثقة في ليبيا عن طريق إعادة نشر مرتزقة “فاغنر” على الأراضي الليبية، وهذا يبدو أنه أثار مخاوف بالغة لدى أنقرة من احتمالية عقد تفاهمات أميركية – روسية في ليبيا وسوريا، دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح التركية.
العلاقة الروسية مع قسد
قامت روسيا في شهر أيلول/ سبتمبر بالمزيد من الانفتاح على “قسد”، حيث استقبلت في منتصف هذا الشهر وفداً من مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، الذي يعتبر واجهة سياسية لـ “قسد”، وأبدت استعدادها لمناقشة شكل الحكم في سوريا، والموافقة على نوع من اللامركزية الإدارية وتخفيف صلاحيات الرئاسة بهدف مراعاة وضع “الإدارة الذاتية”، وتزامن هذا التطور السياسي مع إنشاء روسيا لقواعد عسكرية جديدة بريف الحسكة، وتعزيزات من القوات الروسية دخلت إلى منطقة “عين عيسى”، وتمركزت باللواء 93.
ترغب روسيا بإقناع “قسد” أنها قادرة على استيعاب مطالبها، وتقديم الحماية لها وعدم تركها لقمة سائغة أمام أنقرة، رغبة من موسكو بالتغلغل أكثر في شمال شرقي سوريا، وإقناع أميركا بالانسحاب من الأراضي السورية عن طريق تقديم ضمانات بحماية حلفائها من الأكراد، وأيضاً بهدف إمساك روسيا بزمام مختلف الملفات التي تتيح لها تشكيل الحل النهائي السوري وفق رؤيتها ومصالحها، لكن هذا التقارب بلا شك أثار حفيظة أنقرة، التي تنظر له على أنه محاولة روسيا لامتلاك ورقة تهديد ضد تركيا.
الموقف التركي من النظام السوري
واضح أن تركيا ترفض إعادة تعويم النظام السوري، وحتى هذه اللحظة لا تستجيب أنقرة للرغبة الروسية المتمثلة بتخفيف القيود الاقتصادية عن دمشق، من خلال تسهيل الحركة التجارية على الطريق الدولي حلب -اللاذقية M4، وفتح المعابر بين مناطق المعارضة السورية ومناطق النظام.
بل استبق أردوغان قمة “سوتشي” بالتأكيد في الـ 24 من أيلول/ سبتمبر الجاري على أن النظام السوري يشكل تهديداً لتركيا على حدودها الجنوبية.
تدرك أنقرة أن التماهي مع المطالب الروسية بما يتعلق ببث الروح مجدداً بالنظام السوري، يعني تقويض الدور التركي لاحقاً في شمال غربي سوريا، والتأكيد على عدم شرعيته كون النظام السوري سيتحول إلى “سلطة معترف بها دولياً”، وهو يرفض الوجود والدور التركي.
تاريخ التعاون الوثيق بين دمشق وحزب العمال الكردستاني الممتد منذ عام 1988، ومحاولات النظام المستمرة إثارة القلاقل الطائفية جنوبي تركيا، عن طريق احتضان ما يسمى “المقاومة السورية لتحرير لواء اسكندرون” بقيادة “معراج أورال” ، والعمل المستمر على تهييج الطائفة العلوية ضد الحكومة التركية ،كما حصل في استضافة بلدية “سامانداغ” في هاتاي لمطرب طائفي موالٍ للنظام السوري يدعى “علي الديك”، وتحريضه السياسي ضد حكومة العدالة والتنمية، كلها عوامل خطورة تمنع أنقرة من المشاركة في تعويم النظام السوري، بل تدفعها للإصرار على إحداث تغييرات في بينته، والعمل على صياغة مؤسسة عسكرية وأمنية جديدة، وإصرار تركيا على موقفها يعتبر عرقلة واضحة للمصالح الروسية، وينعكس سلباً على مسار العلاقة بين الجانبين.
لا تغيرات جذرية في مسار العلاقات التركية – الروسية
من غير المتوقع أن يكون هناك تغيرات جذرية في مسار العلاقات التركية – الروسية بعد قمة “سوتشي”، والتي كانت بمثابة تعبير عن رغبة الطرفين باستمرار التنسيق بحكم الضرورة، وعدم ترك هامش الخلافات يتسع كثيراً، لكن الواضح أيضاً أن الأطراف تبحث بشكل مستمر عن امتلاك أوراق ضغط على بعضها البعض لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب، وفي هذا السياق يأتي العقد الذي وقعته شركة “بيكار” التركية للصناعات الدفاعية مع وزارة الدفاع الأكرانية في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، من أجل إنشاء مركز صيانة للطائرات المسيرة على الأراضي الأكرانية، في تدعيم واضح لموقف كييف في مواجهة موسكو، كرد على تطور العلاقات بين روسيا وقسد، والضغط الروسي المستمر على تركيا في إدلب.
من الواضح وجود رغبة للعمل المشترك بين روسيا وتركيا مستمرة بهدف الاحتواء وإدارة الخلافات، لكن يبدو أن محددات التعاون قد تغيرت كثيراً منذ نهاية 2016 حتى يومنا هذا، حيث يتحدث اليوم بوتين عن تفاهمات “حلول وسط”، بما يوحي بالاعتراف بضرورة التنازل لصالح الأتراك، على عكس الجنوح الروسي السابق إلى فرض الأمر الواقع، وهذا ناتج عن التقدم الذي أحرزته تركيا منذ عام 2019 في ملفات متعددة مثل ليبيا وأذربيجان، وتعاظم النفوذ في آسيا الوسطى، والواقع الميداني الذي تم فرضه من خلال الزج بقوة عسكرية كبيرة شمال غربي سوريا.
تلفزيون سوريا
————————-
لماذا تتعجّل موسكو تسوية في سوريا؟/ محمد قواص
في ما عدا مشروع مرور غاز وكهرباء مصر والأردن نحو لبنان من طريق سوريا، لم يصدر عن النظام السياسي العربي عامة إلا أعراض تجريبية مرتجلة لا يمكن الركون إليها لتسجيل تبدّل نوعي في الموقف الرسمي من نظام دمشق. تحت سقف هذه المبادرة “الكهربائية” التي نالت غضّ طرف أميركي ملتبس حماها من مخالب قانون قيصر، تمّ إجتماع أطراف تلك الورشة في عمّان، وتمّت زيارة وفد لبناني وزاري لدمشق. ومع ذلك فإن من الخطأ تهميش الحدث والتقليل من تداعياته على مآلات الشأن السوري.
أفصحُ المواقف وأكثرها وضوحاً هي تلك الصادرة عن الأردن. تحدثت المعلومات عن مرافعات ألقاها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لدى مستقبليه في البيت الأبيض ودوائر الكونغرس في تموز (يوليو) الماضي. دعا إلى تموضع جديد في مقاربة الأزمة السورية، من خلال التخفيف من حال القطيعة الدولية مع نظام بشار الأسد. والأرجح أن واشنطن أنصتت للملك وتجاوبت مع نصائحه من خلال بوابة المأزق في لبنان.
مدخل المقاربة الأميركية المتحوّلة حيال دمشق أعلنته سفيرة واشنطن لدى بيروت دوررثي شيا. “بشّرت” بمشروع استجرار غاز مصر وكهرباء الأردن عبر سوريا. بدا أن “العذر” اللبناني وفّر المناسبة لإعراب الولايات المتحدة عن بدايات خجولة للتعرّض لـ “قيصر” وتقليم أظافره إذا ما كانت مصالح ما تتطلب ذلك. ومع ذلك فإن الأمر ما زال قيد الدرس في واشنطن.
التقطت موسكو الانعطافة الأميركية باعتبارها رسالة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينهل من ندرتها. تمت زيارة بشار الأسد لموسكو في 13 أيلول (سبتمبر) وفق هذا السياق. اكتفى بوتين بلقاء قصير متلفز بعث به رسائل التبرّم من “الوجود الأجنبي” في سوريا، وهي رسائل، وإن كانت تلمّح إلى ذلك الأميركي، إلا أن وجهتها الأساسية صوب تركيا. أتت زيارة الأسد على خلفية التطور الذي أعاد، تحت إشراف موسكو، سيطرة النظام على درعا في الجنوب، وعلى خلفية تصعيد بعد ذلك في إدلب شمال غربي سوريا شاركت به مقاتلات روسية (على منطقة عفرين) عشية زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موسكو.
تتواطأ روسيا والولايات المتحدة في توفير الظروف المواتية لتحسين شروط الخروج بتسوية ما في سوريا. مفاوضات فيينا النووية المتعثرة، كما تعقّد علاقات أردوغان وبايدن وانحدارها إلى مستوى سيئ، عوامل تحمل تركيا وإيران على الإصغاء الى روسيا، لا سيما في ما ترسمه بشأن سوريا. حتى أن هناك من رأى في عدم لقاء بايدن أردوغان في نيويورك أخيراً إضعافاً مقصوداً للأخير في محادثاته مع بوتين في سوتشي. والحال أن قمة بوتين – أردوغان تشكّل مؤشراً الى قدرة موسكو على إقناع أنقرة في أن تكون شريكا في ما يمكن أن ترتبه لسوريا، خصوصاً أن أردوغان اعتبر أخيراً أن نظام دمشق خطر على بلاده. والظاهر أن تبادل التحديات العسكرية الخطيرة بين الطرفين ميدانياً في شمال سوريا قد يعقّد أي تفاهمات في الأجل العاجل.
وفي ما يتسرّب من موسكو ما يشي بهمّة نوعية لإحداث دينامية سياسية في سوريا تعمل دوائر أكاديمية روسية على نفخ غبار حولها. تكثر الجلبة عن توافق دولي على إنشاء مجلس عسكري، وتطل همهمة عن توليفة حكم في دمشق تعمل عليها موسكو. وداخل ذلك الضجيج ضمانات روسية ببقاء الأسد في منصبه وفق صلاحيات يجري تحديدها في دستور جديد تعمل موسكو على إعادة تنشيط المفاوضات حوله. وغداة الزيارة استجابت دمشق لطلب موسكو إعادة تفعيل عمل اللجنة الدستورية في تشرين الأول (اكتوبر).
تحدث بعض الأخبار عن إحباط أصاب وفد المعارضة السورية (برئاسة رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط) -الذي حضر أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك- من برودة سلبية في الموقف الأميركي وغياب سياسة معادية لبقاء نظام الأسد. وتحدثت أنباء أخرى عن أن وفد “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” الذي زار واشنطن (برئاسة الرئيس المشارك للمجلس التنفيذي لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد) بعد أيام على زيارته موسكو في 16 أيلول (سبتمبر)، سمع من المسؤولين الأميركيين تأكيد استمرار الحضور والدعم الأميركيين شمال سوريا وشرقها ونصائح تدعو الأكراد الى مزيد من التنسيق مع موسكو، ما يشي بأن روسيا ما زالت مرجع الحل في سوريا لانتاج تخريجة لن تأتي على مزاج أطراف الصراع في سوريا.
وفق ذلك المعطى، وبعد أسابيع من عودة العاهل الأردني من زيارتيه لواشنطن وموسكو، أعادت عمّان فتح حدود الأردن البرية مع سوريا، وعادت وتريثت في تسيير رحلات جوية نحو دمشق (بعد صدور تحفظ أميركي)، واستقبلت وفداً وزارياً سورياً. والواضح أن الأردن يسعى لاستعادة دور أساسي في ما يدبر لسوريا، وأن ملاقاة مصر الأردن في ملف كهرباء لبنان سيكون مقدمة لتبدل محتمل لمواقف دول عربية أخرى من مسألة العلاقة مع دمشق (لقاء وزير خارجية سوريا مع نظراء عرب في نيويورك مؤشر في هذا الاتجاه). ومع ذلك فإن أي انزياح عربي – غربي في هذا الصدد رهن بما يمكن أن ينجزه العراب الروسي في مداولاته مع أطراف الداخل كما في قدرته على تدوير الزوايا الحادة مع تركيا وإيران وإسرائيل.
تودّ موسكو أن يتطوّر مشروعها السوري وأن يحظى برعاية دولية واضحة المعالم. ينقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤلين إسرائيلين أن روسيا اقترحت على إسرائيل اجتماعاً ثلاثياً يجمعهما مع الولايات المتحدة للتداول في شأن سوريا. ويكشف أيضاً أن منسق البيت الأبيض للسياسة في الشرق الأوسط بريت ماكغورك عقد قبل أسابيع في جنيف، بطلب من الجانب الروسي، اجتماعاً مع نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف. وكانت مصادر أميركية كشفت أن ماكغورك هو من أقنع القاهرة بمدّ خط الغاز إلى لبنان وهو الذي يشدد على تطبيق اتفاق 2018 المتعلق بجنوب سوريا (بعد تطورات درعا).
ولئن يهتم الطرفان الإسرائيلي والأميركي بمعرفة مصير الوجود الإيراني في سوريا المستقبل، فإن توق موسكو إلى لقاء ثلاثي (ستتم مناقشته أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت المقبلة لروسيا) يهدف إلى جعل المسألة الإيرانية في سوريا علنية، تحظى بأبعاد دولية لها امتدادات داخل المنطقة العربية.
يمنح الأمر روسيا أوراقاً إضافية في مداولاتها مع طهران حول ما يتعلق بالتسوية السورية العتيدة. تعرف موسكو أنه ما زال عسيراً تسويق الأسد ونظامه لدى المجتمع الغربي، وأنها تحتاج إلى شراكة إسرائيل في إعادة تعويم نظام دمشق على قاعدة الضمان الكامل لمصالح إسرائيل واستمرار غض الطرف عن ضرباتها ضد “الأخطار” في سوريا. لكن حتى هذه الوصفة باتت متقادمة ولم تعد شرطاً كافياً لإقناع المجتمع الغربي بها من دون العبور إلى تسوية سياسية حقيقة وفاعلة وفق القرار الأممي 2254 تكون المعارضة جزءاً وازناً داخلها. أمر لم تلحظ واشنطن حتى الآن أن موسكو نجحت في توفيره.
النهار العربي
———————————–
معبر نصيب – جابر.. الافتتاح الثالث، المختلف/ إياد الجعفري
من المرجح أن يكون الافتتاح الثالث لمعبر نصيب – جابر الحدودي، منذ العام 2015، مختلفاً هذه المرة عن تجربَتي الافتتاح السابقتين. إذ أنه يأتي في ظل تغيّر أولويات السلطة في الأردن، ليُتوّج مكسباً لاستراتيجية “عض الأصابع” اقتصادياً، التي اعتمدها النظام السوري، خلال السنوات الثلاث الفائتة، لصالح اعتباراته السياسية.
فمنذ إغلاق المعبر من جانب الأردن، في العام 2015 -إثر سيطرة فصائل المعارضة عليه-، كانت عمّان تسعى لإعادة فتحه. وعقدت في سبيل ذلك جولات عديدة من التفاوض والحوار مع كلٍ من النظام السوري، وفصائل المعارضة المسيطرة على المعبر، حتى العام 2018. وخلال السنوات الثلاث تلك، فشلت كل المساعي الأردنية في الوصول إلى حلٍ وسط لإعادة فتح هذا الشريان التجاري الحيوي للبلدين معاً. فالنظام السوري كان يصرّ على فرض السيادة الكاملة على المعبر والطريق المؤدي إليه، والإيرادات المتأتية منه، وهو ما كانت فصائل المعارضة المسيطرة على درعا، حينها، ترفضه بالمطلق.
ورغم “الألم” الذي تجرعه الاقتصاد السوري، جراء إغلاق معبر نصيب، كابَر النظام. وفيما كانت سوريا الأكثر تضرراً، بالأرقام، من إغلاق شريان التجارة عبر المعبر، كانت حكومة النظام بدمشق، الأكثر تعنتاً في شروط فتحه. إذ تقدّر خسائر الاقتصاد السوري من إغلاق معبر نصيب، قبل العام 2018، بحوالي 10 إلى 15 مليون دولار يومياً. وتذهب تقديرات إلى أن مجمل الخسائر السنوية للاقتصاد السوري جراء ذلك الإغلاق كانت تصل إلى حدود 5 مليار دولار. فيما كانت خسائر الاقتصاد الأردني بحدود 800 مليون دولار أمريكي سنوياً.
وحتى قبيل بدء حملة السيطرة العسكرية على درعا، في العام 2018، كان الأردن يرسل وفوداً من تجاره إلى دمشق، لفتح قنوات التفاهم مع النظام بخصوص “نصيب – جابر”. لكن مفاوضات فتح المعبر، تطلبت عدة أشهر من المماطلة وشد الحبال، وصولاً إلى افتتاح أُثير الكثير من الضجيج الإعلامي حوله، في تشرين الأول/أكتوبر 2018. قبل أن تجهض إجراءات الحكومتَين في إدارة الحركة التجارية عبر المعبر، آمال شرائح التجار وعمالة الترانزيت، التي راهنت كثيراً على تلك الخطوة، في البلدين معاً. وجاء قرار نظام الأسد في ذلك العام، برفع الرسوم الجمركية على الشاحنات المارة عبر الأراضي الخاضعة لسيطرته، لتزيد من التوتر بين سلطات البلدين. وكان سبب التشديد على الحركة التجارية من الجانبين، يعود إلى تناقض أولويات السلطات على الضفتين. ففي الأردن، كانت الأولوية الأمنية ما تزال تشغل بال مسؤولي الحكومة هناك، لذلك اشترطت منع الشاحنات السورية من دخول الأراضي الأردنية، وفرضت تفريغ البضائع من الشاحنات السورية إلى شاحنات أردنية، في المعبر. الأمر الذي أثار استياءً كبيراً لدى حكومة النظام السوري. أما مصدر الاستياء الآخر، فكان أن مسؤولي الأردن لجأوا للتواصل مع الروس في محاولة حل المشكلات مع دمشق، وهو ما رفضته حكومة النظام علناً، عبر وسائل إعلامها، في ذلك الحين. واشترط النظام تطبيعاً رسمياً أردنياً معه، مقابل حلحلة كل المشكلات العالقة على الحدود، في تجاهل كامل لحاجة الاقتصاد السوري لذلك الشريان الحيوي من التجارة والترانزيت. وفيما وضع النظام السياسة أولوية على الاقتصاد، فعل الأردن أمراً مشابهاً، إذ خضع لضغوط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بلجم انفتاحه على نظام الأسد.
وبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ، تغيّرت أولويات السلطة في الأردن، كلياً. إذ بات الاقتصاد والوضع الداخلي، الهمّ الرئيس، بعد أن استشعر العاهل الأردني خطورة الاحتجاجات المتفرقة والمحلية التي اندلعت على مدار السنتين الأخيرتين، ومن بينها احتجاجات “البحارة” في الرمثا –سائقي الترانزيت إلى سوريا-، بعد أن كاد ولي عهده السابق، الأمير حمزة، ينجح في ركوب موجة أحد تلك الاحتجاجات المحلية، ويشكّل خطراً على حكمه للبلاد. وفيما يكابد الأردن انكماشاً اقتصادياً هو الأكبر منذ عقدَين، وارتفاعاً مهولاً في معدلات البطالة، تستشعر سلطاته خطورة التململ الاجتماعي المرتقب بعد الخروج من أجواء تفشي جائحة كوفيد 19، والتداعيات الاقتصادية لتلك الفترة. في الوقت ذاته، يجد الأردن حليفاً في البيت الأبيض، يساير هوى مَلِكِه، في البناء على نظرية إعادة تأهيل النظام السوري، ودمجه مجدداً، في “محيطه” العربي.
لكن ماذا عن الهاجس الأمني الأردني؟ الميليشيات الإيرانية القريبة من الحدود، وتجارة المخدرات التي باتت سوريا مصدراً رئيسياً لها في المنطقة. الجواب يتجلى في رهانٍ واضح من جانب الحكومة الأردنية على إعادة بناء علاقات الثقة مع حكومة نظام الأسد. هذا ما يمكن فهمه من التواصل المتصاعد بين مسؤولي الحكومتين، وصولاً إلى زيارة وزير الدفاع علي أيوب إلى عمّان مؤخراً. ولقاء وزير الخارجية الأردني بنظيره، فيصل مقداد، في نيويورك. ويبقى تهريب المخدرات أكثر القضايا تعقيداً، إذ رغم أن الأردن وافق على تمرير 100 شاحنة تجارية يومياً، فقط، عبر المعبر، فيما كان الرقم أضعاف ذلك بمرات، قبل العام 2011، إلا أن شكوكاً ستبقى تحيط بمدى قدرة الأجهزة الأمنية الأردنية على تفتيش الـ 100 شاحنة يومياً. ومن المعلوم، أن جمارك المعبر عادةً ما تُفتش شاحنات محددة، مختارة عشوائياً، فقط. لكن يبقى ما دار وراء الكواليس، بين مسؤولي الطرفين، كلمة السرّ في القبول الأردني بتمرير هذا العدد الكبير نسبياً من الشاحنات، مقارنة بالاعتبارات الأمنية المرتبطة بعُقدة المخدرات. فالاعتبارات الاقتصادية تبقى لها الأولوية في الأردن، الذي تريد سلطاته ضمان هدوء المجتمعات المحلية الشمالية، المتاخمة للحدود، والتي اعتاشت لعقود، قبل الـ 2011، على التجارة النظامية، وغير النظامية، مع سوريا. إلى جانب تنشيط حركة الترانزيت عبر الأردن، والتي تذهب تقديرات إلى أنها قد ترفد الاقتصاد الأردني بإيرادات تصل إلى مليار دولار سنوياً.
أما على الضفة السورية، فالمكسب السياسي من التطبيع الرسمي مع الأردن، هو أكبر إنجاز، وفق اعتبارات النظام. لكن ذلك لا ينفي أن الآثار الاقتصادية لفتح المعبر، وتحسّن الحركة التجارية عبره، تدريجياً، ستعود بفوائد نوعية على الاقتصاد السوري. كما أنها سترفد خزينة النظام بمكاسب كبيرة من خلال الرسوم الجمركية المباشرة على حركة الترانزيت، وغير المباشرة المتمثلة بالضرائب على تصدير البضائع السورية، الذي من المتوقع أن تزيد وتيرته. وكالعادة سينعكس ذلك سلباً على المستهلك السوري، عبر ارتفاع أسعار السلع المُنتجة محلياً، والتي سيراهن مُنتجوها على أسواق التصدير أكثر من السوق المحلية التي تعاني من انهيار القدرة الشرائية. لكن انتعاش قطاعات المُنتجين، له أيضاً، عوائده الإيجابية على شريحة ملحوظة من السوريين.
ويبقى تضخيم العوائد التجارية من معبر نصيب – جابر، وصولاً إلى المستويات التي كانت سائدة قبل العام 2011، وقفاً على استكمال فتح طرق الترانزيت في الشمال السوري، التي تصل إلى تركيا. وهناك، تدور معركة الطريق الدولي إم 4، جنوب إدلب، مجدداً، في الميدان، ووراء كواليس لقاء الرئيسين الروسي والتركي، الذي لم تتكشف نتائجه، بعد. من دون أن ننسى، أن أحد أبرز المستفيدين المُرجحين، هي إيران، وتجارة المخدرات الخاصة بها، في سوريا، والمرتبطة بحزب الله، وبالفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام، ماهر الأسد. فـ 100 شاحنة يومياً، ستكون كفيلة بتمرير كميات أكبر من الكبتاغون، من تلك التي يمكن تمريرها عبر المعابر غير الشرعية في أراضٍ حدودية يغلب عليها الطابع الصحراوي، ويسهل على حرس الحدود الأردني رصدها، في كثيرٍ من الأحيان.
المدن
——————————-
الكرملين يكشف تفاصيل قمة بوتين- أردوغان.. والأخير يدلي بتصريحات
كشف الكرملين تفاصيل حول قمة سوتشي، التي جمعت الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، في روسيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في تصريحات للصحفيين، اليوم الخميس، إن بوتين وأردوغان اتفقا على الالتزام بكافة الاتفاقيات المبرمة حول محافظة إدلب السورية.
وأضاف: “تم التأكيد على ضرورة تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها سابقاً، وخاصة طرد المجموعات الإرهابية التي لا تزال موجودة في إدلب”، دون ذكر تفاصيل إضافية حول النقاط التي ناقشها الجانبان بالملف السوري.
واكتفى بالقول: ” لقد كانت المحادثات بناءة جداً وفي الوقت المناسب، وضرورية ومفيدة جداً لكلا الجانبين”.
من جانبه، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه بحث مع نظيره الروسي سبل التوصل لحل “نهائي ومستدام” للملف السوري، خاصة في إدلب، مشيراً أنه وبوتين حددا خارطة طريق سيتعمد عليها وزراء دفاع وخارجية تركيا وروسيا.
وقال أردوغان في تصريحات صحفية أدلى بها على متن طائرته أثناء عودة من روسيا، اليوم، إن القمة التي عقدها مع بوتين كانت “مثمرة”، مضيفاً أن بلاده “تواصل الالتزام بكل قضية اتفقت عليها مع روسيا حيال سورية ولا عودة عن ذلك”.
#عاجل | أردوغان: تركيا تواصل الالتزام بكل قضية اتفقت عليها مع روسيا حيال سوريا ولا عودة عن ذلك
— ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) September 30, 2021
وشدد الرئيس التركي على ضرورة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع روسيا شمال شرقي سورية، فيما يتعلق بإنهاء وجود التنظميات الكردية التي تصنفها تركيا على لوائح “الإرهاب” في المنطقة.
وانتقد أردوغان الموقف الأمريكي الداعم لتلك التنظيمات، بقوله: “على الولايات المتحدة مغادرة هذا المكان (سورية) وتركه للشعب السوري عاجلاً أم آجلاً”.
كما لفت إلى أنه سيلتقي مع نظيره الأمريكي، جو بايدن، في روما إذ أتيحت الفرصة، مضيفاً: “على الأرجح سنجتمع في غلاسكو أيضاً، ما يعني أن ثمة خطوات مبشرة يتم اتخاذها”.
وانتهت قمة بوتين- أردوغان، أمس الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسي، دون الإعلان عن خطوات واضحة اتخذها الجانبان فيما يتعلق بالملف السوري، عكس ما كان متوقعاً.
وسبق القمة تصريحات لمسؤولي البلدين، أكدوا خلالها أن الملف السوري والتطورات في إدلب ستكون على جدول أعمال الرئيسين، إلى جانب ملف المساعدات الإنسانية.
وتتعرض إدلب لغارات شبه يومية من طيران النظام وروسيا، في الأسابيع القليلة الماضية، إضافة لقصف مدفعي يوقع ضحايا مدنيين، في حين شهدت الساعات التي تلت القمة هدوءاً في القصف.
وتخضع إدلب إلى اتفاق تركي – روسي منذ مارس/آذار قبل الماضي، وينص على وقف إطلاق النار كأبرز البنود إلى جانب تسيير دوريات عسكرية تركية-روسية مشتركة وفتح الطرقات الدولية المارة في مناطق شمال غرب سورية.
———————————–
إدلب بلا إرهابيين في قمة سوتشي.. بوتين وأردوغان يتفقان
الرئيسان تعهدا بمواصلة العمل وفقاً للاتفاقيات السابقة حول سوريا
بعد القمة التي جمعت بمنتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، أكد الكرملين أن الطرفين شددا على التزاماتهما بالاتفاقيات المبرمة بشأن ضرورة إخلاء محافظة إدلب شمال غربي سوريا من الإرهابيين.
وفي أول تصريح بعد اللقاء، أضاف الكرملين أن الرئيسين تعهدا أيضاً بمواصلة العمل وفقاً للاتفاقيات السابقة حول سوريا.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، للصحافيين، أن النزاعات الإقليمية، منها أزمات سوريا وليبيا وأفغانستان وإقليم كاراباخ، اتخذت مكانة ملموسة ضمن أجندة المحادثات التي جرت بين بوتين وأردوغان في مدينة سوتشي الروسية أمس، مشيراً إلى أنه تم التأكيد على ضرورة تطبيق اتفاقاتهما بخصوص إخلاء محافظة إدلب من العناصر الإرهابية المتبقية هناك والتي من شأنها أن تشكل خطراً.
إلا أن المسؤول الروسي رفض الكشف عن المزيد من التفاصيل عن المحادثات خصوصاً بشأن الملف السوري.
بالمقابل، كشفت وسائل إعلام تركية، الخميس، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين المشاريع المستقبلية المشتركة بين البلدين والتي تتعلق بمجالات مختلفة منها العسكرية والاقتصادية والصناعية.
أهداف اللقاء
الجدير ذكره أنه وبينما يهدف أردوغان من اللقاء مع بوتين، العمل على العودة إلى وقف لإطلاق النار الذي اتفق عليه العام الماضي وإنهاء هجوم روسيا وقوات النظام على المقاتلين المدعومين من تركيا في إدلب، تضغط موسكو من أجل إخراج المتطرفين من المحافظة، كما تدفع نحو إخراج كافة القوات الأجنبية من البلاد، والحوار مع النظام السوري وإن بشكل غير مباشر.
فقد أكد بوتين، قبل لقائه أردوغان، الثلاثاء الماضي، على أنه لا بد من إيجاد توافق بين البلدين رغم صعوبة المفاوضات، مشيرا إلى أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية السورية”.
من جهته، قال أردوغان إن السلام في الشرق الأوسط يعتمد على تطور العلاقات بين تركيا وروسيا.
نكزات قبل اللقاء
يذكر أن البلدين كانا وجها نكزات قبل اللقاء لبعضهما البعض في سوريا أيضاً، فبعدما نفذت روسيا غارات على مناطق النفوذ التركية شمال سوريا لليوم الثاني الاثنين الماضي، في محاولات إضافية منها للضغط ميدانيا على تركيا، والوصول لمكاسب سياسية، قبل لقاء سوتشي، استهدفت القوات التركية بصاروخ مضاد للطائرات مروحية روسية أثناء تحليقها في أجواء قرية الدردارة شمالي تل تمر بريف الحسكة، دون أن تتمكن من إصابتها، لتقوم المروحية الروسية بإطلاق “بالونات حرارية” والانسحاب من أجواء المنطقة.
في حين جددت الطائرات الروسية غاراتها بنفس الوقت أيضا على مناطق “غصن الزيتون” في حلب، حيث قصفت بالصواريخ، محاور قرى باصوفان وبراد.
تعاون رغم الخلافات
الجدير ذكره أن لتركيا آلافاً من الجنود التابعين لها في شمال سوريا وميليشيا سورية موالية لها تم إبعادها بمساعدة موسكو إلى جيب صغير من الأرض على الحدود.
ورغم خلافات البلدين على ملفات عديدة هامة بينها سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ، إلا أن تركيا أقامت مع روسيا تعاوناً وثيقاً في مجالات الطاقة والسياحة والدفاع.
فقد اشترت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، بطاريات الصواريخ الدفاعية الروسية “إس-400” في عام 2019 مما تسبب في فرض عقوبات على صناعاتها الدفاعية من جانب واشنطن التي حذرت من اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد أنقرة، إذا اشترت المزيد من المعدات العسكرية الروسية.
بدروه، لفت أردوغان الأسبوع الماضي، إلى أن تركيا لا تزال تنوي الحصول على دفعة ثانية من الصواريخ “إس- 400”.
——————————
بعد التقارب الأردني.. واشنطن تبدي موقفها من التطبيع مع الأسد
حسمت وزارة الخارجية الأمريكية الجدل الحاصل حول الموقف الأمريكي، حيال قيام بعض الدول بالتطبيع مع نظام الأسد، آخرها الأردن.
وقال متحدث باسم الوزارة لوكالة “رويترز”، أمس الأربعاء، إن واشنطن ليس لديها خطط حالياً للتطبيع أو لرفع مستوى العلاقات مع حكومة الأسد، كما أنها لا تشجع الدول الأخرى على القيام بذلك.
جاء ذلك رداً على استفسار حول الموقف الأمريكي من التقارب الحاصل بين الأردن ونظام الأسد مؤخراً، والمتمثل باتفاقيات اقتصادية وفتح المعابر الحدودية بالكامل، إلى جانب استئناف الرحلات الجوية إلى دمشق.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “لن تطبع الولايات المتحدة أو تطور علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا نشجع الآخرين على القيام بذلك، بالنظر إلى الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري”.
وتابع: “الأسد لم يسترد الشرعية في نظرنا ولا مجال لتطبيع العلاقات الأمريكية مع حكومته في هذا الوقت”.
وشهد الموقف الأمريكي تخبطاً خلال اليومين الماضيين، إذ أدلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جالينا بورتر، بتصريحين حيال التقارب الذي تشهده العلاقات الأردنية مع نظام الأسد.
بورتر رحبت في البداية بإعلان الأردن استئناف الرحلات الجوية إلى دمشق، وفتح المعابر الحدودية بالكامل بين الأردن وسورية، لتشير لاحقاً، إن الولايات المتحدة تراجع التطورات الأخيرة وتنظر فيها.
وقالت بورتر في سؤال وجهه لها أحد الصحفيين، أول أمس الثلاثاء، حول استئناف الرحلات الجوية بين الأردن وسورية:”عندما يتعلق الأمر بالسفر التجاري، نحن بالتأكيد نرحب بهذا الإعلان”.
إلا أنه وفي إحاطة صحفية لاحقة، نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية عبر موقعها الرسمي، قالت المتحدثة باسم الوزارة “ليس لدي ما أعلنه فيما يتعلق بحالة العلاقة أو أي تغيير في السياسة (تجاه نظام الأسد)، ما يمكنني قوله هو أننا نراجع الإعلان بالتأكيد”.
وطالبت بورتر الصحفيين باعتماد إجابتها الثانية، حول فتح المعابر واستئناف الرحلات الجوية بين الأردن وسورية.
ويخضع نظام الأسد لعقوبات أمريكية وفق “قانون قيصر”، وتنص على منع التعامل الاقتصادي والتجاري مع نظام الأسد أو أحد الداعمين له، خاصة في مسألة إعادة الإعمار، لإجباره على القبول بحل سياسي، حسب مسؤولين أمريكيين.
ولم يتضح بعد ما إذا كان الأردن قد حصل على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، لإبرام اتفاقيات اقتصادية مع نظام الأسد، خاصة في مجال المياه والطاقة والكهرباء والزراعة والتجارة.
وبحسب وكالة “رويترز” فإن الهدف من تقارب الأردن مع النظام هو تعزيز اقتصادات الدول المتعثرة، وإعادة سورية إلى الحاضنة العربية التي نُبذت منها منذ 10 سنوات.
——————————–
بعد قمة سوتشي.. أردوغان يطالب الولايات المتحدة بمغادرة سوريا
طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الولايات المتحدة الأميركية مغادرة الأراضي السورية، وذلك في تصريحاته للصحفيين اليوم الخميس حول نتائج قمته يوم أمس مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي.
وقال أردوغان: “على الولايات المتحدة مغادرة سوريا وتركه للشعب السوري عاجلا أم آجلا”.
وأعرب الرئيس التركي عن استيائه من تواصل منسق الولايات المتحدة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تصنفها أنقرة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا وعدد من الدول.
وقال أردوغان: “ماكغورك يعد بمثابة مدير تنظيم “وحدات حماية الشعب YPG / حزب الاتحاد الديموقراطي PYD / حزب العمال الكردستاني PKK، فهو يتجول بحرية مع التنظيمات الإرهابية”.
وأضاف: “تجول ماكغورك يدا بيد مع التنظيمات الإرهابية في المناطق التي نكافحها فيها يجعلنا نشعر باستياء كبير”.
وحول علاقات أنقرة وواشنطن، أعلن أردوغان أنه سيلتقي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في روما إذا أتيحت الفرصة، ورجّح احتمالية لقائه أيضاً في غلاسكو، مشيراً إلى أن ذلك يعني “أن ثمة خطوات مبشرة يتم اتخاذها”.
فيما يلي تصريحات أردوغان للصحفيين عن نتائج قمته مع بوتين:
سوريا وإدلب
أردوغان: تركيا تواصل التزام كل قضية اتفقت عليها مع روسيا حيال سوريا، ولا عودة عن ذلك
أردوغان: تحدثت مع بوتين عن الوقت المناسب لتجاوز التفاصيل وإيجاد حل دائم ونهائي ومستدام للأزمة السورية
أردوغان: ملتزمون باتفاقياتنا مع روسيا حول إدلب عبر إزالة العناصر المتطرفة في الممر الأمني
أردوغان: أكثر من مليون شخص منهم 400 ألف في إدلب عادوا إلى ديارهم، ونعمل بلا توقف من أجل العودة الآمنة للسوريين الذين نستضيفهم
أردوغان: ذكّرت بوتين بوجود مكتب لتنظيم YPG في موسكو، وقلنا إنه ينبغي للبلدين تعزيز تضامنهما في مكافحة الإرهاب
أردوغان: يجب تنفيذ الاتفاقات المتوصّل إليها مع روسيا بشأن إنهاء وجود تنظيم PKK/YPG الإرهابي في سوريا
علاقات متوترة مع واشنطن
أردوغان حول مشروع الطائرة F-35: دفعنا مليار و400 مليون دولار. ماذا يكون هذا؟ نحن بحاجة لمعرفة مصيرهم… نحن لم نكتسب ولا نكتسب هذه الأموال بسهولة. فإما يعطوننا طائراتنا أو يعطوننا الأموال.
أردوغان: هذا الرجل المسمى ماكغورك، هو تقريبا مدير PKK./YPG/PYD. إنه يتجول في الأرجاء مع المنظمات الإرهابية ممسكاً بهم يداً بيد، وذراعاً بذراع.
أردوغان: تجول ماكغورك يدا بيد مع التنظيمات الإرهابية في المناطق التي نكافحها فيها يجعلنا نشعر باستياء كبير
أردوغان: سنلتقي بايدن في روما إذا أتيحت الفرصة، وعلى الأرجح سنجتمع في مدينة غلاسكو، ما يعني أن ثمة خطوات مبشرة يجري اتخاذها
أردوغان: على الولايات المتحدة مغادرة سوريا وتركها للشعب السوري عاجلاً أو آجلاً
تعاون عسكري مع روسيا
أردوغان: لا رجعة عن منظومة S-400 الروسية، وبحثنا مع بوتين القضية بالتفصيل، وناقشنا سبل الارتقاء بهذا التعاون
أردوغان: تحدثنا مع بوتين عن الخطوات التي سنتخذها بشأن المقاتلات الحربية وصناعة محركات الطائرات
أردوغان: يمكننا اتخاذ خطوات مشتركة مع روسيا بخصوص بناء السفن
أردوغان: بوتين أبدى موافقته على دراسة إمكانية التعاون في إنشاء محطتَي طاقة نووية ثانية وثالثة (في تركيا) بجانب محطة “آق قويو”
أردوغان: عروض متقدمة جداً قدمها بوتين حول أعمال الفضاء، كما قدّم الروس عرضاً لإطلاق الصواريخ من خلال إنشاء منصات في البر والبحر
—————————-
أردوغان والصورة المكلفة/ شورش درويش
ما فشل فيه أردوغان، في واشنطن خلال الأيام القليلة الفائتة إبان تواجده في نيويورك، من لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن والتقاط صورة إلى جانبه، عوّضه في سوتشي خلال لقاء نظيره الروسي بوتين، ذلك أن العدّة الرسميّة للرئيس التركي في صياغة صورته زعيماً عالمياً، ترتكز في جزء منها، على منطق التشاوف وإظهار التجهّم في لقاءاته ورؤساء الدول الأقل شأناً، فيما يعكس التقرّب إلى زعماء الدول العظمى في مقابل ذلك رغبةً في إظهار نفسه ندّاً ونظيراً وقائد “دولة عظيمة”، ورغم أن هذا يجافي الحقائق عند المقارنة بين تركيا وبين دول بحجم أميركا والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا، إلّا أنه يضمر بعداً مشهدياً يسعى إليه أردوغان، وهو ما يتحكّم في سلوكه على الدوام.
خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أواخر هذا الشهر، لم يحظَ أردوغان بلقاء يجمعه والرئيس الأميركي؛ وهو ما يسبب جرحاً نرجسياً للرئيس التركي لا يمكن نسيانه، وقد كان الرئيس السابق دونالد ترامب يعي أهمية هذه المسألة لدى أردوغان وأنها جزء من عدّة الأخير الدعائية وأداة تعويمه داخلياً وإقليمياً، بيد أنّ لا مبالاة بايدن في تقديم مثل هذا العون يدفع أردوغان للدخول في نوبات إنفعال ليس آخرها تصريحه الذي تلى عودته من نيويورك إذ اتهم الولايات المتحدة بـ”تزويد الإرهابيين بالسلاح” وأن هذا التصرّف لن يمرّ دون ردّ تركيّ، ولعل ما زاد من غضبه كان الاهتمام ببعثة مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) ولقائهم مسؤولين ونواب وباحثين، ثم التصريحات التي أدلى بها قادة قسد ومسد فيما خص “طمأنة” الولايات المتحدة لحلفائها في شمال شرقي سوريا.
ما تحكّم، وما زال يتحكّم، في سلوك تركيا كانت رحلة “الصعود” الصعبة والمتعبة، وحتى الدامية، لكرد سوريا، وجعل هذا الصعود المباغت مقياساً في العلاقة مع الدول والحلفاء، بل إن كل “إستدارة” أو “انعطافة” لتركيا الأطلسية صوب روسيا تفسّر على ضوء الصعود الكردي والرغبة في احتوائه وتحطيم الكيانية الثقافية والسياسية في شمال شرقي سوريا، وقد باتت بذلك محور اهتمام أنقرة إلى درجة أن المسألة الكردية في سوريا تفوّقت على مسائل وملفّات أخرى، إن لم نقل أنّها نسختها.
السعي التركي المحموم لدفع حليفتها الأطلسية للانسحاب من شأنه أن يقوّض الحضور الكردي، وينزع غطاء الحماية عنهم، لكنه في موازاة ذلك ينزع الغطاء عن تركيا أيضاً ويضعها في مواجهة غير متكافئة مع روسيا، وإذا كان عديد قتلى الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلّحة على يد الجيش الروسي قد لا يجد له أي مقابل قامت به القوات الأميركية فإن عدّاد القتلى قد يواصل الارتفاع حال خروج واشنطن، وجدير بالإشارة أنّ روسيا تستبق أي لقاء يجمع رسمييها بنظرائهم الأتراك بعمليات قصف مذلّة لفصائل المعارضة، وبما يشي إلى رغبة في إخضاع تركيا. لكن رغم ذلك تفضّل أنقرة المضي في العلاقة المضطربة مع روسيا والمفتوحة على أكثر من جبهة قلقة ومكان، من القرم إلى ليبيا فأوكرانيا وأذربيجان وبالطبع سوريا، فيما لم تخفّض الوشائج الاقتصادية والتزوّد بالأسلحة الروسية من حدّة الصراع الاستراتيجي والتسابق على مناطق النفوذ.
فور انتهاء قمة الرئيسين التركي والروسي الأخيرة في سوتشي، نشر الرئيس التركي صورة تجمعه بنظيره الروسي، وهو مدار العمل الدعائي الذي يسعى إليه أردوغان، فيما علّق على اللقاء الذي لم يرشح عنه شيء بأنه كان “مثمراً”، رغم أن شجرة العلاقات بين البلدين لم تثمر كما ينبغي مذ سعت أنقرة إلى التفاهم مع موسكو في المجال السوري، تحديداً بعد أن أسقطت تركيا المقاتلة الروسية سو35، بل إن الوقائع تشير إلى صيغ إذعان متكررة قبلت بها تركيا منذ أن خطت باتجاه عقد اتفاقات منفردة في سوتشي ودون غطاء أميركي دافئ، وبطبيعة الحال كان “ظفر” تركيا بعفرين واحتلالها، المنحة الوحيدة التي تحصّلت عليها حتى اللحظة.
في الأثناء تُطوّر المعارضة التركية من أدواتها وبرامجها فيما خص تصوّراتها لحل الأزمة السورية وكذا التعاطي المقبل مع ملف اللاجئين، وهما المسألتين الأكثر إثارة لحفيظة العدالة والتنمية الذي تصوّره المعارضة حُكماً غارقاً في أوحال صراع كان يمكن تجنّبه أو تخفيف آثاره، وبدوره يشير كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، إلى إمكانية حل الأزمة بالتفاهم مع دمشق وعبر المساهمة في إعمار ما دمّرته الحرب وبالتالي إعادة اللاجئين، فيما يصوّر أردوغان على أنه يدور في دائرة مفرغة، لذا فإنّ تنامي سؤال الأزمة السورية داخل تركيا يهدّد شعبية الحزب الحاكم والذي بات مطالباً أكثر من أي وقت مضى بإيجاد حل وإن كان عبر بوابة بوتين الضيّقة والذي لن يمنح أردوغان أي نقاط يمكن أن ينسبها لنفسه.
ثمة خطاب مظلومية يكثر أردوغان من استخدامه عبر شكاياته المتكرّرة من اختلاف رؤيته ودوره عن رؤية ودور الأميركان في الملف السوري، ويضاعف من هذه المظلومية المزعومة لامبالاة بايدن تجاه تدنّي شعبية أردوغان أو إخفاقاته السياسية والاقتصادية، وأيضاً تجاوز رغبته في الصعود على أطلال المناطق الكردية السورية، غير أن حاجة الرئيس إلى صُور تبقيه على قيد الحياة السياسية تدفعه على نحوٍ قاسٍ إلى حيث يقف المصوّرون في الكرملين وسوتشي حتى وإن كان الثمن التراجع عن سياساته في سوريا.
نورث برس
——————-
على وقع التصعيد الروسي.. هل تجنب قمة سوتشي إدلب هجومًا واسعًا؟
عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية، وتكتسب القمة أهمية على صعيد علاقات البلدين من أجل تحقيق التوازنات بينهما، إذ تنعقد ضمن سياقات إقليمية ودولية تهم أنقرة وموسكو على حد سواء، ويمكن بالتالي أن تسفر عن تفاهمات متقدمة بصدد ملفات عديدة أهمها الملف السوري أو تؤدي إلى تشديد نقاط الخلاف الراهنة بين البلدين، أو يتم التوصل إلى مناطق وسطى تلبي مصالحهما المشتركة.
وعلى وقع مقتل 11 من مسلحي المعارضة السورية بقصف روسي في منطقة مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار تم برعاية تركية روسية، توجه أردوغان إلى سوتشي دون وفد مرافق كما جرت العادة، حيث يرافقه رئيس المخابرات هاكان فيدان فقط، ويرى مراقبون أن التصعيد الروسي الأخير في سوريا حمل رسائل ضغط قبل اللقاء المرتقب، وأن ملف التصعيد العسكري في محافظة إدلب شمالي سوريا هو على راس أولوية اجتماع القمة، وسط تكهنات حول ما إن كان أردوغان سينجح في إقناع بوتين بمنع هجوم واسع على المحافظة يمكن أن يقود لمواجهة عسكرية كبيرة تنخرط فيها تركيا بشكل مباشر على غرار ما جرى العام الماضي.
وكان أردوغان قد صرح قبل لقاء القمة وقال: “لن نتحدث عن إدلب وحدها بل سنناقش أيضًا العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا والوضع في سوريا وما وصلنا إليه وما سنحرزه هناك في المستقبل”، وبحسب صحيفة “حرييت” التركية فإن قضية ملف إدلب والمشاكل التي تعترض المنطقة ستناقش في قمة أردوغان بوتين، مشيرة إلى أن الشروط المنصوص عليها في اتفاق إدلب لم تُنفذ بالكامل.
وعشية القمة، أطلق وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، تصريحات اعتبر فيها أن “تركيا ملتزمة بأسس الاتفاق المبرم مع روسيا، وتنتظر من الطرف المقابل تحمل مسؤولياته المتعلقة بالاتفاق”، وأشار إلى أن “الروس يقولون إنهم يستهدفون المجموعات الإرهابية في إدلب، إلا أن ضحايا هذه الهجمات ليس بينهم إرهابيون”.
وفضلًا عن موضوع سوريا، أشارت تقارير تركية إلى أنه ستتم مناقشة صفقة جديدة من صواريخ “إس-400” التي أدى شراؤها من روسيا إلى فرض عقوبات أمريكية على الصناعات الدفاعية التركية، إذ تجري محادثات الآن بين أنقرة وموسكو بشأن احتمال شراء دفعة ثانية، كما يناقش الطرفان مواضيع أخرى متعلقة بمشاريع الطاقة والسياحة بين البلدين.
———————–
====================
تحديث 01 تشرين الأول 2021
—————————-
الأسد والثورة المضادّة وإيران/ بشير البكر
يبدو أن وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، لم يذهب إلى نيويورك من أجل حضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل من أجل التقاط الصور الاستعراضية، مع عديدين من نظرائه من الدول العربية التي بدأت رحلة إعادة العلاقات الرسمية مع دمشق. وبثت وكالة الأنباء السورية (سانا) صورا لاجتماعات المقداد، وكأنها تحتفل بمناسبة تجاوز أول خطوةٍ في طريق رفع الحظر العربي عن النظام، والذي بدأ عام 2011 بتعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، بسبب استخدام القوة في قمع المتظاهرين السلميين. وتأتي لقاءات الجمعية العامة تتويجا لسلسلة من الاتصالات والمشاورات بين عدة دول عربية، في مقدمتها الأردن، الإمارات، مصر، العراق، والجزائر. وجاء سفر المقداد والوفد المرافق له إلى نيويورك، على متن الخطوط الجوية المصرية، إشارة لا تخلو من دلالة سياسية، إذا ربطناها باجتماع المقداد مع وزير خارجية مصر سامح شكري.
من حق النظام السوري أن يحتفل اليوم، لأن الأغلبية العربية باتت مستعدّة لإعادة العلاقات معه، وتتبنّى مسألة عودته إلى جامعة الدول العربية بلا شروط. وتقوم الجزائر بحملة علاقات عامة من أجل أن تتم العودة رسميا، بمشاركة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مؤتمر القمة العربي، المقرّر عقده في نهاية الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني) في الجزائر. وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن الترتيبات الشكلية، تشكل هذه الخطوة ولادة جديدة للنظام الذي شارف على الموت عدة مرات خلال العقد الماضي، وآخرها كانت في سبتمبر/ أيلول 2016، حين تدخلّت روسيا عسكريا للحيلولة دون سقوط دمشق بيد الفصائل العسكرية المعارضة. ولذا تشكّل عودة نظام الأسد إلى الجامعة جرعة سياسية مهمة له، لإخراجه من غرفة الإنعاش، على الرغم من أن الجامعة باتت مؤسسة بلا دور، وغير قادرة على تشكيل موقف عربي موحد حيال ما يعيشه العالم العربي من تدهور، ويواجهه من تهديدات، ولا رأي لها في النزاعات الدولية، سيما التي تدور من حول العالم العربي.
عودة الأسد إلى النظام العربي الرسمي نجاحٌ جديدٌ للثورة المضادّة على ثورات الربيع العربي، والتي تقودها الإمارات ومصر، ولكن الحصاد في سورية لصالح إيران التي يبدو أنها استعادت المبادرة، ولم تعد تأبه بالعقوبات الأميركية، وإلا لما كانت بواخر النفط الإيرانية تُبحر من الموانئ الإيرانية، وتعبر عدة بحار كي تفرغ حمولتها في المرافئ السورية، ومن ثم يتم شحنها إلى حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية. وما كان هذا ليحصل خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وهذه علامة هامة إلى ما ينتظر العالم العربي بعد أن تُكمل الولايات المتحدة انسحابها العسكري من العراق وسورية في غضون عام. ستكون هناك إعادة ترتيب للجغرافيا السياسية للمنطقة، وستحصل بذلك إيران على الحصة الأكبر. وبالتالي، لن تنعكس كل هذه الاحتفالات بصورة إيجابية على سورية التي تجاوزت حالة الفشل إلى الموت السريري، وتحتاج إلى أكثر من “مشروع مارشال” لبثّ الحياة فيها. ومن بين الدول التي تعمل على تعويم النظام، ليس هناك من هو على استعداد إلى التضحية بتوظيف رؤوس أموال، من دون ضمانات فعلية بأن البلد بدأ يسير على طريق الاستقرار، وهذا أمر بعيد في ظل تقسيم الجغرافيا السورية إلى عدة مناطق نفوذ دولية وإقليمية متنازعة ومتضاربة المصالح. وما لم يحصل حلّ سوري سوري باتفاق جميع الأطراف، لن تكون هناك قيمة لكل الترتيبات الجارية لإعادة تعويم نظام الأسد الذي ترفضه الغالبية العظمى من السوريين، والتي تبقى صاحبة الكلمة الفصل، حتى لو دفعها التهجير القسري إلى ما وراء البحار، ومن غير ذلك لن يتغير الوضع عما عليه اليوم.
العربي الجديد
—————————-
الانسحاب العسكري الأميركي من سوريا!/ أكرم البني
تتكشف، هذه الآونة، آراء ومواقف متباينة، في صفوف المعارضة السورية، حول قيمة بقاء بعض القوات العسكرية الأميركية في سوريا، وما يترتب على انسحابها من نتائج، ربطاً بما حدث في أفغانستان وبالترتيبات الجارية لما بات يُعرف بإعادة النظر في حجم وطبيعة وجود القوات الأميركية في العراق.
ثمة من لا يجد قيمة أصلاً لوجود القوات العسكرية الأميركية في سوريا، ولا يرى أي تأثير لها في المشهد الراهن وآفاق تطوره، ما دامت واشنطن قد انسحبت، برأيهم، ومنذ زمن بعيد، من دور جدي في إدارة الملف السوري، وتخلت متقصدة عن أدوات الضغط العسكرية لصالح أشكال من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، بل إنها منذ انطلاق ثورة السوريين لم تتخذ موقفاً عملياً رادعاً لعنف النظام وانفلات أدواته القمعية، أو لتفعيل مسار المعالجة السياسية، مكتفية بإدانات متنوعة لما يحصل من فتك وتنكيل وبدعوات لوقف القتال، لم تتجاوز برودة الكلمات، يحدوها، وغالباً من باب رفع العتب، قصف قاعدة جوية هنا أو موقع عسكري للنظام السوري هناك، رداً على معاودة الأخير استخدام السلاح الكيماوي. ويستقوي أصحاب هذا الرأي بإعلان بعض كبار المسؤولين الأميركيين، بعد أن انتهت مهمة دحر «داعش» وتحجيم مخاطره، بأن استمرار وجود بعض القوات الأميركية في سوريا هو من أجل تعزيز السيطرة على منابع النفط، ليس إلا! بينما يذهب آخرون من حملة الفكر القومي الشوفيني، إلى وضع قيمة سلبية لاستمرار الوجود العسكري الأميركي، ليس من دوافع وطنية، بل لأنه يشكل غطاءً لحماية الإدارة الذاتية الكردية المتهمة عندهم بحمل مشروع للانفصال عن سوريا، مع أن هؤلاء، وللمفارقة، لم يهدأوا لحظة من المطالبة بتدخل أميركي لدعمهم وردع النظام، وربما يريحهم إن أفضى هذا الانسحاب إلى تمكين تركيا من تعزيز سيطرتها على شمال البلاد، أو أضعف وزن الأكراد السوريين وأكرههم على الانزلاق نحو النظام، وجعل منهم، مرة جديدة، وقوداً وضحايا لصراع النفوذ الإقليمي والدولي على المنطقة.
صحيح أن ثمة تطمينات حول بقاء القوات الأميركية، أعطيت لوفد من قيادات الإدارة الذاتية الكردية زار مؤخراً واشنطن، وصحيح أن الرئيس بايدن أعلن جهاراً، بأن الخطر على الولايات المتحدة من سوريا وشرق أفريقيا أكبر بكثير مما في أفغانستان، وتم تفسير ذلك بأن البيت الأبيض ليس بوارد الانسحاب الآن من سوريا، لكن الصحيح أيضاً أن المواقف الأميركية في غير مكان ومحطة من تطور الصراع السوري لم تكن موضع ثقة واطمئنان، وكلنا يتذكر، مثلاً، كيف أعلنت واشنطن الحياد والنأي بالنفس تجاه العمليات العسكرية التركية في سوريا ولم تشكل عامل حماية كاملة للوجود الكردي؛ ما مكّن حكومة أنقرة من اجتياح عفرين والسيطرة على شريط من الأراضي السورية على طول الحدود، وأيضاً كيف انقلب موقفها الداعم لجماعات المعارضة المسلحة في جنوب سوريا، وأعلنت أنه لم يعد بوسعهم الاعتماد على حمايتها لهم، بعد أن هددت، هي نفسها، النظام وحلفاءه بالويل والثبور وعظائم الأمور إن استمروا في تصعيدهم العسكري ضد قوات المعارضة في مدينة درعا وأريافها.
وفي المقابل، ثمة من يؤيد استمرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا، ولو كان وجوداً شكلياً، ويتحسب من سحبه، معتقداً بأن له قيمة سياسية ومعنوية، خاصة في مواجهة مختلف القوى المؤثرة بالمشهد السوري، بل من دونه سيكون هذا المشهد أكثر إحباطاً وشؤماً، مرة أولى، لأنه يشكل عاملاً موضوعياً يمنع النظام من أن يكون صاحب الكلمة الوحيدة في البلاد ويحرمه من التغني بالانتصار النهائي، وفرض سيطرته على جميع الأراضي السورية، ومرة ثانية، لمحاصرة محاولات تمدد موسكو في شمال وشرق البلاد، ولإعاقة مساعيها للتفرد في تقرير المصير السوري وفرض تسوية تنسجم كلياً مع مصالحها، وتالياً إجبارها على تقديم تنازلات سياسية لمعالجة الأزمة السورية وفق القرار الأممي (2254)، ومرة ثالثة، لتحجيم الانتشار العسكري الإيراني شرق الفرات، بما في ذلك تحجيم مطامعه لتعزيز نفوذه في المشرق العربي؛ فالموقع الذي توجد فيه القوات الأميركية، يقطع طريق التواصل البري من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، ويمنع أو على الأقل يعيق فاعلية ما بات يعرف بالهلال الشيعي.
والحال، وبغض النظر عن السبب، إن كان اختلاف ترتيب الأولويات لدى الإدارة الأميركية وتنامي الاهتمام بالوضع الداخلي ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، أم كان اضطرار واشنطن إلى تقريش دورها الخارجي من زاوية النتائج والجدوى والتكلفة وما يترتب على ذلك من خسائر يصعب تعويضها، أم كان التركيز على مواجهة التحدي الصيني، وآخر دليل اندفاعها، وعلى حساب حليفتها فرنسا، لإعلان تحالف «أوكوس» مع بريطانيا وأستراليا، وتمرير صفقة لتزويد الأخيرة بغواصات هجومية متطورة تعمل بالوقود النووي، للحد من تنامي النفوذ الصيني… لا بد أن نعترف بأن ثمة انسحاباً عسكرياً حاصلاً وتالياً سياسياً لواشنطن من الشرق الأوسط؛ ما يعني تراجع الدور الأميركي، كقوة عظمى، في إعادة تثبيت معادلة التوازن الدولي والإقليمي؛ الأمر الذي سوف يترك آثاراً مقلقة ومؤذية على الاستقرار في المنطقة، وربما لا يغير كثيراً هذه الحقيقة ما تروجه واشنطن عن تمسكها بحضورها ومصالحها في الشرق الأوسط، وأنها إنما تعتمد نهجاً جديداً ينأى عن الأساليب العسكرية المباشرة نحو وسائل أخرى سياسية واقتصادية وأمنية.
يصيب من يعتقد بأنه ما لم تتخذ الولايات المتحدة موقفاً جدياً وحاسماً من الحدث السوري، بصفتها الطرف الأقوى عالمياً والأقدر على تقرير مصير الكثير من الصراعات الوطنية والأزمات الإقليمية، فلن يحصل أي تحول نوعي وستبقى البلاد تحت وطأة العنف والخراب، وعرضة للتنازعات الإقليمية والتجاذبات الدولية، ويصيب من يعتقد بأن السياسة الأميركية لا تحكمها المبادئ والأمنيات، بل تستند أساساً إلى المصالح، وحسابات الربح والخسارة، وربما يصيب أيضاً، من يجد فائدة ومتكأً من بقاء القوات الأميركية في سوريا، حتى تحقيق الانتقال السياسي، وإخراج القوات الأجنبية كافة من البلاد، خاصة عندما يغدو بقاؤها مكملاً لضغوط واشنطن بموجب قانون قيصر، ويتوافق مع مصلحة عضوية أميركية في عدم السماح بحدوث خلل استراتيجي في توازنات القوى في المنطقة وفي المشهد السوري على حد سواء.
الشرق الأوسط،
—————————–
الموقف الأميركي يربك حسابات الأتراك في إدلب وروسيا تستغله للتصعيد
أنطاكيا – فراس فحام
قطعت الغارات الروسية اليوم على غربي إدلب حالة الهدوء القصيرة جداً التي عاشتها المنطقة بانتظار انتهاء القمة الرئاسية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
التصعيد الروسي في أعقاب القمة، يشير إلى عدم التجاوب الروسي مع الرغبة التركية بإعادة الهدوء إلى محافظة إدلب، ويؤكد على تمسك موسكو بأن تبادر تركيا لتنفيذ مزيد من الخطوات بما يتعلق بإنشاء الممر الأمني على الطريق الدولي حلب – اللاذقية M4، وتسهيل حركة الطرق التجارية، وفتح معابر بين مناطق الفصائل العسكرية والنظام السوري، دون مقابل من موسكو التي أبدت انفتاحاً على “قسد” بدل أن تضغط عليها بحسب التفاهمات التركية – الروسية السابقة.
التصريحات التي صدرت عن الجانبين التركي والروسي بعد يوم واحد من قمة سوتشي تشير إلى زاويا نظر مختلفة للواقع، فقد طالب الرئيس أردوغان بأن تبادر روسيا إلى الوفاء بتعهداتها الخاصة بإبعاد عناصر وحدات حماية الشعب (العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”) من الحدود السورية – التركية، بينما دعا الكرملين الجانب التركي إلى إخراج “الإرهابيين” من إدلب.
روسيا تعول على تفاهمات مع أميركا لمواجهة الموقف التركي
دخل بوتين القمة الرئاسية الأخيرة مع أردوغان متسلحاً بحالة التوتر التي سادت الأجواء بين الرئيس الأميركي جو بايدن وأردوغان، قبل أيام من “سوتشي”، على خلفية عدم استجابة بايدن للرغبة التركية بعقد محادثات على المستوى الرئاسي على هامش لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أواخر شهر أيلول المنصرم، وليس واضحاً بعد ما إذا كان أردوغان وبايدن سيلتقيان على هامش قمة الدول العشرين في روما شهر تشرين الأول الجاري.
بعد قمة سوتشي.. أردوغان يطالب الولايات المتحدة بمغادرة سوريا
التطور الأهم الذي سبق التوترات التركية – الأميركية، هو إجراء حوار إستراتيجي بين المبعوثين الروسي والأميركي المكلفين من قبل الكرملين والبيت الأبيض بمتابعة الملف السوري.
وتعول روسيا على تفاهمات مع واشنطن حول الملف السوري، استكمالاً لما بدأه الجانبان في تموز الفائت، عندما توافقا على تمديد دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى إلى الأراضي السورية.
المحادثات التي تخوضها روسيا مع الولايات المتحدة، تركز على ترسيم حدود النفوذ بين الجانبين في المنطقة ككل، بما فيها ليبيا، وفي حال توصل الطرفان إلى خطة عمل، فإن الضغوطات ستزيد على الجانب التركي، وستصبح روسيا أكثر صلابة في مواجهة موقف أنقرة نتيجة انكشاف ظهرها في سوريا وليبيا، من جراء انعدام القدرة على المناورة بين الموقفين الأميركي والروسي.
ورعى قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، اجتماعاً للفرقاء الليبيين في الـ 29 من أيلول، لمناقشة تحديد جدول زمني لخروج المقاتلين الأجانب من البلاد، وقد أرسلت موسكو رسائل إيجابية لواشنطن، تمثلت بخفض عدد مرتزقة “فاغنر” في منطقة الهلال النفطي شمالي ليبيا، مما يعزز فرص تعزيز التوافقات التي قد تتضمن إطلاق يد روسيا في سوريا.
وسبق أن استفادت روسيا من تقاربها مع الولايات المتحدة الأميركية زمن إدارة “أوباما”، ضمن ما يعرف اتفاق كيري – لافروف، الذي أتاح لموسكو النفوذ الكامل على منطقة غربي الفرات ضمن الأراضي السورية، واقتصار نفوذ واشنطن على شرقه، وكان بمثابة ضوء أخضر لشن حملة عسكرية لإسقاط مدينة حلب.
ومنذ شهر آب الماضي، وحتى نهاية أيلول، تساهلت الولايات المتحدة مع روسيا في سوريا بما يخص تخفيف سطوة العقوبات الاقتصادية، إذ لم تعارض فتح المعبر الحدودي بين سوريا والأردن، وكذلك رحبت بعودة الرحلات الجوية بين عمان ودمشق قبل يومين، ثم تراجعت عن هذا الترحيب دون التلويح بفرض عقوبات على المتساهلين مع نظام الأسد كما فعلت سابقاً مع الإمارات مطلع عام 2020.
ولم تتدخل الولايات المتحدة أو تضغط على تنظيم “قسد” لمنعه من الموافقة على إقامة المزيد من القواعد الروسية في شمال شرقي سوريا خلال الشهرين الماضيين، حيث عززت القوات الروسية من وجودها في كل من تل تمر بريف الحسكة، وعين عيسى بريف الرقة.
روسيا تعمل على عقد محادثات ثلاثية حول سوريا
أكد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، أن اللقاء المحتمل بين سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، ونظيريه الأميركي والإسرائيلي قيد الدراسة.
وسبق أن كشفت تسريبات إسرائيلية عن اتصالات تجريها موسكو مع تل أبيب من أجل إقناع واشنطن بعقد محادثات عالية المستوى حول الملف السوري.
وعلى الأرجح فإن روسيا تسعى للحصول على إقرار من واشنطن وتل أبيب بنفوذها على الأراضي السورية، مقابل ضمانة مصالح الطرفين، بما يتعلق في شكل الحكم ومستقبل “الإدارة الذاتية”، ومصير النفوذ الإيراني المقلق بالنسبة لتل أبيب، وفي حال نجحت مساعي موسكو، فتستفيد من هذا الاختراق المهم في تعظيم مكاسبها شمال غربي سوريا في مواجهة الأتراك.
وعلى الأرجح فإن المشهد في شمال غربي سوريا سيبقى يعيش حالة من التأرجح، في ظل استمرار روسيا باستخدام الضغط العسكري، بهدف إجبار أنقرة على تليين موقفها أمام مطالب موسكو، وقد يزداد هذا التصعيد في حال نجحت روسيا في مساعيها السياسية المتعلقة بالتوصل إلى خطة عمل مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول الملف السوري.
بالمقابل فإن تركيا ستعول على انتشارها العسكري على الأراضي السورية، وأوراق ضغط في مناطق أخرى على روسيا، بالإضافة إلى إغراء موسكو بالعمل المشترك ضد النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا، لكن هذا بشرط أن تفشل المساعي الروسية المتعلقة بالتوصل إلى تفاهم مع واشنطن.
تلفزيون سوريا
———————-
انتهازية مُقيّدة
مايكل يونغ
يناقش أندرو أس. وايس وفريدريك ويري، في مقابلة معهما، السياسة الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فريدريك ويري باحث أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي، تتناول أبحاثه النزاع المسلّح، وحوكمة قطاع الأمن، والسياسة الخارجية الأميركية، مع تركيز خاص على ليبيا وشمال إفريقيا ودول الخليج. أندرو أس. وايس هو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي وحائز على منحة عائلة جايمس، ويشرف على أبحاث المؤسسة حول شؤون روسيا وأوراسيا في واشنطن العاصمة وموسكو. شارك الاثنان معًا مؤخرًا في كتابة ورقة بحثية حول السياسة الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعنوان Reassessing Russian Capabilities in the Levant and North Africa (إعادة تقييم القدرات الروسية في دول المشرق وشمال إفريقيا)، يوصيان فيها صنّاع السياسات في الغرب بتجنّب النظر إلى الخطوات الروسية في المنطقة من منظور الحصيلة الصفرية (غالب ومغلوب). أجرت “ديوان” مقابلة معهما في أواخر أيلول/سبتمبر.
مايكل يونغ: صدرت لكما للتو ورقة بحثية عن الإمكانات الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ما هي الخلاصات الأساسية التي توصّلتما إليها؟
أندرو أس. وايس: حاولنا الإضاءة على بعض المفارقات التي ينطوي عليها الدور الروسي في المنطقة. لقد عادت روسيا إلى الشرق الأوسط بكثير من الصخب، لكن محدودية النفوذ الروسي واضحة للغاية أيضًا. غالبًا ما تهدف الجهود التي يبذلها الكرملين إلى إظهار أن روسيا عادت من جديد إلى دورها كقوة عظمى حقيقية على الساحة العالمية وتحاول ملء الفراغ الحاصل بكلفة متدنّية.
وثمة أيضًا أصداء واضحة عن المراحل السابقة. كتب أرنولد هورليك، وهو أحد الخبراء الغربيين الأكثر اطّلاعًا على السياسة الخارجية السوفياتية في العام 1971: “كان تطوّر سياسة [موسكو] في الشرق الأوسط نابعًا إلى حد بعيد من السعي خلف أهداف خارج المنطقة تكتسي قيمة أكبر لروسيا، وارتجاليًا استجابةً للفرص التي ظهرت نتيجة أحداث لم تكن للكرملين سيطرة كبيرة عليها، أو كنتيجة غير مقصودة لخطوات اتُّخِذت لأغراض أخرى”. يصعب إيجاد توصيف أفضل.
لا شك في أنه كان للتدخل العسكري في سورية قبل ست سنوات الفضل في عودة الكرملين إلى الاضطلاع بدور سياسي في الشرق الأوسط. ولكن هذا لا يعني أن روسيا تملك الآن الأدوات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية أو أدوات القوة الناعمة (ناهيك عن الرغبة) اللازمة للتنافس مباشرةً مع واشنطن. فإذا نظرنا إلى بعض المسائل الأكثر إلحاحًا في المنطقة، مثل أزمة الحكم المستفحلة في لبنان أو احتدام القتال مؤخرًا في غزة، يتبيّن أن روسيا تقف في موقف المتفرج. ويحلو للمسؤولين الروس أن يردّدوا أنهم يستطيعون التحدّث مع جميع الأطراف، ما يمنحهم بعض المكاسب، ولكن ذلك يختلف عن بذل محاولات فعلية لمعالجة المشاكل. لكن ما من طلب كبير في المنطقة كي تتقدّم روسيا لأداء ذلك الدور. لا بل غالبًا ما يستخدم الأفرقاء المحليون انخراطهم مع موسكو بمثابة تكتيك للحصول على دعم إضافي من الرعاة التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
يونغ: ما هي الأمثلة التي تدفعكما إلى القول إن السياسات الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نابعة من الانتهازية بدلًا من أن تكون نابعة من استراتيجية كبرى؟
فريدريك ويري: الخطوات الروسية في تلك المنطقة، ولا سيما في شمال إفريقيا، لم تنبثق من مبادئ أو معايير محددة مسبقًا، أو من عقيدة تُفضي إلى حالة نهائية منشودة. وليست المنطقة بؤرة حيوية بطبيعتها، ولا جزءًا من رقعة شطرنج جيو-استراتيجية أساسية لعودة روسيا إلى الساحة العالمية. واقع الحال أن الكرملين استغلّ الفرص التي أتاحتها الاضطرابات في البلدان العربية بعد العام 2011، وأطماع الحكّام المحليين وشعورهم بعدم الأمان، وبصورة خاصة أخطاء الولايات المتحدة وهفواتها ولامبالاتها.
كانت أدوات روسيا السياسية مرِنة بما فيه الكفاية، ومتدنّية الكلفة، ولم تكبّلها قيود داخلية أو مخاوف من ارتدادات عكسية. كثيرًا ما نرى أن موسكو قادرة على إقحام نفسها بسرعة في أوضاع سريعة التبدّل، وغالبًا ما تُشرك أفرقاء متعدّدين دفعةً واحدة. إذا كانت هناك من خطوط عريضة لاستراتيجية يمكن استشفافها من هذه التدخلات، فلعلّها تُختصَر بما يلي: “تقويض الثقة المحلية بالمنظومة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، وتسديد ضربة للأوروبيين، وتحقيق مكاسب مادّية من هذه العملية”.
تشكّل ليبيا خير دليل على هذه المقاربة الانتهازية الموسّعة، حيث سعت المجموعات والفصائل الليبية المسلّحة والمتناحرة إلى الحصول على المساعدة الخارجية في أعقاب الفراغ في السلطة الناجم جزئيًا عن التردد الأميركي والانقسام الأوروبي، من جملة أسباب أخرى. ردًا على هذه الأوضاع، عمدت روسيا في أواخر العام 2019 إلى زيادة دعمها العسكري لأحد هذه الفصائل الليبية، تحديدًا القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة خليفة حفتر، من خلال إرسال مرتزقة من مجموعة فاغنر المدعومة من الدولة الروسية وبعض الموظفين النظاميين لمساعدة القائد العسكري المتمركز في شرق البلاد في مسعاه الرامي إلى الإطاحة بالحكومة المعترَف بها دوليًا في طرابلس. وفي حين أن موسكو تودّدت فترةً طويلة إلى حفتر وساهمت في صعوده في شرق ليبيا من خلال مدّه بالدعم العسكري والمالي واللوجستي والدعائي، لم تربطها على الإطلاق علاقة حصرية به كــ”زبون” لديها، بل اعتبرته واحدًا من الأفرقاء الكثيرين الموجودين في المشهد.
حتى فيما كانت روسيا تمطر حفتر بالمساعدات العسكرية، انخرطت مع خصومه في العاصمة ودعمت شخصيات من النظام السابق، أي ما يُعرَف بـ”الخضر”. وحين تعثّرت حملة حفتر في ساحة المعركة بسبب التدخل العسكري التركي لصالح حكومة طرابلس، تحوّلت موسكو سريعًا نحو المسار الدبلوماسي، ووافقت على خريطة طريق للانتخابات جرى التوصل إليها بوساطة من الأمم المتحدة، علمًا بأنها أبقت على قوات عسكرية على الأرض في ليبيا على سبيل التحوّط.
يونغ: ما هي الوسائل الأساسية التي استخدمتها روسيا لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، وما تقييمك لمدى نجاحها؟
وايس: عند الحديث عن القوة الصلبة لروسيا في سورية اليوم، ثمة واقع مُلفت إنما لا يحظى بالتقدير الكافي، وهو أن معظم الأهداف الأساسية التي وضعها الكرملين للحرب قد تحققت قبل أربع سنوات تقريبًا. ومنذ ذلك الجين، تختبر روسيا حالة جمود على الأرض، ولا تزال غير مستعدة للاستثمار في الموارد العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية التي تُعتبر ضروريةً لقلب الموازين في الاتجاه الذي تريده. وحين اصطدمت روسيا بسائر القوى العسكرية الكبرى في المنطقة، مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو تركيا، حرصت إلى حدّ كبير على تجنّب خوض مواجهات مباشرة معها.
نذكر من بين الأحداث التي جرت فيها الأمور بعكس ما تشتهي روسيا ما شهدته دير الزور في شباط/فبراير 2018، حين هاجم مرتزقة روس ينتمون إلى مجموعة فاغنر موقعًا تابعًا للقوات الخاصة الأميركية. وكبّدت تلك الحادثة القوات الروسية أكثر من 200 قتيلًا، وشكّلت درسًا مهمًا، لكن مهينًا، لموسكو حول تبعات اختبار مدى عزم الجيش الأميركي على الدفاع عن شعبه.
والأدوات الاقتصادية التي تلجأ إليها روسيا في المنطقة محدودة نوعًا ما. فقد ركّز الأفرقاء الروس على مجموعة ضيّقة من المجالات، مثل بيع بعض أنواع الأسلحة المتقدّمة والبدائية، واقتناص الفرص المتاحة في مشاريع البنى التحتية والطاقة، ومحاولة بناء محطة مرتفعة الكلفة للطاقة النووية في مصر. لكن موسكو تبقى عاجزة عن توفير الموارد الاقتصادية أو المالية التي تقدّمها الولايات المتحدة أو الصين أو الاتحاد الأوروبي.
يونغ: ينطوي السلوك الروسي حيال إسرائيل على مفارقات عدة. هل يمكنك وصف طبيعة هذه المفارقات وشرح مساعي موسكو لإرساء توازن بين علاقاتها مع إسرائيل من جهة، وبين دورها الإقليمي الأوسع من جهة أخرى؟
وايس: تعزّزت العلاقات الروسية الإسرائيلية على مدى العقود القليلة الماضية. فثمة الكثير من المسائل التي تجمع بين الطرفين، ناهيك عن العلاقات بين الشعبين. لكن عهد بنيامين نتنياهو شهد الكثير من المبالغات في هذا الصدد، وساد مفهوم روّج له هو وحلفاؤه بأن البلدَين يتّجهان بخطى حثيثة نحو إقامة نوع من الشراكة الاستراتيجية. عبّر ذلك إلى حدٍّ بعيد عن حسابات نتنياهو السياسية الداخلية، وتحديدًا رغبته في توسيع قاعدة الدعم السياسية لحزب الليكود، وتصوير نفسه على الساحة الدولية على أنه القائد الوحيد القادر على التعامل مباشرةً مع أمثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
في غضون ذلك، يملك الجانبان أسبابًا عملية تدفعهما إلى إرساء آليات لخفض التصعيد العسكري، بعد أن أصبحت موسكو جارًا جديدًا لإسرائيل. ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي في العام 2015، غضّ الروس الطرف عن الهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد أهداف إيرانية داخل سورية، طالما أنها لا تشكّل تهديدًا على القوات الروسية المتمركزة على الأرض. لكن الروس ماطلوا مرارًا وتكرارًا في التعامل مع المخاوف الإسرائيلية من التعدّيات الإيرانية في مناطق حساسة مثل درعا أو مرتفعات الجولان.
يكشف هذا الواقع النقاب عن محدودية التأثير الروسي على الرئيس السوري بشار الأسد الذي غالبًا ما يسعى إلى تأليب داعمتيه الأساسيتين روسيا وإيران على بعضهما البعض. نرى أيضًا أن الروس لا يريدون حتمًا الانخراط في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر أن التوغّل العسكري الإيراني في سورية يشكّل تهديدًا خطيرًا. كذلك، لا يرغب الروس في تقهقر صورتهم في حال عمدت إسرائيل إلى تدمير بعض العتاد العسكري الذي استعرضته موسكو، مثل منظومة الدفاع الصاروخية من طراز إس-400.
يونغ: كتبتما أن “التأثير الذي يمارسه حكّام الشرق الأوسط في تحديد حجم النفوذ الروسي أكبر بكثير مما توحي به السرديات التقليدية”. ما الذي يدفعكما إلى قول ذلك، والأهم، ما تداعيات ذلك في المدى الطويل على النفوذ الروسي في المنطقة؟
ويري: تشير معظم التعليقات عن روسيا في الشرق الأوسط إلى أنها تتمتع، في ممارساتها في المنطقة، بقدرة مطلقة غير مستحَقّة وبحرّية التحرك، ما يحدّ من تأثير الدول المحلية والأفرقاء غير الدولتيين. ولكن الحقيقة هي أن أطماع القوى الخارجية تصطدم دائمًا بتعقيدات المنطقة، وخصوصًا بالقدرة الغريبة لحكّام الشرق الأوسط على إحباط تطلعات القوى العظمى، ولا سيما من خلال تأليبها على بعضها البعض. ينطبق ذلك حكمًا على مرحلة الحرب الباردة، ويستمر حتى يومنا هذا.
لم تتمكن موسكو، على الرغم من “صفقاتها” التي روّجت لها على نطاق واسع في مجالات السلاح والطاقة والبنى التحتية وغيرها، من تحويل التعاملات التي تحمل بصورة أساسية طابعًا تجاريًا إلى شراكات استراتيجية حقيقية، والسبب الأساسي هو أن الدول العربية تفضّل إبقاء القنوات مفتوحة مع جهات راعية أخرى تعتبرها في الغالب أكثر موثوقية. والمثال الأبرز في هذا السياق هو مصر، حيث أحبط الرؤساء المتعاقبون على السلطة مخططات الكرملين لاستخدام الأراضي المصرية من خلال الحصول مثلًا على حقوق إنشاء قواعد عسكرية أو التحليق في الأجواء المصرية، فيما أبقوا على الولايات المتحدة كضامِن أساسي لأمنهم. بالمثل، انسحب القائد الميليشيوي الليبي خليفة حفتر، الذي أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام لقب “رجل موسكو في ليبيا”، من قمةٍ عقدها بوتين في العاصمة الروسية في مطلع العام 2020. وقد سلّط هذا الازدراء الصارخ الضوء على أن شركاء موسكو المفترضين في الشرق الأوسط لا يتصرفون كوكلاء طيّعين لها.
يونغ: تقولان إن “على واشنطن أن تتجنّب النظر إلى المنطقة من خلال عدسة الحرب الباردة القائمة على المعادلة الصفرية والتي ترى في كل تطوّر مكسبًا صافيًا أو خسارة صافية لموسكو”. ولكن هل يمكنني أن أقلب هذه الفكرة؟ في ضوء المؤشرات المتزايدة عن فك الارتباط الأميركي في المنطقة، هل من سبل كي تعمل الولايات المتحدة وروسيا معًا من أجل تحقيق أهدافهما الإقليمية الأساسية؟
ويري: يجب أن تكون إدارة بايدن مدركة تمامًا لمدى قدرة روسيا على نشر الفوضى في المنطقة. ولكن نظرًا إلى المسائل المتضاربة التي تتطلب اهتمامًا أميركيًا، في الداخل والخارج على السواء، سيكون على واشنطن أن تعطي الأولوية للأنشطة الروسية التي تقتضي منها ردًا مضادًا مباشرًا، من خلال اللجوء إلى وسائل سرّية أو علنية. في الوقت نفسه، لا بد من التنبّه إلى أن هذا التصدي، وعلى الرغم من أنه قد يؤدّي إلى تبطيء التدخل الروسي أو عرقلته من غير المرجّح أن يُحدث تغييرات جذرية في مجمل حسابات الكرملين. في حالات كثيرة، سوف يتعيّن على واشنطن أن تقبل ببساطة الحضور الروسي باعتباره سمةً من سمات المشهد الجديد، وأن تثق بأن العقبات الراسخة في المنطقة، إضافةً إلى الأدوات المحدودة التي تملكها موسكو، والأخطاء التي ترتكبها بحق نفسها، ومبالغتها في تقدير نفوذها في بعض الأحيان، ستضع حدًّا للتوغّل الروسي. وفي حالات أخرى، يمكن أن تبحث الولايات المتحدة عن سبلٍ لتوجيه النشاط الروسي في مسارٍ أكثر إنتاجية من خلال الضرب على وتر المصالح الاقتصادية الخاصة لموسكو وبراغماتيتها ورغبتها في الاستقرار.
في ليبيا مثلًا، ليست لدى روسيا مصلحة في استمرار الحرب الأهلية لأن الفوضى تُضرّ بأهدافها في قطاع الأعمال. ومن هذا المنطلق، عمل الدبلوماسيون الأميركيون بحذرِ إنما بحكمة على إشراك موسكو في مسار سلمي لإخراج ليبيا من المأزق الذي تتخبط فيه.
مركز كارينغي للشرق الأوسط
————————————-
قمة بوتين-أردوغان: ضبط إيقاع الصراع السوري/ أمين العاصي
لم تخرج قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، التي عقدت أول من أمس الأربعاء في مدينة سوتشي الروسية، عن المتوقع، خصوصاً لجهة الأوضاع في الشمال الغربي من سورية، بمحافظة الرئيسين على تفاهمات سابقة تضبط إيقاع الصراع القائم وتجنّب محافظة إدلب عمليات عسكرية واسعة النطاق. وعلى الرغم من التفاهمات بين البلدين لتطويق الخلافات ومنع توسعها، إلا أن الحديث عن حل نهائي يبقى بلا مؤشرات واضحة حول كيفية تطبيقه، لا سيما كيفية حل عقدة الطريق الدولي حلب اللاذقية “أم 4”.
وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه اتفق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على استمرار الاتصالات بين البلدين لحل المشاكل العالقة في سورية عموماً وإدلب خصوصاً، على مستوى الرؤساء والوزراء وأجهزة الاستخبارات، واصفاً لقاءه بنظيره الروسي بأنه كان بنّاء. وأوضح أردوغان في تصريحات له على متن طائرة العودة من روسيا، نشرها الإعلام التركي أمس الخميس، أنه “تناول في اجتماعه مع بوتين الموضوع السوري وإدلب بشكل مفصل، وتأثيرات الحرب الطويلة على المنطقة، والدراما الإنسانية والأوضاع الاقتصادية التي وصلت لدرجة لا تطاق”. وقال: “الوقت حان لتطبيق حل نهائي ومستدام في سورية، وبالدرجة الأولى في إدلب، وحددنا خريطة طريق سيعتمد عليها وزراؤنا للدفاع والخارجية”.
وأضاف أردوغان “تركيا تستضيف 4.5 ملايين لاجئ تقريباً، واتفقنا على أنه حان الوقت لإيجاد حل نهائي دائم، ولهذا توقفنا عند الخطوات التي يمكن اللجوء لها، وقلت لبوتين إن تركيا مستعدة لأي خطوة عادلة حقيقية في هذا الإطار”. وشدد على أنه “لا يوجد أي تراجع عن الاتفاقات مع روسيا في سورية، وسيتم تطبيق التفاهمات، ومنها بحسب التوافقات، تطهير الممر الآمن من العناصر الراديكالية (محيط الطريق أم 4)، ولا يوجد تنازل في تطبيق هذا الأمر، وننتظر من الطرف الآخر (روسيا) تطبيق التفاهمات أيضاً”. وحول وقف إطلاق النار، قال أردوغان: “تأمين وقف إطلاق النار بشكل دائم في المنطقة، سيساهم في عودة السوريين لمناطقهم”، مشيراً إلى أن “نحو مليون شخص عادوا من بينهم 400 ألف باتجاه إدلب، وهو تطور إيجابي ونسعى لأن يرتفع هذا الرقم وأن يعود الضيوف السوريون بشكل آمن”.
ولفت الرئيس التركي إلى أن “هناك مشاكل من فترة إلى أخرى في إدلب، ولكن يمكن مع الجانب الروسي عبر الاتصالات، حل هذه المشاكل، ونؤكد ضرورة التحرك المشترك في ذلك”، مضيفاً: “في الفترة اللاحقة، سيتم التواصل على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية والدفاع والاستخبارات، والعمل بشكل مشترك لحل المشاكل، وقد تم التوافق على ذلك”. كما أشار أردوغان إلى أنه ذكّر بوتين بوجود مكتب لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية (التي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابياً) في موسكو، مضيفاً: “يجب تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع روسيا بشأن إنهاء وجود تنظيمي بي كا كا (حزب العمال الكردستاني)، وي ب ك (وحدات حماية الشعب الكردية) الإرهابيين في سورية”.
من جهته، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، للصحافيين أمس الخميس، أن بوتين وأردوغان أكدا خلال لقائهما “ضرورة تطبيق اتفاقاتهما بخصوص إخلاء محافظة إدلب من العناصر الإرهابية المتبقية هناك، والتي من شأنها أن تشكل خطراً وقد تتخذ خطوات هجومية معادية ضد الجيش السوري”. ورفض بيسكوف الكشف عن المزيد من التفاصيل عن المحادثات بين الرئيسين بشأن الملف السوري.
ومن الواضح أن الطرفين لم ينجحا في تجسير هوّة الخلاف بينهما حيال مصير محافظة إدلب ومحيطها، بسبب تعقيدات ميدانية، في ظلّ وجود أكثر من 4 ملايين مدني هناك، يبدو أن المجتمع الدولي يحرص على تجنيبهم أي أعمال قتالية واسعة النطاق لتفادي موجات هجرة كبيرة شبيهة بموجة عام 2015. ويحكم هذه المنطقة الأكثر سخونة في سورية “اتفاق موسكو” المبرم بين أنقرة وموسكو في مارس/آذار من العام الماضي، والذي تعرّض إلى تحديات جمة، إلا أنه لا يزال صامداً بسبب حرص الروس والأتراك على تجنب أي حرب بالوكالة في إدلب ربما تنعكس سلباً على علاقة شراكة يريد الطرفان تعزيزها، خصوصاً في ملفات عسكرية واقتصادية. ويبدو أن الجانب التركي يربط الأوضاع في الشمال الغربي من سورية بتلك في الشمال الشرقي منها، حيث تريد أنقرة تجاوباً روسياً أكبر حيال التعامل مع ملف “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
وتشير المعطيات إلى أن النظام السوري كان ينتظر ضغطاً روسياً أكبر على الجانب التركي، لتسهيل سيطرة قوات هذا النظام على ريف إدلب الجنوبي وجزء من الريف الغربي، لاستعادة السيطرة على الطريق الدولي “أم 4” الحيوي بالنسبة للنظام. وكان الأخير قد عزز وجوده العسكري جنوب الطريق “أم 4” للتقدم على الأرض في منطقة جبل الزاوية ومحيطها، وهي القريبة من الطريق وتتحكم به، ولكن تشي نتائج قمة الرئيسين التركي والروسي بأن هذا الملف ربما يرحّل إلى جولة مقبلة من مسار أستانة من المقرر أن تعقد قبل نهاية العام الحالي.
في السياق، رأى المحلل العسكري، العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك تفاهمات تركية روسية حول “ضبط إيقاع الصراع في سورية، وتطويق الخلافات وعدم قيام إقليم انفصالي كردي في شمال شرقي سورية”، مشيراً إلى أنه في الوقت ذاته هناك “خلافات جوهرية بين الأتراك والروس، إذ ترفض أنقرة تعويم نظام بشار الأسد، والتعامل مع المجرم، وتتماهى مع الموقف الغربي بهذا الخصوص، وهذا ما يزعج بوتين الذي بدأ التنسيق مع الحلقة الضيقة، وهي دول عربية بدأت بالتطبيع مع الأسد سراً وعلناً”. وأضاف: “لا يمكن للروس جني ثمار تدخلهم في سورية طالما بقي بشار الأسد في السلطة، لأن المجتمع الدولي يرفض إعادة الإعمار قبل رحيل الأسد، والجانب الأميركي يؤكد أنه لا يمكن التعامل مع النظام السوري ولا يمكن الوثوق به”.
واعتبر الفرحات أن “بوتين غارق في الملف السوري، فأمامه العقبة الإيرانية التي تمنع تحقيق الاستقرار وتطبيق القرار الدولي 2254 (المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية)”. وأشار إلى أن “العلاقة التركية الروسية تأخذ أحياناً منحى تصاعدياً في سورية بسبب الاستياء الروسي من الأتراك في ملفات إقليمية متشابكة، وسورية تحولت إلى صندوق بريد للرسائل الروسية إلى الجانب التركي”.
من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لم ينتج شيء عن قمة الرئيسين أردوغان وبوتين”، مضيفاً: “لذلك من المتوقع أن تبقى علاقات القوى على الأرض في الشمال السوري على حالها من دون تغيير”. ولفت زيادة إلى أن “أردوغان لم يكن راضياً عن زيارته الأخيرة إلى أميركا، وانتقد إدارة الرئيس جو بايدن بتصريحات علنية، وهذا ربما يفرض عليه إبقاء التنسيق الكامل مع الجانب الروسي، لإبقاء الضغط على الجماعات الكردية في سورية”.
العربي الجديد
————————-
لا استثناءات أميركية من”قيصر”..ولا دعم لخط الغاز الأردني
يواصل وفد المعارضة السورية الاجتماعات بمسؤولي في الإدارة الأميركية في واشنطن، وذلك في الوقت الذي تبدي فيه الأخيرة تراخياً حيال تطبيق العقوبات المفروضة على النظام السوري (قيصر).
ويتحدث وفد المعارضة عن نقاط إيجابية عديدة لاجتماعاته مع المسؤولين الأميركيين، تمثلت في تأكيد الخارجية الأميركية أنها لا تعتزم تطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وكذلك لا تشجع الآخرين على القيام بذلك.
واستهل وفد الائتلاف اجتماعاته في واشنطن، بلقاء النائب الأول لمساعد وزير الخارجية الأميركية جوي هود ومسؤول التواصل عن الملف السوري إيثان غولدريتش، الذي تم تعيينه مؤخراً.
وقال عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، وأحد أعضاء وفد المعارضة المتواجد في واشنطن حالياً، ل”المدن”، إن المسؤولين في الخارجية الأميركية أكدوا خلال اللقاء، على النقاط الثابتة لسياسة بلادهم حيال الملف السوري، وهي “عدم وجود تطبيع مع النظام السوري من خلال استخدام العناوين الاقتصادية والإنسانية، وزيادة العقوبات الاقتصادية، وعدم السماح ببدء مرحلة إعادة الإعمار، دون العملية السياسية الهادفة إلى تحقيق الانتقال السياسي”.
وأضاف بركات أن الخارجية الأميركية أكدت على ضرورة الدفع بالحل السياسي، وجعله بوابة لحل كل القضايا الإنسانية، مبيناً أن “الوفد أكد للخارجية أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً، وذلك لقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف الإقليمية، اختزال الحل في قضايا اللاجئين والملفات الاقتصادية”.
وفي ما يخص مشروع الغاز العربي، والخطوات المتسارعة من جانب الأردن، في مجال التطبيع مع النظام السوري، وما إن كانت الإدارة الأميركية قد استثنت المملكة من عقوباتها، أكد بركات أن “الإدارة أكدت أنها لم تعطِ أي استثناء، وفي موضوع خط الغاز، لا زالت الإدارة تدرس الموقف منه، وهي لا تدعمه”.
وأضاف أن الوفد طالب الخارجية الأميركية بتقديم التوضيحات والتبريرات لأي استثناء من العقوبات قد تمنحه الإدارة الأميركية، “طالبناهم بذلك بشكل صريح، لكنهم أكدوا عدم وجود أي استثناء من العقوبات”.
وحول احتمال إصدار حزمة عقوبات جديدة ضمن قانون “قيصر” على النظام السوري، قال بركات: “الخارجية الأميركية، أكدت أنها بصدد دراسة جدوى ذلك”.
وفي السياق ذاته، أكد رئيس “هيئة التفاوض” أنس العبدة أن وفد المعارضة وضع الجانب الأميركي بالمخطط الهادف إلى تعويم نظام الأسد في الساحة الدولية. وحذّر في منشور على “فايسبوك” من الآثار الكارثية لتعويم النظام على العملية السياسية والسلم الدولي، قائلاً إن “نظام الأسد هو الراعي الأول للإرهاب”.
وأضاف أن الوفد بحث كذلك مع النائب الأميركي تيم بورتشيت، تطورات الساحة السورية، مؤكداً أن بورتشيت سيلقي خطاباً خاصاً بالوضع السوري في مجلس النواب الأميركي، لدعم الجهود الرامية للوصول لحل سياسي شامل وعادل.
المدن
———————-
نظام الأسد يتلمس “تغيراً” في مواقف الدول اتجاهه: استهدافنا تراجع
قال وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد إن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام أظهرت “تغيراً” في الأجواء السياسية الدولية تجاه الملف السوري.
وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة “سانا”، اليوم الجمعة: “هناك تراجع في الاستهداف العدائي لسورية”، في إشارة منه إلى تغير الخطاب الدولي تجاهه.
وحول اللقاءات التي أجراها وفد النظام في نيويورك اعتبر المقداد أن “الأهم خلال أعمال الجمعية العامة هو تغير الأجواء الدولية بشكل عام”، معتبراً أنها “باتت أكثر إيجابية”.
وكان وفد نظام الأسد برئاسة فيصل المقداد قد عقد عدة لقاءات على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك خلال الأسبوع الماضي.
ولأول مرة منذ عشر سنوات التقى المقداد نظيره المصري، سامح شكري.
وذكرت “سانا”، حينها أنهما “استعرضا تطورات الأزمة السورية، وأهمية تضافر كل الجهود لحلها، واحترام سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها”.
كما التقى وزير خارجية الأسد وزيري الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والروسي سيرغي لافروف في نيويورك.
وأعلنت الخارجية الأردنية عن اللقاء في بيان، وقالت فيه إن الطرفين بحثا الخطوات “التي يقوم بها البلدان لزيادة التعاون في المجالات المختلفة، إضافة إلى ضمان أمن الحدود المشتركة وبما ينعكس خيراً على البلدين والشعبين الشقيقين”.
ويرى مراقبون أن سورية بكامل خريطتها قد تقبل على أبواب مرحلة جديدة.
وفي الوقت الذي تغيب فيه وجهة المكاسب لأي طرف تشير تقديرات إلى أن نظام الأسد سيكون رابحاً بشكل أو بآخر، لاسيما في ظل غياب السياسة الأمريكية الواضحة للبلاد، منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض.
وعلى مدار الأعوام العشرة الماضية لم تفلح الجهود الدولية في الضغط على نظام الأسد لتقديم أي تنازلات على الصعيد السياسي أو العسكري.
وعلى العكس استمر النظام باستخدام القوة ضد ملايين المدنيين المناهضين له شمالاً وجنوباً، واتجه مؤخراً لكسب الوقت السياسي، من خلال عرقلته لمسار جنيف من جهة، وللمسارات الأخرى التي تم المضي فيها، كاللجنة الدستورية السورية.
———————–
الاحتفاء بأميركا: الخصوم ينافسون الحلفاء
لم يكن الاجتماع الرباعي المصري الأردني السوري اللبناني ليعقد لولا الموافقة الأميركية. أصبحت هذه المعادلة ثابتة في الدول الأربع، ولكن لا بدّ من النظر إلى ما وراءها.
جاءت هذه الخطوة في سياق أميركي عام يرتبط بالانسحاب أكثر فأكثر من المنطقة، والعودة إلى الداخل من جهة، والتركيز على مواجهة الصين من جهة أخرى. لم تؤدِّ هذه الخطوة الأميركية إلى انزعاج حلفاء واشنطن من العرب، ولم يقتصر الشعور بالخذلان على الشعوب التي توهّمت ذات يوم أن واشنطن تهتم لقضاياها، أو الشعوب التي حاولت الاستفادة من موجة أميركية لتحقيق أهداف سياسية.
أميركا هي الإمبراطورية الوحيدة في التاريخ القادرة على الاستمرار من دون حلفاء، أو اتخاذ قرار بتغيير جذري في تحالفاتها، وهي الإمبراطورية الوحيدة التي تتمكن من الإعلان عن حرب ما والانسحاب منها فيما بعد، من دون أن يسقط فيها النظام أو الحكومة.
تربك سياسية “أميركا أولاً” دولاً وعواصم وقارّات. جميعها كانت تستند على الوجود الأميركي الذي يشكل ضامناً للاستقرار، خصوصاً أن إمبراطورية بهذا الحكم أخذت على عاتقها تحمّل تكاليف أمن النظام العالمي الذي أرسته في الانتصار على الاتحاد السوفييتي وإسقاط صراع الثنائية القطبية، وأعادت تعزيزه في مرحلة ما بعد 11 من أيلول والحرب على الإرهاب، وصولاً إلى اليوم، المرحلة التي يسميها البعض الانسحاب الأميركي، وهي ليست كذلك.
يشبه النظام الذي أرسته واشنطن كمبنى مؤلف من طبقات متعددة، لكنها وضعت هندساته بدقة. المبنى مقسوم إلى أقسام وطبقات متعددة، وفي كل طبقة جهة أو محور أو تجمع دول ذات اتجاهات مختلفة، تنقسم على المذاهب السياسية أو الفكرية أو الإيديولوجية، وتنقسم بين شرق وغرب. وغالباً ما تجد هذه القوى المختلفة نفسها في حالة صراع تهدد المبنى ككل، ما يجعله بحاجة إلى تأهيل.
تعرف أميركا أن التأهيل ضرورّي والتغيّير حالة استمرارية. خصوصاً في كل ما له علاقة بالمجتمعات والشعوب والدول والنُظم، وفي مثل هذه الحالات تفضل الانكفاء كي لا تتضرر أو تتأثر، فالمبنى يحتاج إلى إعادة ترميم أو تأهيل أو تعزيز أساساته ومرتكزاته، وهي أول من يبادر إلى الانكفاء بانتظار إنجاز الأعمال والإشراف عليها.
من يعود إلى الحرب العالمية الأولى يكتشف ذلك تماماً، في حينذاك لم تشأ واشنطن التدخل وفضلت الاستمرار في حالة انزوائها إلى لحظة معينة اختارت الدخول بعدما أنهكت القوى وحسمت الوجهة. والأمر نفسه تكرر في الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تأسيساً لتقدم أميركا على كل القوى الغربية في مواجهة الاتحاد السوفييتي.
حالياً يعاد تأهيل النظام العالمي الذي بدأ تأسيسه قبل 100 سنة. تهتم أميركا بأميركا، من دون إهمال أي من الملفات الأخرى، وخصوصاً ملف الصين والمحيط الهادئ، لذلك لا بد من الخروج من الشرق الأوسط، ما سيوقع الضرر لدى الحلفاء التاريخيين والاستراتيجيين. ويتزامن هذا التغير الكبير مع تنامي العنصرية واليمينية في العالم، فالاتحاد الأوروبي نفسه ينقسم على نفسه، وكان آخر مشاهد الانقسام مقومات سياسية هذه المرة وليست كورونية، خصوصاً الأزمة بين فرنسا وبريطانيا، وفرنسا وسويسرا.
واللافت أيضاً أن أميركا التي يطمح من يعلن لها العداء الدخول في علاقة معها وكسب تحالفها. تتحول إلى مطلب لخصومها، ومن كان يقاتلها للمغادرة أصبح يريد منها البقاء، من فيتنام إلى أفغانستان، وما بينهما من دول وأنظمة. والغريب أيضاً أن أول من يحتفي بالحصول على غمزة أميركية أو تحقيق هدف سياسي بموافقة الأميركيين هو أكثر من يعلن العداء لواشنطن والخصومة المطلقة لسياساتها، كإيران والنظام السوري الذين يحتفون بمنحهم استثناءات من قانون قيصر مثلاً.
خطوة الانكفاء الأميركي والاهتمام بالصين وبممرات النفط والغاز، لها انعكاسات على حلفاء واشنطن الأوروبيين والعرب (خصوصاً الخليجيين) وغيرهم. بينما يستفيد منها النظام السوري بشكل تفصيلي، وتستفيد منها طهران التي تعتبر نفسها أنها حاجة لأميركا ولا بد من الوصول إلى توقيع الاتفاق النووي لتعود طهران وتحظى بشرعية دولية واعتراف أميركي يخفف العقوبات تمهيداً لإزالتها. فيما تريد واشنطن لكل هؤلاء أن يتحولوا إلى جنود في معركتها ضد الصين.
وفي هذا السياق يتم التحضير للقاء قمة تجمع أميركا واليابان وأستراليا والهند. ولهذه الغاية وقعت المشكلة الأميركية الفرنسية على خلفية ملف الغواصات.
تحت سقف الصراع الاستراتيجي الأميركي، تسعى قوى متعددة في الشرق الأوسط إلى تعزيز حضورها وأدوارها، كتقدم مصر والأردن على الحلبة، انطلاقاً من وجهة نظر أن الخروج الأميركي ستحلّ مكانه جهات إقليمية، وهو لا بد أن يترافق مع مسارات سياسية جديدة، بدأت ملامحها في المنطقة من اتفاقية الغاز المصري والكهرباء الأردنية، ولا تنتهي بالتفاوض على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ولا التفاوض على مصير مزارع شبعا برعاية روسية أميركية، وهي مفاوضات قد بدأت منذ فترة، يعرف النظام السوري كثيرا من تفاصيلها، ويفتح دفاتره كلها للبحث عن الثمن الذي سيدفعه لقاء الاستمرار بالحصول على استثناءات أميركية
—————————-
=======================
تحديث 02 تشرين الأول 2021
———————-
«وثيقة سرية» تقترح خطوات لـ«تغيير متدرج لسلوك النظام» السوري
تنتظر إجماعاً عربياً وتعترف بـ«المصالح الشرعية» لروسيا… و«الشرق الأوسط» تنشر مضمونها
إبراهيم حميدي
اقترحت «وثيقة سرية» أردنية مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق، تقطع مع السنوات العشر الماضية وسياسة «تغيير النظام» السوري، وتضع خطوات ترمي إلى «تغيير متدرج لسلوك النظام»، وصولاً إلى «انسحاب جميع القوات الأجنبية» التي دخلت إلى سوريا بعد العام 2011، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية» لروسيا في هذا البلد.
وقال مسؤول غربي رفيع المستوى اطلع على الوثيقة إنها نوقشت في الفترة الماضية بين قادة عرب، بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز) والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب)، وعلى هامش اجتماع قمة بغداد نهاية أغسطس، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الخطوات التطبيعية التي جرت في الفترة الأخيرة «تلامس هذه المقاربة الجديدة أو مستوحاة من روحها».
وأشار إلى أن التحركات الأردنية الأخيرة، تستند إلى أفكارها، إذ أن عمان حصلت على دعم واشنطن مد خط الغاز العربي عبر الأراضي السورية من مصر والأردن إلى لبنان، ووعدت بتقديم ضمانات خطية بعدم شموله بـعقوبات «قانون قيصر» المفروض على دمشق، وتقديم البنك الدولي الدعم المالي لإصلاح الخط جنوب سوريا. في المقابل، تزعمت روسيا جهوداً لفرض تسويات في درعا وريفها لا تتضمن تهجير مدنيين إلى الأردن، وقد تؤدي إلى وقف توسع نفوذ إيران، بالتزامن مع فتح عمان الحدود مع دمشق وتبادل زيارات رفيعة المستوى، عسكرية وأمنية واقتصادية.
وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، ارتفع مستوى الاتصالات مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وشمل لقاءات مع نظرائه المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي والتونسي عثمان الجرندي، مقابل تدني أو انعدام لقاءات وفد «هيئة التفاوض السورية» المعارضة في نيويورك.
ولا يزال الإجماع العربي غير متوفر لعودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد تجميد عضويتها في نهاية 2012. وتربط دول عربية ذلك بتوفر الإجماع واتخاذ سوريا خطوات لتطبيق حل سياسي وفق القرار 2254، يحافظ على وحدتها وخروج الميلشيات الأجنبية منها.
– فشل متعدد
حسب المسؤول الغربي، انطلقت «الوثيقة» من تقييم بأن مقاربة الأزمة السورية في السنوات العشر الأخيرة انتهت إلى «الفشل» في جميع الجوانب التي تخص السوريين، والجيوسياسية والإرهاب، إذ أن هناك 6.7 مليون سوري لاجئ و6.6 مليون نازح و13 مليوناً بحاجة لمساعدات إنسانية، كما أن 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، و2.5 مليون طفل خارج المدرسة.
وبالنسبة إلى «داعش»، فإنه هزم جغرافياً في مارس (آذار) العام 2019، لكن التنظيم «ينبعث من جديد» في مناطق مختلفة من سوريا، بما فيها البادية وجنوب شرقي البلاد المحاذية لحدود الأردن.
وأشار المسؤول إلى أن «الوثيقة» تناولت أيضاً الوجود الإيراني، وانتهت إلى الاستنتاج بأن طهران «تتمتع بنفوذ عسكري واقتصادي متزايد على النظام ومناطق مختلفة من البلاد، وخصوصاً جنوب غربي سوريا»، حيث تزدهر تجارة المخدرات التي تشكل «مصدر تمويل رئيسياً لميليشيات إيران، ما يشكل تهديداً للمنطقة وما وراءها».
– مقاربة جديدة
عليه، تقترح «الوثيقة» مقاربة جديدة مؤثرة بما يؤدي إلى إعادة التركيز على الحل السياسي في سوريا وفق القرار الدولي 2254، ومعالجة الأزمة الإنسانية ومنعكساتها الأمنية في سوريا وجوارها، بطريقة تقوم على سلسلة من الخطوات التراكمية، تركز على «محاربة الإرهاب واحتواء النفوذ المتصاعد لإيران»، على أن يكون هدف هذه المقاربة «تغيير تدرجي لسلوك النظام»، مقابل حوافز تنعكس إيجاباً على الشعب السوري وعودة اللاجئين والنازحين، حسب قول المسؤول الغربي.
وتقترب أفكار هذه «الوثيقة» من اقتراح المبعوث الأممي غير بيدرسن لاتباع مقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يبدأ بتفاهم أميركي – روسي، وتعريف هذه الخطوات وتحديدها، والحصول على دعم إقليمي وعربي وأوروبي لها، ثم تشكيل آلية واضحة لـ«انخراط النظام» قبل البدء بتنفيذها. وقال المسؤول الغربي: «كسب التأييد الروسي لهذه المقاربة أمر جوهري، إضافة إلى الاعتراف بالمصالح الشرعية لروسيا، ثم التعاون معها لتحديد نقاط مشتركة على أمل المضي قدماً نحو الحل السياسي وتنفيذ القرار الدولي 2254».
وكان هناك رهان على أن يفضي الحوار بين مبعوثي الرئيسين بايدن وبوتين في جنيف الذي تضمن إلى الآن جولتين في بداية يوليو (تموز) ومنتصف سبتمبر (أيلول) إلى توفير مظلة لـمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، بعد تفاهم الطرفين على صوغ مسودة مشتركة لقرار دولي يمدد المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط».
– خريطة تنفيذية
ومن العقبات التي تعترض هذه المقاربة الانقسام إزاء «الانخراط مع النظام»، وعدم وجود إجماع عربي على عودة دمشق إلى الجامعة العربية وعدم حصول تقدم بالحل السياسي وفق القرار 2254، إضافة إلى تمسك أميركا ودول أوروبية بثلاث أدوات ضغط، هي: العقوبات، العزلة، وتمويل الإعمار. وهناك أيضاً عقبة قانونية أميركية تتمثل بـ«قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
لذلك، فإن أحد المقترحات كان أن يقوم الأردن حالياً بـ«انخراط اختباري» مع دمشق قبل توسيع هذه الاتصالات. وعكف خبراء وكبار الموظفين القيمين على هذه «الوثيقة» على صوغ خريطة تنفيذية لـمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، تتضمن الملفات المطروحة والموقف المطلوب من دمشق بشأن «تغيير سلوك النظام» إزاء عملية السلام والقرار 2254 واللجنة الدستورية ودور إيران وعودة اللاجئين والنازحين، و«العرض» المقدم من الأطراف الأخرى فيما يتعلق بالتطبيع والانخراط السياسي والدبلوماسي، واستثناءات من العقوبات وتمويل بنية تحتية، والتعاون المشترك ضد الإرهاب.
وبين الاقتراحات أن يكون الطلب الأولي «انسحاب كل العناصر غير السورية من خطوط التماس»، ثم «انسحاب جميع القوات الأجنبية التي دخلت بعد العام 2011»، مقابل انسحاب القوات الأميركية وتفكيك قاعدة التنف على الحدود السورية – الأردنية – العراقية، وفتح قنوات للتنسيق بين الجيش السوري والقوات الأمنية من جهة، ونظيراتها في الدول المجاورة لضمان أمن الحدود.
ولم تتضمن هذه الخريطة جدولاً زمنياً واضحاً للتنفيذ، ولا تحديداً للموقف من وجود روسيا العسكري في سوريا الذي بدأ في نهاية 2015، وإن كانت تحدثت عن «المصالح الشرعية» لها في سوريا. كما أنها لم تعالج قول دمشق إن وجود إيران وميليشيات جاء بناء على طلب الحكومة السورية، حسب قول المسؤول الغربي.
الشرق الأوسط
——————————
تعويم النظام السوري من بوابة لبنان/ مهند الحاج علي
لم تكن ارتكابات حرب سوريا عادية على الإطلاق. مروحة متكاملة من الجرائم تشمل التدمير الممنهج للمدن والمناطق المعارضة والقصف الكيماوي لأهداف مدنية، والحصار والتجويع والاغتصاب والتهجير الجماعي، إلى الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل في سجون النظام السوري.
عملياً، مثّلت الحرب السورية صدمة وصلت أصداؤها لكل أبناء المنطقة، وتحديداً في المشرق ومنهم لبنان والأردن حيث يُقيم أكثر من مليوني لاجئ سوري أغلبهم من المعارضين للنظام. المصالحة مع مثل هذا السجل من الجرائم بدعوى ضرورة التعامل مع الأمر الواقع، تفتح الباب أمام تكرار المأساة في حال الحاجة لذلك. ذلك أننا في المنطقة أمام نموذجين من الأنظمة. تلك التي أظهرت ضعفاً واستعداداً للتفاوض مع الشارع والقبول ببعض التنازلات، كما حدث في مصر وتونس. وهذه انتهت عملياً باستمرار التظاهرات وسقوط رأس النظام. وهناك أيضاً نموذج النظام السوري الذي رفض التنازل قيد أنملة، ولجأ الى العنف المفرط والمواجهة العسكرية بين جيش مدعوم روسياً وايرانياً، من جهة، ومجموعات تسليحها ضعيف غالباً ولا تملك أدنى مقومات الصمود.
جمع النظام بين استخدام القوة النارية ضد تجمعات مدنية، وبين التعذيب والتهجير على مستوى جماعي، ولم يُظهر اكتراثاً أمام إقفال السفارات والعقوبات وغيرها من تحركات المجتمع الدولي. كانت الفكرة الأساسية لدى النظام، أن الوقت عامل رابح، وأن على المحيط قبول الأمر الواقع المتمثل بالعائلة الأسدية المالكة. وهو بالتالي قادر على فرض شروطه من دون أدنى تنازلات. لم يقبل حتى بأي إصلاحات سياسية وأي تسوية داخلية تُعيد اللاجئين وتحل قضايا أساسية تمهيداً لإعادة الإعمار.
اليوم، يلعب الأردن دوراً رئيسياً في إعادة تعويم النظام السوري، اقليمياً، أولاً من خلال بوابة مشروع إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية الى لبنان من خلال الأراضي السورية. وهذه عملية تتطلب موافقة أميركية (حصلت) وكذلك تعاوناً من الجانب السوري الذي اشترط لقاءات على المستوى الوزاري بين الأطراف المختلفة.
عملياً، هناك توكيل أميركي لعمان بإطلاق هذا المسار، لكن من غير الواضح إن كانت واشنطن معنية باتساع إطار التطبيع العربي مع النظام، أم أنها أرادت فحسب عملية قيصرية لتقديم حلول في مجال الطاقة للبنان، مع فوائد اقتصادية ومالية للأردن.
لكن من الواضح أن المسار اتسع بغض النظر عن القصد الأول له، إذ عُقدت لقاءات أبعد من مستوى الطاقة. بعد شهور على زيارة وزيري النفط والكهرباء السوريين إلى الأردن، التقى فيها وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش السوري العماد علي أيوب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي في عمان لـ”تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود.. والأوضاع في الجنوب السوري ومكافحة الإرهاب.. ومواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات”، وفقاً لوكالة الأنباء الأردنية.
وشهدت الأسابيع الماضية لقاءات على المستوى الوزاري من نيويورك الى عمان ودمشق، تُوحي بأن عصر العزلة للنظام السوري شارف على النهاية، انطلاقاً من بوابة الأزمة اللبنانية. لكن ذلك مرتبط بشكل كامل بالرغبة الأميركية في ذلك، إذ أن سيف العقوبات ما زال مسلطاً، وقد يكون السماح بمشروع الطاقة والغاز، محدود الصلاحية، وهو ما زال غير رسمي، بما يشي بإبقاء الاحتمال مفتوحاً أمام تبدل في السياسة الأميركية أو عقوبات مُحددة ضد المخالفين في حال اتساع رقعة التطبيع والتعاون مع النظام.
المدن
——————————–
قمم أردوغان مع بوتين وبايدن/ محمود علوش
عادة ما تشكل القمم التي يعقدها الرئيس التركي، أردوغان، مع نظيريه الروسي والأميركي، فرصا لتسليط الضوء مجددا على المُعضلة التي تواجه أنقرة في إحداث توازن في علاقاتها بين قوتين عالميتين متنافستين، لا تستطيع تجاهل أي منهما، ففي حين أن الشراكة التاريخية التي تجمع تركيا بالولايات المتحدة، وتعود إلى عقود طويلة، لم تحل دون بروز خلافات كبيرة بينهما في قضايا عديدة، وهي تستعصي على الحل مع مرور الزمن، يُشير تعاونها مع موسكو خلال السنوات الأخيرة إلى حالة يصعب تفسيرها. أنقرة وواشنطن اللتان ترتبطان بتحالف نشأ بعد انضمام الأولى إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة الاتحاد السوفياتي باتتا على طرفي نقيض في معظم القضايا، في وقت تبدو فيه تركيا قادرة على الدخول في تفاهماتٍ واسعة مع وريثة الاتحاد السوفياتي في معظم تلك القضايا.
اجتماع أردوغان وبوتين في سوتشي أخيرا، استغرق ساعتين و45 دقيقة، بينما القمة الأولى التي جمعت أردوغان وبايدن في بروكسل، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، لم تستغرق أكثر من 45 دقيقة. قد يُفسّر هذا الفرق في المدّة أن قمة سوتشي كانت خاصة لبحث ملفات عديدة، من سورية إلى ليبيا، مروراً بالتعاون الدفاعي بين البلدين ومسألة الغاز، فيما قمة بروكسل كانت تعارفية بالدرجة الأولى، على اعتبار أنها الأولى التي تجمع الرئيسين بعد وصول بايدن إلى السلطة. ولكن هناك نتيجة مثيرة، أن أردوغان يستطيع التحدّث مع بوتين وقتا أطول بكثير من الوقت الذي يتحدّث فيه مع بايدن. ليست هذه مقارنة شكلية فحسب، بل تعكس، على نحو كبير، الأزمة التي تواجه العلاقات التركية الأميركية منذ سنوات، والمرونة التي تتميز بها العلاقات التركية الروسية، على الرغم من أن خلافات أنقرة مع موسكو لا تبدو أقل حجماً وعمقاً من خلافاتها مع واشنطن.
في قمة سوتشي، أقر بوتين بصعوبة المفاوضات مع تركيا أحيانا، لكنّه قال إن البلدين تعلّما كيفية التوصّل إلى حلول مُرضية لكليهما. هذه الحقيقة مهمة لدراسة الحالتين، التركية الروسية والتركية الأميركية، ففي حين أن التنافس بين أنقرة وموسكو في معظم المسائل الخارجية، كسورية وليبيا والقوقاز، لم يُشكل مانعاً أمام التعايش بينهما، وتقاسم النفوذ بشكل مُربح للطرفين، تبدو أنقرة وواشنطن عاجزتين عن تجاوز مُعضلة سنوات طويلة من التفاوض في بعض القضايا الخلافية، من دون نتيجة. ولا يرجع السبب إلى استحالة الوصول إلى توافق، بقدر التصوّرات العدائية المُسبقة التي تتحكم حالياً بالعلاقات التركية الأميركية. بايدن وأردوغان لا يثقان ببعضهما. ما زال حديث بايدن، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، عن ضرورة توحد المعارضة التركية لإطاحة أردوغان يُردّد صداه في القصر الرئاسي بأنقرة. وقبل ذلك، لا يزال دور إدارة أوباما المزعوم في دعم محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان يعزّز تصوراً لدى الأتراك بأن الأميركيين سعوا، وربما مستمرّون، إلى إطاحة بأردوغان وإضعاف حكمه.
لم يلعب بوتين دوراً مشابهاً لدور الأميركيين ضد أردوغان، رغم المنحى الخطير الذي سلكته العلاقات في أعقاب حادثة إسقاط المقاتلة الروسية عام 2015. لا بل إنه بعد نحو عام من ذلك قرّر التصالح مع أردوغان، وأبدى الدعم العلني له بعد محاولة الانقلاب. لا يُخفي بوتين إعجابه بشخصية الرئيس التركي، ليس لأنه منافس صعب لروسيا في القوقاز والبحر الأسود وسورية، ويطمح إلى الارتقاء بدور تركيا الخارجي، بل لأنه يتحدّى باستمرار الضغوط الأميركية، عندما يتعلق الأمر بشراكة تركيا وروسيا وتعاونهما الدفاعي. لم تشهد العلاقات التركية الغربية تدهوراً بالقدر الذي تشهده في عهد أردوغان. في المقابل، لم تشهد العلاقات التركية الروسية تقدّماً بالقدر الذي تشهده في عهد أردوغان. ساعد هذا في تعزيز الثقة على المستوى الشخصي بين الزعيمين، التركي والروسي، إلى درجة أنّ قدرتهما في طرح الحلول للمشكلات الناجمة عن التنافس التركي الروسي تكون حاضرة في كل اجتماع.
نشرت صحيفة فورين بوليسي الأميركية، أخيرا، أن إدارة بايدن تعمل على تقليص الدور الأميركي في الشرق الأوسط وأفريقيا، بحيث لم يعد في وسع الحلفاء الاعتماد عليها إلاّ بالقدر الذي تُمليه مصالحها قصيرة المدى. وقد أدركت تركيا هذا التحول، منذ إدارة الرئيس الأسبق أوباما، عندما ترددت الولايات المتحدة في توجيه ضربة للنظام السوري بعد الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في 2013، وعندما تخلّت أيضاً عن هدف إطاحة نظام الأسد وتركيز دورها على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق. وما زاد في قناعة أنقرة بضرورة تحقيق قدر من الاستقلال عن السياسة الأميركية في المنطقة أن الدعم الأميركي للوحدات الكردية في سورية يُشكل تهديداً مباشراً لها. لذلك فضّلت الانفتاح على موسكو، بعد أزمة إسقاط المقاتلة، وساعدها هذا على التدخل عسكرياً في سورية لمواجهة المشروع الانفصالي المدعوم أميركياً. تراجع الدور الأميركي في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقابل صعود الدور الروسي ساهم كذلك في بلورة هذا التوجه التركي.
بات الروس يتعاملون مع تركيا أنّها قوة صاعدة بقوة، وقادرة على صياغة سياسة خارجية جريئة ومستقلة عن الغربيين، وتحمّل عواقبها، بينما الغربيون، بمن فيهم الأميركيون، ينظرون إلى ذلك أنّه تهديد جدّي لقدرتهم على إعادة احتواء أنقرة ضمن منظومتهم، ويتخبّطون في التعاطي معها، بين وسائل العقوبات تارة وتقديم إغراءات لها تارة أخرى. لكنّ العالم اليوم يتغير بسرعة ومتعدد الأقطاب. التحالف عبر “الأطلسي” الذي تركيا جزء منه يضعف مع تحوّل الأولويات الأميركية نحو حصر الإمكانات واختيار حلفاء موثوقين، كبريطانيا وأستراليا على حساب الأوروبيين، من أجل مواجهة التهديد الذي تُشكله الصين على مكانة أميركا العالمية. رغبة أنقرة في قطف هذه اللحظة العالمية لإيجاد مكان خاص بها في العالم الجديد يدفعها إلى عزل نفسها عن الانخراط في المحاور الدولية الناشئة، وتعزيز استراتيجية التوازن بين الشرق والغرب، على الرغم من صعوبتها.
العربي الجديد
————————
أمريكا إعادة تموضع أم انسحاب عالمي؟/ عمار ديوب
هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وشاركها في ذلك الاتحاد السوفيتي، إنّ سقوط الأخير وتفككه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي أتاح لأمريكا الهيمنة الأحادية. شكّلت الأزمة الاقتصادية في 2008 في أمريكا وأوروبا بداية السماح بالكلام عن تعددية قطبية، وبرزت الصين وألمانيا والهند واليابان وروسيا من جديد، ليتبيّن أنّ هناك قوى عظمى جديدة بدأت تفرض هيمنة عالمية. القوّة الأكثر تنافسية هي الصين، وللصين تاريخ طويل من العلاقة والمشكلات مع أمريكا، وتعود إلى سبعينات القرن العشرين.
خلال أقل من أربعة عقود أصبحت الصين الدولة الأكثر تنافسية مع النظام الرأسمالي وتحديداً أمريكا، الأخيرة، وبدءاً من تاريخ أزمتها راحت مراكز أبحاثها ومؤسساتها تجد أن الصين هي الدولة الأكثر تنافسية على الهيمنة العالمية، مع بداية عهد الرئيس أوباما رأينا أن الاستراتيجية الأمريكية حددت هدفها العالمي، وتخلّت عن أن الإرهاب هو الخطر العالمي، وبالتالي لا بد من تغيير التموضع الأمريكي العالمي لصالح مواجهة الصين ومنعها من التمدد الكوني وإجبارها على تغييرٍ كبيرٍ في سياساتها الاقتصادية، حيث لم تعد محاصرتها تنفع باسم الدفاع عن حقوق الإنسان في الصين أو طبيعة نظامها التسلّطي وسواه.
تزامنت سيطرة أمريكا على العالم مع انتشار كثيف للقواعد العسكرية، ولم تخلُ دولة متحالفة مع أمريكا من تلك القواعد. وتمركزت في منطقتنا بسبب ضمان إمدادت النفط وصيانة أمن إسرائيل، ومنع الاتحاد السوفيتي، الذي كان له حلفاء في مصر وسوريا والعراق والجزائر من أن يفكر بالوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط أو منافسة أمريكا. مع زوال الاتحاد السوفيتي، والكلفة الهائلة للحرب على أفغانستان والعراق وصيانة القواعد العسكرية المنتشرة والأزمة الاقتصادية، وهناك التطور التقني والسيبراني الكبير، بدأت أمريكا التفكير بتغيير شكل هيمنتها على العالم. إن هذا التغيير يتيح للإدارة الأمريكية استمرار تلك الهيمنة، وبأقل قدر من التكاليف، وبما يساعد تلك الإدارة على مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية من ناحية، والصين من ناحية أخرى. أمريكا بذلك لا تنسحب من العالم، ولا تنكفئ وكأنها دولة إقليمية أو هامشية، أو خسرت حرباً عالمية ما. كل ذلك لم يحدث؛ القضية تكمن في تغيير شكل الهيمنة على العالم، وتحميل الدول الأقوى مسؤوليات كبرى في صيانة الاستقرار العالمي، كما تراه سياساتها، وبالتالي هناك ضرورة من أجل تغيير أشكال تموضعها في العالم.
انسحبت من أفغانستان ولم تنهزم. قرار الانسحاب يعود إلى فترة أوباما، ولكنها كدولة بيروقراطية، تجد صعوبة في تغيير شكل السيطرة هناك، إضافة للتنافس السياسي بين الحزب الجمهوري والديموقراطي الذي ساهم بتأجيل الانسحاب. الأمر ذاته في العراق. في موضوع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، هناك تحليلات كثيرة، وبالطبع لن نأخذ بفكرة أنّ أمريكا فوّضت إيران للهيمنة على منطقتنا، إضافة إلى إسرائيل وتركيا. إن المدقق في علاقات أمريكا مع هذه الدول، نجدها متأزّمة بهذا الشكل أو ذاك، ونستثني إسرائيل، حيث هناك رعاية لها وزراعة إمبريالية قبل سايكس بيكو، وهي بمثابة استطالة لتلك الإمبرياليات. إن وجود إسرائيل بالذات يبطل الحديث الكثيف عن أن أمريكا لا بد منسحبة من منطقتنا. إن وجود بعض السياسات المتعارضة بين الإدارات الأمريكية وإسرائيل لا يعني أبداً أنّ الأولى تفكر بإسرائيل كما تفكر بأية دولة في منطقتنا.
الآن يتغيّر شكل السيطرة الأمريكية، وتفسح أمريكا لدول المنطقة الأساسية بالمزيد من الهيمنة الإقليمية، ولكنها بالوقت ذاته تضع حدوداً لها، وتطالب بتنفيذها من قبل تلك الدول، وفي حال التعارض والمعاندة فهناك الحصار الاقتصادي، والعمليات العسكرية الدقيقة والتدخلات الاستخباراتية وسواه. أثار تغيير شكل السيطرة مطامع كبرى لدى إيران وتركيا خاصة، والمراقب لتمدّد هاتين الدولتين في محيطهما العربي والآسيوي يلحظ ذلك بكل وضوح ودقة. أمريكا لا تثق كثيراً بهذه الدول ولهذا أتاحت المجال واسعاً للتدخل الروسي في سوريا، وبدءاً من سوريا أصبحت روسيا تتواجد في أغلبية دول المنطقة، وتمدّ نفوذها إلى المغرب العربي، وأفريقيا. تريد أمريكا زيادة الشقاق بين روسيا والصين، وسماح أمريكا لها بالتوغل في منطقتنا هو بمثابة صفقة قوية بين الدولتين. لا نجد خلافات حقيقية بين الدولتين المذكورتين بخصوص سوريا وليبيا والعراق وغيرها.
يخفف من غلواء القائلين بالانسحاب تشكيل حلف “أوكوس” مع بريطانيا وأستراليا، وكلفته ليست بالهينة، وهذا يعني أن أمريكا لا تنسحب وإنما تعيد تموضعها. تضغط أمريكا على الدول القوية عالمياً بضرورة تلمّس الخطر الجديد على العالم من وجهة نظرها، ونقصد الصين. أمريكا، وغير حلف أوكوس، تُجدّد من أحلاف قديمة، وتستوعب فيها كل من اليابان والهند، وتنزع إلى إخماد الخلافات مع فرنسا، وجذب أوربا إلى سياساتها الجديدة، وحصار الصين، وضبط قفزتها الصناعية والعسكرية.
أشار بايدن إلى أنّ الخطر الإرهابي لم يعد في أفغانستان، وإنما هو في سوريا أكبر. وهناك مواقف أمريكية كثيرة، تؤكد أنّ الانسحاب من العراق أو سوريا لن يكون على غرار “اللهوجة” التي تمّت في أفغانستان، وعدا ذلك فهناك ظروف متباينة، بين سوريا وأفغانستان، وبالتالي تستدعي انسحاباً مختلفاً، وهو أكثر الاحتمالات ترجيحاً. يعني صاحب النصّ هنا، عدم الانجرار خلف بروباغندا تتصاعد بين وقت وآخر، وتصوّر أمريكا وكأنّها دولة مهزومة، ومنكفئة على نفسها، ولم يعد لديها القدرة في الهيمنة على العالم. هذا كلام عارٍ عن الحقيقة، وأما الحقيقة فتتمثل في أنّ هناك دول عظمى بالفعل، ومنها الصين، وتستدعي الخلافات بين الصين وتلك الدول، أحلافاً جديدة.
في سوريا ومنذ 2011، وكذلك في العالم العربي وانطلاقة الثورات، كان لأمريكا دور تخميد وتشويهي لها، وعملت على إعادة إنتاج الأنظمة الاستبدادية، ومنع انتصار الثورات، وتخريبها عبر إيصال الإسلاميين للحكم.
كان ذلك الإيصال بداية العودة للنظام القديم، وهذا ما حصل في مصر وتونس، وفي سوريا مَنعت أمريكا إسقاط النظام عبر السماح بالتدخل الإيراني أولاً والروسي ثانياً، والتركي ثالثاً، وعبر تدخلها هي في ضبط سياسات الفصائل والمعارضة وتهميشها وتحطيمها. ما هدفت إليه أمريكا منذ 2011 تحقّق، وبالتالي تفسح المجال لدول لمنطقة بضبطها، وضمن ذلك أدخلت روسيا.
أمريكا لا تنسحب من العالم، بل تعيد تموضعها فيه، وتواجه الصين وتضبط أوربا وتجذب روسيا إليها، وأما العالم فسيغرق بأزمات كبرى، ويبدو أنّ منطقتنا سائرة نحو هكذا مصير. فقط وجود مشاريع نهضوية لدي دول المنطقة يبطل ذلك، ولكن هذا خارج عن التحقق، وبالتالي، ستغرق منطقتنا بأزماتٍ شديدة، ستلعب في إشعالها الدول الثلاثة القوية: إيران وتركيا وإسرائيل وهناك الروس.
—————————
إلهام أحمد بين PKK ومسد/ عمر قدور
قبل أربعة أيام، استضاف معهد واشنطن رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد في ندوة افتراضية، شارك فيها اثنان من زملاء المعهد هما أندرو تابلر وديفيد بولوك. ولأقوال إلهام أحمد في الندوة التي أقيمت الاثنين الفائت أهمية، إذ أثار الانسحاب من أفغانستان مخاوف كردية من انسحاب أمريكي مماثل من سوريا، وزيارتها إلى الولايات المتحدة كانت بقصد جس نبض إدارة بايدن، ومحاولة حشد تأييد للإدارة الذاتية من نواب ومسؤولين أمريكيين، أو هذا ما هو مفترض بحكم موقعها الرسمي الحالي.
حسب موقع معهد واشنطن، قدّمت إلهام أحمد إحاطة طمأنت من خلالها جمهورها أولاً بأن إدارة بايدن لا تنوي الانسحاب من سوريا في “المستقبل القريب”، من دون تقديم تفاصيل إضافية عن تعهدات أمريكية ضمن القنوات بين الطرفين. كذلك عبرت عن تقدير مجلس سوريا الديموقراطية “مسد” للدعم الأمريكي، وتمنت الحصول على المزيد من الدعم، بعبارات عمومية لا تقارن بتصريح مظلوم عبدي الذي نُشر في اليوم التالي لندوتها في صحيفة التايمز، قائلاً أن بايدن وعد بألا يتخلى عن قسد كما فعل مع الأفغان. وتولت الصحيفة الإشارة إلى أن البيت الأبيض أوفد الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، لتقديم التطمينات لمظلوم عبدي شخصياً.
في حوار التايمز معه، اعترف عبدي بالقلق والخوف الذي اعترى “السكان” من مواجهة مصير الأفغان، متمنياً أن يتعهد الأمريكيون بالبقاء حتى التوصل إلى تسوية نهائية للصراع في سوريا، مع أمل أن تتضمن إقراراً بالحكم الذاتي للمناطق الخاضعة لسيطرة قسد. عند هذه النقطة تتقاطع أقوال عبدي وإلهام أحمد، فهي في مداخلتها في معهد واشنطن نوّهت بدعوات مسد إلى حوار داخلي “سوري”، يصل في النهاية إلى اللامركزية السياسية والثقافية التي تحترم التنوع في البلاد. ثم تعود للتأكيد على رفض النظام التوصل إلى حلول، ورفضه اللامركزية، ومع ذلك فإن مسد منفتحة على التوصل إلى حل معه.
مقابل التكرار، والتأكيد على مطلب اللامركزية، تشير إلهام أحمد بشكل عابر إلى قدرة واشنطن على المساهمة في العديد من المشاكل التي تواجه مسد، في ظل سعي الأولى إلى أن تصبح سوريا أكثر استقراراً وخالية من الاستبداد. بعبارة أوضح، واشنطن هي التي تسعى إلى استقرار سوريا وخلوها من الاستبداد، أما إلهام أحمد التي يشغلها هاجس اللامركزية فلا تربط قضية اللامركزية بمسألة التحول الديموقراطي ككل، وهذا الربط لا يظهر أيضاً في تصريحات عبدي المشار إليها، ما يُفقد مطلب اللامركزية واحداً من ركائزه الضرورية، إلا إذا كان ممكناً القبول بلامركزية من فوق، يتقاسم أطرافها سلطات غير ديموقراطية كلّ طرف منها في أماكن سيطرته!
إلا أن الشق الذي يتعدى موقع إلهام أحمد الرسمي هو ما يلفت الانتباه أكثر من عبارات شبه روتينية يكررها مسؤولو مسد أو قسد، فهي تحدثت كزعيمة كردية تقترح حلولاً في كردستان العراق، وما يتوجب على الحكومة التركية فعله في سوريا وفيما خص المسألة الكردية في تركيا. أكراد إيران خارج الاهتمام! المتابع للشأن الكردي يسهل عليه التقاط أن السيدة إلهام تحدثت ككادر في حزب العمال الكردستاني، وعلى المنوال الذي يرى فيه الحزب نفسه ممثلاً للقضية الكردية في تركيا وسوريا، ويحاول انتزاع تمثيلها من البارزانية في العراق بعد نجاحه في تهميش قسم من الطالبانية واستيعاب قسم آخر منها، من دون أن ننسى وجود قياداته المؤثرة في جبال قنديل كأمر واقع مفروض على حكومة الإقليم.
تطالب إلهام أحمد بحل المشاكل بين مقاتلي الـPKK والبيشمركة في كردستان بالحوار، بينما لا تؤكد بالصيغة نفسها على أهمية الحوار الكردي-الكردي سورياً. اهمال هذا الجانب فيه امتناع عن توجيه رسالة تهدئة إلى الأحزاب الكردية الأخرى، خاصة وأن كلامها أتى بعد ثلاثة أيام من قيام مسلحي تنظيم “جوانين شورشكر” بالاعتداء على المشاركين في اعتصام دعت إليه أحزاب المجلس الوطني الكردي في القامشلي، تنديداً بقرار رفع أسعار المحروقات والخبز وفرض الأتاوات على المواطنين، وللمطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير معتقلين آخرين بتهم الفساد وتقديمهم إلى محاكمات علنية وعادلة.
يُذكر أن تنظيم جوانين شورشكر، وهو أحد أذرع حزب العمال، قام “على سبيل المثال” بالاعتداء على مقر الحزب الديموقراطي الكردستاني في منتصف آب2020، وأشيع أن الاعتداء أتى بنية تخريب الحوار الكردي-الكردي، وأُشير حينئذ إلى مسؤولية القيادي في PKK جميل بايق كمحرض على إفشال الحوار بذلك الأسلوب. لم تُسأل إلهام أحمد في ندوة المعهد عن حادثة الاعتداء على المعتصمين، وكان من المتوقع أن تخترع مبررات وأعذار تغيّب من خلالها ممارسات جوانين شورشكر وتبعيته المباشرة لقادة قنديل، لأنها أنكرت في الحوار أي وجود لحزب العمال الكردستاني في الإدارة الذاتية، رغم علم الجميع بتبعية الفرع السوريPYD للحزب الأصل، وفوق ذلك وجود كوادر من الحزب الأم “تركية حصراً” هي التي تتولى من الخلف التحكم بمفاصل الإدارة الذاتية، بل تنص الأقاويل المتداولة على وجود كادر من حزب العمال “معروف بالاسم” وراء كل مسؤول محلي.
فيما يتعلق بالسيدة إلهام شخصياً، يشير الكاتب هوشنك أوسي على قناته في يوتيوب إلى أنه التقاها في جبال قنديل صيف2007، حين كان مؤيداً مدافعاً عن حزب العمال، وكانت هي “المنحدرة من منطقة عفرين”، باسمها الحركي روناهي، عضواً في الفرع الإيراني للحزب! هي، بعبارة أخرى، جزء من منظومة عابرة للحدود، تقوم بمهامها وفق ما تُكلَّف به ضمن حزب يُعرف بصلابته التنظيمية وعواقب الخروج عنها. من هذا المنطلق لم يكن غريباً دفاع إلهام الأحمد عن حزبها الأم في ندوة المعهد، وتقديمه للجمهور الأمريكي كرأس حرب في مكافحة الإرهاب في سنجار وكركوك و”أربيل!” وغيرها من المناطق.
بالعودة إلى صيف2020، كنا حينها قد تابعنا تصريحات لإلهام أحمد ولمظلوم عبدي تشي بحدوث افتراق عن منظومة جبال قنديل، لصالح التركيز على القضية الكردية في سوريا وفصلها عن نظيرتها التركية. برز حينها اسم مظلوم عبدي كممثل للانفكاك، وكزعيم يحظى باحترام شريحة واسعة من الأكراد خارج الحزب. لكن سرعان ما طويت تلك الصفحة وبقي التأثير الفعلي لقادة جبال قنديل، مع تهميش واضح لمظلوم عبدي وتكهنات عن الإبقاء عليه كواجهة لقيادة مضمونة الولاء لقنديل. حسب الكاتب هوشنك أوسي، وبسبب موقفها آنذاك اضطرت إلهام أحمد، بعد ممانعة، للذهاب إلى جبال قنديل حيث كانت مطلوبة للتحقيق من الحزب ومن جناحه النسائي، ومجرد الاستدعاء للتحقيق يزرع الرعب في نفس المطلوب، لكن الحماية الأمريكية أنقذت إلهام أحمد من استحقاق تكون نهايته وخيمة أو غير سارة إطلاقاً. نضيف إلى أقوال السيد أوسي ما تم تداوله حينها عن غياب السيدة إلهام في جبال قنديل لمدة تتراوح بين الشهر والشهر ونصف، خضعت خلالها لإعادة تأهيل وتدريب أيديولوجي، وهذه بمثابة عقوبة مخففة لمن يظهر “انحرافات” من بين أعضاء حزب العمال تماثل الاستتابة لدى بعض التنظيمات الدينية.
لم تكن الأنظار متجهة فقط إلى واشنطن لمعرفة مصير الوجود الأمريكي في سوريا بعد الانسحاب من أفغانستان، كانت أيضاً متجهة إلى مسد وقسد لمعرفة ما سيطرأ على توجهات المنظومة بناء على الانسحاب، وعلى فرضية حدوث المثل في سوريا في أي وقت. في الإجابة، لم تقدم إلهام أحمد أي جديد، وبنفيها الارتباط بحزب العمال مع حمل رايته والدفاع عنه أكدت على الإيغال في رهن مصير أكراد سوريا بما تقرره قيادات الحزب التركية، وضنّت عليهم وعلى غيرهم بتقديم مثال متقدم على ارتهان ائتلاف المعارضة.
المدن
———————–
هل بدأ الأردن حصار تركيا في سوريا وما دور واشنطن؟
إسطنبول – عبد القادر ضويحي
يشهد الملف السوري تحركا سياسيا واضحا، تبلورت صورته عقب اللقاءات التي أجراها الملك الأردني عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي والروسي، وما تلا تلك اللقاءات من حديث عن تقديم الأردن ورقة حل للأزمة في سوريا، تقوم على نقاط عدة أبرزها العمل على تغيير سلوك النظام في سوريا، لقاء تخفيف العقوبات عنه وإعادته إلى محيطه، والتي ترجمت سريعا بلقاءات بين مسؤولي النظام ونظرائهم العرب.
التحرك الأردني السياسي في الملف السوري تزامن مع آخر في الشمال السوري، والذي تمثل بقمة سوتشي حيال شمالي سوريا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي يعتبر صفري النتائج حيال التصعيد في الشمال السوري، وترافق تحرك الأردن وتركيا مع رفع واشنطن يدها عن تأييد الأتراك في الشمال بمواجهة الروس.
الموقف الأميركي يربك حسابات الأتراك في إدلب وروسيا تستغله للتصعيد
اللافت في التحرك الأردني أنه لم يتطرق للدور التركي في سوريا سياسيا ولا عسكريا، رغم أنه تطرق لدور واشنطن وإيران وروسيا، لكن غياب الأتراك عن هذا التحرك، وما تلاه من مواجهة تركيا منفردة وتطورات على حدودها الجنوبية، أثار تساؤلات حول طبيعة التسوية الأردنية المقترحة والتي لاقت ترحيبا أميركيا وروسيا، ووصفها البعض على أنها بداية محاصرة أنقرة في سوريا، سياسيا في المرحلة الأولى.
روسيا صديق لحصار الأتراك
تغير الموقف العربي من التدخل الروسي في سوريا بشكل كبير في الأعوام الثلاثة الماضية، لا سيما أن كثيرا من تلك الدول لم تتطرق إلى الجرائم التي ارتكبتها روسيا في سوريا، واكتفت باتهام نظام الأسد، لكن اليوم بعد التحرك الأردني يبدو أن التوافق العربي مع روسيا أضحى نقطة فاصلة، فالرؤية العربية الجديدة التي صاغتها عمان تتوافق كليا مع روسيا، لا سيما في مسألة الوجود الأجنبي في سوريا، ومسألة تعويم نظام بشار الأسد.
وحيال هذا اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، أن الانفتاح الأردني على نظام الأسد جزء من توجه عربي لإعادة التطبيع مع نظام الأسد، فبعد 10 سنوات من الصراع، يجد العرب أنفسهم مهمشين تماما، بينما قوى إقليمية استفادت من تهميشهم لتعزيز دورها كتركيا وإيران، لذلك يعتقدون أن الانفتاح على الأسد قد يساعدهم على العودة مجددا إلى سوريا وإضعاف التأثيرين التركي والإيراني.
ويضيف علوش، أن كثيرا من الدول العربية لا تتعاطى مع الدور الروسي في سوريا على أنه مشكلة لها بقدر الدورين التركي والإيراني، وتعتقد أن هذا الدور يمكن أن يساعد في تهميش الإيرانيين والأتراك، وهي ترى بأن موسكو بحاجة لدور عربي في سوريا يعيد الشرعية لنظام الأسد ويساهم في إعادة الإعمار، وأن إيران شريكة منافسة لروسيا على النفوذ ولديها تأثير كبير على النظام. لذا سيكون من غير الواقعي الاعتقاد بأن روسيا قادرة بالفعل على إضعاف الدور الإيراني بصورة كبيرة.
فيما اعتبر الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن الدول العربية لا تمتلك الأدوات لإخراج تركيا من سوريا أو محاصرتها، لكن تطابق الرؤى بين الدول العربية وروسيا بشأن الملف السوري، سيجعل من موقف أنقرة محصورا، أو على أقل تقدير يمكن القول إن نقاط القوة التي بيد تركيا ستقل، أمام التوافق العربي الروسي حول دورها في سوريا، وذلك لا يمكن أن يتحقق دون الضغوط التي تمارسها الدول العربية على واشنطن بشأن هذا الملف، والتي قد تكون بوابة لإطلاق يد روسيا في سوريا بشكل أكبر بمباركة أميركية، مشيراً إلى أن تصريحات المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا حول موقف واشنطن من درعا سيجعل روسيا تفتك بالشمال نتيجة غياب الموقف الأميركي.
تركيا وحيدة
تصريحات الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، وقوله إن لأنقرة الحق في التدخل في سوريا كما روسيا والولايات المتحدة، مثلت ردة فعل تركية على التحرك الجديد الذي يقصي تركيا من المشهد السوري، لا سيما أنها طرف ضامن في كثير من الاتفاقات، وتمتلك قوات عسكرية في شمال غربي سوريا، فبعد قمة سوتشي التي لم تتوصل إلى تفاهم جديد، تواجه تركيا التحرك الروسي في الشمال منفردة، بعد غياب الدور الأميركي في المنطقة، وهذا على خلاف ما جرى في معركة إدلب الأخيرة، التي شهدت اصطفافا أميركيا خلف تركيا التي تحركت عسكريا عبر عملية درع الربيع.
وهنا يرى علوش، أن تركيا هي جزء رئيسي من منصة أستانا ولديها وجود قوي على الأرض، لكن موقفها يضعف في ظل التحولات الدولية في مقاربة الحالة السورية، لذلك ستكون مضطرة للتكيف مع هذه التحولات لضمان مصالحها لاسيما أن كثيرا من الغربيين لم يعودوا معنيين بإسقاط نظام الأسد.
وأشار في حديثه إلى أن قمة سوتشي الأخيرة لم تكن لها نتائج واضحة بخصوص إدلب على الرغم من تأكيد الطرفين على استمرار التهدئة، مضيفاً: “هذا التوافق مهم لكنه لا يعني بالضرورة اتفاقا على بقاء الوضع الراهن من دون تغييرات، فالخلافات الروسية التركية حول سوريا ليست خفية، لكن الطرفين يريدان المضي في التعاون القائم بينهما بالنظر إلى تداخل المصالح في قضايا دولية عديدة، في نفس الوقت، تسعى موسكو وطهران إلى تحجيم التأثير التركي في المعادلة”.
تبقى الرؤية الأردنية الجديدة التي باركتها واشنطن رهن اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن، فالقمة المقبلة بين الطرفين وما سيخرج عنها بشأن سوريا سيقوي موقف أنقرة في الملف، وربما ينسف الرؤية الجديدة التي على ما يبدو لا تحظى بتأييد تركي، لكن مخرجات قمة الرئيسين وما سيقدمه بايدن لنظيره التركي في الملف السوري ستكون مفصلية أمام التحركات السياسية الجديدة بشأن سوريا.
——————————-
تصعيد في إدلب يشي بعدم تفاهم أردوغان وبوتين/عماد كركص
حضرت الرسائل باستخدام النيران في إدلب، شمال غربي سورية، بعد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي يوم الأربعاء الماضي، والتي ناقشا فيها حزمة من الملفات السورية، في مقدمتها الوضع في إدلب، إذ لا تزال التفاهمات التركية ـ الروسية حيال المحافظة محط تعثر لتنفيذ الاتفاقات، المبهمة أساساً، بسبب الغموض الذي يكتنف معظم بنودها ومحطاتها المتعددة.
وشهدت إدلب، صباح أمس الجمعة، تصعيداً من جانب النظام وروسيا، بعد أقل من يومين على القمة التي من المفترض أنها ركزت على تهدئة الوضع في هذه المنطقة. وأغار الطيران الحربي الروسي على محيط قرية الزيارة في سهل الغاب غربي حماة، فيما قصفت قوات النظام السوري بالمدفعية والصواريخ محيط قرية ومخيم بانتنا بريف إدلب الشمالي، ما تسبب في مقتل سيدة وإصابة عدد آخر من المدنيين. كما طاول القصف، بصواريخ أرض ـ أرض، مناطق عدة في منطقة جبل الأربعين قرب مدينة أريحا جنوبي إدلب، إضافة إلى أطراف بلدات مرعيان وكفريا ومعرة مصرين ومحيط مدينة جسر الشغور بريف إدلب، فضلاً عن مدينة جسر الشغور نفسها، التي يعتبرها الروس والنظام هدفاً استراتيجياً قادماً، بالإضافة لمدينة أريحا ومحيطها، لكونهما تقعان قرب الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية “أم 4” المار من إدلب، والذي يبغي النظام والروس الوصول إليه بهدف فتحه أمام الحركة التجارية.
وأول من أمس الخميس، أي عقب انتهاء القمة بأقل من 24 ساعة، عملت القوات التركية على رفع كتل إسمنتية بمواجهة قوات النظام قرب خطوط التماس في جبل الزاوية جنوبي إدلب، وفق معلومات “العربي الجديد”. وأكدت مصادر عسكرية من المعارضة السورية، لـ”العربي الجديد”، أن القوات التركية أرسلت مجموعة استطلاع تابعة لها، من قاعدتها العسكرية الواقعة في معسكر المسطومة، القريب من مدينة أريحا غربي محافظة إدلب، إلى أطراف بلدة بينين، الواقعة في الجهة الشرقية الجنوبية من منطقة جبل الزاوية، وذلك بهدف إنشاء نقطة عسكرية جديدة لها في المنطقة خلال الأيام المقبلة. وأشارت المصادر إلى أن القوات التركية عزّزت، خلال الأيام القليلة الماضية، نقاطها العسكرية المنتشرة على الخطوط الشرقية والجنوبية من منطقة جبل الزاوية بمدافع ثقيلة ودبابات ومدرعات وجنود، لافتة إلى أن “عدد الآليات الثقيلة التي أدخلتها القوات التركية إلى منطقة جبل الزاوية خلال الأيام السبعة الماضية تجاوز الثلاثين مدفعاً ودبابة من طرازات مختلفة”.
كل ذلك يشي بأن أنقرة باتت تستعد لسيناريوهات سيئة في إدلب، ما يعني أن قمة بوتين ـ أردوغان لم تفرز تفاهمات استراتيجية حول مصير المحافظة، مع ترك الترتيبات للمسؤولين التقنيين، سواء الدبلوماسيين والعسكريين، للاتفاق عليها كما حدث من قبل. علماً أن اجتماعات التقنيين الروس والأتراك حول إدلب في محطات مختلفة، لم تفرز إلا مزيداً من التصعيد، في إطار سياسة عض الأصابع التي كانت تلعب على وقع عقد طاولات المفاوضات.
وتكمن صعوبة التفاهم بين كل من أنقرة وموسكو حول إدلب، بالإجابة عن سؤال مهم، مفاده ماذا ستطلب موسكو من أنقرة وبالعكس، للتوصل إلى تفاهم معين، يعده متابعون على أنه سيكون بمثابة المقايضة. الإجابة عن هذا السؤال تؤدي إلى طريق مسدود، إذ تطلب موسكو إبعاد المجموعات الراديكالية في إدلب، وكل من يرفض التفاهمات الروسية ـ التركية، بغية تهيئة المناخ لإدخال مؤسسات النظام السوري إليها، وفي المقام الأول فتح الطريق الدولي “أم 4” أمام الحركة التجارية لتخفيف الأعباء الاقتصادية على النظام، فيما تريد تركيا التوغل أكثر شمال شرقي البلاد بهدف طرد المجموعات الكردية وإبعادها عن الحدود، وهذا الأمر لا يمكن لروسيا إعطاء قرار أو أمر حاسم حياله. فعلى الرغم من العلاقة الروسية الطيبة مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، و”الإدارة الذاتية” الكردية لشمال وشرق سورية، إلا أن ملف تلك المنطقة يبقى بيد الأميركيين بالمطلق، نظراً لوجود القوات الأميركية هناك، والشراكة بين “قسد” وواشنطن في محاربة تنظيم “داعش”.
ورأى القيادي في المعارضة السورية، المحلل العسكري، العميد فاتح حسون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التعامل مع روسيا في الملفات السياسية غالباً كالتعامل مع ناكص بالعهود بشكل مسبق، وبالتالي هذا يستوجب أخذ الحيطة والحذر بأعلى مستوياتهما، تحسباً لأي مفاجأة باتفاقية مبرمة يمكن عقدها معها”. وأضاف أن “اتفاقية سوتشي حول إدلب بين تركيا وروسيا، والتفاهمات اللاحقة حول بعض نقاطها، ليست بمنأى عن الإطار السابق للتعهدات الروسية، وهذا ما تترجمه روسيا بقصفها لمنطقة إدلب قبل وبعد اجتماع الرئيسين التركي والروسي، وفي الوقت نفسه تترجمه تركيا بقيامها برفع السواتر والكتل الإسمنتية على خطوط التماس في منطقة إدلب، ورفع الجاهزية القتالية لقواتها في مناطق تجمعها”. وأشار إلى أن “الغايات الروسية من وراء ذلك عديدة، منها إرسال رسالة إلى تركيا رداً على موقفها من القرم، وأفغانستان، وأذربيجان، وليبيا، وملفات أخرى”.
ولا يتوقع حسون “حدوث صدام عسكري حالي ولا مستقبلي بين تركيا وروسيا، ولكن هذا لا يعني توقف القصف الروسي، واختيار الرد المناسب من قبل تركيا بشكل مباشر، أو عن طريق قوى الثورة والمعارضة في المنطقة”. وقال: “صحيح أن العنوان المتفق عليه بالتصريحات أخيرا بين تركيا وروسيا هو إبقاء الوضع على ما هو عليه في إدلب، لكن روسيا لن تلتزم، لا سيما أنها تطمح لسد الفراغ في منطقة شرق الفرات في حال انسحبت القوات الأميركية، الأمر الذي تحاول تركيا منعه، وتدارك سلبياته وتطويقها إن حدث”.
من جهته، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، أن تصريحات أردوغان بتمسك بلاده بالاتفاقيات القديمة حيال إدلب، تعني أن هناك عرضاً روسياً جديداً لأنقرة حيال إدلب. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الروس دائماً ما كانوا يقدمون عروضاً للأتراك حول إدلب، وكانت تلك العروض تقابل بالرفض، إذ يشدد المسؤولون الأتراك بأن المقابل يجب أن يتضمن حلاً كاملاً وشاملاً للأزمة السورية”. وأوضح أن “تركيا لن تقبل بعودة النظام إلى الأرض المتاخمة لحدودها كونها تعتبره نظاما معاديا، وهذا مرتبط بحل شامل للقضية السورية، يكون للمعارضة دور سياسي فاعل فيه”.
وتوقع رضوان أوغلو أن يكون هناك تصعيد من قبل النظام والروس حتى يتم الجلوس لطاولة التفاوض بين المسؤولين الروس والأتراك، وأنقرة لديها قوات ذات طبيعة قتالية في إدلب، وهذا لا يعني أن يكون هناك صدام مع الروس. وربما يكون هناك مواجهة جديدة مع قوات النظام رغم استبعاد الأمر في المرحلة الحالية، لذلك يرى أن التصعيد سيكون مؤقتاً ووسيلة ضغط لتحصيل مكاسب على طاولة التفاوض. ونوه بأن تركيا باتت أخيراً تتجاوب مع روسيا حيال بعض الملفات في سورية، كون أنقرة باتت تدرك أن النظام والروس توسعوا على رقعة جغرافية كبيرة من البلاد، وربما يتم التعاون في بعض الملفات الاقتصادية لإنعاش بعض المناطق، لكن مع الحذر من تبعات قانون “قيصر” الأميركي.
العربي الجديد
—————————
هجوم مرتقب في إدلب على طريق M4 قد يشكل كانتون لاجئين حدوديا يشبه غزة/ وائل عصام
لم تمض ساعات على تصريح لمسؤول تركي وصف بـ»الكبير» قال إن أردوغان وبوتين اتفقا على»الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب» ما اعتبره ناشطون سوريون انفراجة تبعد شبح الحرب المرتقبة هناك، حتى خرج تصريح مناقض تماما للكرملين يقول، إن بوتين وأردوغان أكدا تصميمهما على «تفريغ إدلب من الإرهابيين» وهذا ما يذكرنا بأن التصريحات التركية الرسمية بخصوص سوريا عموما يجب أن «تؤخذ مع قطعة من الملح» كما يقول المثل الإنكليزي، ابتداء من التوقعات الطموحة بالصلاة في الجامع الأموي بدمشق، حتى الخط الأحمر في حلب، وصولا إلى «الرؤوس التي ستخلع من فوق الأكتاف» في إدلب!
علينا أن نتذكر أن التصريحات نفسها كانت تتكرر، بينما تستولي قوات النظام على 3 مناطق خفض تصعيد من أربع مناطق، كان يفترض أنها محمية باتفاق إقليمي تلعب فيه أنقرة دور دولة ضامنة.
قبل نحو عام ونصف العام اضطرت تركيا للقبول بوقف إطلاق للنار بالشروط الروسية، ومن دون تحقيق مطالبها بتراجع قوات النظام من المدن والبلدات التي استولت عليها، وحاصرت فيها نقاط المراقبة التركية، ورغم غضب الرئيس التركي أردوغان بعد مقتل العشرات من جنوده بقصف جوي، وتصريحه الذي بدا حاسما حينها عن «الرؤوس التي ستخلع من فوق الأكتاف» إذا لم تتراجع قوات النظام، لكن من تراجع حينها هو الحكومة التركية، وكأن لقاء بوتين يجب ما قبله، ولم يكن هذا التراجع مفاجئا للمراقب، ولا جديدا، فقبل إدلب، استعاد النظام ثلاث مناطق «خفض تصعيد» لكن هذا لا يعني أن الجانب التركي هو المسؤول عن خسائر المعارضة السورية، بل هي حدود تحركات أنقرة وقدراتها على التاثير في سوريا أمام إيران وروسيا، اللتين قبلت بمشاركتهما في اتفاقية أستانة، ربما ما يؤاخذ عليه الجانب التركي هو عدم الوفاء بتعهداته كدولة ضامنة أعلنت نفسها سابقا حليفا للثورة السورية، وزجت بجيشها عسكريا في سوريا ووضعت نفسها كدولة ضامنة في اتفاق رسمي لحماية مناطق معارضة، قامت بحراستها بقواتها المسلحة، وأدخلت ارتالا كبيرة من قواتها وجيشها إلى نقاط مراقبة تحولت إلى رهينة بيد قوات النظام، بعد محاصرتها لتنسحب في نهاية المطاف في العملية الأخيرة العام الماضي .الكثيرون لم يفهموا حقيقة أن تركيا لم تعد كثيرا معنية بنزاع النظام والمعارضة، بل معنية فقط بحماية حدودها من تدفق اللاجئين السوريين، الذين حظوا برعاية مميزة من أنقرة حتى عام 2015 وبعدها رفعت الجدران على الحدود، ونصبت بنادق القنص على أسوار المراقبة ومنع دخول أي لاجئ سوري للبلاد.
أما القضية الثانية التي تعنى فيها السياسة التركية في سوريا فهي القضية الكردية، وشنت حربا في شمال سوريا، وخاطرت بتوتر علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن من أجل لجم الكيان الكردي الموجود جنوب حدودها، لذلك ليس دقيقا القول إن أنقرة كانت غير قادرة على التدخل أكثر لصالح الثورة، بحكم ميل التوازنات ضدها، بل هي لم تعد تجد في الثورة السورية ذات الصبغة السنية، ضد نظام الأسد العلوي أمراً يخص مصالحها القومية، ربما لأن العلويين في تركيا لا يمثلون تهديدا كبيرا، كما يشكل الأكراد، الذين تخوض أنقرة نزاعا داميا معهم منذ نصف قرن، هذه الحقائق لا يريد أصحاب النظرة الإسلامية السنية الاعتراف بها، لانهم مصرون على النظر لحكم حزب العدالة والتنمية كسليل للعثمانية، ويا ليتهم ما فعلوا، فقد ورطوا مروياتهم عن الحقبة العثمانية، بعد أن فهم سنة سوريا والعراق حقيقة السياسات القومية أولا!
حملة القصف الجوي المتواصلة على إدلب منذ أسابيع، تبدو تمهيدا لعملية برية مقبلة وإن تأجل تنفيذها، لاستعادة الطريق M4 ومن بعدها تصبح إدلب بحكم المحاصرة، ومن المرجح إبقاء شريط حدودي من مخيمات النازحين يمتد من الدانة حتى حارم وصولا لدركوش، بهدف طمأنة الأتراك من قضية دخول مزيد من النازحين، فأنقرة تخشى تقدم النازحين لأراضيها (المهاجرين سابقا) أكثر من تقدم النظام لأراضي المعارضة، وإن حصل هذا السيناريو؛ وترك النظام وروسيا هذا الشريط من مخيمات اللاجئين، فإن أهدافهم ستكون، إضافة لطمأنة أنقرة، ترك بقعة أخيرة لإخراج المقاتلين الجهاديين من مدينة إدلب، فإدلب كانت ملجأ كل المقاتلين الخارجين من مدنهم، وآخرها درعا البلد، فأين سيذهب مقاتلو إدلب ومن لجأ لإدلب؟ الحل المؤقت بالنسبة للنظام هو ترك هذا الشريط الحدودي للمخيمات ليكون منفى مؤقتا للمقاتلين لفترة زمنية ما، وليتركوا لتركيا أمر حراسته وحراسة حدودها من النازحين، ولعل النظام سيجد بذلك أيضا فرصة للتخلص من عبء تحمل مسؤولية إسكان ومساعدة هذا الكم من النازحين، وإدخال المساعدات الإنسانية لاخر بقعة تجمع نازحي مناطق الثورة السورية، باختصار قد يتحول هذا الشريط لغزة جديدة إلى حين!
كاتب سوري من اسرة «القدس العربي»
القدس العربي
———————
أردوغان وبوتين تفاهما على تقاسم النفوذ في سوريا؟
رأت صحيفة “فزغلياد” الروسية أن النتيجة الأهم لاجتماع الرئيسين فلاديمر بوتين ورجب طيب أردوغان في سوتشي الروسية، لوحظت على أرض سوريا.
وقالت الصحيفة: “ما إن غادر سوتشي بعد محادثات مع بوتين، حتى انتقد الرئيس التركي واشنطن. لم يكتفِ أردوغان بمطالبة الولايات المتحدة بتحرير الأراضي السورية من قواتها، إنما وأطلق على أحد مساعدي بايدن الرئيسيين اسم مخرج الإرهابيين”. أما مع بوتين، بحسب أردوغان، فهناك “وحدة في جميع القضايا تقريباً”.
وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط ستانيسلاف تاراسوف إن أنقرة ليست شريكاً سهلاً”، لكن تعاوننا الثنائي مستمر، و”إذا توصلنا إلى اتفاقيات ما، فمن المؤكد أنها تُنفذ”. ولكن، يتزايد الانتقاد لأردوغان داخل تركيا بسبب هشاشة النظام المالي في البلاد، بحسب الصحيفة. يدين كثيرون السلطات لتوريط تركيا في أربع حروب في وقت واحد: في سوريا وليبيا والعراق والحرب الأهلية في أراضيها الجنوبية الشرقية. على هذه الخلفية، يحتاج أردوغان إلى استعراض النجاح في سياسته الخارجية.
وهذا السبب في أن الاجتماع في سوتشي كان مهماً في المقام الأول بالنسبة للجانب التركي، بل مهمة واقعة انعقاده بحد ذاتها، بحسب تاراسوف. وهذا يفسر حقيقة عدم الإعلان عن أي قرارات مهمة عقب الاجتماع. كان الزعيم التركي، ببساطة، في حاجة إلى وقوف موسكو معه. وسبب تحول أردوغان نحو موسكو هو سلوك الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يتجاهل عملياً الزعيم التركي.
وقال تارساوف إن دعم الولايات المتحدة كان يمنح أنقرة في وقت سابق، حججاً لتعزيز موقفها في المحادثات مع موسكو. وكان من الواضح لموسكو أن الأميركيين يقفون وراء طروحات أردوغان. لكن بايدن تخلى هذه المرة عن هذه “الدسيسة” وترك أردوغان بمفرده مع بوتين.
وأضاف تاراسوف أن الزعيمين توصلا إلى قرار واحد على الأقل -بشأن سوريا- على الرغم من أنهما لم يعلناه. “فور اجتماع بوتين مع أردوغان، بدأت الوحدات التركية في الانسحاب من إدلب، وهي آلاف من الجنود والعديد من المركبات المدرعة”.
من جهتها رأت صحيفة “أوراسيا ديلي” الروسية أن لقاء بوتين مع أردوغان تميز بكونه جرى على خلفية تعقيد العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
وقال خبير “نادي فالداي” فرهاد إبراهيموف إن أردوغان نفسه، أشار من منصة الأمم المتحدة، إلى أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن وصلت إلى أدنى مستوياتها. وأضاف “أرسل أردوغان، في اجتماعه مع بوتين، إشارة إلى الغرب مفادها أن أنقرة مستقلة تماماً في هذا الشأن ولن تناقش قضاياها الأمنية مع الأميركيين”.
ورأى أن العلاقات بين موسكو وأنقرة بشكل عام إيجابية. وفي الوقت نفسه، هناك تناقضات، الرئيسان مستعدان لمناقشتها وتبادل الآراء حولها.
وقال: “العقبة الرئيسية هي سوريا. ففي إدلب، تقوم قوات بشار الأسد بالتضييق على القوات الموالية لتركيا، وهذا بطبيعة الحال لا يناسب أردوغان. لهذا، جاء إلى روسيا، بحيث يحاول الرئيس بوتين بدوره الضغط على الأسد”.
يميل الجانب التركي نحو مذكرة تفاهم تنطوي على تقسيم سوريا افتراضياً إلى مناطق نفوذ بين روسيا وإيران وتركيا. على أن يأخذ كل طرف على عاتقه التزامات معينة، وفي حالة تركيا، تتعهد أنقرة بخفض عدد قوات معارضة الأسد التابعة لها. لكنهم في دمشق، يرون أن تركيا لا تكتفي بعدم فعل ذلك إطلاقاً، بل على العكس من ذلك، تزيد من نفوذهم. في الواقع، هذا الجانب هو الأصعب والأكثر تناقضاً في العلاقات الروسية التركية في إطار المشكلة السورية.
المدن
————————
تركيا: لنا الحق بالوجود في سوريا.. مثل الروس والاميركيين
قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن إنه “إذا تم الاعتراف بحق روسيا والولايات المتحدة في الوجود في سوريا، فإن تركيا أيضاً تملك الحق نفسه”، مطالباً الأوروبيين بالضغط بشكل أكبر على النظام السوري.
وأشار كالن في تصريحات لمجلة “دير شبيغل” الألمانية الجمعة، إلى أنه لا ينتظر أن يرسل الغرب قوات إلى المنطقة من أجل حماية المدنيين في مدينة إدلب، مضيفاً “اقترحنا في 2015 و2016 و2017 إقامة منطقة آمنة”، متابعاً: “لو تم إعلان منطقة حظر طيران في تلك الفترة، لما كنا شهدنا على هذا العدد من الذين اضطروا إلى مغادرة سوريا.. هذه الفرصة ضاعت”.
ولفت إلى أن بعض الأصدقاء الأوروبيين ينتقدون تركيا لنشرها قوات في سوريا، وقال إن “هؤلاء الأصدقاء يتصرفون وكأن تركيا قوة احتلال في سوريا”، مشدداً على أن أنقرة لم تطمع في أراضي سوريا، لكنها اضطرت إلى اتخاذ هذه الخطوة من أجل أمنها وأمن السوريين في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك 2.5 مليون شخص لا يغادرون المنطقة بسبب وجود القوات التركية في إدلب.
وأضاف كالن أن تركيا لاقت العقوبات بدل الشكر، “لأنها أضرت بوجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة”. ورفض ادعاءات انتهاك تركيا للقانون الدولي في سوريا، مؤكداً أن “من ينتهك القانون الدولي هما النظام السوري والعمال الكردستاني”.
وتابع: “نحن لنا حق مشروع في الدفاع عن أنفسنا، فإذا تم الاعتراف بحق روسيا والولايات المتحدة في دخول سوريا، فنحن نمتلك الحق نفسه”.
وشدد على أن إنهاء الحرب في سوريا مهمة المجتمع الدولي، وقال: “روسيا وإيران تفكران بشكل مختلف في هذه المسألة، لكن رئيس النظام بشار الأسد فقد الآن كل شرعيته”. وطالب كالن الأوروبيين بأن يضغطوا على نظام الأسد بشكل أكبر.
ولفت إلى أن أنقرة وواشنطن تتعاونان في مجال مكافحة الإرهاب، لكن “الولايات المتحدة لا تأخذ مصالح تركيا بالحسبان في مواضيع مثل دعمها لتنظيمات كردية في سوريا، وهذا لا يمكن قبوله”. وأوضح أن الرئيس الأميركي جو بايدن، لم يدرك أن تركيا تنظر إلى الامتداد السوري للعمال الكردستاني على أنه “تهديد قومي”.
وقال إن أوروبا قارة مهمة وقوية من الناحيتين السياسية والاقتصادية، مؤكداً ضرورة أن تزيد من استقلاليتها وتأثيرها في القرارات الجغرافية والاستراتيجية بدل البقاء تحت ظل الولايات المتحدة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال الخميس، إنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت حان لتطبيق “حل نهائي ومستدام” للنزاع في سوريا، وخصوصاً في إدلب. وشدد في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة خلال عودته من روسيا بعد قمة جمعته ببوتين في مدينة سوشي الأربعاء، على وجوب مغادرة الولايات المتحدة سوريا و”تركها لشعبها عاجلاً أم آجلاً”.
بدوره، أكد بوتين في مستهل اجتماعه مع أردوغان أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية-الروسية”. وقال: “المفاوضات مع تركيا تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها تنتهي بنتيجة إيجابية دائماً”.
——————————–
=====================
تحديث 03 تشرين الأول 2021
———————-
الأردن وسوريا: مقاربة جديدة في بيئة إقليمية ودولية متغيرة / عريب الرنتاوي
لا تُعدّ سوريا استثناءً لاستراتيجية إدارة بايدن في الشرق الأوسط القائمة على “إطفاء الحرائق” و”إخماد الأزمات” دون حلها بالضرورة… في سوريا أيضاً، ثمة رغبة أميركية في تفادي الانفجارات الكبرى، واحتواء الأزمات القائمة، حتى لا تجد نفسها منصرفةً عن أولوياتها البعيدة في المحيطين الهادي والهندي.
تدرك إدارة بايدن أن زمن المعارك الكبرى في سوريا قد ولّى، وأن ثمة أطرافاً دولية (روسيا) وإقليمية (إيران وتركيا)، تلعب أدواراً أكثر أهمية من الدور الأميركي في بلاد الشام، وهي وإن كانت تفتقر حتى الآن، لرؤية شاملة لمستقبل هذه الأزمة، وأدوات فاعلة للتعامل معها، إلا أنها ورثت عن الإدارة التي سبقتها “قانون قيصر” وسلاح العقوبات، ويمكن القول إنه السلاح الأمضى في يدها، حتى لا نقول سلاحها الوحيد.
رسمياً، تُعرّف واشنطن مصالحها في سوريا في ثلاث: الحرب على الإرهاب، حماية الجيب الكردي في الشمال الشرقي للبلاد، وعملية سياسية تؤمّن لأصدقاء واشنطن وحلفائها، بعضاً من كعكعة السلطة في إطار حل نهائي لهذه الأزمة الممتدة لأزيد من عشرة أعوام.
عملياً، ثمة هدف رابع، تبوح به الإدارة بين الحين والآخر: الاستمرار في استنزاف دمشق وطهران وموسكو، بأدوات عديدة، منها تسليح الوحدات العسكرية الكردية “قسد” حيناً، وترك أمر مطاردة داعش لهذه الأطراف، طالما أنها لا تشكل خطراً على الوجود الأميركي والحاضنة الكردية غرب الفرات…هنا أيضاً، تمكن الإشارة إلى سعي واشنطن لعرقلة “الممر الإيراني” الواصل بين طهران وشرق المتوسط، عبر العراق وسوريا، بوصفه هدفاً من أهداف السياسة الأميركية (اقرأ الإسرائيلية)، أقله في المرحلة الممتدة حتى إحياء اتفاق فيينا النووي مع إيران.
منذ زمن، لم تعد واشنطن تتحدث عن “تغيير النظام” في سوريا، بل لا يكف موفدوها عن نفي نية بلادهم قلب نظام بشار الأسد، هم يتحدثون عن “تغيير سياساته”، ومؤخراً تكرست هذه القناعة بعد “الدرس الأفغاني” وباتت جزءاً من “مبدأ بايدن” في السياسة الخارجية.
ومنذ زمن أيضاً، بدا أن واشنطن بصدد رفع يدها عن سوريا، حتى أن الرئيس السابق دونالد ترامب حاول مراراً إقناع المستوى العسكري والأمني بسحب كافة القوات الأميركية من شمال سوريا، وحين حلّ بايدن محله في البيت الأبيض، لم يتقدم خطوة واحدة على طريق بلورة رؤية وخريطة طريق للحل السياسي لسوريا، فكانت النتيجة: لا حل عسكرياً في سوريا، ولا سياسياً كذلك.
ولعل هذا ما أدركه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تمام الإدراك، وهو يحضّر أوراقه وملفاته، للقاء جو بايدن كأول زعيم عربي يجتمع به بعد توليه سدة البيت الأبيض… لكن بخلاف مضيفه، لا يمتلك ملك الأردن ترف الجلوس على مقاعد النظّار والمتفرجين، فبلاده تعتصرها أزمة اقتصادية خانقة، والأزمة السورية بتداعياتها المعروفة، هي أحد أسباب هذه الأزمة، ومن البوابة السورية ذاتها، يمكن الشروع في تفكيكها والتخفيف من وطأتها.
ولا شك أن الملك وفريقه، كانا يرقبان عن كثب وبمزيد من القلق، تداعيات الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي في لبنان، ولا شك أنهما أدركا منذ البدء، أن حلاً للأزمة السورية، لن يتحقق في ظل بقاء الحال في سوريا على حاله… المنطقة لا تمتلك ترف الانتظار إلى ما لا نهاية، تماماً مثل الشعب السوري، الذي يكتوي بنار العقوبات والجائحتين الصحية والاقتصادية، ولا يمكن القبول باستمرار معاناته إلى ما شاء الله، ومن دون أن تلوح أية بارقة أمل في نهاية نفق الأزمة المظلم.
في هذا السياق، جرى طرح “المقاربة الأردنية الجديدة” حيال سوريا، ويبدو أن الملك بمحاججاته النابعة من “واقع الحال”، نجح إلى “حدٍ ما” في استحداث شروخ في جدران الكرة الأميركية المصمتة.. وإذا كان من الصعب القول إن العاهل الأردني عاد إلى عمان بضوء أخضر أميركي لترجمة مبادرته الانفتاحية على سوريا، إلا أن أحداً في واشنطن لم يشهر في وجهه “راية حمراء”… ربما يكون الملك قد عاد بـ”ضوء برتقالي” من زيارته الأهم للولايات المتحدة، ويمكن فهم ما المقصود بذلك، من قراءة البيانات الأميركية المرتبكة، بل والمتناقضة حول استئناف الخطوط الجوية الأردنية رحلاتها إلى دمشق، والتي راوحت ما بين الترحيب الفوري، والتحفظ و”إخضاع المسألة للمراجعة والدراسة” في اليوم التالي.
في سعيه لانتزاع زمام المبادرة في سوريا وحولها، بدا العاهل الأردني مطمئناً للتطورات الحاصلة في البيئة الإقليمية والدولية من حوله… لا أحد جدياً في هذا العالم، يُشهر مطلب “إسقاط النظام”… وباستثناء قطر، فإن معظم إن لم نقل جميع الدول العربية، منفتحة على فكرة عودة سوريا للجامعة العربية، بما فيها السعودية والإمارات ودول خليجية ومغاربية أخرى… والأردن إلى جانب مصر والعراق من ضمن مشروع “الشام الجديدة”، لا يمانع في إنجاز مثل هذه العودة، بل وربما يتجاوب في قادمات الأيام، مع فكرة انضمام سوريا، قلب الشام، إلى مشروع “الشام الجديدة”، إن لم يكن بدوافع سياسية، فتحت ضغط “الجيوبولتيك” الذي يضع سوريا في مكانة القلب من هذا المشروع، أياً كان نظام الحكم فيها.
للأردن مصالح كبرى في سوريا ومعها، منها: رفع مستوى وسوية التبادل الاقتصادي والتجاري والسياحي مع سوريا وعبرها لجوارها… ملف المياه وحوض اليرموك المشترك… ملف الحرب على الإرهاب… حاجة الأردن لإبعاد الميليشيات المقربة من إيران عن حدوده… الحرب على المخدرات، التي تشهد تجارتها وعمليات تهريبها تزايداً ملحوظاً على حدوده الشمالية… ملفات الطاقة والغاز المصري والربط الكهربائي الذي يوفر للأردن فرصة لتسويق فائض انتاجه منها إلى لبنان، وربما إلى سوريا.
لكن الأردن، وهو يسعى في تفكيك عُقَد قانون “قيصر” الأميركي، لم يغب عن باله أن ثمة “قيصراً” آخر يتعين التعامل معه، يسكن الكرملين هذه المرة، وليس البيت الأبيض، وهذا ما يفسر الزيارة – من خارج جدول الأعمال – التي قام بها الملك إلى موسكو ولقاءاته فلاديمير بوتين، فهذه المنظومة من المصالح الأردنية، لا يمكن تحقيقها والسهر عليها، من دون تعاون لصيق مع روسيا، وهذا ما دللت عليه أحداث درعا الأخيرة، وعودة المحافظة برمتها لسلطة الدولة السورية، وبتدخل روسي هو الأرفع مستوى منذ العام 2015 (نائب وزير الدفاع الروسي أشرف شخصياً على إغلاق ملف درعا)، طالما أن مشروع نقل الغاز المصري واستجرار الكهرباء الأردنية سيمر حكماً بهذه المحافظة السورية.
في مثل هذه البيئة الإقليمية والدولية، وجدت الدبلوماسية نفسها قادرة على القيام بدور ريادي مبادر في الأزمة السورية، سيما وأن عمان، بخلاف عواصم عربية وإقليمية أخرى، لم تقطع مع دمشق، وحافظت على ما هو أكثر من “شعرة معاوية” معها، وهي حتى حين كانت غرفة عمليات “الموك” كانت الأقل اندفاعاً وحماسة لشعار تغيير النظام، من منطلق أن كثيرٍ من معارضي الأسد، أسوأ منه بكثير، وأشد خطر على مستقبل الأمن والاستقرار في الأردن والمنطقة، ولعل هذا ما يفسر التجاوب السوري السريع مع المقاربة الأردنية، وتحول عمّان إلى قبلة للحجيج السوري رفيع المستوى.
المقاربة الأردنية الجديدة حيال سوريا، لا شك أنها ستصطدم بحضور كثيف ووازن للاعبين إقليميين آخرين في سوريا: إيران وتركيا… عمان تراهن على موسكو في احتواء أي تدخل إيراني ضار على خط علاقاتها مع دمشق، والأخيرة، تملك هامشاً للمناور بين موسكو وطهران… أما تركيا، فإن نفوذها في سوريا (وعموم الإقليم) في تراجع، وسقف رهاناتها وتوقعاتها في انخفاض مستمر… وبوجود قنوات حوار خلفية، وإن ذات طبيعة أمنية، بين كل من الرياض وطهران، وأنقرة ودمشق، وأنقرة وكل من القاهرة والرياض، ومع بقاء مسار فيينا النووي حياً، فإن عمّان، تراهن على أن قادمات الأيام، قد تكون محمّلة بأنباء جيّدة، تحيط بمقاربتها الجديدة وتعظم فرص نجاحها.
الحرة
————————–
سوريا.. سيناريو لحل نهائي ومستدام/ بشير البكر
نقلت وكالة “الأناضول” عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة، خلال عودته من روسيا يوم الأربعاء الماضي، أنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت حان لتطبيق “حل نهائي ومستدام” للنزاع في سوريا، وخصوصاً في إدلب. ومن جانبه أكد بوتين في مستهل الاجتماع الثنائي الذي دام قرابة ثلاث ساعات أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية-الروسية”. وقال: “المفاوضات مع تركيا تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها تنتهي بنتيجة إيجابية دائماً”.
يمكن استخلاص عدة مؤشرات من كلام الرئيسين. الأول هو أن المباحثات بين الرئيسين، اللذين لم يلتقيا منذ عام ونصف العام، كانت صعبة هذه المرة. وهذا لا يعني أن الجولات السابقة كانت سهلة، ولكن هذه الجولة هي الأصعب على ما يبدو. المؤشر الثاني هو أن المباحثات بدأت تنتقل، من البحث عن حلول للخلافات الميدانية على الأرض السورية، وفق اتفاق مارس/آذار 2020 بين الرئيسين في قمة سوتشي، إلى “الحل النهائي والمستدام”. والمؤشر الثالث هو أن الحل في سوريا روسي تركي. والمؤشر الرابع هو أن بوتين لفظ للمرة الأولى مفردة السلام في سوريا.
ومن مقاطعة هذه المؤشرات الأربعة مع بعضها، يمكن بناء ملامح سيناريو للحل في سوريا، يقوم على تفاهم تركي روسي، وهذا يعني أن القوتين الأخريين الموجودتين على الأرض، الولايات المتحدة وإيران تأتيان في المرتبة الثانية، أو على الأقل لن يكون في وسع أي منهما عرقلة قطار الحل الروسي التركي. إيران سوف تتكفل روسيا بالتفاهم معها، وهذا ما جرى العمل به في الجولات السابقة التي كانت الاتفاقات الروسية التركية ملزمة لها، ولهذا لم يثر غياب الرئيس الإيراني عن هذه القمة أي مشكلة، بعد أن كان من المقرر مشاركته. وفي ما يخص الولايات المتحدة فإن المرجح هو انسحاب قواتها من شمال شرقي سوريا في غضون عام، وهذ أمر يمكن تلمسه من تحركات مسؤولي “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على المستوى الدولي، ومنذ أيام قصدت الرئيسة التنفيذية لـ”قسد” إلهام أحمد واشنطن، قادمة من موسكو. ومن دون شك تصب تحركات المسؤولين الأكراد في خانة التحسب من الانسحاب الأميركي، وفي حينها لن يكون هناك طريق سوى باتجاه النظام السوري برعاية روسية. ومن جانب آخر يثير الانسحاب الأميركي ارتياحا كبيرا لدى تركيا، التي ترى أن ذلك هو الخطوة الأساسية نحو تحجيم مشروع “قسد”.
يبقى إذاً القسم الصعب من الحل، وهو المستدام والنهائي، والذي يريده الرئيس التركي أن يبدأ من إدلب. وهو في نظر بوتين يشمل ما بقي من الأراضي السورية خارج سيطرة النظام، وقدّر نسبته بـ10% خلال استقباله رئيس النظام بشار الأسد في منتصف الشهر الماضي، حيث اعتبر أن مشكلة سوريا هي وجود القوات الأجنبية، وهو يقصد القوات التركية لأنها تشكل العدد الأكبر وتنتشر على مساحة واسعة من محافظات إدلب وحلب والحسكة. وفي نظر روسيا إذا لم تنسحب هذه القوات من مواقعها، فإن سلطة النظام سوف تبقى منقوصة، ولن يكون هناك حل دائم ومستدام بشروطها.
ما تعمل من أجله روسيا هو انسحاب أميركا وتركيا معا، ويتعين عليها حل المشروع الكردي مع النظام وتحت إشرافها، وتقديم ذلك لأنقرة مقابل تنازل كبير في إدلب يقوم على تسوية تشمل وضع الفصائل العسكرية المسلحة من جهة، وعودة اللاجئين من تركيا من جهة أخرى، وليس مصادفة أن يصرح أردوغان بعد القمة، بأن “أكثر من مليون شخص، منهم 400 ألف في إدلب، عادوا إلى ديارهم”، مؤكداً أنه “نعمل بلا توقف من أجل العودة الآمنة للسوريين الذين نستضيفهم في تركيا”.
إدلب هي المحطة الأولى في السيناريو الروسي والتركي، ومنها سيبدأ العمل المشترك لاختبار “السلام الروسي” والحل التركي “النهائي والمستدام”. ولن يطول الوقت حتى تتضح خارطة الطريق، وربما الخارطة النهائية للمسألة السورية.
تلفزيون سوريا
——————-
تطبيع الأردن والنظام السوري: ضوء أخضر أميركي يوسّع هامش المناورة؟/ عماد كركص
يتجه الأردن بخطى متسارعة نحو إعادة العلاقات تدريجياً مع النظام السوري، بما يشبه التطبيع غير المعلن. وظهرت المملكة أخيراً وكأنها تأخذ بيد النظام في دمشق، لإعادته إلى الحاضنة العربية والإقليمية، وربما الدولية. وكانت بداية التحولات قد برزت خلال زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني، في يوليو/ تموز الماضي، إلى الولايات المتحدة. يومها جرى الحديث عن خريطة طريق قدّمها العاهل الأردني للرئيس الأميركي جو بايدن، بهدف حلّ الأزمة السورية. وترافقت هذه التسريبات مع مقابلة تلفزيونية، قال فيها عبد الله الثاني، إنّ رئيس النظام السوري بشار الأسد باق وعلى المجتمع الدولي التعامل معه كأمر واقع، ما شكّل تحولاً في الموقف الأردني تجاه النظام السوري. وأعقب ذلك زيارة للملك الأردني إلى روسيا، تناولت بشكل أساسي القضية السورية. وعلى الرغم من أن لا إعلان رسمياً بعد بشأن وجود خريطة للحل، ولا أي معلومات خرجت للعلن بشأن بنودها أو المحادثات التي أجراها الملك مع كلّ من بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيال سورية، إلا أن المعطيات على أرض الواقع باتت تدل على أن الأردن تمكّن من الحصول على ضوء أخضر لإعادة تطبيع علاقاته مع النظام، ربما على المستوى الاقتصادي، على الأقل.
فتح المعابر وإعادة الرحلات الجوية بين سورية والأردن، كانا مؤشرين واضحين على ذلك، لكن زيارة وزير الدفاع في حكومة النظام، العماد علي أيوب، إلى عمّان، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تشير إلى أن الأردن يسير بإعادة تطبيع علاقاته مع النظام في سورية إلى ما هو أبعد من الجانب الاقتصادي. ويلمح متابعون لهذا الشأن، إلى أن الأردن بات مهتماً بكسر العزلة العربية عن النظام السوري، وإعادته إلى جامعة الدول العربية من خلال القمة العربية المقبلة المرتقبة في الجزائر، ويهدف في ذلك إلى فتح المجال للنظام والتحرك عربياً وإعادة تطبيع علاقاته مع المحيط، ليصبح في مقدور الأردن التعامل مع النظام والتخلص من الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهله، من خلال فتح الحدود وإعادة التبادل التجاري والاقتصادي إلى الوضع الذي كان عليه قبل الحرب السورية في 2011.
في هذا الجانب، وإن لم يكن الأردن قد حصل فعلاً على الضوء الأميركي لإعادة تطبيع علاقاته مع نظام بشار الأسد، فإن احتمالات مواجهة عقوبات “قانون قيصر” الأميركي (المفروضة على النظام السوري) قائمة في وجه المملكة، إذ عادت نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جالينا بورتر، لتعلن الثلاثاء الماضي أن الإدارة الأميركية تراجع قرار إعلان الأردن استئناف الرحلات الجوية التجارية إلى سورية، وذلك بعد قولها للصحافيين في نهاية الشهر الماضي، إنّ “القرار (الأردني) مرحّب به، إذا كان يقتصر على الرحلات التجارية”. وأمام ذلك، يبقى الموقف الأميركي في وضع مبهم حتى الآن.
ويرى المحلل السياسي الأردني، العميد موسى القلاب، أنّ “الملامح العامة لخريطة الطريق الأردنية تبدو أنّها تنصب على المصالح الأردنية العليا المشتركة للشعبين الشقيقين الأردني والسوري، فضلاً عن أن سورية بلد مجاور للأردن، ويرتبط البلدان بعلاقات تاريخية عميقة على الرغم من المنعطفات السياسية الأخيرة”. ويضيف القلاب، في حديث لـ”العربي الجديد” أنّ الأردن “يحرص على ضمان الحدّ الأدنى الممكن من التوافقات الدولية إزاء خريطة الطريق المفترضة، لا سيما التوافقات الأميركية والروسية، وكذلك قبول دول الجوار السوري ذات العلاقات القوية والضعيفة، على حدٍ سواء، مع النظام السوري”. ويعتبر المحلل السياسي أن الملامح العامة لخريطة الطريق الأردنية “لن تتضارب مع وجهات نظر الجهات الدولية أو الإقليمية التي ما زالت تتحفظ على تسريع عملية إعادة النظام السوري إلى الحظيرتين الإقليمية والدولية”.
وحول سعي الأردن لإعادة النظام إلى الحاضنة العربية، على الرغم من معارضة بعض الدول في الجامعة، يرجح القلاب أن “ينجح الأردن في مساعيه هذه من خلال بوابة القمة العربية المقبلة في الجزائر، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة من قبل بعض الدول الخليجية”.
ودائماً ما يتذرع الأردن بالأعباء الاقتصادية والأمنية التي خلّفتها الحرب السورية عليه، ويلمح المسؤولون الأردنيون إلى ذلك كمبرر لإعادة تطبيع العلاقات مع نظام دمشق. وفي هذا الجانب، يشير القلاب إلى أنّ “الاقتصاد والأمن صنوان لا يفترقان في إطار المعادلة الاستراتيجية الأردنية، المبنية على علاقات سورية – أردنية أكثر حيويةً، وهذان البعدان (الاقتصاد المعتمد على خطوط الترانزيت والشحن البري عبر البلدين، وكذلك أمن الحدود الأردنية الشمالية من درعا غرباً إلى التنف شرقاً)، يجعلان من عملية عودة علاقات ودية بين الأردن وسورية، هدفاً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه من قبل بلدين وشعبين شقيقين”. ويلفت المحلل السياسي إلى أنّ “هذا الموقف الأردني البراغماتي، لا ينفي احتمالية وجود ضوء أخضر دولي، وربما إقليمي، من شأنه أن يكون قد عزّز التوجه الأردني الإيجابي نحو النظام السوري في هذه المرحلة، وهنا ليس واضحاً إذا ما كان لإسرائيل علاقة ما بمسألة خريطة الطريق الأردنية نحو النظام السوري”.
وحول رؤيته للموقف الأميركي، يلفت القلاب إلى أن “التصريحات الأميركية الأخيرة قد لا تعني رسم خط أحمر على الأردن ألا يتجاوزه في علاقات التطبيع مع النظام السوري. فالإدارة الأميركية الحالية تبدي مرونةً كبيرةً تجاه إيران، الحليف الاستراتيجي الأكبر للنظام السوري، ومن هذا المنطلق قد لا يواجه الأردن قساوة قانون قيصر كما تواجهه سورية الآن، وقد يستمر في تطبيع علاقاته مع النظام السوري في كثير من الملفات الأخرى من دون تحمّل عقوبات أميركية، وذلك لوجود مساحة مناورة سياسية واسعة نتيجة العلاقات الاستراتيجية الأردنية – الأميركية العميقة”.
من جهته، يعرب الحقوقي والمعارض السوري رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، عن اعتقاده بأن إعادة تطبيع العلاقات التدريجي بين الأردن والنظام السوري تجري بضوء أخضر أميركي، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن ذلك بات واضحاً بعد زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن. ويرى زيادة أن “عودة العلاقات هذه مشروطة بالبعد الاقتصادي الأردني، من مثل خط الغاز العربي وفتح الحدود عبر المعابر، أما هدف واشنطن فهو مساعدة الحليف الأردني اقتصادياً فحسب، وليس نظام الأسد”.
أما بخصوص مساعي الأردن لإعادة النظام إلى الجامعة العربية، فيقول زيادة: “كما نعلم، هناك دول عربية عدة، للأسف، تطالب بعودة النظام، مثل مصر والجزائر والعراق، وربما انضمام الأردن يساعد في ذلك، ولا أعرف إذا كان النظام سينجح في مسعاه أم لا، فالدول التي تعارض باتت محدودة، مثل قطر”. وفي هذا الإطار، يشير زيادة إلى أنّ واشنطن “لا تحبّذ عودة النظام، لكنّ إدارة بايدن لا تأخذ سياسة نشطة تجاه عدم عودة النظام”.
العربي الجديد
———————————–
تنبؤات حول مصير إدلب/ عبسي سميسم
تتباين التحليلات حول ما ستؤول إليه الأوضاع في شمال غرب سورية، وفي محافظة إدلب بشكل خاص، بسبب اشتعال جبهاتها، وبسبب النية الواضحة لدى روسيا في تمكين النظام من السيطرة على جنوب الطريق أم 4 الاستراتيجي، ما يعني السيطرة على كل منطقة جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي. وتركز التحليلات بشأن مصير المنطقة بشكل أساسي على تفنيد وتحليل التفاهمات التركية الروسية (المبهمة أصلاً) حول المنطقة، وعلى الأداء العسكري لقوات كل منهما على الأرض، مع استبعاد الدخول في تحليل موازين القوى بين قوات النظام وفصائل المعارضة، وذلك كون هذا الأمر يعد ثانوياً نسبياً، قياساً بإرادة كل من موسكو وأنقرة في حسم أية معركة على الأرض.
ومما يزيد من تباين التحليلات عدم إفصاح أي من الدولتين عن حقيقة التفاهمات بينهما حول المنطقة، والاقتصار على إعلان بعض النقاط التي لا تكفي لرسم تصور عام للاتفاق، أو التفاهم، إضافة إلى التباين بين خطاب مسؤولي الدولتين، واتهام كل طرف للآخر بنقض الاتفاق. ويضاف إلى التناقض بين أداء القوى العسكرية لكل دولة في إدلب، وبين ما يتم الإعلان عنه على أنه تفاهمات. وكل ذلك يجعل التحليلات أقرب إلى تمنيات أو تنبؤات. فيتم مثلاً قراءة إنشاء نقاط عسكرية تركية في منطقة جبل الزاوية على أنها حدود خطوط الاشتباك المسموح بالوصول إليها، وأنها دليل على عدم سماح أنقرة للنظام بالتقدم نحو خط أم 4، كما أنها لن تسمح بموجات نزوح جديدة. في موازاة ذلك يقرأ محللون آخرون القصف اليومي للطيران العسكري الروسي لتلك المناطق على أنه مؤشر على عملية عسكرية وشيكة لتمكين النظام من المنطقة على مراحل. وتذهب بعض التحليلات بعيداً بالحديث عن تحويل إدلب إلى “دويلة” تابعة لتركيا وعن تسليمها للنظام على مراحل كنموذج المنطقة الجنوبية (محافظتي درعا والسويداء) من خلال تسويات تتم بالتدريج.
وبانتظار إنجاز الوضع النهائي للمحافظة، والذي لن يتحقق ما لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح وصريح ومعلن بجدول زمني، وبمباركة دولية، فإن المؤشر الأهم يرتبط فعلياً بكمية الأموال التي تصرف من أجل إنشاء بنى تحتية للمنطقة ومؤسسات خدمية ومالية حقيقية فيها. حينها يمكن التنبؤ بمصير المنطقة استناداً للجهة التي تبذل الأموال في هذا المجال، وتبقى المؤشرات الأخرى لا تعدو أكثر من كونها تحركات تكتيكية.
العربي الجديد
————————–
ثمن التطبيع مع الأسد والحدود الإيرانية/ إبراهيم الجبين
تناقلت وسائل الإعلام تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد المرحّبة بعودة العلاقات العربية مع النظام السوري إلى طبيعتها، وهو الذي عبّر عن ارتياحه للقاءات الثنائية التي أجراها على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. يقول المقداد إن تلك الاجتماعات أظهرت تغيراً في الأجواء السياسية الدولية تجاه بلاده.
وصف المقداد تلك التحركات العربية بأنها “غير مسبوقة”، وأضاف أن “اللقاءات معهم (العرب) مهمة دون شك، ونحن نرحب بأي مبادرة لاستعادة العلاقات الطبيعية”، وأنها “مؤشر مهم على التوجهات على الساحة الدولية، التي باتت تدرك أن سوريا بهويتها الوطنية والحضارية وبما حققته في حربها ضد الإرهاب أوضحت أنها، رغم انفتاحها على عودة العلاقات الطبيعية، فإنها لن تخضع للضغوط ولن تقبل بأي شروط سياسية”. ولكن هل يصدق المقداد في قوله إن عودة تلك العلاقات ستكون بلا شروط؟
الواقع أن نظام الأسد لم يغيّر نبرته هذه منذ عقد من الزمان، وكان يضع معادلة “بلا شروط” قبل الحديث عن أي علاقة يمكن أن يجري تنشيطها مع أي طرف عربي أو دولي. بينما كانت الشروط من نصيب الدول المقاطعة والتي سحبت سفراءها وبعثاتها الدبلوماسية من دمشق احتجاجاً على الجرائم التي ارتكبها النظام بحق مواطنيه والتي لم تعد بحاجة إلى إثبات بعد أن أقرتها جميع المنظمات الأممية، وآخرها التقرير الذي رصد قتل 350 ألف مواطن سوري بالاسم على يد النظام في جميع المناطق السورية.
بالعودة إلى الشروط، طلب العرب من الأسد الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بالمسار السياسي لحل الملف السوري، الذي يعتبره هو مسألة داخلية، بينما يراه العالم كله، وحتى حلفاؤه، مسألة دولية تخص الجميع. واليوم ووفقاً للمقداد، لم يعد الأمر كذلك. فلا شروط لاستئناف العلاقات العربية مع الأسد.
ومن بين جميع اللاعبين العرب، تجد المملكة العربية السعودية التي ما زالت تمثّل الثقل العربي والإسلامي في الإقليم، أنه من الصعب غض النظر عن شروط تطبيق القرار 2254 القاضي بانتقال سياسي وبإنشاء هيئة حكم وطيّ الصراع الذي طال أكثر من اللازم. في الوقت ذاته لا تخفي مساراً من التفاوض المباشر مع إيران، الداعم الرئيسي للأسد، يقابله مسار من التطبيع المتقدّم قادته دول حليفة للرياض مثل الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر وغيرها، وفي حين كان الشرط الأساسي للتطبيع مع الأسد، بعيداً عما كثر تكراره على ألسنة وزراء الخارجية من حديث عن تطلعات الشعب السوري، هو فك ارتباط الأسد بالإيرانيين. فعلى أي شي يجري التفاوض والتطبيع؟ على سوريا أم على القضايا الخلافية الأخرى مع إيران، مثل اليمن والعراق ولبنان؟ أم أن القصة السورية باتت ورقة إيرانية بدلاً من أن تكون علاقة الأسد مع إيران ورقة بيده هو مع العرب؟
على رقعة الشطرنج التي يرتسم الشرق الأوسط وفقها، تقول إيران إنها لن تقبل أي تغيير على حدودها ولا على حدود الدول المجاورة لها، وتلمّـح إلى أن الوجود الإسرائيلي على حدودها غير مقبول. فعن أي حدود تتحدث إيران؟ حدود الدولة أم حدود المشروع؟ أم حدود نفوذ الولي الفقيه؟ ترفع إنذاراً من هذا القبيل في وجه أذربيجان، وتحشد القوات العسكرية في مناورات “فائزون خيبر” بينما تحطّم بنفسها حدود جميع الدول المحيطة بها وتلك التي تبعد عنها آلاف الكيلومترات.
الحدود الإيرانية باتت تخترق حدود السعودية التي ما تزال في حيرة من أمرها، فطريق تفاوضها مع إيران لا بد وأن تختتم كل جلسة منه بتصريح لمسؤول رفيع يطالب بوضع حد للتوسع الإيراني وضبط سلوك طهران. وحين تتقدم الدول العربية من دولة باتت تحت السيطرة شبه التامة من إيران، مثل سوريا، فإن القدم العربية تطأ الحدود الإيرانية من جديد. وهذا ما لن تجده إيران مريحاً لها. حتى وإن اعتبره المقداد انفتاحاً بلا شروط. ففي حقيقة الأمر الشروط ذات القيمة لم تكن عربية ولا سورية، بل إيرانية صرفة.
السعودية ما تزال تجمّد دعمها للمعارضة السورية، ممثلة بهيئة المفاوضات التي تتخذ من الرياض مقراً لها، وتنظر بارتياب إلى الائتلاف السوري المعارض وصلته الوثيقة مع تركيا التي تشهد علاقاتها انتعاشاً مع محور الرياض – أبوظبي – القاهرة. ولا يبدو أن حظوة الائتلاف لدى السعوديين ستكون أكثر من حظوة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل المعتذر سعد الحريري. وبينما يتصاعد التخوّف من انحسار أميركي عن المنطقة، نشهد انحساراً عربياً عنها، يجسّده الانحسار السعودي حول قضايا الداخل وتنميته وتعزيز الحكم بدلاً من لعب الدور المحوري القيادي في العالم العربي.
لن ترحّب إيران بتقدّم عربي خارج عن سيطرتها في سوريا، ولا بتطبيع وانفتاح وردي كذاك الذي يصفه المقداد، ولو أدركت السعودية أن هذا ما يزعج الإيرانيين فستقدم عليه، لكن ثمنه ستجد نفسها مضطرة لدفعه للسوريين، نظاماً ومعارضة. وعلى ما يبدو حتى الآن فإن الرياض ليست لديها خطة مهيأة لذلك. فهي لا تعرف ما الذي يجب أن تقدّمه للمعارضة السورية، ولا ما سيتطلبه تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد.
وحتى يحصل أمر كهذا، ستكون إيران قد حضّرت ملفات أخرى تضيّق الخناق أكثر على التحركات العربية وتضع أمامها العراقيل. فهناك ما يختبئ خلف تخوفها من أي تغير ملموس في العلاقة مع دمشق في ظل تنافسها الشرس مع الروس على الاستثمار في سوريا الواقع، لا الشعارات ولا العواطف ولا الهوية الوطنية والحضارية التي يتغنى بها المقداد.
كاتب سوري
العرب
———————————
الملك الأردني يتلقى أول إتصال هاتفي من الأسد
أعلن الديوان الملكي الأردني أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تلقى اتصالاً هاتفياً من رأس النظام السوري بشار الأسد تناول “العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما”.
وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” إن “الملك عبد الله الثاني أكد خلال الاتصال مع الأسد دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها”.
جلالة الملك عبدالله الثاني يتلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الأسد، تناول العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما #الأردن #سوريا
— RHC (@RHCJO) October 3, 2021
ويُعد الأتصال هو الأول من نوعه منذ بداية الثورة السورية، ويأتي ضمن سلسلة إجراءات أردنية-سورية لعودة العلاقات بعد طلب الملك الأردني من الإدارة الأميركية تكثيف الجهود الدولية بهدف التوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا ويضمن العودة الآمنة للاجئين.
وكان وزير الداخلية الأردنية مازن الفرّاية أكد في اتصال هاتفي أجراه قبل أيام مع نظيره السوري محمد خالد الرحمون، ضرورة إعادة التشغيل الكامل لمركز جابر الحدودي بين البلدين.
وأوضح الوزير أن المركز الحدودي يمثّل أهمية استراتيجية تعود بالنفع والفائدة على الأردن وسوريا ومصالحهما المشتركة.
من جهته، رحّب الوزير السوري بإعادة التشغيل الكامل للمركز، مبدياً استعداد بلاده لاتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص.
كما اجتمع وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي بنظيره السوري فيصل المقداد في 23 أيلول/سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو أول لقاء على المستوى السياسي بين مسؤول أردني وسوري منذ نحو 10 سنوات.
وقبلها بأيام كان قائد الجيش الأردني يوسف الحنيطي قد استقبل في العاصمة عمّان وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش السوري علي أيوب للبحث في ملفات أمنية تهم البلدين، وهو اللقاء الذي جاء مباشرة بعد إعلان النظام السوري دخوله لمناطق درعا.
المدن
———————-
واشنطن ترحب باجتماعات الدستورية السورية:”للتفاوض بحسن نية“
دعت الولايات المتحدة الأميركية جميع الأطراف في سوريا للتفاوض “بحسن نية لحل سياسي دائم”، وذلك بعد إعلان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن عن عودة اجتماعات للجنة الدستورية السورية في 18 تشرين الأول/أكتوبر في جنيف.
وقالت الخارجية في تغريدة عبر حسابها المعني بالملف السوري: “الولايات المتحدة تُرحّب بإعلان اجتماع للجنة الدستورية السورية، ونحثّ جميع الأطراف على التفاوض بحسن نيّة من أجل حل سياسي دائم وعادل للشعب السوري بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
The U.S. welcomes @UNEnvoySyria @GeirOPedersen’s announcement of the Constitutional Committee’s drafting body convening on October 18. We urge all parties to negotiate in good faith for a sustainable, just political solution for the Syrian people in line with UNSCR 2254.
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) October 2, 2021
وتابعت في تغريدة أخرى، أن “تقدير الحد الأدنى الذي يبلغ أكثر من 350 ألف قتيل في سوريا خلال الحرب يسلط الضوء على حجم المأساة الإنسانية. الحل الوحيد طويل الأمد لهذه المعاناة هو تسوية سياسية يقودها الشعب السوري المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
.@ohchr’s new minimum estimate of over 350,000 killed in Syria during the war underscores the scope of the human tragedy. The only long-term solution to this suffering is a political settlement led by the Syrian people outlined in UNSCR 2254. https://t.co/lME8cL8vrH
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) October 2, 2021
وأعلن بيدرسن الثلاثاء خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي أن الأطراف في سوريا اتفقوا على استئناف المفاوضات، ووصف ذلك بالأخبار الجيدة.
وأشار إلى أنه “بعد ثمانية أشهر من العمل المكثف مع الرؤساء المشاركين يسعدني أن أعلن أنني وجهت الدعوات لحضور الجولة السادسة للجنة الدستورية.”
وأضاف أن المجموعة المصغرة من اللجنة والتي تتألف من 45 عضواً ستجتمع في جنيف في 18 تشرين الأول، داعياً إلى التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، معتبراً أن الوقت قد حان للضغط من أجل عملية سياسية.
وكان وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد أكد قبل أيام في حديث مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، انعقاد جلسة جديدة للجنة الدستورية السورية في منتصف تشرين الأول.
وفي وقت سابق، أعلن بيدرسن خلال زيارة قام بها إلى دمشق، أنه توصل مع المقداد إلى اتفاق على البنود الأساسية للجولة القادمة من اللجنة الدستورية، واصفاً المحادثات بأنها “جيدة للغاية”.
كما بحث بيدرسن مع قادة المعارضة السورية في مدينة إسطنبول التركية أعمال اللجنة الدستورية.
———————
واشنطن تبلغ بيدرسن إلتزامها القرار2254..ولندن لن تشارك بإعمار سوريا
أكدت الولايات المتحدة دعمها المستمر للعملية السياسية في سوريا وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وقالت السفارة الأميركية في دمشق في تغريدة السبت، إنه خلال لقاء عُقد بين القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية يائيل لمبرت ونائب مساعد وزير الخارجية إيثان غولدريتش، مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، تم التأكيد على “استمرار مساعدة الولايات المتحدة ودعمها للعملية السياسية وفق قرار 2254 لإنهاء الصراع ومعاناة الشعب السوري”.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت الخميس، أن واشنطن لا تعتزم تطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، كما أنها لا تشجع الآخرين على القيام بذلك.
كما التقى مسؤولان أميركيان في واشنطن مع ممثلي ائتلاف الوطني السوري الأربعاء، لإعادة تأكيد الولايات المتحدة على الحل السياسي لإنهاء الصراع في سوريا.
وفي السياق، أكدت السفيرة البريطانية في الولايات المتحدة كارين بيرس أن بلادها ترفض المشاركة في إعادة الإعمار في سوريا قبل التوصل إلى حل سياسي في البلاد.
وقالت بيرس خلال لقائها أعضاء وفدي “الائتلاف الوطني السوري” و”هيئة التفاوض السورية” المعارضين في واشنطن، إن بلادها تواصل دعم العملية السياسية في سوريا وفق القرار الدولي 2254، مشيرة إلى صعوبة تمرير أي قرار في مجلس الأمن ضد النظام السوري بسبب حق النقض “الفيتو” الروسي الذي يعطل المجلس.
وشددت على أن “سياسة بريطانيا وأوروبا ثابتة بخصوص عدم تمويل إعادة الإعمار قبل إنجاز الحل السياسي الشامل”، مضيفةً أن “ملف المعتقلين السوريين يشكل أولوية بالنسبة إلى بريطانيا وهي تدعم أي مبادرة بهذا الخصوص”. وجددت الدبلوماسية البريطانية دعوتها للنظام السوري ل”الانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة”.
من جهته، قال الائتلاف السوري إنه بحث مع بيرس تطورات الأوضاع الميدانية في إدلب ودرعا، وخروق النظام، وعدم التزامه بأي من محددات القرار 2254 المتعلقة بوقف إطلاق النار الشامل والإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسرياً.
وأشار إلى أن وفد المعارضة السورية شدد على “أهمية تفعيل العملية السياسية وفتح المسارات التي تضمنها القرار الدولي 2254، وعدم الاكتفاء بمسار اللجنة الدستورية فقط”، مؤكداً على ضرورة العمل الجدي على ملف المعتقلين، إضافةً إلى ملف المحاسبة.
ودعا الائتلاف، الحكومة البريطانية إلى “منع محاولات التطبيع مع نظام بشار الأسد، وإبقاء العقوبات المحددة على النظام والتي تستثني المساعدات الإنسانية والقضايا المتعلقة بجائحة كورونا”، كما أكد على “ضرورة عدم دفع أي أموال لإعادة الإعمار ما لم يحصل الانتقال السياسي في البلاد”.
—————————-
سوريا بعد قمة سوتشي/ سمير صالحة
يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن العلاقات التركية الروسية لا تسير من دون توتر بين الحين والآخر لكن مؤسساتنا في البلدين تنجح سريعا في معالجة أسباب الخلاف. ترحيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنتائج محادثات سوتشي ووصفها بالمثمرة يعكس حقيقة أن لقاء الساعات الثلاث الثنائي كان بهدف التفاوض حول ملفات ثنائية وإقليمية تعني البلدين. وأن المقايضات شملت سوريا والقوقاز والبلقان وأفغانستان وليبيا والبحر الأسود وشرقي المتوسط وربما قد تكون وصلت إلى العلاقة التركية بمنظمة شنغهاي التي التحقت بها إيران مؤخرا.
طاولة سوتشي سبقها حراك تركي روسي بأكثر من اتجاه بهدف الاستعداد لحسم الأمور: لقاءات أميركية روسية وأميركية تركية. دعوة الأسد إلى موسكو. ما قيل حول لقاء استخباراتي بين هاقان فيدان وعلي مملوك. تحركات مكوكية لوفود قسد على خط موسكو وواشنطن. اجتماعات مكثفة بين القيادات التركية وقيادات المعارضة السورية والمحادثات الروسية مع مسؤولين إسرائيليين وأوروبيين وعرب كلها ضمن الحراك المعلن عنه فقط.
قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن هدف أنقرة هو العودة إلى الهدوء على جبهات إدلب التزاما بالاتفاقيات المعلنة قبل عامين. لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كان أكثر وضوحا وشفافية حين أعلن أن هدف تركيا في القمة هو بحث تفاصيل الملف السوري بأكمله. ما يقلق أنقرة اليوم هو شكل الحل في سوريا ومدى استعداد موسكو لطرح التسوية هناك نيابة عن الكثيرين بعدما حصلت على التفويض اللازم من قبل أكثر من لاعب محلي وإقليمي. بوتين ناقش مع أردوغان التصور الروسي الجديد باتجاه إيجاد صيغة تسوية أشار إليها الممثل الأممي بيدرسن وهو يتحدث عن الشق السوري في قمة سوتشي. الطرح الروسي يهدف لفتح الطريق أمام مرحلة انتقالية لا تستبعد الأسد عن خارطة الحل والتسويات التي ستشمل الهدنة الكاملة على الجبهات وتسريع الحوار السوري بضمانات أممية روسية أميركية تركية عربية أوروبية وتشكيل لجان عمل وطنية تشرف على تنفيذ المرحلة الانتقالية مع الاستفادة من النموذج الليبي الذي نجح حتى الآن في تقديم صيغ الحوار على التصعيد والحسم العسكري.
أردوغان كان يعرف وهو في طريقه إلى سوتشي أن بوتين سيذكره بملفات التجارة والسياحة والغاز وخطوط الطاقة وحاجة تركيا إلى التنسيق مع موسكو إذا ما كانت تريد الخروج من أزماتها الاقتصادية والمالية. كان يعرف أيضا أن بوتين يريد أن يلعب الورقة الإيرانية والكردية والعربية والإسرائيلية والأميركية إلى حد ما وهو يحاور أردوغان. والرئيس التركي بالمقابل كان يلوح بوقوف المجتمع الدولي إلى جانبه في ملف اللجوء وضرورة معالجته وبأوراق الثقل الميداني والعسكري التركي في شمال سوريا بالتنسيق مع الفصائل وقوى المعارضة وسيناريو توسيع رقعة العمليات العسكرية التركية إذا لم يؤخذ ما تقوله وتريده أنقرة بعين الاعتبار.
لم يشأ الرئيس الأميركي جو بايدن الاجتماع بنظيره التركي خلال وجود الأخير في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كي لا يمنحه الدعم والثقل السياسي الذي يحتاجه وهو في طريقه إلى سوتشي. هو فعل العكس تماما. قال إن أية اتفاقيات تركية روسية حول صفقة صواريخ جديدة ستفعل العقوبات مرة أخرى ضد أنقرة. لكن أردوغان وكما يبدو سيذهب إلى روما في نهاية الشهر الحالي للمشاركة في قمة مجموعة الدول العشرين وربما للقاء بايدن وهو مزود بما قدمه له نظيره الروسي من تفاهمات وفرص في قضايا ثنائية وإقليمية تدفعه للتمسك بما يقوله في صفقة صواريخ إس 400 وحول إبعاد أنقرة عن برنامج المقاتلة إف 35 و” الدعم الأميركي لمجموعات إرهابية” تتحرك في شرقي سوريا وشمالي العراق عبر بريت ماكغورك منسق السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الذي نجحت أنقرة في إبعاده عن الملف السوري لسنوات ثم أعاده بايدن مرة أخرى إلى الواجهة الكردية وبصلاحيات أوسع.
أعلنت الإدارة الأميركية قبل أيام رفضها لأي تطبيع أو حوار مع نظام الأسد أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. واشنطن نفسها استقبلت مؤخرا وفودا محسوبة على “قسد” و”مسد” وجددت تمسكها بمواصلة تدريب عناصر وكوادر هذه المجموعات وتخصيص الأموال لها تحت ذريعة محاربة داعش التي لم تعد موجودة في شرق الفرات. أميركا تريد الحفاظ على ورقتها الوحيدة في سوريا وهي تحاور موسكو وأنقرة. تريد أن تقول إن ذلك لن يعني قبولها بالعرض الروسي في تعويم الأسد أو بما تقوله أنقرة حول التفاهم معها في شرق الفرات. لكنها ستدعم خطة تحريك المرحلة الانتقالية في سوريا بعيدا عن خيارات الحسم العسكري وتسهيلها والدليل أنها هي التي خرقت قانون قيصر الذي فرضته عبر تسهيل التفاهمات السورية الأردنية المصرية.
صحيح أن أردوغان اقترح توسيع رقعة التعاون باتجاه إنشاء محطات طاقة تضاف إلى محطة آق كويو في مرسين التي سيتم تدشين المرحلة الأولى منها بعد عامين. وصحيح أن بوتين ذكر بأرقام الموسم السياحي التركي التي لعبت روسيا دورا كبيرا في إنعاشه هذا العام. لكن القاعدة الاستراتيجية الجديدة المعتمدة في مسار العلاقات التركية الروسية ستكون إعطاء الأولوية لتسريع الحلول في أزمات إقليمية تعنيهما لأن ذلك هو الداعم الحقيقي لتفعيل العلاقات الثنائية. كان السؤال بالنسبة لواشنطن هو البحث عن شكل ومستقبل العلاقات التركية الأميركية لكن ما سيحاول بايدن معرفته الآن هو أين وكيف سيكون شكل الصفقات التركية الروسية ليعرف كيف يتعامل مع أنقرة وموسكو.
المعادلة بالنسبة لتركيا لم تعد البحث عن مصدر الثقة في إطار الخيار بين واشنطن وموسكو. لكل طرف موقعه وأهميته ودوره لكن الجديد هو صعود العلاقات التركية الروسية في هذه المرحلة وتقدمها ثنائيا وإقليميا على حساب تدهور وتراجع العلاقات التركية الأميركية. واشنطن لعبت أوراقا تتعارض مع ما تقوله وتريده أنقرة وموسكو استغلت باحتراف تدهور العلاقات بين الجانبين التركي والأميركي خصوصا بعد حادثة إسقاط مقاتلتها عام 2015 ومقتل سفيرها أندريه كارلوف في كانون الأول 2016 وأنقرة أعطتها كل ما تريده من فرص طالما أن المصالح المشتركة ستكون محمية تجاريا واستراتيجيا في القوقاز والقرم وأسيا الوسطى والبلقان والبحر الأسود ونقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
أردوغان في سوتشي بدعوة من نظيره الروسي ولكن لا أحد يهتم بمن وجه الدعوة لأن كلا الرئيسين كان يريد ويستعد لهذه القمة الضرورية منذ أشهر. ليست من النوادر أن تعقد قمم ثنائية بشكل منفرد ومن دون حضور مسؤولين آخرين سياسيين أو عسكريين. لكن أردوغان الذي اختار أن يصطحب معه هاقان فيدان وإبراهيم قالين يعرف جيدا لماذا يفعل ذلك. هناك لقاء بين فيدان ومملوك من المحتمل أن يكون قد تم وأن أردوغان يريد أن يسمع بوتين مباشرة رأي فيدان بنتائج اللقاء. وهناك لقاء ثنائي تم بين قالين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان في واشنطن قبل أيام نوقش خلاله الملف السوري وشرق الفرات ويريد أردوغان كذلك أن يكون بوتين على علم ببعض تفاصيله. الرئيس الروسي أطلع أردوغان على نتائج محادثاته الأخيرة مع بشار الأسد وحصيلة المحادثات الأميركية الروسية السياسية والعسكرية بشقها السوري أيضا.
عندما يقول أردوغان إن تركيا تستضيف حوالي 4،5 مليون لاجىء سوري وأنه حان الوقت لإيجاد حل ثابت ونهائي ويمكن اعتماده لتسهيل عودتهم فهو يقصد أولا تسهيل فتح الطريق أمام تفاهمات جديدة في شمال سوريا وطرح حلول عملية مغايرة لملف الأزمة السورية لأنه دون فعل ذلك لن تحل أزمة اللجوء. لن يكون هناك مفاجأة إذا ما سمعنا أن الترجمة العملية لما قاله الرئيس التركي وهو في طريقه إلى سوتشي “سنبحث إلى أين وصلنا في الملف السوري وإلى أين تسير الأمور في المرحلة المقبلة”. بدأت تترجم عمليا على الأرض عبر بروتوكول تركي روسي جديد حول إدلب يتحدث عن عملية إعادة تموضع عسكري وسياسي في التعامل مع خرائط المنطقة هناك.
السؤال الذي يريد الكثير من السوريين إجابات عليه هو ارتدادات قمة الرئيسين التركي والروسي في سوتشي على ملف الأزمة السورية وبأي اتجاه ستسير الأمور. هذا حقهم الطبيعي طالما أن هناك من يقول لنا إن التنسيق بين أنقرة وموسكو بمقدوره حل الأزمة في سوريا وطالما أن غالبية طاولات الحوار الإقليمي والدولي تنظم وتعقد في الآونة الأخيرة خارج رغبة وقرار القيادات السورية أو وجودها أمام الطاولة.
سبل السعادة ووسائل الوصول إليها بطريقة طبيعية تمر عبر تفعيل هرمونات الإندورفين والدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين والطريق إلى ذلك هو الضحك والموسيقا والرياضة ومحبة الناس والحيوانات والطبيعة وإسعاد الآخرين والشعور بالأمان والغذاء الصحي المبرمج ووو. هذا المقطع سقط هنا سهوا من مادة أخرى كنا نتحدث فيها عن إعادة الحلم لأطفال سوريا.
تلفزيون سوريا
———————–
هل التحالف الأمريكي التركي على حافة الانهيار؟
بعد لقائه مع بوتين ، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة (مرة أخرى) ، لكن العلاقات بين تركيا وروسيا لها قيودها وحدودها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي بنظيره التركي ، رجب طيب أردوغان ، في سوتشي في 29 سبتمبر. – فلاديمير سميرنوف / بول / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز
الإشارات الإلزامية إلى الولايات المتحدة وتركيا باعتبارهما “حلفاء” و “شركاء” في الناتو تتلاشى بشكل متزايد ، حيث قد تقترب العلاقات الثنائية من نقطة الانهيار بسبب الخلافات حول روسيا وسوريا.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، الذي التقى في 29 سبتمبر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ، إن تركيا لا تمضي قدمًا فقط في شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 ، الأمر الذي أدى إلى فرض عقوبات أمريكية ، لكنها تفكر في شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400. تعاون دفاعي أعمق مع روسيا ، بما في ذلك تطوير محركات الطائرات وبناء السفن والطائرات الحربية ، كما نورد هنا .
أما بالنسبة لدور تركيا في برنامج الطائرات المقاتلة الأمريكية F-35 ، الذي كلف تركيا 1.4 مليار دولار ، فقد تبنى أردوغان موقفًا أو اترك موقفًا في 30 سبتمبر ، قائلاً ” إما سيعطوننا طائراتنا أو سيعطوننا. المال “.
أردوغان: المسار الأمريكي التركي ‘لا يبشر بالخير’
جاء اجتماع أردوغان مع بوتين في أعقاب ما اعتبره أردوغان ازدراء من الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.
لا يهم أن بايدن لم يقض حتى ليلته في نيويورك ، والتقى بعدد قليل جدًا من قادة العالم. ألقى العديد من رؤساء الدول والحكومات خطاباتهم هذا العام تقريبًا.
كان أردوغان قد وافق على التقاط صورة وبعض العلاقات الإجبارية أو الكاذبة مع بايدن ، خاصة على الأقل بسبب وهم النفوذ أو التوازن قبل لقاء مع بوتين بشأن بعض القضايا الشائكة ، بما في ذلك أوكرانيا وسوريا (انظر أدناه).
قال أردوغان في نيويورك: “آمل ، بصفتنا دولتين في الناتو ، أن نتعامل مع بعضنا البعض بصداقة لا عدائية”. “لكن المسار الحالي لا يبشر بالخير. النقطة التي وصلنا إليها في علاقاتنا مع الولايات المتحدة ليست جيدة … لا أستطيع أن أقول إن الأمور بدأت بداية جيدة مع بايدن.”
كتب جنكيز كاندار: “فيما يتعلق بصورة أردوغان داخل تركيا ، فإن أدائه في نيويورك فشل على ما يبدو في إحداث تأثير كبير ، لا إيجابًا ولا سلبًا” .
ربما يكون اجتماع أردوغان مع بوتين ، بعد الإخفاق في الأمم المتحدة ، قد عزز مزيدًا من الميل الشرقي في السياسة الخارجية لتركيا.
ويضيف كاندار: “في ظل حكم أردوغان ، تبحر تركيا بثبات نحو مسار غير غربي في عالم متعدد الأقطاب حيث تبرز الصين في شرقها”. “لهجة أردوغان الحذرة فيما يتعلق بقضية الأويغور خلال خطابه أمام الأمم المتحدة تعكس أيضًا جهوده لعدم جذب أي غضب من بكين. عندما يتعلق الأمر باستهداف الولايات المتحدة والعالم الغربي ، في هذه الأثناء ، لم يخف أردوغان كلماته”.
بوتين يحاول التوفيق بين تركيا وأوكرانيا….
وقال بوتين قبيل قمة سوتشي: “المفاوضات مع تركيا صعبة في بعض الأحيان ، لكننا تركنا سوتشي دائمًا بنتائج إيجابية”. “نتعلم كيف نتصالح”.
لكن ثبت حتى الآن أن موقف أردوغان من أوكرانيا صعب التوفيق بينه وبين بوتين.
وكتب فهيم تستكين يقول: “إن مبيعات تركيا بطائرات بدون طيار لأوكرانيا وتعهد أردوغان بعدم الاعتراف أبدًا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم قد لاحظهما الجانب الروسي على النحو الواجب ، والذي يعتبر كلا المسألتين حاسمتين لأمنها القومي وسلامة أراضيها” .
ويضيف تيستكين: “كرر أردوغان تعهده الخاص بشبه جزيرة القرم خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن أعلنت وزارة الخارجية التركية أن انتخابات مجلس الدوما التي أجريت في شبه جزيرة القرم هذا الشهر” لا تتمتع بصلاحية لتركيا “. علاوة على ذلك ، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن أوكرانيا تخطط لإنشاء مصنع للطائرات بدون طيار للإنتاج المشترك للطائرات بدون طيار تركية الصنع تي بي 2.
ويخلص تيستكين إلى أنه “لو كانت أنقرة قادرة على كبح رد فعلها على موسكو بشأن هذه القضية ، لكان بإمكان تركيا أن تستخدم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كوسيلة ضغط في مفاوضاتها مع روسيا. وبدلاً من ذلك ، حافظت على موقفها الصفري ، مما أدى إلى جذب غضب موسكو “.
… مع استمرار الضغط على تركيا في سوريا
يحقق بوتين فيما إذا كان الوقت مناسبًا لهجوم عسكري سوري على إدلب ، وهو الموقف الأخير المحتمل للجماعات الجهادية والمدعومة من تركيا والمعارضة للرئيس السوري بشار الأسد .
وأضاف أن ” طائرات القوات الجوية الروسية تقصف مواقع المتمردين في إدلب ومحيطها ، مما يوسع نطاق هجومها ليشمل المناطق التي تحتلها تركيا في منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية وبالقرب من تل تمر فيما يسمى بـ” منطقة نبع السلام “التي احتلتها تركيا في آخر حرب لها. هجوم عبر الحدود ضد المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الاكراد القوى الديمقراطية السورية في أكتوبر 2019، ” تقارير أمبيرين الزمان .
قد يشجع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بوتين كإشارة إلى أن واشنطن تتراجع عن “حروب لا نهاية لها” ، كما انتعشت الاتصالات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا ، كما ناقشت فيفيان سلامة في بث على موقع Al-Monitor مؤخرًا.
التقى بوتين بالأسد في 13 سبتمبر ، قبل أسبوعين من اجتماعه مع أردوغان. يود الأسد المضي قدمًا في إدلب ، لكن بوتين لاعب أكثر حرصًا وتعمدًا ، ويسعى إلى قدر أكبر من اليقين حول كيفية حدوث ذلك في أنقرة وواشنطن.
تخضع إدلب لسيطرة هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة (“تحرير الشام”). وفقًا لاتفاقها مع روسيا ، فإن تركيا مكلفة بتقليل نفوذ الجهاديين. قال خالد الخطيب من حلب إن هيئة تحرير الشام تواصل تغيير صورتها السابقة ، و “ترفض دعوات من تنظيم حراس الدين التابع للقاعدة لحل خلافاتهم من خلال التحكيم الشرعي” .
من وجهة نظر روسيا ، فشلت تركيا في مهمتها المعلنة لتنظيف إدلب. من وجهة نظر تركيا ، فإن الهجوم السوري المدعوم من روسيا على إدلب سيؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين السوريين.
كتب زمان: “القلق الرئيسي لتركيا هو أن أي هجوم واسع النطاق على إدلب سيؤدي إلى دفع ما يصل إلى مليون سوري نحو الحدود التركية” .
بالنسبة لأردوغان ، أصبحت الحرب التي لا نهاية لها في سوريا عقبة في السياسة الداخلية التركية.
كتب زمان: “يتصاعد الاستياء تجاه ما يقدر بنحو 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا حاليًا ، ويتم استغلال هذه المشاعر بشكل ساخر من قبل المعارضة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في عام 2023” ، كتب زمان “… مع أرقام استطلاعات الرأي الخاصة به تتراجع إلى مستويات متدنية غير مسبوقة ، وبالتالي فإن أردوغان حريص على الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب ، على الأقل حتى ذلك الحين “.
بينار تريمبلي لديه تأخذ هنا على الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أن “أحزاب المعارضة، مثل حزب الشعب الجمهوري (CHP) وقد استفاد من المناهضة للمهاجرين والمشاعر المعادية للاجئين وثغرة أمنية متزايدة.”
سلطان الكنج من إدلب “أوقفت تركيا مؤخرًا إصدار بطاقة الحماية المؤقتة – المعروفة باسم كيمليك – للاجئين السوريين الذين يحتاجون إلى العلاج المنقذ للحياة داخل الأراضي التركية ، واستبدلت بها وثيقة السياحة العلاجية” . أفاد
متين جوركان أن العديد من طلبات التقاعد رفيعة المستوى الأخيرة من قبل الضباط العامين يمكن أن تكون علامة أخرى على الاستياء المتزايد من سياسة أردوغان في سوريا.
كما أن بوتين يشعر بالقلق أيضًا من أن الهجوم السوري المدعوم من روسيا على إدلب قد يكون بمثابة نقطة توقف للهجوم التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا (AANES) ، كما كتب كيريل سيمينوف .
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب ، وهي الجماعات المسلحة الكردية السورية التي تشكل الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية ، إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
أثبتت الخلافات الأمريكية والتركية بشأن قوات سوريا الديمقراطية أنها مريرة وغير قابلة للتوفيق.
في 29 سبتمبر ، أشار أردوغان إلى بريت ماكغورك ، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، بأنه ” يدعم الإرهاب فعليًا … إنه مدير لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب”.
يشعر بوتين بانفتاح لمتابعة خطته طويلة الأمد لهندسة اتفاق بين الأكراد السوريين ودمشق يكون مقبولاً لأنقرة – مراجعة لاتفاقية أضنة لعام 1998 ، والتي نزع فتيل التوترات التركية السورية بشأن حزب العمال الكردستاني.
يكتب سيمينوف أن روسيا “تحاول دفع الأكراد السوريين إلى حوار مع دمشق ، ولكن دون تدخل أمريكي. والمقصود هو أن الأكراد السوريين أنفسهم يجب أن يبدأوا في إبعاد أنفسهم عن الولايات المتحدة في حالة تراجع الولايات المتحدة في سوريا. كما حدث في أفغانستان “.
الجمود مع استمرار “المعاناة العميقة” في سوريا
لا يبدو أن بايدن ولا بوتين ولا أردوغان على استعداد لقلب الوضع الراهن دون إشارة أخرى بشأن ما سيأتي بعد ذلك ، وهو نوع من الجمود الهش الذي يمكن أن ينهار في أي وقت.
لا يمكن لأردوغان أن يتخلى عن الولايات المتحدة بشكل كامل ، فهو وبوتين ليسا على نفس الصفحة في سوريا وأوكرانيا. إنه يحتاج على الأقل إلى وهم وجود خيار في التعامل مع بوتين للبقاء في اللعبة. هذه أيضًا ورقة رابحة للولايات المتحدة. إحباط الرئيس التركي هو أن سياسته الخارجية شخصية وعلى مستوى القمة ، كما كتب جوركان . هو وبوتين يلتقيان ويتحدثان كثيرًا. في المقابل ، لا يحاول أردوغان وبايدن تزويرها هذه الأيام.
في غضون ذلك ، لا يزال السوريون يعانون.
بالإضافة إلى هذا “عدد القتلى الرهيب” ، في إشارة إلى ما لا يقل عن 350 ألف قتيل سوري موثق في الحرب الأهلية ، أبلغ مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن مجلس الأمن هذا الأسبوع ، “قد نضيف تدابير أخرى للمعاناة العميقة منذ أكثر من عقد من الزمان. أكثر من 12 مليون سوري نزحوا – أي نصف سكان سوريا قبل الصراع. ولا يزال عشرات الآلاف محتجزين أو مختطفين أو مفقودين. تقترب مستويات الفقر من 90 في المائة بعد عقد من الصراع وسوء الإدارة والفساد ، والآن أثر ذلك من الانهيار الاقتصادي اللبناني ، وباء كوفيد ، بل والعقوبات. سوريا مقسمة إلى عدة مناطق فعلية ، حيث يتصارع اللاعبون الدوليون في المسرح ، فضلاً عن حلقات العنف التي لا تزال تختبر الهدوء النسبي خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية “.
موقع المونيتور
————————–
الأسد.. نفاية مستحيلة التدوير*/ عدنان عبد الرزاق
موجات إحباط تكسو السوريين اليوم، بعد تراخي المجتمع الدولي بتعاطيه مع قضيتهم وتعاظم ملامح “عفا الله عما مضى” لوريث الحكم بدمشق، بعد جرائم لم يسجلها تاريخ الطغاة من قبله، فمقتل زهاء 1400 سوري خنقاً بغازات سامة بغوطة دمشق فقط، كفيلة بمحاكمة منظومة حكام ومتآمرين، لا بشار الأسد فحسب.
وجريمة الغوطة واحدة من مئات جرائم الغازات السامة وواحدة من آلاف الجرائم التي ترتكب حتى الساعة، آخرها بالأمس، وقت ماتت أم أمام أطفالها بمخيم لنازحين في قرية “باتنتة” شمال إدلب.
بيد أن العالم الذي ملّ السوريين وقضيتهم، توقف حتى عن إدانة الجرائم وتوثيقها، ربما لأن ما يجري، هو تماماً ما أرادوه أن يجري، فهل أفضل للعالم الديمقراطي من مستبد مدان يحكم قلب جغرافيا الشرق، بعد تهديم كل ما فيها، من ثروات وطاقات وبشر، فهو المثال المشتهى ليحكم كما تقتضي المصالح والتكتلات والجوار المسمى إسرائيل، وإلا فتح الدفاتر القديمة، كما شهدنا بعديد من دول العالم الثالث، جاهزة متى شذّ الحاكم عن شروط من أوجده، وأبيه من قبله.
قصارى القول: يعيش نظام بشار الأسد هذه الآونة، شهر عسله بالانفتاح على الخارج وبدء تكسير، كل ما قيل من عقوبات وحصار. فمجرد أن وافق على تمرير الغاز الاسرائيلي عبر الخط العربي إلى لبنان، بدأت طاقات الفرج تتوسع برعاية أردنية.
والعراب هذه المرة، ليس من حلفاء الأسد على قتل السوريين وحلمهم، إن بطهران أو موسكو، بل وليست حتى الإمارات الشقيقة السباقة في دعم وتسويق الأسد، بل جاءت ضربة السوريين القوية من الأردن الضعيف، فمنذ زيارة الملك الهاشمي عبد الله لواشنطن في يوليو/تموز الفائت، ودعوته الرئيس الأميركي “جوزيف بايدن” لتخفيف عقوبات قانون “قيصر” واستثناء الأردن مبدئياً، لأن “هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟” وانفراجات الأسد تتالى واحدة تلو واحدة.
فرأينا فيما رأينا، زيارة وزير دفاع الأسد لعمان تلتها لجنة وزارية مشتركة وفتح لمعبر جابر ووعود بفتح الخطوط الجوية، لتناغي الإمارات الأردن، بقرارات وتسهيلات وأموال ومشاركة وفد سوري بمعرض “اكسبو 2020 دبي” وغض طرف أمريكي عن عقوبات قيصر ووعود صينية استثمارية وهندية بمساعدات وفرنسية بعلاقات وطيدة ولبنانية وعراقية ومصرية ومغاربية وخليجية، بعودة العلاقات أفضل مما كانت قبل الثورة.
ولكن، هل يمكن إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، ليعود يحكم كامل سورية ويكفي من عليها، بعد أن وصلت نسبة الفقر 92% واستوطن، بأشكال مختلفة، أربعة محتلين على الأرض السورية.
الإجابة وبأغلب الظن، لا يمكن لأي قوة بالعالم، أن تعيد للأسد الشرعية والاستمرارية بالحكم، وإن بقيّ على كرسي أبيه، ربما لسنوات، فسيكون عبئاً قانونياً ومالياً على كل الساعين لحمله وتسويقه.
فإن استثنينا جميع احتمالات فتح ملف جرائم الأسد، حينما ينتهي دوره الوظيفي بالكامل، سنسأل عن إمكانية الاستمرار بواقع المحتلين وتملكهم الثروات والجغرافيا والجوع الذي تعدت عقابيله، الفساد والدعارة والمخدرات. فضلاً عن فقدان الأسد ما يقدمه لكفلائه بالصفح والتسويق، بعد استيلاء إيران وموسكو على ما فوق الأرض وتحتها.
ولكن، مرحلياً بواقع النزاعات ومحاولات اقتسام النفوذ وتشكل تكتلات وأحلاف بالمنطقة، يبقى بقاء بشار الأسد، هو الاتفاق الدولي الوحيد، وإن تنوعت المبررات والأهداف والمصالح، ولكن طول تلك الفترة، يتعلق بالسوريين أنفسهم وربما قبل القرار الدولي.
فأن تستمر المعارضة على ما هي عليه، فذاك مبرر لطول فترة إبقاء الأسد مخافة وصول المتطرفين وتقسيم سوريا أو تحولها إلى دولة فاشلة. في حين بناء معارضة وطنية كفوءة، تحمل هموم الشعب وتجيد تسويق القضية، على نحو سياسي بعيد عن التبعية والاستجداء، يعجّل بقصر عمر الأسد.
كما بنهاية القول: تسريع طرد المتطرفين ودعاة التقسيم من ممالكهم التي يسعون لتحويلها إمارات، ولو سيطر الأسد على كامل الجغرافيا السورية، يعجّل أيضاً بحلم السوريين، لأنه وبغالب الظن، لن يقدم العالم على حل سوري، إلا بعد ذريعة “كامل الأراضي السورية” وإلا ستبقى الذريعة قائمة، ليس لسرقة الأرض والثروات وتهجير السوريين…بل ولبقاء الأسد على كرسي أبيه.
————————
==================
تحديث 04 تشرين الأول 2021
————————
الملك عبد الله.. لعنة الأسد و”قلاية الباندورا”/ عبدالله الموسى
نشر الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية مساء الأحد نتائج تحليل وتقصي 12 مليون وثيقة من وثائق باندورا، وذلك بعد 5 ساعات ودقيقة واحدة من إعلان وكالة الأنباء الأردنية تلقي العاهل الأردني مكالمة من بشار الأسد هي الأولى بينهما منذ بداية الثورة السورية، لتبطل الوثائق فرحة عبد الله الثاني وتفجر خبراً عنوانه “العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اشترى 15 عقاراً فخماً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بقيمة تزيد على 106 ملايين دولار”.
توجت المكالمة بين الأسد وملك الأردن الماراثون الدبلوماسي الذي قاده الأخير من واشنطن إلى موسكو لجمع التواقيع على وثيقة للحل في سوريا. وثيقة مدفوعة ببلادة بايدن ووقاحة بوتين وأزمة الطاقة في لبنان.
ركز الخطاب الأردني لتبرير عملية التطبيع مع النظام السوري على أنها مبادرة لإنقاذ سوريا وتخفيف الأعباء عن الأردن الذي دفع أموالاً طائلة على اللاجئين السوريين لديه، وخسر اقتصادياً كثيراً بسبب انقطاع العلاقات مع النظام.
وسارعت ورشات الصيانة إلى إصلاح وصلات خط الغاز العربي في الأردن وسوريا ولبنان، ومحولات الكهرباء أيضاً، ووصل وفد النظام إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة مزهواً يريد أن يلتقي كل أصحابه، وسمع وعوداً من وزير الخارجية المصري بالعودة إلى الحضن العربي.
النظام يرصد كل المتغيرات، فالسعودية تتباحث مع إيران بوساطة عراقية وتركيا أعادت العلاقات مع الإمارات ومصر وبايدن لا تعنيه سوريا وروسيا لم تخذله أبداً.
بالعودة إلى الخطاب الأردني الرسمي بضرورة تحسين التبادل التجاري مع سوريا، وكأن عائدات معبر نصيب ستنقذ الاقتصاد الأردني، لا يحتاج هذا الخطاب لشرح طويل لتفنيده فالجميع يعلم حالة الانهيار الاقتصادي والمعيشي في مناطق سيطرة النظام والتي بدأت مرحلة جديدة تمثلت بموجات هجرة للصناعيين والعمال إلى أي بلد مستعد لاستضافتهم.
ومع فقدان النظام سيطرته على جميع المعابر الحدودية الشمالية انعدمت أي حركة ترانزيت تمر من البلاد. وفقد النظام فوائض التصدير الزراعي والصناعي، واستبدلها بالبشر الهاربين والمخدرات والمتفجرات والأزمات.
لذلك فإن الأساس الذي بنيت عليه فرضية التطبيع الأردني مع الأسد باطل، ومستشارو الملك أثبتوا فشلهم عندما قدموا هذه الفكرة المهزوزة للتبرير، مثلما أثبتوه عندما لم ينصحوا ملكهم بعدم الاتصال بالأسد في نفس اليوم الذي ستصدر فيه نتائج التحقيقات بوثائق باندورا، وهنا لا بد من التوضيح أن الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية أعلن مسبقاً عن موعد صدور التحقيقات.
بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية حزيران الماضي 66 مليون دولار، وفي العام الفائت 2020 بلغ 94 مليون دولار، وفي العام 2019 بلغ 118 مليون دولار، وفي العام 2018 عندما تمت إعادة افتتاح معبر جابر 165 مليون دولار.
ولا بد من الإشارة إلى أنه في كل عام من 2018 وحتى الآن إما تتساوى الواردات الأردنية بالصادرات أو تفوقها، ما يعني أن المستفيد الأكبر هو النظام، وليس الأردن والأردنيين.
443 مليون دولار أميركي هي حصيلة التبادل التجاري بين البلدين منذ إعادة الأردن افتتاح معبر جابر – نصيب عام 2018 بعد سيطرة النظام على الجنوب السوري وتخلي الأردن المفاجئ عن الفصائل العسكرية السورية التي كانت ترعاها هناك بتوكيل أميركي.
حصيلة 4 سنوات تساوي حصيلة عام 2011 وحدها، حيث بلغ حينذاك التبادل التجاري 450 مليون دولار بين البلدين. وحصيلة أفضل عام للتبادل التجاري تساوي قيمة الـ 14 عقاراً للملك الأردني كشفتها وثائق باندورا والتي بلغت 106 ملايين دولار، بينها قصر مطل على المحيط الهادئ في ماليبو بولاية كاليفورنيا الأميركية سعره 33 مليون دولار.
ربما تأمل عمّان بمشاريع إعادة إعمار سوريا وتظن أن الضوء البرتقالي الذي نالته من بايدن يسمح لها ولغيرها ببدء هذه المشاريع، ولربما تأمل بإحياء خط الشام الجديد من العراق إلى مصر.
تأمل عمان.. لكن اللعنات بدأت تضرب، فالملك عبد الله وقصوره في الولايات المتحدة وبريطانيا حديث الأخبار، وبالنظر لسياق تاريخ المطبعين مع الأسد وتكراره للمرة السابعة على التوالي، بات من المستحيل إقناع السوريين بعدمية المطابقات القدرية، وأصبحت هذه المعادلة محققة، وربما تردع باقي المطبعين الواقفين على الطابور.
في تموز من العام 2019 قال الملك عبد الله في مقابلة مع طالبات جامعيات: “الناس يفكرون أنه عندما تكون ملكا يعني كل شيء تريده يمكن أن تحصل عليه.. أتمنى أن يكون هذا هو الواقع ولكن الموضوع أصعب من ذلك بكثير.. المسؤوليات كبيرة وآثارها واضحة.. انظروا إلى الشيب”.
“أكثر أكلة أحبها هي قلاية البندورة، والعسكر الذين خدموا معي في الدروع يعرفون أنه لا يوجد أفضل من قلاية البندورة ونحن جالسون على الأرض بجانب الدبابة.. وأنا بطبيعتي أحب البساطة”.
تلفزيون سوريا
—————————–
هل ينقذ معبر نصيب الاقتصاد الأردني؟/ أسامة قاضي
من حق أي دولة تمر بمحنة اقتصادية أن تجد طرقاً للخروج من أزمتها شريطة أن تختار الخيارات الدقيقة والصحيحة للخروج من أزمتها الاقتصادية.
تضرر الاقتصاد الأردني بشدة من جائحة كورونا وسط نمو منخفض بالفعل وارتفاع معدلات البطالة وتزايد الديون، وقد قدّر البنك الدولي أن الاقتصاد الأردني انكمش بنسبة 1.6٪ عام 2020، مع ارتفاع البطالة إلى 24.7٪ في الربع الرابع من عام 2020، ووصول معدلات بطالة الشباب إلى 50٪ غير مسبوقة، ووصف البنك الدولي وضع الاقتصاد الأردني بأنه اقتصاد هشّ فقد أصيبت الهياكل الاقتصادية بالعطب.
سنّت الحكومة الأردنية سلسلة من الخطط والبرامج لمعالجة الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية للوباء، كما أطلقت الحكومة الأردنية برنامجين للحماية الاجتماعية في عامي 2020 و2021 لدعم الأسر والعمال الضعفاء، بالإضافة إلى تنفيذ التدابير المصممة لدعم الأعمال، بما في ذلك مدفوعات الضرائب المتأخرة، والمدفوعات الجزئية للرواتب، وبرامج القروض الخاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ذكر تقرير البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومؤسسة التمويل الدولية، ووكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف بعنوان “استعراض الأداء والتعلم لإطار الشراكة القطرية
للمملكة الأردنية الهاشمية” في مايو 2021 مسألة تعاون الأردن مع البنك الدولي لحل أزمته الاقتصادية من خلال إجراءات البرنامج التنفيذي الإرشادي للحكومة الأردنية الجديد جي آي إي بس 2021-2024.
حيث تركز الخطة الخمسية بشكل أساسي على الإصلاحات لدعمها الاستثمار والصادرات، وخفض تكاليف الأعمال، ومواجهة تجزئة سوق العمل، كما تم تحديث أجندة الإصلاح في إطار الخطة الخمسية للسنوات الخمس وإطلاقها رسميًا في المؤتمر الدولي “النمو والفرصة: مبادرة لندن 2019”. نظمت مجموعة من الإصلاحات السياسية الشاملة (الأفقية) والقطاعية (الرأسية) على مدى خمس سنوات.
تشتمل مصفوفة الإصلاح على 11 ركيزة في كل القطاعات الاقتصادية بميزانيات كبيرة، مع إضافة إصلاحات لتقوية قطاع السياحة وتحسين كفاءة القطاع العام، وتتضمن تركيزًا إضافيًا على التحول الرقمي، والمساواة بين الجنسين، والاستثمار الأخضر مثل مواضيع شاملة.
كما ذكر التقرير كيف عاجلت جائحة كورونا الاقتصاد الأردني الصغير والمفتوح ونال من قطاع الخدمات وإيرادات السفر والسياحة، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة في الأردن بشكل طفيف من 18.3٪ إلى 19٪ بين عامي 2017 و2019، ولكن الأمور ازدادت سوءاً حيث وصلت إلى 24.7٪ في الربع الرابع من عام 2020. ارتفعت معدلات البطالة بين الإناث، التي كانت في انخفاض بين عامي 2017 و2019، من 31.2٪ إلى 27٪، بشكل حاد إلى 32.8٪ في الربع الرابع من عام 2020.
علاوة على ذلك، قفزت بطالة الشباب (15-24 عامًا) بشكل كبير – من 40.6٪ في عام 2019 إلى أعلى مستوى غير مسبوق بنسبة 50٪ بنهاية الربع الرابع من عام 2020.
عام 2015 تراجع الأردن 15 مرتبة على مؤشر عالمي للفساد تنشره منظمة الشفافية سنويًا دوليًا، من 45 إلى 60 في عام 2020.
وأشار التقرير إلى تقرير منظمة فريدوم هاوس عام 2021 قالت إن المجتمع الأردني لم يعد حرا، وكان ذلك في السابق تم الحكم عليه بأنه “حر جزئيًا”، وسجلت الانتخابات البرلمانية في 10 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 أقل نسبة مشاركة في عقد من الزمن، حيث بلغت 29.9٪ فقط.
تألفت المحفظة النشطة للبنك الدولي في الأردن من 14 مشروعًا بقيمة 2.67 مليار دولار أميركي على شكل قروض وائتمانات ومنح (2.5 مليار دولار أميركي) من البنك الدولي للإنشاء والتعمير/ المؤسسة الدولية للتنمية، منها 231 مليون دولار أميركي منح من الصندوق العالمي للتمويل الميسر “جي سي إف إف”، و138 مليون دولار أميركي (من الصناديق الائتمانية). كما أن هنالك قرضا متوقعا أوائل السنة المالية 22 مبلغًا إضافيًا يقدر بـ 840 مليون دولارًا أميركيًا.
لاشك في أن هذا الوضع الحرج سيدفع صانع القرار الأردني للبحث عن مخرج ينتشل الاقتصاد الأردني من هذه الأزمة، ومن حق الأردن أن يعتقد أن فتح معبر جابر-نصيب الذي يقع بين بلدة جابر الأردنية في محافظة المفرق، وبلدة نصيب السورية في محافظة درعا، قد يساهم في حل أزمته الخانقة كالغريق الذي يتعلق بالسراب، لكن واقع الحال أن الأردن يستورد سنوياً 19 مليار دولار، ويصدر 8 مليارات دولار، والتجارة مع سوريا حجمها بسيط حيث وصلت عام 2011 إلى 255 مليون دولار يوم كان ناتج سوريا القومي 62 مليار دولار بينما لايصل الآن لعشرة مليارات دولار! ويوم كانت سوريا بمحافظاتها الـ14 والـ23 مليون تعمل وتنتج فكيف هو الحال في اقتصاد سوريا الممزق الآن! كم يتوقع صانع القرار الأردني أن تصل حجم التجارة الأردنية مع سوريا بعد فتح المعبر!
بالنظر للأزمة الاقتصادية الخانقة في سوريا وانقطاع التيار الكهربائي وقلة المياه وقلة المحروقات اللازمة التي تحتاجها العملية الزراعية إضافة لهرب عشرات الألوف من الصناعيين (تقديرات محلية تشير إلى رقم 47 ألف صناعي غادر آخر ستة أشهر فقط) والمهنيين السوريين بسبب عدم إمكانية الحصول على القطع الأجنبي اللازم من السوق السوداء بعد إصدار المرسوم رقم 3 عام 2020 إضافة إلى وجود 2000 قرار حجز احتياطي آخر شهرين على الصناعيين، لهذه الظروف المسمومة وغيرها لا تتجاوز الطاقة الإنتاجية الصناعية السورية أكثر من عشرة بالمئة من طاقتها الإنتاجية الحقيقية فمالذي يمكن أن تستورده الأردن من سوريا! غير ما تبقى من خضار وفواكه بعد أن تصدر إلى روسيا وغيرها، خاصة إذا علمنا – حسب الإندبندنت- أن هنالك خطا بحريا ثابتا ومنتظما لتصدير شحنات الحمضيات بين ميناء اللاذقية وميناء نوفوروسيك في روسيا، وبلغت الكميات المقدرة للتصدير عام 2020 ما يفوق 674 ألف طن لعدة دول منها روسيا الاتحادية وأرمينيا وكازاخستان ورومانيا، ولم تتوقف الباخرة “روس لاين” الروسية عن شحن أطنان شهرياً عبر عمليات نقل بمعدل ثلاث رحلات شهرياً، كل حمولة تبلغ 1500 طن من الحمضيات.. فما الذي سيتبقى لتصديره للأردن؟
وبالمقابل لا يوجد ماتصدره الأردن لسوريا ليس فقط لعدم وجود منتجات أردنية كثيرة معدة للتصدير، بل لأن القوة الشرائية للمواطن السوري هزيلة جداً لدرجة أن راتب الوزير حسب المرسوم التشريعي الذي صدر العام الماضي هو 135 ألف ليرة سورية هو عبارة عن 38 دولارا بمعنى أن دخل الوزير اليومي أقل من 1.9 دولار يومياً فالوزير السوري بتعريف البنك الدولي تحت خط الفقر! فما الذي يأمله صانع القرار الأردني من التجارة عبر معبر نصيب الحدودي؟
وللتذكير فإن وزارة الصناعة الأردنية عام 2018 قامت بحظر حوالي 80 بالمئة من السلع السورية دخول الأراضي الأردنية، وكانت أبرز السلع السورية التي شملها قرار الحظر تشمل القهوة والشاي وأصنافا متعددة من الخضار والفواكه والمياه الغازية والمعدنية والزيوت النباتية والحيوانية والدواجن واللحوم والأسماك.. والشهر الماضي أغسطس 2021 قررت وزيرة الصناعة والتجارة الأردنية، مها علي، استثناء حظر استيراد عدد من البضائع من سوريا فقط لمدة ثلاثة أشهر، وتشمل البضائع السكاكر والشوكولاتة والويفر والأحذية من الجلد الطبيعي وألبسة الأطفال والألبسة الداخلية ومراوح الطاولة والأرض والجدران والنوافذ والسقوف ضمن كميات محددة!.. يعني سيعاد حظر هذه المواد في نوفمبر 2021.. فلم هذا الحماس لفتح المعبر إذا كانت كل هذه السلع السورية محظورة! وأي بضائع سوريا مسموح بها إذن؟
ولو أضفنا لفتح المعبر الذي لا تشكل حجم تجارته واحدا بالمئة من حجم التجارة الأردنية مع العالم كميات المخدرات الهائلة التي دخلت الأراضي الأردنية قادمة من سوريا فستكون المخاطرة أكبر، ففي آخر ستة أشهر فقط أوقفت السلطات الجمركية الأردنية شحنات في مايو 2021 بلغت مليون حبة كبتاغون، وفي يوليو من نفس العام تقريباً كمية مشابهة، وآخر شحنة كانت في أغسطس هذا العام بلغت 600 ألف حبة كبتاغون، فإذا افترضنا أن السلطات الأردنية تلقي القبض على ثلث المهربات فقد نجا الثلثان والشعب الأردني الشقيق معرّض لانتشار ملايين حبوب السموم المخدرة القاتلة.
إن الاختراق السياسي الذي يحاول الأردن أن يصنعه باسم الاقتصاد وعبر معبر هزيل مثل معبر نصيب من أجل تعويم النظام السوري قد لا يسعد الأميركيين في لحظة تغير المزاج السياسي الأميركي سواء بخسارة الديمقراطيين المتوقعة في مجلس الشيوخ في نوفمبر 2022، أو في الانتخابات الرئاسية 2024 في حال فاز الجمهوريون وخاصة إن كان الرئيس القادم من أتباع ترامب أو ترامب نفسه في سدة الرئاسة، خاصة أن قانون قيصر بات تشريعاً أميركياً ملزماً وقد يعرّض الشركات الأردنية أو بعض المؤسسات الأردنية أو البنك المركزي الأردني -لا قدر الله – للعقوبات بأثر رجعي.
إن استعادة العلاقات الاقتصادية الأردنية مع دولة ممزقة مهجّر نصف أبنائها، وفيها ثلاث مناطق نفوذ روسية وأميركية وتركية فضلاً عن الوجود الإيراني القريب من الحدود الأردنية لا يتوقع أن يخلق فرص عمل للعاطلين عن العمل الأردنيين! ولا يسد عجز الموازنة الأردنية التي بلغت 106 بالمئة عام 2020 لتصل إلى عجز ثلاثة مليارات دولار! ولن يرفع الانخفاض غير مسبوق الذي وصل إلى 76٪ في إيرادات السفر، وفتح معبر نصيب لن ينقذ الاقتصاد الأردني من أزمته ولن يعين على تخفيض نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي للأردن الذي وصل إلى 107.9 بالمئة حتى نهاية أبريل 2021.
إن الحملة الإعلامية الكبيرة المرافقة لفتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن تسوّق الوهم وتصوّر أن هذا المعبر سيكون بوابة الخير العميم على البلدين وكأنه اختراق اقتصادي قلّ نظيره رغم ضعف تأثيره على الاقتصاد الأردني فضلاً عن الاقتصاد السوري الذي يعيش أسوأ حالاته منذ الحرب العالمية الأولى
تلفزيون سوريا
———————–
“خط الغاز العربي”..بوابة اقتصادية لتطبيع سياسي مع نظام الأسد؟
بعد 21 عاماً من اتفاق ما يعرف بـ”خط الغاز العربي” بين أربع دول هي مصر والأردن وسورية ولبنان، والبدء في تنفيذه والعمل على مد أنابيبه عبر الحدود المصرية- الأردنية- السورية، قبل توقفه لأسباب عدة بينها سياسية، يعود المشروع إلى الواجهة مجدداً في محاولة لإحياء الاتفاق بين الدول نفسها، لكن في سياقات مختلفة.
فالعودة إلى الاتفاق تأتي مع اختلاف المشهد السياسي في المنطقة، وتغيّر موازين القوى العسكرية على الأرض وخاصة، في سورية التي تتنافس فيها عدة دول ما جعلها في قلب خريطة التنافس الجيواستراتيجي في الشرق الأوسط.
وفي ظل اعتبار بعض المحللين، أن “خط الغاز العربي” كان حلماً عربياً وخطوة نحو التكامل الاقتصادي لدى الدول الأربعة، إلا أن الحديث عن إحياء المشروع في المرحلة الراهنة، يأتي في وقت تتوخى فيه دول المشروع تحقيق أهداف اقتصادية علاوة على مكتسبات سياسية يسعى نظام الأسد تحقيقها.
عقدان على خط الغاز
بعد مباحثات ومناقشات بين الدول الأربعة على تفاصيل خط الغاز، اتفقوا في الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول عام 2000، على إنشاء الخط بطول 1200 كيلومتر يمتد من العريش في مصر وحتى الحدود السورية- التركية وحتى لبنان مروراً بالأراضي الأردنية.
وقسم الخط إلى أربع مراحل، الأولى تم تدشينها في27 تموز/يوليو عام 2003 بحضور الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، والملك الأردني عبد الله الثاني، وشملت “إنشاء خط أنابيب بري بطول 248 كيلومتراً وقطر 36 بوصة من منطقة العريش المصرية حتى شاطئ خليج العقبة جنوب طابا، ثم خط بحري من جنوب طابا المصرية إلى ميناء العقبة الأردني بطول 16 كيلومتراً وقطر 36 بوصة في عمق مياه يصل إلى 850 متراً عبر خليج العقبة، وبلغت استثماراته نحو 200 مليون دولار”، حسب ما قال وزير البترول المصري حينها، سامح فهمي.
أما المرحلة الثانية امتدت على مسافة 393 كيلومتراً من العقبة جنوب الأردن إلى محطة لتوليد الكهرباء في “رحاب” شمال الأردن عند الحدود السورية- الأردنية وانتهى العمل به في عام 2005.
والمرحلة الثالثة كانت داخل الأراضي السورية، إذ انقسم إلى مرحلتين الأولى امتدت من الأردن إلى دير علي في سورية، وثم محطة الريان لضغط الغاز بالقرب من حمص والتي دشنها رئيس النظام، بشار الأسد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، بحضور رئيس شركة ستروي ترانس غاز الروسية التي تعهدت المشروع.
ومن محطة الريان في حمص امتد الخط عبر أنبوب طوله 32 كيلومتراً إلى طرابلس شمال لبنان، حسب صحيفة “النهار” اللبنانية، إذ وُقعت الاتفاقية لبدء الإمداد بالغاز في 2 سبتمبر/ أيلول 2009.
والمرحلة الرابعة التي كانت المرحلة الثانية داخل الأراضي السورية، هي مد خطوط أنابيب الغاز بطول 62 كيلومتراً وقطر 36 انش من محطة حلب لنقل الغاز، وحتى كلس على الحدود السورية- التركية، وتم حينها الاتفاق مع شركة “ستروي ترانس غاز” لمدة الخط خلال 18 شهراً بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 52 مليون يورو، حسب ” arabianbusiness“.
وحسب وزير النفط في حكومة الأسد، بسام طعمة، فإن طول خط الغاز العربي بلغ 320 كيلومتراً من الحدود الأردنية إلى الريان وسط سورية، بقطر 36 إنشا واستطاعة نقل 10 مليارات متر مكعب سنوياً والخط باتجاه لبنان من الريان إلى الدبوسية بطول 65 كيلومتراً وقطر 24 إنشا وداخل الأراضي اللبنانية إلى محطة دير عمار نحو 36 كيلومتراً.
لكن اندلاع الثورة السورية في عام 2011 أوقف العمل على اكتمال خط الغاز داخل الأراضي السورية، كما أدت التفجيرات المتكررة التي طالت الخط سواء في مصر أو في سورية، إلى توقف ضخ الغاز عبره، وهو ما أكده وزير النفط في حكومة الأسد بسام طعمة بقوله إن “شبكة الغاز كانت عاملة منذ عام 2009 وتوقف العمل فيها بداية العام 2012 بسبب انخفاض كميات الغاز المنتجة في مصر”.
أسباب سياسية واقتصادية
وبعد عقدين من الزمن عادت الدول الأربعة إلى الاجتماع مجدداً في محاولة لإحياء الاتفاق، إذ اجتمع وزراء الطاقة في سورية ولبنان والأردن ومصر، مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي، في العاصمة الأردنية (عمان) لبحث سبل إيصال الغاز المصري إلى لبنان، عبر الأردن وسورية.
وجاءت هذه الاجتماعات بعد موافقة من الولايات المتحدة الأمريكية، على مساعدة لبنان من أجل حل أزمة الكهرباء فيه، عبر إيصال الغاز المصري عن طريق سورية.
وفي ظل ما تشهده المنطقة على المستوى السياسي ومحاولة إحياء الاتفاق من جديد، يرى محللون إن المحرك الرئيسِ لإعادة تفعيل الخط هو الأردن وذلك لأسباب اقتصادية.
وحسب أستاذ العلاقات السياسية والدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، أن صاحب المبادرة هو العاهل الأردني عبد الله الثاني، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الأردن، وتعرضه لضغوط إبان حقبة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بسبب صفقة القرن، إضافة إلى خلل ضمن العائلة المالكة، إلى جانب تقتير الدعم عنه من غالب الدول الخليجية.
وأشار أبو خطاب في حديث لـ”السورية.نت” إلى أن الأردن يحاول إعادة تفعيل التجارة مع سورية وقد يكون خط الغاز العربي هو المفتاح، إذ يقول إن “الأردن له مصالح اقتصادية وأمنية ومصالح مهمة مع سورية(..) قبل الحراك الثوري في سورية، كانت نسبة التجارة بين الأردن وسورية تصل إلى 60% عبر معبر جابر المهم ومرور الشاحنات من سورية إلى الخليج”.
واعتبر أبو دياب أن الملك الأردني طرح فكرة خط الغاز العربي على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كونه “بحاجة لأن يلعب دور الوسيط وأن تمر المسائل عنده، وطرحه كمفتاح”.
في حين يرى رئيس “قسم البحوث” في مركز “عمران للدراسات الاسترتيجية” معن طلاع، أن منح واشنطن الضوء الأخضر لـ”خط الغاز العربي”، جاء بسبب أمرين؛ الأول “الحراك الديبلوماسي الأردني الذي استطاع أن يبلور مقاربة تعاطي جديدة ما دون سياسية مع نظام الأسد”، أما الأمر الثاني جاء بـ”اللاهتمام الأمريكي في عهد بايدن تجاه الملف السوري”.
ورغم الدور الأردني الفاعل إلا أن دوره محدود لا يتعدى أن تكون “مهمة استطلاعية”، حسب ما وصفها خطار أبو دياب، لأن الموضوع يحتاج إلى حوار أمريكي- روسي، وهو ما جعل الملك الأردني يطرح فكرته على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لأن “الموضوع لا يمر دون موافقة روسية كونها متحكمة في اللعبة في سورية، وأن موسكو تريد مراقبة كل شيء وهي مهتمة بمسألة خطوط الغاز في سورية، لذلك منعت سابقاً مرور خط الغاز القطري والغاز الإيراني إلى سورية”.
واعتبر أبو دياب أن “روسيا انحازت لمشروع الغاز التي تقوده مصر، وهو مشروع إسرائيلي- مصري- يوناني-قبرصي، وتسمى المنظمة التي أنشأتها مصر منظمة (غاز شرقي المتوسط)، لذلك يقول البعض بإمكانية اختلاط الغاز الإسرائيلي بالغاز المصري”.
ثلاث فوائد لنظام الأسد
ولم يمضي أسبوعان على اجتماع الوزراء الأربعة واتفاقهما على إحياء خط الغاز العربي، حتى سارعت حكومة الأسد على إعلانها جاهزية خط الغاز العابر إلى لبنان داخل سورية، في إشارة واضحة إلى مكتسبات وفوائد كبيرة ينتظرها نظام الأسد من هذا الاتفاق:
– حصة تنتشل النظام
وتكمن فائدة النظام من إعادة خط الغاز في العديد من الأمور الاقتصادية والسياسية، إذ أن الحصة التي سيحصل عليها النظام من إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر المناطق التي يسيطر عليها، تساهم في انتشاله نفسه من أزمة الكهرباء عبر المسبوقة التي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرته.
وفي حديث لصحيفة “الوطن” الموالية لنظام الأسد، كشف وزير النفط والثروة المعدنية ، بسام طعمة، حصة النظام من إيصال الغاز المصري إلى لبنان، وقال إن “سورية ستحصل على كميات من الغاز مقابل مروره عبر أراضيها، بموجب الاتفاقيات الموقعة”.
وأضاف أن إعادة تفعيل خط الغاز سيؤدي إلى “حصول سورية على كميات من الغاز لدعم توليد الطاقة الكهربائية في البلاد”.
ويرى رئيس “مجموعة اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، أن “النظام سيستفيد من الخط إما بمبلغ لقاء رسم عبور الغاز والكهرباء إلى لبنان، وإما سيستفيد بحصة من الغاز والكهرباء، خاصة وأن وضع الكهرباء في سورية صعب جداً”.
– استثناء قيصر
أما الفائدة الثانية التي قد يجنيها نظام الأسد من الاتفاق، هي حصوله على استثناءات من قانون قيصر الأمريكي المقر منذ 2018، إذ كانت فرضت واشنطن بموجبه عقوبات اقتصادية على عشرات الأشخاص والشركات التي تدعم النظام، إضافة إلى فرض عقوبات على أي دول أو جهة تدعم النظام اقتصادياً أو تقيم علاقات اقتصادية معه، وهو ما أكد وزير النفط في حكومة الأسد، بسام طعمة، بأن خط الغاز سوف “يخفف من تداعيات الحصار الأمريكي الجائر الذي تفرضه واشنطن ضد سورية وشعبها”.
ويقول مسؤول التحقيقات في وحدة “حقوق الإنسان والأعمال التجارية” في “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إياد حميد، إنه “حتى الآن لم يتم تفعيل خط الغاز العربي، ولا يزال الموقف الأمريكي في إطار التصريحات، حيث كانت السفيرة الأمريكية في بيروت قد عبرت عن استعداد إدارة بلادها لدعم الاتفاق”.
ويضيف حميد، في حديث لـ”السورية،نت”، أن “الإدارة الأمريكية تستطيع دعم الاتفاق في إطار العقوبات المفروضة على النظام السوري، إما عن طريق تقديم استثناءات للعقوبات، كما فعلت في يونيو/ حزيران 2021 في إطار الاستجابة لأزمة فيروس كورونا، أو من خلال عدم تطبيق قانون قيصر أو قوانين العقوبات الأخرى فيما يتعلق باتفاق خط الغاز”.
وفي ظل ذلك طُرحت إشارات استفهام حول مصير “قانون قيصر”، إذ يرى إياد حميد أن “مصير قانون قيصر والعقوبات الأمريكية يعتمد على عدة عوامل، منها تطور السياسة الأمريكية في السنوات القادمة ومدى تجاوب النظام السوري مع أسباب فرض العقوبات عليه، ومدى تجاوبه من جهود الحل السياسي. وطبعاً يمكن لقوانين العقوبات أن تظل دون تشدد في تطبيقها، وللتذكير نظام الأسد تحت العقوبات الأمريكية منذ عام 1979.”
في حين يرى أسامة القاضي أن “الديمقراطيين لن يستطيعوا إنهاء ملف قيصر، لأنه بات تشريعاً، وسيكون هناك ضغط من قبل الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ من أجل إبراز التقارير المطلوبة في هذا الشأن”.
وأشار القاضي إلى أن الجمهوريين في حال فوزهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة في أمريكا، سيعرقلون أي قرار لبايدن في تخفيف عقوبات قيصر، وسيطالبونه بتقارير وسيكون مداناً قانونياً في حال عدم التطبيق.
– تطبيع سياسي عبر الاقتصاد
أما الفائدة الثالثة التي يأمل نظام الأسد في تحقيقها، تكمن في الحديث عن عودة النظام إلى الجامعة العربية من بوابة التطبيع الاقتصادي مع عدد من الدول، وهو ما أكده وزير النفط، بسام طعمة بقوله إن “هذا التعاون مع الدول العربية خطوة نحو إعادة العلاقات”، فهل يكون خط الغاز بداية عودة النظام للحضن العربي؟
ويستبعد أستاذ العلاقات السياسية والدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، عودة العلاقات العربية مع النظام من بوابة التطبيع الاقتصادي.
ويقول إن “خط الغاز العربي يمكن أن يفكر فيه البعض كمفتاح لعودة النظام، لكن مادامت الولايات المتحدة، بالرغم من كل تناقضات إدارة بايدن، ومادامت بعض الدول العربية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا غير موافقين على التطبيع مع النظام، استبعدُ أن يكون هناك تطبيع سياسي، وربما أكثر ما يجنيه النظام من خط الغاز هو تطبيع اقتصادي”.
من جهته يرى معن طلّاع، أن اتفاق خط الغاز يأتي في ظل مشهد سياسي وعسكري مجمّد في سورية، دون وجود أي أفق لحلحلة كُلية للمشهد، وفي ظل مؤشرات تتنامى لحلول مؤقتة، وهذه الحلول تأتي ضمن سياق فيما يعرف بـ”التطبيع الاقتصادي”.
واعتبر أن “حالة اللا حل، وحالة ما فرضه قانون قيصر جعل من تداعيات القضية ليست محصورة فقط على الجغرافية السورية، وإنما أصبحت تطال دول الجوار، فالاتفاق يأتي في ظل تقاطع مصالح الجوار الاقتصادية مع هذا المطلب وهو بطبيعة الحال تأتي مصلحة النظام كونه هو على رأس السلطة في سورية، ويمكن القراءة العامة للاتفاق، بأنه اتفاق بُني على هدوء ورافقته مجموعة من التحركات الدبلوماسية والسياسية ويجمعه مجموعة من المصالح ليست معنية فيه سورية، بل دول الجوار ولا سيما الأردن”.
وحول محاولة تعويم النظام دولياً، أكد طلاّع أن الموضوع أثيرَ منذ 2018 مع “طرحِ روسيا لمبادرات عودة اللاجئين، لكن ما قطع تطور هذه المحاولات هو الموقف الأمريكي وقانون قيصر، ومع التحركات اليوم قد تزيد وتيرة أوجه التطبيع الاقتصادي سواء إن كان يأخذ منحى تطبيعاً إدارياً أو تطبيعاً على مستوى الحكومات أو حتى على مستوى الوزارات وحتى الخارجية في أروقة الأمم المحتدة لكن هذا التطبيع لم يصل إلى مرحلة التعافي الكاملة التي تتوجب فتح السفارات”.
وأكد الباحث في “مركز عمران”، أن “جهد إعادة تعويم الأسد لا يزال مربوط بشكله النهائي بموقف الولايات المتحدة من النظام السوري، والمشهد السياسي، وسيبقى عاملاً حاسماً في موضوع التعويم أو عدمه”.
أين إيران؟
لم يكتمل الحديث عن جاهزية “خط الغاز العربي” من قبل نظام الأسد، في سبتمبر/أيلول الحالي، حتى تبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد يومين، تفجير خط الغاز قرب محطة كهرباء “دير علي” بريف دمشق، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي، قبل أن يعلن نظام الأسد إصلاحه.
تفجير الخط دفع محللين إلى طرح إشارات استفهام حول توقيت الهجوم والمسؤول عنه، في حين وجه البعض أصابع الاتهام إلى إيران التي تحاول عرقلة الاتفاق بسبب تعارضه مع مصالحها.
واعتبر أبو دياب أن إيران غير موافقة على الخط، لأنه يندرج ضمن نظرية أردنية، ونظريات أخرى تقول إنه نوع من حوار روسي- أمريكي يمكن أن يقلص من النفوذ الإيراني، ودليلاً على ذلك اقترحت روسيا على أمريكا وإسرائيل عقد اجتماع حول موضوع النفوذ الإيراني في سورية.
وتوقع أبو دياب أن يكون هناك ضغط إيران لإيقاف الاتفاق، خاصة أن لإيران نفوذ كبير في سورية ولها قوى عسكرية على الأرض وداخل جيش النظام إلى جانب تواجد ميليشياته العسكرية، معتبراً أن المسألة ستخضع لمساومات و”النظام سيحاول كعادته اللعب على الحبال المشدودة للحصول على مكاسب من هنا وهناك”.
وحول الهجوم على خط الغاز في دير علي ليل الثامن عشر من هذا الشهر، رأى أبو دياب “عدم وجود إثبات بأن إيران وراء التفجير” لكن طهران لها تجارب بنسف أبراج الكهرباء في العراق، مؤكداً أن “التفجير مشبوه لأنه ليس بعيداً عن تمركز القوات الخاصة للنظام، وهو إنذار بأن خط الغاز هذا، هو خط هش يمكن تفجيره بأي وقت”.
في حين يرى طلّاع أن اتفاق “خط الغاز العربي” سيكون له أثار إيجابية لإيران، إذ أن “طهران تعتبره خطوة أولى سيلحقها خطوات لاحقة، كونه أحدث صدعاً في جدار الموقف الأمريكي وسيساهم في حلحلة التأزم الشديد في المشهد الاقتصادي في كلا البلدين سورية ولبنان ولا سيما في موضوع الطاقة”.
—————————–
توتر أميركي تركي.. عنوان تصعيد جديد في سوريا/ مالك الحافظ
عديدة هي المؤشرات الدالة على عمق الخلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الأميركي جو بايدن، لا سيما في الملف السوري الذي يجمع أكبر العوامل المشتركة لتعزيز تلك الخلافات.
تكشف تصريحات أردوغان الأخيرة حول الولايات المتحدة، سواء بعد انتهاء قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان، أو خلال وبعد كلمة الأخير داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، انتقادات حادة إزاء واشنطن. ما يشير إلى توتر متزايد في العلاقات الثنائية ينطلق من سوريا ويتجاوز حدودها.
العلاقات التركية الأميركية ليست على ما يرام. فمسار الأمور اليوم لا يبشر بالخير بين الجانبين، بهذه الكلمات لخص أردوغان طبيعة العلاقات الحالية بين واشنطن وأنقرة، ولعل ردة الفعل التركية تتجاوز ملف أزمة منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 400” لتصل إلى أبرز أسباب التوتر والمتعلقة بدعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن إطار استمرار عمل “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش”، والرؤية الأميركية الخاصة بمعالجة استمرار التموضع العسكري في منطقة شمال شرقي سوريا، بمعزل عن باقي مسائل الملف السوري ذات الصلة.
وكان أردوغان قد وجّه انتقادات شديدة اللهجة إلى واشنطن لما تقدمه من الدعم إلى “قسد” التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا (حزب مصنف على قوائم الإرهاب لدى أنقرة) حيث صعّد بشكل غير مسبوق بوجوب مغادرة الولايات المتحدة للأراضي السورية بشكل عاجل، وهو إن دل على شيء فإنه يشير بشكل مباشر إلى أن التوترات التركية الأميركية تنطلق من سوريا بشكل رئيسي، سواء بسبب “قسد” من الناحية التركية، أو بسبب شراء تركيا للأسلحة الروسية واستخدام أنقرة لورقة علاقاتها وتفاهماتها مع روسيا في سوريا للضغط على الولايات المتحدة.
يأتي ملف الدعم الأميركي لمناطق شمال شرقي سوريا، كأبرز المسائل المعقدة في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة داخل الملف السوري. كون أن هناك تأثيرا روسيا على هذا الصعيد، بخاصة أن موسكو باتت تمتلك وجوداً عسكرياً على الأرض هناك، وتريد زيادة نفوذها بمقابل حفظ التوازن بين الحضور الأميركي والتركي.
لذا فإن سعت فعلياً تركيا خلال الفترة المقبلة للتحرك نحو مناطق جديدة في شمال شرقي سوريا في ظل استمرار المناوشات العسكرية بين “قسد” و”الجيش الوطني” وكذلك تأثير التوترات الأميركية التركية، فإن أنقرة ستحتاج إلى موافقة روسية، وذلك أمر مستبعد، حيث سيعارض الروس أي هجوم تركي، منعاً لزيادة حضور النفوذ التركي هناك، وفي الوقت نفسه تستفيد روسيا من منح نظام الأسد فرصة للوجود هناك من خلال قنوات حوار جديدة واستغلال الواقع الحالي.
توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن بدأ منذ العام 2019، عندما حصلت أنقرة على منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400” ما دفع واشنطن لتعليق مشاركة أنقرة في برنامج تصنيع طائراتها “إف-35″، إلا أن السياسة الخارجية الأميركية يبدو أنها لن تبتعد عن دوائر التوتر، والذي مهدت لاستمراره عدة عوامل، أبرزها التصريحات السلبية ضد أنقرة التي أطلقها بايدن في أثناء حملته الانتخابية، قبل أن يتم فرض عقوبات أميركية دفاعية على أنقرة بموجب قانون “كاتسا” الذي وقع عليه الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب عام 2017، ليتبع ذلك في نيسان الماضي، اعتراف جو بايدن بـ “الإبادة الجماعية للأرمن” في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية، ما أثار موجة غضب شديدة في تركيا.
إن انتظار لقاء رئاسي أميركي-تركي قد لا يحدث سواء على هامش اجتماع زعماء مجموعة العشرين المقرر انعقاده في أواخر تشرين الأول الجاري في روما الإيطالية، أو على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي منتصف تشرين الثاني في غلاسكو الأسكتلندية. بخاصة بعدما خابت التوقعات من التعويل التركي الذي كان موجوداً من أجل إجراء لقاء بين أردوغان وبايدن على هامش أعمال الأمم المتحدة بعد التنسيق الذي جرى بينهما مؤخرا بالملف الأفغاني في شهر حزيران الماضي، يكشف عن حال الخلافات المتجددة بين البلدين، والتي ظهرت بشكل جليّ عبر تصريحات أردوغان خلال الأيام الماضية.
عملياً فإن التوترات الأميركية-التركية لن تفضي بالضرورة إلى اشتباك سياسي بين الجانبين سواء من أجل الملف السوري أو غيره بفعل الشراكة في حلف “الناتو” وحاجتهما إلى بعضهما البعض، إلا أن هذه التوترات بالتوازي مع تقارب أولي في الملف السوري بين الروس والأميركان في شهر حزيران الماضي ستدفع واشنطن للمشاركة بشكل أكثر فاعلية في الملف السوري، لا سيما أن الوضع في الشمال الغربي من سوريا يشهد حالة من استمرار التصعيد العسكري واستعصاء رسو الاستقرار هناك، في ظل تفاهمات روسية تركية معطلة.
ستشهد الأشهر المقبلة تصعيدا كبيرا بين واشنطن وأنقرة، في ظل تمسك الأخيرة بحيازتها منظومة الدفاع الجوي الروسية، ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط الأميركية، في وقت تستعد فيه تركيا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
تلفزيون سوريا
——————————-
اتصال الأسد ـ عبد الله الثاني: هل ينجح النظام السوري في مساعيه للعودة إلى الدائرة العربية؟/ هبة محمد
في إطار المساعي الرامية إلى إعادة سوريا إلى النظام العربي الرسمي ممثلاً في جامعة الدول العربية، من جديد، تتلاحق المبادرات الأردنية من أجل استكمال التطبيع مع النظام السوري ويأتي اتصال رئيس النظام السوري بشار الأسد أمس بالملك عبد الله الثاني في هذا السياق، حيث يبدي القصر الملكي في عمان خطوات ملموسة يتوضح فيها مدى التحول الأردني، كان أبزرها قيام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بتدوير الزوايا خلال زيارتيه في الشهرين الأخيرين، إلى واشنطن وموسكو، من أجل متابعة التطبيع الأردني – السوري من البوابتين الأمنية والاقتصادية.
لكن هل ينجح النظام السوري في مساعيه في العودة إلى الدائرة العربية رغم رفض عدد من الدول وعلى رأسها قطر التطبيع معه؟ وهل تغيير الموقف الأردني الذي يمثل مواقف أكثر من 10 دول عربية، يندرج فعلاً تحت البرغماتية السياسية والحفاظ على المصالح الذاتية من خلال تغير بوصلة المقاربة السياسية؟
وفي آخر التفاصيل، تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الأحد، اتصالاً هاتفياً من رئيس النظام بشار الأسد، تناول فيه “العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما”. ونشر الديوان الملكي الأردني عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر” أن الملك عبد الله الثاني أكد خلال الاتصال على “دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها”.
ولفهم تطور العلاقات والاندفاعة الأردنية للتطبيع مع النظام السوري، يرجح الخبير العسكري والإستراتيجي الأردني اللواء فايز الدويري لـ “القدس العربي” أن يكون الأردن البوابة التي يدخل منها النظام السوري إلى الحاضنة العربية من جديد، معتبراً أن التغير الواضح في المواقف ليس حكراً على الأردن فقط.
«براغماتية سياسية»
الموقف الأردني هو موقف عدد من الدول العربية تجاه الملف السوري، وفي هذا الإطار يقول اللواء الدويري “كثير من الدول العربية تغير موقفها، مما يجري في سوريا، ولو قارنا بين 2021 و عام 2014 لوجدنا اختلافات كبيرة، فبعد أن كان الائتلاف (السوري المعارض) من يشغل كرسي سوريا في الجامعة العربية، ومعاذ الخطيب الرئيس في تلك الفترة للائتلاف، كان قد شارك في اجتماع وزراء الخارجية في الدوحة، لكن بعد تدخل إيران وحزب الله ولاحقاً روسيا، واستعادة النظام لتوازنه على الأرض، بدأت المواقف تتغير، خاصة أن الموقف الأمريكي لا يتسم بالثبات والاستقرار ووضوح الرؤية”.
وأضاف الخبير العسكري والاستراتيجي لـ “القدس العربي” أنه “في فترة أوباما هدد وتوعد وتراجع، وفي زمن ترامب أرسل رسائل عديدة لكنه لم يترجمها على أرض الواقع، ثم جاء جو بايدن ولديه ملفات أكثر أهمية منها ما يتعلق ببحر الصين، وتراجع الأهمية، ثم جاء انسحابهم من أفغانستان والمفاوضات حول الانسحاب من العراق والحديث عن الانسحاب من سوريا”.
وفي ظل “الموقف الضبابي” الأمريكي، بدأت كثير من الدول تعيد تقييم موقفها من النظام السوري وخاصة بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة، بغض النظر إن كانت مزورة أو غير مزورة.
وبالنسبة للأردن، يقول المتحدث “في هذه الفترة، تغيرت أيضاً بوصلة الأردن تجاه سوريا، فبعد أن كان في 2014 نظاماً فاقداً للشرعية، أصبح عليها الآن أن تعترف بهذا النظام الذي لم يسقط، لا سيما أنها متضررة أمنياً واقتصادياً، ثم جاء الحديث عن أنبوب الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن وعبر سوريا إلى شمال لبنان، تلا ذلك زيارة الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض وحديثه مع الرئيس بايدين عن إمكانية تخفيف العقوبات وإعادة تأهيل بشار الأسد، وبعد ذلك كانت الزيارة الثانية إلى روسيا – بوتين، والحديث عن القضية السورية، ثم جاءت بعد ذلك زيارة وزير الدفاع السوري علي أيوب واجتماعه مع وزير الأركان الأردني، ثم زيارة الوفد الرباعي، وغير ذلك”.
وبالنتيجة، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي أن كل هذه التطورات تأتي كنوع من البراغماتية الجديدة، وتتعامل مع الواقع ضمن تحديدات معينة، أهمها وضع آلية محكمة لحركة التجارة وحركة المسافرين، وابتعاد الميليشيات الشيعية عن الحدود الأردنية، وضبط الحدود المتبادلة ما بين الجانبين، وأضاف “وبالتالي قد يكون الأردن البوابة التي يدخل منها النظام السوري إلى الدائرة العربية مرة أخرى، خاصة أن من يتحدث بهذا الاتجاه ليس الأردن فقط، بل هناك مصر وليبيا وتونس والإمارات والسعودية والجزائر، ويمكن أن نقول إن التغير بالموقف ليس حكراً على الأردن”.
ويعتبر السماح بضخ الغاز المصري إلى الأراضي السورية واللبنانية والأردنية، بمثابة إحياء لمشروع خط “الغاز العربي” الممتد من منطقة “العريش” إلى جنوب الأردن مرورا بسوريا ولبنان ، وهذا على الأرجح يأتي وفق خبراء لـ “القدس العربي” في سياق مزاحمة المشروع الإيراني المسمى بـ “خط الغاز الإسلامي”، كما ستعزز هذه الخطوة على الأرجح اعتماد كل من سوريا ولبنان على المحور العربي في تأمين الاحتياجات من الطاقة (الغاز – الكهرباء)، مما يعني تقليل حاجتها إلى الموارد الإيرانية.
الباحث لدى “المركز العربي” في واشنطن رضوان زيادة اعتبر أن تحسن العلاقات الأردنية مع النظام السوري كان أمراً متوقعاً بعد الخطوات الأردنية المتتالية، ولفت في حديث مع “القدس العربي” إلى أن تطبيع العلاقات مع النظام السوري لا يعني أن الأسد أصبح شرعياً، لاسيما أن الأردن لم يغلق سفارة النظام السوري على أراضيه.
وحول هدف واشنطن من إظهارها الضوء الأخضر لهذه المبادرات أبدى الخبير السياسي اعتقاده أن الولايات المتحدة تبدي رغبة في مساعدة الحليف الأردني اقتصادياً فحسب، وليس هدفها مساعدة نظام الأسد” موضحاً أن أمريكا لا تحبذ عودة النظام لكن إدارة جو بايدن لا تبادر الى سياسة نشطة تجاه عدم عودة النظام. أما بالنسبة لجامعة الدول العربية قال “نعرف أن هناك عدة دول عربية للأسف تطالب بعودة النظام مثل مصر والجزائر والعراق وربما انضمام الأردن يساعد في ذلك”.
ولم يستبعد المعارض السياسي نجاح النظام السوري في مسعاه لاسيما أن “الدول التي تعارض عودة النظام إلى الجامعة العربية بدت محدودة مثل قطر على سبيل المثال” معتبراً أنه لا يمكن فهم الاتصال الأردني مع الأسد على أنه انتهاء لعزلة الأسد، و “لا ننس أن البشير زار الأسد في دمشق وانتهى نهاية مريرة”.
مكاسب الأسد
للنظام السوري مكاسب من إعادة تعويمه في المحيط العربي، وتتمثل هذه المكاسب بعدة جوانب تحدث عنها لـ “القدس العربي” الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني، حيث أوضح أن أهم مكتسبات إحياء العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الأردن “يمثل عملية دعائية يستثمرها الأسد في السعي لإحياء علاقاته مع دول أخرى. الجانب الثاني يتمثل في المكاسب الاقتصادية التي ستتحصل من مشروع الغاز العربي الذي لعب الدور الرئيسي فيه الأردن نظراً لما يعانيه الأخير من أزمة اقتصادية وما تخلفه من ضغط شعبي على السلطة الحاكمة”.
كما أن مكاسب النظام وفق المتحدث “هي مكاسب تأتي لاحقاً وتتمثل بالسماح لقواته بالدخول لدرعا مقابل تعاونه بتقليص الدور الإيراني، وكان هذا من ضمن شروط مد خط الغاز العربي، إلا أن زيارة بشار الأسد لروسيا الأخيرة لم يستقبله بوتين في الجلسة الثانية وأعلن دخوله بالعزل لأنه ناقش مع الأسد هذه النقطة ولم يلق تجاوب إيجابي منه، فرفض استقباله، أي العلاقة بين الطرفين رهينة تفاهمات متعددة الأطراف إقليمية ودولية ولكل مصالحه، فإن لم تتحقق فهؤلاء ليسوا مضطرين لمنح نظام الأسد اعترافاً دبلوماسياً مباشراً مع طرف آخر”.
وأضاف الحوراني “بناء على الوثيقة التي سربت مؤخرًا، من الناحية النظرية نستطيع القول بأن الأردن حصل على هذا الضوء من الناحية الاقتصادية فقط، وهذه الخطوة وما بعدها تتوقف على مدى تعامل النظام معها بجدية أو الالتفاف عليها، وإيهام الأطراف صاحبة العلاقة بأنه تم الالتزام بما اتفق عليه، ودليل ذلك حتى الآن لم نسمع عن عمل السفارتين لكلا البلدين وإمكانية افتتاحهما في المدى القريب”، معتبراً أن الموافقة الأمريكية على تحسين علاقات الأردن مع النظام السوري تأتي “من أجل مساعدة الأردن في وضعه الاقتصادي، واختبار سلوك النظام وإمكانية تغييره وهو الأمر الذي تصرح به واشنطن أنه ما تريده من النظام، وهذا الاختبار يتمثل في مدى تعاونه في تقليص نفوذ إيران من جنوب سوريا بشكل خاص”.
القدس العربي
————————–
اتصال العاهل الأردني والرئيس السوري يدعم التقارب بين البلدين
بعد أيام قليلة من زيارة وفود رسمية أمنية واقتصاديةلعمان
عمّان: محمد خير الرواشدة لندن: «الشرق الأوسط»
في خطوة جديدة على طريق عودة العلاقات الأردنية السورية، تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس الأحد، اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد، هو الأول من نوعه خلال سنوات الأزمة السورية التي بدأت عام ٢٠١١.
وفيما نشر الديوان الملكي الأردني بياناً مقتضباً جاء فيه أن الاتصال «تناول العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما»، أكد الملك عبد الله الثاني «دعم بلاده لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها».
ويأتي الاتصال بين الزعيمين، بعد أيام قليلة من زيارة وفود رسمية أمنية واقتصادية رفيعة من سوريا للأردن، كان آخرها زيارة الوفد الوزاري الاقتصادي السوري إلى عمان، وزيارة وزير الدفاع السوري وقائد الجيش ولقاءه نظيره الأردني اللواء يوسف الحنيطي.
وأسهمت عودة التقارب الأردني السوري على مستوى الزيارات لوفود رفيعة، في اتخاذ قرار استئناف فتح معبر جابر الحدودي، الأسبوع الماضي، واستئناف رحلات خطوط الطيران بين مطاري دمشق الدولي والملكة علياء، والتي أعلن في وقت سابق عن استئنافها الأحد.
وحافظت عمان خلال السنوات الماضية على العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مع استمرار فتح سفرات البلدين، وتسمية الأردن لسفير جديد لها قبل العام تقريباً، في حين أن السفارة السورية في عمان ما زال يمثلها القائم بالأعمال، بعد إعلان وزارة الخارجية الأردنية، أن السفير السوري السابق اللواء بهجت سليمان «شخص غير مرغوب به في البلاد»، وذلك على خلفية تصريحات للأخير اعتبرت خارجة عن حدود العمل الدبلوماسي المتعارف عليه.
ونشرت «الشرق الأوسط» في وقت سابق نقلاً عن مصادر سياسية مطلعة، أن رئيس أركان الجيش السوري العماد علي أيوب، نقل رسالة شفهية من الرئيس بشار الأسد للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، تناولت تقدير دمشق لمواقف عمان الأخيرة في القمتين المنفصلتين التي جمعت عبد الله الثاني بالرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الشهرين الماضيين.
هذا وكانت زيارة وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش السوري، العماد علي أيوب، إلى العاصمة عمان، ولقاؤه بنظيره الأردني اللواء يوسف الحنيطي قبل أسبوعين، مقدمة لقرار إعادة فتح (مركز حدود جابر) أمام حركة الشحن والمسافرين، الأربعاء الماضي.
وكان معبر جابر من الجانب الأردني أغلق في منتصف عام 2015، بعد أن استولت فصائل المعارضة السورية عليه، وانسحاب القوات السورية النظامية آنذاك، ليعاد فتحه في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018، إلا أن إصابات متكررة لحالات قادمة من سوريا بفيروس «كورونا»، أدت إلى إغلاق المعبر مرة أخرى في سبتمبر (أيلول) عام 2020، قبل أن تعلن عمان فتح الحدود بعد اتصال هاتفي بين وزيري داخلية البلدين نهاية أغسطس (آب) الماضي، ثم جرى تجميد القرار بفعل الأوضاع الأمنية في درعا.
وتسعى عمان إلى تثبيت التهدئة في الجنوب السوري، بعد عودة سيطرة الجيش النظامي وضبط الحدود من الجانبين أمام موجات تهريب المخدرات، وسط تقديرات أمنية أردنية، تشير إلى أن عصابات السلاح والمخدرات استوطنت في الداخل السوري، الأمر الذي يعكس مخاوف لجهة توسع نفوذ تلك العصابات، وبما يشكل ضغطاً على النظام السوري، وتصديراً للقلق نحو دول الجوار.
على الجانب الاقتصادي، كسرت عمان الحصار المفروض على دمشق، بعد حصولها على استثناءات محدودة من تطبيق قانون «قيصر» الأميركي، من بوابة الاجتماع الوزاري الذي عقد مطلع الشهر الجاري لدول خط الغاز العربي (مصر والأردن وسوريا ولبنان)، والاتفاق على إيصال الغاز الطبيعي المصري إلى الجمهورية اللبنانية عبر الأردن وسوريا، والتعهد بتنفيذ خطة عمل وجدول زمني بهذا الخصوص، بحضور وزراء الطاقة في الدول الأربع.
وتمثلت جهود كسر الحصار في عقد الاجتماعات الوزارية الأردنية السورية الموسعة، التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي في عمان، بهدف تعزيز التعاون الثنائي في العديد من المجالات الاقتصادية وبما يحقق مصالح الطرفين.
وكانت «الشرق الأوسط» قد حصلت مؤخراً، على وثيقة رسمية سرية تحمل مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق، وتقترح خطوات ترمي إلى «تغيير متدرج لسلوك النظام»، وصولاً إلى «انسحاب جميع القوات الأجنبية» التي دخلت إلى سوريا بعد عام 2011، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية» لروسيا في هذا البلد.
وقال مسؤول غربي رفيع المستوى اطلع على الوثيقة، إنها نوقشت في الفترة الماضية بين قادة عرب، بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيسان الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز) والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس، وعلى هامش اجتماع قمة بغداد نهاية أغسطس، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الخطوات التطبيعية التي جرت في الفترة الأخيرة «تلامس هذه المقاربة الجديدة أو مستوحاة من روحها».
الشرق الأوسط»
—————————–
سياسة روسيا في سورية والشرق الأوسط
ملف من إصدار معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية، جامعة جورج تاون، في كانون الثاني/ يناير 2019، مؤلف من جزأين، وقد حررت الملفّ مارلين لارويل.
الجزء الأول بعنوان إستراتيجيات انخراط روسيا في الشرق الأوسط، وهو بدوره يضمّ أربع دراسات وأبحاث.
1. أهداف روسيا الإستراتيجية في الشرق الأوسط، للباحث نيكولاس غفوسديف.
2. الأقلمة هي الاتجاه الرئيس لسياسة روسيا تجاه سورية والشرق الأوسط – إيكاترينا ستيبانوفا.
3. ليست الأمور أسهل: قانون بوتين لتحقيق التوازن في الشرق الأوسط – مارك ن. كاتز.
4. روسيا في الشرق الأوسط: هل هناك نهاية للعبة؟ – آنا بورشيفسكايا.
والجزء الثاني بعنوان: التدخل العسكري الروسي في سورية وأثره، يتألف من خمس دراسات وأبحاث:
1. العمليات القتالية الروسية في سورية وأثرها على القوات – مايكل كوفمان.
2. روسيا في الشرق الأوسط: (إعادة) ظهور حزام متحطم جيوسياسي جديد؟ – جورج سيمون.
3. الدور العسكري والدبلوماسي لروسيا في سورية بعيون سورية وإيرانية، – أنطونيو جوستوزي.
4. روسيا في سورية: إعادة تشكيل النظام العالمي أم محاربة الإرهاب؟ – ماريا أوميليتشيفا.
5. كيف يمكن لموسكو أن تدعم إعادة إعمار سورية؟ – إيغور ديلانويه.
تحميل الموضوع
مركز حرمون
——————————-
روسيا التوحيدية وتركيا التقسيمية/ طوني فرنسيس
لم تعد روسيا لاعباً ثانوياً في سوريا ولا في محيطها، وعندما تتحكم في لعبة التوازنات لا تعود طارئةً على بلاد الشام، بل تصبح عاملاً حاسماً. قبل لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، وبموازاة جلسات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أجرى هو ومعاونوه لقاءات شملت ممثلي أبرز دول الشرق الأوسط من الخليج الى مصر والسودان وليبيا، واستقبلت موسكو في الأثناء سياسيين من درجات مختلفة جاءوا من لبنان. كان إظهار الحضور ذاك نوعاً من القول إن موسكو موجودة وجاهزة للبحث في قضايا العالم، وفي مقدمتها مستقبل سوريا التي فيها يتحدد مستقبل الدور الروسي في شرق المتوسط.
في مطلع الشهر الماضي حل وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد ضيفاً على نظيره الروسي سيرغي لافروف. مباحثاتهما لم تعكرها الملفات الإيرانية ولا السورية ولا الفلسطينية. بعد أيام حل الرئيس السوري بشار الأسد ضيفاً على نظيره فلاديمير بوتين. كانت الخلاصة دعماً روسياً لتنفيذ القرار 2254 وعملية الانتقال السياسي. وتأكيداً لهذا النهج سارت مباحثات روسية أميركية في جنيف لم تتوقف عند حدود الملف السوري، بل تعدّتها إلى شؤون استراتيجية أبعد وأكثر أهمية للبلدين الكبيرين.
وحلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سوتشي للقاء بوتين في توقيت الانشغالات الروسية بالحوار الاستراتيجي مع أميركا، وكانت سويسرا مقراً لذلك الحوار وحوارات أخرى تتعلق بسوريا تحديداً. كان لدى روسيا ما يشبه التفويض الإسرائيلي والانحناءة الإيرانية والإذن العربي ببدء مشروع جديد لتسوية الأوضاع في سوريا. الحديث عن وثيقة أردنية طرحها الملك الأردني عبدالله الثاني عن استيعاب وتغيير تدريجي في سلوك النظام السوري لم تكن خارج المعادلة. ومنذ يوليو (تموز) الماضي يجري العمل على شيء من هذا النوع. الملك عبدالله الثاني طرح فكرته على جو بايدن وفلاديمير بوتين، ويبدو أنه لقي تجاوباً ظهرت مفاعيله في تسليم الروس ترتيبات الأمن في درعا، ثم في فتح الحدود الأردنية مع سوريا وتسهيل عبور الغاز المصري عبر الأردن إلى سوريا ولبنان.
ترتيبات الجنوب السوري قد يطرح مثيلها في الشمال. فما ينسب من خريطة طريق اقترحها العاهل الأردني على أميركا وروسيا والقوى الدولية يلحظ “المصالح المشروعة” لروسيا في سوريا، ويؤكد انسحاب القوى الأجنبية الأخرى، بما فيها تحديداً التركية والإيرانية. وروسيا في سياساتها لا تحيد عن خطٍ كهذا على الرغم من استفادتها التكتيكية من شريكيها الإيراني والتركي.
عندما استقبل بوتين نظيره التركي أردوغان كان قد أعد لائحة بالمواقف المعادية التي جاهر بها الأخير. فأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ76 في 21 من الشهر الماضي أعلن الرئيس التركي أنه يولي “أهمية كبيرة لحماية وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي لا تعترف بضمها”. ولم يكن هذا موقفاً معزولاً لإثارة غضب روسيا. فسياسات أنقرة في القوقاز وليبيا وسوريا تتناقض في خط صريح مع روسيا، لكن ضبط النفس ميز سلوك الكرملين لسبب بسيط يتمثل في الوصول إلى تسوية في سوريا لا تكون فيها تركيا عائقاً ومعرقلاً.
وضع بوتين جميع تناقضاته مع تركيا ومختلف تصريحات أردوغان المعادية جانباً، وقال له في سوتشي، “نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية الى تنسيق المواقف في شأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز (الروسي – التركي) الخاص بالرقابة على وقف النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا”.
في روسيا، يعد هذا الكلام حواراً بين خصوم يجرون ترتيبات يحاولون الالتزام بها. وحسب متخصصين روس، “لا أساس للقول إن العلاقات بين روسيا وتركيا جيدة اليوم”. ويتساءل هؤلاء، “هل لدينا علاقة جيدة معها في سوريا؟”، ويجيبون، “بحسب أردوغان نفسه هم ضموا عملياً 4 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية”.
خلافات على مختلف المحاور لا يكفي لتغطيتها تعاون روسي – تركي في مجال التسلح والاقتصاد والتبادل السياحي. وسوريا في قلب هذه الخلافات، بل ومحورها. وإذا كان صحيحاً أن أردوغان طرح على بوتين مذكرة تفاهم “تنطوي على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بين روسيا وإيران وتركيا”، فعلينا أن نتوقع مزيداً من الصراعات بين حلفاء أستانا، قبل بلورة تسوية نهائية سيضع خطوطها الحوار النشيط بين روسيا والولايات المتحدة الذي افتتحته القمة بين البلدين في يونيو (حزيران) الماضي.
خلاصات هذا الحوار لا تزال تؤكد وحدة سوريا كدولة ديمقراطية تتعايش فيها جميع المكونات القومية، وعلى تنفيذ القرارات الدولية وإنعاش العملية الدستورية. إنها العملية الصعبة التي امتنعت تركيا عن الانخراط فيها في وقت تبنت فيه تنظيمات إرهابية، واهتمت بإرسال السوريين للقتال كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان. أما الإشارة إلى تغيير في سياستها بعد لقاء سوتشي، فستكون سحب قوات لها من إدلب، وهذا ما يراهن عليه الروس.
اندبندنت عربية
——————————–
========================
تحديث 06 تشرين الأول 2021
—————————–
عن تهافت نظرية “تغيير سلوك الأسد”/ غازي دحمان
تبدو مضحكة، جداً حكاية تغيير سلوك نظام بشار الأسد في سورية مقابل تخفيف العقوبات عنه، ولا يجب أن يقع بها دبلوماسي مبتدئ، إلا إذا كان الهدف منها ذرّ الرماد في العيون، بمعنى إسكات المعترضين، إلى حين أن تصبح العلاقات مع نظام الأسد واقعا لا يستطيع أحد الرجوع عنه. ولعل جامعة الدول العربية وأعضاءها ما زالوا يتذكّرون كيف استهزأ نظام الأسد بمبادرتهم وطلباتهم.
حدث كبير، بما تضمّنه من عمليات إبادة ممنهجة، لدفن أشواق الحرية لدى السوريين، يصار إلى اختزاله بـ”تغيير سلوك النظام”. وكانت هذه الفكرة قد ولدت من تصريح أميركي لأحد أركان إدارة الرئيس بايدن، التي كانت في بداية طريقها في الحكم تحاول عدم توريط نفسها في تفرّعات الصراعات في العالم، في وقت كانت تصوّب عينيها باتجاه الصين. لكن بلا شك، لم تأت هذه العبارة شططاً، بل واضحٌ أنها كانت ردّاً على ضغوطٍ مارستها جهاتٌ محدّدة على الإدارة الأميركية تطالبها بتغيير سياساتها تجاه نظام الأسد، وليس خافياً أن هذه الجهات أطراف عربية.
حسناً، تقولون تغيير سلوك الأسد، أيها الأميركيون، ولم يعد لكم مشكلة أخرى معه… دعونا نغيّر لكم سلوكه. المسألة بسيطة، ولا تحتاج لا لعقوبات ولا زعل، أصلاً أنتم لديكم إشكالية في هذا المجال، لا تفهمون في هذه المسألة، والدليل فشلكم في تحقيق أي تقدّم في هذا الاتجاه. نحن من يعرف كيف نغيّر السلوك والاتجاهات والقناعات، وتذكّروا أنكم قلتم تغيير سلوك ليس أكثر من ذلك (وقعتم في الفخ).
ليس سوى المحامين في القضايا القذرة من يستطيعون الوصول إلى هذه التخريجة، أولئك الذين يبحثون عن ثغرات القوانين، وينطلقون منها لإنقاذ موكّليهم من جرائم ارتكبوها. وسيلتهم بذلك استغلال تلك الثغرات التي لم ينتبه إليها المشرّعون وواضعو القوانين، لكن المذهل أن الدبلوماسية العربية التي فشلت في كل القضايا المحقّة، من فلسطين إلى سد النهضة الأثيوبي، تحقّق انتصارا هائلاً، لكن هذه المرّة ضد شعب عربي أثخنته روسيا قتلاً وتدميراً، وأنهكته إيران تهجيراً وتغييراً في هويته، وكانت عصابة الأسد هي من يدلّ طائراتهم على أهدافها، ويعمل مرشداً لمليشيات إيران في حارات دمشق وحلب وحمص.
لكن ليسمحوا لنا، نحن من خسر البلد والولد، ويراعوا عقولنا، ويشرحوا لنا كيف ستجري هذه العملية أو اللعبة، أو أي تسميةٍ أردوا لها، ما هي منهجيتها. هذه عملية تغيير السلوك، ما هي أدواتها ووسائلها، وكيف سيتمّ تقييم نتائجها، وهل يستلزم وجود ناظر لها يتابع ويسجّل ما إذا كان هناك التزام بمندرجات العملية يستحق المكافأة، أو عدم التزامٍ يستوجب العقاب، ومن هو الطرف الذي سيكافئ ويعاقب؟ إلا إذا كانت المسألة دقّا على الصدور، والتعهد بأنّ “الزلمة” عندي، وهي تبدو كذلك، فلا داعي إذاً لإعطاء العملية أسماء أكبر من حجمها وحقيقتها، ثم ما المقصود بتغيير سلوك النظام؟ هل إقناعه بقتل أعدادٍ أقلّ أو التخفيف من عدد الذين يقوم بتغييبهم، إذ معلومٌ أن عملية تغيير السلوك تحتاج وقتا حتى يتم الوصول إلى نتائج جيدة بخصوصها، لكن المؤكد أنها تحتاج ورشة من مرشدين نفسيين واجتماعيين ونظار، وإلا كيف سيتم تغيير سلوك سفاح، امتهن هذا السلوك سنوات مديدة؟
لا ينقص العرب، وهم في طريقهم إلى تغيير سلوك الأسد، سوى القول إن السوريين “حاسين بالدفا وعايشين ع الوفا” تحت حكم الأسد، وإن المشكلة ليست سوى بعض الإشكالات البسيطة هنا وهناك التي سنعمل على حلها. ويبدو من خلال التسرّع بإجراءات احتضان العرب للأسد، أنهم إما واثقون من قدرتهم على حل هذه الإشكالات البسيطة، أو أنهم توصلوا فعلاً إلى حلولها وانتهى الأمر.
واللافت أن أغلب الأنظمة التي تدعو إلى عودة العلاقة مع نظام الأسد تبرّر هذا الأمر أمام شعوبها، بالمكاسب الاقتصادية التي ستحقّقها هذه العودة، ما يدفع إلى التساؤل عن أي مكاسب يتم الحديث، عن مقاسمة السوريين الذين يلقفون أنفاسهم، طعامهم، بعدما صار إنتاجه نادراً في سورية؟ عن الملابس الرخيصة التي ستُنتجها مصانع سورية التي أغلق أكثر من ثلاثة أرباعها أبوابه نتيجة هرب رؤوس الأموال والحرفيين من طغيان الأسد وجوْره، ولم يعد السوريون يجدون سوى الملابس المستعملة لستر أنفسهم؟ عن أي إعادة إعمار يتحدّث العرب، وهم يعلمون أنها لن تكون، إن حصلت، سوى رشوة لروسيا وإيران، لأن السوريين الذين تم تدمير مناطقهم غير مسموح لهم العودة إلى سورية، ما دام الأسد يجلس على كرسي الحكم! دعونا نحسّن النيات، من منطلق أنه يستحيل أن الدبلوماسية العربية التي تفتقت قريحتها على فكرة تغيير سلوك الأسد، لا تعرف ماذا فعل الأسد بالسوريين، وكيف يفكّر تجاههم، وأنه على استعداد لضربهم بالسلاح النووي، لو توفر له ذلك. وانطلاقاً من ذلك، هي تهدف من احتضان الأسد، والدخول معه بلعبة تغيير السلوك، إلى إلهائه وإشغاله، حتى يتسنّى إنقاذ الجنس السوري من الزوال بفعل سياسات الأسد وحلفائه القائمة على الإبادة والاجتثاث. ومن هنا يأتي مبرّر شعار الواقعية، حيث لم تعد أمام العرب خياراتٌ أخرى لإنقاذ السوريين من الزوال سوى ملاعبة الأسد، بعدما رفعت أميركا يدها وتركت السوريين لأقدارهم السيئة. غير ذلك، المصالحة مع نظام الأسد، أياً يكن العنوان الذي تتم تحته، لا تعني سوى تبييض صفحته وتبرئته من جرائمه وإعطائه فرصة لتكرار ما فعله.
العربي الجديد
——————————
تعالوا نبارك لبشار الاتصال بالملك!/ عمر قدور
لم يأتِ مفاجئاً اتصال بشار الأسد بملك الأردن قبل يومين، هو تتويج للعديد من اللقاءات بين مسؤولي الأسد ونظرائهم الأردنيين، اللقاءات التي ابتدأت اقتصادية، وأعقبتها أخرى عسكرية-أمنية، لتتوج أخيراً بالتواصل على المستوى “السياسي”. خبر الاتصال نال حيزاً واسعاً في وسائل الإعلام، باستثناء الإعلام الرسمي للجانبين اللذين نقلا الخبر بشكل رسمي مقتضب، وكما نعلم لا تحظى اتصالات القادة بهذا الاهتمام الإعلامي، بما فيها اتصالات ملك الأردن بنظرائه من القادة. لقد صار مجرد الاتصال ببشار خبراً يُنشر في الصدارة!
في الأسبوع الأخير من آذار2020، حظي خبر اتصال ولي عهد أبو ظبي ببشار الأسد باهتمام مماثل، رغم تغطية الإعلان عنه بأسباب إنسانية متصلة بانتشار كورونا. حينها اعتُبر الاتصال فاتحة تطبيع عربي تقوده أبو ظبي، إلا أن الاندفاعة الإماراتية لقيت معارضة أمريكية متسلحة بالعقوبات بموجب قانون قيصر. الاتصال بين بشار والملك أتى في ظروف مواتية أكثر من قبل، وفوق دعوته العلنية إلى التطبيع مع الأول فإن الاتصال تلا زيارتي الملك إلى واشنطن وموسكو على التوالي.
بالطبع، للاتصال بقاتل مئات الألوف من شعبه وضع مختلف، يستحق القاتل بموجبه التهنئة، فهو باقٍ رغم ارتكابه مختلف أنواع الجرائم ضد الإنسانية، وسبق للملك أن نقل هذه الخلاصة: إنه باق، فلنطبِّع مع بقائه. لكن الخلاصة الأخيرة ليست بالجديدة أيضاً، فالإدارات الأمريكية التي تعاقبت منذ عام2011 لم ترفع ولا لمرة شعار رحيل الأسد، وصولاً إلى تكرار الإعلان عن أنها تريد تغييراً في سلوك الأسد لا تغييره. يُضاف إلى ذلك أن واشنطن وصلت إلى قمة الضغط على بشار بعقوبات قيصر، ولا تخفي إدارة بايدن عزمها على النزول من تلك القمة كلما توفرت لها الذرائع.
بعد تهنئة القاتل بالتطبيع معه، وبعد تجاوز الكلام المعتاد عن عدم أخلاقية هذا التوجه من الدول الديموقراطية أولاً، نزولاً إلى أنظمة لم يكن خلافها معه يوماً يتعلق بمقدار جرائمه. بعد الانتهاء من هذا الجانب “الاحتفالي”، تبقى رؤية الواقع أقل احتفالية، بل تعِد بتقديم الدرس المناسب وهو أن كل ما يحدث دون التطبيع الدولي الشامل “المتضمن رصد مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار” لن يكون له تأثير يُعتد به على صعيد إنقاذ بشار من “ورطة” إبقائه هكذا كمنتصر عسكرياً بقوة حلفائه، وكعاجز عن تظهير الانتصار رئيساً تتعدى رئاسته كونها عنواناً لخراب البلد ودماره الشامل.
يجدر التذكير بأن إعادة إعمار ما دمره بشار تقدّر كلفته بحوالي 500 مليار دولار، من دون احتساب الدمار اللاحق المتوقع، وفوقه الاهتلاكات الاعتيادية في بنية خدمية أو صناعية واقعة تحت الإهمال أو عدم القدرة على صيانتها. إلى جانب هذا، يجدر التذكير بهبوط 90% من السوريين تحت خط الفقر، وهذه نسبة لا تؤثر فيها دفعات من المساعدات الأممية ذات الطابع العاجل غير المستدام، كما أنها نسبة كافية لهبوط حاد في الطلب العام الذي يسيّر النشاط الاقتصادي، وهي في المقابل لا يمكن أن تتراجع سريعاً من دون فورة اقتصادية شاملة.
قبل حوالى أسبوعين أشار بعض التقديرات إلى أن 3 آلاف سوري يغادر البلاد أسبوعياً، في الوقت نفسه قال عضو اتحاد غرف الصناعة مجد ششمان أن 19 ألف رجل أعمال غادروا من حلب، و28 ألف من دمشق خلال الأسبوعين السابقين. بتقشير الأرقام الأخيرة من المبالغة، هناك اتفاق بين مجمل المصادر على مغادرة الصناعيين والحرفيين، من دون استخدام وصف رجال أعمال وصناعيين حصراً الذي يضخّم من دلالة ما يحدث. الأرقام حقيقية، والمغادرون سبق أن بقوا متحملين ظروف الحرب وتقطّع سبل الإنتاج والتجارة في أثنائها، وهذا مؤشر على التدهور المستمر وزيف وعود الانتصار العسكري.
الذين يغادرون البلد، والذين غادروه مهجّرين بسبب مواقفهم، لن يعودوا في القريب العاجل إذا توفرت أفضل الظروف. أما ما هو مطروح لجهة إعادة تدوير الأسد فسيؤدي إلى امتناع عودتهم، فرجال الأعمال الذين يسارعون إلى الهرب مع اضطراب الظروف العامة يسعون إلى بيئة مستقرة، ولن يغامروا بالعودة إلى ما هربوا منه قبل اختبار استقراره مجدداً ولسنوات طويلة. يرتبط بهم أصحاب المهارات الحرفية والصناعية، فهم أيضاً إذ يحصلون على فرصهم خارجاً لن يضحوا بها ولن يعودوا إلا إلى بيئة مضمونة الاستقرار وذات مردود أعلى.
تجدر الإشارة إلى أن نزيف الموارد البشرية ليس مساراً ميكانيكياً يُعوَّض بسهولة تعويض لوازم الإنتاج الأخرى، ويُستحسن عدم التبسيط في التحدث عن “هجرة العقول” كما حدث مؤخراً مع نزيف الحرفيين. المسألة هي في تجريف البلد على نحو تفقد الكفاءات المتبقية فيها الفرص الاعتيادية للعمل، والمناخ الطارد نفسه لا يشجع على تعويض النزيف بأجيال جديدة. ما قُتل ويُقتل هي روح سوريا، من دون أن يقع التوصيف في خانة المجاز الأدبي.
يفيدنا تاريخ سوريا نفسه في توضيح الأثر المدمر للسلطة، السلطة التي بسببها جُرّفت البلد من فعاليتها الحية كلما استردت قليلاً من العافية. فرغم أن العقد الأول بعد الاستقلال شهد العديد من الانقلابات والاضطرابات إلا أن حيويته الاقتصادية والسياسية كانت أقوى من العثرات، هكذا شهدت سوريا نهضة اقتصادية وثقافية وفنية هي استمرار لما بدأ في السنوات الأخيرة للانتداب الفرنسي. ستأتي الوحدة مع مصر أولاً، ثم يليها انقلاب البعث ليقطع ذلك المسار، إذ يقضي على البنية الاقتصادية تحت يافطة الاشتراكية، وينهي الحراك السياسي والاجتماعي والإعلامي والثقافي بإعلان حالة الطوارئ التي سيعيش السوريون تحت وطأتها طوال العقود اللاحقة.
من ضمن البعث نفسه، ستأتي حركة 23 شباط ثم انقلاب حافظ الأسد ليُقضى على الحراك الداخلي، حراك سلطة البعث التي راحت تترسخ مترافقة بصعود أبناء الريف ومشاركتهم في الفضاء العام، وهم رغم ما يُحكى عن سلبيات الترييف أمدّوا الفضاء العام بحيوية، ولو أن الأخيرة كانت محمولة على أيديولوجيات عابرة للحدود. فشلُ اليسار البعثي وانقلاب حافظ الأسد مع وعود بالسير يميناً أعطى الاقتصاد جرعة ضرورية في وقتها، ليستمر ما تبقى من حيوية الستينات مع اكتساب حيوية جديدة سهلتها أيضاً الوفرة التي أتت بها المساعدات الخليجية عقب حرب تشرين1973.
في نهاية السبعينات قدمت المواجهة مع الإخوان ذريعة ليقضي حافظ الأسد على القليل مما كان قد يُحسب له، فقد قتل وأودع في معتقلاته عشرات الآلاف ممن سيكون تغييبهم قضاء على روح البلد، بالتزامن مع الحملة التي شنها على بقايا البرجوازية، ما أدى إلى هروب ضخم لرأس المال، ولم تنج السلطة نفسها من حملة التجريف فأطاح الرؤوس ذات الوزن على الصعيد العسكري خاصة. مرة أخرى ستبدأ البلاد بطيئاً وتدريجياً باستعادة بعض من عافيتها بسبب تساهل الأسد مع تقدم مشروع التوريث، لنرى الوريث يحرق كل ما تُرك للسوريين إنجازه كرمى لتوريثه.
دمار السنوات العشر الأخيرة في جانب منه استمرار لنوع من السلطة لن تفعل شيئاً سوى ما فعلته، سلطة مضادة للحياة والحيوية بالمعنى العميق، وفي أحسن الأحوال ستصطدم الحيوية الطبيعية لأي مجتمع بهذه السلطة ليُقضى عليه بعنف ووحشية. ما يميز درس السنوات العشر أن أثره لن يُمحى بسهولة، وإذا كان من السهل دولياً إبقاء بشار فمن المستحيل إعادة تدويره كما يُشاع، أي على النحو المجدي لتعبير إعادة تدوير. من يفعلون ذلك لا يتواطؤون على طمس الجرائم الماضية فحسب، هم شركاء في الجرائم المقبلة، الجرائم التي لا بد أن يرتكبها سفاح مدمن.
المدن
———————————-
سوريا: ما الذي يجري؟/ مزهر جبر الساعدي
ربما هناك في الأفق المنظور طبخة ما، في ما يخص سوريا، يجري طبخها على نار هادئة في زوايا بعيدة عن أنظار الإعلام، إن لم أقل إنها في حكم المؤكد. اللجنة الدستورية التي يفترض بها، كما أُعلِنَ في وقت سابق، من أنها سوف تعقد جلستها السادسة، بعد انقطاع لأشهر، والتي من المؤمل أن ينتج عنها إنضاج مسودة دستور جديد لسوريا، ولو في الإطار العام له كبداية، ومرحلة انتقالية تاليا.
ربما لن يفضي اجتماع اللجنة الدستورية في الوقت الحاضر إلى نتائج عملية ملموسة، في وقت يعاني فيه الشعب السوري من وضع اقتصادي مترد، ويعاني الأمرين من جوع وفقر ولجوء.
موقع إيكوس نشر مؤخرا، طلب روسيا أن يعقد اجتماع ثلاثي بين الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة وروسيا يناقشون فيه، الوضع في سوريا وضرورة التوافق بين الأطراف الثلاثة على صيغة حل، أو مخرج للوضع هناك، بما يوفر الإجابات لقلق تلك الأطراف، وهنا المقصود حصريا هو القلق الإسرائيلي. الموقع نقل هذا عن مسؤولين إسرائيليين، وبيّن الموقع أن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، طلب من وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، عقد ذلك الاجتماع بحضور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي أيال حولتا، وبريت ماكغورك الموفد الأمريكي الخاص بسوريا، إضافة إلى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، مع حضور الموفد الروسي الخاص إلى سوريا الكسندر لافرينشينين. يبحث المجتمعون حسب موقع إيكوس، أهمية تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الخاص بالحل في سوريا، وهنا المقصود في الظاهر، هو كتابة دستور جديد للبلاد ومرحلة انتقالية، لكن ربما وراء الأكمة ما وراءها. ألا تعتبر مناقشة قضية تعني مستقبل سوريا كوطن وشعب من قبل روسيا والكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، من دون حضور أي ممثل عن سوريا، سواء من النظام أو من المعارضة، تدخلا صارخا واستهانة كبيرة بالشعب السوري، نظاما ومعارضة، عندما تتم مناقشة قضية تعني مستقبل أي بلد، بكل تأكد يعني هذا تماما. أما ما هو السبب، فيقع على النظام السوري حين فرّط باستقلال بلاده، في سبيل بقائه، بدعم عسكري روسي، له ثمن وثمن كبير جدا، على صعيد الحاضر والمستقبل. ومن الإجحاف إعفاء المعارضة من هذا الانحدار، ولو في الحدود الجزئية، وبالشكل غير المباشر، بالمساهمة كناتج عرضي وإجباري في الاستجابة لشرط الواقع، الذي أنتجه، تصلب النظام في لحظة شروع الثورة السورية، عن طريق ما قامت به، من أعمال ومواقف للبعض منها، بتخليق بيئة ملائمة لتدافع الإرادات الدولية والإقليمية على الأرض السورية، وإدخال المنظمات الإرهابية، كغاية قصدية مدروسة من اللاعبين الدوليين والإقليميين، لتشويه المعارضة. هل كان صعبا أن يتم الاتفاق بين النظام والمعارضة على صيغة حل، يجنب سوريا الوطن والشعب كل هذا الدمار والخراب، لو أن النظام في الشروع الأول لثورة الشعب السوري، تنازل عن تشبثه بكرسي الحكم، وجنح إلى حل أو حلول يتم الاتفاق عليها، في كتابة دستور جديد ومرحلة انتقالية، من دون تدخل خارجي.
هذا الاتفاق أو الإجراءات، لو قدر لها وأخذت طريقها على أرض الواقع، لما تعرضت سوريا الوطن والشعب، إلى كل هذا الخراب والدمار والجوع والفقر والتشرد في جميع بقاع المعمورة، ولما وجد التدخل الخارجي مساحة يتحرك فيها، ولما وجدت القوة العظمى الأخرى، ونقصد هنا، الاتحاد الروسي، موطأ قدم ثابت لها، إلى أجل غير مسمى في الأرض السورية، وما يتبع هذا من شروط واستحقاقات. صحيح أن هناك في دهاليز السياسة الدولية، مؤامرة ضد سوريا الوطن والشعب، إنما ما كان أن يكون لها أي وجود، لو أن النظام نزل من على قمة شجرة الحكم والسلطة العالية، ودعا المعارضة أو الشعب الثائر وممثليه إلى الحوار والنقاش لوضع خريطة طريق، ترسم لسوريا شكلا جديدا من الحكم، على قاعدة التداول السلمي للسلطة، والحكم بدستور جديد يلبي طموحات الشعب في التغيير. ويتم التوافق والاتفاق على لجنة من الاختصاصيين من النظام والمعارضة لكتابة الدستور، وهنا نقصد في لحظة انطلاق ثورة التغيير، وليس كما هو عليه الوضع في الوقت الحاضر، من تدخل دولي وإقليمي في الشأن السوري. أَما كان لهذا الطريق لو سار عليه النظام، واستجاب الشعب الثائر له، بممثليه من رموز ونخب في أول صرخة تطالب بتغيير المسار من حناجر شعب يريد الكرامة والحياة والحرية، أن يجنب سوريا الوطن والشعب، كل هذا الدمار والتدخل الخارجي، الذي ما هو إلا لمصالح القوى الدولية والإقليمية، وليس لمصالح الشعب السوري، بما في ذلك النظام والمعارضة.
أدرك تماما أن هناك، في الواقع، سواء في سوريا، أو في أي من الدول العربية الأخرى، التي طالها الخراب، فاعلا دوليا وإقليميا له وجود، يتمثل واقعيا، في أفعال السياسة الدولية والإقليمية وتأثيراتهما في الوضع الداخلي لهذا البلد العربي، أو ذاك، إنفاذا لمصالحه.. وإن سوريا كما غيرها من بقية الدول العربية لا تعيش في الفضاء، بعيدا عن مفاعيل السياسة الدولية والإقليمية والعربية، كما أنها كما غيرها من دول المنطقة العربية، للنخب فيها، نوازعهم ورغباتهم وتوجهاتهم الفكرية، سواء من رجالات النظام أو من رجالات المعارضة، إنما الحديث هنا يدور حول صفاء النية وصدق الهدف وواقعية الهمة الوطنية في إنتاج سوريا جديدة تلائم متغيرات العصر.. وليس كما هو عليه حالها في الوقت الحاضر من خراب ودمار، ومعاناة الشعب من الجوع والفقر وضياع بوصلة الطريق الذاتي للفرد، في مجتمع تتناحر فيه الإرادات بالضد من مصالحه. ما يؤكد وجود طبخة تعد في الخفاء لحلحلة الوضع في سوريا، وإن فيها الكثير من المقايضات، وربما الكيان الإسرائيلي طرف فيها، من غير أن يكون ظهوره ظاهرا للعيان، أو أن هناك من يمثله ويضمن مصالحه، أو هواجسه الأمنية، وهما روسيا وأمريكا، في أي مخرج مخطط له، لإخراج سوريا مما هي فيه. إنما ما هي ماهية هذا الإخراج ، ولمصلحة من هذا الإخراج المرتقب؟ من المفيد هنا التذكير، أن الرئيس الروسي في أحد زيارات نتنياهو قبل أكثر من أربع سنوات، وكان الأخير في زيارة عمل الى روسيا، وتحديدا تخص الوضع في سوريا، قال له، إن روسيا في أي حل مستقبلي، للوضع في سوريا، سوف تحافظ فيه على أمن إسرائيل. علما بأن نتنياهو كان لا يمر شهر او شهران، إلا وزار روسيا والتقى الرئيس الروسي، وهذه الزيارات تخص سوريا على سبيل الحصر. كما أن هناك، وعلى مدى عقود، تاريخ مشترك من المصالح، بين الكيان الإسرائيلي وروسيا. صحيفة «الغارديان» البريطانية، أشارت، إلى أن الاسد لم يعد منبوذا، بل هو الآن مطلوب، في حلحلة قضايا الشرق الأوسط. كما أنها أشارت الى أن الملك الأردني يقوم بالواسطة بين بايدن والأسد، وأن الأول أبدى مرونة كبيرة في هذا الاتجاه. وما يؤكد مرونة بايدن هو الموافقة الامريكية على نقل الغاز المصري، إلى لبنان عبر الأرض السورية، وأن هناك اتصالات عربية على أعلى مستوى مع النظام السوري، لعودة سوريا إلى الحضن العربي، وإلى دورها في المنطقة العربية، وفي الشرق الأوسط. إن عودة سوريا إلى المجموعة العربية، أمر حسن، لأنه يعكس على أرض الواقع، التضامن العربي. لكن السؤال المهم هنا على أي مسار من المسارات، يجري وضع حل للوضع في سوريا، هل يجري إحياء لجنة كتابة الدستور، كما أعلن مؤخرا، عن عقد جلستها السادسة في المقبل من الوقت، وإيجاد دستور جديد ومرحلة انتقالية، تمهد لإقامة ديمقراطية حقيقية؟ أم أن تفكيك الوضع السوري، يتم بطريقة أخرى، وكأن شيئا لم يكن. من السابق لأوانه التنبؤ بالمخرج المقبل للوضع في سوريا، إنما، ربما هناك كما اسلفت القول فيه، طبخة تعد في السر والخفاء، بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا والكيان الإسرائيلي، وإطراف إقليمية وعربية، في حقل المقايضات والترضيات الاستراتيجية، بتبادل المنافع والمغانم على حساب المصلحة الاستراتيجية للشعب السوري.
كاتب عراقي
القدس العربي
—————————
لماذا يحثّ الأردن خطوات التطبيع مع الأسد؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي
“تلقى جلالة الملك عبد الله الثاني، الأحد اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد، تناول العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما. وأكد جلالة الملك خلال الاتصال دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها”.
بصدور هذا البيان عن الديوان الملكي الهاشمي يكون الاردن قد أعلن رسمياً عن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بعد عقد على القطيعة المعلنة معه.
كان الملك الأردني أول الناصحين لبشار الأسد بالرحيل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011، بالإضافة لتصريحات أعضاء في حكومته ومسؤوليه التي لم تكف يوماً عن إدانة جرائم النظام، بل إن الأردن كان في طليعة من استقبل السوريين الفارين من بطش الأسد، واحتضن الجيش الحر ودعمه.
تأتي هذه الاستدارة الحادة للجار الشقيق المثقل بأزماته السياسية والاقتصادية، التي في معظمها جاءت نتيجة أزمات الجوار، تتويجاً لخطوات سبقت هذا الإعلان وتمثلت بنجاح العاهل الأردني خلال زيارته إلى واشنطن في شهر تموز/يوليو الفائت، ودعوته الرئيس الأميركي جو بايدن لتخفيف عقوبات قانون قيصر واستثناء الأردن مبدئياً، ليتمكن من كسر الطوق الذي فرضته العقوبات على النظام، فاتحاً بذلك الباب أمام تشغيل خط الغاز العربي وتزويد لبنان بالكهرباء الأردنية عن طريق سوريا، وهذه كلها جاءت محصلة تطورات كبيرة انتجتها تحولات المشهد الإقليمي والدولي مؤخراً.
سبقت هذا الاتصال تحركات معلنة بين دمشق وعمان، كان أبرزها في شهر اذار/مارس، عندما قام وزير الصناعة التجارة الأردنية طارق الحموري بزيارة دمشق، ثم تبعه اتصال وزير الداخلية السوري محمد خالد الرحمون بنظيره الأردني مازن الفراية، في شهر تموز، ثم استقبال رئيس الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي لوزير الدفاع ورئيس الأركان السوري العماد علي أيوب، في 19 أيلول/سبتمبر، ثم لقاء وزيري خارجية البلدين أيمن الصفدي وفيصل المقداد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأخيراً قبل أيام الزيارة الرسمية لأربعة وزراء من نظام الأسد الى عمان وإعلان فتح معبر جابر-نصيب الحدودي.
تأتي هذه الخطوات بعد تذليل العقبة الأميركية التي فرضها الرئيس الأسبق دونالد ترامب من خلال قانون قيصر، وقبله عندما افتتحت الامارات قنصليتها في دمشق أواخر العام 2019. وكادت بعض الدول العربية اللحاق بركبها، وفي طليعتها الأردن ومصر والبحرين، لكن موقف إدارة ترامب كان حاسماً حين وجهت رسالة شديدة اللهجة الى الخارجية المصرية تحذرها من أي تطبيع مع نظام الأسد.
الأردن بلد ريعي يعتمد على المساعدات وتجارة الترانزيت، والبوابة السورية تعتبر رئة اقتصادية مهمة له، لكن وبعيداً عن المصالح الاقتصادية، من المحتمل أن يكون هذا التقارب عبارة عن مقايضة بمساعدة روسيا مقابل أن يقوم الأسد فعلاً بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الأردن، وهذا ما طلبه الملك عبد الله من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة الى موسكو في أواخر آب/أغسطس، وبعد أن لمس خلال زيارته لواشنطن نزوع إدارة الرئيس بايدن للتعامل اللين مع ايران واتباع سياسة ناعمة معها، فكان هذا المؤشر أن ايران باقية وتتمدد في المنطقة، ونفوذها يزداد من خلال سيطرة شبه تامة على أربع عواصم عربية (دمشق، بغداد، بيروت، صنعاء) وبالتالي أصبح الأردن الذي بات محاطاً بأذرع إيران مقتنعاً أن التصعيد معها غير مفيد، وأنه لا بد من التقارب معها من خلال التطبيع مع الأسد والانفتاح على العراق.
ربما يحمل هذا التوجه الأردني أيضاً رسائل موجهة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لم تستطع تشكيل غطاء لها.
العاهل الأردني كان قد صرح في 25 تموز لقناة “CNN”، أن النظام باقٍ وعلينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا.. هل نريد تغييراً في النظام أم تغييراً في السلوك؟”. كما أوضح أن رؤية بلاده للوضع في سوريا تقوم على التحاور “لأن الجميع يقوم بذلك، ولكن ليس هناك خطة واضحة إزاء الحوار مع النظام، والحوار معه أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه”.
لا شك أن لدى عمان عوامل أساسية دفعته لاتخاذ هذه الخطوة أهمها:
أولاً: الازمة الاقتصادية والسياسية الخانقة التي يعاني منها الأردن، والتي دفعت قيادته للاعتقاد بأن فتح صفحة جديدة مع نظام الأسد ستساعد على التخفيف من تلك الأزمات، والحد من تردي الوضع الاقتصادي. فبالإضافة إلى استفادة الأردن من عائدات مرور خطوط الغاز والكهرباء إلى لبنان عن طريق سوريا، يسعى الملك للاستفادة من حركة الترانزيت التي كانت ترفد الخزينة الأردنية بعائدات مالية كبيرة، ممنياً النفس بحصول تفاهمات روسية-تركية ناتجة عن قمة سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي قبل أيام، بفتح الطرق التجارية وخاصة طريق إم-5، الذي يصل غازي عينتاب التركية بمعبر نصيب الحدودي، وربما تلقى وعداً بذلك من الرئيس بوتين خلال زيارته الأخيرة لموسكو، وهناك مؤشرات على الأرض توحي بذلك.
ثانياً: مخاوف ملك الأردن من أن تؤدي الأزمة السياسية التي عصفت به مؤخراً (مؤامرة باسم عوض الله) إلى غضب شعبي قد يفتح الأبواب أمام انتفاضة على غرار ما حصل في دول الربيع العربي، وبالتالي يعتقد الملك ربما أن عودة العلاقة مع نظام الإجرام في دمشق هي رسالة للداخل الأردني، بعدم جدوى الانتفاضات والثورات وأنها تؤدي الى نتائج كارثية، وأن الأنظمة والحكومات على علاتها تبقى الخيار الوحيد لعدم انجرار البلاد إلى كوارث تشبه ما حصل في سوريا، وهذا ما سوق له بعض حكام المنطقة لتربية شعوبهم بمأساة للشعب السوري.
ثالثاً: العامل الثالث مرتبط بعلاقات الأردن مع أمريكا وروسيا. ففي ظل الانكفاء الأميركي عن المنطقة، رغم تعزيز قواعدها في الأردن، إلا أن انسحابها من أفغانستان وتقليص قواتها في العراق والخليج العربي، وعدم إيلاء أولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وتنامي الدور والنفوذ الروسي في المنطقة، جعل من الملك الأردني يسعى لتمتين علاقته مع روسيا من خلال البوابة السورية، كي تكون موسكو حليفاً له في حال استمرار إدارة الرئيس بايدن في سياسة التخلي عن الحلفاء.
رابعاً: لا يمكن إغفال العامل الأمني من حسابات الأردن، وخطر الجماعات المتطرفة (داعش والقاعدة) عليه، وبالتالي العمل على رفع مستوى التنسيق الأمني بين البلدين، الذي أكد مدير مخابرات الأردن قبل يومين أنه لم يتوقف أصلاً، والاستفادة من الداتا الموجودة عند أجهزة مخابرات النظام في ما يتعلق بالجماعات الإرهابية.
هذه الخطوة لم تثر أصواتاً معارضة فقط من الشارع الأردني، بل خرجت أصوات من البرلمان رأت بأنها خطوة لن تكون مفيدة للأردن، حيث اعتبرها النائب صالح العرموطي “إنقاذاً للنظام السوري بعد تورطه بارتكاب مجازر وانتهاكات كبيرة بحق الشعب السوري”. وشكك العرموطي حتى بالجدوى الاقتصادية من تطبيع علاقات الأردن مع نظام الأسد، معتبراً أن فساد النظام المستشري والقبضة الأمنية لن تعطي للأردنيين المزايا التي يتحدثون عنها، والدليل على ذلك وجود عشرات المعتقلين الأردنيين في سجون النظام منذ سنوات عديدة ورفضه اطلاق سراحهم رغم كل المناشدات.
مقابل ذلك، ترى السلطات الأردنية أن القسم الأكبر من الرأي العام المحلي يرحب بهذه الإجراءات، وهو اعتقاد ربما يشجع الملك الأردني أكثر في تسريع مساعيه الهادفة إلى إعادة النظام الى حظيرة الجامعة العربية، وفي هذا السياق يمكن وضع الزيارة التي يُعتقد أنه سيقوم بها الأسبوع القادم إلى الدوحة لإقناع قطر بعدم معارضة ذلك. فهل سيكون هذا التقارب وتطبيع العلاقات بمثابة الفرج للأردن بالفعل؟ أم أن نظام الأسد هو المستفيد الأول والأكبر؟ سؤال بديهي ليس أمام الجميع إلا ترقب ظهور الإجابة عنه، ما لم يحدث شيء يعيد خلط الأوراق ويقلب الطاولة على الجميع.
المدن
——————————
عندما تمسك واشنطن بميزان العلاقات الروسية التركية/ رانيا مصطفى
تتسم العلاقات الروسية التركية بالهشاشة، إذ يحيط بتحالفاتهما كثير من التنافس والمخاوف المبنية على عدم ثقة الطرفين تجاه بعضهما بعضا؛ هذا ظهر في قمّة سوتشي، الأسبوع الماضي، بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب
أردوغان، والتي ناقشت قضايا عسكرية واقتصادية وسياسية. تستغل واشنطن هذا التحالف الهشّ بين تركيا وروسيا، الراغبتين في زيادة نفوذهما الإقليمي، لإرباك الطرفين، والإمساك بكل خيوط تحالفاتهما، لضمان تنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة، خصوصا بعد أن اتخذت واشنطن، ومنذ عهد الرئيس أوباما، استراتيجية جديدة لتخفيف حضورها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتعزيز وجودها في الباسيفيك، على اعتبار أن مواجهة خطر الصين الاقتصادي باتت أولوية لها.
تطمح كل من روسيا وتركيا إلى استعادة أمجادهما الغابرة، حين كانتا إمبراطوريتين ذات نفوذ، وتستغلان فرصة الرغبة الأميركية في الانسحاب والانكفاء، لملء الفراغ، ما أوجد صراعاتٍ بين الطرفين، تديرها واشنطن، عبر تنسيق ثنائي مع كل طرف. تعترف واشنطن بأن سورية منطقة نفوذ روسي، ولم تمانع استعادة سيطرة النظام بدعم روسي، وحتى إيراني، على مناطق واسعة، وجديدها الجنوب، حيث كانت سياستها تقوم على إضعاف الدور التركي والمعارضة السورية، وامتلاك أوراقٍ للإمساك بقدرة روسيا على الانفراد بمستقبل سورية، وعدم جعلها منصّة للانطلاق إلى نفوذ أوسع في المنطقة غير مضبوط وفق الإيقاع الأميركي.
وبناءً على ذلك، تتمسّك السياسة الأميركية بمنع روسيا والنظام من الاستفادة من الثروات السورية في الشرق، والإبقاء على بعض الجنود قرب حقول النفط، ودعم “قوات سوريا الديمقراطية”. وكذلك تدعم واشنطن تركيا في بعض الملفات، للضغط على روسيا، حيث سمحت لها بعملية نبع السلام شرق الفرات، والسيطرة على جزء من الحدود وبعمق 32 كيلومتراً. ووقفت إدارة ترامب إلى جانب تركيا في منع توغل روسيا ومليشيات النظام وإيران في إدلب إلى شمال الطريق الدولي إم 4، ودفعت باتجاه اتفاق موسكو في مارس/ آذار 2020، لوقف إطلاق النار وتثبيت خطوط التماسّ. وتوصلت إدارة بايدن مع روسيا إلى صيغة في الأمم المتحدة بشأن تمديد العمل بقرار إدخال المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى فقط، وعبر دمشق مروراً بخطوط التماس، الأمر الذي أزعج تركيا الرافضة أي تطبيع مع نظام الأسد، كونه يُضعف دور المعارضة السورية التي تدعمها. وبالأصل، كان تحالف أستانة الثلاثي الخاص بسورية، بمشاركة إيران إلى جانب روسيا وتركيا، قد تم بمباركة أميركية، حيث كان هناك حضور أميركي بصفة مراقب، في مؤتمر أستانة الأول؛ والغرض تمكين روسيا والنظام من السيطرة على مناطق المعارضة.
يمكن القول إن لروسيا اليد العليا على تركيا في الملف السوري، وقد تعمّدت موسكو التصعيد في الشمال الغربي لسورية، والذي شمل لأول مرة الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وذلك قبيل قمة سوتشي أخيرا مع أنقرة؛ فروسيا تتضايق من مطامح تركيا لتوسيع نفوذها في ليبيا، ومن زيادة التنسيق التركي المصري الذي أدّى إلى تقارب طرفي الصراع في ليبيا، وكذلك تتلاقى تركيا ومصر في منافسة روسيا على سوق الطاقة الأوروبية. وفي آسيا الوسطى، نجحت أنقرة في دعم حكومة أذربيجان، مستغلّة العامل الديني، سعياً إلى السيطرة على طرق نقل الطاقة إلى أوروبا، أو بالتواصل مع حركة طالبان، وتحاول فتح مطار كابول، بالتنسيق مع واشنطن، إضافة إلى إنشاء المجلس التركي الذي يضم دولاً تتشارك مع تركيا في الدين والقومية، وتشكل طوقاً يحيط بروسيا، وكذلك محاولات أنقرة التنقيب عن الطاقة في البحرين، المتوسط والأسود، ما يثير مخاوف موسكو، ويدعوها إلى البحث عن أوراق ضغط إضافية على تركيا.
واحدةٌ من هذه الأوراق التي تحاول روسيا امتلاكها هي زيادة التنسيق مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بتوجيه أميركي؛ وقد وعدت موسكو الإدارة الذاتية بإعطائهم لامركزية موسّعة، وذلك ضمن مساعيها الحثيثة أخيرا، لحسم مسألة تشكيل دستور جديد لسورية. هذا يعني أن بمقدور روسيا إزعاج تركيا متى شاءت، عبر تهديد أمنها القومي بعناصر حزبي الاتحاد الديمقراطي (الكردي) والعمال الكردستاني الموجودين ضمن تشكيل “قسد”. هذا غير التصعيد الذي ما زال مستمراً في إدلب، ويهدّد بموجة نزوح إضافية إلى الحدود التركية، ما يثير مخاوف أنقرة. وقد تحدّث أردوغان في مؤتمره الصحافي، بعد القمة، عن نية تركية لإعادة لاجئين إلى الأراضي السورية، لاستجداء دعم أوروبي وأميركي للموقف التركي في إدلب، بحجّة منع سيناريو التهجير.
تسعى روسيا وتركيا، على الرغم من حالة المنافسة هذه، إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، والذي تجاوز، حسب تصريحات الرئيس أردوغان أخيرا، 21 مليار دولار، ضمن مساعٍ لوصوله إلى مائة مليار دولار، وهناك مشروع مدّ خطي الغاز الروسيين، إلى تركيا (ترك ستريم)، وإلى أوروبا عبر تركيا (السيل التركي)، وثلاث محطّات للطاقة النووية، وحوار حول كيفية بناء الطرق في ممر زانجيزور عبر الأراضي الأرمينية، حيث يعيق ذلك الخلاف حول إقليم كره باخ. الأهم المساعي الروسية إلى إبعاد تركيا عن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عبر المضي بصفقة صواريخ إس 400 الروسية لتركيا، وهناك حديث عن دفعة جديدة من هذه المنظومة الدفاعية؛ فأنقرة تشعر بخذلان “الناتو” لها، وغاضبة من دعم الولايات المتحدة والتحالف الدولي تنظيم حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية، وهي تبحث عن بدائل ممكنة، قدّمها لها العرض الروسي بصفقة المنظومة الدفاعية.
لا تأمن تركيا الجانب الروسي لإنشاء تحالف قوي معه، خصوصا أن معظم مناطق النفوذ متنازع عليها بينهما. وبالنسبة لها الحليف الأميركي مضمون أكثر، وهي لا تسعى إلى ترك حلف الناتو، وبالتالي ضربه، حيث يُعتبر الجيش التركي ثاني أقوى جيوش الحلف، بعد الأميركي؛ بل تريد تركيا من صفقات التسلح مع روسيا الضغط على الولايات المتحدة للنظر بعلاقتها بتركيا، والتي تشهد تراجعاً كبيراً في عهد الرئيس بايدن، وقد طالب الرئيس أردوغان واشنطن بإعادة المبالغ التي دفعتها بلاده على تطوير طائرة إف 35، في محاولة لتوجيه رسالةٍ إلى إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر وضوحاً بشأن الحفاظ على تحالفها مع تركيا.
تريد واشنطن إلهاء كل من موسكو وأنقرة، وكذلك طهران، بالصراعات البينية على ملفاتٍ ذات أهمية أقل بالنسبة لها، مثل أفغانستان وليبيا وسورية والقوقاز، وهي تحقق بذلك غاية مزدوجة، بإجبار الطرفين على تنفيذ سياساتها في المنطقة، ولامتلاك أوراق لضرب أي تحالفاتٍ قويةٍ يمكن للصين أن تنشئها، وتهدّد بها المصالح الأميركية.
العربي الجديد
————————————
خبر سوري عابر/ عدنان عبد الرزاق
ثمة ثلاثية أضفت على الأخبار الخارجة عن نظام الأسد حالة “مرور الكرام” رغم ما لبعض الأخبار من مؤشرات ذات دلالات خطرة.
كثرة الأخبار وتضاربها، بهدف التسويق السياسي وأن نظام الأسد، رغم العقوبات والحصار، بخير، ركن الثلاثية الأول، ليأتي الركن الثاني الكامن بخيبة أمل السوريين من فعل مصدري العقوبات والمتشدقين بالديمقراطية، أي شيء، ولو كان الخبر من قبيل قتل وإبادة وتغيير ديموغرافي، ما جعل من الأخبار الاقتصادية وإن الخطرة، تمر بعادية وقلما يتم الوقوف عليها.
وأما الركن الثالث الذي يساق بتضليل غالب الأحايين، أن المستفيد من تلك الأخبار هو الشعب السوري الجائع والمظلوم، وأي انفراج، بحسب منظري هذا الركن، إنما سينعكس على الشعب، ما يوجب غض الطرف كأضعف الإيمان، إن لم نقل المباركة كواجب وطني على كل من يهمه إبعاد السوريين عن دوائر الذل والحاجة وبيع ما يباع لمرة واحدة، ليبقوا على قيد الحياة.
بهذا السياق، مرّ خبر المباحثات الهندية مع نظام بشار الأسد لشراء الفوسفات من دون أن يأخذ ما يستحق من بحث وتفنيد.
ببساطة، لأن نظام الأسد زج أكثر من ركن خلال تمرير الخبر، فقال ضمن ما قال، إن البضائع الهندية التي تحتاجها السوق هي المقابل للفوسفات، ولن يكون الثمن دولارات لستر عورة نظام الأسد واستمرار حربه على حلم السوريين وقمع تطلعاتهم بالحرية والكرامة والعدالة بمنح الفرص واقتسام الثروة.
وربما مكمن خطورة خبر كهذا لا تتأتى فقط من أن الهند المتطلعة للدخول بمناقصة اقتسام خراب سورية (إعادة الإعمار) بدأت من الفوسفات وقطاع الطاقة، متأخرة عن دعوة رئيس النظام بشار الأسد ثلاث سنوات، إذ حاول النظام السوري ومنذ عام 2018، زج الهند ضمن أطواق نجاته حينما دعاها للاستثمار بقطاع الغاز والنفط واستكمال مشاريعها المتوقفة.
بل وربما الخطوة لا تكمن بالصمت الدولي على كسر العقوبات، ولا حتى بإشاحة وجه واشنطن عن اختراقات قانون “قيصر” وما روجته من وعيد وثبور خلال بدء تطبيق العقوبات في يونيو/حزيران من العام الماضي.
لأن الخطر الأكبر بالمادة نفسها، وذلك لأسباب ثلاثة. الأول أن لدى سورية ثروة هائلة من الفوسفات، إذ تصنف الرابعة عالمياً باحتياطي يزيد على 3 مليارات طن، لم تستثمر منه أكثر من 17%.
وسبب الخطورة الثاني، أن دولاً عدة أحست، منذ بدء الحرب على حلم السوريين، بأهمية الفوسفات السوري، فكان ضمن ضمانات قروض إيران (خطوط الائتمان)، فأسست طهران ومنذ عام 2016، شركة مشتركة مع نظام الأسد، لاستخراج وتصدير الفوسفات، قبل أن تدخل روسيا على الخط، فتستحوذ على الفوسفات السوري، وتوقع شركة “ستروي ترانس غاز” عام 2018 مع الأسد عقدي استخراج وتصدير الفوسفات لأكبر حقلين بسورية (خنيفيس والشرقية)، بعدما أبرمت ثلاثة عقود مع شركتي “ميركوري” و”فيلادا” الروسيتين للتنقيب عن النفط، وتتبعهما في العام الفائت صربيا، وتوقع شركة “وومكو أسوشيتس دوو” عقداً لاستخراج الفوسفات السوري.
ليكون الخطر الثالث بأن الفوسفات السوري من أجود الأنواع العالمية لاحتوائه على اليورانيوم، وسبق لسورية أن بحثت عن ممول لإنشاء معمل لغسل الفوسفات وفصل اليورانيوم المشع عنه، وتقدمت في مطلع تسعينيات القرن الماضي بدراسة جدوى اقتصادية للمشروع إلى “البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة” قبل أن يرجئ الرئيس السابق حافظ الأسد المشروع، رغم العرض الروسي وقتذاك الذي حمله نائب رئيس الوزراء الروسي أوليغ سوسلوفيتش إلى دمشق عام 1994.
نهاية القول: على ما يبدو، أكسبت سنوات الحرب والحصار بشار الأسد الخبرة الكافية لاستثمار الجغرافيا والثروات السورية، فكسر قانون “قيصر” ومصدريه، عبر تمرير الغاز المصري والإسرائيلي إلى لبنان، وبدأ عبر الأردن يستعيد دوره الإقليمي، وضَمن سلامة الجغرافيا وقهر الثوار بعد تسديد الديون، عبر ربط روسيا بالنفط والغاز والموانئ. ولم يفته استرضاء إيران الحالمة بالأيديولوجيا ومشروعها الفارسي النكوصي، ببعض فتات اقتصادية، عبر عقارات ومشاريع كهرباء وزراعة، ليتوسع شرقاً اليوم باتجاه الهند وقبلها الصين، ليتفرغ بالفصل الختامي للمجتمع الأوروبي عبر القروض وإعادة الإعمار.
وأما عن حقوق الشعب بثرواته وحق السوريين بالحرية وعدالة القصاص على قتلهم وتهجيرهم وتجويعهم، فتلك بهذا الزمان الرخو وعلى ما يبدو، صغائر تسقط جميعها أمام المصالح وانتقال نظام الأسد للعمالة وتمرير مصالح إسرائيل بشكل علني.
العربي الجديد
———————————
نحو تحالف تركي روسي جديد/ داود عمر داود
ما يجعل القمة الروسية التركية الأخيرة، في مدينة سوشي، مختلفة عن سابقاتها أنها اقتصرت على الرئيسين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، ولم تكن هناك وفود مرافقة لهما، خلال اجتماعهما الذي دام قرابة 3 ساعات. كما أن التغطية الإعلامية كانت قبل المباحثات وليس بعدها، مثلما جرت العادة، مما يوحي أن اللقاء كان عبارة عن جلسة عصف ذهني بين الزعيمين سيكون له ما بعده.
والأهم أنه يبدو أن القضايا الإستراتيجية التي تجمع بين بوتين وأردوغان هي أكثر من تلك القضايا الخلافية بينهما.
فقد ظهر هذا واضحاً من الرسائل التي بعثا بها معاً إلى واشنطن، والتي يُفهم منها أنهما يسيران ببلديهما نحو تشكيل حلف جديد يملأ الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة، في الشرق الأوسط، عندما تستكمل إنسحابها من المنطقة، كي تتجه نحو جنوب شرق آسيا لمواجهة الصين هناك.
تعاون تتخلله خلافات
في حديثه المفتوح بحضور أردوغان قبيل اللقاء، وصف بوتين المحادثات مع الجانب التركي أنها ليست سهلة في أغلب الأحيان، نظراً لإختلاف وجهات النظر بين الدولتين. لكنه قال إن الطرفين يتوصلان دائماً في نهاية المطاف إلى صيغة مرضية لهما.
وأشار إلى المجالات التي يتفق عليها الجانبان ومنها التعاون على الصعيد الدولي.
فقال إن الطرفين يسعيان للتوصل إلى حل للأزمة السورية، وينسقان مواقفهما في ليبيا، ويحافظان على تثبيت وقف إطلاق النار في إقليم كارباخ، بين أذربيجان وأرمينيا. هذا بالإضافة إلى عدد كبير من المسائل الدولية، ربما أبرزها مطالبتهما الولايات المتحدة أن تسحب قواتها من سوريا.
التعاون الاقتصادي
أما في مجال التعاون الاقتصادي، فقال إن حجم الاستثمارات الروسية في تركيا بلغ 6.5 مليار دولار، مقابل 1.5 مليار دولار استثمارات تركية في روسيا.
وأشار إلى أن التبادل التجاري بين البلدين قد ارتفع هذا العام 2021 بنسبة 50 في المئة. كما أشار إلى بعض المشاريع العملاقة بينهما التي يجري تنفيذها حالياً، مثل خط نقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، المسمى (ترك ستريم)، وإنشاء محطة (أكويو) النووية لتوليد الكهرباء، الذي تنفذه روسيا، في مدينة مرسين التركية.
أما أردوغان فأشار من جانبه إلى التطور الذي تشهده العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية.
وأشار إلى المحطة النووية لانتاج الطاقة الكهربائية وقال إن البلدين يدرسان إنشاء محطتين نوويتين إضافيتين. وتحدث عن رفع التبادل التجاري مع روسيا إلى 100 مليار دولار سنوياً، وهو الأمر الذي يراه المراقبون في إطار (تنازلات أو إغراءات) يقدمها أردوغان إلى بوتين من أجل التوصل إلى توافق في الآراء مع الجانب الروسي في ملفات اخرى.
وهذا يُعدُ من باب استثمار الاقتصاد لتحقيق مآرب سياسية كما تفعل الدول الكبرى.
استثناء واشنطن من الحل في سوريا
وفي رسالة واضحة إلى واشنطن، طمأن أردوغان روسيا أن تركيا لن تتراجع عن صفقة صواريخ اس 400، التي تعارضها الولايات المتحدة. ولما تحدث عن الملف السوري استثنى الرئيس التركي أي دور للولايات المتحدة في الحل النهائي للأزمة السورية، حيث قال إن السلام مرهونٌ بالعلاقات التركية الروسية، وإن الدولتين تسعيان لإيجاد حل (دائم ونهائي ومستدام)، دون الإشارة إلى أي دور أمريكي محتمل.
وأضاف أردوغان أنه اتفق مع نظيره الروسي على التوصل إلى حل للتصعيد الجاري في محافظة إدلب السورية.
رسائل متعددة
الإصرار على المضي قُدماً في صفقة صوارخ اس 400، والتصريح أنه لا دور للولايات المتحدة في الحل النهائي للأزمة السورية، والضغط بإتجاه تعجيل سحب القوات الأمريكية من سوريا، يبدو أنها رسائل تركية روسية مشتركة إلى واشنطن. وربما تجيء في وقت يقال فيه أن أنقرة تستعد لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة لحزب العمال الكردستاني PKK، تؤدي إلى القضاء عليه أو تحجيم دوره في مشاغلة تركيا.
كما يقال أن أردوغان قد أطلع بوتين مسبقاً، في قمة سوتشي، على هذه العملية على أمل أن تغض موسكو الطرف عنها، خدمة لمصالحهما المشتركة، وعلى اعتبار أن ذلك سيساعد الطرفين على التوصل إلى تفاهمات أكثر في الملفات الأخرى، وخاصة الملف السوري.
ويتضح أن مجموع هذه النقاط تشكل موقفاً تركياً روسياً موحداً، قد يرقى إلى مستوى تحالفٍ جديدٍ يقف في وجه واشنطن، في ظرف تستعد فيه لإستكمال سحب قواتها من الشرق الأوسط.
التداول على زعامة العالم
بالتأكيد أن هذا التفاهم التركي الروسي المشترك، الذي يمكن أن يتحول إلى تحالف دولي مهم، لا يُعجب واشنطن التي تسعى دائماً إلى تثبيت الانقسامات في العالم، وتفكيك التحالفات البينية، كما حصل في أوروبا، حتى لا تتشكل كتل قوية تنافسها على الساحة الدولية، فتظل هي الأولى المنفردة بالقيادة.
فكما قامت أمريكا باستثناء تركيا، ورفضت أن تستقبل رئيسها خلال تواجده في الأمم المتحدة، جاءها الرد بالمقابل ليس من تركيا وحدها، بل من تركيا وروسيا معاً، أن تم استثناؤها من أي دور في حل الأزمة السورية. فهل نشهد إنقلاباً في السياسة الدولية للتداول على قيادة العالم؟
كاتب أردني
القدس العربي
—————————–
أعتراضات داخل الكونغرس الأميركي على التطبيع مع النظام السوري
انتقد أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي سعي بعض الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، واصفين القرار بالخاطئ.
واعتبر العضوان البارزان في لجنة العلاقات الخارجية ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ جيم ريش ومايكل ماكول في بيان، أن “تطبيع العلاقات مع نظام الأسد عبر صفقات الطاقة ستتضمن مدفوعات للنظام الذي أرتكب جرائم ضد الإنسانية”.
وقال البيان: “لقد تسبب بشار الأسد في معاناة هائلة للشعب السوري، حيث ذبح مئات الآلاف من السوريين وارتكب جرائم ضد الإنسانية بمساعدة روسيا وإيران، وقد قاطع المجتمع الدولي النظام بسبب هذه الفظائع، بالإضافة إلى ذلك، أقرّ الكونغرس قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا بهدف معاقبة أولئك الذين دعموا حملة القتل التي شنها الأسد”.
وأضاف أنه “من المخيب للآمال أن يفقد بعض شركاء الولايات المتحدة، بمن فيهم أعضاء في جامعة الدول العربية عزمهم على معاقبة الأسد من خلال السعي إلى تطبيع العلاقات، عبر صفقات الطاقة التي قد تتضمن مدفوعات لنظام الأسد”.
وأكد البيان أن “الصراع في سوريا أدى إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وأن تطبيع العلاقات الآن لن يؤدي إلا إلى استمرار زعزعة المنطقة”، مشدداً على أن الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة “بالعمل مع المجتمع الدولي حتى يحصل الشعب السوري على العدالة المناسبة”.
ويحاول النظام السوري تعويم نفسه لعودته إلى الساحة الدولية بمساعدة روسية وإيرانية، إذ قامت بعض الدول الخليجية بإعادة فتح سفاراتها في سوريا، في حين خفّت نبرتها تجاه النظام السوري، حيث سبق وأشار وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى ضرورة إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا، وبالتالي عودتها إلى الحضن العربي.
من جهة أخرى، يسارع الأردن إلى تطبيع كامل علاقاته مع النظام السوري، حيث أجرى الأسد الاثنين، اتصالاً هاتفياً بالملك الأردني عبدالله الثاني تناول “العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما”.
وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” إن “الملك الأردني أكد خلال الاتصال مع الأسد دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها”.
وتحاول روسيا لعب الدور الوسيط في عودة سوريا إلى الساحة الدولية، لا بل ذهبت أبعد من ذلك من خلال دعم الإصلاحيين داخل النظام الراغبين بعودة العلاقات الطبيعية مع المجتمع الدولي، كما تضعط موسكو على الأسد من أجل المصالحة مع بعض جماعات المعارضة على الأقل بهدف الابتعاد عن سياسة الأرض المحروقة بحسب موقع “ستراتفور”.
واعتبر الموقع أن إعادة الاتصال بالعالم الخارجي ستفرض على النظام تقديم تنازلات للمعارضة السورية، وقد تأخد أشكالاً عديدة كصفقة مثلاً، أو إضعاف سلطة الرئاسة، وهو أمر يعتبر مرفوضاً بالنسبة للمتشددين داخل النظام، مشيراً إلى وجود مؤشرات تدل على أن الدائرة الداخلية مستعدة للتنازل الآن، خاصة بعد تحقيق نصر عسكري إستراتيجي في درعا.
——————————
تركيا أبلغت موسكو:لا تراجع في إدلب..ولا صحة للاستقالات العسكرية
تكشف التغطية التي قدمتها وسائل الإعلام الروسية الموالية للكرملين، لما قالت إنه “استقالات جماعية لجنرالات في صفوف الجيش التركي”، عن انحياز واضح من هذه الوسائل للرواية التي تستخدمها المعارضة التركية وعلى رأسها “جماعة الخدمة” التي يتزعمها فتح الله غولن.
ورغم نفي وزارة الدفاع التركية قبل نحو أسبوعين للأنباء التي تحدثت عن استقالة خمسة جنرالات دفعة واحدة، مؤكدة أن الاستقالة كانت لجنرالين اثنين ولأسباب خاصة، أفردت وسائل إعلام روسية حيزاً واسعاً للخبر، مدعية أن كبار الجنرالات المسؤولين عن العمليات العسكرية التركية في سوريا يسعون إلى الاستقالة وسط تصاعد التوترات في إدلب.
وإدعت صحيفة “سفوبودنايا بريسا” الروسية أن استقالة الجنرالات والعقداء الأتراك يمكن تفسيرها كمحاولة لحماية النفس من ملاحقة قضائية على الهزيمة القادمة.
وأضافت الصحيفة في مقال ترجمه موقع “روسيا اليوم”، أن “ما يجري من استقالات بين كبار الضباط في الجيش يذكر بالتطهير الذي جرى عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016.
لكن وحسب مصادر تركية، فإن جنرالين اثنين تقدما بطلب التقاعد، لأسباب صحية وعائلية. وقالت وزارة الدفاع التركية إنه “يحق لأي عامل طلب الاستقالة في حال حصوله على حق التقاعد، وبحسب الرغبة، وهناك فترتان لتقديم الطلب، الأولى في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، والثانية في تموز/يوليو وآب/أغسطس”.
وتعليقاً، وضع الصحافي التركي المقرب من حزب “العدالة والتنمية”، حمزة تكين هذه الأنباء في إطار المحاولات اليائسة الهادفة إلى زعزعة الثقة بالجيش التركي، موضحاً أن اثنين من الجنرالات طلبا التقاعد بسبب الوضع الصحي لأحدهما، والوضع العائلي للآخر.
وقال ل”المدن”: “للدقة، هم حصلوا على التقاعد، والأنباء عن استقالة احتجاجاً على سياسات معينة في سوريا أو في غيرها، الهدف منها التضليل”، مضيفاً أن “لا علاقة للأمر لا بإدلب، ولا بخطط الجيش التركي”.
وحسب تكين، فإن الهدف من بث هذه الأنباء المغلوطة، تصوير الأمر وكأن الجيش التركي يعيش أزمة، “فاستخدام هذه الأخبار الكاذبة بهذا الحجم من وسائل إعلام يفترض أن تكون رصينة، يؤكد انزعاج الدول التي تقف خلف هذه الوسائل من السياسة التركية الثابتة والنجاحات في سوريا وليبيا وأذربيجان”.
وتابع تكين مؤكداً على تماسك الجيش التركي وتناغمه مع السلطة السياسية، قائلاً: “لم يكن الجيش التركي على هذا الحال منذ تأسيس الجمهورية التركية، والتعاون بينه وبينه السلطة السياسية في أوجه”.
وعن الملف السوري، والوضع في إدلب، والحديث عن طلب روسي من تركيا بسحب بعض النقاط العسكرية في الشمال في إدلب، أكد الصحافي التركي على عدم وجود أي تغيير في انتشار قوات بلاده. وقال: “على العكس من ذلك، الجيش التركي يعزز نقاطه العسكرية في إدلب، بنوعية السلاح وزيادة عدد الجنود”.
واعتبر أن ذلك يدل على أن القرار التركي حاسم حول إدلب، “لن تترك تركيا إدلب لقمة سائغة لمن يريد أن يعتدي عليها، والصبر التركي على الخروق ربما يزعج البعض، ولكن هذا الصبر لن يستمر إلى ما لا نهاية، والأرجح أنه إن تمادت الأطراف الأخرى أكثر، ستكون تركيا مضطرة للرد المدروس والمحكم”.
وتابع: “لقد سمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرفياً من الرئيس رجب طيب أردوغان خلال القمة الأخيرة، أنه لا تراجع تركياً عن إدلب”.
وحول الوضع الميداني في إدلب، قالت وكالة “سبوتنيك” الروسية إن “قوات النظام أرسلت تعزيزات عسكرية ونوعية إلى جبهات ومحاور ريف إدلب الجنوبي”، موضحة أن التعزيزات شملت دبابات ومدرعات وآليات عسكرية وعناصر وفرق اقتحام ومعدات لوجستية.
ونقلت عن مصدر عسكري من جيش النظام أن هذه التعزيزات تأتي ضمن خطة لرفع كامل الجاهزية على محاور الاشتباك في جبل الزاوية جنوبي إدلب، ومنطقة سهل الغاب غربي حماة، وريف اللاذقية الشمالي الشرقي.
—————————
الطريق إلى دمشق: ميقاتي يختار المسار الأردني/ منير الربيع
لا بد للبنان من مراقبة التطورات الطارئة بين بعض الدول العربية وسوريا. دشّن الانفتاح الأردني على دمشق طريقاً سياسياً جديداً في المنطقة، لا سيما بعد الاتصال بين رئيس النظام بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني. لبنان، ومنذ تشكيل الحكومة، يعمل باحثاً في كيفية إعادة العلاقات مع سوريا، واستكمال المسار الذي ابتدأته حكومة حسان دياب. ويعتبر ميقاتي نفسه مدعوماً من الأردن. وهو قبل نجاحه بتشكيل الحكومة، كان يراهن على فحوى زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن. وحسب ما تشير المعلومات، فإن ميقاتي طلب في الفترة الأخيرة من نائبه سعادة الشامي القيام بتنسيق دائم مع الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري، نصري الخوري. وهذا مؤشر بحدّ ذاته على مسار العلاقة.
الأردن والأسد
من ناحية الشكل على الأقل، يبدو أن الأردن هو المبادر إلى مثل هذه الخطوات، وبناء على تنسيق مع الإدارة الأميركية. خصوصاً أن الملك عبد الله الثاني هو الرئيس العربي الوحيد الذي التقى الرئيس الأميركي جو بايدن. وهناك من يعتبر أن أميركا تهتم إلى حدّ بعيد بالوضع في الأردن. وكل الاتفاقات التي تحصل، هدفها استفادة عمّان من مردودها المالي، خصوصاً من خلال اتفاق تمرير الكهرباء الأردنية إلى لبنان والغاز المصري. وهو ما يحتم تنسيقاً مع دمشق. يضاف ذلك إلى حجم تصاعد العمل على خط التنسيق السوري مع الدول العربية. فبعض الدول العربية التي تبدي حماستها لذلك، تعود إلى فكرة قديمة طرحت سابقاً، وهي أن تجديد العلاقة مع النظام السوري هدفه تطويق النفوذ الإيراني وإضعافه. ولكن كل هذه التجارب حتى الآن أثبتت فشلها، خصوصاً أن إيران كانت حاضرة بقوة بكل مفاصل البنية السورية سياسياً ومؤسساتياً وأمنياً ومالياً وجغرافياً وديمغرافياً.
ثمة سؤال آخر يُطرح، وهو ما مدى قدرة بشار الأسد على التمايز عن الموقف الإيراني؟ وهل هذه الفكرة مطروحة في الأساس؟ الوقائع تشير إلى أن الأسد يفتقد لكل مقومات السيطرة على الوضع السوري العام، لا في الجوانب الأمنية والعسكرية ولا في الجوانب المالية والاقتصادية. فيما الأزمات تتفشى في المجتمع السوري بشكل عمودي وأفقي. وهو واقع أصبح الوضع اللبناني يشبهه إلى حدّ بعيد.
السياسة الخليجية
أما بحال كان الانفتاح على دمشق من بوابة التسليم بالانتصار الإيراني في سوريا، كما كان هذا الإنتصار في لبنان، فيعني أن أي دعم سيتلقاه النظام السوري سيكون عبارة عن توفير دعم للنفوذ الإيراني على الأراضي السورية. وهو بحد ذاته سينعكس على الوضع في لبنان، والذي يستعجل حزب الله فيه إعلان انتصاره. وهنا يظهر الموقف الخليجي الواضح برفض التعاطي مع الملف اللبناني وإدارة الظهر له، وعدم الموافقة على تدفق أموال واستثمارات إليه، وبالتالي، عدم تغيير هذه السياسة يعني غياب البدائل العربية، وتأكيداً على رفض النفوذ الإيراني.. إلا إذا كان هناك وجهة نظر جديدة تُطرح وتتعلق بأن يتم تكريس الاعتراف بالنفوذ الإيراني في لبنان وسوريا معاً، مقابل تحسين الوضع في ملفات معقدة أكثر، لا سيما الوضع في اليمن، والبحث عن تسوية هناك. وهنا لا بد من الدخول إلى مسار الحوار الإيراني السعودي في العراق، وإمكانية البحث عن مقايضات. وهنا، لا بد من التذكير أن تحريك الإيرانيين للحوثيين في اليمن تصعيدياً حصلت في أعقاب استشعار الخناق الكبير في سوريا، فكان فتح ملف اليمن نوعاً من الردّ على الاختناق في سوريا. وبحال كان لا بد من الوصول إلى تسوية حول اليمن، فقد تفتح الطريق أمام تسوية في سوريا.
إذابة الحدود
هناك قناعة بأن الأسد غير قادر على الخروج من مظلة النفوذ الإيراني. فهو يعتبر أن الإيرانيين إلى جانب الروس هم أصحاب الفضل في بقائه، فيما قد يتوهم أنه قادر على لعب دور والده في موازنة العلاقة بين إيران من جهة ودول الخليج من جهة أخرى. لا يمكن للبنان أن يكون بعيداً عن مسار كل هذه التطورات، خصوصاً بعد نشاط حزب الله الكبير في إذابة الحدود، وإعادة تكريس منطق وحدة المسار والمصير، وصولاً إلى إدخال النفط الإيراني إلى لبنان. وبالتالي، فإن أي اتفاق لا بد له أن يشمل لبنان، سواء تم الوصول إلى إتفاق إيراني سعودي، أم بحال استمر الخلاف، مع كل انعكاساته على مسار الانهيارات الاقتصادية والمالية المستمرة.
—————————–
تركيا تحذر من معركة إدلب:المطلوب حل سياسي دائم لسوريا
حذّر المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا عمر جليك من أن أي توتر سينجم في محافظة إدلب السورية سيؤدي إلى موجات هجرة ومآسي إنسانية جديدة، في الوقت الذي استقدم النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى ريف إدلب الجنوبي، في سياق الاستعداد لعملية عسكرية وشيكة واسعة النطاق.
وشدد جليك خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع هيئة القرار والتنفيذ المركزي للحزب، على أن “أي توتر سينشب في إدلب، التي يعيش فيها حوالي 4 ملايين شخص في ظروف صعبة للغاية، سيؤدي إلى موجات هجرة ومآسٍ إنسانية جديدة، ونحن نواصل متابعة كل التفاصيل حتى لا يحدث ذلك”. وأوضح أن بلاده تتابع عن كثب انتهاكات وقف إطلاق النار والهجمات على المدنيين في إدلب.
وأكد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي من أجل ضمان سلام دائم في سوريا، لافتاً إلى أن بلاده تتابع عن كثب وتقييم التقدم المحرز في عمل اللجنة الدستورية السورية. وأوضح جليك أن “تحركات التنظيمات الإرهابية في شرق الفرات والدعم المقدم لها من دول مختلفة، موضوع آخر على جدول أعمال بلاده”.
ولفت جليك إلى أن “لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي في 29 أيلول/سبتمبر، مهم في هذا الصدد”، مركزاً على “ضرورة التوصل إلى حل سياسي، من أجل ضمان سلام دائم في سوريا”.
ميدانياً، قصف النظام صباح الأربعاء بلدات كنصفرة وسفوهن والفطيرة في جبل الزاوية جنوبي إدلب، وذلك بعد ساعات من قصف مماثل على محاور كفرنوران وتقاد وكفر عمة ومكلبيس في ريف حلب الغربي، في الوقت الذي قصفت فيه المعارضة مواقع للنظام في محور سراقب والملاجة شرقي إدلب، ومحور طنجرة في سهل الغاب شمال غربي حماة، ومحور أرمناز بريف حلب الغربي.
وأعلنت المعارضة الثلاثاء عن تمكنها من إسقاط ثلاث طائرات استطلاع روسية وإيرانية على محور بينين في القسم الشرقي من منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب. وقالت المعارضة إن الطائرة المسيّرة التابعة للميليشيات الإيرانية انفجرت بالقرب من أحد المواقع التابعة للمعارضة ما أسفر عن إصابة عنصر بجروح.
من جهتها كشفت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن الجيش “دفع بتعزيزات إضافية من عديده وعتاده إلى ريف إدلب الجنوبي، في سياق الاستعداد لعملية عسكرية وشيكة واسعة النطاق”، مضيفةً، أن “الوحدات العسكرية العاملة بريف إدلب دكت بالمدفعية تحركات للإرهابيين في محاور جبل الزاوية”.
————————-
أردوغان ووصية أتاتورك/ بسام مقداد
لا يزال لقاء بوتين وأردوغان في سوتشي وما أسفر عنه، يشغل حيزاً واسعاً في نصوص الكتاب السياسيين والمواقع الإعلامية الروسية. ومهما بلغ التقارب الحالي بين تركيا وروسيا، فإن هذه النصوص تعكس عداءاً دفيناً ترسب أثناء الحرب الباردة، وخلال التاريخ الطويل للحروب بين الإمبراطويتين الروسية والعثمانية. ويعتبر الكرملين أن ما أحرزه من تقارب مع تركيا، الجناح الجنوبي لحلف الناتو، هو إنجاز استراتيجي في الصراع مع الغرب، لا يمكن التفريط به لا في سوريا ولا في ليبيا أو كاراباخ أو في غيرها، مهما بلغ عمق التناقض في مصالح الطرفين.
تتفق معظم المواقع الروسية على أن اللقاء الأخير بين بوتين وأردوغان في سوتشي، وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية للزعيمين في نهاية اللقاء، لم يخرج بأية نتيجة سوى الإتفاق على الإبقاء على الوضع في سوريا كما هو حالياً، مما إعتبرته صحيفة القوميين الروس تنازلاً روسياً لتركيا. ورحب معظمها بإنسحاب قوات تركية من إدلب بعد اللقاء مباشرة، وعبر عن إرتياحه لدعوة أردوغان الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا. فقد نشرت صحيفة الكرملين “vz” في اليوم التالي للقاء نصاً بعنوان “لدى موسكو وأنقرة يبقى عدو مشترك في سوريا”، قالت فيه بأنه ما إن غادر إرردوغان سوتشي حتى إنهال باللوم على واشنطن. ولم تخف ترحيبها الشديد بتهجم أردوغان على منسق مجلس الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، ووصفه ب”مخرج الإرهابيين” من حزب العمال الكردستاني. وتصف الصحيفة المنسق الأميركي بالدبلوماسي المجرب الذي شغل قبل الآن مناصب رفيعة في حقل الأمن القومي في إدارات ثلاثة رؤساء أميركيين.
تنقل الصحيفة في نصها آراء أكثر من خبير روسي في شؤون الشرق الأوسط وآخر تركي. قال أول الخبراء الروس بأن إنتقاد أردوغان يشتد داخل تركيا بسبب هشاشة الوضع المالي في البلاد. وكثيرون ينددون بالسلطة لتورط تركيا في أربعة حروب في آن واحد: في سوريا، في ليبيا، في العراق والحرب الأهلية في مناطق جنوب شرق البلاد. وعلى هذه الخلفية يحتاج أردوغان إلى إبراز نجاحات في السياسة الخارجية. ولذلك كان مجرد عقد اللقاء في سوتشي حدثاً مهماً للجانب التركي بالدرجة الأولى. وقد يكون لهذا السبب، كما يعتقد الخبير، لم يتم الإعلان عن أية قرارات مهمة في نهاية اللقاء، من دون أن يخمن أقله ما إذا كانت مثل هذه القرارات قد اتخذت أم لا.
وتقول الصحيفة بأن أردوغان غاضب لإهمال بايدن له وعدم لقائه سوى على هامش قمة الناتو الربيع الماضي، ولعدم حضور أي مسؤول أميركي إفتتاح البيت التركي في الولايات المتحدة، مما إستدعى ترحم أردوغان على عهد ترامب. ويعقب الخبير عينه على هذا بالقول أن دعم الولايات المتحدة كان يمنح أنقرة بعض الحجج لتعزيز موقفها في المفاوضات مع موسكو. ويرى أن قراراً واحداً، “على الأقل”، قد اتخذ في لقاء سوتشي، إذ بدأت على الفور ” آلاف والكثير الآليات المصفحة” التركية تنسحب من إدلب. لكن الناطق بإسم الكرملين، ولدى سؤاله عن إرتباط الإنسحاب التركي بلقاء سوتشي، رد بأن لا معلومات ملموسة لديه حول ما تم بحثه في اللقاء.
خبير آخر وافق أيضاً على الترابط بين الإنسحاب التركي ولقاء سوتشي، ورأى أن وجود “المتدخلين الأتراك” في سوريا يعود بالفائدة على روسبا. ويقول بأنه، طالما أن شوكة إردوغان في خاصرة الأسد بإدلب، لن يتمكن من أن “يبيع نفسه” لا للأميركيين ولا للأوروبيين، كما كان يفعل دائماً الزعماء العرب حين “يصبحون غير محتاجين لنا”.
وتنقل الصحيفة عن دكتور تركي في جامعة إسطنبول عضو في حزب “الوطن” قوله بأن لقاء سوتشي، أظهر مرة أخرى، بأن مصالح روسيا وتركيا تطابقت على معظم الإتجاهات. ورأى أن البلدين سيعترضان على” السلوك العدواني” للولايات المتحدة في سوريا، ولذلك لم يتبق لدى موسكو وأنقرة بديل آخر غير الشراكة الإستراتيجية.
صحيفة القوميين الروس”sp” نشرت نصين، نقلت في أحدهما عن أردوغان تصريحه في طائرة العودة من سوتشي أن تركيا سوف تطلق في المئوية الأولى لتأسيس تركيا الحديثة العام 2023 مركبة فضائية تحط على سطح القمر. وهي بحاجة إلى شريك على خبرة فضائية، بحثت الصحيفة مع خبير علمي روسي إمكانية أن يكون أردوغان يلمح إلى الشراكة مع روسيا في الفضاء أيضاً.
النص الثاني كان بعنوان “وراء الكادر: بوتين وأردوغان تساوما على القرم وقره باخ وإدلب السورية؟” تتهم الصحيفة في النص بوتين بتنازلات ثلاثة لأردوغان: إختلال ميزان التبادل التجاري الكبير لصالح تركيا؛ تغاضي بوتين عن تصريح أردوغان بعدم الإعتراف بالقرم روسياً؛ السماح “لأحفاد الإنكشاريين” بالدخول إلى حديقة روسيا الخلفية القفقاز، في إشارة إلى وقوف تركيا وراء أذربيجان بانتصارها على أرمينيا في قره باخ.
وتقول الصحيفة أنه كان يمكن تقديم هذه التنازلات مقابل إدلب “الصغيرة لا غير”، لكن أردوغان بقي على موقفه، مما يعني أن الموقف في شمال غرب سوريا سوف يتوتر قريباً، ويبدو أن أنقرة كانت بحاجة لكسب الوقت، “وقد كسبته”.
صحيفة “NG” استبقت اللقاء بيومين ونشرت نصاً بعنوان “تألق وفقر سياسة أردوغان الخارجية”، وقالت بأن تركيا تبدأ مباريات لا تستطيع لعبها حتى النهاية. وتشير إلى أن كمال أتاتورك أوصى تركيا بثلاث ثوابت في سياستها الخارجية: عدم التدخل في شؤون العرب؛ ألا تصبح تابعة للغرب وتتجنب تحالفاته؛ أن لا تدخل في نزاع مع روسيا. وتؤكد كاتبة النص في الصحيفة بأن أتاتورك لم يربط هذه الثوابت بزمن معين، بل إعتبرها ركائز السياسة الخارجية التركية. لكن ولا واحدة من هذه الثوابت تم الحفاظ عليها على النحو الذي أراده أتاتورك، ولم يفضِ ذلك إلى رفعة تركيا.
ويمكن النقاش بشأن الفوائد التي تحصلها تركيا من عضوية الناتو، لكن ينبغي الحديث أيضاً عن الإمكانيات التي حرمت منها. وهذه الإمكانيات كانت متوفرة لتركيا، لكنها لم تكن مقبولة من الولايات المتحدة وبريطانيا بالدرجة الأولى. فقد فُرضت على تركيا نظرية أمن تقول بأن الإتحاد السوفياتي عدو، الناتو هو الحماية، أوروبا هي المستقبل. وسنحت لتركيا فرصة نادرة مع سقوط الإتحاد السوفياتي، إذ كان بوسعها أن تهب لملأ الفراغات الجيوسياسية التي تشكلت بعد خروج روسيا من الجمهوريات السوفياتية السابقة.
تقول الكاتبة بأن تركيا الآن منخرطة في عمليات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ولم ينته نزاعها مع اليونان وفرنسا في البحر المتوسط، كما حصدت نتيجة هشة في حملة القفقاز التي انخرطت فيها كلياً واستبعدت في النهاية عن التحكم بالوضع هناك.
وترى الكاتبة أن تركيا تجد نفسها في وضع حرج تسببه شبكة العمليات السياسية الخارجية غير المنتهية . وقد إنخرطت تركيا في الحرب السورية، حيث تتكبد هناك خسائر، وتحد حرية حركتها الإتفاقيات مع روسيا والويات المتحدة. وهي لا تستطيع الخروج من الحرب، إذ أنها سوف تفقد في هذه الحالة القدرة على إدارة ملف المسألة الكردية، مما يشكل تهديداً لوحدة أراضيها.
وتتساءل الكاتبة ما إن كان أردوغان قادراً على تذليل كل هذه المخاطر والتهديدات التي تحدثت عنها، وتقول بأن أردوغان معروف بقدرته على إتخاذ القرارات اليائسة، لكن بريطانيا والولايات المتحدة ستعملان ما بوسعهما للحؤول دون خروجه من الوضع الصعب، بل ستدفعانه إلى إتخاذ خطوات كارثية أكثر.
—————————–
التحوّل بعيدًا عن أميركا/ مايكل يونغ
اتّهم أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن بأنها حجبت تقريرًا عن إمبراطورية حزب الله المالية. ويُعتبر هذا التقرير، الذي كُلِّفت بإعداده وزارتا الخارجية والدفاع، أحد المقتضيات التي نصّ عليها قانون تعديلات منع التمويل الدولي لحزب الله الصادر في العام 2008.
بحسب مقال نُشر على موقع Washington Free Beacon المحافِظ، يرتدي هذا التقرير أهمية شديدة للجمهوريين، “نظرًا إلى أن إدارة بايدن تدرس احتمال رفع العقوبات الاقتصادية عن لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله، فيما ترزح البلاد تحت وطأة أزمة نقدية هائلة”. وقال النائب الجمهوري بات فالون: “إذا تراجعت الإدارة الحالية ورفعت العقوبات المفروضة على لبنان، فستكون هذه خطوة مأخوذة من قاموس السياسة الخارجية التي انتهجها نيفيل تشامبرلين. حزب الله وحده يتحمّل مسؤولية الانهيار الاقتصادي في لبنان”.
ولّد تعليق فالون أسئلة مثيرة للاهتمام، إذ ما من مؤشّر على أن الولايات المتحدة قد فرضت فعليًا عقوبات على لبنان. الأكيد أنها فرضت عقوبات على سياسيين لبنانيين وعلى أعضاء في حزب الله وشركاء له، لكن لا شيء يشير إلى أنها ستعيق مثلًا خطة صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان. بل واقع الحال أن إدارة بايدن حاولت مؤخرًا مساعدة الجيش اللبناني، فيما زار وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي بيروت في أيلول/سبتمبر لدراسة سبل مساعدة البلاد.وصرّح أحد أعضاء الوفد، ريتشارد بلومنثال، قائلًا: “لا أستبعد خيار تطبيق مشروع مارشال مصغَّر من أجل لبنان، لأن مصالح الأمن القومي الأميركي تقتضي ذلك…”.
هذه ليست اللهجة التي تُستخدم في معرض الحديث عن دولة خاضعة للعقوبات. والأمر الأكثر دلالة ما نقلته مصادر في الكونغرس لموقع Washington Free Beacon عن أن “الكونغرس يدقّق بشكل متزايد” في رفض إدارة بايدن الإفراج عن تقرير وزارتَي الخارجية والدفاع، “وسط تقارير منفصلة عن استعدادها للموافقة على بعض الإعفاءات من العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاقية مع لبنان حول الطاقة”. وتنطوي هذه الاتفاقية على ضخّ الغاز المصري في خط أنابيب يمرّ عبر الأردن وسورية ووصولًا إلى لبنان لتزويد محطة دير عمار الواقعة بالقرب من طرابلس. يُشار إلى أن لبنان يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، في ظل نقص الأموال وشحّ الوقود. لذا، من شأن هذه الخطة أن تساعد على إنتاج الطاقة في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.
لكن تطبيق هذه الخطة يتطلّب من الولايات المتحدة استثناء لبنان والأردن من العقوبات الأميركية المفروضة في إطار قانون قيصر الذي صُمِّم لمعاقبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه. والمُلفت أن السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، هي من أعلن عن خطة الغاز في آب/أغسطس، ولكن الطلب الأولي بالسماح بها أتى على لسان العاهل الأردني الملك عبدالله أثناء زيارته إلى واشنطن في تموز/يوليو. وقد تطرّق رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى خطة الغاز بُعيد لقاءٍ جمعه مع مسؤولين مصريين في القاهرة في 16 تموز/يوليو. يشي كل ذلك إذًا بأن مصر والأردن متّفقان حيال لبنان، وأنهما نجحا على ما يبدو في إقناع إدارة بايدن بدعم مقاربتهما.
مع أن العناوين العريضة للخطة تركّز ببساطة على تزويد لبنان بالغاز في هذه المرحلة العصيبة التي يشهدها، يبقى الجوهر الحقيقي هو أن مصر والأردن يحاولان استخدام الأوضاع الراهنة في لبنان وسيلةً من أجل إعادة سورية إلى كنف الدول العربية. ويبدو بشكل متزايد أن مساعي إدارة بايدن التي يصوّرها البعض في واشنطن بأنها ميلٌ نحو إيران ونظام الأسد، تحمل دلالةً أكبر، تتمثّل في أنها مساعٍ عربية لاستخدام الانفتاح على سورية ولبنان لمواجهة النفوذ الإيراني في البلدين وتحويلهما إلى ساحة مساومات بين الدول العربية وطهران.
إذا كان ذلك صحيحًا، فهو يشير إلى حدوث تغييرات جذرية في المواقف العربية حيال الجمهورية الإسلامية. وحتى فترة ليست ببعيدة، كان أمل الكثير من الدول العربية هو أن تعمد الولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، إلى احتواء التوسع الإيراني في المنطقة. وقد شكّلت هذه السياسة الرامية إلى احتواء إيران ركنًا من أركان المقاربة الأميركية، إذ اقترحت إدارة كلينتون اتّباع استراتيجية “الاحتواء المزدوج” تجاه إيران والعراق في عهد صدام حسين قبل ثلاثة عقود.
بدت اتفاقات التطبيع التي أُبرمت العام الفائت بين دول الخليج وإسرائيل خطوة إضافية في هذا الاتجاه. فقد شكّلت نوعًا من ثقل موازن في وجه إيران، بعد أن أحجمت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب عن الردّ على الهجمات الإيرانية التي استهدفت سفنًا سعودية أو إماراتية في أيار/مايو من العام 2019، وبعد أن بدا واضحًا تردّد ترامب في التدخّل نيابةً عن حلفائه السعوديين عقب الهجوم الذي نفذّته طائرات إيرانية من دون طيار على منشأتين تابعتين لشركة أرامكو في مدينتَي بقيق وخُريص في أيلول/سبتمبر 2019.
مع ذلك، باءت محاولات الولايات المتحدة لاحتواء الجمهورية الإسلامية بالفشل. فقد اتّسعت رقعة نفوذ إيران في الشرق الأوسط على الرغم من خضوعها للعقوبات طيلة عقود. هي لا تقدّم مثالًا يُحتذى به، إلّا أنها استغلت الطبيعة المفكّكة والمتشرذمة للكثير من الدول العربية لتحقيق مصالحها الخاصة. ويبدو الآن أن بعض الدول العربية عمدت إلى تغيير تكتيكاتها بعد إدراكها هذا الواقع وتنبّهها أيضًا إلى أن إسرائيل، من دون دعم أميركي، ستفكّر مليًا قبل شنّ حرب ضدّ إيران من شأنها زعزعة استقرار المنطقة. وإن دلّت سياسات الدول العربية في سورية ولبنان على شيء فإنما تدلّ على أنها قررت التدخل في دولتين تمتلك فيهما إيران نفوذًا كبيرًا، على عكس السعودية التي أوقفت بشكل كامل دعمها للبنان ولحلفائها اللبنانيين منذ سنوات، معتبرةً البلاد حالةً ميؤوسًا منها.
يُعتبر النهج السعودي إلى حدّ كبير مجموعة من الفرص السياسية الضائعة. ففيما لجأ الإيرانيون إلى استخدام علاقاتهم مع حركة أنصار الله في اليمن لإقحام السعوديين في مأزق، توشك السعودية على سحب يدها كليًا من لبنان الذي يضم طائفة سنّية كبيرة يضاهي حجمها حجم الطائفة الشيعية، وتبحث عن راعٍ إقليمي من أجل التصدّي لحزب الله. لكن ما لا يدركه السعوديون تمامًا أن الكثير من السنّة غير مستعدّين لإطلاق شرارة حرب أهلية جديدة لتحقيق هذا الهدف.
أما المنحى السائد في أماكن أخرى من العالم العربي فيبدو مبتكرًا أكثر. ويشي سلوك مصر والأردن في لبنان، على غرار الإمارات العربية المتحدة وقطر، بأن الدول ذات الغالبية السنّية، إذا نجحت في حشد تحالفاتها وأنصارها في الشرق الأوسط، فهي تملك فرصة أفضل في إرغام إيران على مراعاة مصالح الدول العربية، مقارنةً مع الفرص التي يوفّرها اعتمادها على الأسلحة الأميركية أو الإسرائيلية. إن ما يحدث في العالم العربي إذًا هو عودة إلى اللعبة السياسية. ونظرًا إلى أن الكثير من الدول التي تهيمن فيها إيران، مثل سورية واليمن ولبنان والعراق، تُعتبر ذات غالبية سنًية أو تسكنها أقليات بارزة معادية لطهران، من المنطقي البحث عن فرص من شأنها دفع إيران إلى القبول بتسويات.
يعيد ذلك إلى الأذهان وضع الشرق الأوسط في خمسينيات القرن المنصرم، حين كانت دول المنطقة تشهد انقسامات داخلية مدفوعة بالتوجهات السياسية لسكانها، من ناصريين أو بعثيين أو شيوعيين أو هاشميين أو موالين للغرب. وتُعدّ المنطقة اليوم حلبة تتناحر فيها الجهات الإقليمية والدولية، على غرار إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا وفرنسا، فيما تحتفظ الولايات المتحدة أيضًا بنفوذ هناك، وبالتالي لا يمكن تجاهل الاحتمالات المتاحة لإحلال توازن مع جهات فاعلة أخرى.
في الواقع، يبدو أن إدارة بايدن، من خلال غضّ الطرف عن صفقة الغاز المصري مع لبنان، تتبنّى هذا المنطق. فقد كان هدف إدارة أوباما إرساء توازن قوى إقليمي قادر على إحداث تغيير من دون تدخلات خارجية بعد الانسحاب العسكري الأميركي، وهو ما يوافق عليه جو بايدن على الأرجح. وكان باراك أوباما قد صرّح لجيفري غولدبرغ من مجلة ذي أتلانتيك بأن “المنافسة القائمة بين السعوديين والإيرانيين، والتي ساهمت في تغذية الحروب بالوكالة وزرع الفوضى في سورية والعراق واليمن، تتطلّب منا أن نصارح أصدقاءنا، وكذلك الإيرانيين، بحقيقة أن عليهم التوصل إلى طريقة فعّالة لتشارك المنطقة وإحلال نوع من السلام البارد”.
تتردّد أصداء هذه الرسالة في العالم العربي اليوم. ففي ظل توقّف الولايات المتحدة عن تنظيم شؤون الشرق الأوسط، تعمد الدول العربية إلى جمع أوراقها لخوض لعبة نفوذ خاصة بها على المستوى الإقليمي. أما في واشنطن، فيبقى النقاش محدودًا، إذ يركّز على خطوات الإدارة الحالية وتأثيرها على الساحة الداخلية، لكن في الشرق الأوسط، تفرض الأنظمة قواعد جديدة للعبة النفوذ، تحضيرًا لرسم معالم منطقة تحوّلت بعيدًا عن أميركا.
—————————————
هل من تغييرٍ متدرجٍ لسلوك نظام الأسد؟/ سامر السليمان
شاعت في الأيام الأخيرة، وثيقة “سرية” عنوانها أن تغييراً متدرجاً لسلوك نظام الأسد، يجري العمل عليه. وأن أوّل اختبارٍ لذلك التغيير سيكون عبر استجابة النظام لمبادرات الملك الأردني، الخاصة بإمداد لبنان بالغاز والكهرباء، أو بمحاولة إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية. هنا يقفز السؤال الطبيعي، لماذا الكلام عن التدرج بتغيير السلوك؟ هلْ الأنظمة العربية أفضل حالاً منه، لو تعرضت لثورة شعبية، كادت أن تطيح به لأكثر من مرّة؟ طبعاً لا.
تفترض مسألة تغيير السلوك أنّه بطور إعطائه الحقوق للسوريين، والتي رفض المساومة بشأنها منذ 2011، وأَدخل إيران وروسيا لرفض ذلك التغيير. منذ أن بدأت تحركات الملك الأردني، والاتفاقات حول الغاز والكهرباء لم يحدث أيّ تغييرٍ في سلوكه. وكذلك لم يصدر عنه أيّ جديدٍ بعد استدعاء بشار الأسد إلى موسكو، ولم تجبره مجمل التحركات الدبلوماسية في المنطقة على إحداث جديدٍ بخصوص حقوق السوريين. إذاً قضية تغيير السلوك ليس مقصود بها تلبية حقوق السوريين بل تغيير مواقف الدول المحيطة بسوريا أو العالمية إزاءه، وبالتالي تكمن خطة الأردن في أن تغير الدول موقفها من النظام وأن يتعاون هو معها، فيغيّر من سلوكه، وليس أن يغير النظام موقفه من الشعب السوري.
المتابع للشأن السوري يرى أن المتحكم الحقيقي فيه هي الدول الإقليمية وروسيا وأميركا. ولقد جاء تحرك الملك الأردني إلى واشنطن وموسكو، وكذلك تحركات الدبلوماسيين الإسرائيليين، وزيارة أردوغان مؤخراً إلى موسكو، واللقاء الطويل مع بوتين، ليوضح بشكلٍ حاسمٍ أنه لا معنى للحديث عن تغييرٍ متدرجٍ لسلوك النظام. أيضاً جدّدت أميركا رفضها للاعتراف به، وأنها وأوروبا لن تتخليا عن العقوبات والعزلة وقانون قيصر، ولن تسمحا بإعادة الإعمار، والأخيرة غير ممكنة دون أن تسمح أميركا بها، وهي بكل الأحوال مشروطة بالبدء بتطبيق القرار 2254.
المواقف الجديدة التي جرت في منطقتنا إزاء نظام الأسد لا تسمح بتعويمه، وكذلك ليس من قيمة حقيقية لما أجراه من لقاءات دبلوماسية وزير الخارجية، فيصل المقداد على هامش اجتماع هيئة الأمم المتحدة، وحتى تخفيف بعض العقوبات “الإنعاش المبكر” على النظام لا يشي بتلك العودة. هي، وللدقة خطواتٌ أوّليّة تسمح بها أميركا، لتعزيز شراكتها مع موسكو، ولتعطي للأخيرة أسباباً جديدة للتفكير بكيفية إشرافها على سوريا، وبموافقةٍ أميركية.
المواقفة الأميركية تقضي بضرورة فك تحالف روسيا وإيران وطرد ميليشيات الأخيرة من سوريا. وكذلك إجبار النظام على البدء بتطبيق القرار 2254، وإبداء الأخير خطواتٍ سياسية جادة كالإفراج عن المعتقلين أو إيقاف نهائي لإطلاق النار أو السماح بحدود أوّليّة من الحريات السياسية. النظام الذي انتهج الخيار الأمني والعسكري منذ 2011، ومارس كل أنواع الجرائم ضد شعبه، وأوصل البلاد إلى أزمة اقتصادية واجتماعية شديدة لا يستطيع البدء بأيّة خطوةٍ، ولهذا تتشدّد أميركا ضدّه في الوقت الذي تسمح ببعض الخطوات الأوّلية لتوسيع هامش حركته، ولكنها بذلك تضع أوراقاً جديدة أمام الروس ليتقدموا بحلٍّ سياسيٍّ، وليس أكثر.
لم يلتق بايدن أردوغان في اجتماع هيئة الأمم المتحدة، والتقى الأخير بوتين، وهو بموقفٍ ضعيف. اللقاء بين زعيمي تركيا وروسيا كان طويلاً. استطالته تعني أن هناك قضايا كثيرة في جعبة الرجلين، ومنها سوريا، ولا بد من تعزيز الشراكة بين البلدين، ولكن تصريحات الجانبين بعد اللقاء لا تشي بمناقشة الحل النهائي للوضع السوري، ولكنها كذلك تضع تفاهمات دقيقة حول مستقبل العلاقات بين البلدين، وحصة تركيا في سوريا، وضمن ما تسمح به روسيا، وهذا لا يقلّل من أن تركيا تظلّ فاعلاً إقليمياً أساسياً في الشأن السوري.
إذاً، اللقاءات التي قد تحدث بين رئيس الاستخبارات التركية والسورية لا تعني تطبيعاً بين البلدين، وأغلب الظن هي لتدارس وتوحيد الرؤية ضد قسد ومسد والقضية الكردية، وأما الموقف من الفصائل السورية التابعة لتركيا، ومصير المناطق التي تسيطر عليها تركيا، فهي قضية جرى ويجري بحثها بين الدبلوماسيين الروس والأتراك.
قبل الوثيقة التي اعتبرت سريةً، هناك موقف أميركي قديم، يؤكد أن أميركا لا تسعى لتغيير النظام بل سلوكه فقط، والموقف الروسي قام على رفض تغييره وتغيير سلوكه. مشكلة الروس أنهم رفضوا الموقف الأميركي، وأدخلوا أنفسهم بأزمة معقدة في سوريا، لم يتخلصوا منها بعد ست سنوات من احتلال هذا البلد. روسيا ما تزال على موقفها، وتتوهم أن سياسة أميركا “الخطوة خطوة” قد تنتهي بتعويم النظام، بينما سياسة الأخيرة تستهدف وبوضوحٍ شديد أن تتقدم روسيا بمقترحٍ للحلٍ، أو بصفقةٍ ما، إلخ.
إذاً لا جديد في الوضع السوري. هذا الوضع الذي تتقاسم النفوذ وترسم مناطق سيطرتها عليه كلٌّ من أميركا وتركيا وإيران وروسيا، وبالطبع إسرائيل. المشروع الأردني، لن يحدث تغييراً كبيراً، وحتى لو أُعيد النظام إلى الجامعة العربية لن يتغير شيء في سلوكه. النظام يعي ضعفه الشديد، ويتحرك دولياً وإقليمياً بدفعٍ إيراني وروسي وبخنوعٍ شديد لهما. لن يجدي هذا الدفع كثيراً، ودونه صعوبات كثيرة؛ فإيران ليست مقبولة إقليمياً ودولياً، وهذا عكس ما يقال إنها أصبحت موكلة أميركيا، ومتقاربة مع إسرائيل على بسط السيطرة على العرب “عقلية المؤامرة هنا ظاهرة”.
ليست إيران الوحيدةَ التي تتحكم بالمنطقة وسوريا بالتحديد بل وحتى روسيا الطامحة إلى اتفاقٍ مع أميركا وفقاً لشروطها. إن إيران تظّل على قائمة الدول المنبوذة من أميركا، وأما روسيا فهي تستفيد من الاستراتيجية الأميركية في تقريبها إليها ضمن خطة عزل الصين، ولكن ذلك لا يعني أبداً الموافقة على استراتيجية روسيا في إعادة إنتاج نظام الأسد. الأخير لا يشبه النظام المصري أو التونسي، لا أبداً، إن أميركا ومعها أوروبا لا تستطيعان تعويم هذا النظام بسبب تجاوزه كافة الخطوط التي تسمح بتعويمه من جديد.
ليس إيران وروسيا غير راغبتين فقط في الوقت الراهن بتغيير سلوك النظام والانفتاح على إعطاء الشعب السوري حقوقه، بل إن النظام نفسه غير قابلٍ لأيِّ شكل من أشكال التغيير؛ فخياره الأمني، وفساد مؤسساته، وأزماته المتعدة الأوجه، وهناك الصراعات الخفيّة بين كبار شخصياته، والتي تطمح كل منها للسلطة، وهناك القضايا التي تلاحقه، وتتعلق بالأسلحة الكيماوية وجرائم الحرب وقضايا حقوق الإنسان وسواها كثير.
ليس من تغييرٍ في الوضع السوري، والترحيب الأميركي بالجلسة الجديدة للجنة الدستورية، يأتي في إطار استراتيجيتها الموجهة نحو روسيا “خطوة مقابل خطوة” وبانتظار أن تتقدم الأخيرة بصفقةٍ حقيقية، تضمن شروط كافة الدول المتدخلة في الشأن السوري، وتطرد إيران.
تلفزيون سوريا
———————————-
الأردن وسوريا: مقاربة جديدة في بيئة إقليمية ودولية متغيرة/ عريب الرنتاوي
لا تُعدّ سوريا استثناءً لاستراتيجية إدارة بايدن في الشرق الأوسط القائمة على “إطفاء الحرائق” و”إخماد الأزمات” دون حلها بالضرورة… في سوريا أيضاً، ثمة رغبة أميركية في تفادي الانفجارات الكبرى، واحتواء الأزمات القائمة، حتى لا تجد نفسها منصرفةً عن أولوياتها البعيدة في المحيطين الهادي والهندي.
تدرك إدارة بايدن أن زمن المعارك الكبرى في سوريا قد ولّى، وأن ثمة أطرافاً دولية (روسيا) وإقليمية (إيران وتركيا)، تلعب أدواراً أكثر أهمية من الدور الأميركي في بلاد الشام، وهي وإن كانت تفتقر حتى الآن، لرؤية شاملة لمستقبل هذه الأزمة، وأدوات فاعلة للتعامل معها، إلا أنها ورثت عن الإدارة التي سبقتها “قانون قيصر” وسلاح العقوبات، ويمكن القول إنه السلاح الأمضى في يدها، حتى لا نقول سلاحها الوحيد.
رسمياً، تُعرّف واشنطن مصالحها في سوريا في ثلاث: الحرب على الإرهاب، حماية الجيب الكردي في الشمال الشرقي للبلاد، وعملية سياسية تؤمّن لأصدقاء واشنطن وحلفائها، بعضاً من كعكعة السلطة في إطار حل نهائي لهذه الأزمة الممتدة لأزيد من عشرة أعوام.
عملياً، ثمة هدف رابع، تبوح به الإدارة بين الحين والآخر: الاستمرار في استنزاف دمشق وطهران وموسكو، بأدوات عديدة، منها تسليح الوحدات العسكرية الكردية “قسد” حيناً، وترك أمر مطاردة داعش لهذه الأطراف، طالما أنها لا تشكل خطراً على الوجود الأميركي والحاضنة الكردية غرب الفرات…هنا أيضاً، تمكن الإشارة إلى سعي واشنطن لعرقلة “الممر الإيراني” الواصل بين طهران وشرق المتوسط، عبر العراق وسوريا، بوصفه هدفاً من أهداف السياسة الأميركية (اقرأ الإسرائيلية)، أقله في المرحلة الممتدة حتى إحياء اتفاق فيينا النووي مع إيران.
منذ زمن، لم تعد واشنطن تتحدث عن “تغيير النظام” في سوريا، بل لا يكف موفدوها عن نفي نية بلادهم قلب نظام بشار الأسد، هم يتحدثون عن “تغيير سياساته”، ومؤخراً تكرست هذه القناعة بعد “الدرس الأفغاني” وباتت جزءاً من “مبدأ بايدن” في السياسة الخارجية.
ومنذ زمن أيضاً، بدا أن واشنطن بصدد رفع يدها عن سوريا، حتى أن الرئيس السابق دونالد ترامب حاول مراراً إقناع المستوى العسكري والأمني بسحب كافة القوات الأميركية من شمال سوريا، وحين حلّ بايدن محله في البيت الأبيض، لم يتقدم خطوة واحدة على طريق بلورة رؤية وخريطة طريق للحل السياسي لسوريا، فكانت النتيجة: لا حل عسكرياً في سوريا، ولا سياسياً كذلك.
ولعل هذا ما أدركه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تمام الإدراك، وهو يحضّر أوراقه وملفاته، للقاء جو بايدن كأول زعيم عربي يجتمع به بعد توليه سدة البيت الأبيض… لكن بخلاف مضيفه، لا يمتلك ملك الأردن ترف الجلوس على مقاعد النظّار والمتفرجين، فبلاده تعتصرها أزمة اقتصادية خانقة، والأزمة السورية بتداعياتها المعروفة، هي أحد أسباب هذه الأزمة، ومن البوابة السورية ذاتها، يمكن الشروع في تفكيكها والتخفيف من وطأتها.
ولا شك أن الملك وفريقه، كانا يرقبان عن كثب وبمزيد من القلق، تداعيات الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي في لبنان، ولا شك أنهما أدركا منذ البدء، أن حلاً للأزمة السورية، لن يتحقق في ظل بقاء الحال في سوريا على حاله… المنطقة لا تمتلك ترف الانتظار إلى ما لا نهاية، تماماً مثل الشعب السوري، الذي يكتوي بنار العقوبات والجائحتين الصحية والاقتصادية، ولا يمكن القبول باستمرار معاناته إلى ما شاء الله، ومن دون أن تلوح أية بارقة أمل في نهاية نفق الأزمة المظلم.
في هذا السياق، جرى طرح “المقاربة الأردنية الجديدة” حيال سوريا، ويبدو أن الملك بمحاججاته النابعة من “واقع الحال”، نجح إلى “حدٍ ما” في استحداث شروخ في جدران الكرة الأميركية المصمتة.. وإذا كان من الصعب القول إن العاهل الأردني عاد إلى عمان بضوء أخضر أميركي لترجمة مبادرته الانفتاحية على سوريا، إلا أن أحداً في واشنطن لم يشهر في وجهه “راية حمراء”… ربما يكون الملك قد عاد بـ”ضوء برتقالي” من زيارته الأهم للولايات المتحدة، ويمكن فهم ما المقصود بذلك، من قراءة البيانات الأميركية المرتبكة، بل والمتناقضة حول استئناف الخطوط الجوية الأردنية رحلاتها إلى دمشق، والتي راوحت ما بين الترحيب الفوري، والتحفظ و”إخضاع المسألة للمراجعة والدراسة” في اليوم التالي.
في سعيه لانتزاع زمام المبادرة في سوريا وحولها، بدا العاهل الأردني مطمئناً للتطورات الحاصلة في البيئة الإقليمية والدولية من حوله… لا أحد جدياً في هذا العالم، يُشهر مطلب “إسقاط النظام”… وباستثناء قطر، فإن معظم إن لم نقل جميع الدول العربية، منفتحة على فكرة عودة سوريا للجامعة العربية، بما فيها السعودية والإمارات ودول خليجية ومغاربية أخرى… والأردن إلى جانب مصر والعراق من ضمن مشروع “الشام الجديدة”، لا يمانع في إنجاز مثل هذه العودة، بل وربما يتجاوب في قادمات الأيام، مع فكرة انضمام سوريا، قلب الشام، إلى مشروع “الشام الجديدة”، إن لم يكن بدوافع سياسية، فتحت ضغط “الجيوبولتيك” الذي يضع سوريا في مكانة القلب من هذا المشروع، أياً كان نظام الحكم فيها.
للأردن مصالح كبرى في سوريا ومعها، منها: رفع مستوى وسوية التبادل الاقتصادي والتجاري والسياحي مع سوريا وعبرها لجوارها… ملف المياه وحوض اليرموك المشترك… ملف الحرب على الإرهاب… حاجة الأردن لإبعاد الميليشيات المقربة من إيران عن حدوده… الحرب على المخدرات، التي تشهد تجارتها وعمليات تهريبها تزايداً ملحوظاً على حدوده الشمالية… ملفات الطاقة والغاز المصري والربط الكهربائي الذي يوفر للأردن فرصة لتسويق فائض انتاجه منها إلى لبنان، وربما إلى سوريا.
لكن الأردن، وهو يسعى في تفكيك عُقَد قانون “قيصر” الأميركي، لم يغب عن باله أن ثمة “قيصراً” آخر يتعين التعامل معه، يسكن الكرملين هذه المرة، وليس البيت الأبيض، وهذا ما يفسر الزيارة – من خارج جدول الأعمال – التي قام بها الملك إلى موسكو ولقاءاته فلاديمير بوتين، فهذه المنظومة من المصالح الأردنية، لا يمكن تحقيقها والسهر عليها، من دون تعاون لصيق مع روسيا، وهذا ما دللت عليه أحداث درعا الأخيرة، وعودة المحافظة برمتها لسلطة الدولة السورية، وبتدخل روسي هو الأرفع مستوى منذ العام 2015 (نائب وزير الدفاع الروسي أشرف شخصياً على إغلاق ملف درعا)، طالما أن مشروع نقل الغاز المصري واستجرار الكهرباء الأردنية سيمر حكماً بهذه المحافظة السورية.
في مثل هذه البيئة الإقليمية والدولية، وجدت الدبلوماسية نفسها قادرة على القيام بدور ريادي مبادر في الأزمة السورية، سيما وأن عمان، بخلاف عواصم عربية وإقليمية أخرى، لم تقطع مع دمشق، وحافظت على ما هو أكثر من “شعرة معاوية” معها، وهي حتى حين كانت غرفة عمليات “الموك” كانت الأقل اندفاعاً وحماسة لشعار تغيير النظام، من منطلق أن كثيرٍ من معارضي الأسد، أسوأ منه بكثير، وأشد خطر على مستقبل الأمن والاستقرار في الأردن والمنطقة، ولعل هذا ما يفسر التجاوب السوري السريع مع المقاربة الأردنية، وتحول عمّان إلى قبلة للحجيج السوري رفيع المستوى.
المقاربة الأردنية الجديدة حيال سوريا، لا شك أنها ستصطدم بحضور كثيف ووازن للاعبين إقليميين آخرين في سوريا: إيران وتركيا… عمان تراهن على موسكو في احتواء أي تدخل إيراني ضار على خط علاقاتها مع دمشق، والأخيرة، تملك هامشاً للمناور بين موسكو وطهران… أما تركيا، فإن نفوذها في سوريا (وعموم الإقليم) في تراجع، وسقف رهاناتها وتوقعاتها في انخفاض مستمر… وبوجود قنوات حوار خلفية، وإن ذات طبيعة أمنية، بين كل من الرياض وطهران، وأنقرة ودمشق، وأنقرة وكل من القاهرة والرياض، ومع بقاء مسار فيينا النووي حياً، فإن عمّان، تراهن على أن قادمات الأيام، قد تكون محمّلة بأنباء جيّدة، تحيط بمقاربتها الجديدة وتعظم فرص نجاحها.
——————————-
اتصال الأسد و”أوراق باندورا” أربكا العاهل الأردني/ درويش خليفة
أسئلة كثيرة تدور في أذهان شعوب المنطقة العربية، أبرزها الدور المنوط بالعاهل الأردني، لاسيَّما بعد زيارته واشنطن ولقائه مع سيد البيت الأبيض، كأول زعيم عربي وشرق أوسطي. وكذلك ذهابه إلى موسكو لإطلاع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على نتائج اجتماعه بالرئيس الأمريكي “جون بايدن”، إضافةً إلى ما حمله الملك الأردني في جعبته من مقترحات بشأن دول الهلال الخصيب المتعثرة نتيجة للتدخل الإيراني في كلٍّ من العراق ولبنان وإبداء اهتمام أكبر بالقضية السورية، الأمر الذي أعاد المنطقة الشامية إلى عقود من التخلف والترهل الاقتصادي.
وفي ضوء تلك الزيارات وما سبقها من إعادة تموضع للجيش الأمريكي ومكوثه الأخير في قاعدة الأزرق الأردنية، وتوقيع المملكة الهاشمية مع إدارة بايدن في فبراير/ شباط الماضي الاتفاقية العسكرية لمدة 15 عاماً، الأمر الذي يضع الأردن في صفوف سياسة اليسار الديمقراطي الأمريكي. كما يندرج هذا أيضاً في إطار التحديات؛ إذا لم يسعف الحظ المملكة الأردنية بإعادة الاستقرار للمنطقة في حال غادرت الإدارة الأمريكية الحالية البيت الأبيض بانتخابات الرئاسة في نوفمبر 2024، وعاد الجمهوريون ومعهم صفقة القرن التي عارضها العاهل الأردني عبدالله الثاني في عهد ترامب.
الاتصال الذي تلقاه العاهل الأردني من نظيره السوري بشار الأسد، يعبر عن تطبيع كامل للعلاقات الأردنية السورية. وبالتالي، قد نشهد دوراً للأردن في المستقبل القريب أو المتوسط لاستقبال لقاءات تجمع النظام السوري مع الإسرائيليين. الأمر الذي قد يجنب الأردن الصدمات الداخلية، بعد أنّ تعرضت المملكة الأردنية لصدمتين تتعلقان بشخص الملك خلال الستة شهور الماضية، إحداهما الخلاف مع الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني، والأخرى تزامنت مع اتصال بشار الأسد بالعاهل الأردني، عندما نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقرير بما يسمَّى “أوراق باندورا” التي كشفت عن أكبر تسريب للأرصدة الخارجية لحكام وفنانين، ومعلومات تتعلق بممتلكات تعود لـ 14 من الزعماء والقادة الحاليين، بينهم الملك الأردني، الذي يمتلك عقارات تفوق قيمتها 100 مليون دولار، في وقتٍ يمر الأردن فيه بوضعٍ اقتصادي متهالك.
وقد أكد بعض الدبلوماسيين الأردنيين ومتصدري شاشات الفضائيات في مناسبات عديدة؛ أنَّ الاتصالات بين الجانبين السوري والأردني لم تنقطع خلال السنوات العشر الماضية، الأمر الذي يثير الاستغراب، بعد إن استقبلت عمّان مكتب التنسيق العسكري لمناطق جنوب سوريا (موك) الموكل إليه تنسيق آلية الدعم لفصائل حوران حتى عام 2018.
بشكل واضح، الأردن ليس لديه رؤية واستراتيجية كاملة للمنطقة ولعلاقاته المستقبلية مع سوريا، بل إنَّ تحركاته الدبلوماسية تقتصر على ما يسمح به الضوء الأخضر الأمريكي، ثمَّ الدعم المادي العربي الذي يقيده قانون قيصر الصادر عن الكونغرس وبإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
في حقيقة الواقع، الدول العربية تتصرف كل منها وفق مصالحها، بعيداً عن آلية الدفاع المشترك، إذ يرى البعض أنَّ الأردن يغرد خارج السرب بعد أن أضحت إيران العدو الأول للعرب، وليس إسرائيل، كما كان الحال في العقود التي سبقت العقد الماضي.
ومن هذا المبدأ نجد أنَّ الأردن أصبح في صلب القضية السورية، وقد يكون صندوق البريد ما بين قادة الدول والنظام السوري، في ظل غياب وعجز كامل للمعارضة السياسية بجميع أطيافها.
هل يتعلق تقرير باندورا بمواقف العاهل الأردني؟
حسب التقرير الصَّادر عن منظمة الشَّفافية الدَّولية، فإنَّ الأردن حلَّ بالمرتبة الخامسة عربياً بين الدول الأقل فساداً، لذا من السهل اتهام الملك عبد الله الثاني بانعدام الشفافية، بالرغم من محدودية الموارد الأردنية، والاعتماد في معظم الأحيان على المساعدات الخارجية. وبحسب الوثائق المسربة من “أوراق باندورا”، قام العاهل الأردني بشراء ممتلكات في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية منذ أن بدأت الاحتجاجات تجتاح العالم العربي، تحديداً في عام 2011.
وتشير أوراق باندورا إلى أنَّ “الملك الأردني عبد الله الثاني أنفق أكثر من 106 مليون دولار على منازل فاخرة في ماليبو، كاليفورنيا، واشنطن”، في الولايات المتحدة، وأماكن أخرى.
إلا أنَّ السواد الأكبر من الأردنيين دافعوا عن ملكهم، معتبرين الاتهامات الموجة إليه بسبب مبادئه من القضية الفلسطينية وثباته على مواقفه العربية والإسلامية.
والبعض الآخر أتى على ذكر مقطع من كتاب الملك الراحل الحسين بن طلال “مهنتي كملك” عندما تحدث عن قصة الدراجة الهوائية التي أهداه إيَّاها ابن عمه، الأمر الذي اضطر والدته لبيعها بسبب وضع العائلة المالي الباعث للهم والقلق آنذاك، وذاك التاريخ للأسرة الحاكمة هو ما استند إليه جمهور المعارضة الأردني لإثبات حالة الفساد الحالية بناءً على الأوراق المسربة، في وقتٍ تمرُّ فيه على البلاد ظروف اقتصادية ومعيشية حرجة.
—————————-
هل اقترب موعد عودة العلاقات السعودية – السورية؟/ مصطفى رستم
تبشر الأجواء الدبلوماسية في دمشق بأخبار إيجابية مع ما يسري من حديث حول اقتراب عودة البعثات العربية إلى مقر عملها، مشرعة أبواب سفاراتها مجدداً بعد قطيعة دامت عقداً من الزمن، لعل أبرزها ما يتداول عن نية افتتاح سفارة الرياض في العاصمة السورية من دون صدور أي تأكيدات رسمية إلى الآن.
ويعزز ذلك الاعتقاد جملة من الاعتبارات، منها الصيانة التي تحدث في مقر البعثة بين الحين والآخر، وما ساد خلال الفترة الماضية من بوادر مشجعة لرأب صدع العلاقات المتوترة، تمثلت في لقاءات شخصيات رفيعة المستوى.
غير أن متابعين لا يعولون كثيراً بشأن صيانة مقر بعثة المملكة، معتبرين ذلك “إجراء دورياً” يحدث بشكل اعتيادي، بعدما تقصت “اندبندنت عربية” من مصادر مقربة حول ما إذا كان الأمر يشي بتطور ما مرتبط بفتح السفارة أبوابها الموصد منذ إنهاء البعثة نشاطها في 22 يناير (كانون الثاني) عام 2012 وإلى اليوم.
عودة إلى الجامعة العربية
ويتوقع مراقبون في الشأن الدبلوماسي عودة قريبة لدمشق إلى مقعدها بالجامعة العربية قبل نهاية العام الحالي، عقب تجميد عضويتها منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011، وثمة توقعات بافتتاح كل البعثات الدبلوماسية، وإلى ذلك الحين من المرجح مشاركة دمشق في الاجتماع المقبل لمجلس الجامعة، بحسب توقعات سياسيين.
وفي المقابل رسمت سلسلة اللقاءات الرسمية في أكثر من محفل بالآونة الأخيرة صورة عما تعيشه الدبلوماسية السورية من انتعاش، لعل أبرزها اجتماع ثنائي ضم وزير الخارجية السوري فيصل مقداد ونظيره المصري سامح شكري، في لقاء لم يحدث منذ 10 سنوات خلت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لمح فيه الوزير المصري إلى ضرورة حل الملف السوري وعودتها إلى مقعدها.
من جانبه يقول رئيس لجنة العلاقات العربية والخارجية في مجلس الشعب السوري بطرس مرجانة، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، أن عودة سوريا إلى مقعدها “ليست قريبة، لكن لا بد من حدوثها نهاية المطاف، ذلك لما لها من دور فاعل في عمل المجلس، والتقارب العربي مجد لكل الأطراف وكذلك الدول العربية، والتنافر يؤدي إلى ضعف”.
ولم يخفِ مرجانة سعادته بوجود أجواء إيجابية تفضي نحو افتتاح سفارات، وعودة العلاقات مع سوريا، “متفائل بعودة البعثات الدبلوماسية، وإن كانت في بادئ الأمر تقتصر على مكاتب، وهي ليست على مستوى تمثيل عادي، أو قائمين بالأعمال، لكن من المؤكد أن العودة لهذه البعثات متوقعة”.
ويرى في الوقت ذاته أن لقاءات وزير الخارجية السوري في نيويورك على هامش اجتماعات دورة الأمم المتحدة تصب في مصلحة التقارب العربي، وهناك لقاءات على الهامش لا تقل أهمية عن الاجتماعات الرسمية، ولفت النظر عما يمكن ملاحظته من تعاط جديد مع الملف السوري “أكثر إيجابية”، وفق رأيه.
ترقب سياسي وشعبي
وفي المقابل تترقب الأوساط السياسية والشعبية انفراجاً على المستوى الدبلوماسي، الذي يقود بالتالي نحو انفراجات اقتصادية، بعدما أنهكت البلاد بالعقوبات الأوروبية والأميركية، علاوة على أشد القوانين صرامة قانون حماية المدنيين في سوريا، الذي أقره الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) 2019، المسمى “قانون قيصر”.
في حين تعتبر المعارضة السورية قانون قيصر، أو ما يطلق عليه سيزر، بـ”الضروري”، للضغط على حكومة دمشق، وفرض تسوية سياسية، استناداً إلى قرار مجلس الأمن 2254 عام 2015، الذي يركز على إجراء محادثات سياسية وتحديد جدول زمني وعملية صياغة الدستور الجديد وإجراء انتخابات كأساس لعملية سورية يقودها السوريون، مع استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
وتمارس عدة سفارات أجنبية وعربية ومنها خليجية أعمالها في العاصمة السورية بعد عودتها كالبحرين، وافتتاح أبو ظبي سفارتها عام 2018 إلى اليوم، ويترقب الشارع السوري أن تفتح السفارة السعودية أبوابها منذ ذلك الحين، وأرخى الود بين عمان ودمشق، أخيراً، في إنهاء حالة القطيعة، وفتح المعابر البرية وتسيير الرحلات الجوية بعد توقفها طيلة سنوات الحرب، مع تسيير رحلات طيران إلى الشارقة.
ومهدت جملة لقاءات وزيارات لمسؤولين من سوريا أجواء مريحة منذ عامين لإعادة العلاقات، كزيارة وفد صحافي على هامش اجتماع اتحاد الصحافيين العرب في الرياض، وزيارة لوزير السياحة السوري رامي مارتيني للمملكة هذا العام، للمشاركة في اجتماع عربي في 25 مايو (أيلول) الفائت.
من جهة ثانية، لا يُخفي الشارع السياسي ترقبه لنتائج المفاوضات بين الرياض وطهران، انتهت الجولة الرابعة من المحادثات في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي بهدف خفض حدة التوتر بينهما الأمر الذي سينعكس على الواقع السوري، وهو ما سيحل عديداً من الإشكاليات فيما يخص الفصائل الإيرانية المقاتلة على الأرض السورية، والانخراط في الحل السلمي.
————————–
هل تصبح حرب روسيا في سوريا.. أبدية؟/ إياد الجعفري
في الذكرى السنوية السادسة للتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، لا يمكن تجاهل سيناريو “الحرب الأبدية” التي تورط فيها الأمريكيون بأفغانستان، لعشرين عاماً، دون الاقتراب، حتى، من النتيجة التي كانوا يأملونها لحظة تدخلهم الأولى هناك، وهي تأسيس نظام حكم مستقر ورشيد وموالٍ للغرب، يعطي صورة إيجابية عن مُخرجات التدخل الأمريكي، ويعزز القوة الناعمة لواشنطن، ويسمح بإحلالها مكان القوة الصلبة.
وفيما يرفض كثير من الخبراء مقاربة المآلات المحتملة لمستقبل التدخل الروسي في سوريا، من زاوية تجربة الفشل الأمريكي في أفغانستان، يبقى أن أمام موسكو تحديات نوعية قد تجعل أوجهاً من الشبه بين الحالتين، جليّة للعيان.
لكن في الوقت نفسه، لا نستطيع أن ننكر مروحة الفرص المتاحة للروس أيضاً. وأبرزها، الرغبة الأمريكية في استمالة روسيا لإبعادها عن الصين، التي تشكل هاجس واشنطن الرئيسي اليوم. وهو ما يجعل استعداد واشنطن لتقديم تنازلات للروس في الملف السوري، لقاء تنازلات في ملفات أخرى تهم الأمريكيين أكثر، مرجحاً للغاية. وهو ما بدأ يحدث بالفعل في الأسابيع القليلة الفائتة. لكن تلك الفرصة المتمثلة في تركيز الأمريكيين على الهاجس الصيني، ورغبتهم في استمالة الروس، تبقى مقيّدة بقدرة روسيا على تقديم حلول وسط، يمكن للأمريكيين تقبلها في سوريا.
ما سبق، يجعل المصير النهائي للتدخل الروسي بسوريا، مرتبطاً بصورة رئيسية، بمدى قدرة الروس على تحقيق ما يريدونه بالتعاون مع رأس هرم النظام بدمشق، وعائلته، التي ما تزال تقبض بقوة على زمام النواة الصلبة لتركيبة النظام. أي أن التحدّي الأبرز للروس، في الفترة القادمة، هو بشار الأسد ذاته، وعائلته. ذلك أن تعنت النظام في تقديم أي تنازلات، مهما كانت ضئيلة، ومحاولاته المتكررة للتعامل بشيء من “النديّة” مع الروس، من حين لآخر، تستفز الكرملين. إلا أن الأخير، مع فشل مساعيه في إعادة بناء جيش النظام على أساس التراتبية العسكرية الرسمية، عاجز اليوم عن فرض كامل إرادته على الأسد، الذي تمكن من استعادة زمام السيطرة داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، عبر شبكات زبائنية تدين بالولاء له، بصورة جعلت إقصائه مخاطرة كبيرة تهدد استقرار النظام برمته.
أما التحدّي الثاني أمام الروس في الفترة القادمة، والذي يعدّ أقل صعوبة من سابقه، لكنه يبقى قابلاً للتصاعد، هو ما يتعلق بتطورات حالة “التعاون التنافسي” بين الروس والإيرانيين في سوريا. ورغم البراغماتية الإيرانية المميزة، التي نجحت في تهميش التناقضات مع الروس في سوريا، لصالح القواسم المشتركة، إلا أن الأيام والأسابيع القادمة، تحمل في طياتها تطورات كثيرة مرجحة، قد تعزز من الموقف الإيراني في سوريا، قد يكون أبرزها إعادة إحياء الاتفاق النووي، وما يعنيه ذلك، من عودة الودّ المأمول أمريكياً، مع الإيرانيين. الأمر الذي قد يشجع إيران على رفع عتبة تحدّي النفوذ الروسي بسوريا، في المستقبل المنظور.
باختصار، يمكن القول بأن تحديد توصيف النجاح أو الفشل للتدخل الروسي بسوريا، في المستقبل المنظور، يرتبط تحديداً، بتطور علاقة موسكو بحليفها الأسد في دمشق، وحليفها الإيراني. إذ لا يمكن توصيف الوضع الروسي الراهن في سوريا، بالنجاح، إلا ربما على المستوى العسكري، مع الإشارة إلى أن روسيا لم تتمكن بعد من استعادة كامل الأراضي السورية لصالح الأسد. أي حتى “النجاح” العسكري، ليس ناجزاً. ناهيك عن أن ذلك “النجاح” العسكري، لم يُترجم بعد إلى نجاح سياسي مستدام. وهو تحديداً، الهدف الروسي النهائي من التدخل في سوريا.
وقد يكون الداخل الروسي هو الحكم في سنوات قليلة قادمة، بخصوص مستقبل التدخل في سوريا. فالمواطن الروسي لا يعنيه تحوّل بلده إلى “دولة عظمى”، وفق البروباغندا الخاصة بـ فلاديمير بوتين، فيما مستواه المعيشي ينحدر سريعاً، جراء العقوبات الغربية.
ولا يعني ذلك، أننا قد نكون أمام انقلابات دراماتيكية قريبة في قدرة بوتين على التدخل بسوريا، بضغط من الداخل الروسي. إذ حتى ساعة كتابة هذه السطور، لا يمكن تلمس مخاطر مباشرة تهدد مسار التدخل الروسي في سوريا. فكلفة التدخل العسكري، مالياً، تُعتبر ضئيلة مقارنة بميزانية روسيا العسكرية (ملياري دولار سنوياً – فيما تجاوز الإنفاق العسكري الروسي الإجمالي عام 2020 حاجز الـ 60 مليار دولار). كما أن الخسائر البشرية الروسية، رسمياً، ضئيلة أيضاً (تذهب تقديرات إلى أنها لا تتجاوز 300 قتيل من الجنود الروس). دون أن ننسى أن معظم جبهات القتال قد هدأت، مما سيخفف من احتمالات وقوع خسائر بشرية روسية، في المستقبل المنظور.
إلا أنه ورغم ذلك، تشير المعطيات حول الرأي العام الروسي، إلى أنه غير راضٍ عن توسع المغامرات العسكرية لبلاده في الخارج (سوريا، أوكرانيا، ليبيا، دول إفريقية..). ووفق استطلاع رأي حديث أجراه مركز “ليفادا” الروسي يتضح أن 32% فقط من الروس يؤيدون فكرة أن تكون روسيا قوة عظمى يحترمها الجميع، بينما قال 66% إن تقديم حلول فعالة لتدني مستوى المعيشة يُعتبر أكثر أهمية بالنسبة له، وذلك وفق تقرير لـ “مونت كارلو الدولية” بعنوان “حروب روسيا الأبدية: سوريا والسعي وراء وضع القوى العظمى”، نُشر قبل أيام.
التقرير ذاته يشير إلى أن حصة الفرد الروسي من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، أصبح أقل مما كان عليه في العام 2008، الأمر الذي يضرّ ببروباغندا فلاديمير بوتين، التي يشكل تحسين الاقتصاد الوطني، أحد أبرز ركائزها.
وبناء على ما سبق، فإن توصيف مستقبل التدخل الروسي في سوريا بـ “الناجح”، سيبقى وقفاً على قدرة روسيا على الضغط على الأسد والإيرانيين، للتعاون معها، في التوصل إلى تسوية مع الغرب، لإعادة إعمار البلاد، وإعادة جزء من اللاجئين، وصولاً إلى تقديم صورة مُشرفة للدولة التي صنعها التدخل الروسي في سوريا، بدلاً من مشهد الدولة “الفاشلة” الجلّي حالياً، والذي يثير استفزاز الكرملين بصورة كبيرة، كما يتضح من الحملات التي يشنها الإعلام الروسي من حين لآخر، ضد أداء نظام الأسد.
ويبقى السؤال معلّقاً: هل تستطيع روسيا إجبار الأسد تحديداً على تسوية مقبولة؟ هنا، يذهب رأي يُعتد به، بأن موسكو وصلت إلى مرحلة اليأس من فعل ذلك، وقبلت بإصلاحات “تجميلية” من جانب الأسد. لكن حتى تلك الإصلاحات قد تبقى غير كافية لتحقيق الحد الأدنى المأمول روسياً، في سوريا، بصورة تسمح لبوتين بتسويق إنجازاته الخارجية في الداخل الروسي، خلال السنوات القليلة القادمة، فيما يتزايد الهم المعيشي في أوساط الروس.
——————————
ارتباك أمريكي يعيد خلط الأوراق في المشهد السوري/ درويش خليفة
أخيراً، حصلنا على إجابة عن بعض الأسئلة التي تواجهنا حيال سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه تحاصرنا أسئلة أخرى بحاجة لتوضيح: هل ما تتبعه واشنطن يندرج ضمن استراتيجية أم تكتيكات سياسية مثيرة للاستغراب؟
وإذ أضحت سياسات الرئيس الجمهوري السابق وبالاً على كلِّ من وقف إلى جانبهم أو دعمهم، حتى لو كان ذلك في تغريدة على منصة تويتر؛ فهل الارتباك واللامركزية في التصريحات الإعلامية استراتيجية تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أم هي محاولة من سيد البيت الأبيض للتخلص من عقدة سلفِه ترامب؟
في ظل التحديات التي تحيط بالسياسة الأمريكية، ما بعد الانسحاب من أفغانستان، وتسليم إدارة الرئيس جو بايدن بالدور الروسي المتنامي في الشرق الأوسط بعد حالة اليأس الذي أصاب الكرملين عقب خسارة حليفها الأخير بالمنطقة العربية، وهو نظام معمر القذافي في ليبيا، لم يبقَ خيارٌ للكرملين سوى التمسك بالنظام السوري كالقابض على جمرةٍ من نار.
وبسبب القسوة العسكرية الروسية على مناهضي النظام السوري وحلفائه في الميدان، وإعادة ما يقرب 67% من مساحة الجغرافية السورية إلى سيطرة نظام الأسد؛ فرضت موسكو أمراً واقعاً على جميع المتنافسين في الحلبة السورية، الأمر الذي لا ترفضه واشنطن ولم تنتقص منه إطلاقاً، بل إنَّ تصريحات الدبلوماسية الأمريكية، توضح تعاطيها مع القضية السورية من بوابة تدهور الأوضاع الإنسانية، وتواجد قواتها بجانب حقول النفط شمال شرق سوريا، الأمر الذي حرم نظام الأسد من عائدات النفط، ونقل ملكيته إلى حلفائها المحليين قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الذين شاركوا معها في قتال ودحر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
اللامبالاة التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه التغييرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبعث إلى التفكر؛ هل اللامبالاة نفسها، استراتيجية، تهدف إلى إغراق جميع الطامحين في حالة الفوضى ومتابعة المشهد العام من النافذة العلويّة، بحيث تبقى ممسكة بكلِّ خيوط اللعبة بطريقة تستطيع من خلالها توزيع اللاعبين وتحديد مواقعهم وخطط الهجوم والدفاع لتظل الكفة متوازنة وتدوم الصراعات حتى لحظة إرهاق الجميع، إلى أنَّ تأتي صافرة النهاية بالتعادل السلبي صفر-صفر!
ما أثرناه آنفاً، يتعلق بإيجاز حول السياسة الخارجية الأمريكية، لكن المواجهة الأقوى تلك التي يشهدها الكونغرس بين الحين والآخر عند التصويت على أي مسألة تتعلق بإدارة البلاد، لا سيّما النقاشات إزاء البنية التحتية التي تتطلب تريليون دولار، وحل قضية سقف الديون، وتداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصادات جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
بالعودة إلى الملف السوري، الميدان الأكثر سخونة في المنطقة، اتفق الرئيسان الروسي والأمريكي في منتصف شهر حزيران/ يونيو من هذا العام على استراتيجية تجاه القضية السورية تسمى «خطوة بخطوة»، وتفاهما على الحد الأدنى من الخطوط الحمراء، حيث يقوم كلُّ طرف بالتقدم خطوة نحو الطرف الآخر لإنجاز الحل السياسي وفق رؤيتهما، أو بالأحرى بما يتسق مع المصلحة الروسية واستمرار حالة اللامبالاة الأمريكية.
ولتوظيف ذلك، اتخذت موسكو خطوة إلى الأمام، من خلال تمرير القرار الدولي 2585 بشأن تدفق المساعدات إلى الشمال السوري عبر الحدود الشمالية مع تركيا، وفي مقابل ذلك لم نشهد من الخارجية الأمريكية مثلما كانت في عهد ترامب؛ حين كانت تقوم بين الحين والآخر بإصدار قائمة عقوبات جديدة على الدول والشركات والمصارف والأفراد الداعمين لنظام بشار الأسد، بل أدرجت فصيلاً معارضاً مدعوماً من تركيا على لائحة العقوبات التي صدرت في أواخر الشهر السابع من العام الجاري، ثمَّ أتبعت ذلك بعد فترة قصيرة بإعطاء ضوء أخضر للأردن تستطيع من خلاله التحرك بعدة اتجاهات في خطوة لإعادة علاقاتها مع النظام، بسبب ما يعانيه الطرفان من تهالك في اقتصاديهما، كما أنّ للمملكة الهاشمية مآرب أخرى قد تتضح في المستقبل القريب، بالإضافة إلى المعلن عنها، وهو خط الغاز العربي الذي بات في حكم الواقع، رغم التحديات التي تكتنفه.
إلى جانب ذلك، رحبت نائبة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جيلينا بورتر، بالقرار الذي أعلنته المملكة الأردنية لاستئناف الرحلات الجوية التجارية إلى دمشق، لتتراجع فيما بعد عن ترحيبها، قبل أن تراجع الخارجية الأمريكية هذا الإعلان؛ وهذا أيضاً يُعد جزءاً من حالة الارتباك المشار إليه أعلاه.
هنا يأتي السؤال؛ هل بدأت إدارة بايدن بالتخلي عن قانون قيصر بالاستدارة والتعاطي المباشر مع حكومة موسكو، أم أنَّ الحالة السورية ليست بتلك الأهمية بالنسبة لها، في ظل تصاعد التحديات التي تواجه الولايات المتحدة بعد تنامي الدور الصيني على المستويات كافة، وتصدُّع العلاقة مع الشريك الأوروبي الفرنسي في قضية الغواصات الأسترالية، والعودة إلى إحياء الرابطة الأنجلوسكسونية، وتشكيل تحالف جديد يركز على مناطق المحيطين الهندي والهادئ!
——————————
====================
تحديث 07 تشرين الأول 2021
—————————
مصير سوريا بين «الوثيقة السرية» والحراك الدبلوماسي النشط/ بكر صدقي
للسرية حسناتها وسيئاتها. من حسناتها أنها تتحرر من أي تشويش أو عرقلة محتملة، فتمضي باتجاه إنضاج التوافقات أو القرارات أو الحلول لمشكلات مستعصية. لكنها، بالمقابل، تسعى إلى العمل من وراء ظهر الرأي العام الذي من المفترض أنه المستفيد أو المتضرر مما يدور وراء الأبواب المغلقة وما يمكن أن تؤدي إليه من إحداث وقائع جديدة تفرض على المعنيين بالأمر فرضاً دون اكتراث برأيهم.
ما سمي بالوثيقة السرية التي نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريراً عنها، قبل أيام، ففقدت بذلك «سريتها» هي من نوع خريطة الطريق التي نرى خطواتها العملية، في الواقع، في صورة حراك دبلوماسي نشط حول المشكلة السورية بمشاركة لاعبين متعددين، يعكس عودة للاهتمام بها في المحافل الدولية.
وكان ملك الأردن عبد الله الثاني في طليعة هذا الحراك، منذ إطلاقه تصريحه الشهير القائل إن «نظام بشار باقٍ»! ولا يعني هذا التصريح مجرد اعتراف بأمر واقع، بقدر ما يترجم توجهاً جديداً لدى إدارة جو بايدن التي شاع، طوال الأشهر الماضية، وصف سياستها السورية بالغموض. فقد جاء التصريح بعد اجتماع الملك الأردني مع جو بايدن، وهو ما منحه الزخم المطلوب. عملياً بدأ «الانخراط» مع النظام السوري من البوابة الاقتصادية، أي مشروع نقل الغاز المصري، عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، مع تعهد واشنطن بعدم عرقلته بموجب قانون قيصر. بل إن البنك الدولي من المفترض أن يمول ترميم البنية التحتية لخط نقل الكهرباء، في قسمه السوري، بهدف نقله إلى لبنان. وهي خطوة لم يكن النظام أو ظهيره الروسي يحلمان بها قبل بضعة أشهر.
إذا أردنا مقاربة خريطة الطريق المسماة بالوثيقة السرية، والحراك الدبلوماسي المنطلق منها، بنوايا حسنة، يمكننا القول إن الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي الكارثي في «سوريا الأسد» يراد استثماره دولياً على طريقة إمساك النظام من اليد التي توجعه، لإرغامه على الاستجابة لتسوية سياسية تنهي الصراع وتعيد الاستقرار. تسوية بموجب القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2015 وظل النظام يرفض موجباته طوال السنوات الست الماضية. عبارة «الأسد باقٍ» في هذا الإطار وظيفتها طمأنة بشار إلى أن تحريك التسوية السياسية مجدداً لا يستهدف الإطاحة به، من أجل «استدراجه» للقبول بالانخراط السياسي.
يقوم هذا الاستدراج على مبدأ «خطوة مقابل خطوة» الذي سبق للمفوض الأممي الخاص بسوريا أن طرحه قبل شهور. من المحتمل أن هذه الفكرة التي عادت اليوم إلى الظهور مجدداً في ثوب «الوثيقة السرية» تفترض في نظام بشار صفات غير موجودة فيه، كاهتمامه بمصير السوريين تحت قبضته الذين بات 90 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، أو اكتراثه بمقتل المزيد من جنوده وضباطه في معارك متجددة في منطقة إدلب، أو تشوقه للانفتاح على العالم أو لعودة نظامه إلى جامعة الدول العربية. لا شك أنه قد يرغب بحدوث تلك المعجزات وغيرها، بشرط ألا يقدم مقابلها أي ثمن، أي أن يحدث كل ذلك بشروطه. أما إذا عرض عليه مثلاً التخفيف عن الوضع الكارثي مقابل مساهمته جدياً في أعمال اللجنة الدستورية، والالتزام بإقرار النص الذي قد تتوافق عليه الأطراف الثلاثة المشاركة، فلن يناسبه ذلك، وسيسعى إلى إضاعة المزيد من الوقت في أعمال اللجنة الدستورية لضمان عدم وصولها إلى صياغة مسودة دستور. ويكون قد حصل على مكسب مقابل لا شيء، وسيراهن دائماً، عن حق، أن المجتمع الدولي أو الدول العربية ستقدم له مزيداً من التنازلات مقابل وعود كاذبة منه.
لطالما نجح هذا التكتيك في التعاملات مع الدول الأخرى، فأخذ النظام ولم يعطِ. أضف إلى ذلك أنه تكتيك روسي أيضاً، وإن اختلفت التفاصيل. فلطالما أعلنت روسيا عدم تمسكها بالأسد، وراهنت على الزمن لفرضه كأمر واقع على السوريين وعلى الدول المعنية بالمشكلة السورية. وكشف الزمن صحة هذه المراهنة، فانتقلت معظم الدول من موقف ضرورة تغيير النظام إلى بقائه مع إضافة «تغيير سلوكه» من باب رفع الحرج.
لا يعقل أن قادة الدول الذين يسعون نحو الانفتاح على النظام على أمل استدراجه لتسوية سياسية تنهي الصراع الذي أصبح عبئاً على العالم، لا يعرفون ما هو عليه، أو مخدوعين بأوهام بشأن «تغيير سلوكه». فقد خبروه واختبروه طوال عقدين، إذا لم نحسب العقود الثلاثة السبقة على انتقال السلطة من حافظ إلى بشار. يعرفون سجله الأسود في إرسال الجهاديين إلى العراق واغتيال رجال السياسة والفكر في لبنان وتنظيم هجمات غوغائية على سفارات دول غربية في دمشق وابتزازه لخصومه بالإرهاب… كل ذلك من غير أن نذكر سجله الداخلي في سوريا الذي قد لا يهم الدول الأخرى.
حسناً، لنفترض جدلاً أن خطة «الخطوة مقابل خطوة» أثمرت تغييراً في سلوك النظام. فهل هذا يعفي المجتمع الدولي من وصمة التعامل مع شخص بحقه اتهامات موثقة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟
كاتب سوري
القدس العربي
——————————–
جرعات «التطبيع» مع دمشق… و«قانون قيصر»/ إبراهيم حميدي
قطار التطبيع انطلق إلى دمشق، والاتجاه معروف، لكن الخلاف هو حول السرعة والمحطات والتحديات والإصلاحات التي تتطلبها السكة إلى العاصمة السورية.
بعض الأطراف ركب القطار علناً أو سراً، وبعضها الآخر حجز بطاقة، أو يضع شروطاً قبل الإقدام، فيما ينتظر آخرون نتائج الاختبار أو يراقبون «سلوك النظام» ويراهنون على نتائج «العقوبات» و«العزلة».
الجرعة الأولى من التطبيع العربي، تلقتها دمشق في نهاية 2018 إذ أعادت الإمارات والبحرين ودول عربية أخرى فتح سفاراتها، وانضمت إلى دول أخرى مثل مصر والأردن وعُمان والعراق والجزائر، التي لم تغلق سفاراتها بعد تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية في نهاية 2011.
وكانت جمهورية التشيك الدولة الأوروبية الوحيدة التي أبقت على سفيرتها في دمشق، لتمثل بلادها ومصالح أميركا. ومنذ ربيع 2012 كان موقف الدول الغربية إما القطيعة الكاملة وإغلاق السفارات، أو نقل السفير إلى بيروت لـ«أسباب أمنية» والسماح له بزيارات دورية إلى سوريا. وينطبق الأمر نفسه على سفارات سوريا في الخارج، التي أُغلق معظمها، عدا بعض العواصم، التي إما أنها تقيم علاقة سياسية جيدة مع دمشق (مثل بوخارست) أو فيها مؤسسات أممية تقتضي وجود ممثل للحكومة السورية، مثل فيينا وجنيف وباريس ونيويورك.
الجرعة الثانية من التطبيع، حصلت في العام الجاري، إذ إن دولاً أوروبية وسعت اتصالاتها مع دمشق. بعض الدول، مثل قبرص واليونان وإسبانيا، مددت إقامة دبلوماسييها في سوريا، أو بدأت بنفض الغبار عن مقرات الدبلوماسية في دمشق، ووسعت اتصالاتها معها. يضاف إلى ذلك أنه، ولأول مرة منذ سنوات، وافقت أثينا على وجود دبلوماسيين سوريين، كما وافقت أنقرة على استبدال دبلوماسيين في القنصلية السورية في إسطنبول.
أمنياً، كان معظم هذه الدول يقيم أو استأنف الاتصالات الاستخباراتية مع دمشق، إذ قام مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك بزيارات إلى عواصم أوروبية بينها روما، كما زار عواصم عربية عدة سراً أو علناً، واستقبل مديري أو مسؤولي أجهزة استخبارات غربية، بما في ذلك دول أوروبية كبرى ومبعوثون من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لبحث ملف الصحافي الأميركي المفقود جوستن تايس.
ما جديد التطبيع؟
دمشق تتلقى الجرعة الثالثة المعززة، متمثلة بالانتقال من البعد الأمني أو الدبلوماسي أو السري إلى المستوى السياسي العلني، سواء عبر اللقاءات الوزارية في نيويورك مع وفد الحكومة مقابل تراجع التعاطي مع وفد المعارضة، أو بشكل مباشر مع الرئيس بشار الأسد في دمشق. وكانت دول عدة تتجنب سابقاً الاتصالات السياسية أو التواصل المباشر علناً مع الأسد، بل إن بعض الدول تجنبت تغيير سفيرها أو عينت قائماً بالأعمال في دمشق، كي لا يقدم أوراق الاعتماد إلى الرئيس السوري.
لكن يبدو أن الأمر تغير الآن. لم يكن جديداً أن يزور دمشق مسؤولون من إيران أو روسيا و«الدول» التي تدور في فلكها، للقاء الأسد. لكن الجديد كان أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي قام بأول زيارة علنية له خلال عشر سنوات، وتعمد أن تكون يوم أداء الأسد اليمين الدستورية في 17 يوليو (تموز) الماضي، وما تضمن هذا من بعد رمزي بـ«الاعتراف بالانتخابات الرئاسية» التي قوبلت بانتقادات من دول غربية ومعارضين سوريين.
وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد اتصل بالأسد لتقديم الدعم «الإنساني» في مواجهة «كورونا» بداية العام الماضي، ثم اتصل الرئيس العراقي برهم صالح بالأسد لشرح أسباب عدم دعوته إلى قمة بغداد الأخيرة. لكن اتصال العاهل الأردني الملك عبد الله بالأسد قبل أيام له أبعاد مختلفة:
أولاً، أنه جاء بعد لقاء العاهل الأردني مع الرئيسين جو بايدن في يوليو وفلاديمير بوتين في أغسطس (آب)، إذ أشار الديوان الملكي إلى تأكيد الملك عبد الله على «دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها».
ثانياً، أنه يأتي بعد قول الملك عبد الله لمحطة «سي إن إن» الأميركية، إن «النظام السوري باقٍ».
ثالثاً، الأردن كان يستضيف غرفة العمليات التي قادتها «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) بدءاً من 2013 لتدريب آلاف المقاتلين السوريين المعارضين ضد دمشق.
رابعاً، يأتي بعد دفع روسيا والأردن المقاتلين في درعا للاستسلام وتسليم السلاح، ومساعدة الحكومة للعودة الكاملة إلى الجنوب.
خامساً، بعد استضافة عمان لوزراء سوريين بينهم وزير الدفاع علي أيوب لبحث «ضبط الحدود أمام الإرهابيين»، وفتحها رسميا لتنقل الأشخاص والبضائع.
سادساً، بعد حصول عمان على دعم أميركي لتشغيل خطي «الغاز العربي» والربط الكهربائي من مصر إلى سوريا، والحصول على تأكيدات بأن هذا غير مشمول بالعقوبات الأميركية.
ما الفرق بين التطبيع والعقوبات؟
هناك أكثر من 600 شخص وكيان من المدرجين على قائمة عقوبات واشنطن و«قانون قيصر»، الذي بدأ تنفيذه منتصف العام الماضي، وشمل 114 شخصاً وكياناً، وهناك 350 فرداً وكياناً أدرجوا في القوائم الأوروبية، كما أن بريطانيا أصدرت قائمتها الخاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (حذفت ستة أسماء منها في الأيام الأخيرة)، وهناك 7 شروط قانونية لرفع «قيصر» عن دمشق، و6 شروط سياسية لـ«التطبيع» معها، 4 منها تعود إلى ما قبل 2011.
قانونياً، أي تغيير في «قيصر» يتطلب تصويت الكونغرس، لكن يحق للرئيس تعليق تنفيذ كامل العقوبات أو جزءٍ منها لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز 180 يوماً، إذا توفرت بعض الشروط:
«أولاً: إذا لم يعد المجال الجوي السوري يجري استغلاله من الحكومة السورية أو روسيا، لاستهداف مدنيين.
ثانياً: إذا لم تعد المناطق المحاصرة من جانب حكومات سوريا وروسيا الفيدرالية وإيران بمعزل عن المساعدات الدولية، ولديها القدرة على الحصول بانتظام على مساعدات إنسانية.
ثالثاً: أن تطلق حكومة سوريا سراح جميع السجناء السياسيين المحتجزين قسراً (…) وأن تسمح حكومة سوريا بإمكانية الوصول الكامل للمنشآت (…) لإجراء تحقيقات من المنظمات الدولية.
رابعاً: إذا لم تعد قوات حكومات سوريا وروسيا وإيران متورطة في استهداف منشآت طبية ومدارس.
خامساً: أن تتخذ دمشق خطوات للتنفيذ الكامل لالتزامات معاهدتي حظر تطوير الأسلحة الكيماوية، والحد من انتشار الأسلحة النووية.
سادساً: أن تسمح حكومة سوريا بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين.
سابعاً: أن تتخذ حكومة سوريا خطوات لمساءلة حقيقية لمرتكبي جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد».
الواضح أن «جرعات التطبيع» تصطدم بـ«فيروس قيصر» الذي يتطلب تحولاً استراتيجياً في سوريا وتصويتا في الكونغرس، وهذا ما يفسر حذر تحركات الإدارة والانتقادات العلنية من بعض مسؤوليها وأعضاء في الكونغرس لخطوات عمان مع دمشق.
لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى «التطبيع» الأميركي، إذ إن إدارة ترمب اتبعت أسلوب «الضغط الأقصى» على دمشق وسعت لتوحيد حلفائها الأوروبيين والإقليميين وراء موقفها، ووضعت ستة شروط لفك العزلة، هي: «أولاً: وقف دعم الإرهاب. ثانياً: وقف دعم الحرس الإيراني و«حزب الله». ثالثاً: عدم تهديد دول الجوار. رابعاً: التخلي عن أسلحة الدمار الشامل. خامساً: العودة الطوعية للاجئين والنازحين. سادساً: محاكمة مجرمي الحرب».
ماذا تغير الآن؟
وضعت إدارة ترمب السابقة، خمسة أهداف مباشرة، تتمثل بـ«أولاً: هزيمة (تنظيم داعش)، ومنع عودته. ثانياً: دعم مسار الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي 2254. ثالثاً: إخراج إيران من سوريا. رابعاً: منع النظام من استعمال أسلحة الدمار الشامل والتخلص من السلاح الكيماوي. خامساً: الاستجابة للأزمة الإنسانية، ورفع المعاناة عن الشعب السوري داخل البلاد وخارجها».
لكن إدارة بايدن غيرت أهدافها، إذ إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال في مؤتمر عن سوريا في روما نهاية يونيو (حزيران) إن هناك ثلاثة أهداف أميركية هي: «المساعدات الإنسانية، التركيز على القضاء على (داعش) ومنع ظهوره، واستمرار تنفيذ وقف النار على أرض الواقع».
عملياً، يعني هذا البقاء شرق الفرات، خصوصاً بعد فوضى الانسحاب من أفغانستان، والعمل مع روسيا لتقديم المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وقف النار. لكن فريق بايدن لن يضغط على دول عربية كي لا تطبع مع دمشق، بل سيقدم إعفاءات تنفيذية من العقوبات وفق ما يسمح بها «قانون قيصر»، ولن يعلن أن الهدف إخراج إيران، لكنه سيقدم دعماً لوجيستياً للضربات الإسرائيلية لـ«مواقع إيران» في سوريا، مع تذكير حلفائه بأن «قيصر» يهدف إلى تخفيف النفوذ الإيراني… وألا يكون التطبيع مع دمشق «مجانياً»، و«لا بد من الحصول على ثمن».
الشرق الأوسط
———————————–
خضر خضّور: مسألة وقت ليس إلا
مايكل يونغ
يناقش خضر خضّور، في مقابلة معه، النتائج المحتملة في شمال غرب سورية، حيث تتضارب الأهداف الروسية والتركية.
خضر خضّور باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، تركّز أبحاثه على الشؤون السورية، وبخاصة على العلاقات المدنية العسكرية، والهويات المحليّة في دول المشرق. أجرت “ديوان” مقابلة معه في أوائل تشرين الأول/أكتوبر للاطّلاع على آخر مستجدات محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب سورية، حيث صعّدت القوات الروسية وتلك التابعة للنظام السوري هجماتهما ضدّ الثوّار المتمركزين في المنطقة.
مايكل يونغ: ما الذي تمّ الاتفاق عليه في الشأن السوري خلال القمة التي انعقدت الأسبوع الفائت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان؟
خضر خضّور: المناطق الحدودية هي محور النقاش الذي دار بين موسكو وأنقرة. ففيما تسعى تركيا إلى تأمين مناطقها الحدودية الجنوبية، تحاول روسيا دفع مجموعات المعارضة المسلحة المتمركزة في شمال غرب سورية نحو الحدود التركية من أجل تأمين الوجود الروسي في وسط وساحل سورية. وتشير هذه الأهداف المتضاربة إلى أنه لا يمكن التوصّل إلى اتفاق في اجتماع واحد فحسب، بل إنها سيرورة.
يونغ: كيف تتوقّع أن تتطوّر الأحداث في محافظة إدلب شمال غرب سورية، حيث يستقر مئات الآلاف من الثوّار المناهضين للنظام؟
خضّور: ما يميّز إدلب هو مزيجها الاجتماعي والاقتصادي والعسكري. فمجموعات المعارضة المسلحة، بما فيها المجموعات المتطرّفة، تعتمد بشكل كبير على المدنيين، فيما يرتكز هيكل السلطة المحلية بشكل كبير على العائلات الممتدّة التي انخرطت كلها تقريبًا في المجالين العسكري والاقتصادي، ما يسلّط الضوء على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها الحرب. تختبر المنطقة، وهيئة تحرير الشام المهيمنة فيها، وضعًا خطرًا، نظرًا إلى أن قوات النظام منظّمة بشكل جيد ويتمثّل هدفها ببساطة في السيطرة على المزيد من الأراضي، فيما تحوّلت مجموعات المعارضة المسلحة من كونها مناهِضة للنظام إلى مدافِعة عن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية القائمة. وتشير هشاشة وضع الثوّار مقارنةً مع التماسك النسبي للنظام، ناهيك عن عدم استعداد قوى دولية مثل الولايات المتحدة للانخراط في شؤون المنطقة الداخلية، إلى أن المسألة مسألة وقت ليس إلا قبل أن يُحرز النظام مزيدًا من التقدّم في إدلب.
يونغ: كيف أثّرت التطوّرات الأخيرة التي شهدتها درعا، حيث استعاد النظام سيطرته على مناطق لم يكن له حضور فيها، على سير الأحداث في شمال سورية؟
خضّور: لا علاقة مباشرة بين ما شهده كلٌّ من شمال سورية وجنوبها، لكن الأحداث في المنطقتين تعكس ديناميكيات متشابهة. كشفت التطوّرات في درعا عن حقيقتين: الأولى مرتبطة بالمجال الأمني، إذ لا يمكن لنظام الأسد أن يقبل (ولن يقبل) بتقاسم السلطة مع مجموعات مسلحة أو أفراد. وقد ظهر ذلك جليًا في بطلان الاتفاقات التي أُبرمت في العام 2018 مع الجهات المحلية في الجنوب، والتي تمّ التوصل إليها بوساطة وضمانات روسية.
أما الحقيقة الثانية فتتمثّل في أهمية موقع سورية الجغرافي. على سبيل المثال، لا يمكن تنفيذ خطة تزويد لبنان بالغاز المصري عبر خط أنابيب يمرّ في الأردن وسورية في حال بقيت أجزاء من الجنوب السوري خارج سيطرة النظام. وغالب الظن أن التطوّرات الأخيرة في الجنوب ستعزّز نفوذ النظام وتزيده ثقة وعزمًا لإحراز تقدّم في شمال البلاد.
يونغ: ما ستكون خواتيم النزاع السوري بالنسبة إلى تركيا وروسيا، وكيف ستسهم التطوّرات السوريية في رسم معالم علاقاتهما الثنائية؟
خضّور: عند النظر إلى الوجود الروسي على الأرض، نلاحظ أن المناطق التي ينتشر فيها الروس تكاد تكون محاذية لتلك التي ينتشر عليها الأتراك. لذا، لا مفر لكلا الطرفين من تقبُّل أن عليهما التعامل مع بعضهما البعض. يسعى الروس إلى الإبقاء على الاتفاق الذي أبرموه مع حكومة الأسد منذ حوالى نصف قرن، محافظين على وجود عسكري واقتصادي طويل الأمد، ولا سيما على طول الساحل السوري. لكن طموحات روسيا لا تقتصر على الساحل وحسب، بل تمتدّ أيضًا إلى منطقة الجزيرة الواقعة في شمال شرق البلاد حيث المشهد أشدّ تعقيدًا، إذ يتواجد كوادر حزب العمال الكردستاني، والقوات الأميركية، ناهيك عن المنطقة العسكرية التركية. والأهم أن هذه المنطقة تتأثّر بديناميكيات الحدود. وهكذا، من شأن أي انسحاب أميركي من المنطقة أن يضع روسيا وتركيا في مواجهة مباشرة مع بعضهما البعض، تمامًا كما حصل بعد أن قرّرت إدارة ترامب سحب معظم القوات الأميركية من المنطقة في العام 2019. واقع الحال إذًا أن الحرب في سورية ترسم معالم العلاقات التركية الروسية، لكن لا يزال من المبكر جدًّا التيقّن مما إذا ستسهم هذه العلاقات في إرساء الاستقرار الذي يمهّد لإنهاء النزاع، أم أنها ستبقى مشوبةً بفقدان الثقة المتبادَل.
مركز كارينغي للشرق الأوسط
———————————-
سوريا: أخطاء الإدارة الذاتية والنقد المعارض/ إيلي عبدو
جدد الكلام عن إمكانية انسحاب أمريكي من شرق سوريا، وترك القوى الكردية أمام مصير مشابه للحكومة الأفغانية المنهارة، الهجاء المعارض المتكرر، تجاه «الإدارة الذاتية» الكردية.. والهجاء هذا، وإن كان، يحمل الكثير من الوجاهة، لناحية الانتهاكات والممارسات السلطوية لدى الإدارة، إلا أنه يرمي إلى ما هو أبعد، أي إلى إنهاء التجربة نفسها والقضاء عليها.
وغالبا ما يتركز النقد المعارض على تبسيط، أو تفسير يكتفي بعنصر واحد، يتعلق بتحوّل الأكراد لأداة بيد واشنطن، تستخدمهم لتحقيق مصالحها في المنطقة. وهذا النقد يتجاهل إمكانية التقاطع بين أي قضية ومصالح الدول، لتحقيق مكاسب حتى لو كانت غير مضمونة. فالقضايا لا تتقدم نحو المكاسب، من دون ربطها بموازين القوى، وأولويات الدول الفاعلة. بمعنى أن هناك قضية كردية تستفيد من الوجود الأمريكي، عبر تأسيس كيانية تغازل وعيا كردياً حول دولة مستقلة، والأمر ليس فقط استفادة أمريكية من الأكراد.
كذلك، يأخذ المعارضون على الإدارة الذاتية، خضوعها لقيادة حزب العمال في جبل قنديل، داعين لخصوصية سورية – كردية. والمأخذ هذا، فيه تجاهل لوجود قضية كردية واحدة، وتصور حول دولة متخيلة تمتد على أجزاء عدة دول، بغض النظر عن القبول أو الاعتراض على هذا التصور، وصعوبة تحقيقه، والمغامرة في المضي فيه. صحيح أن أكراد سوريا كان يمكنهم الابتعاد عن المتخيلات القومية، والسعي لسورنة تجربتهم أكثر، إلا أن ذلك لم ينفع كثيرا أكراد العراق، فخصوصيتهم لم تؤثر في تحسين علاقتهم، التي تتوتر كل فترة مع المركز في بغداد، وتتحول إلى معارك عسكرية. والحال، فإن تصوير أكراد سوريا كأداة أمريكية أو تابعين لجبل قنديل، مرده، نفي علل التجربة، وانتظار أي فرصة لإنهائها، بيد أن الإدارة الذاتية نفسها، خلقت بيئة مؤاتية، لإنعاش هذه الانتقادات ضدها، وتأمين ديمومة لها، فهي لم تنفتح على العرب، عبر إشراكهم بشكل فعلي وليس شكلي، في الحكم وإدارة شؤون المناطق، عدا عن الانتهاكات التي تتكرر، كل فترة، وعمليات التجنيد الإجباري. ثمة سعي كردي لإخضاع العرب، وتهميشهم، بدل بناء الثقة معهم، وتحويلهم لشركاء في الحكم، إلا أن ذلك غير مرتبط بعلة وجود الإدارة أي القضية الكردية، والظروف التي ساعدت على تأسيسها من وجود أمريكي، ودعم من أكراد الخارج. صعوبة التفاهم مع العرب، متصل بإرث طويل من العداء والكراهية بين الطرفين، انتعشا في ظل الديكتاتورية وسياساتها التمييزية. وتحولات المنطقة، خصوصا صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» لم تساعد على إيجاد مناخ، لبناء مصالحة وتحسين العلاقات، بل غذت الكراهية أكثر.
من هنا، فإن هوية القوى التي تمثل الأكراد وارتباطاتها وعلاقتها، مع هذه الدولة أو تلك، لن تغير الكثير، في تعامل جزء كبير من المعارضين معها، فهؤلاء يبنون انتقاداتهم على نفي التجربة بكليتها، انطلاقا من وعي سابق يتعلق بالحساسية العربية ـ الكردية. والإدارة الذاتية، تلاقي هذا الوعي، بآخر مضاد، مرتبط بالحساسية ذاتها، رافدة إياه بممارسات وانتهاكات لإخضاع العرب وتهميشهم.
الخروج من الوعيين، كان يتطلب تقدم كل طرف خطوة نحو الآخر، بحيث يعترف المعارضون السوريون، بوجود كيانية كردية، في ما تبقى الإدارة الذاتية في حدود هذه الكيانية، من دون توسع على حساب العرب مع حد أدنى من الممارسة الديمقراطية التي تضمن مشاركتهم السياسية وفاعليتهم في اتخاذ القرارات، بشكل فعلي وليس شكليا. هذا السيناريو بات مستبعداً، وأقرب إلى المثالية، في ظل تعقيدات الواقع الحالي، ما يعني أن الرغبة لدى المعارضين السوريين بإنهاء التجربة الكردية ستتواصل، وكذلك ستتواصل معها انتهاكات «الإدارة الذاتية» واستبعادها للعرب، أي استئناف مجاني للكراهية التاريخية بين الطرفين، وخسائر فادحة لكليهما.
كاتب سوري
القدس العربي
—————————-
روبرت فورد: الدعم الأمريكي يعيق التوصّل لاتفاق بين الأكراد ونظام الأسد
قال روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق لدى سوريا، إن الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا، سواء العسكري أو الاقتصادي، يعيق التوصّل لاتفاق بين الإدارة الذاتية ونظام الأسد.
وأكد “فورد”، وفقاً لما نقلته، صحيفة الشرق الأوسط، أنه يمكن للإدارة الذاتية أن تتطور لتصبح دويلة صغيرة تحت المظلة الأمريكية.
يأتي ذلك خلال زيارة وفدي “مسد” والائتلاف المعارض السوري إلى واشنطن، الأسبوع الماضي، مشراً إلى أنّهما لا يتشاركان معاً في رؤية واحدة لحل أزمة الحرب السورية.
قوات قسد
وأكد السفير السابق، أن “واشنطن” لا تشعر بالارتياح، تجاه ما وصفهم بالإسلاميين في “الائتلاف” والدعم التركي لهم، على مدار السنوات الماضية.
وفي المقابل، فالأمريكان يشعرون بالامتنان تجاه إدارة الحكم الذاتي العلمانية وميليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية التابعة لها، وذلك لنجاحها في مواجهة تنظيم “داعش”.
وحول تصريحات “إلهام أحمد”، أنّها تلقّت تأكيدات بأنّ الأميركيين لن ينسحبوا من سوريا، فضلاً عن تصريحات مظلوم عبدي لصحيفة “التايمز” البريطانية، أكّد أنّه تلقّى تعهدات في أيلول الماضي بعدم التخلّي عن الأكراد.
واعتبر فورد أنّ حديث واشنطن عن دعم “الاستقرار” في المنطقة يمكن ترجمته بالقول إن القوات الأميركية ستبقى في شرق سوريا لحماية الإدارة الذاتية وسد الطريق أمام القوات الحكومية، الروسية أو الإيرانية أو التركية أو السورية.
وبالحديث بخصوص الحكم الذاتي، أكد “روبرت” أن الأميركيين لن يتمكنوا من إجبار الأسد على تقديم تنازلات، وقال: “في ظل هذا المأزق، ستتطور الإدارة الذاتية لتصبح دويلة صغيرة بحكم الأمر الواقع تحت مظلة عسكرية أميركية”
—————————-
الأردن.. “حصان طروادة” لتأهيل النظام السوري/ نضال منصور
بعد 10 سنوات على القطيعة يُظهر المشهد “مارثونا” أردنيا سوريا لوصل ما انقطع، وترميم العلاقات التي ظلت على الحافة تتأرجح ولم تنقطع، ويشي الاتصال العلني بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس السوري بشار الأسد – وهو الأول منذ عام 2011- عن الوصول لخط نهاية المارثون، وتدشين مرحلة جديدة من التفاهمات.
كل من يُراقب تسارع وتيرة العلاقات بين البلدين على مدار الأسابيع الماضية، ومنذ عودة الملك عبد الله من زيارته إلى واشنطن، يصل إلى استنتاج أن الأردن “حصان طروادة” الذي يعمل على تأهيل النظام السوري، وفتح الأبواب له للمرور إلى العالم.
لا يتحرك الأردن بمعزل عن تفاهمات غير مُعلنة مع واشنطن، وتنسيق حثيث مع موسكو، فالملك في لقائه الأخير مع الرئيس الأميركي بايدن طلب استثناء الأردن من عقوبات قانون قيصر، فأخذ تعهدات بـ “غض النظر” عنه بعد ترتيبات امتدت لتشمل الكونغرس.
تتسارع الإجراءات على أرض الواقع، وتتقدم لغة المصالح على المبادئ، وما كان مُحرما ومُستبعدا قبل سنوات، وحتى أشهر أصبح حقيقية؛ فوزير الدفاع السوري في عمّان، ووزراء الاقتصاد والتجارة، والموارد المائية، والزراعة، والكهرباء يبحثون مع نظرائهم حلولا للمشكلات والتحديات الكفيلة بالتقدم خطوات نحو المصالحة، وطي صفحة الماضي.
الهواجس والمخاوف الأردنية لن تتبدد بين ليلة وضحاها رغم تقدم لغة المصالح والمنافع، فالسلطات الأردنية تضع “فيتو” على تمدد واقتراب الميليشيات التابعة لإيران، أو حزب الله من حدوده، وتضع شروطا واضحة لذلك، وتربط هذا الملف بالإرهاب ومخاطره، والأمر الآخر الذي لا تتجاهله الحكومة الأردنية وأجهزتها الأمنية تزايد مخاطر تهريب المخدرات وتصنيعها في سوريا، خاصة في المناطق المُتاخمة لأراضيها، ولا ينسى الأردن حصته من مياه حوض اليرموك التي لا تلتزم السلطات السورية بتمريرها، وأخيرا يطفو على السطح ملف الطاقة وتنفيذ خط الغاز المصري، وتأهيل شبكة الكهرباء السورية لربطها بالأردن، ومنها إلى لبنان، وكل ذلك لا ينفصل عن الملف الأكثر جاذبية وهو “إعمار سوريا” الذي تُريد أن تتقاسم كعكته دول كثيرة.
استحضار التاريخ في العلاقات الأردنية السورية مُفيد ومثير لاستلهام الدروس، فالعلاقات ظلت بين مد وجزر طوال العقود الماضية، وقطيعة ما بعد “الربيع العربي”، والحرب الأهلية ليست استثناء، ففي أواخر السبعينيات وصل “شهر العسل” بين البلدين مرحلة السماح بالسفر بين دمشق وعمّان والعكس على الهوية ودون الحاجة إلى جواز السفر، وكانت توحي لمرحلة وحدوية مُتقدمة في عهد الزعيمين الراحلين، الملك الحسين، والرئيس حافظ الأسد.
حالة الوئام والانسجام لم تدُم طويلا، ومن خطابات التكامل والوحدة إلى حالة من الاحتراب والخصومة العلنية حتى أن جوازات السفر الأردنية خُتم عليها عبارة “دخول كل الدول ما عدا سوريا”.
في كثير من التحالفات كان الأردن وسوريا على طرفي نقيض، فدمشق كانت خارج تحالف “مجلس التعاون العربي” الذي ضم العراق، ومصر، واليمن، والأردن، وفي المقابل سوريا كانت حاضرة في التحالف الدولي الذي قاد معركة تحرير الكويت، وعمّان كانت خارجه، وما بين كل ذلك كانت الرسائل المُشفرة بين العاصمتين مستمرة.
الراحل الملك الحسين كان حين يُريد مغازلة دمشق يختار زيد الرفاعي لرئاسة الحكومة، وحين يُريد الابتعاد عنها يعهد إلى مضر بدران بتولي سدة رئاسة الوزراء، وما كان حاضرا في السر كان يطفو في العلن، ففي القمة العربية في القاهرة عام 1996، حمل رئيس الوزراء عبد الكريم الكباريتي مع مدير المخابرات سميح البطيخي ما سُميّ بـ “الملف الأسود”، والذي اتهم سوريا وجهات تابعة لها بالتخطيط لـ “عمليات إرهابية” لتنفيذها على الأراضي الأردنية.
كل هذا التاريخ يبدو خلف ظهورنا الآن، والأردن يقود العربة لتثبيت شعار “تغيير سلوك النظام السوري” بعد أن ساد شعار “إسقاط النظام”، وعلى مسرح الأحداث فإن الخطوات تتسارع إلى أن يكون الرئيس بشار الأسد حاضرا في القمة العربية المُقبلة في الجزائر، لتكون المقدمة لتأهيله لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي.
“غض النظر” الأميركي عن خطوات الأردن بما فيها إعادة خطوط الطيران بين البلدين، تبدو مُراهنة على سيناريو سعي المنظومة العربية بقيادة التحالف الجديد -القاهرة، بغداد، عمّان- على استقطاب دمشق لتقليص النفوذ الإيراني، وهذا لن يتحقق إلا بمد الحبل لها، وتقديم حزمة حوافز اقتصادية، وأكثر ما “يفتح الشهية” كانت فكرة خط الغاز المصري إلى لبنان مرورا بدمشق، والربط الكهربائي من عمّان باتجاه دمشق وبيروت أيضا.
واشنطن تقول علنا لا توجد خطط لتطبيع العلاقات مع نظام وحكومة الرئيس بشار الأسد، ولا تُشجع الآخرين على ذلك، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كان وزير الخارجية السوري فيصل مقداد النجم الذي يصول ويجول، ويكسر التابوهات، والخطوط الحمراء في لقاءاته مع وزراء خارجية دول العالم، ويُكرس شرعية الأمر الواقع.
نحن على ما يبدو في الشوط الأخير من لعبة تأهيل النظام السوري، وإدارة بايدن تعود إلى سياسة سلفه أوباما في قيادة العربة من الخلف، وتجنب الصدامات المباشرة، والدرس الأفغاني كان قاسيا بما يكفي للتواري في الظل في الوقت الحاضر.
الأردن لم يقطع “شعرة معاوية” في العقد الماضي مع دمشق، وظلت السفارة السورية في عمّان مُشّرعة، وباستثناء حادثة طرد سفيرها السابق بهجت سليمان من عمّان، فقد كانت الأمور تسير بطريقها المُعتاد، وهذا لا يُخفي أن الأردن في مقدمة الدول المستضيفة للاجئين السوريين بعدد يصل إلى أكثر من مليون و300 ألف، وعلى أرضه تواجدت بعض رموز المعارضة، وإن تعمّدت عمّان أن لا تضع كل “بيضها” في سلة المعارضة السورية، ولذلك فإن المصالحة لن تتضمن شروطا على حساب اللاجئين، والوجوه البارزة للمعارضة في الأصل لا تُقيم في الأردن، وأغلبها في تركيا وأوروبا، وأميركا.
الائتلاف السوري المعارض لا ينسى التذكير أن إعادة بعض الدول لعلاقاتها مع النظام السوري قبول بسجل طويل من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي مارسها النظام بحق الشعب السوري حسب وصفه، وفي عمّان أصوات مرتفعة لا تُخفي غضبها من “الهرولة” للمصالحة مع دمشق في تناسٍ لمآسي السوريين، يُقابله أصوات كثيرة تحتفي بالمصالحة وتعتبرها انتصارا لسوريا ونظامه، وهزيمة للمؤامرة الكونية ضدها.
على الضفة الأخرى وبعيدا عن السياسة، والفريقين المُتنازعين على صفحات “السوشيل ميديا” في عمّان، فإن الأردنيين يمنون النفس بأن يعودوا إلى دمشق كل نهاية أسبوع؛ فهي أيسر وأسرع من ذهابهم إلى العقبة، وهناك يجدون فُسحة للتغيير، ويعودون مُحملين بـ “المونة” الأشهى والأكثر رُخصا.
الحرة
——————————
الجنود باقون… لكن لا حل أميركياً لسوريا/ روبرت فورد
زار وفدان سوريان واشنطن الأسبوع الماضي، لكنهما لا يتشاركان معاً في رؤية واحدة لحل أزمة الحرب السورية. ورغم لقائهما مسؤولين أميركيين، فإنه لم يلتقِ كل منهما الآخر. وفي وقت لاحق، ذكر رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، سالم المسلط، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه يوجد تمييز في أسلوب تعامل الولايات المتحدة مع طرفي المعارضة.
في واقع الأمر، لطالما شعر الأميركيون على مدار سنوات بعدم ارتياح تجاه الإسلاميين في «الائتلاف» والدعم التركي لهم. في المقابل، يشعر الأميركيون بالامتنان تجاه إدارة الحكم الذاتي العلمانية وميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية التابعة لها، وذلك لنجاحها في مواجهة تنظيم «داعش».
من ناحيتها؛ قالت إلهام أحمد، التي قادت الوفد الممثل لإدارة الحكم الذاتي، في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام في أعقاب لقائها مسؤولين من إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن، إنها تلقت تأكيدات بأن الأميركيين لن ينسحبوا من سوريا.
وقال مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» جوهرها، في تصريحات لـ«التايمز» البريطانية، إنه تلقى تعهداً مماثلاً في سبتمبر (أيلول) الماضي من القائد العسكري الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكينزي، وكذلك من جوي هود، المسؤول الرفيع بوزارة الخارجية الأميركية المعني بالشرق الأوسط.
وأكدت وزارة الخارجية بعد استقبالها إلهام أحمد في 29 سبتمبر أن الولايات المتحدة تدعم «الاستقرار» في المنطقة. وبإمكانك ترجمة هذه اللغة الدبلوماسية لتقول إن القوات الأميركية ستبقى في شرق سوريا لحماية الإدارة الذاتية وسد الطريق أمام القوات الحكومية الروسية أو الإيرانية أو التركية أو السورية. كما وعد البيان الأميركي الصادر في 29 سبتمبر باستمرار واشنطن في مساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» (و«وحدات حماية الشعب» التابعة لها) في حربها ضد «داعش»، رغم أن الرئيس بايدن أبلغ الأمم المتحدة والشعب الأميركي بأن إدارته وضعت نهاية للحروب التي تستمر إلى الأبد.
ويتمثل أحد عناصر الحرب المستمرة في شرق سوريا، في المساعدة العسكرية الأميركية لـ«وحدات حماية الشعب» وميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» للدفاع عن حقول النفط.
يذكر هنا أن أحداً لا يعتقد حقاً أن بضع عشرات من مقاتلي «داعش» بإمكانهم الاستيلاء على حقول النفط والسيطرة عليها لأكثر من يوم أو يومين. في الوقت ذاته، تتميز حقول النفط بأهمية حيوية للإدارة الذاتية، وزيادة إنتاجها كان هدفاً أساسياً من وراء زيارة إلهام أحمد لواشنطن، والتي طلبت إعفاءات من «عقوبات قانون قيصر» حتى تتمكن الشركات الأميركية من إصلاح حقول النفط، وبالتالي يمكن لإدارة الحكم الذاتي تلقي المساعدات الإنسانية بسهولة أكبر.
في الوقت نفسه، تقدم إدارة بايدن مزيداً من المساعدات الاقتصادية للإدارة. إلا أن المفارقة تكمن في أنه كلما عززت واشنطن إدارة الحكم الذاتي والقوات التابعة لها، زادت صعوبة التوصل إلى اتفاق بين الإدارة المستقلة وحكومة الأسد. المؤكد أن الإدارة لن تقدم تنازلات بخصوص الحكم الذاتي، بجانب أن الأميركيين لن يتمكنوا من إجبار الأسد على تقديم تنازلات. وفي ظل هذا المأزق، ستتطور الإدارة الذاتية لتصبح دويلة صغيرة بحكم الأمر الواقع تحت مظلة عسكرية أميركية.
من جانبي، كتبت مراراً حول فكرة أن واشنطن ستنزع هذه المظلة في نهاية الأمر، فهل كنت مخطئاً؟ نعم؛ على الأقل على المدى القصير.
يذكر في هذا الصدد أن بريت ماكغورك، الذي يعدّ اليوم أهم مستشاري بايدن فيما يخص شؤون الشرق الأوسط، تقدم باستقالته من إدارة (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترمب عندما أمر ترمب القوات الأميركية بالانسحاب في عام 2019، وبعد تلك الاستقالة العلنية عام 2019، ارتبطت سمعة ماكغورك بمصير منطقة الحكم الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، خصوصاً بعد الانسحاب من أفغانستان، تحتاج إدارة بايدن إلى خطة مقنعة لاحتواء «داعش» في شرق سوريا. وتتمثل الخطة الوحيدة الممكنة الآن في الاعتماد على ميليشيات الإدارة الذاتية. وما لم يتوصل ماكغورك إلى صفقة جيدة مع روسيا لحماية «قوات سوريا الديمقراطية» والإدارة الذاتية، فإن الفريق المعاون لبايدن سيحث الرئيس بايدن على الحفاظ على القوة الأميركية في سوريا.
علاوة على ذلك؛ أضرت الفوضى التي شهدتها كابل، ببايدن سياسياً، وانخفضت شعبيته إلى أدنى مستوى لها منذ أن تولى الرئاسة. من الناحية السياسية، من الأسهل أمام بايدن والديمقراطيين تأخير الانسحاب من سوريا، وما يرافقه من اتهامات بخيانة حليف أميركي آخر، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2024 وربما لفترة أطول من ذلك.
الواضح هنا أن ثمة أمرين بإمكانهما تغيير هذه الحسابات السياسية الأميركية؛ أولاً: لم يكن هناك سوى عدد قليل من الضحايا الأميركيين في سوريا، ذلك أن الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد لم يفعلوا مثلما فعلت «طالبان» على صعيد مقاومة الأميركيين وحلفائهم المحليين. ومع أن قليلاً فقط من المواطنين الأميركيين يهتمون بسوريا الآن، حال وقوع خسائر أميركية كبيرة في سوريا أو في العراق الذي يعدّ قاعدة إمداد القوات في سوريا، فإن الانتشار في سوريا سيحظى باهتمام سياسي جديد.
ثانياً: ومثلما كتبت من قبل، يتفق الجناح اليساري للحزب الديمقراطي مع حركة «أميركا أولاً» داخل الحزب الجمهوري على ضرورة خفض الانتشار والتكاليف العسكرية الأميركية في العديد من المواقع الثانوية؛ بما في ذلك سوريا. إذا تركز الفوز في انتخابات الكونغرس لعام 2022 داخل الجناح اليساري للحزب الديمقراطي واليمين المتطرف في الحزب الجمهوري واستحوذ الطرفان على مزيد من المقاعد في الكونغرس المقبل، فسيصبح باستطاعتهما التعاون لتسليط الضوء على الوجود العسكري الأميركي في سوريا وإحراج البيت الأبيض الذي يفتقر إلى استراتيجية تجاه سوريا.
الشرق الأوسط
———————————-
زعيمان جمهوريان في الكونغرس الأميركي: التطبيع مع الأسد خطأ
منظمات سورية معارضة تدعو عمّان إلى عدم التقارب مع دمشق
واشنطن: رنا أبتر
انتقد الجمهوريون في الكونغرس مساعي «التطبيع مع النظام السوري»، التي قامت بها دول عربية في الفترة الأخيرة.
وأصدر كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش وكبير الجمهوريين في اللجنة الموازية بمجلس النواب مايك مكول، بياناً شديد اللهجة بعنوان: «التطبيع مع الأسد خطأ». ويشير البيان إلى «العذاب الشديد الذي تسبب فيه الأسد للشعب السوري، عبر قتل مئات الآلاف من السوريين وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بمساعدة روسيا وإيران».
وذكّر المشرعان البارزان بـ«قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس بإجماع الحزبين والذي يهدف لمعاقبة كل من يساعد «حملة الأسد للقتل». ويعرب البيان عن خيبة أمل المشرعين من تخلي «بعض شركاء الولايات المتحدة؛ بمن فيهم أعضاء في الجامعة العربية»، لكن من دون تسميتهم، عن مساعيهم لـ«معاقبة الأسد، عبر خطوات تهدف إلى تطبيع العلاقات معه».
وأشار المشرعان إلى أن صفقات الطاقة الأخيرة التي أبرمت مع سوريا ستدر الأموال على النظام السوري، محذرين من أن تطبيع العلاقات معه سيؤدي إلى الاستمرار في زعزعة الاستقرار بالمنطقة. وتعهدا بالعمل جاهدين مع المجتمع الدولي للحرص على «حصول الشعب السوري على العدالة التي ينشدها».
ولا تتوقف انتقادات التطبيع على الجمهوريين فحسب؛ بل سبق أن تعاون الحزبان لإقرار مشروع قرار بالكونغرس في مارس (آذار) الماضي لإدانة «الفظاعات التي ارتكبها نظام الأسد بحق شعبه»، والتأكيد على التزام الولايات المتحدة بتحميل النظام وداعميه مسؤولية جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي حين يشدد المشرعون من الحزبين على ضرورة تطبيق «قانون قيصر»، أعرب بعضهم؛ كرئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور الديمقراطي بوب مننديز، عن انفتاحه على التغاضي عن فرض بعض هذه العقوبات لتسهيل مرور الغاز والكهرباء إلى لبنان في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد.
لكن موقف مننديز هذا لا يعني مباركة السيناتور «جهود التطبيع» مع الأسد، وهذا ما أكده مصدر في مجلس الشيوخ لـ«الشرق الأوسط»، مذكراً بتصريحات للسيناتور الديمقراطي وصف فيها الأسد في أكثر من مناسبة بـ«الجزار الذي يفرض سيطرته وإرهابه بدعم من طهران وموسكو». كما أشار المصدر نفسه إلى أن هدف المشروع الذي أقره الكونغرس هو «توجيه رسالة واضحة للمجتمع الدولي تحذر من عودة العلاقات إلى طبيعتها مع النظام»، إضافة إلى التذكير بالدور الإيراني – الروسي في دعمه و«المشاركة في انتهاكات ضد المدنيين بهدف تقديم مصالحهم؛ الأمر الذي أدى إلى تقوية المجموعات المتشددة في سوريا».
وفي السياق نفسه، أصدرت مجموعة من المنظمات الأميركية – السورية بياناً مشتركاً يندد بالخطوات التي اتخذها الأردن لـ«التطبيع مع نظام الأسد»، عادّين أن تحركاً من هذا النوع يعني «تجاهل المجازر الجماعية التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري». وانتقد البيان؛ الذي وقعت عليه 10 منظمات من المعارضة السورية، الاتصال الهاتفي بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد، ووصفوه بـ«التحول الحاسم في سياسة الأردن تجاه نظام الأسد»، مذكرين بسياسة الأردن السابقة الداعمة لتحييد الرئيس السوري عن السلطة.
وحذرت المنظمات من أن هذا التغيير في موقف الأردن سيؤدي إلى تقوية النظام السوري وتهديد الجهود الرامية إلى محاسبته في المحاكم الدولية على «جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية» كما أنه قد يشجع دولاً أخرى على التطبيع معه.
وحثت المنظمات الإدارة الأميركية والكونغرس على الإعراب علناً عن معارضتهما التطبيع، مشيرين إلى أنه يتعارض مع السياسة الأميركية المعتمدة ويهدد مصالحها القومية الاستراتيجية.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أكدت الأسبوع الماضي أنه ليس لديها «أي خطط لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد أو رفع مستوى العلاقات الحالية». وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«رويترز» إن «الولايات المتحدة لن تطبع أو ترفع من مستوى العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، كما أنها لا تشجع بلداناً أخرى على القيام بذلك، نظراً للفظائع التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري». وأضاف المتحدث أن نظام الأسد لا يمتلك أي شرعية بالنسبة للولايات المتحدة، مؤكداً عدم وجود أي توجه نحو تطبيع العلاقات مع حكومته في الوقت الحالي.
الشرق الأوسط
———————–
===================
تحديث 08 تشرين الأول 2021
——————-
الأردن والانفتاح على النظام السوري…معضلة الأخلاق والسياسة/ إيلي عبدو
الأردن لم يتغير، هو ذاته عند اندلاع الثورة وبعد فشلها، لم يكن معها حين استضاف غرفة الموك ولا مع النظام حين قرر الانفتاح عليه.
ذهبت كتابات سورية معارضة، إلى توجيه نقد عنيف للأردن، لدوره في تأهيل السلطة في دمشق، ومنحها أدواراً تمهد لعودتها إلى وضعها السابق قبل انتفاضة 2011، حتى إن الائتلاف المعارض، اعتبر سلوك عمان، من دون تسميتها، “قبولاً بسجل طويل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي مارسها هذا النظام ضد الشعب السوري”. لكن الانتقادات، كشفت تجاهل الوعي المعارض، الفجوة بين نظرة الدول أو الأنظمة المجاورة، إلى القضية السورية، ونظرة أهل القضية أنفسهم، علماً أن هذه الأنظمة ترسم شبكات مصالحها، بما ينعكس على سلطويتها واستمرارها في السلطة وبشكل منفصل عن مجتمعاتها، حيث التمثيل السياسي في أدنى درجاته، أو معلّب على قياس السلطات.
بهذا المعنى، انفتاح الأردن على النظام السوري، وطلبه من الولايات المتحدة استثناءه من قانون قيصر، وراءه، تبعاً للتحليلات المتداولة، مصالح اقتصادية تتعلق باستعادة مكاسب مالية عبر تبادل البضائع عبر الحدود وصولاً إلى تركيا وأوروبا، فضلاً عن مسائل الغاز والكهرباء، يضاف إلى ذلك، تفضيل عمان، دمشق، على الميليشيات الإيرانية، الموجودة في درعا، وبروز تحالف جديد مصري- أردني- عراقي، يسعى إلى إقناع واشنطن، بأن تعويم النظام، سيساهم في احتواء إيران.
إلا أن هذه المصالح المفصولة عن المجتمعات والتي تصوغها الأنظمة لمصلحتها لا تكفي لتبرير الانفتاح على نظام دمشق، كما يرى معارضون كثر. فعملاً بهذه القاعدة، يمكن الانفتاح على أي قوة مهما مثلت من خطر ومارست من عنف، انطلاقاً من المصالح، التي لا يخلو مجال سياسي من تشكلها، ما يحيل إلى بعد أخلاقي مفقود، أي إدانة الدكتاتور ونبذه وعدم التعاون معه.
والبعد الأخلاقي، بقدر ما هو واضح، لناحية الجهة المتسببة بقتل مئات آلاف السوريين وإخفاء آخرين وتعذيبهم واعتقالهم، بقدر ما هو غير فاعل، لناحية ترجمته في السياسة وربطه بموازين القوى، بحيث يبدو البعد الأخلاقي مفصولاً عن السياسة، والمكاسب التي يمكن أن تتحقق من خلالها، وكأننا حيال قضية سورية بطيئة وجامدة، لا تتحرك على وقع التحولات، بسبب سوء أداء ممثليها وقلة خبرتهم. فيما ترتسم معادلات وتحالفات وتدخلات، على حساب تلك القضية التي يكتفي الناطقون باسمها، بالتذكير ببعدها الأخلاقي.
فصل القضية عن موازين القوى والسياسة وعدم استغلال التحولات لمراكمة مكاسب، جرّدا الأخلاق، أي إدانة النظام وعزله، من أي أدوات، وحولاها إلى معنى ثابت، تتحرك من حوله عناصر كثيرة، وتقضم من قيمته. وصعوبة تطوير البعد الأخلاقي وربطه بموازين القوى، يعود، بالدرجة الأولى، إلى طبيعة الخلفيات المعرفية، التي تتحكم بتفكير الكثير من المعارضين السوريين الذين نطقوا باسم قضيتهم ومثلوها. فمدخل هؤلاء، للسياسة هو الإيديولوجيا بمختلف مستوياتها، أي تصعيد ما هو عقائدي وإهمال ما هو براغماتي، وكأن البعد الأخلاقي في القضية السورية، تم إسقاطه محل الإيديولوجيات في وعي المعارضين العاجزين عن تقديم مقترحات لنقل الأخلاق إلى مجال السياسة وعلاقتها المعقدة بها.
ما زاد الأمور صعوبة، التقطع الذي حصل لـ”الربيع العربي”، والثورات المضادة والانتكاسات والصراعات الأهلية، بحيث لم يتراكم مجال قيمي عربي جديد تستطيع الانتفاضة السورية أن تتقاطع معه وتنتعش في ظله، لتعويض نقص المعرفة السياسية لدى ممثليها. على العكس، انخرط قادة المعارضة في مناخ عربي هو ذاته الذي كان يؤثر سلباً في “الربيع العربي”.
النظام الأردني مع بداية الثورة استقبل عدداً كبيراً من اللاجئين الهاربين من النظام في سوريا، آنذاك، تم تداول صور لجنود من الجيش الأردني، وهم يحملون أطفال العائلات الفارة وعقدت مقارنات إيجابية من قبل معارضين سوريين، مع جنود الجيش السوري، المتسبب بفرار هذه العائلات. وعند انطلاق تظاهرات ضد الحكومة في الأردن، تكررت أيضاً المقارنات لعدم استخدام العنف المفرط، واستيعاب المحتجين.
بالمحصلة، الأردن لم يتغير، هو ذاته عند اندلاع الثورة وبعد فشلها، لم يكن معها حين استضاف غرفة الموك ولا مع النظام حين قرر الانفتاح عليه. كل ما في الأمر، تأقلم مستمر مع تحولات المحيط، بحيث لا يتهدد العرش ويبقى النظام. وإن كان هذا، سلوكاً سلبياً، لناحية انعكاسه على تطلعات شعوب المنطقة بتغيير أوضاعها نحو الأفضل، لكن، المعضلة، تبقى عند أصحاب القضايا وقدرتهم على استدخال الأبعاد الأخلاقية فيها بشبكات السياسة وتعقيداتها، وهذا يستلزم، على الأرجح، مناخاً أكثر اتساعاً من سوريا ومعارضتها العاجزة.
درج
———————
سورية .. الشاهد والمشهود/ أسامة أبو ارشيد
كل العالم خذل الشعب السوري، والعرب على رأس المُدانين، وإنْ يشفع لهم أن جلَّ أنظمتهم من طراز نظام المجرم بشار الأسد، ولكن لم تتح لكثيرين منهم الفرصة بعد لإظهار مدى قدرتهم على البطش وسفك دماء شعوبهم. على أي حال، الخذلان هو الخذلان، إذ تُرك السوريون لمصيرهم المحتوم أمام أدوات إجرام نظام الأسد والقوات الروسية وعسكر إيران ومليشياتها. أما ثالثة الأثافي فكانت تحميل الضحية مسؤولية الإرهاب وفشل الثورة الشعبية، فالشركاء في الخذلان لا يعنيهم أكثر من 400 ألف قتيل سوري (مصادر ترفع العدد إلى مليون)، وملايين الجرحى والمصابين، وثلاثة عشر مليوناً لا يجدون طعاماً يسد رمقهم كل يوم، وستة ملايين مهجّر خارج بلاده، ومثلهم نازحون داخلها، و100 ألف معتقل حالي، ومثلهم قتلوا في أقبية تعذيب النظام، وأكثر من 200 ألف مجهولي المصير. دع عنك الشرخ الذي لحق بالنسيج الاجتماعي لسورية، إذ حوّلها إلى طوائف وإثنيات، وتضييع جيل كامل فيها، والدمار الهائل الذي أتى على أغلب بنيتها التحتية.. إلخ. ومع ذلك، لا يزال هناك من يتهم الشعب السوري وثورته، يلصق بهما كل الرزايا والمصائب. إنه فعلاً عالم لئيم، الإنسانية والأخلاق فيه شعارات يُعَرِّفُهما القوي كيفما شاء ويفرضهما تعسفاً أينما شاء.
أكثر من عشر سنوات مضت على اندلاع ثورة شعبٍ طلباً للحرية والكرامة، كاد خلالها نظام الطاغية الأسد أن يسقُط، لولا دخول الإيرانيين ومليشياتهم على خط إسناده، ثمَّ جاءت روسيا، بعد أن بدا أن الأولين عاجزون عن أداء المهمة وحدهم. خلال تلك الفترة، دعت واشنطن الأسد إلى التنحّي، ثمَّ أعلنت عدم شرعيته، وبعد ذلك صَعَّدَتْ من حدّة نبرتها ضد نظامه، محذّرة إياه من استخدام الأسلحة الكيميائية، وعندما فعل، مرّات ومرّات، كان الردُّ الأميركي، تحت إدارة باراك أوباما، صفقة لتجريده من مخزونه الأساسي من ذلك السلاح حماية لإسرائيل، ثمَّ قصفاً محدوداً لبعض مواقعه العسكرية تحت إدارة دونالد ترامب. أما الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحق الشعب السوري فكانت في منع التسلح النوعي عن الثوار، وتركهم مكشوفين أمام آلة سحق النظام من دون لجمه على الأقل.
لم تكن التنظيمات المتطرّفة، كالقاعدة وداعش، لتجد موطئ قدم لها في سورية، لولا خنق واشنطن الثورة الشعبية والثوار الوطنيين، وبعد ذلك حَمَّلَتْهُم مسؤولية الفشل، معلنة أن الأولوية هي للحرب على الإرهاب! ليس الأميركيون وحدهم هم المتواطئون في الجريمة، ولا حتى الأوروبيون كذلك، بل إن أنظمة عربية وغير عربية كثيرة خذلت السوريين، عندما خضعت للفيتو الأميركي في نوعية التسلح الذي كانت تحتاجه الفصائل الوطنية للثورة. هؤلاء من خذلوا عربياً، أما من تواطأوا وهم شركاء في الدم السوري، فقد عمدوا إلى محاولة إفساد الثورة من داخلها، وتفسيخها وتشظيتها، وشراء ذمم كثيرين ممن زعموا انتماءهم لها، بل وحتى إيجاد تياراتٍ فيها ولاؤها لهم، وسلاحها وأفعالها على ثورة شعبهم وثوارهم. جميعهم، عرباً وعجماً، غرباً وشرقاً، أرادوا سورية ثقباً أسود يمتصّ روح التغيير التي سرت في الجسد العربي، وقد كان لهم ما مكروا، ولكن ذلك جاء على أنقاض حُطام العرب، وليس سورية فحسب.
اليوم، وبعد أكثر من عقد، تمضي، على قدم وساق، جهود تعويم بشار الأسد من جديد وإعادة نظامه إلى “الحظيرة العربية”. هذا التعبير ورد على لسان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال لقائه، قبل أيام، مع نظيره السوري، فيصل المقداد، في نيويورك على هامش اللقاء السنوي للجمعية العمومية في الأمم المتحدة. هي فعلاً “حظيرة”، فنحن الشعوب في منظار كثير من أنظمة التسلّط العربي مجرد أنعام، بل أقلّ، وهم أنفسهم في منظار العجم، شرقاً وغرباً، إقليمياً ودولياً، أنعام كذلك، بل أضلّ. بذلك تنتصر إيران التي يزعم بعض العرب إنهم يناصبونها العداء، وهي تلطّخ وجوههم كل يوم بعار الهزائم، وتنتصر روسيا التي تقول أميركا إنها شريكة في العدوان ودورها تخريبي في سورية، وينتصر الأسد الذي يسارع عربٌ كثيرون إلى طلب رضاه، وكأنه لا يزال فعلاً الحاكم بأمره في دمشق، وليس مجرّد ذليل تابع لأولياء نعمته في طهران وموسكو.
ستبقى سورية شاهدةً على النفاق والإجرام والتواطؤ والخذلان، يستوي في ذلك غربٌ يزعم الديمقراطية، وشرقٌ يباهي بالاستبداد، وفضاء عربي هجين، ممزّق ومهلهل، يشكو إلى ربه تداعي الخصوم وخيانة من يزعمون أنهم “الأقربون”، في حين أنهم هم العدو الذي ينبغي الحذر منهم أولاً في سيرورة صناعة الفجر المقبل، مهما استطال زمانه وأوانه.
العربي الجديد
———————
كاتب بواشنطن بوست: لا خيارات جيدة في سوريا لكن الترحيب بعودة الأسد نهج مفلس أخلاقيا وإستراتيجيا
يقول كاتب العمود في واشنطن بوست (Washington Post) جوش روغين إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قررت أنها لن تعارض بنشاط تطبيعا إقليميا سريعا مع نظام بشار الأسد. ويصف ذلك بأن عواقبه ستكون وخيمة.
ويوضح الكاتب في مقال له أن الدفع العربي لتطبيع العلاقات مع الأسد ليس جديدا، لكن سرعته المتقدمة تنذر بالخطر للكثيرين، مشيرا إلى أن وفدا بقيادة سالم المسلط رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة قام بزيارة إلى واشنطن الشهر الماضي حث فيها الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي على مواصلة الضغط على النظام السوري.
مكافأة لقاتل شعبه
وذكر الكاتب أن المسلط قال له في مقابلة “كيف يمكنك أن تكافئ حاكما قتل شعبه بالأسلحة الكيميائية وجعل نصف سكان البلاد لاجئين؟ والآن، لا يبدو أن أحدا يقول لا لهذا. كلمة واحدة من هذه الإدارة ستحدث فرقا كبيرا “.
وأشار إلى أن بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يُعاقب المطبعين مع نظام الأسد بموجب قانون قيصر، وهو القانون الأميركي الذي يهدف إلى منع التطبيع مع النظام حتى يوقف الأسد المذابح.
نصيحة أميركية
كما أشار إلى إبرام صفقة لنقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، مما سيؤدي بالتأكيد إلى مدفوعات نقدية للأسد، معلقا بأنه وبدلا من الوقوف في الطريق، نصحت إدارة بايدن الدول المشاركة بأنه يمكنها تجنب العقوبات عن طريق تمويل الصفقة من خلال البنك الدولي، مما يعزز بشكل أساسي ثغرة في القانون الأميركي.
وقال أيضا إن مسؤولين سوريون التقوا الشهر الماضي العديد من القادة العرب بالجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد ذلك تعهد وزير الخارجية المصري بالمساعدة في “استعادة مكانة سوريا في العالم العربي”.
وأورد أن مؤيدي التطبيع يجادلون بأن 10 سنوات من العزلة والضغط على الأسد لم تسفر عن أي تقدم في التسوية السياسية، بينما العقوبات أدت إلى تفاقم معاناة السوريين. كما يجادلون بأن الانخراط العربي يمكن أن يضعف القوة الإيرانية في سوريا.
حجة المؤيدين للتطبيع
وأشار المقال إلى أن بريت ماكغورك كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط وأحد المؤيدين الرئيسيين لمثل هذا النهج على مر السنين نشر مقالا عام 2019 بعنوان “حقائق صعبة في سوريا” قال فيه إن الولايات المتحدة يجب أن تكف عن معارضة الجهود التي يبذلها شركاؤها العرب للتطبيع مع الأسد.
وكتب ماكغورك أيضا أن على الولايات المتحدة تشجيع شركائها داخل سوريا، مثل قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، على إبرام صفقة مع نظام الأسد حتى تتمكن القوات الأميركية من المغادرة ويمكن لروسيا والنظام تولي المسؤولية هناك.
وحسب المقال فإن المشكلة الصارخة في هذا النهج أن نظام الأسد وروسيا انتهكا كل صفقة أبرماها مع الجماعات المحلية، مما يعرضهما لقسوة ومعاناة جديدة، وستكون النتيجة على المدى الطويل المزيد من التطرف واللاجئين وزعزعة الاستقرار.
التطبيع يسمح بمواصلة زعزعة الاستقرار
وأوضح المقال أن الصراع في سوريا أدى إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مشيرا إلى أن كبار الجمهوريين في لجنتي الشؤون الخارجية والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي قالوا في بيان إن تطبيع العلاقات الآن سيسمح فقط بمواصلة زعزعة الاستقرار.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن الأمل الوحيد في تحقيق سلام واستقرار وعدالة حقيقيين في سوريا هو أن تعاود أميركا الانخراط دبلوماسيا وتعمل على إحياء العملية السياسية الدولية وقيادتها. وفي غضون ذلك، يجب على واشنطن أن تساعد في تحسين حياة السوريين الذين يعيشون خارج سيطرة الأسد، بدلا من نصحهم بعقد صفقات مع مضطهدهم.
وختم مقاله بالقول إنه لا توجد خيارات جيدة في سوريا، لكن الترحيب ضمنيا لقاتل جماعي بالعودة إلى “الحظيرة الدبلوماسية” ليس مقبولا، والتطبيع مع الأسد لن ينهي الحرب، والنظر في الاتجاه الآخر إفلاس أخلاقي وإستراتيجي.
المصدر : الواشنطن بوست
—————————
بايدن يمدد حالة الطوارئ إزاء سوريا.. بسبب العمليات التركية
أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن جدد إعلان حالة الطوارئ الوطنية بشأن التعامل مع سوريا، لمدة عام، بسبب العمليات التركية المستمرة ضد قوات قسد في سوريا.
وقال بايدن في بيان، إن “الوضع في سوريا وخصوصاً الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية لشن هجوم عسكري على شمال شرقي سوريا، تقوّض الحملة الهادفة إلى هزيمة تنظيم داعش”. وأضاف “الأزمة المستمرة لا تزال تعرض المدنيين للخطر وتهدد بشكل أكبر بتقويض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، كما لا تزال تشكل تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
وتابع البيان، “لهذا السبب، فإن حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في 14 تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، يجب أن تبقى سارية بعد 14 تشرين الأول 2021 لمدة عام واحد”.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تمديد حالة الطوارئ الخاصة بسوريا في عهد جو بايدن. وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أصدر في 14 تشرين الأول عام 2019، أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات على تركيا بسبب عمليتها العسكرية على الحدود مع سوريا. وشملت العقوبات عدداً من المسؤولين الأتراك الكبار، بينهم وزيرا الدفاع والطاقة التركيان.
وتربط الولايات المتحدة علاقات معقدة مع تركيا بعد إطلاق الأخيرة عملية “نبع السلام” في 9 تشرين الأول 2019، ضد قوات قسد، بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري”.
واستهدفت عملية نبع السلام نقاط وجود قسد في منطقة شرق نهر الفرات، وتمكن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا من السيطرة على مدينة تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة، بالإضافة إلى المناطق الممتدة بينهما.
وتقول الولايات المتحدة إن دعمها لقوات قسد في سوريا يأتي في إطار الحرب على “داعش”، خصوصاً بعد صعود التنظيم وسيطرته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق في عام 2014، فيما تصنف تركيا قسد على لوائح الإرهاب، وتعتبرها امتداداً لحزب “العمال الكردستاني”، الذي خاضت أنقرة معارك طويلة ضده.
وفي آخر مواجهة بين القوات الموالية لتركيا من جهة، وقوات قسد من جهة أخرى، قصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها بعشرات القذائف الصاروخية والمدفعية الخميس، مناطق في سد الشهباء والسموقية وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية. وردت القوات الكردية بقصف مناطق النفوذ التركي ومنها قاعدة التويس في محيط مارع شمالي حلب.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القصف المتبادل أدى إلى وقوع خسائر بشرية بين الطرفين، بينها مقتل جندي تركي.
المدن
————————–
موسكو ترفض مقترحات أنقرة بشأن إدلب/ أمين العاصي و جابر عمر
يتجه ملف الشمال الغربي من سورية إلى مزيد من التعقيد عقب فشل الجانبين الروسي والتركي في ردم هوّة الخلاف بينهما بشأنه، في القمة التي جمعت الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين أخيراً. وباتت كل السيناريوهات مطروحة على طاولة الصراع إثر هذا الفشل، بما فيها قيام النظام السوري، بدعم روسي، بعملية عسكرية واسعة النطاق.
ولم يمر يوم، على مدى أكثر من شهر، من دون قصف روسي أو من قبل قوات النظام على بلدات محافظة إدلب. واستهدف الطيران الروسي، أمس الخميس، حرش بلدة بسنقول قرب مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، فيما قصفت قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة محيط بلدات وقرى منطف، والرويحة، والبارة، وكنصفرة، وسفوهن، وفليفل، وبليون في منطقة جبل الزاوية في الريف نفسه.
وتحدثت مصادر تركية مطلعة على اللقاءات التركية الروسية، عن التصعيد الروسي المتواصل في منطقة خفض التصعيد بإدلب. وقالت، لـ”العربي الجديد”: “تشكل إدلب في الوقت الحالي العقدة الأصعب بين تركيا وروسيا، في ظل رفض موسكو للمقترحات التركية المتعلقة بتطبيق الاتفاقات بين البلدين، والقاضية بتشكيل المنطقة العازلة على الطريق الدولية أم 4، وتأمين الطريق تمهيداً لفتحها”. ولفتت إلى أن تركيا “اتخذت بعد قمة أردوغان وبوتين عدة إجراءات عسكرية ميدانية عملية، لم تكن محل قبول من الجانب الروسي حتى الآن، وهو ما يدفعها (موسكو) لمواصلة التصعيد بطريق وأساليب وتكتيكات مختلفة، والدفع بحشود من قبل النظام، تهديداً بعمل عسكري في المنطقة”.
وأضافت المصادر أن “روسيا لا تقبل بأي حلول ربما تشمل دمج الفصائل بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، أو حلول لتوحيد القوى العسكرية في المنطقة، حيث تطالب موسكو، وبسقف عالٍ، بإيجاد حل للهيئة لا يشمل لها مكاناً في المنطقة بأي شكل من الأشكال، وهو ما يعني قتالها وحصول أزمة إنسانية في المنطقة. ولهذا تشكل إدلب عقدة ما بين ضغوط روسية من سقف عالٍ، وبدائل تركية غير مقبولة حتى الآن، وخلال ذلك لا تزال تركيا متمسكة بموقفها الميداني بالمنطقة، المدافع عنها وعدم التراجع”. وأشارت إلى أن “الوفود العسكرية التركية الروسية التقت عدة مرات في المناطق الحدودية بعد قمة أردوغان وبوتين، لكن جميع اللقاءات التي جرت لم تؤد حتى الآن لحصول أي تقدم في العقدة المتشكلة بإدلب، وهو ما دعا الزعيمين مجدداً للتباحث هاتفياً أمس الخميس، من أجل تذليل العقبات. ومن الواضح أن هناك توافقاً تركياً روسياً كبيراً في سورية، ولكن إدلب تشكل عقدة كبيرة، وخاصة لتركيا التي تعتبر الاستقرار في المنطقة بعداً أمنياً هاماً لها”.
ووفق تسريبات صحافية، فإن الجانب الروسي طلب من أنقرة سحب النقاط التركية من ريف إدلب الشرقي، الواقعة بين مدينتي إدلب، مركز المحافظة، وسراقب التي كانت قوات النظام سيطرت عليها بداية العام الماضي. ما يعني أن هذه القوات ربما تضع في خططها استعادة السيطرة على إدلب، وهي المدينة الكبرى التي تقع حالياً تحت سيطرة فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام”.
وتدل المعطيات على أن القوات التركية في محافظة إدلب باتت أمام خيارين، إما صد أي هجوم بري من قوات النظام، ما يعني نشوب حرب بالوكالة مع الروس، أو الاكتفاء بالمراقبة في حال حدوث عمليات عسكرية ما يعرضها ربما إلى الحصار كما حدث أواخر 2019 وبداية 2020، حيث حُوصرت العديد من النقاط، ما دفع الجيش التركي إلى سحب وحداته منها لاحقاً. كما أن تقدم قوات النظام في محافظة إدلب من دون رد تركي رادع يفقد أنقرة أغلب أوراقها في الصراع الدائر في سورية، خصوصاً أن الأتراك يبحثون عن ترتيبات سياسية وأمنية على طول الشمال السوري تراعي متطلبات الأمن القومي لبلادهم. وكان الجيش التركي نشر آلاف الجنود خلال العام الماضي في عشرات النقاط في عموم محافظة إدلب، وتحديداً في ريف إدلب الجنوبي، حيث لديه نقاط قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام. وكان أدخل هذا العدد الكبير من الجنود إلى شمال غربي سورية لردع قوات النظام عن القيام بأي عمل عسكري في محافظة إدلب، التي تضم أكثر من 4 ملايين مدني، جلهم من النازحين.
ورأى الباحث السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجيش التركي في شمال غرب سورية في “وضع صعب”، مشيراً إلى أنه في حال قيام قوات النظام السوري بعملية عسكرية، بدعم من الجانب الروسي، فإن من شأن ذلك أن يزيد من تفاقم الأزمة. لكنه أكد، في المقابل، أن تركيا “ليست بصدد الانسحاب من إدلب”. ولفت إلى أن تركيا تنتظر حواراً شاملاً بين اللاعبين الرئيسيين في سورية لإيجاد حلول للمشاكل العالقة. وبيّن أن أنقرة “تراهن على وجودها العسكري في محافظة إدلب، وتعتبره ورقة تفاوض حول الوضع في منطقة شرقي نهر الفرات”. وأشار إلى أن أنقرة تعتبر أن إنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سورية من قبل الأكراد يمس بأمنها القومي. وأعرب جوناي عن اعتقاده أن الجانب الروسي لن يدعم عملية واسعة النطاق في محافظة إدلب يمكن أن تؤدي إلى قطع علاقته بالجانب التركي، مضيفاً: موسكو تريد جر أنقرة إلى جانبها، لا سيما بعد تأزم العلاقة بين الأخيرة وواشنطن في الفترة الأخيرة.
وتشير مجريات الأوضاع في الشمال الغربي من سورية إلى أن النظام، بدعم روسي، يريد ريف إدلب الجنوبي، في خطوة أولى تليها مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وربما يذهب أبعد من ذلك بالتقدم باتجاه مدينة إدلب نفسها التي كان خسرها في 2015. ومن الواضح أن النظام السوري يريد تسويات في إدلب شبيهة بالتسويات التي يمضي بها في محافظة درعا جنوب البلاد. لكن الجانب التركي، حتى الآن، حريص على بقاء قوات النظام بعيدة عن حدوده الجنوبية، وهو ما يفسر نشره آلاف الجنود في مختلف مناطق المحافظة، لذا من المرجح ألا يبقى الجيش التركي على الحياد في حال تقدم قوات النظام في عمق محافظة إدلب. كما أن ريف إدلب الجنوبي، وهو المسرح المتوقع للصدام القادم يضم نحو نصف مليون مدني سينزحون بالتأكيد للاحتماء بالحدود السورية التركية، ما سيؤدي لخلق أزمات إنسانية تحاول أنقرة تفاديها، لأنها الوحيدة التي تتحمل تبعات هذه الأزمات. ويدعم الجيش التركي فصائل المعارضة في عموم الشمال السوري، التي تضم عشرات آلاف المقاتلين المدربين القادرين على خوض مواجهات مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية دفاعاً عن المناطق التي يسيطرون عليها.
العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة في شمال غرب سورية، لا يعتقد بأن الأتراك “يمكن أن يكونوا في ورطة” لأن القوات الروسية وقوات النظام لن تقترب منهم في حال حصول أي عمل عسكري، ولنا فيما حصل في ريف حماة الشمالي عبرة، حيث بقيت الطرقات مفتوحة أمام الأتراك حتى خروجهم بأمان بالتوافق مع الروس. وحول توقعه لموقف القوات التركية في حال تقدم قوات النظام برياً، قال البكور، لـ”العربي الجديد”، إن الأتراك صرحوا ويصرحون بين الوقت والآخر بأنهم سيدافعون عن إدلب، ولن يسمحوا للنظام بالتقدم عن الخطوط الحالية، لكن لا يمكن التأكد من مصداقية هذه التصريحات إلا بعد بدء العمليات العسكرية. وأعرب عن اعتقاده بأن النظام لن يجرؤ على بدء عملية عسكرية إذا كان متأكداً من أن الجيش التركي سيتصدى لقواته. أما إذا كانت لديه تطمينات روسية بأن الأتراك سيبقون على الحياد فيمكن أن يقوم بعملية عسكرية، بدعم روسي، مع تفادي الاصطدام بالأتراك.
العربي الجديد
————————-
الإمارات تتحدى “قيصر”..الشريك التجاري الثالث للنظام بعد روسيا والصين/ مصطفى محمد
يُرجع اقتصاديون تحول الإمارات إلى أحد أهم الشركاء التجاريين للنظام السوري، أولاً وأخيراً إلى مرور مستوردات النظام الصينية المنشأ عبر الإمارات إلى سوريا، وخصوصاً الأغذية المستوردة (الشاي، القهوة، الزيوت النباتية)، والأدوات الكهربائية الصينية، والمعدات الصناعية، التي يعاد تُسميتها على أنها صُنعت في الإمارات.
ونتيجة التضييق الذي تفرضه العقوبات الأميركية (قانون قيصر) على التجارة الخارجية مع النظام السوري، وشحّ الدولار لدى خزينة الأخير، تولت الشركات الإماراتية مهمة تزويد السوق السورية باحتياجاتها، مقابل استيراد العديد من المواد المتوفرة في السوق السورية، مثل زيت الزيتون، والفواكه (التفاح، الإجاص، الحمضيات)، والخضار، والحبوب العطرية، بواسطة شاحنات تمرّ عبر معبر جابر-نصيب الحدودي مع الأردن، والبوكمال-القائم الحدودي مع العراق.
الشريك الثالث عالمياً
وحسب وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، فإن بلاده تحولت لأهم الشركاء التجاريين مع سوريا على المستوى العالمي، حيث تحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً، بعد الصين وروسيا.
وأوضح المري أن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين بلغ نحو 2.6 مليار درهم، خلال العام 2020، في حين وصل إلى نحو مليار درهم، خلال النصف الأول من العام الجاري، بينما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات 1.5 مليار درهم بنهاية عام 2019.
تساهل أميركي
وفي هذا الصدد، أشار منسق لجنة قانون “قيصر” في الائتلاف السوري المعارض عبد المجيد بركات إلى مساهمة تراخي الإدارة الأميركية في تطبيق العقوبات على النظام، وعدم صدور لوائح جديدة، في زيادة الانفتاح السياسي والاقتصادي على النظام من قبل بعض الأطراف العربية.
وقال ل”المدن”، إن الائتلاف وضع الجانب الأميركي ووزارة الخزانة بما يجري من استغلال للعناوين الاقتصادية والإنسانية، في شأن التطبيع السياسي مع النظام السوري.
من جانبه، لفت المراقب الاقتصادي منذر محمد إلى زيادة الحراك الاقتصادي الإماراتي في سوريا مؤخراً، وتحديداً بعد تسلم إدارة الرئيس جو بايدن البيت الأبيض. وأشار في حديث ل”المدن”، إلى قيام وزارة الخزانة الأميركية في حزيران/يوينو 2021، برفع العقوبات عن شركتي “ASM” الدولية للتجارة العامة العائدة لذراع الأسد الاقتصادي سامر فوز ومقرها في الإمارات، وشركة “Silver Pine” المملوكة لشقيقه حسين فوز، في الإمارات أيضاً.
والواضح لمحمد، أن الخطوة الأميركية كانت بمثابة منح الضوء الأخضر للإمارات، لزيادة تبادلها التجاري مع النظام السوري، تطبيقاً للتفاهمات بين واشنطن وموسكو حول الملف السوري، أو ما تسمى بخطة “الخطوة بخطوة”.
وما يدلّ على ذلك من وجهة نظره، إعلان الإمارات عن استعدادها للمشاركة في إعمار سوريا، وكذلك إعلانها عن نيتها تفعيل مجلس رجال الأعمال السوري-الإماراتي، خلال اجتماع عُقد قبل أيام مع وزير الاقتصادي لدى النظام السوري محمد سامر الخليل، على هامش أعمال معرض إكسبو 2020 دبي.
وقال محمد إن الإمارات بدأت منذ العام 2019، بالتحرك اقتصادياً نحو النظام السوري، لكن يبدو أن القيود التي تفرضها العقوبات الأميركية كانت سبباً في كبح تقاربها السياسي والاقتصادي مع النظام، والآن من الواضح أن حدة القيود تراجعت، وهذا ما شجّع الإمارات على زيادة الانفتاح الاقتصادي على النظام السوري، تحت أهداف متعلقة بالاستحواذ على حصة من كعكة إعادة الإعمار، وكذلك تحت هدف متعلق بموقع سوريا الجيو-سياسي.
سوريا بوابة للإمارات
في السياق، سلطت دراسة صادرة عن منصة “الاقتصادي” المختصة بالاقتصاد السوري الضوء على أسباب اهتمام الإمارات بالسوق السورية، مشيرة إلى أن الإمارات تخطط لجعل الجغرافية السورية بوابة لسوق كبيرة تمتد حتى الدول المجاورة، لتكون مسرحاً لتوظيف شركات دبي المختلفة واستحواذها الاقتصادي.
وطبقاً لتقديرات اقتصادية، تشكل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الإمارات، أحد العوامل الأخرى التي تدفعها إلى البحث عن دور اقتصادي فاعل في مناطق بعيدة عنها نسبياً، وسوريا في المقدمة.
المدن
——————————
بعد فتح الأردن معابره مع سوريا.. الخارجية الأميركية: لا خطط لتطبيع العلاقات مع حكومة الأسد
قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إنه ليس لدى واشطن خطط “لتطبيع أو رفع مستوى” العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ولا تشجع الآخرين على ذلك أيضا، وذلك بعدما أعاد الأردن أمس الأربعاء فتح معبره الحدودي الرئيسي مع سوريا بشكل كامل.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأميركية -ردا على أسئلة لوكالة رويترز- “الأسد لم يسترد الشرعية من وجهة نظرنا… الولايات المتحدة لن تطبع أو ترفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا نشجع الآخرين على ذلك، على ضوء الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري”.
وقال المتحدث باسم الوزارة إن العقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر لعام 2019 -وهي أقسى عقوبات أميركية حتى الآن، وتمنع الشركات الأجنبية من التعامل مع دمشق- وسيلة مهمة للضغط من أجل المحاسبة، لكن المتحدث أضاف أن بلاده، التي جمدت وجودها الدبلوماسي في سوريا منذ عام 2012، تريد أيضا ضمان ألا تعرقل أي عقوبات أميركية الأنشطة الإنسانية في سوريا.
وكانت واشنطن قالت أمس الأربعاء إنها بصدد النظر في قرار استئناف الرحلات الجوية التجارية وفتح المعابر بين الأردن وسوريا بعد أن رحبت به سابقا.
وقد فتحت السلطات الأردنية صباح أمس الأربعاء معبر جابر-نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا أمام المدنيين وحركة التجارة بعد إغلاق دام سنوات.
وقال مراسل الجزيرة من المعبر، تامر صمادي، إن إعادة افتتاح هذا المعبر جاء عقب سلسلة لقاءات عقدت مؤخرا بين مسؤولين في الأردن وسوريا، خلصت إلى قرارات شملت تسهيل انسياب حركة البضائع والتبادل التجاري بين الجانبين.
استثناء الأردن
ونقل المراسل عن مصادر رسمية أردنية رفيعة المستوى أن هذه الخطوات تأتي نتيجة جهود بذلها الملك الأردني عبد الله الثاني في واشنطن -خلال لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن- حيث أسفرت عما يوصف بـ”استثناء غير معلن” للأردن من العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك من أجل تحريك الاقتصاد الأردني الذي عانى من إغلاق المعبر.
وذكرت وكالة رويترز أن مسؤولين من الأردن ولبنان طالبوا الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات على سوريا. وقال جمال الرفاعي، النائب الأول لرئيس غرفة تجارة الأردن، إنهم يشعرون الآن أن هناك تحركا أميركيا لإعطاء مساحة أكبر لرجال الأعمال الأردنيين ليتعاملوا مع سوريا.
وخلال الشهر الحالي، توصل الأردن ولبنان وسوريا ومصر لاتفاق على توصيل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عن طريق سوريا باستخدام خط أنابيب أقيم منذ نحو 20 عاما في مشروع للتعاون بين الدول العربية.
وفي 24 سبتمبر/أيلول الحالي، اجتمع وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره السوري فيصل المقداد في مقر البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة، وقالت وسائل إعلام مصرية إنه أول اجتماع على هذا المستوى بين البلدين منذ زهاء 10 سنوات.
وقبل ذلك، أعادت الإمارات العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد عام 2018.
وكانت دول عربية قد قطعت علاقاتها مع سوريا عقب اندلاع الحرب عام 2011 التي أودت بحياة أكثر من 350 ألف شخص.
المصدر : الجزيرة + رويترز
————————–
قوات أميركية إضافية تصل إلى سوريا.. ما الدوافع والأسباب؟/ عبد القادر ضويحي
تواصل القوات الأميركية تعزيز وجودها العسكري في سوريا، إذ دخلت نحو 60 آلية عسكرية إلى القواعد في شمال شرقي البلاد، وشملت التعزيزات الجديدة أسلحة وذخائر، وزعت على القواعد في دير الزور والحسكة.
وأكد مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا أن هذه التعزيزات التي شملت جنوداً أميركيين ليست أرتال تبديل نوبات للقوات الموجودة في سوريا، وإنما قوات إضافية لتعزيز القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا.
ومنذ أن قلصت واشنطن قواتها في سوريا عام 2019، هذه المرة الأولى التي تدفع فيها واشنطن بقوات جديدة إلى المنطقة، إذ كانت تقتصر على تبديل بين القوات الموجودة في الشرق السوري.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الولايات المتحدة الأميركية عززت العنصر البشري لقواتها في سوريا، من دون إحداث أي تغيير في هيكلية القوات الموجودة أو أماكن انتشارها شرق الفرات، وأمام هذه التأكيدات، لم تصرح وزارة الدفاع الأميركية حيال زيادة عدد قواتها أو طبيعة القوات التي وصلت إلى سوريا.
أكبر قافلة عسكرية تدخل سوريا منذ أشهر
وقال مصدر عسكري لموقع تلفزيون سوريا إن قافلة من 65 شاحنة أميركية تحمل أسلحة ومعدات عسكرية ولوجستية دخلت صباح اليوم، عبر معبر الوليد الحدودي مع العراق، ووصلت إلى قاعدة تل بيدر شمالي الحسكة، كبرى قواعد التحالف الدولي شمال شرقي سوريا.
ولفت المصدر العسكري الذي طلب عدم الكشف عن هويته إلى أن هذه التعزيزات هي الأكبر التي تدخل سوريا منذ 3 أشهر.
وتضم التعزيزات أسلحة مدفعية وصناديق ذخيرة متنوعة إضافة إلى عربات مدرعة و3 مجنزرات برادلي وأجهزة اتصال راديوية.
وبحسب المصدر “من المتوقع أن يتوجه قسم من هذه التعزيزات إلى حقل العمر النفطي شرقي دير الزور، والقسم المتبقي سيوزع ما بين قاعدة الشدادي وحقل رميلان بريف الحسكة”.
ضبابية الاستراتيجية الأميركية
وصول القوات الأميركية الجديدة إلى سوريا يأتي مع تأكيد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أنها حصلت على ضمانات من واشنطن بعدم الانسحاب من سوريا كما جرى في أفغانستان، كما أن الأمر يتزامن مع إطلاق القوات الأميركية الخاصة عمليات تدريب عسكرية لوحدات في قوات سوريا الديمقراطية.
ويرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور جاسم الشمري أن وصول قوات أميركية إلى سوريا لا يدرج ضمن سياق مواجهة النفوذ الروسي في سوريا، لأن الوجود الأميركي في سوريا غير مرحب به من أطراف كثيرة، مشيراً إلى أن موسكو ودمشق تنسقان بشكل كبير لا سيما في مسألة الوجود الأميركي في سوريا.
واعتبر الشمري في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن ما يجري يشير إلى عدم وضوح الاستراتيجية الأميركية في سوريا، لا سيما عقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، مشيراً أن غياب الاستراتيجية الأميركية في سوريا ينسحب على العراق أيضاً.
وأضاف الشمري أن الوجود الأميركي سواء في سوريا أو العراق، لا يدرج إلا في نطاق مصالح واشنطن في المنطقة، بعيدا عما وصفها “الشعارات المزيفة المتمثلة بمحاربة الإرهاب وتنظيم الدولة، وحماية الشعب السوري”، مشيراً أن كل ما يجري يدرج ضمن الارتباك الأميركي حيال ملفات الشرق الأوسط.
إجراء تكتيكي
وفي تحول جديد في الوجود العسكري الأميركي شرقي سوريا، أظهرت صور بثها التحالف الدولي، إقدام القوات الأميركية على تدريب عناصر قسد على مدرعات برادلي المتطورة، التي أدخلتها واشنطن إلى سوريا في الأشهر القليلة الماضية.
وأوضح الباحث في مركز جسور للدراسات سعد الشارع أن وصول قوات أميركية إلى سوريا لا يشير إلى قرب عملية عسكرية في المنطقة، معتبراً أن زيادة القوات تأتي بالتزامن مع تنامي عمليات تنظيم الدولة في سوريا التي ازدادات بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وأشار الشارع في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه في المنظور القريب لا وجود لانسحاب أميركي من سوريا، معتبراً أن وصول القوات لا يدرج ضمن الإجراءات التكتيكية للقوات الأميركية في سوريا، وأن أي انسحاب أميركي من العراق حتما سينعكس على القوات الأميركية في سوريا من ناحية عدد الجنود أو المعدات الموجودة، أي أن جزءاً من القوات المنسحبة ستتجه إلى سوريا حتما، لأن المهمة الأساسية التي صرح عنها الأميركيون هي محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة، وأن القوات الجديدة هو تعزيز لموقف واشنطن أمام تنامي عمليات التنظيم في سوريا لا سيما في شرق الفرات.
هذا وكثفت واشنطن في الأشهر القليلة الماضية من إرسال التعزيزات العسكرية إلى سوريا، لا سيما إلى قاعدتي رميلان بريف الحسكة والعمر شرقي دير الزور، وتلك التعزيزات أثارت غضب تركيا التي قالت إنها لن تترك الأمر من دون تحرك، وإن تعامل واشنطن مع الإرهابيين في سوريا أمر مقلق ويجب أن يتوقف.
تلفزيون سوريا
———————
شرعيّة النظام السوري في غرفة الإنعاش/ عبير نصر
بين مُقاطع ومتراجع ومتذبذب ومطبع، تتباين السياسات الرسمية للدول العربية تجاه النظام السوري بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة السورية. بعض هذه الدول، وأبرزها الإمارات ومصر والعراق، لم تستمر في مواقفها السابقة المعلنة بتجميد العلاقات، أو إدانة النظام السوري، أو حتى رفض استمراره. وبعضها لم يمشِ في مسار التطبيع أساساً، بالطبع مع احتمال حدوث انقلاب مفاجئ في تلك المواقف، قرباً أو بعداً، متى دعت الحاجة لذلك.
وكان بشار الأسد شخصاً غير مرغوب فيه في العالم العربي قبل عدّة سنوات، أما الآن فيبدو أنّ عزلته الخانقة بدأت تنتهي بالفعل، وبحسب تقريرٍ لمجلة “فورين بوليسي”، فإنّ عودة النظام السوري للجامعة العربية مسألة وقت لا أكثر، وأنّ بعض المعارضين السابقين لعودته أصبحوا يعاملونه اليوم كحليفٍ استراتيجي ضد طموحات الدول غير العربية في المنطقة، بما في ذلك تركيا وإيران. الجدير ذكره أنّ وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قد أكد سعي بلاده لإعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وذلك على هامش اجتماعه بنظيره السوري، فيصل المقداد، خلال الدورة 76 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. كما التقى المقداد بنظيره المصري، سامح شكري، على هامش الاجتماعات ذاتها، حيث تمّ استعراض العلاقات ما بين البلدين وتطورات الأزمة السورية، ما يعكس الانفتاح المصري على النظام السوري.
في سياقٍ موازٍ، أشارت المجلة إلى أنه مع الدعم العسكري الروسي وتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، رأى الإماراتيون النظام السوري كعضو مفيد في تحالفٍ مناهض لتركيا وجماعة الإخوان المسلمين، وليس أدلّ على ذلك أنه، في آذار/ مارس 2020، تلقّى الرئيس الأسد اتصالاً هاتفياً من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، وبحث معه سبل التصدي لتفشي فيروس كورونا المستجد في المنطقة، مؤكداً على دعم بلاده للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية. وتعهدت الإمارات خلال مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” المنعقد في بروكسل برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بتقديم ثلاثين مليون دولار دعماً للجهود الدولية لرفع المعاناة عن الشعب السوري. وسبق للإمارات أنْ رفضت عام 2015 طلباً سعودياً للتوقيع على بيانٍ أصدرته سبع دول، هي السعودية وقطر وتركيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، تطالب فيه روسيا بوقف عملياتها العسكرية في سوريا، في حين أنها لم تعترض على التدخل العسكري الروسي في سوريا على العكس من الدول العربية الأخرى. ويُذكر أنّ الإمارات نفسها كانت قد أغلقت سفارتها في دمشق عام 2012، لتعيد افتتاحها بعد ست سنوات، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، رغم تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، في خطوةٍ اعتبرها خبراء أنها تمثّل خروجاً على الإجماع العربي لدولةٍ مستعدة لإعادة القبول بشرعية النظام السوري، الذي تنظر إليه كقوة حاسمة في مواجهة حركات الإسلام السياسي، التي تعاديها بشكلٍ صريح.
وكشف مسؤول سوري سابق أنّ دولة الإمارات قدمت مساعدات مالية بأشكال مختلفة لبشار الأسد، فضلاً عن احتضان دبي لاستثمارات عديدة وأموال مهرّبة للنظام السوري، وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ الإمارات وبعد زياراتٍ متبادلة لرجال أعمال البلدين ومشاركتها في معرض دمشق الدولي، اتفقت مع رجال أعمال يتبعون لنظام الأسد على تقديم دعم بقيمة ملياري دولار، يشمل تمويل شحنات قمح ووقود، ومواد غذائية.
على المقلب الآخر يدرك الأردن جيداً ضرورة عودة سوريا إلى الصفّ العربي، إذ لديه مصالح اقتصادية وتجارية ومائية استراتيجية مع الطرف السوري، كما تشكل الحدود مع سوريا شرياناً مهماً لاقتصاد الأردن، إذ تصدّر عبرها بضائع أردنية إلى تركيا ولبنان وأوروبا وتستورد عبرها بضائع من سوريا وتلك الدول أيضاً. وكان الأردن يحقق أكثر من (800) مليون دينار واردات عبور عبر المعابر الحدودية، هذه الموارد المالية خسرها في وقتٍ يعاني فيه من أزمةٍ اقتصادية خانقة ومديونية مرتفعة. هذا بالإضافة إلى حساسية ملف الحرب على الإرهاب الذي يؤرق الأردن، وحاجته لإبعاد الميليشيات المقربة من إيران عن حدوده، كذلك الحرب على المخدرات، التي تشهد تجارتها وعمليات تهريبها تزايداً ملحوظاً على حدوده الشمالية، والأهم ملفات الطاقة والغاز المصري والربط الكهربائي الذي يوفر للأردن فرصة لتسويق فائض إنتاجه منها إلى لبنان، وربما إلى سوريا. ولا شكّ تغير المسار الأردني بدأ خلال زيارة للملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى واشنطن في تموز/ يوليو الماضي، حيث بادر إلى دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتخفيف عقوبات قيصر، واستثناء الأردن منها، بانياً هذا الموقف على تصريحٍ قال فيه إن “بشار الأسد مستمر في الحكم، والنظام ما زال قائماً، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا”.
وتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين كان متوقعاً بطبيعة الحال، بعدما استطاع النظام السوري فرض وجوده من خلال تحالفه مع قوى دولية وإقليمية، بالتحديد روسيا وإيران. ولأنّ التعامل مع دمشق أمر واقع، عادت موجة التواصل مع الرؤساء العرب بعد الإمارات، حيث أجرى بشار الأسد اتصالاً هاتفياً مع العاهل الأردني عبد الله الثاني، بحث فيه الطرفان العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما. ويأتي الاتصال الهاتفي بالتزامن مع بدء شركة الخطوط الملكية الأردنية مباشرة رحلاتها الجوية إلى الجمهورية العربية السورية، بعدما أعلنت شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية، في آذار/ مارس من عام 2013، أنّ طائراتها المتجهة من عمان إلى بيروت ستتجنب الأجواء السورية وستمرّ عبر الأجواء المصرية والبحر المتوسط حفاظاً على سلامة مسافريها وطائراتها. عزّز هذا التقارب الطارئ قرار السلطات الأردنية بفتح معبر جابر-نصيب الحدودي أمام المدنيين وحركة التجارة بعد إغلاقٍ دام سنوات، عقب سلسلةِ لقاءات عقدت مؤخراً بين مسؤولين في الأردن وسوريا، والتي خلصت إلى قراراتٍ عدّة شملت تسهيل انسياب حركة البضائع والتبادل التجاري بين الجانبين.
وسط هذه التطورات، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، أنّ واشنطن لا تملك أيّ خطط من أجل “تطبيع أو تطوير” العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، ولفتت إلى أنها لا تشجع الآخرين على القيام بالأمر، بينما حذر الائتلاف الوطني السوري المعارض، في بيانٍ صدر عنه، أنّ “التطبيع مع نظام الأسد خطوة لها تداعيات خطيرة على المنطقة، وإعادة شرعنة لنظامٍ قتل وشرد ملايين السوريين، وسمح لإيران التغلغل في المنطقة، وهدد سلامة واستقرار الشرق الأوسط”، وشدد أنه “لا يمكن تسويغ إعادة العلاقات مع نظام الأسد المجرم بأي دوافع اقتصادية، فماذا يمكن أن تأمل منه أيّ دولة أو ماذا يمكن أن يصدّر لها النظام سوى الأزمات والخيبات؟”.
في المقابل ثمّة من يرى أنّ الحرب في سوريا حُسمت عسكرياً لصالح النظام السوري، وأنّ فرص إسقاطه عسكرياً باتت “معدومة” تماماً. في هذا الوقت وبدفعٍ من حكومات عربية، يدور نقاش عميق في أوساط جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة، تعزيزاً لشرعيته التي تتعارض مع مواقف الكثير من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي ترى أنّ هذا النظام فقد شرعيته منذ استخدامه الأسلحة الكيمياوية ضد مدنيين سوريين عام 2013.
ليفانت – عبير نصر
————————————–
هل تنقذ «صفقة ميرفي» بشار الأسد ؟، النظام «المتلون».. ومحاولات التعويم من جديد/ عبدالله الغضوي
بعد 10 سنوات من الصراع والحرب في سورية، لا يزال بشار الأسد جزءا من معادلة الحل والمشكلة ذاتها، لكن أياً من الحلول المطروحة على الطاولة الدولية والإقليمية لم تتمكن من تغيير المعادلة السورية القائمة على وجود الأسد أو إزاحته، وأيهما الخيار الصواب لإنهاء الصراع السوري، فيما بات هذا السؤال الصعب يسيطر على المشهد السوري «ما الفائدة من هذا النظام؟»، وهل يمكن أن يحيا من جديد بعد القطيعة العربية والإقليمية والدولية على مدار السنوات العشر الماضية، فضلا عن الجرائم والدمار اللذين لحقا بالشعب السوري؟!
يظهر النظام، الذي حظي بدعم روسي إيراني مفتوح لدرجة «الدين بالجميل» لهاتين الدولتين، من جديد على أنه قادر على الحياة والتكيف مع المرحلة الجديدة رغم انهيار شبه كامل من الأعماق خصوصا على المستوى الاقتصادي، لكن الظروف المحيطة دائما ما تصب في مصلحته بشكل أو بآخر، فقد حالفه الحظ في الكثير من المنعطفات، فهل يحالفه الحظ من جديد ليُكتب له عمر جديد؟!
يرى بعض المراقبين أن صفقة الغاز الأخيرة من مصر إلى الأردن مرورا بسورية إلى لبنان إشارة أمريكية لجهة التغاضي عن عقوبات قيصر، بينما شكلت عودة العلاقات مع الأردن إشارة ثانية، تبعها ترحيب أمريكي باستئناف الرحلات الجوية بين عمان ودمشق سرعان ما تراجعت الولايات المتحدة عنه، ليبقى السؤال هل فعلا صفحت أمريكا عن الأسد؟
القصة بدأت في الثاني من سبتمبر الماضي، حين ترأس السيناتور الديموقراطي كريس ميرفي وفداً من مجلس الشيوخ في زيارة إلى بيروت، ضمت كريس فان هولين وريتشارد بلومنثال وجون أوسوف، وركزت مباحثات الوفد على الواقع الاقتصادي المزري وتخفيف الارتهان لإيران التي تقدم مواد نفطية إلى لبنان، فضلا عن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، والتقى الوفد الأمريكي الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان بري وقائد الجيش العماد عون، وبعد جولة ميرفي واستطلاع الوضع في لبنان، خرج بنتيجة مفادها لا يمكن للبنان الاستغناء عن العمق السوري من أجل إبعاد إيران، وأبلغ ميرفي الإدارة الأمريكية أنه لا يمكن الاستغناء عن النفط والنفوذ الإيراني ما لم يتم تخفيف العقوبات عن النظام السوري الذي بدوره قادر على تأمين الغاز والكهرباء لبيروت، لكن ذلك يتطلب التعامل مع قانون عقوبات قيصر، وبمعنى أو بآخر غض النظر عن نظام الأسد.
بحسب مقال نشر في «ذا ناشونال» الإماراتية للكاتب بريانت هاريس في الأول من أكتوبر؛ فإن ميرفي أبلغ الإدارة الأمريكية أن خط الأنابيب يتطلب إعفاء من العقوبات الأمريكية بسبب مروره من سورية، وفي «تموز» قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بعد زيارته الولايات المتحدة ولقائه الرئيس بايدن إن الأسد باق ونظامه لن يغادر.
وذهبت «ذا ناشيونال» إلى القول إن العاهل الأردني حث الرئيس الأمريكي على القبول بصفقة الغاز عبر سورية، وبالفعل تطابقت توصيات الملك عبد الله الثاني مع نتائج توصية ميرفي للإدارة الأمريكية، بأن الحل الوحيد لإنقاذ لبنان من الأزمة وإبعاد التأثير الإيراني المضي في صفقة الغاز العربية بين الدول الأربع، ومن هنا جاء الإذن بصفقة الغاز المصري عبر الأراضي السورية التي أعادت المشروع المندثر منذ سنوات.
في اليوم التالي من زيارة الوفد الأمريكي إلى بيروت في الثاني من سبتمبر، انتقل وفد وزاري لبناني إلى دمشق لبحث مسألة الغاز والكهرباء من سورية إلى لبنان بعد موافقة أمريكية على هذه الزيارة، وهي الأولى من نوعها على المستوى الاقتصادي والسياسي إلى سورية، بعد أن اتبع لبنان سياسة النأي بالنفس طوال السنوات الماضية حيال الوضع في سورية.
وتسارعت التحركات بطريقة مفاجئة حول سورية بعد زيارة ميرفي، ففي الخامس من سبتمبر وبعد يومين من زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق، التقى وزراء الطاقة في الدول الأربع (مصر، الأردن، سورية، لبنان)، من أجل وضع الاستراتيجية الإقليمية لإمداد لبنان بالغاز والكهرباء وفي ذات الوقت إعادة إحياء الدور السوري في هذا المشروع، وعلى الفور بدأ النظام السوري بصيانة البنية التحتية لهذا المشروع على الرغم من حجم الدمار الذي لحق بها على نفقته الخاصة حسب الاتفاق!!
وفي الثالث من أكتوبر توجت الحركة السياسية والاقتصادية حول سورية باتصال الأسد بالعاهل الأردني لتبدأ عمان برحلة التطبيع مع النظام السوري على مبدأ «الأقربون أولى بالتطبيع»، وسبقها فتح المعابر بين البلدين بشكل رسمي.
كل هذه الارتدادات السياسية والاقتصادية حركها السيناتور ميرفي الذي يصفه البعض بأنه امتداد لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما المعروف بتجاوزه الكثير من الخطوط الحمراء حيال نظام الأسد، مكتفيا بهذه الخطوط دون أية سياسة أمريكية خاصة بسورية.
عكاظ
————————–
أميركا وبريطانيا وفرنسا: لا تطبيع ولا إعمار قبل تقدم العملية السياسية في سوريا
«شبكة حقوق الإنسان» أكدت وجود 100 ألف معتقل
نيويورك – لندن: «الشرق الأوسط»
قال مسؤولون في ثلاث دول غربية، هي أميركا وبريطانيا وأميركا، إنه «لا تطبيع للعلاقات مع النظام السوري ولن نقوم بتمويل إعادة البناء في سوريا حتى يظهر النظام تقدماً فعلياً للعملية السياسية» بموجب القرار الدولي 2254.
وكانت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» و«حملة سوريا» نظمتا فعالية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمشاركة عزرا زيا، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، والسفير فرنسوا سينيمو، الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية الفرنسية بشأن سوريا، وجوناثان هارجريفز، الممثل الخاص للمملكة المتحدة إلى سوريا ومشاركة سوريين.
وقالت زيا: «لا يمكن الوصول إلى السلام الدائم في سوريا من دون محاسبة النظام السوري على الفظائع التي ارتكبها، والتي بلغ بعضها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب». وتابعت: «إن معاناة المعتقلين يجب أن تبقى في مقدمة جهود المجتمع الدولي لتخفيف معاناة الشعب السوري والعمل باتجاه حل سياسي، ولهذا تطالب الولايات المتحدة الأميركية بإطلاق السراح الفوري لجميع المعتقلين وخاصة النساء والأطفال والأكثر عرضة للإصابة بـ(كوفيد – 19). كما يجب على النظام أن يسمح لجهات مستقلة ومحايدة بالدخول دون قيود إلى مراكز الاحتجاز لديه، وعليه تقديم معلومات عن المختفين لأهاليهم وتسليم جثامين المتوفين إلى أحبائهم».
وقالت: «الولايات المتحدة الأميركية لن تطبع العلاقات مع النظام السوري ولن نقوم بتمويل إعادة البناء في سوريا حتى يظهر النظام تقدماً فعلياً للعملية السياسية بناءً على قرار مجلس الأمن 2254. كما ندعم جهود غير بيدرسون من أجل حل سياسي في سوريا، وتركيزه على إطلاق سراح معتقلين غير مشروط، بالتنسيق مع لجنة التحقيق المستقلة وعائلات المختفين». وأشارت إلى أنه في يوليو (تموز) الماضي «وبالتوافق مع قانون قيصر، قامت واشنطن بفرض عقوبات على سجون ومسؤولون في نظام الأسد على صلة بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. وإن الجهود المبذولة من أجل المحاسبة يجب أن تترافق مع دعم للسوريين الناجين من الفظائع التي شهدناها في سوريا خلال العقد الماضي».
من جهته، قال سينيمو: «النظام السوري، الذي يتحمل القسم الأعظم من المسؤولية رفض أن يقوم بعمليات إطلاق سراح للمعتقلين، والأسوأ من ذلك أنه لا يزال مستمراً في ارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان من بينها عمليات الاعتقال التعسفي والعنف الجنسي والإخفاء القسري للمعتقلين». وأضاف أنَّ شروط العودة الآمنة والكريمة غير متحققة و«النظام السوري يقوم بممارسات من شأنها التضييق على عودة اللاجئين بدلاً من تسهيلها».
وأشار إلى أن السلطة القضائية الفرنسية تدرس 40 قضية تتعلق بجرائم ارتكبت في العراق وسوريا وقد أصدرت مذكرات توقيف. مضيفاً: «لا يوجد سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون سلام، وأن السلام في سوريا لا يمكن تحقيقه إلا بحل سياسي ويبقى قرار مجلس الأمن 2254 أساساً لهذا الحل، لاحتوائه على شروط أساسية لبناء الثقة أولها إطلاق سراح المعتقلين».
وقال هارغريفز: «على عكس بعض التلميحات التي يسعى البعض لنشرها فإن النزاع في سوريا غير متوقف ولم ينتهي بالتأكيد، فالنظام السوري ما زال مستمراً في حربه ضد المدنيين السوريين، أرقام المعتقلين والمختفين من إحدى أكبر ضحايا هذه الحرب، وهي فضيحة مستمرة، ومن المعيب علينا جميعاً أن العديد من السوريين لا يزالون مختفين أو معتقلين بشكل غير قانوني. وإن حلَّ هذه القضية جزء أساسي من العملية السياسية بناء على القرار 2254».
وأضاف: «علينا أن نعطي أولوية للمحاسبة في سوريا بشكل أوسع، والسعي لمحاسبة جميع أطراف النزاع على الانتهاكات الفظيعة، وأبرزها النظام السوري وحلفاؤه المسؤولون عن معظم الانتهاكات وأفظعها. كما تؤمن المملكة المتحدة أنه لا يمكن الوصول إلى سلام دائم في سوريا دون مواجهة الإفلات من العقاب»، مضيفاً أن بريطانيا «كغيرها من الدول، لا تعتقد أنه من الممكن تحقيق تقدم سياسي حقيقي أو تطبيع أو تحسين العلاقات بدون تقدم ملحوظ في العملية السياسية ووقف الانتهاكات».
وأفاد مدير «الشبكة» فضل عبد الغني أن «عدد المختفين قسرياً كبير جداً، مقارنة مع عدد سكان سوريا، مما يجعل سوريا أسوأ بلد في العالم في هذا القرن على صعيد إخفاء المواطنين قسرياً، وسجلت الشبكة أن قرابة 102 ألف مواطن سوري لا يزالون قيد الاختفاء القسري… وأعداد المختفين قسرياً في ازدياد، لأن حملات الاعتقالات ما زالت مستمرة حتى الآن».
———————-
==================
تحديث 09 تشرين الأول 2021
———————
هل تقسيم سورية بات خيارا واقعيا ونهائياً/ رضوان زيادة
من مفارقات الخطاب السياسي حول سورية اليوم مفهومان اثنان تكررا كثيراً في كل البيانات الدولية حول سورية، كما يكررهما القادة السوريون والمسؤولون الدوليون بدون تعب أو ملل، رغم إدراكهم ختل هذه المفاهيم وعدم انطباقها على أرض الواقع.
المفهوم الأول هو عبارة “الحل السياسي” التي تضمنتها كل قرارات مجلس الأمن الخاصة بسورية وكل بيانات المنظمات الدولية وتصريحات المسؤولين الغربيين الخاصة بسورية، رغم أن الجميع وعلى رأسهم بشار الأسد وروسيا وإيران الذين يرددون هذه العبارة أكثر من غيرهم، استخدموا كل القدرات العسكرية الممكنة لتغيير الحقائق على الأرض، واستعملوا كل الميشليشات العسكرية لمنع تحقيق هذا الحل السياسي، لكنهم وأمام الكاميرات يقفون ويرددون أن الحل الوحيد في سورية هو الحل السياسي.
المفهوم الآخر الذي يتلاعب عليه المجتمع الدولي أيضاً هو عبارة “حفظ وحدة وسيادة سورية وسلامة أراضيها”، مع أن كل جيوش الأرض تلعب في سورية وسمائها باتت مفتوحة للجميع لهتك عرضها، لكن من المهم تكرار عبارة حفظ السيادة السورية، ورغم أن الجميع يقرّ أن سورية اليوم أصبحت ثلاث سوريات على الأرض، وكل منطقة لها داعموها وممولوها، لكن الكل يردد أنه مع “حفظ وحدة الأراضي السورية”، و”منع تقسيم الأراضي السورية”، لكن التقسيم للأسف بات حقيقة على الأرض، بل إن هناك تبريراً أيديولوجياً لهذا التقسيم، وهو الذي قاده الكرد السوريون المتحالفون مع حزب العمال الكردستاني، الذين غيروا ولائهم من نظام الأسد إلى روسيا، ثم أمريكا مقابل الاحتفاظ بقطعة أرض يقيمون عليها نظامهم السياسي الأيديولوجي الذي تغير وفقاً للشعارات التي يرفعونها.
فمع نهاية 2011 بدأ النظام السوري بإعطاء دور لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي بتنظيم عملية توزيع المحروقات التي عانت من بعض النقص في مدن محافظة الحسكة، مع تصاعد المظاهرات في عموم البلاد، في نفس الوقت بدأ تشكيل مليشيا عسكرية تابعة لهذا الحزب من عناصره السوريين والأتراك، هذه الميليشيا أعلن عنها باسم وحدات حماية الشعب في تموز 2012، وأعلن أنها تتبع للهيئة الكردية العليا حديثة التكون آنذاك، علماً أن قادتها وكوادرها كلهم كانوا يدينون بالولاء الكامل لحزب العمال الكردستاني.
أطلق نظام الأسد سراح قادة حزب الاتحاد الديمقراطي مقابل خلق البلبلة لدى الكرد، وهذا الحزب يقوم بخطة عملية منظمة من أجل فرض تقسيم سورية على أرض الواقع، فبدأ باختراع ما يسمى مجلس شعب غربي كردستان، وهو بمثابة برلمان مصغّر للحزب، ثم وحدات الحماية الكردية، حيث قام النظام السوري بتسليم مدن المالكية ورميلان والجوادية وعامودا والدرباسية لحليفه الـ PYD تخفيفاً للعبء العسكري، لتوظيفه في المناطق المشتعلة، حيث بقي موظفو الدولة في هذه المدن يتقاضون رواتبهم من حكومة النظام، رغم أن هذه المدن أصبحت تحت سلطة الـ PYD ووحداته العسكرية وحدات حماية الشعب.
خاضت وحدات حماية الشعب مدعمة بطيران ومدفعية النظام السوري معارك طويلة مع فصائل الجيش الحر والمعارضة الإسلامية في رأس العين واليعربية وتل حميس، في عام 2013 وحتى بداية 2014، ثم مع تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش الحر وقوى المعارضة الإسلامية السورية، وشكلت مواجهة وحدات الحماية مع تنظيم الدولة في عين العرب كوباني نقطة فارقة في تاريخها، حصدت بموجبها تعاطف عدد كبير من الكرد السوريين الذين بنوا موقفهم السابق منها على أساس علاقتها المباشرة والواضحة مع النظام السوري.
وبدعم كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة خلال عام 2015، استطاعت وحدات الحماية الشعبية أن تسيطر على مساحات واسعة من ريف محافظة الحسكة والرقة وحلب، دون معارك حقيقية مع تنظيم الدولة الذي كان ينسحب بتأثير غارات التحالف الجوية، بينما تتقدم هذه الوحدات وترتكب في أحايين كثيرة المجازر والانتهاكات والتهجير بحق القرى العربية التي سوّيت العشرات منها بالأرض، وهجر ساكنوها بعد أن نهبت محتوياتها.
اليوم وبعد تأسيس الإدارة الذاتية التي فرضت التجنيد الإجباري في المناطق التي تسيطر عليها، أصبح تعداد هذه الوحدات يقارب الستين ألفاً، وانضمت إلى تحالف باسم قوات سورية الديمقراطية تكون ما يزيد على 80% من قوامه، كما تشمل وحدات كاملة من النساء المقاتلات تسمى وحدات حماية المرأة. وتقول وحدات حماية الشعب أن نسبة مشاركة المرأة لا تقل عن 40%.
على المستوى الاستراتيجي هذه الخطوات كلها مهدت الطريق لخطوات انفصالية، خاصة بعد سيطرة وحدات حماية الشعب على مدينة تل أبيض التي غير اسمها إلى “كري سبي”، وضمها إلى مقاطعة عين العرب كوباني، كجزء من الإدارة الذاتية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2015، فضلاً عن أن معظم قوى المعارضة، سواء لأسباب أيديولوجية قومية عروبية أو دينية أو حتى لأسباب سياسية تتعلق بحسابات الصراع في الأزمة السورية ترفض الخطوة الكردية، وإذا ما أخذنا الرفض التركي لها فإن السؤال عن مستقبل الإدارة الذاتية يصبح ملحاً بدرجة كبيرة.
تمكنت المعارضة السورية المدعومة من تركيا من السيطرة على عفرين، لكن بقيت المناطق الأخرى تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية التي أصبحت بالنسبة لها أرضاً تحقق فوقها حلمها في بناء دولة كردية في الشمال السوري، يخفق فوقها علم وصورة أوجلان الذي يقبع في السجون التركية.
لقد بات تقسيم سورية بفضل هذه الخطوات الكردية حقيقة واقعة للأسف تفرض على السوريين التفكير من جديد في مآلات هذه الخطوات، وكيف يمكنهم استعادة “وحدة الأراضي السورية” بحق وحقيقة وليس في الخطاب المخاتل فقط.
—————————-
العودة إلى سوريا/ عبد الحليم قنديل
ربما لا يوجد منطق مقبول وراء وضع العربة أمام الحصان في قصة سوريا، ففرص تغيير النظام السوري لا تبدو واردة في المدى المنظور، والثورة السورية المطالبة بالحرية قمعت بعنف همجي، واختفت ملامحها السلمية الشعبية في صبوتها الأولى، التي لم تستمر سوى تسعة شهور، بدءا بصيحة «درعا» ثم كان الخطأ القاتل بعسكرة الثورة واستدعاء التدخل الأجنبي، وهو ما صادف هوى غريزيا عند النظام، تحولت به الثورة في سوريا إلى ثورة على سوريا، وحروب دمار شامل بالوكالة وبالأصالة، قادت إلى خراب شامل لأغلب مدن وقرى سوريا، وانتهت بنصف أهلها إلى مآسي النزوح واللجوء، وإلى تقسيم فعلي للخرائط على جبهات السلاح، وإلى خسائر كلية قد تصل لنحو 800 مليار دولار، فوق المقتلة المفزعة التي جرت وتجري، وراح ضحيتها نحو المليون سوري.
ومن زاوية أخلاقية، فقد تورطت كل الأطراف في إهدار الدم السوري، صحيح أن النظام أو ما تبقى منه، وهو استبدادي وطائفي بلا شبهة، يتحمل النصيب الأكبر في المأساة، ومن دون تهوين ولا إغفال لجرائم أطراف أخرى، تدعي الانتساب لمعنى الثورة، وهي براء منها، وشكلت أغلب ما يسمى فصائل المعارضة المسلحة، وكثير منها جماعات يمين ديني وسلفية «جهادية» وإرهابية صريحة، بادلت جماعة النظام طائفية بطائفية، وولغت في دم السوريين كما فعل النظام، ومن دون اكتراث بسعي إلى «ديمقراطية» ولا إلى «وطنية سورية» لا تؤمن بها أصلا، واستعانت كما استعان النظام عسكريا بالأجانب، وبخطوط تمويل تدفقت بمليارات الدولارات، وبفضائح فساد طافح، اللهم إلا من استثناءات متناثرة في المعارضة، قد يعتد بنقاء أصواتها، ورفضها «العسكرة» والتدخل الأجنبي، برزت بينها «هيئة التنسيق لقوى التغييرالوطني الديمقراطي» إضافة لمجموعات أخرى وطيف واسع من الشخصيات الوطنية المستقلة، بدت كلها حريصة على ابتعاد عن جماعات اليمين الديني و»داعش» و«جبهة النصرة» وأخواتها، خصوصا مع تغير شامل تزايد أخيرا في المزاج الشعبي العربي عموما، وفي المزاج السوري ضمنا، لم يعد يرى في الجماعات الدينية بديلا سياسيا يؤتمن أو يوثق به، بقدر ما هو عنوان للدمار والتفتيت المرعب للأوطان، صار مكشوفا للعيان من مشارق الأمة حتى مغاربها.
والمعنى ببساطة، أن البيئة تبدلت، وأن الوضع في2021 لم يعد كما كان أواخر عام 2011، حين قرر اجتماع عربي رسمي طارئ بالقاهرة، تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، ثم إحلال جماعة «معارضة» في المقعد الشاغر، ثم إجلاء هذه الجماعة عن المقعد، في قمة عربية لاحقة بشرم الشيخ عام 2015، ثم السعي الذي نراه اليوم لإعادة النظام السوري إلى مقعده، عملا بقاعدة الاعتراف بأمر واقع آلت إليه الأمور في سوريا، وكون الجامعة لحكومات لا لشعوب، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وترك مصير النظام السوري للشعب السوري، فمن حقه وحده، وبغير وصاية من أحد، كما من حق كل شعب عربي أو غير عربي، أن يبقي على نظامه أو أن يغيره، وقد لا يقدح في مطلب عودة سوريا إلى مقعدها، أن النظام السوري يسيطر على الوضع بمعونة الأجانب الإيرانيين والروس، وهذه حقيقة ملموسة، نرى مثلها في حالات لنظم عربية كاملة العضوية، لا تسيطر على كامل أراضيها فعليا، أو تستعين بقواعد وقوات أجنبية، وتلك حقائق مؤسفة، لا تبرر استثناء النظام السوري بالذات، فوق أن الحديث عن القمع والدموية والديكتاتورية لا محل له في كيان كجامعة الدول العربية، فقد يكون النظام السوري هو الأكثر دموية، لكن أغلب الحكومات العربية «في الهم شرق».
ثم نأتي إلى الأمر الأهم في ما نظن، وهو أن القطيعة الرسمية العربية مع نظام دمشق، أخلت الساحة السورية عموما من أي حضور أو نفوذ عربي، هذا إذا استثنينا مقاولات تمويل بعض الجهات لجماعات الإرهاب، وقد جرت كل هذه التمويلات في خدمة الأجانب الأمريكيين بالذات، وانتهينا إلى خرائط نفوذ على الأرض السورية، كلها للأجانب القريبين والبعيدين بلا نفس عربي خالص، فالقوات التركية موجودة في الشمال والشمال الغربي، والقوات الأمريكية تحمي «قسد» والوحدات الكردية في الشمال الشرقي، والقوات الروسية مع الإيرانيين مسيطرة في الغرب والجنوب والوسط وبعض الشرق السوري، والنظام حاضر في ظل الحماية الروسية الإيرانية المزدوجة، المتشاكسة أحيانا، ويسيطر صوريا على أكثر من سبعين في المئة من مساحة سوريا الكلية، ولا تبدو من إمكانية قريبة لتغيير درامي في القسمة الأمنية الأجنبية، إلا إذا قررت أمريكا الانسحاب مثلا، كما فعلتها في أفغانستان كليا، أو جزئيا في العراق المجاور، بينما لا يبدو الصدام في إدلب في الشمال مستبعدا، حسب علاقات التفاهم الرجراج الحرج بين روسيا وتركيا، أو حسب تغيرات واردة إلى حد ما في الوضع التركي، وكلها سيناريوهات عسكرية محتملة، لا تبدو الأطراف العربية مؤثرة فيها، خصوصا مع استدامة أحوال القطيعة الرسمية، تماما كما لا تبدو الأطراف العربية ذات وزن في حساب تطورات السياسة، والبحث عن حل سياسي لأزمة سوريا، عبر صيغ القرار الدولي رقم 2254 أو غيره، فقد توارت اجتماعات التفاوض في جنيف والأستانة وغيرهما، وانتهت مفاوضات الاتفاق على دستور سوري جامع إلى التجميد، ومن دون أي دور عربي فعال، رغم أن جماعات من المعارضين المتفاوضين تقيم في عواصم عربية، وقد يحتمل أن عودة سوريا إلى مقعدها الرسمي، ربما تلعب دورا أكبر في انسياب العلاقات العربية مع دمشق، فوق ما توفره من فرص تواصل اقتصادي وتجاري وثقافي، قد تعيد للصوت العربي بعض إغراء الاستماع إليه في دمشق، وتزاحم الأصوات الأجنبية الروسية والإيرانية الحاكمة هناك، ويمكن لعمل عربي مشترك، إن صحت النوايا، أن يلعب دورا لا تقدر عليه موسكو وطهران في إعادة إعمار سوريا، وفتح الطريق لعودة آمنة لملايين من اللاجئين السوريين، خصوصا مع عدم الممانعة الأمريكية الضمنية البادية في عبور خط الغاز والربط الكهربي، وبما قد يؤدي إلى تغيير تدريجي تراكمي في الصورة، يوفر على سوريا والسوريين خرابا مضافا فوق طاقة احتمال البشر.
تبقى إشارة في محلها إلى الدور المصري الظاهر في ما يجري، وقيادته لحلف عمل عربي لإعادة سوريا، والعودة إلى سوريا، فلم يحدث أبداً، أن تورطت مصر في جريرة إسالة دم سوري واحد، وكان الموقف المصري الرسمي غالبا، هو البحث عن حل سياسي، وحفظ ما تبقى من هياكل الدولة السورية، والحرص على استقرار وسيادة سوريا، ووحدة أراضيها وشعبها، ولم تنقطع العلاقات الرسمية بين القاهرة ودمشق في أي وقت، حتى في فترة حكم الإخوان قصيرة العمر، وكانت أسباب التواصل دائما «فوق سياسية» لو صح التعبير، فقد كانت مصر وسوريا «دولة واحدة» لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، أواخر خمسينيات القرن العشرين وأوائل ستينياته الفوارة، ولم تكن هذه الوحدة هي الأولى في بابها التاريخي، فما قد لا يعرفه الكثيرون، أن مصر و»سوريا الكبرى» كانتا ولاية واحدة زمن تقلبات وتداعي الخلافة العباسية، ولمئات السنين الممتدة من حكم أحمد بن طولون لمصر حتى الغزو العثماني، وقتها كانت «سوريا الكبرى» تضم سوريا الحالية ولبنان وفلسطين والأردن، وكانت وحدة مصر وسوريا المتصلة طويلا، هي سند الأمة وسلاحها في دفع وهزيمة حملات التتار والصليبيين، تماما كما كانت وحدة عمل جيوش مصر وسوريا في حرب أكتوبر المجيدة 1973، وتماما كما كانت مصر موئلا تلقائيا مفضلا لهجرات الشوام، وهروبهم من الجور العثماني، وعلى موجات تتابعت أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولعب كثير من المهاجرين الشوام أدوارا تأسيسية كبرى في الثقافة والصحافة والفن المصري، وتزايد الاندماج الشعبي مع تجربة الوحدة زمن عبد الناصر، وصولا إلى لجوء مئات الآلاف من السوريين إلى مصر في العشر سنوات الأخيرة، وحيث لا يقيم السوريون في ملاجئ ولا في مخيمات لا تعرفها مصر، ويندمجون بسلاسة مدهشة في الحياة المصرية، ويحظون بمحبة لا مثيل لها، وبتقدير مستحق من أغلب المصريين لنشاطهم وكفاءتهم التجارية بالذات، فقد ترسخت فكرة «الشعب الواحد» في أعماق ووجدان المصريين والسوريين، ولم تمنع انقلابات السياسة من اتصال الشعور الفريد، وأثره المباشر حتى على السياسة الرسمية المصرية، التي تسعى بدأب لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، ولإعادة العرب إلى سوريا الحبيبة، بقطع النظر عن اختلافات السياسة ومآسيها.
كاتب مصري
القدس العربي
——————————
خيار بايدن للتعامل مع الأسد:معارضة التطبيع علناً..وتأييده سراً
رأت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أن الإدارة الأميركية لن تعارض التطبيع مع النظام السوري رغم اعتراضها العلني على الامر، واصفةً الأمر بأنه سيكون له “عواقب وخيمة”.
وأشار الكاتب جوش روغن إلى أن العاهل الأردني عبدالله الثاني قاد تطبيعاً إقليمياً سريعاً مع حكومة الأسد، منذ أن التقى بالرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض. ورغم تعارض التطبيع مع السياسة الأميركية، لكن إدارة بايدن قررت أنها لن تكافح بنشاط هذا الاتجاه التطبيعي مع سوريا بعد الآن.
واعتبر روغن أن الاتصال بين الملك الأردني والأسد، أنهى سياسة استمرت عقداً من الزمن لعزل الأسد. وكشف أن أعضاء الكونغرس وجماعات المعارضة السورية الذين يدركون أن الأردن أعاد فتح حدوده مع سوريا قبل أيام قليلة فقط، غضبوا حقاً وطالبوا إدارة بايدن بالتحرك. وتابع أن التطبيع مع النظام السوري ليس جديداً، لكن سرعته المتقدمة تنذر بالخطر للكثيرين.
ونقل الكاتب عن رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض سالم المسلط قوله: “كيف يمكنك أن تكافئ حاكماً قتل شعبه بالأسلحة الكيماوية وجعل أكثر من نصف سكان البلاد لاجئين؟”، مؤكداً أنه “الآن، يبدو أن لا أحد يقول لا للتطبيع، وكلمة واحدة من إدارة بايدن ستحدث فرقاً كبيراً”.
وأشار الكاتب إلى أن بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يُعاقب المطبعين مع نظام الأسد بموجب قانون قيصر، رغم مطالبة المعارضة السورية الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي بمواصلة الضغط على النظام السوري، خلال زيارتها لواشنطن قبل أسابيع.
ونقل الكاتب عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية قوله إن “سياسة الولايات المتحدة لا تزال هي منع أي دولة عن تطبيع العلاقات مع الأسد. لم نعطِ الأردن ضوءاً أخضر أو برتقالياً”.
وأضاف المسؤول للصحيفة، “لم نؤيد الاتصال بين عبد الله والأسد. لقد أوضحنا أن قيود العقوبات لا تزال سارية ولا ينبغي أن يأتي شيء بالمجان”. ورغم المعارضة للاتصالات مع النظام إلا أن المسؤول اعترف بأن إدارة بايدن لن تعمل بنشاط بعد الآن لمنع الدول من التعامل مع الأسد، إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد.
وتطرق الكاتب إلى صفقة نقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، “مما سيؤدي بالتأكيد إلى مدفوعات نقدية للأسد، معلقاً بأنه وبدلاً من افشال الصفقة، نصحت إدارة بايدن الدول المشاركة بأنه يمكنها تجنب العقوبات عن طريق تمويل الصفقة من خلال البنك الدولي، مما يعزز بشكل أساسي ثغرة في القانون الأميركي”.
وقال المقال إن صفقة الغاز المصري عبر سوريا تُظهر بوضوح النهج الجديد للولايات المتحدة الذي تعارض فيه الولايات المتحدة التطبيع مع سوريا في العلن لكنها تسمح به في السر، كان ذلك واضحاً في الأسابيع التي تلت اجتماع بايدن وعبد الله في البيت الأبيض.
ضوء أخضر أميركي
ومن مظاهر السياسة الأميركية الجديدة اجتماعات وفد النظام السوري مع بعض القادة العرب، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد تلك الاجتماعات تعهد وزير الخارجية المصرية بسامح شكري بالمساعدة في “استعادة مكانة سوريا في العالم العربي”.
ويبرر مؤيدو التطبيع مع سوريا بأن 10 سنوات من العزلة والضغط على الأسد لم تسفر عن أي تقدم في التسوية السياسية، بينما أدت العقوبات إلى تفاقم معاناة السوريين. كما يجادلون بأن الانخراط العربي يمكن أن يضعف القوة الإيرانية في سوريا.
وذكر الكاتب بأن كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط بريت ماكغورك قال خلال مقال عام 2019، إن “الولايات المتحدة يجب أن تكف عن معارضة الجهود التي يبذلها شركاؤها العرب لتطبيع العلاقات مع الأسد”. وكتب كذلك أن “على الولايات المتحدة تشجيع شركائها داخل سوريا، مثل قوات سوريا الديمقراطية، على إبرام اتفاق مع الأسد حتى تتمكن القوات الأميركية من المغادرة ويمكن لروسيا والحكومة السورية تولي المسؤولية هناك”.
وبحسب روغن فإن المشكلة الأساسية في هذا النهج هي أن نظام الأسد وروسيا انتهكا كل الصفقات المبرمة مع المعارضة المحلية، مما يعرضها لقسوة ومعاناة جديدة، وستكون النتيجة على المدى الطويل المزيد من التطرف واللاجئين وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
واعتبر الكاتب أن الأمل الوحيد في تحقيق سلام واستقرار وعدالة حقيقية في سوريا هو أن تعاود الولايات المتحدة الانخراط دبلوماسياً وتعمل على إحياء العملية السياسية الدولية وقيادتها. في هذه الأثناء، يجب على الولايات المتحدة أن تساعد في تحسين حياة السوريين الذين يعيشون خارج سيطرة حكومة الأسد، بدلاً من نصحهم بعقد اتفاقات معها، معتبراً أن التطبيع مع النظام السوري لن ينهي الحرب، وغض النظر الأميركي عن ذلك هو استراتيجية مفلسة أخلاقياً واستراتيجياً.
—————————
في اضطراب السياسة التركية في سوريا/ ماجد كيالي
بدت السياسة التركية إزاء الصراع السوري، منذ بدايته، حائرة، ومحيّرة، بمعنى أنها اتسمت بالاضطراب، إذ لم تنبنِ على مبادئ عليا معينة، لا على ثوابت سياسية أو أيديولوجية كما يتخيّلها البعض، ولا على مصالح محددة للدولة التركية، كما يعتقد بعض آخر.
المعنى من ذلك أن تركيا، في عهد أردوغان، لا تتصرف إزاء السوريين، كجمعية خيرية، ولا كداعية أيديولوجية، وإنما هي تتصرف وفقاً لمصالح الجهة المهيمنة في حزب “العدالة والتنمية” الذي لم يبقَ هو ذاته، بعد كل التغيرات التي تعرض لها.
في البداية طالبت تركيا النظام السوري الذي كانت تربطها به علاقات متميزة بالاستجابة لمطالب الشارع السوري، للحؤول دون انفجار الصراع، ثم تحولت نحو دعم المعارضة السورية المطالبة برحيله، ثم ذهبت الى حد تشجيع تلك المعارضة على التحول نحو مسارات العسكرة والأسلمة.
بيد أن تركيا تلك وجدت نفسها في مرحلة تالية، لا سيما بعد التدخل العسكري الروسي (أيلول/ سبتمبر 2015)، غير قادرة على إنفاذ سياساتها، بوجود طرفين قويين على الأرض هما إيران وروسيا، خصوصاً بحكم لا مبالاة الولايات المتحدة، فتحولت نحو سياسات أخرى قوامها الحفاظ على منطقة نفوذ لها في شمال وشمال غربي سوريا (لا سيما إدلب وما حولها)، مقابل الانخراط في مساري آستانة وسوتشي، واتفاقات “المناطق المنخفضة التصعيد”، بالشراكة مع حليفي النظام، أي إيران وروسيا، الأمر الذي تمخض عن انحسار المعارضة (سياسياً وعسكرياً)، واستعادة النظام سيطرته على معظم الأراضي التي كانت خرجت عنه، خلا المناطق في الشمال التي تخضع للنفوذ التركي (وباستثناء منطقة شرق الفرات التي تخضع للنفوذ الأميركي مع قوات سورية الديموقراطية “قسد” الكردية).
الآن، وفي ظل التفاهمات بين روسيا بوتين وتركيا أردوغان، فإن السياسة التركية إزاء سوريا تشهد تحولاً آخر، قوامه طي صفحة الصراع المسلح في سوريا، والتحول نحو فرض منطقة نفوذ لها في الجغرافيا السورية، ومن مدخل كونها دولة جوار، وعلى أساس الدفاع عما تسميه أمنها القومي في مواجهة طموح قوات “قسد” (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي/الكردي في سوريا التابعة لحزب العمال الكردستاني / التركي).
المشكلة أن هذا المسعى التركي يفتقد حاضنة إقليمية، كما يفتقد حاضنة دولية، ما يفيد بأن احتمال نجاحه ضعيف جداً، لأنه يفترض قبولاً روسياً به، في حين أن روسيا تتصرف بواقع معرفتها بمأزق تركيا، أي ضعف أوراقها في المسألة السورية، ما يفسر الضغط الروسي السياسي والعسكري الرامي الى تحجيم المطالب التركية.
ثمة مصالح سياسية واقتصادية كبيرة أضحت تربط الدولتين التركية والروسية ببعضهما بعضاً، مع سيل الغاز الروسي الى أوروبا عبر تركيا، ومع صفحة صواريخ الدفاع الجوي، وملايين السياح الروس في تركيا، والتبادلات التجارية، يضاف الى ذلك تبرم تركيا من سياسات أوروبا والولايات المتحدة المستخفة بها، وضمنها دعمهما قوات “قسد”، وعطفهما على المطالب القومية للكرد.
على ذلك، فإن كل المؤشرات تجعل تركيا أكثر استعداداً لمواءمة سياساتها السورية مع سياسات موسكو، وعلى الأقل فهذا ما شهدناه طوال الفترة الماضية، ما يعني أن روسيا أهم لتركيا من إدلب، وبما يفيد بأن تركيا لن تصارع على نفوذها في إدلب، إلا لأغراض أقل، ضمنها موافقة روسيا على احتفاظ تركيا بمناطق نفوذ لها في الشمال السوري للحؤول دون إقامة الأكراد مناطق نفوذ لهم؛ ونقطة.
لن يعني ذلك، بالطبع، أن تركيا ستتخفف من مكانتها في حلف “الناتو”، أو من علاقاتها مع الغرب (الأوروبي والأميركي)، لأنها تدرك أنها، على المدى البعيد، ستظل في مكانة قلقة إزاء “الشريك” الروسي الشره، سواء بحكم التاريخ، أم الجغرافيا، أم الديموغرافيا، أم المصالح المتبدلة، لا سيما أن الأمر يتعلق بمنطقة مفتوحة على تغيرات واضطرابات، سواء في المشرق العربي أم في منطقة آسيا الصغرى، وما يجري اليوم من توترات وتجاذبات إقليمية إزاء أذربيجان يؤشر الى ذلك.
ستبقى تركيا حائرة ومحيرة في خياراتها الخارجية طالما ظلت حيرى في خياراتها الداخلية، أو ما دامت أسيرة توهمات ساستها.
النهار العربي
————————–
حسابات الحقل الروسي والبيدر الأمريكي سورياً/ أسامة آغي
يعتقد كثير من متابعي الموقف السياسي للإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة تضع ملف الصراع في سوريا في خانة الاهتمامات الأمريكية الأقل أهمية، وهذا موقف غير صحيح، والدليل على ذلك ماذا يفعل جنود أمريكيون في منطقة الجزيرة والفرات؟ من الذي أتى بهم؟ من استدعاهم للتدخل؟.
إن حجة محاربة داعش دفعت الأمريكيين لحشر أنفهم في فبركة أجادوا استخدامها، فهم لعبوا إلى جانب قوى دولية أخرى باختراع داعش التي يمكن توظيفها لشغل موقع في الصراع السوري، وهذا موقف واهتمام، ولعل دعمهم لحزب PYD التابع لحزب العمال الكردستاني التركي لا يتمثل جديا” بهذا الأمر بقدر تشغيل هذه الحالة لمحاولة إرباك تركيا الناهضة بقوة اقتصادية وعسكرية عن التقدم بتنميتها الواضحة.
الأمريكيون يريدون التحكم بمفاصل تطور الاقتصادات العالمية وهذا ما يسعون إليه في محاولتهم لخلق حصار مسبق حول الصين والكتلة الآسيوية، لهذا هم يقدمون جوائز ترضية للروس والإيرانيين لمنعهما من الانضمام لتحالف مع العملاق الصيني.
ولكن هذه السياسة الأمريكية مع حلفها الإنكلوسكسوني بريطانيا وأستراليا هي سياسة صائبة بالمعنى الاستراتيجي؟
يبدو أن هذه السياسة ستكون لها منعكسات على المجموعة الأوربية وعلى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وتحديداً في مجموعة دول الشرق الأوسط، فهناك تغيير في بنى العلاقات وأهميتها بين هذه المجموعات، تحدده أولوية مصالح الولايات الاستراتيجية، ولكن مع هذا التغير ستنشأ شروط وظروف جديدة لتوازنات تنشدها دول أوربا والشرق الأوسط، وهذه قد تشكل عوامل إضعاف للاستراتيجية الأمريكية، تكون الأخيرة قد أهملتها في حساباتها.
إذاً، السياسة الأمريكية تنوس بين إشغال تركيا عن تنميتها، وبين رمي قطع حلوى لإيران وروسيا لمنعهما من الالتحاق بالعملاق الصيني، هذا في الشرق الأوسط، مع انسحاب تدريجي عن حماية أوروبا.
إن الأمريكيين الذين يلجون عالم الرأسمال الأكثر توحشاً ويحاولون السيطرة على حركة التطور والتنمية في العالم سيكونون بلا شك أحد ضحاياه، وإن شعوب العالم لن تدعهم يلعبون بمستقبلها ومصائرها.
————————
========================
تحديث 11 تشرين الأول 2021
————————-
تحليل-العرب يخففون عزلة الأسد.. واهتمام أمريكا في اتجاه آخر
من مها الدهان
رغم أن الغرب لا يزال يتحاشى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد ويحمله مسؤولية سنوات الحرب الأهلية القاسية العشر في بلاده، بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولا تعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن العلاقات مع الرئيس السوري بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية.
وقد أسفرت انتخابات شهدتها سوريا في مايو أيار الماضي عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين، لكن هذا لم يفعل شيئا لإخراجه من عزلته بين الدول الغربية. غير أن قادة عربا بدأوا يتقبلون حقيقة استمرار قبضته القوية على السلطة في بلاده.
وأدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بما صاحبه من فوضى إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين، أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبلته سنوات الصراع وجائحة كوفيد-19.
26 سبتمبر، يدلي الناخبون والناخبات في سويسرا بأصواتهم على مقترح منح حقّ الزواج المدني للمثليين في اقتراع عام على المستوى الوطني.
وتلوح في الأفق أيضا اعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمّان وأبوظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد والتي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا في سوريا.
فتركيا ودعمها لفصيل من الإسلاميين السنة في أنحاء المنطقة، بما في ذلك شريط في شمال سوريا لا يزال خارج سيطرة الأسد، تمثل مصدر قلق خاص للحكام العرب الذين يجمعهم مع دمشق موقف واحد من الجماعات الإسلامية.
غير أنه في الوقت الذي بدأت تتنامى فيه العلامات على تقارب عربي مع دمشق -إذ أجرى الملك عبد الله عاهل الأردن اتصالا بالأسد هذا الشهر للمرة الأولى منذ عشر سنوات- ستظل السياسة الأمريكية عاملا مربكا.
فواشنطن تقول إنه لا تغيير في سياستها تجاه سوريا والتي تقتضي تنفيذ انتقال سياسي نص عليه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي. ولا تزال العقوبات الأمريكية التي تستهدف دمشق، والتي تم تشديدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تمثل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة.
غير أن محللين يقولون إن سوريا لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن. ويشيرون في هذا الصدد إلى تركيزه على التصدي للصين كما أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى ما يسمى قانون قيصر الذي بدأ سريانه العام الماضي بهدف زيادة الضغوط على الأسد.
وبعد أن كانت إدارة ترامب تحذر الدول العربية من التعامل مع دمشق بدأت هذه الدول تلح في التقارب معها من جديد.
وقال ديفيد ليش الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأمريكية “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما”.
ويمثل ذلك تحولا عن السنوات الأولى للصراع التي عُلقت فيها عضوية سوريا في الجامعة العربية وساندت دول من بينها السعودية والأردن والإمارات بعض الفصائل التي كانت تحارب الأسد.
* هدم الحواجز
أدى الصراع، الذي بدأ قبل عقد من الزمان وتصاعد بعد أن كان في مهده انتفاضة شعبية على حكم الأسد خلال الربيع العربي، إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح نصف سكان سوريا عن ديارهم وأرغم الملايين على اللجوء إلى دول مجاورة وأوروبا.
ولا يزال للمعارضة المناوئة للأسد موطئ قدم في الشمال بدعم من تركيا بينما تسيطر قوات بقيادة أكراد سوريا على الشرق والشمال الشرقي وتدعمها الولايات المتحدة.
ورغم أن الصراع لا يزال غير محسوم، فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية بفضل روسيا وإيران اللتين كانتا أكثر التزاما ببقائه من التزام واشنطن بعزله، حتى عندما تم إطلاق أسلحة كيماوية على مناطق المعارضة.
وقاد الأردن مسيرة التحول في السياسة العربية في وقت يعاني فيه من ضعف اقتصادي واهتزاز في العلاقات مع السعودية.
وأعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة في الشهر الماضي وكانت عمّان هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا بموافقة أمريكية فيما يبدو.
وقال المحلل السياسي سميح المعايطة الوزير الأردني السابق لتلفزيون المملكة التابع للدولة “عندما يكسر الأردن الحواجز ويقيم علاقات وبهذه الوتيرة فإن دولا أخرى ستحذو حذوه”.
كان المعبر الحدودي بين البلدين طريقا تقطعه مئات الشاحنات كل يوم لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا ومنطقة الخليج. وسيكون إحياء حركة التجارة دفعة اقتصادية للأردن وسوريا التي يعاني اقتصادها من أزمة عميقة. كما أن ذلك سيفيد لبنان الذي يعاني الآن من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
وقال جيم جيفري المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا في عهد ترامب لرويترز “أنا واثق تمام الثقة أن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم”.
هذا المحتوى تم نشره يوم 11 أكتوبر 2021 يوليو, 11 أكتوبر 2021 في كل عام، تتدفق مئات المليارات من الدولارات من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، بما يتجاوز التدفق في الاتجاه المعاكس. فيما يلي شرح للظاهرة.
وأضاف “يتردد كلام كثير بين وسائل الإعلام وأصدقاء في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات بهمة ونشاط على الأسد بموجب قانون قيصر أو غيره”.
وانعكس هذا الجو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي حيث التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وفي معرض إكسبو 2020 دبي حيث بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين.
* السعودية تتردد لكنها ربما تكون التالية
قال غسان عباس سفير سوريا لدى الإمارات لرويترز في الجناح السوري بمعرض إكسبو 2020 والذي أقيم تحت شعار (معا المستقبل لنا) إن الإمارات دعت سوريا للمشاركة في المعرض رغم محاولات “لشيطنة” الحكومة السورية.
وأضاف “جرت في السنوات العشر ونصف الماضية محاولات كثيرة لشيطنة الحكومة السورية. لكن هناك دولا مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ظلت مصرة على التعامل معنا من باب أننا من ضمن الدول المعترف بها في الأمم المتحدة. وعلى هذا الأساس تم اتخاذ الموقف لتوجيه دعوة إلى سوريا.
“نعتقد أن أهم نافذة يعطيها إكسبو هي نافذة أمل لكل السوريين بأن هناك شيئا ما قد تغير… نحن من خلال إكسبو ندعو كل دول العالم لكي تساعدنا بإعادة إعمار البلد وأن تكون هناك صيغ لنتفاهم بها على أساس الحوار، المحبة، واحترام سيادة الدول.. لا أن نفرض عليهم صيغا قد لا تكون مقبولة لشعب أو آخر”.
وأضاف “هل هناك مقاربة جديدة للتعامل مع سوريا؟ نعم”.
وقال آرون ستاين مدير البحوث بمعهد أبحاث السياسة الخارجية إن إدارة بايدن “ليست مهتمة باستهلاك رصيد دبلوماسي في منع حكومات بالمنطقة من القيام بما تعتقد أنه الأفضل فيما يتعلق بالنظام”.
وأضاف أن السياسة الأمريكية في سوريا تركز الآن على محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعلى المساعدات الإنسانية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “ما لم نفعله ولن نفعله هو إبداء أي دعم لجهود التطبيع أو رد الاعتبار للدكتاتور الغاشم بشار الأسد أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا في معارضة إعادة إعمار سوريا إلى أن يحدث تقدم لا رجعة فيه صوب حل سياسي”.
وفي حين يسعى كثيرون من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لعلاقات جديدة مع دمشق لا تزال السعودية تبدي ترددا.
قال جوشوا لانديس المتخصص في الشأن السوري بجامعة أوكلاهوما “الجهد الكبير هو جمع السعودية وسوريا في شكل ما من أشكال المصالحة. وأعتقد أن السعودية ستغير رأيها وأنهم ينتظرون الولايات المتحدة فحسب”.
(شارك في التغطية سليمان الخالدي من عمان وإيدن لويس من القاهرة وغيداء غنطوس من دبي وحميرة باموق من واشنطن وتوم بيري وليلي بسام من بيروت – إعداد منير البويطي للنشرة العربية – تحرير أمل أبو السعود)
رويتر
————————–
عن سوريا وحربها وحياة كانت تُبنى بنفس طويل/ رستم محمود
“بهذا المعنى، فإن السوريين لم يعودوا يخشون الحرب وأحداثها، بل صاروا فاقدين تماماً لأية ثقة ببلادهم نفسها”
في مشهد عمومي، يشبه حكايات ومرويات ومسببات “الهجرات العُظمى”، التي تعرضها بعض الأفلام الوثائقية لعالم الحيوان، يكاد كُل السوريين مُطلقاً أن يكونوا أناساً مهيئين وباحثين وساعين للجوء والنزوح والهجرة ومغادرة بلادهم.
سواء الذين يتعرضون لخطر جسدي وحياتي مادي مباشر من الحرب الدائرة في بلادهم، أو كانوا من الذين يعيشون سلاماً وأماناً نسبياً عن ذلك، في الأماكن التي لا تشهد مواجهات عسكرية، وحتى تلك التي لم تشهد أحداثاً أمنية قط. إذ ثمة ما يشبه “الوباء النفسي”، أساسه اضمحلال أية ثقة بالقدرة والقابلية لبناء شكل ما للحياة، المُستقرة والمُستدامة وذات مضمون.
في أزمنة سابقة، لم تكن ظروف وشروط الحياة سهلة في سوريا. فطوال أكثر من نصف قرن مضى، كانت سوريا دولة شمولية الحُكم، تهدر فيها الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية كرامات الناس وحقوقهم البديهية.
كذلك كان المُجتمع السوري فقيراً بأغلبيته المُطلقة، ومستويات الخدمات العامة متدهورة للغاية. ومع كل ذلك، لم تكن نسبة الباحثين عن الفرار الناجز بهذا العدد الكُلي، ولا كان السوريون فاقدين لحس الولاء والوفاء والارتباط ببلادهم وتفاصيلها وأنماط عيشها ومجتمعها وخصوصياتها التي كانت.
بهذا المعنى، فإن السوريين لم يعودوا يخشون الحرب وأحداثها، بل صاروا فاقدين تماماً لأية ثقة ببلادهم نفسها، بلعبة ومنطق ومسار الحياة داخلها، راهناً وفي أي مُستقبل منظور، أياً كانت النتائج والتحولات السياسية التي قد تحدث في ذلك المستقبل.
فهذه الحرب السورية التي طالت للغاية، وصارت دون أي أفق، وحطمت الفروق القيمية والسياسية والأخلاقية بين المُتصارعين، إنما دخلت مرحلة من العدمية المتقادمة بالنسبة لأغلبية واضحة من السوريين هؤلاء، معارضين ومؤيدين ومحايدين، وصاروا يعتبرون أن الفرار من هذه العدمية هو الحل الوحيد المُمكن، دون أي تصور وسياق آخر متخيل للحياة.
طوال عقود كثيرة سبقت الحرب، وبالرغم من ظروف الحياة التي كان يعيشها السوريون هؤلاء، فإن أغلبية واضحة منهم كانت تملك مخيلة ووعياً لسياقات الحياة المستقبلية، وضمن البلاد.
فمئات الآلاف من العُمال الفقراء مثلاً، كانوا يسعون جاهدين لأن يُرسلوا أولادهم إلى المدارس، لينالوا تعليماً جيداً ووظائف حكومية أو خاصة، تُزيد من مداخيلهم المالية ومواقعهم في السلم الاجتماعي، ليتمكنوا في مرحلة لاحقة من تغيير أوضاعهم البائسة.
كذلك كان الملايين من الفلاحين الأكثر بساطة وهامشية، يعملون ليل نهار، وحتى في أكثر المناطق الزراعية قسوة وتصحراً في البلاد صعوبة، فقط ليستأجروا بيوتاً لأبنائهم في البلدات والمُدن البعيدة، ويؤمنوا لهم مصاريف شهرية، ليكملوا تعليمهم أو أعمالهم، ويستطيعوا تغيير أنماط حياتهم وأنواع مهنهم.
أكثر الطبقات الاجتماعية السورية هذه بساطة، وأقلها حداثة واطلاعاً، كانت متمركزة حول وعي شديد العُمق، يملك رؤية وبرنامج عمل تاريخي، يكاد أن يفوق برامج الحكومات العالمية من حيث تفاصيله ومداه. كان السوريون كذلك لأنهم كانوا مجتمع عمل كبير، ولأن سوريا كانت كياناً مستقراً نسبياً، السياسة فيه مفصومة نوعاً ما عن المُجتمع، الذي كان ملتهياً وموالياً لنفسه.
مثل العمال والفلاحين، كان المعلمون وموظفو الدولة والعاملون في اقتصاد الظل، كان الملايين من السوريين هؤلاء يشيدون ظروف حيواتهم ببطء شديد، ربما تمتد لثلاثة أو أربعة أجيال كاملة، يضيف كل واحد منها شيئاً يسيراً لما حققه الآباء والأجداد. يشترون بيوتاً بالتقسيط الطويل، يشترك العشرات منهم في مشروع واحد صغير، يعمل أربعة أو خمسة أفراد من عائلة واحدة لإتمام مشروع زواج أو شراء حانوت صغير لفرد سادس من العائلة. يسافر فرد من العائلة إلى إحدى دول الجوار ويرسل أكثر من نصف مدخوله الشهري لعائلته المستقرة في البلاد لتنظيم حياتها.. وهكذا.
قبل الحرب، كان السوريون في هذا السياق يُجمِعون بغالبتهم المُطلقة على تفصيلين صغيرين: يقوم الأول على تنظيم الحياة وكأن الدولة غير موجودة، أي دون انتظار أية مساهمة أو مساعدة من مؤسساتها وأدواتها وخيرها العام. على العكس تماماً، كانوا يعتبروها ثقلاً على مبادراتهم وأعمالهم ونشاطاتهم اليومية.
التفصيل الآخر كان يتعلق بالسعي والإصرار الدائم على تشييد أشكال الحياة والصعود في السلم الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي بشكل متقادم، أياً كانت درجة البطء والصعوبة التي في ذلك، لكن دائماً كان السوريون بغالبيتهم يملكون رؤية ونفساً طويلاً لما يتخيلون ويتوقعون أن تكون عليها حياتهم مستقبلاً.
حطمت الحرب كلا الديناميكيتين، فالدولة لم تعد مُجرد فاعل سلبي وثانوي في سعي الناس لبناء حياتهم، بل صار واضحاً أنها غدت غولاً ضخماً يقود البلاد مرة بعد أخرى نحو الهاوية، التي تحطم كُل ما تم بناؤه لسنوات كثيرة. كذلك صار السوريون فاقدين لرؤية ما قد تكون متسقة ومنطقية لما ستكون عليه الأمور كلها مستقبلاً.
فعلت الحرب السورية ذلك لأسباب مركبة. لأن السوريون لاحظوا يوماً بعد آخر أن هذه الحرب تستمر دون معنى ونهاية، وأن المُجتمع الدولي لا يملك أية طاقة أو قرار لوضع خطوط حُمر ما للمتصارعين.
لكن الأكثر تأثيراً وتفصيلاً على ذلك كان هذا المدى المُريع من انكشاف سوريا لصالح خارجها، فالمتصارعون السوريون أثبتوا إنهم مُجرد أدوات للقوى الإقليمية والخارجية، وتالياً فإن السوريين فقدوا مزيداً من الإحساس بخصوصية ودفء بلادهم، مثلما كانوا يملكون في سنوات سابقة، حينما كانوا يحسونها ذاتاً ملتفة على نفسها.
الحرب السورية لن تنتهي لحظة وقف إطلاق النار، بل فقط وقتما يعود السوريون إلى الثقة بحياة ما ممكنة في بلادهم، بالرغم من الصعوبات المُعاشة، تلك اللحظة التي ربما يحتاج السوريون لأجيال كثيرة كي يبلغوها.
الحرة
—————————–
كوّة في جدار العزلة/ أرميناك توكماجيان
تُنبئ وتيرج الاتصالات المتسارعة بين الأردن وسورية، بما في ذلك الاتصال الهاتفي غير المسبوق بين الرئيس بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبدالله في 3 تشرين الأول/أكتوبر، بتحوّل مهم في سياسة المملكة حيال الشأن السوري. يأتي ذلك على خلفية نأي الولايات المتحدة بنفسها عن شؤون الشرق الأوسط، ويبدو أنه يعكس قناعةً متنامية لدى بعض الدول العربية بأن الحوار مع نظام الأسد أفضل لصون مصالحها من ممارسة الضغوط السياسية عليه أو الانتظار إلى ما لا نهاية أملًا في حدوث تغيير في السلوك السوري.
تغيّرت سياسة الأردن في الملف السوري بعدما استعاد نظام الأسد سيطرته على جنوب سورية في صيف العام 2018 بمساعدة روسيا. أُنهي التمرد في الجنوب، وانتهى معه الدعم الذي كانت عمّان تُقدّمه للمتمردين. ثم حاول الأردن استئناف علاقاته الاقتصادية مع جارته الشمالية، لكن هذه المحاولات اصطدمت بعوائق عدة أبرزها القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بعزل سورية سياسيًا واقتصاديًا، والذي توقّعت من حلفائها، ومنهم الأردن، الامتثال له. ولم تكن لدى الأسد، بدوره، مصلحة في الانفتاح اقتصاديًا على عمّان من دون أن يترافق ذلك مع تقارب سياسي.
لكن أمورًا كثيرة تغيّرت منذ ذلك الحين. فقد بدا نظام الأسد بأمان حتى منتصف العام 2020، حين بدأت سورية تواجه أزمة اقتصادية عميقة بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان الذي كان بمثابة رئتها الاقتصادية، وفرض عقوبات عليها بموجب قانون قيصر، والتشريعات التي أقرتها الولايات المتحدة لمعاقبة نظام الأسد. لكن هذا الأخير لم يتزعزع، ولم يحرّك ساكنًا لتسهيل التوصل إلى حل سياسي في سورية.
وفي ضوء تعنّت الأسد وتفاقم المأزق الاقتصادي في سورية، أصبح سقوط النظام احتمالًا ممكنًا. دفع هذا السيناريو، وما قد يترتب عنه من فوضى في مختلف أنحاء البلاد، دولًا عربية عدة، وعلى رأسها الأردن، إلى تغيير موقفها من دمشق. تستند هذه النظرة الجديدة إلى إقرار ضمني بأن سياسة تغيير النظام في سورية، أو تغيير سلوكه، لم تحقّق النتائج المنشودة.
لكن التبدّل في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كان السبب الأهم وراء هذا التحوّل. فابتعاد إدارة بايدن عن المنطقة، وإدراج مناطق أخرى في رأس أولوياتها، وتساهلها النسبي تجاه سورية، وفّرت مجتمعةً سياقًا مؤاتيًا لسلوك الأردن مسارًا مغايرًا. وقد أبدى الرئيس بايدن أيضًا تساهلًا أكبر إزاء الأولويات الأردنية. وفي هذا الصدد، تحدّث الملك عبدالله، بعد لقاء جمعه مع الرئيس الأميركي في واشنطن في تموز/يوليو الماضي، عن تحوّل أساسي في التعاطي مع الملف السوري، وقال في مقابلة مع قناة سي إن إن: “إن النظام السوري باقٍ […] والدفع باتجاه الحوار بصورة منسّقة أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه”.
اتّضح أن انتظار حدوث تغيير جذري في دمشق غير مجدٍ، لا بل بدا أيضًا خيارًا خطيرًا على ضوء احتمال سقوط النظام. فكما أوضح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة أُجريت معه الشهر الفائت: “لا يمكن الاستمرار في مقاربات أثبتت عدم جدواها. نحن في المنطقة من يدفع ثمن استمرار الأزمة السورية”
ما استُخدم سابقًا من مقاربات لم يوفّر حلولًا لأولويات الأردن الأساسية حيال الملف السوري، وهي تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في جنوب سورية، وإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية، ومكافحة تهريب المخدرات، ومعالجة مسألة وجود قوات إيرانية وأخرى موالية لإيران في المنطقة الحدودية الأردنية السورية. صحيحٌ أن تطبيع العلاقات بين الأردن ونظام الأسد لن يقدّم حلًّا سحريًا لكل هذه القضايا الشائكة، لكنه يبقى خيارًا أفضل للأردنيين لسببٍ واحد على الأقل.
ويتمثّل هذا السبب في أن أهمية انخراط الأردن مع سورية يمكن أن تشكّل ورقة ضغط على دمشق لدفعها إلى مراعاة بعض المصالح والمخاوف الأردنية الرئيسة. ويبدو الأسد حريصًا على العودة إلى كنف الدول العربية لاستعادة الشرعية وتمهيد الطريق أمام تطبيع علاقاته مع سائر دول المنطقة، ما قد يفسح بدوره المجال أمام رفع العقوبات الغربية عن سورية، وربما الحصول على تمويل عربي لإعادة إعمار البلاد.
يُعتبر الأردن على خط المواجهة مع سورية، لكن الخطوات التي يتخذها الآن تعكس قرارًا عربيًا أوسع نطاقًا بإعادة الانخراط مع الأسد، وقناعةً متنامية بأن ذلك قد يعود بفوائد ملموسة. لكن الدول العربية لم تتوصّل إلى موقف موحّد حيال هذه المسألة، إذ صرّح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مؤخرًا بأنه لم يلمس حتى الآن وجود توافق عربي حول عودة سورية إلى الجامعة العربية. مع ذلك، يبدو أن الكفة ترجح للجهات الداعمة لإعادة إحياء العلاقات مع سورية، كما بدا جليًا في الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فقد كانت تلك المرة الأولى منذ عقد من الزمن التي يلتقي فيها عشرة وزراء خارجية عرب، بمن فيهم وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والعراق، بوزير الخارجية السوري.
في الواقع، سيشكّل التقارب السوري الأردني سابقةً تحتذي بها دول عربية أخرى، ناهيك عن دول من خارج المنطقة. ويبقى أن ننتظر لنرى إلى أي مدى سيكون الأسد مستعدًا، أو قادرًا، على تقديم التنازلات مقابل الحصول على الشرعية وإعادة دمج سورية في فلك الدول العربية. لكن الأكيد أن النظام السوري تمكّن من فتح كوّة في جدار عزلته السياسية، حين عمد إلى إحياء علاقاته مع الأردن بالتزامن مع قرار الولايات المتحدة أن تشيح بنظرها عن منطقة الشرق الأوسط.
——————————-
بلومبيرغ: حلفاء أمريكا يتقاربون مع الأسد وبايدن لا يتحرك/ إبراهيم درويش
كتب المعلق إيلي ليك مقالا في موقع “بلومبيرغ” قال فيه إن “حلفاء أمريكا العرب يتقربون من ديكتاتور سوريا” مطالبا الرئيس جوزيف بايدن بأن يكون واضحا في موقفه وأن أي محاولة تطبيع للعلاقات مع بشار الأسد ستحمل تداعيات على المطبعين.
وقال ليك إن الملك عبد الله الثاني كان موضوع الأخبار في الأسبوع الماضي عندما تلقى مكالمة من الأسد. وكان هذا هو أول اتصال بين الملك والرئيس منذ عقد أو يزيد، وبعد اندلاع الحرب الأهلية السورية. وكان جزءا من تحركات أخرى مع دمشق. فمنذ عام 2018 بدأت دول عربية، دعمت مرة المعارضة المسلحة ضد الأسد محاولات لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.
ومنذ وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، زادت هذه الجهود. وفي الشهر الماضي التقى وزيرا الخارجية السوري والمصري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر. وفي الأسبوع الماضي التقى وزيرا التجارة من سوريا والإمارات لمناقشة كيفية توسيع العلاقات الاقتصادية. ويقول ليك إن هذه أخبار سيئة للشعب السوري، فالأسد هو ديكتاتور ضرب المدنيين بالغاز وعذب معارضيه السياسيين، ولم يعد الآن منبوذا من جيرانه. وتم غسل لطخات الوحشية التي قام بها.
ويعتبر هذا نكسة للمصالح الأمريكية، فمنذ الفترة الثانية من ولاية باراك أوباما، كان هدف الولايات المتحدة هو حرمانه من النصر الكامل في الحرب الأهلية. ولهذا السبب دعم أوباما والرئيس السابق دونالد ترامب العقوبات على نظام الأسد والعملية التي رعتها الأمم المتحدة لخلق قيادة انتقالية لسوريا. وربط الاعتراف الدبلوماسي بالحكومة السورية بنتائج العملية. ولن تؤدي جهود تطبيع الأردنيين والمصريين والإماراتيين العلاقات مع سوريا إلا لجرأة الأسد وبقية الطغاة.
وعليه فمن المفيد طرح هذا السؤال: ماذا تفعل إدارة بايدن، إن كانت تعمل شيئا، بشأن ذوبان الجليد في العلاقات بين الأسد وحلفاء أمريكا العرب؟ ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تحافظ على سياستها بعدم الاعتراف بحكومة الأسد. وأخبر مسؤول في وزارة الخارجية الكاتب مع عدد من الصحافيين أن الولايات المتحدة لا تخطط لرفع مستوى العلاقات مع سوريا وأن الولايات المتحدة “لا تشجع الآخرين لعمل هذا، في ظل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري”.
كل هذا جيد طالما بقي الوضع كما هو، ولكن لا أحد من المسؤولين الأمريكيين انتقد علنا مكالمة الملك عبد الله أو أي ملامح للتقارب العربي الأخيرة مع دمشق و”لم يخبرني أحد أن مسؤولا أمريكيا حذر الحلفاء العرب من أن زيادة الاتصالات الدبلوماسية قد تكون خرقا للتشريع الأمريكي الذي فرض عقوبات على سوريا بسبب جرائم الحرب بمن في ذلك الأسد” كما يقول ليك. وبدءا من حزيران/يونيو 2020 بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على عدد من المسؤولين السوريين بناء على التشريع أو قانون قيصر. وفي ظل إدارة بايدن لم تقم الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة.
وعلق ديفيد شينكر الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة دونالد ترامب: “من السذاجة التفكير أن يكون إعلان ملك الأردن عن مكالمته مع الأسد لو اعترض بايدن أو إدارته على هذا التواصل”. ويتلقى الأردن 1.5 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة كمساعدات عسكرية واقتصادية. وقال شينكر إنه حذر محاوريه بأن الاعتراف الكامل بنظام الأسد يعد اختراقا لقرار مجلس الأمن وقد يؤدي إلى عقوبات أمريكية ضد سوريا. وقال ليك إن قادة المعارضة السورية محبطون من إدارة بايدن.
وقال معاذ مصطفى من قوة المهام الخاصة الطارئة لسوريا “تلقينا انطباعا أنه لن يتم تجاهل سوريا” و”أقل ما يمكن عمله هو جعل تطبيع العلاقات مع نظام إبادي إجرامي صعبا جدا”. ويرى الكاتب أن تطبيع العلاقات مع الأسد، إن لم تكن سوريا يبدو سهلا للملك عبد الله. ولم يكلفه انفتاحه على الزعيم السوري أي شيء من حليفه المهم. ومثلما قال الملك عبد الله لشبكة “سي أن أن” فـ “النظام موجود هنا ليبقى”. ويبدو أن بايدن يوافق على هذا مع أن دبلوماسيي إدارته لا يفصحون عن هذا.
القدس العربي
————————
في سوريا… بأي بلد يفاخرون؟/ عبد الكريم البليخ
هل نحن بحاجة للعودة إلى سوريا، التي تظل لها أفضالها علينا، نحن أبناءها الذين ولدنا على أرضها الطيّبة، وهذا لا يمكن أن ننكره أو نتجاوزه لأنه مرسوم في وجدان وقلب كل واحد منا، نحن الذين ننتمي إليها كوطن نشأنا وترعرعنا في كنفه؟ إلّا أنّ السؤال الذي يُلحّ، هل بالإمكان العيش خارج سوريا، بعيدين عن أسوارها؟ العيش في بلاد جديدة، ومع أناس جدد، يختلفون كلياً عن طباعنا، ومعتقداتنا، وتاريخنا المشترك، كما يدّعي دعاة الوحدة والحرية والاشتراكية، و»يَبيضُون» علينا بكلمات رنّانة ومزخرفة؟
نعم. يمكن ذلك، لمَ لا…
أعتقد جازماً أن الأغلبية، ولمن سنحت لهم فرصة الهروب من سوريا، ونحن منهم، واللحاق بالدول الأوروبية، وتحت أي مسمّى فإنّه فضّل البقاء فيها ولم يعد الوطن كوطن يعني بالنسبة له سوى الاسم.
الغربة التي كانت مجرد حلم وردي راود أحلام الشباب تحوّلت إلى واقع معاش، ولم تعد تؤرّق يومهم، كما يظن البعض، ولن نقول إنهم عاشوها بقسوة، لا أبداً.. تلك الأيام التي قضوها، وما زالت تظللهم، كانت من أجمل الأيام التي عاشها اللاجئون السوريون وغيرهم في البلاد التي احتضنتهم، فكانت أفضل بكثير مما كان متوقعاً، ومن أجمل الأيام التي عاشوها، وما زالوا إلى اليوم. أفضال البلاد التي أوت نزوحهم وتشردهم وغربتهم وإفلاسهم كثيرة، ولا يمكن أن ينسوها أو يتناسوها يوماً، بل إنها زرعت فيهم بهجة الحياة، وقدمت مجتمعةً الشيء الكثير لهم. الخدمات كانت تفوق التصوّر، ناهيك من الاحترام والود وكثير ما كانوا يتأملونه أن يتوافر ذلك للكثير من أهلنا في سوريا وشعبها الطيب البسيط، الذي يُباد اليوم، وبدم بارد، من قبل قيادة مجرمة لا ضمير يؤنبها، ولا ضير من أن تزيد من الفتك بشعبها، وتقتل ما تريد ومن دون أي رادع من أحد أو مخافة من الله. وإذا ما حاولنا أن نقف لبعض الوقت، مستأنسين، وأن نقارن بين ما قدمه الوطن لأبنائه، وما قدمه الأوروبيون لهم لا يمكن أن يقاس في الواقع ولا بأي شكل من الأشكال، وهذه حقيقة قائمة لا جدال فيها. فما الجديد الذي أضافته القيادة في سوريا للمواطن السوري؟ وماذا قُدّم له؟ وهل ما قدم كان كافياً، مرضياً؟ لنكن صادقين مرةً واحدة مع أنفسنا، وبتجرّد وبعيداً عن العواطف التي لا تطعم خبزاً. وبمقارنة بسيطة، فإنّ ما وجده المواطن السوري، وما توافر له من خدمات، ودعم مادي مجزٍ لا شك في أنه كبير جداً. طبيعي، من بين الزحام، يقفز لك بعض المنتفعين من النظام السوري، ولصوصه الصغار، في وضح النهار، وممن يكسبون يوميا مئات الآلاف، بل الملايين من الليرات السورية، على حساب الناس الفقراء، سيندفع وبقوة ويبدأ بتدبيج الرد تحت أي مسمّى، ومنهم كثير لتبرير ما يمكن تبريره.
الرد، أي رد ولمجرد الرد دفاعاً عن مكتسباته وعن زمرة مجرمة خائنة لم يعرف المواطن السوري في ظلها إلّا الفقر والإهانة والذل، وفي هذه الصورة هناك الكثير ماثلين أمامنا اليوم. لهذا، أقول: علينا أن نكون منصفين، وصادقين مع أنفسنا أولاً، بعيداً عن الترّهات والعواطف السخيفة، والأقنعة البرّاقة التي لم تعد تنطلي على أحد. فالقتل هو معيار الحياة الذي تنشد.. وها هي المدن والبلدات، وحتى القرى السورية صارت تُدك بآلة القتل والدمار، ولم تثن أناسها على البقاء، متشبّثين بأرضهم رغم مرارة الحياة وعفونتها، ما دفع أمة بكاملها إلى النزوح والغربة مرغمةً. الإجرام الذي أماط اللثام عن أسرة حاقدة لا تعترف بالإنسان، وكل ما يهمها هو الحصاد. الفوز بأي شيء باستثناء الإبقاء على الإنسان مجرداً من إنسانيته.
في البلاد التي احتضنت شبابنا الفارّين من هول ما حدث، وللأسف، وما قدمته لكل الناس الذين دفعوا الغالي والرخيص لينجوا بأرواحهم مجتازين بذلك البحر بكل خسته وجبروته، واختزل الكثير من حياة أهلنا الذين كانوا ضحايا الدوّامة التي أنهكته. وأكثر ما استغربه، أنَّ الكثير من المهاجرين، وبصورةٍ خاصة، ممن لجأ إلى البلاد الأوروبية لا حديث يراود ذاكرتهم إلاّ العودة إلى الوطن، والرغبة في تجسيد ذلك، متناسياً الواقع المرير الذي يعيشه أهلنا هناك.. وحال الحرب الدائرة التي أتت على كل شيء. ما مبرر ذلك كله ما دام أنه يعرفُ حقيقة ما يحدث؟
إنها مجرد ترّهات يُشعرنا بها ذاك الذي يكثر الحديث عن الوطن، ويذرف الدموع ويتباكى عليه، ذاك الذي أرّقت الغربة مضجعه، وعلى أن الحياة لا يمكن لها أن تستمر بعيدةً عنه. هكذا يدّعون في العلن وأمام الناس، وهم في الحقيقة بعيدون كل البعد عن اللحاق بالوطن والعودة إليه، لأنهم لا يملكون مقوّمات العودة والعيش في وطن تهاوى واندثر، وفي الوقت نفسه لم يعد لدى الوطن ما يقوى أن يقدمه لأبنائه فلماذا إذن كل هذا العويل والصراخ الذي لا يغني ولا يسمن من جوع!.
هذه النداءات التي تنطق بها الألسن قبل القلوب، خاوية. إنّها مجرد أفكار ولغة ساذجة يُراد منها تظليل الآخرين واستذكار الماضي بكل آلامه ومنغصاته.
البلد دمّر، وتشرد من تشرد، وقتل من قتل، فضلاً عن الوضع المعيشي المؤسي الذي يعيشه أهله، في ظل غياب للكهرباء والخدمات، وغياب للأمن، وانتشار البطالة، والخوف من المجهول مع تفشي ظاهرة الخطف إلى السطح، وغيرها من قصص وصور مهينة. المعاناة كبيرة جداً، ولا مجال لأن نضحك على أنفسنا ونقول إنها بحاجة لوقت. الوطن غالٍ، الوطن عزيز. برأيي، الوطن يحتضر!. الوطن مات، وعلى كل من هاجر وهرب خارجه، وفرّ بجلده من الموت الزؤام، عليه أن يعيش حيث هو، في مكانه. في المكان الذي يقيم فيه ولا يفكر مجرد التفكير في العودة، والتغنّي باسم الوطن. الوطن مات. العودة صارت مستحيلة إلى وطن لن يرقى إلى أدنى دولة في العالم الرابع، وسيظل هكذا، ما دمنا نحن نعيش في دوّامة الرياء والكذب والتفكير في العودة الى حيث وطن سلب ونهب.
يقول الأديب والشاعر محمد الماغوط طيّب الله ثراه: «الانتماء كذبة اخترعها الساسة لنموت من أجلهم.. فأنا لا أؤمن بالموت من أجل الوطن.. الوطن لا يخسر أبداً، نحن الخاسرون ..وعندما يبتلى الوطن بالحرب ينادون الفقراء ليدافعوا عنه.. وعندما تنتهي الحرب ينادون الأغنياء ليتقاسموا الغنائم». الباب ما زال مفتوحاً لمن يرغب في العودة إلى سوريا ــ الوطن! فأي عودة ينشد هؤلاء المغالين في ظل واقع خدمي متردٍ هشّ ملول، تغيب فيه مقومات العيش الكريم، فضلاً عن الفقر المدقع.. وأشياء كثيرة يصعب ذكرها.. تفضلوا.. البلد ينادي أبنائه للعيش على أرضه، وبكل حرية، في بؤر من الفساد والخيانة والكذب والحاجة، وغياب أبسط مقوّمات الحياة الكريمة، ناهيك من الغلاء الفاحش، وصور مؤسية ما أنزل الله بها من سلطان. هذا هو حال البلد اليوم. هناك ممن يدافعون عن النظام المجرم، طبيعي أنه سيكون لهم رأي آخر، وهذا ليس بغريب عليهم لأنهم يظلون قريبين منه، ومستفيدين من عطاءاته، ومندسين بين صفوفه، وهم من المقيمين فيه أو الزائرين له، ومن المحال أنهم يرمون حكومتهم بحجر. وأن التفاخر والتعامي عمّا حدث، والدفاع عنها ورمينا بأخسّ العبارات هو سلاحهم وديدنهم الوحيد، وهذا ما سنقرأه في ذيل التعقيبات التي يدونها المنتفعون من النظام القاتل، النظام الفاسد والذي يصرّ على الاحتفاظ بكرسيه، فإنه إلى زوال طالت الأيام أم قصرت. ما قيمة وطن لا يقدّر أبناءه، ولا يدافع عنهم ويحميهم، ويستر عوراتهم، وينتشلهم من حالة العوز والفاقة والفقر، ويغدق عليهم ويكفيهم من خيراته؟ الوطن أكذوبة كبيرة ولدت ميتة وهي كذلك، إنّها مجرد عنوان عريض يخلو من الصدق الذي يرسمه شبيحته وما أكثرهم.
صحافي سوري
القدس العربي
—————————
“جرعة تطبيع” جعلت الأسد منتشياً يطالب ببسط نفوذه و”طرد الأغراب“
إسطنبول – تيم الحاج
يُطبّع نظام الأسد مع الأردن أو يُطبّع الأردن معه، لا فرق فالأمر بات واقعا بعد أن كان شبه مستحيل نظرا لرفع شعارات رحيل الأسد من قبل زعماء العرب كان من بينهم ملك الأردن قبل سنوات
، لكن وبعيدا عن “التطبيع الأردني” مع الأسد ثمة نشوة تجلت على بشار ومسؤوليه تُفصح عنها تصريحاتهم الأخيرة التي جاءت محمولة على رسائل تهديد واضحة ومباشرة، تُزيد من حالة البحث عن عناصر قوة قد تكون دخلت أو أُدخلت إلى جعبة الأسد الذي بات يرفع صوته عاليا مطالبا بطرد من وصفهم بـ “القوى الأجنبية”، ومؤكدا على بسط نفوذه على كامل سوريا.
قد تبدو هذه المطالبات مكررة وليست بجديدة، إلا أن ما سبق وما يوازي وما لحق إطلاقها من أحداث يستدعي الربط والتحليل والقراءة، خاصة إن كان هناك مؤشر بدأ يطل برأسه، وبدأ يرسم مشهدا لجولة عسكرية جديدة في ميدانين شمال سوريا واحد بشرقها وآخر بغربها.
لا شك أن لقاء بشار الأسد بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين منتصف أيلول الماضي، لم يكن عابرا بل يبدو أنه كان بداية مرحلة جديدة في سوريا، فبعد هذا اللقاء المفاجئ إعلاميا، المخطط له جيد بالغرف المغلقة، برزت عدة متغيرات على الساحة، لعل على رأسها اتصال ملك الأردن، عبد الله الثاني ببشار، وعودة رفعت الأسد إلى سوريا بصفقة قيل إن فرنسا وروسيا رعتها.
وقد أكد في وقت سابق وزير خارجية النظام، فيصل مقداد أهمية هذا اللقاء لصحيفة “الوطن” الموالية، واصفا إياها بـ “أهم زيارة يجريها الأسد لموسكو”.
وخلال اللقاء، بدا واضحا أن بوتين شحن الأسد معنويا ووصل به الأمر إلى إيراد معلومة خاطئة عن المساحة التي تسيطر عليها قوات النظام حينما قال إنها تصل إلى 90 بالمئة، مبديا أسفه لوجود ما وصفها بـ “جيوب مقاومة للإرهابيين”، وقال “المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية”.
وتلقفت على الفور وسائل إعلام تركية حديث بوتين عن القوات الأجنبية وشرعيتها، خاصة وأن هذا اللقاء جاء قبل نحو 15 يوما من قمة جمعت بوتين والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في سوتشي، وقد علّق الكاتب التركي محرم صري كايا في صحيفة “خبر تورك”، على تصريح بوتين بالقول “التصعيد الذي تضاعف في المنطقة كان واضحاً منه التصعيد المستقبلي في إدلب”.
ولفت إلى أنّ لقاءات بوتين السابقة مع الأسد تبعتها عمليات تصعيد لاحقاً، في إشارة إلى احتمال اندلاع معركة في إدلب، هذا الاحتمال الذي يبدو وفق وكالة “بلومبيرغ” التي نقلت بعد أيام من لقاء بوتين بالأسد عن مسؤولين أتراك (فضلوا عدم كشف هوياتهم) أنه قائم، فقد كشف المسؤولون أن الحكومة التركية تخشى أن تؤدي محاولة قوات الأسد المدعومة من روسيا للتحرك على معقل المعارضة في إدلب إلى تدفق المزيد من اللاجئين نحو الحدود التركية.
وأشارت الوكالة إلى أنه على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى حصول هجوم شامل، فإن تصاعد الهجمات التي تشنها الطائرات الحربية الروسية وقوات الأسد على مناطق إدلب قد جذب انتباه المسؤولين الأتراك.
ولم تبدد قمة بوتين أردوغان في 29 من أيلول الماضي، المخاوف لدى سكان إدلب من حصول عمل عسكري قد يرهقهم ويدفعهم للعودة إلى قافلات النزوح والتهجير.
فلقاء الرجلين الذي استغرق ساعتين و45 دقيقة، لم يسفر عن مؤتمر صحفي مشترك، فقط اكتفى بالإشارة إلى أنه كان “مثمرا”.
اصطياد بالمياه العكرة
وفق المعطيات الحالية يبدو أن بشار الأسد اختار الاستفادة من التناقضات الحالية بين حلفاء “أستانا” (تركيا، روسيا، إيران)، مع حديث لوزير خارجيته، فيصل المقداد عن “تغيير الدول الغربية مواقفها تجاه النظام”.
الأسد بدأ يعزف على وتر التضاد الطارئ بين روسيا وتركيا الذي ظاهره في سوريا ومرده إلى تعقد بعض الملفات بينهما خارج الحدود السورية كأوكرانيا على سبيل المثال التي تعتبر من الملفات المعقدة بين أنقرة وموسكو هذه الأخيرة التي تخشى من التمدد التركي في كييف وجرها إلى حلف الناتو، كما تبدي (روسيا) قلقها من شراء أوكرانيا للطائرات التركية المسيرة ولقيام جنود أتراك بتدريب نظرائهم الأوكرانيين عليها.
وبالعودة إلى سوريا، فإن الأسد يُطلق تصريحاته ذات السقف العالي بخصوص السيطرة والهيمنة، بالتزامن مع ارتفاع صوت هدير الطائرات الروسية شمال غربي سوريا، فمنذ نحو شهر تقريبا والطائرات الروسيّة ومدافع قوات النظام تواصل قصف منطقة إدلب والأرياف المتصلة بها من محافظات حلب وحماة واللاذقية، مع حديث وسائل إعلام موالية عن “معركة وشيكة” في إدلب.
وسبق وأن أفادت وسائل موالية للنظام، بأن الأخير أرسل مطلع تشرين الأول الحالي، تعزيزات عسكرية ضخمة إلى مناطق التماس مع الفصائل العسكرية في منطقة إدلب، حتى أن وكالة “سبوتنيك” الروسيّة نقلت عن “مصدر ميداني في النظام”، أنّ “قوات النظام أرسلت تعزيزات عسكرية ونوعية إلى جبهات ومحاور ريف إدلب الجنوبي”، مضيفا أنّ التعزيزات شملت دبابات ومدرّعات وآليات عسكرية وعناصر وفرق اقتحام ومعدّات لوجستية”.
وهذه التعزيزات وفق مراقبين، تأتي ضمن خطة لرفع كامل الجاهزية على محاور الاشتباك في جبل الزاوية جنوبي إدلب، ومنطقة سهل الغاب غربي حماة، وريف اللاذقية الشمالي الشرقي،
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أطلق تهديدا يخص إدلب، في وقت سابق من هذا الشهر، مدعيا أن “الجماعات الإرهابية تواصل مهاجمة مواقع قوات النظام في منطقة خفض التصعيد بإدلب، إضافة إلى محاولاتهم التصرف ضد القوات الروسية هناك”، ورمى بالكرة إلى الجانب التركي حين طالبهم بـ “ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات بين الرئيسين الروسي والتركي لعزل الإرهابيين في إدلب”، على حدِّ تعبيره.
بعيدا عن روسيا قريبا من إيران
يستغل الأسد على ما يبدو التوتر على الحدود الإيرانية الأذرية، حيث جرت هناك مناورات عسكرية ضخمة للطرفين. مكررا (بشار) وبحزم هذه المرة مطالبة تركيا بالانسحاب من سوريا هي والقوات الأميركية، وقال هذا الكلام لوزير خارجية إيران، حسين عبد اللهيان الذي زاره مؤخرا. معتقد أن جمرا تحت رماد العلاقات الإيرانية التركية بدأ يشتعل بسبب أزمة طارئة هي الأخرى في أذربيجان التي يعتبرها المسؤولون في أنقرة من الأمة التركية.
وكان الجيش الإيراني أطلق قبل نحو أسبوعين مناورات عسكرية شمال غربي البلاد على حدود أذربيجان، بمشاركة المدفعية وألوية مدرعة وطائرات مسيّرة وأدوات حرب إلكترونية، على خلفية تصاعد التوترات بين الجارتين.
وجاءت هذه المناورات على خلفية تصاعد الخلافات بين البلدين، بعد فرض حكومة باكو تعريفات مشددة على الشاحنات التي تنقل الوقود الإيراني إلى مدينة ستيباناكيرت عاصمة جمهورية “ناغورني قره باغ” المعلنة من جانب واحد والمدعومة من أرمينيا.
لتقوم بالمقابل أذربيجان بإجراء مناورات مع تركيا تحت اسم “الأخوة المتماسكة 2021″، وهنا دخلت تركيا على خط الأزمة، وعقب ذلك شنت وسائل إعلام إيرانية إلى جانب برلمانيين حملات تشويه تستهدف تركيا وأذربيجان بشكل يتعارض مع الأخلاق الدبلوماسية وعلاقات حسن الجوار، ويتجاهل القيم السياسية والثقافية والدينية المشتركة.
تلفزيون سوريا
————————-
أميركا ومسؤولية تعويم النظام السوري/ بشير البكر
تعويم النظام السوري بات على السكة، ولن يتأخر طويلا إذا استمرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في موقفها الرخو من المسألة السورية. وسيعاد الاعتبار للنظام من قبل الأنظمة العربية التي جمدت علاقتها به 2011، حينما تتأكد هذه الأنظمة أن واشنطن لن تتخذ مواقف صارمة، تمنعها من خطوات فعلية للانفتاح والتطبيع معه. ومن المؤكد حتى الآن أن ما يحول دون التطبيع بلا حدود مع النظام هو الموقف الأميركي، والعقوبات التي تم فرضها على النظام وداعميه بموجب “قانون قيصر”. ويتضح اليوم من دون لبس أن غالبية الدول العربية، لم تجمد العلاقة مع النظام، وتقف عام 2011 مع حقوق الشعب السوري بالحرية والكرامة، بل وقفت ضد بشار الأسد، خوفا من الولايات المتحدة التي عبرت عن عدم رضاها من سلوك النظام، واستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين. ولذا نرى هؤلاء الحكام يهرولون نحو بشار الأسد، كما فعلوا تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، وهم بذلك أكثر انسجاما مع أنفسهم وقناعاتهم، لأنهم في حقيقة الأمر كانوا ضد الثورة السورية وإن لم يعلنوا ذلك، والدولة الوحيدة التي عبرت عن موقفها، هي الإمارات التي قادت الثورة المضادة في المنطقة ككل، وساعدت نظام الأسد في العامين الأخيرين كي لا ينهار اقتصاديا.
مخطئ من يظن أن أغلبية البلدان العربية لم يكن لها موقف صارم من النظام، وأنها تفتقر إلى رؤيا بعيدة المدى، بل بالعكس، كانت المواقف مدروسة بشكل جيد، وأدت الغرض المنشود، وهو عدم انتصار الثورة السورية، وإطاحة النظام، وجرى تقديم الدعم إلى العدد الأكبر من الفصائل العسكرية السورية من أجل هذا الهدف، وجرى وضع ضوابط تمنع على الثورة السورية أن تكون صاحبة قرارها المستقل، ولهذا تم تأسيس غرفتين للعمليات العسكرية، واحدة لإدارة الجبهة الجنوبية في الأردن، تحت اسم قيادة العمليات العسكرية “موك”، والثانية لإدارة بقية الجبهات في تركيا، تحت اسم مركز العمليات المشتركة “موم”، ومما جاء في نص نظام تأسيس “موك” فيما يتعلق بالعمليات العسكرية “عدم إقرار أو شن أية معركة أو عملية عسكرية إلا بموافقة من الغرفة عن طريق ممثلي الفصائل”. ومن المعروف ان هذه الغرفة كانت تدار من قبل ضباط من أميركا، فرنسا، بريطانيا، الأردن، السعودية، وقطر.
وكان واضحا تبعية الدور العربي لأميركا في الغرفتين، وبمجرد أن قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في صيف 2017 وقف برامج تمويل المعارضة، حتى توقفت غرفة عمليات “الموك”، وقد كانت كثير من التخمينات تذهب في اتجاه أن ذلك سوف يدفع دول الخليج وتحديدا السعودية إلى ملء الفراغ الأميركي، ولكن ذلك لم يحدث، وبدا أنه أراح الرياض التي كانت تدعم فصائل تنفذ أجندتها مثلها مثل بقية أطراف التمويل، التي تحكمت بقرار الثورة السورية من خلال المال. وهذا هو سبب تدهور الجبهة الجنوبية التي سقطت في صيف 2018 بالتفاهم بين روسيا والأردن، بعد إخلاء مسؤولية أميركا وبقية الأطراف.
أهم خدمة تؤديها الولايات المتحدة لروسيا، هي أن تترك الموقف العربي الرسمي يسير معها نحو تعويم النظام، وهذا مؤشر خطير، لأن هذه الخطوة قد تقود إلى خطوات أكبر، وخصوصا وأن روسيا لن تكتفي بصفقة الغاز والكهرباء للبنان، بل تريد أن يكون ذلك مدخلا للتطبيع السياسي ولإعادة الإعمار، ومن إعادة إعمار البنى التحتية الخاصة بنقل الكهرباء والغاز للبنان سوف يتم الذهاب أبعد، نحو فتح ملفات ذات طبيعة استراتيجية. وستكون النتيجة إحياء نظام الأسد عن طريق المناورة، التي تقوم بها روسيا برضى إسرائيلي عربي وإيراني، وفق خارطة طريق طرحها ملك الأردن عبد الله الثاني على الرئيسي الأميركي والروسي، من بنودها انسحاب ميليشيات إيران والقوات التركية
تلفزيون سوريا
—————————-
أنقرة – واشنطن: تعقيد المعقد/ سمير صالحة
هناك بداية سيئة جداً انطلقت في العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن عندما كان مرشحا للرئاسة أنه سيدعم المعارضة التركية لإسقاط حكم حزب العدالة، وهناك ردود تركية قالت إن زمن التدخل الأميركي في شؤون تركيا قد ولى منذ عقدين وأن القرار السيادي التركي ينبغي قبوله واحترامه.
خيبت إدارة بايدن الجديدة آمال الكثير من الحلفاء والشركاء لأنها جاءت تصعيدية حيالهم بدل أن تكون بهذا الاتجاه ضد الخصوم والأعداء. تركيا واحدة من الدول التي تعاني من مشكلة ترتيب علاقاتها مع واشنطن في هذه الآونة والسبب هو تخبط السياسة الأميركية في أكثر من بقعة جغرافية تتقاطع فيها مصالح الطرفين. ملف الأزمة السورية والعلاقات التركية الروسية بين أبرز مسائل الخلاف التي تتعقد يوما بعد آخر وكل المؤشرات تذهب باتجاه واحد نحو سيناريوهات التأزم والتصعيد.
هناك عملية إدارة ظهر تركية أميركية متبادلة منذ سنوات سببها خطوات وقرارات متباعدة في ملفات إقليمية كثيرة تقول أنقرة إنها لم تحصل على ما تريده من دعم بشأنها خصوصا في سياستها السورية وأزمة شرق المتوسط والحرب على الإرهاب، وهو ما قد يقود إلى تحول في سياسة تركيا الأميركية وترسيخ التعاون والتنسيق مع روسيا رغم كل ما يقال في صفوف المعارضة التركية حول مخاطر خطوة من هذا النوع تكون مرتبطة بعملية إعادة تموضع استراتيجي تركي إقليمي جديد والبلاد تعيش وسط بحيرة من الأزمات في الداخل والخارج.
تتحدث الأنباء عن وجود طلب تركي قدم إلى وزارة الدفاع الأميركية بهدف شراء 40 مقاتلة من طراز “إف- 16 ” ومعدات لتحديث 80 من طائرات تركيا الحربية من النوع نفسه في سلاحها الجوي. معلومات من هذا النوع كان من المفترض أن تتحول إلى فرصة للتهدئة والانفتاح لكن البيت الابيض فاجأنا في الساعات الأخيرة بقرار بايدن تمديد فترة المساعدات الأميركية إلى وحدات الحماية الكردية في شرق الفرات في إطار خطط الحرب على داعش بملايين الدولارات، جنبا إلى جنب مع قرار تمديد العقوبات المفروضة على تركيا بسبب صفقاتها مع روسيا.
بيان بايدن يقول “إن الأعمال العسكرية التركية في مناطق شمالي شرق سوريا تقوض حملة دحر تنظيم داعش الإرهابي. وتعرض المدنيين للخطر وتهدد السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، ولا تزال تشكل خطرا غير عادي واستثنائي على الأمن القومي والسياسات الخارجية للولايات المتحدة”، وهي كلها خطوات مرتبطة بما سبقها من قرارات أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية بشأن فرض عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل ديمير و3 مسؤولين فيها، نتيجة شراء منظومة إس 400 الروسية.
صحيح أن الرد الأميركي على الطلب التركي سيكون على مراحل لكنه لن يكون منفصلا عن مسألة مصير صفقة شراء أكثر من 100 طائرة “إف-35” أميركية الصنع بعد قرار إبعاد تركيا من برنامج صناعة الطائرة عام 2019. وحيث يقول أردوغان إنه على واشنطن أن تحسم موقفها إما بإعادة تركيا إلى البرنامج وإما بدفع مبلغ مليار و400 مليون دولار أنفقته أنقرة كمساهمة في المشروع. لكن الشق الأهم هنا هو إعلان الرئيس التركي أن بلاده ستؤمن احتياجاتها الدفاعية من أماكن أخرى إذا لم تساعدها واشنطن بهذا الصدد وإنها ستمضي وراء الحصول على دفعة ثانية من منظومة صواريخ “إس-400″، دون استئذان أحد.
شبه المؤكد على ضوء هذه التطورات الجديدة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن هو ذهابها نحو القطيعة في الملف السوري وتحديدا في شرق الفرات وأن تركيا لن تتراجع عن مواقف وقرارات حماية أمنها القومي وحدودها التي تحاول أميركا تضييق الخناق عليها من الجنوب عبر حليفها قسد والورقة القبرصية ومن الغرب عبر الورقة اليونانية وبناء قواعد ومراكز عسكرية استراتيجية في بحري إيجه والمتوسط. لكن الأخطر سيكون احتمال مناقشة مثل هذه المسائل مع موسكو خلال لقاء القمة الأخير بين أردوغان وبوتين في سوتشي وبينها معرفة رأي موسكو في مسألة إبقاء آلاف أطنان الأسلحة الأميركية بيد الوحدات الكردية تحت ذريعة الحرب على داعش. لم تعرقل واشنطن الخطط التركية في التعامل مع ملف الأزمة السورية فقط، بل حولتها إلى أوراق مساومة، تناور بها مع موسكو وإيران ضد شريكها التركي.
مرة أخرى يبدو أنه من بين أبرز ما يقلق أنقرة ولم تكتمل عملية رؤيتها بشكل واضح حتى الآن هو حقيقة الموقف الأميركي في سوريا وكيف سيحسم في المرحلة المقبلة: هل ستترك واشنطن الملف بيد روسيا مقابل ضمانات تقدم لها ولتل أبيب حول أن النفوذين الإيراني والتركي سيكونان محدودين هناك وأن المرحلة السياسية الانتقالية ستتم بالتنسيق مع واشنطن وأن مصالح حلفاء أميركا المحليين ستبقى محمية في رسم خارطة سوريا السياسية والدستورية الجديدة؟ أم إن إدارة بايدن قررت نسف كل السياسات الأميركية السابقة في سوريا وعدم مغادرة المشهد حتى ولو كلفها ذلك الدخول في مواجهة مع روسيا وتركيا وإيران في بقعة جغرافية أعلنت أكثر من مرة أنها لم تعد بين أولوياتها الاستراتيجية؟
هل تغضب أنقرة واشنطن أكثر من ذلك عبر قبول العرض الروسي بتزويدها بمقاتلات سوخوي الحديثة بعد إنهاء الصفقة الثانية من شراء منظومات إس 400؟
عند تدقيق عملية توقيت الطلب التركي بشراء هذه المقاتلات يتبين أن الاحتمال الأقرب في الخطوة التركية هو أن أنقرة تريد أن تترك واشنطن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما دفعها نحو التراجع عن خطوات التصعيد في ملفات إس 400 وإعادة تركيا إلى برنامج المقاتلة إف 35؟ أو ترك تركيا تؤمن احتياجاتها العسكرية وتحدث أسطولها الجوي عبر بدائل جديدة طالما أن الحليف الأميركي لا يعطي تركيا ما تريده؟
الطلب التركي المقدم لشراء المقاتلات الأميركية سيحتاج طبعا إلى فترة زمنية طويلة تمر عبر أكثر من دائرة قرار أمني وسياسي في واشنطن وسينتهي عند رغبة الكونغرس الذي سيحسم الموضوع. لكنه علينا أن لا ننسى أن قيادات مجلس الشيوخ والمندوبين في أميركا هي التي توحدت منذ عامين ضد تركيا وقرار شراء المنظومة الصاروخية الروسية.
المسألة أيضا ستكون مرتبطة بخيار واشنطن بين قبول 6 مليارات دولار ثمن المقاتلات وبدل تحديث مقاتلات أخرى كخطوة تصالحية أيضا أو الذهاب وراء خيارات تصعيد سياسي مع أنقرة في إطار حسابات تكون ارتداداتها الإقليمية أكثر جاذبية وضمانة لمصالح أميركا الإقليمية.
يقول الرئيس الأميركي بايدن في رسالته إلى الكونغرس المتعلقة بطلب مواصلة الدعم لوحدات الحماية الكردية في شرق الفرات إن العمليات العسكرية التركية في المنطقة تضر بخطط مواجهة تنظيمات داعش وتهدد أرواح المدنيين والاستقرار هناك. لا يمكن الفصل بين الإشادة بالمواقف الأميركية الداعية لعدم التطبيع مع النظام وضرورة معاقبته دوليا وتجاهل قرارات واشنطن الأخيرة مواصلة التصعيد ضد أنقرة وسياستها ومواقفها في شرق الفرات وتحميلها مسؤولية عرقلة الحرب على داعش وبين مسألة مواصلة إرسال مئات الأطنان من السلاح وملايين الدولارات الأميركية إلى مجموعات قسد ومسد هناك. كلا المسألتين من المفترض أن يكونا في سلة واحدة عند مناقشة خطط بناء سوريا المستقبل. الأنظار ستكون مشدودة هذه المرة نحو روما واحتمال عقد قمة تركية أميركية هناك في أواخر الشهر الحالي على هامش اجتماعات مجموعة الدول العشرين.
تلفزيون سوريا
—————————–
جعجعة التطبيع مع نظام الأسد/ نبراس إبراهيم
قيل الكثير خلال الأسابيع الماضية، وربما الأشهر الماضية، عن تحركات عربية، مباشرة وغير مباشرة، تهدف إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، واستند كثيرون في تحليلاتهم وقراءاتهم لهذا الأمر إلى لقاءات واجتماعات وتصريحات، صدرت عن مسؤولين من الأردن والجزائر والعراق وغيرها، وإلى تحريك بعض الملفات المُجمّدة بين بعض الدول العربية وسوريا، كالأردن ومصر ولبنان وغيرها، وبُنيت على ذلك قناعات لدى الكثير من المحللين والسياسيين بأن الدول العربية في طريقها إلى فتح الباب أمام نظام الأسد للعودة إلى الحضن العربي من دون شروط سياسية.
ذهب البعض من مؤيدي نظام الأسد، إلى أبعد من ذلك بكثير، واعتبروا أن الدول العربية هي التي تعود إلى الحضن السوري لا العكس، وأن نظام الأسد انتصر في حربه العسكرية والسياسية والدبلوماسية، وأن الدول العربية التي اتّخذت موقفاً مؤيداً للثورة وللتغيير السياسي في سوريا اكتشفت خطأها وغيّها، وأنها الآن تعود صاغرة إلى “الصراط المستقيم”، ويُروّجون إلى أن سوريا ستعود أقوى من ذي قبل، عربياً وإقليمياً ودولياً، بفضل حكمة نظامها لا بفضل دمويته.
المعارضة السورية التي لا تريد أن يتم هذا التقارب بين الدول العربية ونظام الأسد، وترى به نكسة خطيرة لثورتها، وقفت بموقف المُتلقي للحدث، تنتظر سماع الأخبار من وسائل الإعلام، علّها تسمع نفياً لنيّة التطبيع مع نظام الأسد من هذا البلد أو ذاك، وبدأت منصاتها الإعلامية تتهجم تدريجياً على كل دولة تُبدي ملامح تقارب أو تقوم بعمل قد يُفهم منه أنه تطبيع، من دون أن تقوم هذه المعارضة بحملة علاقات سياسية ودبلوماسية عربية واسعة، ودون أن تقوم بزيارات أو اجتماعات مع حلفائها في هذه الدولة أو تلك، علّها تُحقق خرقاً ولو على مستوى صغير وبسيط يعرقل هذا التطبيع أو يؤجله، إن كانت هناك بالفعل نوايا للتقارب مع نظام الأسد.
في الحالة السورية الراهنة، ومع تعدد المتدخلين، وتضارب واختلاط مصالح الدول، العربية والإقليمية والغربية، ومع امتداد الحرب السورية إلى أكثر من عشرة أعوام، وبروز أزمات كبيرة على هامش المأساة السورية، كأزمات اللاجئين والعقوبات والانتكاسات الاقتصادية لدول المنطقة وتأثيرات كورونا عليها والتطرف والإرهاب العابر للحدود والتهريب والمخدرات والتزوير وأخطاء المعارضة وغيرها من الأزمات التي ولّدها صراع القوى العظمى والكبرى والإقليمية، والمصالح المتضاربة لها، كل ذلك جعل كثيرا من الدول تبحث عن مصالحها أولاً قبل ما يُفرض عليها من قبل المجتمع الدولي والقوى الكبرى فيه.
الأردن مأزوم اقتصادياً لدرجة خطيرة، ويسعى لزيادة موارده، ويعاني مشكلات التهريب والمخدرات وغيرها عبر حدوده مع سوريا، ولبنان حليف لنظام الأسد، ويُحكم حزب الله القبضة عليه، مصر تسعى لدور عربي ريادي قائد افتقدته منذ حرب 73 ونفذ صبرها بانتظاره، ودول الخليج تريد استقراراً وأمناً لها واستثمارات تزيد من غناها، والعراق حديقة خلفية لإيران بمعنى الكلمة، والجزائر وعُمان وموريتانيا وتونس، كلها دول هامشية في المشهد العربي وحتى الإقليمي، وبعضها مأزوم بداخله، لا تصلح كمثال للقياس، وحتى الولايات المتحدة، مايسترو ما يجري في الشرق الأوسط، فهي رغم أنها ترسم استراتيجياتها لثلاثين سنة مقبلة على الأقل، فإنها براغماتية جداً، وتحيد عن المسار أحياناً لتصويبه أو للتحول إلى خطة “ب” توصلها بالنتيجة إلى المسار الأساس المرسوم، وقد تجد في غض الطرف عن بعض تجاوزات بعض الدول لقراراتها لتصحيح بعض الثغرات في خططها، ولا تُمانع بها إن كانت هامشية ولا تُؤثّر على الهدف الأساس.
في كثير من الحالات، خلال الحروب وبعدها، وخلال مقاطعة دولة أو حصارها، أو خلال فرض عقوبات عليها بسبب تمردها أو خروجها عن الأعراف والقوانين الدولية، تبقى العلاقات بين الدول، خاصة على المستوى الأمني والاستخباراتي قائمة، لأن بهذا الأمر مصلحة لكل الأطراف، بما فيها الأطراف التي فرضت العقوبات أو حاصرت، واستمرار هذا النوع من العلاقة لا يعتبر تطبيعاً.
كذلك، في كثير من الحالات، يُسمح لبعض الدول بكسر الحصار الاقتصادي عندما يتبيّن أن ضرره طال دولاً حليفة، أو توسّع أكثر من المتوقع، أو أصاب الشعوب بكارثة، خاصة لو كانت العقوبات المُطبّقة مفروضة على نظام وليست على شعب، وأحياناً يُستخدم التطبيع الاقتصادي كـ “جزرة” إن كان الأمر يقتضي ذلك في مرحلة ما.
إعادة نظام الأسد إلى الفلك العربي ليس أمراً سهلاً، وليس مجرد صفقة أنابيب غاز هنا أو ترانزيت شاحنات هناك، وليس مجرد دعوة لغداء لمسؤول سوري هنا أو تصريح دبلوماسي عابر هناك، الموضوع دولي قبل أن يكون عربياً، وتقف خلف نظام الأسد حرب دموية، ومئات آلاف القتلى، وتشريد ملايين البشر، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ودمار بنى تحتية كاملة، والأهم فشل دولة، وكل هذا يصعب القفز فوقه بسهولة، سياسياً وحقوقياً وأخلاقياً. كذلك، يقف وراء الأزمة السورية قوى عظمى، تُعلن منذ سنوات أن أي تطبيع غير ممكن، وأي إعادة تلميع غير متاحة، دون أن يكون هناك حل سياسي واضح ومتوازن ومرضي للجميع، ينطلق من القرارات الدولية ذات الشأن وخاصة 2254، وهذا هو أهم مدخل، ودون ذلك، لن نرى سوى القليل من الطحين.
تلفزيون سوريا
———————————-
رفعت الأسد في سوريا: يفنى البلد لتبقى العائلة؟
استقبل كثير من السوريين، سواء كانوا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو الخارجة عنه، نبأ عودة رفعت، عم رئيس النظام بشار الأسد، إلى سوريا بألم ممزوج بالسخرية، وجرى التندّر بما قالته جريدة «الوطن» شبه الرسمية السورية التي تحدثت عن «ترفّع» رئيس النظام عن «ما فعله وقاله رفعت الأسد وسمح له بالعودة» مشيرة إلى أنه وصل إلى دمشق «منعا لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي وبعد مصادرة ممتلكاته وأمواله في اسبانيا أيضا».
يقدم الخبر رسالتين، الأولى هي أن رئيس النظام لم يكن راضيا عن أفعال وأقوال العمّ، وأن العودة سببها «ترفّع» أخلاقيّ من الشخص نفسه الذي برّر تهجير أكثر من نصف الشعب السوريّ، ومقتل مئات الآلاف، بدعوى خلق «تجانس» في المجتمع السوريّ.
السبب الآخر، المضمر في خبر الصحيفة، هو أن العودة جاءت منعاً لاعتقال العم الذي صدر قرار بسجنه أربع سنوات في فرنسا، ودعما له بعد مصادرة «أمواله» في أكثر من بلد أوروبي، وكلا الأمرين يعنيان أن الانتماء إلى عائلة الأسد تغفر الأقوال والأفعال، وأنها حصانة أيضا من الأحكام القضائية التي تصدر في الخارج، وأن دماء آل الأسد يجب حفظها، وأن «أقوال وأفعال» العمّ كانت هامشا ضروريا له للعب فالخلافات بين العائلة يمكن حلّها بـ«الترفّع» أما الخلافات مع السوريين، فلا يمكن حلّها سوى بالقمع.
… والحقيقة أن رفعت، الذي غادر البلاد قبل قرابة 40 عاما، كان أحد الدعائم المؤسسة لهذه المبادئ المشار إليها، وكان أحد أركان نظام أخيه الراحل حافظ الأسد الأساسيين، وكان له دوره المعلوم في تنصيب أخيه، بدءا من حصار قواته عام 1969 لمبنى «مكتب الأمن القومي» الذي قضى فيه «انتحارا» مدير المكتب عبد الكريم الجندي، المحسوب على الجناح «اليساري» لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهي الخطوة التي كانت تمهيدا للإطاحة بمجموعة صلاح جديد وبدء الحقبة الأسدية المديدة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1970 حتى الآن.
لرفعت أيضا «حصة الأسد» في الأسس التي أدت للكارثة الهائلة التي تسبب فيها ابن أخيه، فهو، حسب مصادر وثائقية وحقوقية وتاريخية عديدة، أحد كبار المسؤولين عن مجزرة سجن تدمر عام 1980، التي أودت بحياة مئات السجناء غالبيتهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين، وبعدها مجازر مدينة حماه عام 1982، التي حاصرت فيها قوات رفعت، المسماة «سرايا الدفاع» المدينة، وشاركت في قتل عشرات الآلاف من المدنيين.
اعتبر معارضون سوريون أن ما حصل في سوريا بعد الثورة عام 2011، كان قرارا من العائلة الحاكمة، والمركّب العسكري ـ الأمني الذي تديره، باعتماد «درس حماه» في التعامل مع البلاد، وهو «درس» أعيد تذكير السوريين به، في حمص والغوطة ودرعا وبانياس واللاذقية ودير الزور وإدلب وغيرها من المدن والأرياف، بحيث صار الأمر منافسة تاريخية في تعميم القتل بين السياقين، ولم يخلُ الأمر، في بعض لحظات، من مطالبات بعض الموالين لرفعت بعودته ليقوم بإنجاز المهمة بقسوة أكبر.
مهم في هذا السياق، ملاحظة التقاطعات بين الشخصيتين والمشهدين، وكذلك ملاحظة النفاق الغربيّ الكبير، الذي حاكم رفعت على قضايا ماليّة، بينها تشغيل خادمات بشكل غير قانوني، وتجاهل تاريخه فيما يتعلق بقمع الشعب السوري، ثم سمح له بالعودة للتقاعد المريح، بعد أن انتهت مهمة إيفاده الطويلة التي دارت بين ماربيا وباريس ولندن.
القدس العربي
————————-
فرنسا هي من أعاد رفعت الأسد إلى سوريا/ حازم الأمين
منذ مغادرته سوريا، أي منذ نحو اربعين عاما، حل رفعت الأسد ضيفا على أوروبا التي استقبلت ثروته بالترحيب. راح يستثمر في ماربيا وفي باريس ويشيد الشركات في الجنات الضريبية تحت انظار النظام المالي الأوروبي. ونحن بدورنا لم يلفتنا هذا التفصيل أثناء تعويلنا على “القيم الأوروبية”.
الأصوات التي ارتفعت مذهولة من عودة جزار حماه رفعت الأسد الى سوريا، لم يلفتها ان الرجل لم يعد إليها من طهران ولا من موسكو ولا من بيروت. الرجل عاد الى دمشق من فرنسا، البلد الذي من المفترض ان لا تتيح قيمه وقوانينه أن يقيم رجل مثل رفعت الاسد فيه، وهي حين أصدر قضاؤها حكماً بسجنه، فعل ذلك لأسباب تتعلق بتبييض الأموال فيها، وليس بسبب سجله الإجرامي في سوريا. لا بل ان فرنسا كانت طرفاً بقرار مغادرة رفعت أراضيها تفاديا للسجن، فهو غادرها عبر المطار وتحت أنظار سلطاتها، والارجح انه فعلها برعايتها وبتنسيق معها. وربما كانت صفقة العودة جزءاً من صفقة أكبر، قد تشمل لبنان والأردن.
يردنا هذا إلى حقائق كنا اغفلناها على مدى السنوات العشر الفائتة، والتي توهمنا خلالها أن ما يجري في سوريا ينطوي أيضا على حرب قيم من المفترض ان منظومة غربية تقف معنا فيها، في مواجهة ما يمثله النظام في سوريا من قيم إجرامية! وامتد هذا الإغفال ليشمل تغاضينا، باستثناء نخبة ضعيفة التأثير، عن موبقات كل من توهمنا انه وقف معنا. فكان لتركيا مثلا الدور الأكبر في تفشي “داعش” في جسم ثورتنا، وهو ما كان عاملا رئيسا في هزيمتنا، وها نحن الى اليوم لم نجرٍ مراجعة لمسؤولية تركيا عن هزيمتنا، لا بل نواصل اشاحة النظر عن انخراط انقرة في تسويات مع موسكو على حساب قضيتنا.
لكن وبالعودة الى واقعة ايفاد باريس رفعت الأسد الى دمشق لإعفائه من العقوبة التي قررها قضاؤها بحقه، فهذه واقعة لها ما بعدها. فرنسا اليوم في موقع مختلف تماما حيال قضايانا. الانكفاء الأميركي اتاح لباريس مساحة تحرك قررت ان تملأها بالموبقات. فرنسا بلد مرهق اقتصاديا وسياسيا، وقرر ان مصالحه تتقدم قيمه. إيران سوق اقتصادي والعراق (وهو عراق ايران) يمثل مصلحة تقتضي تغيير قواعد اللعبة في سبيلها، ولبنان (وهو ايضا لبنان ايران) حزب الله فيه واقع قررت باريس ان تقبله، لا بل ان تعترف بتصدره.
وفي موازاة ذلك ترعى باريس، وبنسبة اقل واشنطن، خطوات التقارب التي تجريها عمان مع النظام في دمشق. مع ما يمثله هذا التقارب من مخاوف على نحو أكثر من مليون نازح سوري في الأردن، وهؤلاء بدأت إجراءات خفض إغاثتهم والضغط عليهم بانتظار البت بمصيرهم في ضوء التسوية التي تلوح بين عمان ونظام دمشق. وذريعة السلطة الهاشمية، ومن ورائها القاهرة وبغداد، أنها تنوي انتشال النظام السوري من أحضان طهران، على ما ينطوي عليه هذا الوهم من استحالة.
يعيدنا ذلك الى العودة “الميمونة” لرفعت الأسد الى دمشق. فالرجل ومنذ مغادرته سوريا، أي منذ نحو اربعين عاما، حل ضيفا على أوروبا التي استقبلت ثروته بالترحيب. راح يستثمر في ماربيا وفي باريس ويشيد الشركات في الجنات الضريبية تحت انظار النظام المالي الأوروبي. ونحن بدورنا لم يلفتنا هذا التفصيل أثناء تعويلنا على “القيم الأوروبية” في مواجهتنا للنظام الدموي في دمشق. ولضعف حساسيتنا هذا مصادر أخرى ليس أقلها أننا لم نكن بمنأى عن مضامين ثقافية انقسامية صدر عنها النظام نفسه. أعفينا تركيا السنية من المساءلة، وتوهمنا ان عمان لن تقوى على الاصطفاف مع بشار الاسد بحكم ما تشكله درعا، ضحيته الأولى، من خاصرة لعشائرها الممتدة إلى جنوب سوريا، وضربنا عماء رهيب حال دون استعادتنا لحقيقة ان جزار حماه يقيم بين ماربيا وباريس. وواصلنا العلاقة مع دول الخليج على رغم تحققنا من تمويلها فصائل إسلامية تولت طعن ثورتنا في ظهرها.
عاد رفعت إلى سوريا. لن يكون له دور في النظام، والأرجح أن العائلة وتوازناتها أملت القبول بهذه العودة. لكن الحدث مؤشر يجب أن نجري في ضوئه مراجعة، طالما أن خطاب الاعتراض على النظام صار خارج السياسة. الذهول الذي ولده خبر العودة، ومحاولة إضافته إلى القرائن على أننا حيال نظام مجرم، أو حيال رجل صاحب سجل دموي، لا يقدم جديداً.
مجزرة حماه أعقبها تواطؤ دولي وصل إلى حد القبول، وإلى حد استضافة مرتكبها 40 عاماً في أوروبا. لا يعني ذلك على الإطلاق دعوة للحرب على أوروبا وقيمها، ولا يعني طبعاً قبولاً بفعلة فرنسا، إنما هو مجرد تأمل بما آلت إليه أحوالنا من سوء، ومجرد دعوة للاستفادة، بانتظار أن تلوح فرصة أخرى للسياسة.
درج
———————–
تقييم عودة العلاقات مع الأسد/ حيان جابر
تسارع المملكة الأردنية الهاشمية الخطى نحو استعادة العلاقة مع نظام الأسد، وهو ما تمّ تتويجه بالتواصل الهاتفي بين الأسد والملك عبد الله، قبل بضعة أيام، ويصحّ تعميم ذلك، وكأننا في خضم خطوات حثيثة ومتسارعة لاستعادة العلاقات بين نظام الأسد ومجمل أو غالبية دول المنطقة، وإنْ تصدّرت مصر والإمارات والأردن ولبنان المشهد. بكل الأحوال، تبدو عودة سورية إلى النظام الرسمي العربي وربّما العالمي مسألةَ وقت لا أكثر، قد لا تتجاوز مدته العام الواحد، وهو ما ينعكس سلبًا على مشاعر جزء كبير من الشعب السوري أولًا، ومن شعوب المنطقة المناصرة لحقوق الشعب السوري ثانيًا. لذا لا بدّ من تقييم هذا التحول السياسي العلني بموضوعية، بعيدًا عن لغة العواطف والتمنيات، كي نتمكن من فهم دلالاته ونتائجه القريبة والبعيدة، ولا سيّما ما يرتبط منها بمصالح وأهداف وحقوق شعوب المنطقة كاملة، والشعب السوري خاصة.
على الصعيد الإنساني، تبدو نتائج هذه العودة كارثيةً على الوسط السوري اللاجئ في الدول المحيط بسورية، ولا سيما الدول التي أعادت أو سوف تعيد علاقاتها مع الأسد، وصولًا إلى اللاجئين في الدول البعيدة عن سورية، الذين قد يتعرضون لحملات إعلامية تحريضية منظمة تدعو الحكومات إلى إعادتهم إلى سورية، وقد يصبحون مادة رابحة لصفقات أمنيّة مع النظام. فكما نعلم، لن تستقبل أجهزة الأسد الأمنية العائدين بالورود والأحضان، بل سوف تستقبلهم بمختلف أنواع الضرب والتعنيف والاعتقال والتعذيب، وهو ما يشكّل خطرًا على حياة شريحة عريضة من السوريين، لا سيّما من جاهروا برفضهم سياسيات وممارسات نظام الأسد وعارضوا استمرار حكمه. في المقابل، قد تُسهم عودة العلاقات في تحسن ظروف حياة السوريين داخل سورية نسبيًا، نظرًا لانعكاساتها الطفيفة على سعر صرف الليرة أولًا، ولنتائجها على التقليل من أزمة توفر بعض السلع ثانيًا، إذ لا أعتقد أن النظام وطبقته المسيطرة قادرون، في الأمد المنظور، على تأمين السيولة المالية الكافية من أجل تأمين كل حاجات المجتمع السوري، لذا لن يلبّي النظام كل حاجات المجتمع، لكنه قد ينجح في تأمين جزء منها.
تمثل عودة العلاقات مع نظام الأسد نصرًا إعلاميًا له، في مقابل اعتبارها هزيمة إعلامية ومعنوية للشعب السوري، وهو ما يفسّر أجواء الفرح والابتهاج في وسائل النظام الإعلامية والوسائل المقرّبة منه، في مقابل أجواء الحزن والغضب في الوسط المعارض له. لكن أعتقد أن نتائج عودة العلاقات مع نظام الأسد سوف تنعكس سلبًا على الأسد ذاته، بل ربما على حلفائه والمتعاونين معه أيضًا، في المستقبل القريب، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وذلك بحكم دلالاتها ومنعكساتها اللاحقة. فعلى المستوى السياسي، سوف تُسهم عودة العلاقات معه في إزالة كثير من الأوهام الرائجة في السنوات الماضية، ولا سيما تلك المتكئة على موقف المجتمع الدولي والإقليمي من حقوق الشعب السوري، ومنها حقهم في إسقاط الأسد ونظامه، كما سوف تسهم في مراجعة دور المجتمع الدولي والإقليمي في تخريب وحرف الحركة الثورية منذ بداياتها الأولى. حيث أسهمت القوى المعروفة بأصدقاء الشعب السوري في تخريب الثورة، عبر دعم قوى الثورة المضادة الإسلامية والفاشية، على حساب قوى الثورة الشعبية المنظمة، كالتنسيقيات واللجان والمجالس المحلية، ثم عملت على ضرب هذه القوى بعضها ببعض، تحقيقًا لمصالح داعميهم الخارجيين، حتى بتنا أمام قوى متعددة، لكلٍّ منها مناطق سيطرة منفصلة ومتباعدة عن البقية، فأصبحت درعا كتلة جغرافية وسياسية منفصلة تمامًا عن غوطة دمشق الشرقية والغربية، وعن إدلب وحمص والدير… إلخ، وقس ذلك على كل منطقة من المناطق الأخرى. وبالتالي؛ باتت حماية كل منطقة منوطة بتوجهات القوى الداعمة، كما نشهد راهنًا في إدلب، وكما شهدنا سابقًا في درعا التي لعبت الأردن دورًا بارزًا في منع النظام من السيطرة عليها في العام 2018، وساعد صمتها أخيرًا في تسهيل سيطرة الأسد عليها.
وعليه، سوف تُكشف الأقنعة بعد عودة العلاقات، وسوف نستعيد الأحداث الماضية بنظرة نقدية كانت مغيبة أو -مع الأسف- مهمشة، ما سوف يُسهم في إنضاج الوعي الثوري الشعبي وتحريره من أوهام الدعم الخارجي، فقد أسهمت مجمل القوى الإقليمية والدولية في حماية الأسد، منذ 2011 حتى الآن، بعضها عبر تدخلها العسكري الداعم له، كما في مشاركة روسيا وإيران، أو عبر حرف الثورة وتخريبها، كما في دور النظام الرسمي العربي والتركي، أو من خلال غضّ النظر عن جرائم الأسد، كما في الدور الدولي، ولا سيما الأميركي والفرنسي والأوروبي.
أما اقتصاديًا، فلعودة العلاقات مع نظام الأسد نتائج كارثية عليه، وإيجابية على صعيد قوى الثورة الشعبية، نظرًا إلى طبيعة التوجهات الاقتصادية الأسدية النهبية، التي تسارع الخطى من أجل نهب ثروات سورية والسوريين، من دون أن تكترث بالواقع الاقتصادي المدمّر الذي أفقد الاقتصاد السوري عناصره الإنتاجية الزراعية والصناعية، ووهب ثروات سورية الباطنية لحلفائه العسكريين من الروس والإيرانيين، ما أفرغ الخزينة السورية من أهمّ مصادر دخلها في السنوات السابقة للثورة، المتمثلة بالصادرات النفطية والمعدنية والزراعية والصناعية؛ إذ تتناقض مصالح الطبقة المسيطرة في سورية مع مسار النهوض الاقتصادي الذي يتطلب دعم الإنتاج الصناعي والزراعي وتوفير متطلباته الخدمية والأساسية، لصالح تعزيز نفوذ التجار وأمراء الحرب القابضين على واردات سورية من السلع. المعنى أن سورية لا تملك اليوم القدرة على زيادة واردات خزينة الدولة من عودة العلاقات، لافتقادها السلع الممكن تصديرها أولًا، ولغياب الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي مستقبلًا، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تحول سورية إلى دولة مستوردة بصورة شبه كاملة، تتلقى السلع من الدول المحيطة بها أو عبرها، وهو ما يفيد خزينة تلك الدول، ويزيد من إفلاس خزينة النظام السوري.
بالتالي؛ سوف ينعكس إفراغ خزينة الدولة على مجمل الوضع الاقتصادي السوري سلبًا، دافعًا بشرائح وطبقات اجتماعية جديدة نحو معسكر الثورة على النظام وضرورة تجاوزه وتغيره. من الصعب التكهن بتوقيت حصول هذا الانهيار أو التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، نظرًا لارتباطه بتسارع نهب ثروات سورية وآليات التحكم الدولي فيها، لكن أعتقد أن تدويل عملية إعادة الإعمار عبر فتح الاستثمارات الخارجية سوف يمنح النظام استقرارًا اجتماعيًا خادعًا، لفترة زمنية بسيطة قد لا تتجاوز ثلاث سنوات، يتبعها انهيار سريع ومدوّ مشابه للانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحاصل اليوم في لبنان.
من كل ذلك، أجد في عودة نظام الأسد إلى النظام الرسمي العربي والعالمي ما قد يخدم مستقبل سورية والسوريين، بالرغم من تبعاته القاسية اليوم، إن استفدنا من تجارب السنوات الثورية العشرة الماضية، ومن تجارب الحركات الثورية الأخرى، من خلال رفع الوعي والتنظيم الثوري، ووضع الخطط والبرامج التي تخدم أهدافنا ومصالحنا الوطنية، وعبر تحديد حلفائنا الحقيقيين من القوى الشعبية الثائرة في المنطقة وحول العالم، بعيدًا عن وهم التعلق بأوهام التحالف أو التعويل على دعم النظام الرسمي العربي أو الإقليمي أو الدولي، مهما كانت خطاباتهم وكلماتهم منمّقة ومغرية، كالتي سمعناها كثيرًا في السنوات الماضية.
تلفزيون سوريا
—————————–
هل هناك مقاربة عربية ودولية جديدة للتعامل مع سوريا.
بيروت – رغم أن الغرب لا يزال يتحاشى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد ويحمله مسؤولية سنوات الحرب الأهلية القاسية العشر في بلاده، بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولا تعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن العلاقات مع الرئيس السوري بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية.
وقد أسفرت انتخابات شهدتها سوريا في مايو الماضي عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين، لكن هذا لم يفعل شيئا لإخراجه من عزلته بين الدول الغربية. غير أن قادة عربا بدأوا يتقبلون حقيقة استمرار قبضته القوية على السلطة في بلاده.
وأدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان بما صاحبه من فوضى إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين، أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبلته سنوات الصراع وجائحة كوفيد-19.
وتلوح في الأفق أيضا اعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمّان وأبوظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد والتي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا في سوريا.
فتركيا ودعمها لفصيل من الإسلاميين السنة في أنحاء المنطقة، بما في ذلك شريط في شمال سوريا لا يزال خارج سيطرة الأسد، تمثل مصدر قلق خاص للحكام العرب الذين يجمعهم مع دمشق موقف واحد من الجماعات الإسلامية.
غير أنه في الوقت الذي بدأت تتنامى فيه العلامات على تقارب عربي مع دمشق -إذ أجرى الملك عبد الله عاهل الأردن اتصالا بالأسد هذا الشهر للمرة الأولى منذ عشر سنوات- ستظل السياسة الأميركية عاملا مربكا.
فواشنطن تقول إنه لا تغيير في سياستها تجاه سوريا والتي تقتضي تنفيذ انتقال سياسي نص عليه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي. ولا تزال العقوبات الأميركية التي تستهدف دمشق، والتي تم تشديدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تمثل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة.
غير أن محللين يقولون إن سوريا لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن. ويشيرون في هذا الصدد إلى تركيزه على التصدي للصين كما أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى ما يسمى قانون قيصر الذي بدأ سريانه العام الماضي بهدف زيادة الضغوط على الأسد.
وبعد أن كانت إدارة ترامب تحذر الدول العربية من التعامل مع دمشق بدأت هذه الدول تلح في التقارب معها من جديد.
وقال ديفيد ليش الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما”.
ويمثل ذلك تحولا عن السنوات الأولى للصراع التي عُلقت فيها عضوية سوريا في الجامعة العربية وساندت دول من بينها السعودية والأردن والإمارات بعض الفصائل التي كانت تحارب الأسد.
أدى الصراع، الذي بدأ قبل عقد من الزمان وتصاعد بعد أن كان في مهده انتفاضة شعبية على حكم الأسد خلال الربيع العربي، إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح نصف سكان سوريا عن ديارهم وأرغم الملايين على اللجوء إلى دول مجاورة وأوروبا.
ولا يزال للمعارضة المناوئة للأسد موطئ قدم في الشمال بدعم من تركيا بينما تسيطر قوات بقيادة أكراد سوريا على الشرق والشمال الشرقي وتدعمها الولايات المتحدة.
ورغم أن الصراع لا يزال غير محسوم، فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية بفضل روسيا وإيران اللتين كانتا أكثر التزاما ببقائه من التزام واشنطن بعزله، حتى عندما تم إطلاق أسلحة كيماوية على مناطق المعارضة.
وقاد الأردن مسيرة التحول في السياسة العربية في وقت يعاني فيه من ضعف اقتصادي واهتزاز في العلاقات مع السعودية.
وأعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة في الشهر الماضي وكانت عمّان هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا بموافقة أمريكية فيما يبدو.
وقال المحلل السياسي سميح المعايطة الوزير الأردني السابق لتلفزيون المملكة التابع للدولة “عندما يكسر الأردن الحواجز ويقيم علاقات وبهذه الوتيرة فإن دولا أخرى ستحذو حذوه”.
كان المعبر الحدودي بين البلدين طريقا تقطعه مئات الشاحنات كل يوم لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا ومنطقة الخليج. وسيكون إحياء حركة التجارة دفعة اقتصادية للأردن وسوريا التي يعاني اقتصادها من أزمة عميقة. كما أن ذلك سيفيد لبنان الذي يعاني الآن من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
وقال جيم جيفري المبعوث الأميركي الخاص السابق لسوريا في عهد ترامب لرويترز “أنا واثق تمام الثقة أن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم”.
وأضاف “يتردد كلام كثير بين وسائل الإعلام وأصدقاء في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات بهمة ونشاط على الأسد بموجب قانون قيصر أو غيره”.
وانعكس هذا الجو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي حيث التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وفي معرض إكسبو 2020 دبي حيث بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين.
وقال غسان عباس سفير سوريا لدى الإمارات لرويترز في الجناح السوري بمعرض إكسبو 2020 والذي أقيم تحت شعار (معا المستقبل لنا) إن الإمارات دعت سوريا للمشاركة في المعرض رغم محاولات “لشيطنة” الحكومة السورية.
وأضاف “جرت في السنوات العشر ونصف الماضية محاولات كثيرة لشيطنة الحكومة السورية. لكن هناك دولا مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ظلت مصرة على التعامل معنا من باب أننا من ضمن الدول المعترف بها في الأمم المتحدة. وعلى هذا الأساس تم اتخاذ الموقف لتوجيه دعوة إلى سوريا.
وأضاف “نعتقد أن أهم نافذة يعطيها إكسبو هي نافذة أمل لكل السوريين بأن هناك شيئا ما قد تغير… نحن من خلال إكسبو ندعو كل دول العالم لكي تساعدنا بإعادة إعمار البلد وأن تكون هناك صيغ لنتفاهم بها على أساس الحوار، المحبة، واحترام سيادة الدول.. لا أن نفرض عليهم صيغا قد لا تكون مقبولة لشعب أو آخر”.
وأردف قائلاً “هل هناك مقاربة جديدة للتعامل مع سوريا؟ نعم”.
وقال آرون ستاين مدير البحوث بمعهد أبحاث السياسة الخارجية إن إدارة بايدن “ليست مهتمة باستهلاك رصيد دبلوماسي في منع حكومات بالمنطقة من القيام بما تعتقد أنه الأفضل فيما يتعلق بالنظام”.
وأضاف أن السياسة الأميركية في سوريا تركز الآن على محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعلى المساعدات الإنسانية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية “ما لم نفعله ولن نفعله هو إبداء أي دعم لجهود التطبيع أو رد الاعتبار للدكتاتور الغاشم بشار الأسد أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا في معارضة إعادة إعمار سوريا إلى أن يحدث تقدم لا رجعة فيه صوب حل سياسي”.
وفي حين يسعى كثيرون من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لعلاقات جديدة مع دمشق لا تزال السعودية تبدي ترددا.
قال جوشوا لانديس المتخصص في الشأن السوري بجامعة أوكلاهوما “الجهد الكبير هو جمع السعودية وسوريا في شكل ما من أشكال المصالحة. وأعتقد أن السعودية ستغير رأيها وأنهم ينتظرون الولايات المتحدة فحسب”.
احوال تركية
———————–
بلومبيرغ: حلفاء أمريكا العرب يعوّمون دكتاتور سورية
تتكشف مسارات إعادة تطبيع بعض الدول العربية مع نظام الأسد يوماً بعد يوم، وهو مشهدٌ يستحوذ حديث الشارع السوري بالخصوص والغربي أيضاً، بحسب ما تشير إليه التغطيات الإعلامية لوسائل إعلام أمريكية.
ونشرت وكالة “بلومبيرغ” تقريراً، اليوم الاثنين تحت عنوان “حلفاء أمريكا العرب يعوّمون دكتاتور سورية”، وقالت فيه: “يجب أن يكون جو بايدن واضحاً أنه ستكون هناك عواقب على أي دولة تتجه نحو تطبيع العلاقات مع الأسد”.
وتصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أنباء الأسبوع الماضي، عندما تلقى مكالمة هاتفية من رأس النظام السوري، بشار الأسد. وهو الأول من نوعه بين الطرفين منذ أكثر من عقد.
وتحدثت الوكالة أنه ومنذ عام 2018 تحاول الدول العربية التي مولت وسلّحت معارضة الأسد، إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظامه.
وتضيف: “منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه تكثفت هذه الجهود. إذ اجتمع وزيرا خارجية مصر وسورية الشهر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الأسبوع الماضي التقى وزيرا التجارة من سورية والإمارات العربية المتحدة لمناقشة كيفية توسيع العلاقات الاقتصادية”.
واعتبرت “بلومبيرغ” أن ما سبق هي “أخبار مشؤومة للشعب السوري”، مشيرةً إلى أن “الأسد ديكتاتور قامت قواته بقتل المدنيين بالغازات وتعذيب المعارضين السياسيين. الآن لم يعد منبوذاً من جيرانه. تم غسل وصمة وحشيته”.
وبحسب الوكالة تعتبر مسارات إعادة التطبيع مع نظام الأسد “نكسة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية”.
ومنذ الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، كان هدف السياسة الأمريكية ضد الأسد هو حرمانه من تحقيق نصر كامل في حربه.
ولهذا السبب أيد أوباما والرئيس السابق دونالد ترامب فرض عقوبات على نظام الأسد وعملية بوساطة الأمم المتحدة لتأسيس قيادة انتقالية لسورية.
ما الذي يفعله بايدن؟
لن تؤد التحركات الأردنية والمصرية والإماراتية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، “إلا إلى تشجيع الأسد والطغاة الآخرين”.
وتشير الوكالة: “لذا يجدر التساؤل عما تفعله إدارة بايدن حيال إذابة الجليد هذه العلاقات بين الأسد وحلفاء أمريكا العرب. من المؤكد أن الولايات المتحدة تحافظ على سياستها المتمثلة في عدم الاعتراف بحكومة الأسد”.
وتضيف الوكالة نقلاً عن مسؤول في الخارجية الأمريكية أنه لا توجد خطط للولايات المتحدة لرفع مستوى علاقتها الدبلوماسية مع سورية، وأن الولايات المتحدة “لا تشجع الآخرين على القيام بذلك، بالنظر إلى الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد على الشعب السوري”.
لكن وعلى الطرف المقابل لم ينتقد أي مسؤول أمريكي علانية المكالمة الهاتفية التي أجراها عبد الله أو أي مناشدات عربية أخرى للأسد.
وتتابع الوكالة: “لم يحذر أي مسؤول أمريكي الحلفاء العرب من أن زيادة التجارة مع سورية وغيرها من الاتصالات الدبلوماسية قد تتعارض مع التشريعات الأخيرة التي تفرض عقوبات على المسؤولين السوريين، بما في ذلك الأسد نفسه”.
ومنذ يونيو 2020 بدأت الولايات المتحدة في تصنيف عشرات المسؤولين في نظام الأسد على قوائم العقوبات، بموجب قانون “قيصر”.
أما تحت حكم بايدن، لم تصدر الولايات المتحدة أي تصنيفات جديدة.
“تأييد ضمني”
ويقول ديفيد شنكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في عهد ترامب: “من السذاجة الاعتقاد بأن ملك الأردن سينشر مكالمته مع الأسد إذا اعترض الرئيس بايدن أو إدارته على هذا التواصل”.
ويتلقى الأردن أكثر من 1.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية سنوياً من الحكومة الأمريكية.
ويضيف شنكر إنه حذر محاوريه من أن الاعتراف الكامل بحكومة الأسد ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي، ومن المحتمل أن يؤدي إلى عقوبات أمريكية على سورية.
كما تشعر شخصيات المعارضة السورية بالإحباط من إدارة بايدن.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفريق “الطوارئ السوري”: “لقد حصلنا على انطباع بأن سورية لن تُنسى”.
وأضاف: “أقل ما ينبغي عليهم فعله هو جعل تطبيع العلاقات مع نظام إبادة مجرمي حرب إبادة جماعية أمراً صعباً قدر الإمكان.”
وفي الوقت الحالي يبدو تطبيع العلاقات مع الأسد، إن لم يكن مع سورية، سهلاً للغاية بالنسبة لعبد الله.
وأوضح: “النظام موجود ليبقى. يبدو أن بايدن يوافق، حتى لو رفض دبلوماسيوه ذلك”.
————————–
التطبيع العربي الرسمي مع الأسد والمطلوب السوري/ عبد الباسط سيدا
الانفتاح الأردني على النظام السوري الذي بلغ ذروته في الاتصال الهاتفي قبل أيام بين بشار الأسد والملك عبد الله الثاني، إنما هو حصيلة جملة من الخطوات التي تمت تباعاً على الصعيد السوري الداخلي، وعلى المستويين الإقليمي والدولي. وهذا معناه أن التطبيع الأردني مع نظام الأسد لن يكون الوحيد، بل هو ليس الوحيد. وعلى الأكثر ستشهد الأيام المقبلة المزيد من عمليات التطبيع العلنية، بل إن هذه الأخيرة قد بدأت في واقع الحال عبر اجراءات إعداد السفارات، وعقد الاجتماعات بخصوص مشاريع إعادة الإعمار.
وقد جاءت اللقاءات العلنية التي عقدها وزراء خارجية جملة من الدول العربية مع فيصل مقداد وزير خارجية الأسد في نيويورك، وذلك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، لتؤكد حدوث انعطافات نحو النظام في المواقف العربية الرسمية التي لا يمكن عزلها عن تحولات الموقف الأمريكي من الملف السوري، وهي التحولات التي تم التعبير عنها صراحة بأن تغيير النظام لا يعد مطلباً أمريكياً، وإنما المطلوب هو تعديل السلوك، وهذا الموقف يعد استمرارية للموقف الأمريكي من النظام المعني قبل الثورة. ويبدو أنه قد بات الموقف المعتمد من قبل إدارة بايدن التي لم تعط الملف السوري حتى الآن أهمية جدية من جانبها. فسوريا ليست حاضرة في خطابات بايدن، وهي غائبة عن جداول أعمال كبار أركان إدارته. هناك تصريحات رفع عتب تُسمع من حين إلى آخر، ولكن على أرض الواقع هناك تفاهمات مع الروس على الاستمرار في سياسة الخطوة خطوة التي كانت وراء تمرير قرار مجلس الأمن في حزيران/يونيو 2021 القاضي بتمديد آلية ادخال المساعدات الأممية إلى سوريا من معبر باب الهوى، مع تعديلات طلبها الروس شرطاً للمواقفة على القرار.
والتسويات التي كانت في منطقة درعا في الآونة الأخيرة بإشراف وتدخل روسيين مباشرين، ما كان لها أن تتم لولا الموافقة الأمريكية وحتى الإسرائيلية؛ وذلك لأسباب لها علاقة بموقع المنطقة، ودورها في الحسابات الأمنية الإسرائيلية. أما مشروع نقل الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، فهو يذكّرنا بفكرة الجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ عام 1952 بناء على اقتراح وزير الخارجية الفرنسي في ذلك الحين روبرت شومان، وهي الجماعة التي كانت أساساً لمشروع الاتحاد الأوروبي. ولا تستبعد في هذا المجال إمكانية استلهام هذه الفكرة من قبل الذين طرحوا ومرروا هذا المشروع بغايات إنسانية، بينما هو في واقع الأمر مقدمة لفك العزلة عن نظام الأسد وتسويقه، وإن كان ذلك بشروط جديدة تستوجبها المتغيرات والأولويات المستجدة. وهذا المشروع لم يكن له أن يعلن، وتبدأ الخطوات العملية لتنفيذه، لولا الموافقة الأمريكية، والتفاهم الروسي الأمريكي وحتى الإسرائيلي حول ذلك.
بناء على ما تقدم، نرى أن الخطوة الأردنية تأتي في إطار جملة الخطوات الإقليمية والدولية التي يرى أصحابها أن التعامل مع نظام الأسد إنما هو إقرار بالأمر الواقع، وتعامل عملي معه. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار واقعة أن معظم هذه الأطراف ساهمت بهذا الشكل أو ذاك في إيصال الأوضاع في سوريا إلى ما هي عليه راهناً. فقد التزمت بنهج إدارة الأزمة، وحرصت على منع النظام من السقوط في مرات عدة؛ وغضت النظر عن التغلغل الإيراني وأذرعه من الميليشيات الطائفية؛ كما أعطت الضوء الأخضر للتدخل العسكري الروسي الذي ترتب عليه لاحقاً فتح مسار أستانا بقصد التحايل على جدول أعمال مسار جنيف؛ وهو الأمر الذي تمثّل في تسويق اللجنة الدستورية على حساب هيئة الحكم الانتقالي. كما أن كل صفقات المصالحات وعمليات تسليم المناطق إلى النظام تحت شعار مكافحة الإرهاب تمت بعد التدخل الروسي الذي ما كان له أن يتم لولا التفاهمات الأمريكية الروسية.
وفي أجواء تمسك الروس بدورهم الراهن، وعلى الأكثر المستقبلي، في سوريا، والقرائن والإشارات التي توحي بانسحاب أمريكي ليس ببعيد من منطقة شرقي الفرات، وربما مقايضة روسية تركية، وبتفاهم أمريكي حول المناطق الشمالية من سوريا سواء في الغرب أم في الشرق، في ضوء كل ذلك وغيره، يبدو أن دول الجوار السوري قد استعدت هي الأخرى لمرحلة جديدة من التطبيع مع نظام بشار، مقابل تفاهمات أو صفقات بخصوص الأدوار المستقبلية سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي، وحتى على المستوى المحلي؛ وما يخص مشاريع إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين.
أما تطلعات السوريين وتضحياتهم الهائلة التي كانت على مدى أكثر من عقد نتيجة الحرب التي أعلنها النظام على السوريين الثائرين على حكمه المستبد الفاسد المفسد، فإنها تظل مادة للتصريحات الإعلامية التخديرية، بهذه المناسبة، أو تلك.
ومما سهل مهمة تنصّل القوى الدولية من وعودها ومواقفها التي كانت في بداية الثورة، واستمرت لبعض الوقت عبر مجموعة أصدقاء الشعب السوري، هو أن المعارضة السورية الرسمية، ممثلة بالهيئات والمنصات المختلفة، قد أهملت، إن لم نقل تخلت، عن أولوياتها الوطنية السورية، والتزمت أجندات هذه الدولة أو تلك من الدول التي انخرطت في الموضوع السوري، بل وأصحبت مجرد واجهات سياسية لا علاقة لها بالعمل الميداني بكل أشكاله، خاصة في جانبه العسكري الذي يخضع لتعليمات وتوجيهات الداعمين. وهذا فحواه أن السوريين في معظمهم لا ينتظرون حلاً من النظام، ولا من المعارضة الرسمية، وإنما يتابعون تصريحات المسؤولين الدوليين والإقليميين المتمحورة حول الموضوع السوري، وهي تصريحات قد باتت محدودة بصورة لافتة. كما يتابع السوريون اتصالات وتحركات القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري، وينتظرون التفاهمات والتوافقات التي ستجري، أو التي تمت، لا سيما بين الروس والأمريكان في المقام الأول، وبالتفاهم مع الجانب الإسرائيلي بطبيعة الحال الذي كان موقفه منذ البداية يتمثل في المحافظة على نظام بشار وهو في أضعف حالاته.
والأمر الذي يستوقف في هذا السياق هو أنه على الرغم من التناقض الشعاراتي بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني في الموضوع السوري، يُلاحظ أن هناك تقاطعاً بين الموقفين من جهة توافق المصالح. فما يجمع بين موقف الطرفين يتشخص في سعيهما من أجل استغلال الموضوع السوري لتحقيق أهداف استراتيجية أبعد وأشمل. فالجانب الإسرائيلي يتطلع نحو علاقات تطبيع علنية مع الدول العربية الغنية، والحصول على استثمارات ضخمة فيها. في حين أن النظام الإيراني يرى أن الوسيلة الأفضل، بالنسبة إليه، التي تمكّنه من الاستمرار في الداخل، والامتداد في الدول والمجتمعات المجاوة، تتمثل في تحطيمها لتصبح عاجزة عن استعادة عافيتها وسيادتها، فتغدو مجرد ساحة من ساحات التوسع والهيمنة بمخلتف الأشكال، وسوريا بوصفها دولة مفتاحية تعتبر قاعدة أساسية للمشروع الإيراني الإقليمي.
ولكن مهما يكن، فإن التوافق الدولي والإقليمي على التعامل مع نظام الأسد، وتسويقه، ليس معناه امكانية استمرار هذا النظام على المدى المنظور. فهذا النظام الذي تبجح على مدى عقود في مرحلة الأسد الأب بما حققه من أمن واستقرار، تبين لاحقاً بأنه لم يكن سوى استقرار زائف، كان بفعل تحكّم الأجهزة القمعية بكل مفاصل الدولة والمجتمع السوريين.
واليوم يستعد هذا النظام للاستمرار بناء على الحسابات الدولية والإقليمية، في حين أن السوريين بكل انتماءاتهم وتوجهاتهم، وبعيداً عن التصنيفات النمطية قد اكتشفوا طبيعة هذا النظام الوظيفية، وتيقنوا من استعداده لارتكاب كل الجرائم بحق الشعب، وتسليم مقدرات البلاد للأجنبي مقابل البقاء.
لقد راكم السوريون خلال العقد المنصرم الكثير من الخبرات، كما علمتهم التجارب أن المراهنة المجدية ينبغي أن تكون على العامل الوطني الذاتي، وعلى الطاقات المتجددة التي يمتلكها الشباب السوري؛ هؤلاء الذين أكتسبوا، رغم الظروف المعيشية الصعبة وشروط الهجرة القاسية وتبعاتها، المعارف والخبرات؛ وأتقنوا اللغات التي مكّنتهم من الاطلاع على انجازات المجتمعات الأخرى في ميادين الإدارة والمعرفة، واحترام الخصوصيات، وضمان حرية التعبير. كل هذه الخبرات والمعارف ستؤثر لا محالة في الواقع السوري الداخلي، وستفتح قنوات الحوار المثمر بين السوريين بعد التحرر من الأوهام الأيديولوجية بسائر ألوانها؛ وبعد انكشاف دوافع المتسلقين والانتهازيين الذين ارتبطوا بالمشاريع الإقليمية والدولية لصالح حسابات خاصة، وأجندات شللية حزبية عصبوية لا علاقة لها بالمشروع الوطني السوري الجامع.
نظام الأسد قد فقد هيبته وقوته، ولم تعد هناك قوة في الدنيا قادرة على إقناع السوريين بالقبول بهذا النظام من جديد. قد تمنح القوى الدولية والإقليمية النظام المعني فرصة آنية محدودة، ولكن المستقبل المنظور لا يوحي بأي إمكانية لشرعنة واستمرارية هذا النظام الذي لم يمتلك الشرعية قط.
*كاتب وأكاديمي سوري
القدس العربي
—————————-
روسيا لا تستطيع إنقاذ الاقتصاد السوري المتهالك.. وليست مهتمة بذلك/ نيل هاور
تم دفع قضية الحرب الأهلية السورية إلى هامش الاهتمام الدولي. فقد أفسحت الهجمات العسكرية واسعة النطاق في السنوات الماضية الطريق أمام ركود الجبهات والانهيار البطيء الذي نادرًا ما يتصدر عناوين الأخبار العالمية. ولكن بالنسبة إلى الشعب السوري فمعاناته لم تنته بعد. فالذين بقوا في المناطق الخاضعة لسيطرة بشار الأسد يعانون الأمرين، وحلفاء سوريا، روسيا على وجه الخصوص، ليس لديهم أي اهتمام بتحسين حالة الشعب السوري.
وكشف تقرير حديث للباحثة إليزابيث تسوركوف عن مدى قسوة الواقع الجديد. فالعملة السورية المتصدعة تساوي الآن أقل من 2 في المئة من قيمتها قبل الحرب، وتسعون في المئة من السوريين يقعون تحت خط الفقر. كما يبلغ متوسط راتب موظف القطاع العام الآن حوالي 15 دولارًا، أي ما يكفي لإطعامه لمدة ثلاثة أيام فقط حسب الأسعار الرسمية. ويعاني أكثر من 60 في المئة من السوريين من انعدام الأمن الغذائي ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية. ولا تلوح في الأفق نهاية للأزمة الاقتصادية، حيث إنها تتعمق كل شهر تقريبًا.
وتتعارض حالة الشعب السوري بشكل صارخ مع الوضع العسكري في سوريا. حيث حافظ نظام بشار الأسد منذ فترة طويلة على استقرار الخطوط الأمامية واستعاد السيطرة على معظم المناطق الرئيسية في البلاد. والفضل يعود إلى روسيا، صديقة الأسد وحليفته منذ زمن طويل. وبعد تدخل روسيا العسكري في سبتمبر 2015، ومن خلال الحملات الجوية المنسقة لموسكو، وبدعم من القوات الخاصة ونخبة المرتزقة على الأرض، تمت استعادة السيطرة على معظم البلاد خلال عامين. وسيطرت القوات الموالية للأسد بشكل حاسم على النصف الذي يسيطر عليه المتمردون من مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد في أواخر عام 2016، وفي عام 2017 تم تطهير الأراضي من تنظيم الدولة الإسلامية في وسط وشرق سوريا. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، سيطر النظام السوري – أو ما تبقى منه – على غالبية أراضي البلاد.
وقد يشكل عجز المواطن السوري عن إطعام نفسه وأسرته إحراجا كبيراً لروسيا التي تلعب دور حليف سوريا الرئيسي. ولطالما سعى المسؤولون الأميركيون لتصوير الوضع من ذلك المنظور، ففي البداية تم تصوير روسيا وكأنها غارقة في “مستنقع” سوري، ولكن عندما أصبح من الواضح أن تكاليف البقاء في سوريا لم تكن باهظة الثمن بالنسبة إلى الروس، تحول الخطاب على أمل إجبار موسكو على تحمل المزيد من مسؤولية إعادة إعمار سوريا التي مزقتها الحرب.
ولكن موسكو وواشنطن تعملان وفق أجندة أعمال مختلفة. فعلى عكس الجهود الأميركية في أفغانستان والعراق الرامية إلى بناء الدولة، فإن روسيا غير مهتمة بتلك الأهداف الأميركية. وكان الدافع المهيمن للتدخل العسكري في سوريا في المقام الأول هو إنقاذ نظام حليف وإجبار القوى الغربية على التفكير في روسيا كلاعب جاد في الشؤون العالمية. وتؤكد ست سنوات من العمليات السياسية الفاشلة والمحادثات بين الحكومة والمعارضة، منذ دخول روسيا إلى سوريا في عام 2015 – في أماكن من جنيف إلى أستانة – عدم اهتمام الكرملين بفرض أي تنازلات حقيقية من طرف الأسد، حتى لو كان قادرًا على تقديم تلك التنازلات.
أما المساعدات الإنسانية فهي مشروع تهكمي بالنسبة إلى روسيا. فهناك الكثير من مقاطع الفيديو للجنود الروس وهم يقدمون الحبوب والطعام للسكان المحليين المحاصرين في جميع أنحاء سوريا بينما تعلو وجوههم الابتسامة، وذلك جزء من الحملة الدعائية الروسية التي تصور الجنود الروس وهم يوفرون الدعم للعائلات في كل من المناطق الحضرية والريفية. ومع ذلك، نادرًا ما يتم توفير المساعدات الروسية من دون حملات إعلامية مصاحبة لها. كما أظهر تحليل آخر أجراه جوناثان روبنسون لمجلس أتلانتيك في يونيو الماضي أن 98 في المئة من القرى السورية التي حصلت على مساعدات روسية على مدى السنوات الخمس الماضية تمت زيارتها مرة واحدة فقط، وهو عمل رمزي ليس له تأثير طويل المدى. وتواصل روسيا أيضًا التلاعب بشحنات الحبوب بالغة الأهمية للشعب السوري، حيث امتنعت عن تسليمها كما هو متفق عليه بسبب عجز ميزانية الحكومة السورية، وقد صادف آخر منع لتسليم الشحنات منتصف العام الماضي.
في نهاية المطاف، لا تهتم روسيا بتلك القضايا. فالسوريون الذين بقوا في المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد في أشد حالات الخوف ومحبطون للغاية ولا تراودهم فكرة الانتفاض ضد الحكومة، وفق الكثير من الشهادات. وقد ظل جهاز الأسد الأمني قويًا بما يكفي لقمع أي إشارة للمعارضة، ويفكر معظم السوريين في الهروب من البلد أكثر من تفكيرهم في حمل السلاح ضد الحكومة مرة أخرى (أو لأول مرة). وفي الوقت نفسه، تلعب التطبيقات المحسوبة للقوى العاملة الروسية في أشكال كتائب الشرطة العسكرية المنتشرة في مناطق رئيسية أو مفارز أمنية شخصية لقادة النظام المهمين مثل اللواء سهيل حسن، دورًا كافيًا في ضمان أمن المناطق والشخصيات التي تعتبرها موسكو مهمة وحيوية. والبنية التحتية العسكرية الروسية في البلاد، ولاسيما قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية (التي تخضع حاليًا لعملية تجديد وتوسيع كبيرة)، لا تتعرض للكثير من التهديدات وعليه يمكن مشاهدة الشعب السوري يحترق أو يتضور جوعًا من مسافة آمنة.
وما يحصل في سوريا هو كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بالنسبة إلى الشعب السوري. ولكن من منظور الأسد ما يحصل هو عبارة عن مخاطرة، ولكن ليس بالقدر الذي قد يعتقده المرء. أما بالنسبة إلى روسيا حليفة الأسد، فإن الأمر برمته لا يعدو أن يكون مصدرا من مصادر الإزعاج.
محلل أمني كندي مقيم في جورجيا
العرب
—————————-
هل لرفعت الأسد مستقبل؟/ حسام جزماتي
لم يرجع رفعت إلى سوريا، ظهر الخميس الماضي، إلا عقب أن عادت هي إليه بعد عشر سنوات كاملة من الردة عن المعالم التي تختلف عن نهجه، والتي كان قد أرساها شقيقه حافظ وابن شقيقه بشار.
فمنذ أن صعد الأخَوان إلى السلطة، إثر وثوب حزب البعث على الحكم عام 1963، اتسم الأول، حافظ، بالهدوء واحترام الأنظمة شكلياً والتآمر عليها عملياً؛ فيما اشتهر الثاني باختراقها وبالاحتكام إلى القوة العابثة العارية. وكانت «سرايا الدفاع»، التي قادها أبو دريد حتى أصبحت جيشاً رديفاً عند صدام الاثنين، صورة عن شخص قائدها التاريخي وموقعه المحيَّر. فهي قطعة من الجيش النظامي. وهي، كذلك، شبه ميليشيا من ناحية عدم خضوعها للنظام العسكري والأمني من خارجها، وتسليحها المميز، ورواتبها العالية، ومساكن منتسبيها المشروعة والمخالفة، وترابطها على أرضية الولاء الشخصي للقائد والتعاضد الطائفي الجماعي.
ما فعله حافظ، بعد التخلص من أذرع الشراكة الملونة التي كان شقيقه قد زرعها في كل قطاعات الحكم والحزب، هو السير بالبلاد نحو «الدولة» بمعنى بيروقراطي. وقد تعزز هذا المسار مع تكلّس السلطة منذ منتصف الثمانينات، وتراكم ورقياتها المتضاربة والمتناسخة والمتضايفة، وإهماله المتزايد لشؤونها المدنية والحكومية حتى وفاته عام 2000.
ورث بشار دولة رمادية متجهمة فحاول تحسين أدائها عبر طفرة من المراسيم التي سرعان ما تبين تناقضها حسب الناصح كل مرة. ورغم أن مهمة «التطوير والتحديث» بدت مستحيلة إلا أن التجميل كان متاحاً، بافتتاح البنوك الخاصة وماركات الألبسة والمطاعم ذات النمط الغربي وتغيير لباس الجيش الخاكي إلى المرقط والبدلات شبه العسكرية لطلبة المدارس المتوسطة إلى ألوان فرحة وموديلات طبيعية… إلخ.
ولكننا لا نبالغ في القول بأن العقد الأخير من الحرب قد أطاح بمعظم منجزات هذين المسارين؛ الدولة وزينتها. فمن جهة أولى لجأت سلطة بشار الأسد، لحماية نفسها من السقوط، إلى الاستعانة بقوى أهلية لقمع المظاهرات أولاً، ثم إلى تسليحها وتنظيمها في فصائل من أصحاب السوابق أو المتهربين من الخدمة العسكرية أو أي متطوعين متاحين، فشكلت بهم قوى «رديفة» ترتبط شكلياً بأجهزة الأمن أو فرق الجيش. وحيثما أتاحت الديموغرافيا قامت هذه الفصائل على عصبية طائفية. وهو ما كان العقد الأول من حكم بشار قد حاول تقليصه أو التخفيف من ظهوره على الأقل. وقد أناطت بعض هذه التشكيلات التشبيحية بنفسها، في مناطق مختلطة، القيام بمجازر طائفية بالتغاضي من ضباط متواطئين أو رغماً عنهم.
كما أن ميليشيات «الأصدقاء»، العاملة على الأرض، رفعت واجهة طائفية معلنة بالدفاع عن المقدسات الشيعية، كاسرة بذلك محرّماً كان الأسد الأب شديد الحرص على تجنبه، فضلاً عن استقلالية القرار التي طالما فاخرت بها «دولة» حافظ، وورثها ابنه. وبالإضافة إلى كلام كثير يقال عن النفوذ الإيراني والروسي في أجهزة الأمن والجيش، لم يعد مستهجناً أن يظهر بعض الضباط الوازنين بلحى أو شملات سوداء وهم يحاربون المعارضة المسلحة، ما جعلهم أشبه بقطاع الطرق. ولم يكن «التعفيش»، أي سرقة مفروشات منازل المدنيين بعد الاستيلاء عليها، و«الترفيق»، أي تقديم خدمة حماية سيارات البضائع، إلا تتمة متناغمة مع هذه الحالة.
ومن جهتها تكفلت الأزمة الاقتصادية، وتداعي الخدمات الأساسية، في رشق الماء على وجه العاصمة دمشق، التي كانت موضع اهتمام التجميل أساساً، مزيلة المساحيق المغشوشة دون عناية، تاركة مكانها آثاراً متناوبة أشبه بكدمات.
وأي لون يسكن قلب «القائد»، العائش في «الزمن الجميل»، أكثر من هذا الأحمر المرقط الذي كان يرتديه جنوده الذين لقّبهم بـ«الفرسان»؟
يرى الكثيرون أن زمن رفعت ولّى، بعد ما يقرب من أربعين عاماً قضاها في الخارج، تكفل خلالها الهرم والموت بإخراج ضباطه من الخدمة، بعد أن تعرضوا لمجزرة من التنقلات هدفت إلى كسر تكتلهم وتهميشهم أو تبديل ولائهم. ورغم أنه استمر في إرسال معونات شهرية شبه سرية لعدد كبير من رجاله، إلا أنها انحسرت حتى انقطعت نتيجة التدقيق الأمني من جهة، وتراجع ثروته وملاحقتها من جهة أخرى. ويجادل هؤلاء في أن الكاريزما، التي كانت أبرز سمات رفعت بين العلويين حتى الثمانينات، باتت جزءاً من ماض بالأبيض والأسود أو بالألوان الباهتة، فيما نشأت أجيال من الطائفة تشعر أن ولاءها الطبيعي لبشار، بوصفه الرئيس وابن المؤسس ووريثه في حماية الجماعة والمحافظة على رابطتها. ولشقيقه ماهر، قائد الفرقة الرابعة التي خلفت سرايا الدفاع، لكن من دون أن يشوّش على حكم أخيه ويعرّض مركب الجميع للخطر.
على الضفة الأخرى يبدو أن الميزات التي ما زال رفعت يتمتع بها ليست قليلة لو أتيحت لها فرصة الحركة والتفعيل. وهو، لا شك، مما يعلمه ابن شقيقه حين سمح له بالعودة ضمن شروط مشددة ستتضح بالتدريج. إذ لطالما أتى الخطر الحقيقي على حكم حافظ الأسد وولده من داخل البيت؛ وأعلى مراتبه الارتباط برفعت، ثم الولاء لصلاح جديد وحقبة ما صار يسمى «البعث الديمقراطي»، وأخيراً الانتساب إلى الجناح العراقي من الحزب. ففي هذه الحالات ينخر «السوس» جذع السلطة نفسها، إذ يكون المتآمرون، عادة، من كبار الضباط وقادة الفرق أو الأجهزة الأمنية وفروعها أو أعضاء قيادة قطرية أو وزراء أو محافظين… إلخ. فيما يندر أن يحدث ذلك في حالة الإخوان المسلمين والشيوعيين مثلاً.
أول ميزات رفعت، إذاً، أن زمنه لم ينقضِ بل عاد مدعماً بتجربة دموية أخرى تفوق أحداث الثمانينات. وقد علّمت هذه التجربة ممارسيها من طرف النظام، وحاضنته الطائفية، أن الجوامع منبع الإرهاب ولذلك يجب تحجيمها بصرامة. وأن في قلب المتدينين المقادير اللازمة لتحضير داعش، حين الطلب، لتذبح وتسبي. وأن وسيلة الحكم المثلى هي «البوط» وتقديس لابسه وجريحه وقتيله. وأن من حق من يدافع عن «البلد» (النظام) أن يحصد نتائج تمييزية، باستباحة المال الخاص وبالاستئثار بحصة أوفر من المال العام. بالإضافة إلى تفضيلات أخرى يجب أن ينالها المقاتل، أو من ينوب عنه في حال تطويبه «شهيداً»، من سكن أو وظائف أو منح دراسية، وهو ما كان القائد يمنحه لرجاله ومحاسيبه وللملتحقين بدورات المظليين التي نظمها كرديف شبيبي لقواته. وكل ما سبق من نتائج مسمومة هو من صميم «مبادئ» رفعت التي عبّر عنها في خطابات منشورة ومارسها عملياً كمجازر، كما هو معروف من سيرته في تلك السنوات العصيبة.
ومع ذلك فالقائد أوسع من هذا. فبالإضافة إلى وجه القمع دون رحمة، والعلمانية الاستئصالية التي تشف عن طائفية؛ عُرف عن أبو دريد، الذي لا يهتم بانسجام أفكاره، ميل إلى الغرب ودعوة، تعززت خلال إقامته في الخارج، إلى «الديمقراطية» والانفتاح الاقتصادي، وصِلات مع دول الخليج وبعض حكامها وأمرائها. مما قد يكون مدخلاً إلى تحسين علاقات البلاد مع المحيط واستجلاب التمويل الذي استطاع توفيره لحياته الباذخة ودعم أنصاره طيلة عقود. وهذه «غنيمة» يطمح إليها حتى من دأبوا على شتم «العربان» خلال السنوات الماضية دون طائل، وهم يعانون اليوم من بؤس جاد وحاد.
بالمقارنة مع بشار (وماهر) يحمل رفعت ميزات رابحة على طول الخط رغم تناقضها. فمن جهة هو صاحب «خبرة» بالقياس إلى سمة «الغرّ» التي لم يتخلص منها بشار رغم تجاوزه الخمسين. ومن جهة أخرى لا يبدو العم ناقص الحيوية مع عمره الذي بلغ الرابعة والثمانين. ومن جهة أولى فهو «مجرَّب» وناجح. ومن الجهة الثانية بعيد عن الأداء الكارثي للحكم في أثناء الثورة، والذي أدى إلى «نصر» بطعم الهزيمة. ولذلك ربما حمل رفعت، في نظر قطاعات من الطائفة، معالم حل «جديد» يُخرجها من مأزقها العميق الحالي.
ليس من الضروري أن تكون المعطيات السابقة منطقية أو مجدية، خاصة في ظل تعدد القوى المتدخلة في البلاد وتعقد خريطتها الشطرنجية، لكن الكاريزما تُصنع من حصى الحقائق وعمارة الوهم. ولا أسهل على من امتلكها ذات يوم، في بيئة معينة، أن يستعيدها طالما حافظ على جذور كامنة لها هنا وهناك، قد تنمو بسرعة في ظل انسداد الأفق والبحث عن أي بديل. وهو ما يعيه بشار جيداً…
تلفزيون سوريا
——————————
رفعت الأسد نافس شقيقه على {القصر} وهرم في المنفى… و{سامحه الرئيس}
عبد الحليم خدام: قواته حاصرت دمشق ليقول إنه قادم للحكم… فاتخذنا إجراءات كي لا تنفجر سوريا
لندن: إبراهيم حميدي
سوريا التي غادرها رفعت الأسد عندما كان نائباً للرئيس حافظ الأسد قبل عقود ليست ذاتها التي وجدها عندما سمح له ابن شقيقه، الرئيس بشار الأسد، بالعودة إليها «مواطناً»؛ هي بلاد تغيرت بتحالفاتها الخارجية ودورها في الإقليم، واختلفت بتركيبتها و«إقامة» خمسة جيوش فيها.
قد تكون مشاهداته الأولى مع زوجاته وأبنائه وأحفاده في اليومين الماضيين لدمشق، في شوارعها وحواجزها وبيوتها ومسؤوليها ومكان إقامته القديم – الجديد في حي المزة، أيقظت ذاكرته وذاكرة مريديه عندما كان في قوته، ولوح من إحدى تلالها بـ«انقلاب» على شقيقه، وحاصر بوابتها، في منتصف الثمانينات.
دمشق التي أصدرت قبل 21 سنة إلى النقاط الحدودية تعميماً باعتقاله، في حال عاد من المنفى، «ترفعت» واستقبلته الآن كي يتفادى تنفيذ حكم محكمة فرنسية بالسجن 5 سنوات. والأيام وحدها ستفك «شفرة» العبارة التي سطرتها صحيفة «الوطن» أول من أمس، من أن رفعت عاد «دون أي دور سياسي واجتماعي»، ومدى «صرامة» هذا «التعميم» في الشوارع بين دمشق واللاذقية.
– «الشقيقان»… و«الأخوان»
رفعت (84 سنة) كان منذ صغره تحت تأثير شقيقه الأكبر الأقوى الذي يكبره بسبع سنوات. وفي 1952، وبعد 5 سنوات، سار على آيديولوجية شقيقه، وانضم إلى حزب «البعث». وأيضاً سار على دربه بالانضمام إلى الخدمة الإلزامية، ثم إلى وزارة الداخلية بعد الانفصال عن مصر عام 1961.
وفي مارس (آذار) 1963، سيطرت اللجنة العسكرية لـ«البعث» الذي كان شقيقه عضواً فيه على الحكم، فالتحق رفعت بالكلية العسكرية في حمص، وخدم بعد تخرجه إلى جانب شقيقه الذي كان آنذاك قائداً لسلاح الجو.
أولى «جولاته» العسكرية كانت مع سليم حاطوم في اقتحام مقر الرئيس أمين الحافظ في فبراير (شباط) 1966 لإسقاط أول حكومة «بعثية». وفي ظل الرئيس نور الدين الأتاسي الذي خلفه لثلاث سنوات، كُلف رفعت بقيادة وحدة خاصة أنشأتها اللجنة العسكرية لـ«الدفاع عن النظام»، بإمرة وزير الدفاع محمد عمران.
يقول مؤرخون إنه في نهاية الستينات، كان هناك مستويان للصراع: بين حافظ ورفعت من جهة، وبين صلاح جديد ومدير مخابراته عبد الكريم الجندي من جهة ثانية. وبين 25 و28 فبراير (شباط) 1969، نفذ «الأخوان الأسد» حركة عسكرية في دمشق، وتوغلت الدبابات في المدينة ضد أنصار الجندي وجديد. وشكل انتحار الأول في 2 مارس (آذار) 1969 لتجنب الاعتقال انتصاراً لرفعت. وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، قام الأسد بـ«حركة شاملة»، واعتقل الرئيس الأتاسي وصلاح جديد، وكُلف رفعت الأسد بمسؤولية تأمين دمشق.
أصبح رفعت قائداً لـ«سرايا الدفاع»، وهي قوة نخبوية من 40 ألف جندي، كانت بمثابة «جيش مستقل» لا يرتبط بأي شكل بالجيش. وترقى رفعت إلى قيادة الحزب، ووسع نشاطاته بين الطلاب والشباب والفتيات والإعلام، كما أسس «الرابطة العليا للخريجين» لتوحيد حملة الشهادات الجامعية، لتصبح ذراعاً طلابية موازية تابعة له.
وفي عام 1979، اندلع صراع بين النظام و«الإخوان المسلمين». وفي ديسمبر (كانون الأول) 1979، قال رفعت في مؤتمر «البعث» إن الوقت قد حان لـ«الرد بقوة»، ودعا الجميع إلى تقديم الولاء المطلق. ونُقل عنه قوله: «ضحّى ستالين بعشرة ملايين شخص للحفاظ على الثورة البلشفية، وعلى سوريا أن تفعل الشيء نفسه أيضاً للحفاظ على الثورة البعثية». وهدد رفعت بـ«خوض مائة حرب، وهدم مليون حصن، والتضحية بمليون قتيل» للحفاظ على النظام – الدولة، وأُطلق العنان في قمع الانتفاضة بين 1979 و1982 التي بلغت ذروتها في قصف حماة في فبراير (شباط) 1982. وفي عام 1983، أرسل «مظلياته» إلى دمشق بأوامر لنزع الحجاب عن النساء في الشوارع؛ الأمر الذي قوبل بانتقادات حادة دفعت شقيقه إلى إدانة ذلك علناً.
– حافة الخطر
وعندما مرض حافظ الأسد، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983، بدا الأمر كأن لحظة رفعت المنتظرة قد حانت، وبدأ في العمل بصفته «وريثاً شرعياً»، فرأى أنه الخليفة الوحيد، وبدأ في حشد تأييد جنرالاته، ما أثار استياءً شديداً لدى الرئيس.
وحسب أوراق نائب الرئيس عبد الحليم خدام، التي اطلعت عليها {الشرق الأوسط}, في مارس (آذار) عام 1978، فإنه اجتمع بالأسد، وسط حملة شديدة على رفعت بين أوساط السوريين، وخلال «حديثنا عن الوضع، قلت له: الحملة كبيرة على رفعت، وهذه الحملة تضعف النظام، لذلك لا بد من معالجة وضع رفعت، فأجابني: رفعت مخرز في عيون الرجعية، فأجبته: سنرى في المستقبل سيكون مخرزاً في قلب من».
وبالفعل، كان رفعت يتدخل بشؤون الدولة، ويعطي توجيهات لرئيس الوزراء محمد علي حلبي الذي لم يكن يتجرأ على ردعه. ويضيف: «كان توجه الرئيس إلى توريث شقيقه، غير أن رفعت ارتكب خطيئة كبيرة عندما حاول الانقلاب على شقيقه خلال مرضه في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983».
وخلال لقاء خدام بالأسد في منزله لمناقشة المشاركة في مؤتمر القمة في عمان نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 1980، قال الأسد: «أفكر في تعيين نائب للرئيس من أجل الاستمرارية، إذ إنه لا يعرف الإنسان متى يأتي الأجل».
وقدّر خدام (أبو جمال)، الذي كان وزيراً للخارجية وقتذاك، أنه يقصد رفعت بـ«الاستمرارية». غير أن محاولة رفعت الاستيلاء على السلطة خلال مرض أخيه «أسقطته من القائمة»، حيث يروي خدام أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1983، مرض الرئيس، و«جاءني مساء ذلك اليوم قائد الحرس الجمهوري عدنان مخلوف، وأبلغني أن الرئيس يريدني وهو في المستشفى. اعتقدت أنه تعرض لمحاولة اغتيال، فسألته: هل أصيب بالرصاص أو بقنبلة، فأجابني: أصابته أزمة قلبية، فذهبت فوراً إلى المستشفى، ودخلت غرفة الإنعاش، وكانت زوجته حاضرة. وسألته عن أزمته القلبية، فأجابني: تعبنا يا أبا جمال».
وفي اليوم التالي، كان من المفروض أن يزور سوريا الرئيس اللبناني أمين الجميل، فـطلب الأسد من خدام تأجيل الزيارة لـ«انشغاله في أمور داخلية». وعندما خرج من غرفة العناية المشددة، اتصل خدام برئيس الأركان في الجيش العماد حكمت الشهابي، وطلب منه المجيء إلى المستشفى، و«اتفقنا على اتخاذ إجراءات بمنع أي محاولة لتفجير الوضع في سوريا لأني كنت أخشى من رفعت».
يقول خدام: «في هذه الأثناء، دخل علينا رفعت، وكنت أتحدث بالهاتف مع سفيرنا في لندن الذي طلبت منه إرسال طبيب قلب فوراً، على أن يكون من أكفأ الأطباء، كما اتصلت بسفيرنا في واشنطن، وطلبت منه الطلب نفسه. وبعدما أنهيت كلامي، قال رفعت: «لماذا إحضار الأطباء من الخارج، هناك أطباء في سوريا؟ هل من الضرورة كلما مرض أي شخص أن نأتي بأطباء من الخارج؟، فأجبته: أخوك اسمه حافظ الأسد، وليس حافظ خدام، ومسؤوليتي أن أوفر كل الظروف لشفائه، لأني أعرف الفوضى التي ستنشأ (في حال غيابه)».
ويضيف أنه وقتذاك «جاءني السفير الأميركي، وأبلغني أن مبعوثاً أميركياً قادم إلى دمشق للاجتماع برفعت الأسد، فأجبته: لن نسمح له بالمجيء؛ في سوريا دولة، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تتصل، يتم الاتصال مع الدولة التي أمثلها أنا بصفتي وزيراً للخارجية».
وبالفعل، في اليوم التالي، قامت كتائب من «سرايا الدفاع» بجولة في شوارع دمشق، كأن رفعت أراد أن يقول للناس: «أنا قادم»؛ يضيف خدام: «اجتمعنا في الأركان، أنا والعماد حكمت الشهابي و(وزير الدفاع) العماد مصطفى طلاس، واتفقنا على استدعاء فرقتين من خارج دمشق طوقتا دمشق، وتوترت الأجواء، لكن عندما عرف رفعت بالإجراءات، كما عرف بعض الضباط الكبار الذين بايعوا رفعت أن الرئيس حافظ تجاوز الخطر، تخلوا عنه، وأصبح معزولاً».
– دبابة على الكتف
في تلك المرحلة، عقدت القيادة القطرية اجتماعاً، وفوجئ الجميع بأعداد كبيرة من «سرايا الدفاع» في الساحة الداخلية للقيادة، ثم جاء رفعت وطلب الحديث، فأعطاه الأمين القطري المساعد محمد زهير مشارقة الدور، فقال: «على القيادة الآن أن تطرد من الحزب كلاً من علي دوبا (مدير المخابرات العسكرية) وإبراهيم صافي (قائد القوات السورية في لبنان) وعلي حيدر (قائد الوحدات الخاصة) ومحمد خولي (مدير المخابرات الجوية) لأنهم يشتمونني؛ أنا شقيق الرئيس، ويجب أن أعامل كالرئيس. وإذا لم تتخذوا القرار، فإن قواتي ستنزل فوراً لتحتل دمشق».
تردد بعض أعضاء القيادة، وأخذ العماد مصطفى يخاطب رفعت ويقول له: «هؤلاء إخوانك، والمشكلة لها حل؛ تجتمعوا معاً». وهنا تدخل خدام، وخاطب رفعت: «تريد أن تعمل انقلاباً؟ تفضل. إذا كان كل ضابط لديه دبابات وعسكر يريد أن يركب على أكتافنا، فهذا الأمر خطير، والدبابات الموجودة عندك وتهدد بها ليست ملكاً لأبيك، تفضل تحرك». فازداد وجه رفعت غضباً، وقال: «أنا لم أقل هذا الكلام»، فأجبته: «الحديث مسجل».
وبعد الاجتماع، اتصل خدام هاتفياً بالرئيس، وأبلغه بما جرى، فقال: «سأدقق مع زهير مشارقة» الذي كان أميناً قطرياً مساعداً للحزب، وأضاف: «بعد دقائق، اتصل بي، وقال: زهير أعطاني صورة أخرى، وإن رفعت لم يتحدث بشيء يسيء أو يهدد»، فقلت له: «اسأل وزير الدفاع ورئيس الأركان؛ زهير من موالي رفعت. وبالفعل، بعد نحو ربع ساعة، اتصل بي، وقال لي: كلامك كله صحيح، وزهير إنسان لا يفهم وجبان وقد كذب علي».
– «أنا النظام»
وفي فبراير (شباط) 1984، بدأ حافظ الأسد بالرد، فأمر بالقبض على أحد أتباع رفعت، وهو مساعده الأمني العقيد سليم بركات، وبعث برسالة إلى رفعت عبر أخيه الآخر جميل، يقول فيها: «أنا أخوك الأكبر الذي عليك حق طاعته، ولا تنسَ أنني أنا الذي صنعتك».
وفي مارس (آذار) 1984، عين حافظ الأسد رفعت نائباً لرئيس الجمهورية، من دون أي مهام رسمية. وفي واقع الأمر، لم تكن هذه ترقية، وإنما كان يهدف إلى كبح صلاحيات رفعت عبر منصب سياسي بحت، حتى يكون تحت عين الرئيس طوال الوقت. وقد أُحيلت مهامه الأمنية، بصفته قائداً لـ«سرايا الدفاع»، إلى العقيد محمد غانم.
ويروي خدام أن الأسد «دعا القيادة القطرية إلى اجتماع في مطلع مارس (آذار) 1984، وأبلغ القيادة بأنه قرر تعيين 3 نواب للرئيس، وسيصدر القرار لأنه من صلاحياته، وليس من صلاحيات القيادة القطرية، وأعلن أسماء الذين سيعينهم نواباً له على النحو التالي: رفعت الأسد، وزهير مشارقة، وعبد الحليم خدام. فقلت له فوراً: لا أريد أن أكون نائباً للرئيس، ولا في أي موقع حكومي أو حزبي».
ويضيف: «أنهى الاجتماع، ودعاني إلى مكتبه، وسألني: لماذا اعترضت؟ فأجبته: كيف تضع رفعت وزهير أمامي؟ رفعت كان يجب أن يكون في السجن، وليس نائباً أولاً للرئيس، وزهير عندما كنت قيادياً في حزب البعث كان في الصف الخامس الابتدائي؛ لقد عملت كل جهدي لخدمة بلادي، ولن أمارس أي عمل في الدولة أو في الحزب، فأجاب: تعالَ وتولى منصب الأمين القطري، وهو الأمين القطري المساعد، فأجبته: لم يعد في ذهني أي عمل، وودعته وذهبت إلى المنزل».
ويستطرد: «وبعد نحو ساعة، تحدث معي، وطلب مني أن أعود، فعدت إليه، حيث استقبلني ضاحكاً بعبارة: أنت عنيد، وأبلغني أنه أصدر مرسوماً بوضعي أولاً، ورفعت ثانياً، وزهير ثالثاً. فسألته: ماذا سيعمل نائب الرئيس؟، فأجابني: ستكون مسؤولاً عن السياسة الخارجية، وبالفعل أصدر المرسوم، وقبلت».
وفي 30 مارس (آذار) 1984، رد رفعت على هذه الخطوة، وأمر جنوده بالدخول إلى دمشق، مع أوامر واضحة بالاستيلاء على السلطة، وقد تمركزوا في نقاط استراتيجية في جميع أنحاء دمشق ومحيطها، وهي نقاط يسهل منها قصف المدينة. وقد واجهت قوات رفعت الأنصار الموالين للرئيس، وهم رجال مثل علي حيدر من القوات الخاصة، وعدنان مخلوف من الحرس الجمهوري.
وكتب باتريك سيل، مؤلف سيرة الأسد، بعنوان: «الأسد: النضال من أجل الشرق الأوسط»: «لو أن الجانبين وجها ضربات في العاصمة، لكان الدمار عظيماً جداً، ولشوهت صورة النظام على نحو لا يمكن إصلاحه، هذا إذا نجت دمشق على الإطلاق». وأضاف: «لقد ترك (حافظ) الحبل لرفعت بما يكفي لشنق نفسه».
كان حافظ يرتدي البزة العسكرية الكاملة، يرافقه نجله الأكبر باسل الذي سيصبح اليد اليمنى لوالده إلى حين وفاته بحادث سيارة بداية 1994. وقد قاد سيارته من دون حراس في العاصمة لمواجهة رفعت في مقر قيادته العسكرية. ويروى وزير الدفاع مصطفى طلاس، في منشور «ثلاثة أشهر هزت سوريا»: «اتصل العميد عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري، وقال إن السيد الرئيس قد توجه بمفرده إلى مقر شقيقه رفعت الأسد (في ضواحي المزة)، وأعطاه (أي عدنان مخلوف) التوجيه التالي: إذا لم أعد بعد ساعة من الآن، قل للعماد طلاس أن ينفذ الخطة (بمواجهة قوات رفعت)».
«هل تريد إسقاط النظام؟» سأله حافظ، واستطرد: «ها أنا ذا؛ أنا النظام!». تجادلا، ثم عرض الرئيس على شقيقه مخرجاً، متعهداً باحترام كرامته ودعم مصالحه، والخروج الآمن إلى منفى يختاره، ولن يُقبض عليه.
وفي أواخر أبريل (نيسان) من عام 1984 «بدأ العميد رفعت يشعر بأن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه الرئيس لدرجة لم تعد تسمح له بالحركة إطلاقاً، فاتصل بشقيقه جميل الأسد، ليمهد له المصالحة مع أخيه، وأنه جاهز لأي عمل يرتئيه. وكان الرئيس الأسد ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت ورضوخه للسلطة، وقد نجح في لعبة عض الأصابع. ومن هذا المنطلق، أعلم شقيقه جميل بالموافقة على طلب قائد سرايا الدفاع… وبدأت المفاوضات الصعبة».
وتم الاتفاق على أن تعود «سرايا الدفاع» لتوضع بتصرف هيئة العمليات في القوات المسلحة، وأن يبقى العميد رفعت نائباً لرئيس الجمهورية مسؤولاً (نظرياً) عن شؤون الأمن. كما تم الاتفاق على أن يسافر معه إلى موسكو ضباط كبار.
وفي 28 مايو (أيار) 1984، توجهت طائرة إلى موسكو مليئة بأكبر ضباطه (بمن فيهم رفعت) لفترة تهدئة، ثم تم استدعاؤهم واحداً تلو الآخر إلى سوريا، وترك رفعت وحيداً في المنفى.
– «أخي لا يحبني»
وقبل مغادرته سوريا، نظم رفعت مأدبة كبيرة لأصدقائه، وقال: «يبدو أن أخي لم يعد يحبني؛ عندما يراني يعبس، لكني لست عميلاً أميركياً، ولم أتآمر ضد بلدي… لو كنت أحمق، لدمرت المدينة بأكملها، لكني أحب هذا المكان. رجالي هنا منذ ثمانية عشر عاماً، والناس معتادون علينا؛ إنهم يحبوننا، والآن يريد هؤلاء المغاوير طردنا».
وقد عاد رفعت إلى سوريا عام 1992، بناء على رغبة والدته التي توفيت في ذلك العام. وفي عام 1994، عزى شقيقه حافظ عندما توفي نجله باسل، لكنه سُرح في وقت لاحق من العام نفسه من منصبه في الجيش، واستمر في شغل منصب نائب الرئيس، قبل أن يعفى لاحقاً.
وفي عام 1999، شارك أنصاره في معركة بالأسلحة النارية ضد القوات الحكومية في اللاذقية. وقد أنشأ محطة فضائية في لندن، في سبتمبر (أيلول) 1997، كما أسس حزبه الخاص في أوروبا، برئاسة نجله سومر الأسد، داعياً إلى التغيير السياسي، الأمر الذي قوبل بنقد من معارضين وموالين.
وعندما توفي الرئيس حافظ، في 10 يونيو (حزيران) 2000، أصدر بياناً حداداً عليه، وادعى أنه الوريث للرئاسة، غير أن نداءاته لم تلقَ آذاناً صاغية، وأمر نائب الرئيس خدام باعتقال رفعت، إذا حاول حضور جنازة الرئيس في 13 يونيو (حزيران).
وبعد اندلاع الاحتجاجات في ربيع 2011، اتخذ رفعت موقفاً ضد النظام، وتولى ابنه رئبال نشاطات سياسية علنية، لكن حضوره تراجع، إلى أن ظهر رفعت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في القنصلية في باريس لانتخاب الرئيس، ثم بعث برقية تهنئة للأسد بـ«إعادة انتخابكم»… إلى أن عاد يوم الخميس.
الشرق الأوسط
—————————
مجلس حقوق الإنسان يتبنى قراراً بشأن سورية: ليست آمنة للعودة
تبنى مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، قراراً أكد فيه أن سورية ما تزال تفتقد للبيئة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين والنازحين.
وخلال جلسة عقدها المجلس اليوم، الجمعة، أعرب عن قلقه من أن تؤدي الزيادة الأخيرة في “أعمال العنف” إلى تشريد المزيد من المدنيين داخل سورية، مما يزيد من تفاقم الأزمة المستمرة.
ودعا جميع الأطراف في سورية إلى الوقف الفوري للأنشطة التي تؤدي إلى تشريد المدنيين، بما في ذلك أي أنشطة قد تشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وقال المجلس: “نحيط علماً بما خلصت إليه لجنة التحقيق الدولية مؤخراً أن سورية لا توفر بعد البيئة الآمنة لعودة اللاجئين بصورة مستدامة وكريمة أو للمشردين داخلياً البالغ عددهم 6.7 مليون نسمة”.
وفي الرابع عشر من الشهر الماضي أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التابعة للأمم المتحدة، تقريراً قالت فيه إن سورية ليست صالحة للعودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين.
وأشار التقرير الـ 24 للجنة إلى أن الحرب على المدنيين السوريين لا تزال مستمرة، “ومن الصعب عليهم إيجاد الأمن أو الملاذ الآمن في هذا البلد الذي مزقته الحرب”، بحسب ما صرّح باولو بينيرو، رئيس اللجنة، خلال مؤتمر صحفي في جنيف.
وأضاف أنه “مع دخول الرئيس الأسد فترة ولايته الرابعة – حيث يسيطر على حوالى 70% من الأراضي و40% من عدد السكان قبل اندلاع الحرب – يبدو أنه لا توجد تحركات لتوحيد البلاد أو السعي لتحقيق المصالحة”.
#HRC48 | Resolution A/HRC/48/L.10 on the situation of human rights in the Syrian Arab Republic was ADOPTED.
▶https://t.co/QWjXx5H4gf pic.twitter.com/4stLHADi94
— UN Human Rights Council 📍#HRC48 (@UN_HRC) October 8, 2021
وكانت منظمة العفو الدولية” (أمنستي) أعلنت أن لاجئين سوريين تعرضوا للاعتقال والاختفاء القسري، على يد النظام السوري، لدى عودتهم إلى وطنهم.
ورصدت المنظمة في تقرير صادر، سبتمبر / أيلول الماضي، 66 حالة للاجئين عائدين إلى سورية، تعرضوا فيها للاعتقال والتعذيب والاغتصاب، على يد قوات الأمن السورية، بينهم 13 طفلاً، فيما لا يزال 17 منهم مختفين للآن وقتل 5 منهم تحت التعذيب.
وطالبت “العفو الدولية” الحكومات الغربية بوقف الضغط على اللاجئين السوريين وحثهم على العودة لوطنهم، خاصة الدنمارك والسويد وتركيا.
ويروج نظام الأسد لإجراءات تتخذها حكومته من أجل تأمين عودة “كريمة” للاجئين السوريين.
وسبق أن عقد مؤتمراً في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي برعاية روسية، هدفه “تشجيع” اللاجئين على العودة.
——————————
أول صورة لرفعت الأسد من دمشق: زوبعة من السخرية وردود فعل غاضبة/ هبة محمد
دمشق – «القدس العربي»: خرج رفعت الأسد في أول ظهور له بعد عودته إلى سوريا، على وسائل التواصل، من نافذة الصفحة الشخصية لحفيدته «شمس» ابنة ولده الأكبر دريد، التي نشرت صورة لها تجمعها مع جدها، الذي بدا بدوره «منتصراً مـزهوا» بعد فشل كل المحاولات القانونية لملاحقته بسبب دوره في جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وإفلاته من الملاحقة القضائية الفرنسية حيال جرائم مالية.
وتداولت مواقع وصفحات التواصل صورة رفعت الأسد على نطاق واسع، وأثارت زوبعة من ردود الأفعال الغاضبة والمستهزئة من مسألة إفلات «جزار حماة» كما يصفه السوريون من العقاب في أوروبا، وهو صاحب سجل أسود في تاريخ الإجرام والفساد. ففي منشور له على حسابه في «فيسبوك» كتب نجل وزير الدفاع السوري الأسبق فراس طلاس، حول عودة رفعت الأسد إلى دمشق، «عودته بحد ذاتها لا تعنيني كشخص سوى أنه أسدي متقاعد فعمره 84 سنة، وفي سوريا هناك طريقان فقط للتخلص من الأسدية، أو موت البلد وتعفنها لعقود طويلة في حال بقائهم.
«إفلات السفاح»
من يجب أن يقلق ويعنيه عودة رفعت؛ هي أسماء الأخرس الأسد، فسومر وريبال وسوار أبناؤه العائدون معه، لديهم أطماع في السلطة ولديهم بعض العلاقات الدولية وفهم السياسة الدولية، والأهم لديهم علاقات عميقة مع ابن عمهم ماهر الأسد ومع مئات الضباط في الساحل».
كما كتب المحامي المقيم في فرنسا زيد العظم «من حيث المبدأ، فإن ما قرأناه بالأمس عن إفلات السفاح رفعت الأسد من العقاب حيث حكم محكمة النقض كان سيصدر خلال أسابيع بسجن المتهم 4 سنوات، هو أمر صادم بكل ما تعنيه الكلمة». وأوضح أنه يتواصل «بشكل مكثف مع منظمة CHERPA وأحاول الحصول على تفاصيل من قضاة النيابة العامة، لذا الصورة ستكون أوضح يوم الاثنين عند بداية الدوام. وخلال أيام منظمة CHERPA التي تحمل لواء مقاضاة السفاح رفعت، ستصدر بياناً توضيحياً حول ما جرى».
مضيفًا «رفعت الأسد هرب من السجن الفرنسي إلى سجن الإقامة الجبرية هناك، وهناك الأعفن من كل سجون الأرض». بينما استهزأ الصحافي والناقد اللبناني حازم صاغية على عودة رفعت قائلاً «أوروبا خسرت رفعت الأسد، انتكاسة أخرى لمشروع التنوير». المعارض والمحامي السوري بسام طبلية عقب قائلاً «مازالت الجرائم التي اقترفها رفعت في سوريا عام 1982 لم ينسها الشعب بعد، ليعود النظام المجرم بالسماح لرفعت بالعودة إلى دمشق، مؤكدين على كلامنا أن سوريا ما هي إلا مزرعة لعائلة الأسد – من وجهة نظرهم – وليست بلداً ديمقراطياً ذا مؤسسات».
وكتب أيضاً «أن السماح لرفعت بالعودة إلى دمشق – وتغاضي فرنسا عن خروجه إلى دمشق بعد صدور حكم بسجنه مدة أربع سنوات ومصادرة أمواله – ما هو إلا دليل على أن سوريا هي مرتع المجرمين مقترفي الجرائم بحق الشعب السوري ابتداءً من رفعت مروراً بحافظ وليس انتهاءً ببشار وإيران وروسيا ووو… مصادرة أموال رفعت التي سرقها من الخزينة السورية بطرق ملتوية، ثم جمعه مزيداً من الأموال في بقية دول أوروبا ثم مصادرتها من فرنسا (وقبلها باسل الأسد والنمسا أعادت نصف المليارات آنذاك وتم فبركة عقد زواج لباسل للسماح بتمرير النصف لبشار آنذاك باعتبار أن القانون الأوربي/ النمساوي يعطي الزوجة نصف الممتلكات) هو دليل أخر أن الدول الأوربية تسمح بسرقة الأموال من المجرمين والدول الدكتاتورية ثم تصادرها تحت مسميات مختلفة، وما سماح فرنسا بخروج رفعت منها إلا دليل على تواطئها معه وإلا ما سبب عدم ملاحقتها له بالجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ضد الشعب السوري؟؟!!!».
«السايكوباث»
وأضاف «عودة رفعت الأسد (صاحب شهادات الدكتوراه) في زمن أخيه (ابحثوا عن مصدرها تعرفون حقيقته)، عودته إلى دمشق دون أي اعتبار للقوانين السورية أو مشاعر السوريين يدل دلالة قاطعة أن نظام الأسد في دمشق لا يعير بالاً لشعبه أو للقوانين السورية أو حتى للدستور، فما أهمية اللجنة الدستورية في ظل عدم وجود نسيج اجتماعي أو مؤسسة قضائية حرة ونزيهة وسيطرة الأمن عليها. رفعت الأسد مجرم ويجب محاكمته عن جرائمه».
بينما عقب المعارض السوري رائف العطار على هروب رفعت الأسد قائلاً «رفعت الأسد جزّار حماه. رفعت الغول الذي كان جنوده في المجزرة يرمون حديثي الولادة والأطفال في أولى خطواتهم من النوافذ وهم يقولون للأمهات مقهقهين اذهبن للأسفل لتتلقفنهم – هذا السايكوباث قام بتمويل نفق بحر المانش من الأموال التي جناها من بيع آثار سوريا. لا يوجد رمز للفساد والجريمة والانحطاط مثل هذا الرجل، وسوريا اليوم التي صنعها بشار الأسد بيئة طبيعية لمثل هذا الوخم».
بدوره عقب المعارض السوري عبد الحميد سيدا على فشل كل المحاولات القانونية لملاحقة رفعت الأسد دون معرفة ظروف خروجه من فرنسا قائلاً «جرت أكثر من محاولة لملاحقته وواقع ضعف المعارضة السورية خلال عقود لم يساعد على زيادة فرصة إنجاحها، لكن لنكن صريحين لنقل بأنه تم إعطاء رفعت الأسد نوعاً من الحصانة التي رافقت إقامته في عدة دول أوروبية وجعلته يتمتع حتى الفجور بالأموال التي أخذها من سوريا مقابل ترك أخيه حافظ في الحكم».
وأضاف «سويسرا وفرنسا وإسبانيا وإنكلترا فتحت له أبوابها ولم تزعجه إلا في السنوات الأخيرة. يكاد يكون السبب سراً لا يعرفه إلا هو لأن مسألة المال والفائدة المادية منه ليست كافية لكي يستمر ما يقرب الأربعة عقود في هذه الحالة. صحيح أن له قرابة وصداقة مع ملك السعودية الراحل عبد الله لكن هذا لا يفسر تسامح الدول المذكورة معه رغم أنه كانت له ولأولاده تجاوزات كثيرة، البعض يعتقد أنه كان يتمتع بحماية أمريكية. أنا وصلت إلى ما يشبه القناعة بأن اللغز هو في مكان آخر لم يتكلم عنه أحد، لا من طرف رفعت ولا في الدول المعنية».
وأضاف «برأيي السبب استخباراتي بحت. رفعت كان بإمكانه تقديم أكبر وأضمن وأمتن شبكة تجسس في سوريا للدول المعنية وأولها فرنسا وإنكلترا وبشكل غير مباشر لإسرائيل وبرأيي هو فعل هذا كثمن لهذه الحصانة. واللبيب من السوريين يستطيع تخمين كيفية هذا. قصة السوريين مع رفعت الأسد تلخص وضعهم في بلدهم وعلاقتهم مع العالم».
———————
شرق الفرات بعد عامين من التدخل التركي: معادلات جديدة/ أمين العاصي
عامان مرّا على العملية العسكرية التي قام بها الجيش التركي مع فصائل سورية معارضة موالية له، ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف بـ”شرقي الفرات”، تبدلت خلالهما الكثير من المعادلات السياسية والعسكرية. وبدأ هذا الجيش في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 عملية أطلق عليها تسمية “نبع السلام” في شمال شرقي سورية، لتبديد مخاوف أنقرة من قيام إقليم ذي صبغة كردية على حدودها الجنوبية، تعتبره مساساً مباشراً بأمنها القومي. لم تستمر العملية طويلاً، خصوصاً أنها لم تشمل كامل المنطقة التي تعادل أكثر من ربع مساحة سورية، بل اقتصرت، وفق تفاهمات مع الجانب الأميركي ولاحقاً مع الجانب الروسي، على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وعمق نحو 33 كيلومتراً. وشملت العملية جانباً من ريف الرقة الشمالي، وهي المنطقة الواقعة شمالي الطريق الدولي “أم 4” (أوتوستراد حلب ـ اللاذقية)، وجانباً من ريف الحسكة الشمالي الغربي.
وسيطر الجيش التركي على مدينتي تل أبيض في ريف الرقة، ورأس العين في ريف الحسكة، والقسم الأكبر من ريفهما في شرق الفرات، المعروفة بـ”سورية المفيدة”، كونها تضم أهم الثروات في البلاد. ولكن المنطقة لم تهدأ أمنياً منذ ذاك الحين، إذ قتلت سيارات مفخخة وأصابت المئات من المدنيين، خصوصاً خلال العام الماضي، الذي شابه الكثير من الفلتان الأمني. وتتهم المعارضة السورية “الوحدات الكردية” التي تشكل الثقل الرئيسي في “قسد” بالوقوف وراء هذه العمليات، بهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة. وحاول الجيش التركي توسيع نطاق نفوذه في شرق الفرات عدة مرات، إلا أنه اصطدم دائماً برفض روسي وأميركي ومقاومة من “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
وتتباين الأرقام والمعطيات والوقائع ما بين من يؤكد أن المنطقة التي تخضع حالياً لعدة فصائل سورية معارضة شرقي الفرات، شهدت نمواً على المستويات كافة، وبين من يرى أنها شهدت عمليات تطهير عرقي وتجاوزات كثيرة بحق المدنيين من قبل الفصائل، التي تقاسمت النفوذ الأمني في المدن والبلدات، التي تضمها هذه المنطقة ويشكل العرب النسبة الغالبة من سكانها. وفي السياق، نشرت وكالة “الأناضول” التركية، أمس السبت، أرقاماً تشير إلى أن منطقة “نبع السلام” تضم اليوم 250 ألف نسمة “بفضل الإسهامات الحثيثة لتركيا”، موضحة أن هناك 22 منشأة صحية في المنطقة، من بينها مستشفيان يقدمان خدمات مجانية للمراجعين، وأُجري فيهما أكثر من 6 آلاف عملية جراحية، وأكثر من خمسة آلاف عملية ولادة. وتؤكد تركيا أنها جهزت 440 مدرسة استقبلت هذا العام أكثر من 46 ألف طالب، مشيرة إلى أن عدة منظمات تركية، منها الهلال الأحمر، تواصل تقديم الخدمات للسكان في المنطقة. وأشارت الوكالة إلى أن الهدف من “نبع السلام”، كان “تحييد الإرهابيين في سورية وضمان أمن الحدود”، مضيفة أنه “تم تطهير 600 منطقة سكنية في إطار العملية”.
ولكن “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الواجهة السياسية لقوات “قسد”، أشار في بيان له يوم الجمعة الماضي، إلى أن ما أسماه بـ”العدوان” على تل أبيض ورأس العين خلّف المئات من القتلى والمصابين من المدنيين والعسكريين ودماراً كبيراً في البنية التحتية. كما أكد نزوح “عشرات الآلاف من سكان المنطقة”، مشيراً إلى وجود تغيير ديمغرافي “ممنهج” لـ”خلق واقع إداري جديد، وتغيير معالم المنطقة من كافة النواحي الثقافية والقومية والإثنية والدينية”.
وأكدت مصادر محلية في بلدة سلوك، التابعة إدارياً لمدينة تل أبيض، أن واقع الحال في منطقة نبع السلام “لا يسرّ”، مشيرة إلى أن المنطقة شهدت تجاوزات كثيرة من قبل بعض الفصائل بحق المدنيين، خصوصاً العام الماضي. وبيّنت أن هذه الفصائل “دخلت أكثر من مرة في صراعات دامية على النفوذ، تدخّل الجيش التركي أكثر من مرة لإيقافها”، مضيفة: “هناك مجموعات خارجة على القانون، تقوم بممارسة الانتهاكات بشكل متكرر”.
من جهته، قال مصطفى سيجري، وهو عضو مجلس قيادة “الجبهة السورية للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني” المعارض، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “عملية نبع السلام شكّلت نقطة تحوّل في عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب في سورية، فقد كسرت المشروع الانفصالي، وأنهت ما يسمى بإقليم كردستان سورية”. ومضى بالقول: “اليوم باتت هذه المناطق المحررة آمنة، لجهة كف يد الإرهاب عنها وتسلط قادة حزب العمال الكردستاني، وكذلك حماية التركيبة السكانية والمجتمعية، ووقف عمليات التغيير والتهجير الممنهجة”. وأكد أن “سكان هذه المنطقة يعيشون اليوم من دون خوف أو استهداف على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو سياسي”، مضيفاً: “ما زال إلى الآن هناك عدد من أبناء هذه المناطق خارجها ويريدون العودة إليها، إلا أن تنظيم قسد الإرهابي يمنعهم ويرفض السماح لهم بالخروج من مناطق سيطرته”. وذكر أنه “ما زلنا نعمل على إعادة إصلاح البنية التحتية وتأمين احتياجات المواطنين الأساسية، ولكن للأسف هذه المناطق تتعرض لحصار كبير من قبل المجتمع الدولي الذي منع وصول المساعدات والمنظمات الإنسانية الدولية، ولذلك يتعرض أهلنا في هذه المناطق إلى عقاب جماعي نتيجة رفضهم التعايش مع الإرهاب”.
وكان لعملية “نبع السلام” تبعات كبرى على منطقة شرقي نهر الفرات، إذ اضطرت قوات “قسد” إلى إبرام اتفاق عسكري مع الجانب الروسي لإيقاف العملية التركية، سمح لوزارة الدفاع الروسية والنظام السوري بنشر قوات في المنطقة، وهو ما جعل موسكو لاعباً رئيسياً في هذه المنطقة الغنية بالثروات.
الباحث السياسي السوري الكردي إبراهيم مسلم (وهو من أبناء منطقة تل أبيض) اعتبر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الوجود التركي في شرقي نهر الفرات وغربه بمثابة “احتلال”، مشيراً إلى أن “عدد سكان تل أبيض وحدها وصل خلال وجود الإدارة الذاتية في المنطقة إلى نحو 100 ألف شخص، قسم كبير منهم نازحون من مناطق أخرى”. وأضاف: “أكثر من 95 في المائة من أكراد عربي الجديدمنطقة تل أبيض هُجروا من منازلهم. هناك عدة عائلات كردية لا تزال موجودة”. وأشار إلى أن “نحو نصف العرب من سكان منطقة تل ابيض هُجّروا أيضاً بعد التدخل التركي في المنطقة أواخر عام 2019″، مضيفاً: “ما يهمني اليوم هو عودة الناس إلى بيوتهم، سواء كانوا عرباً أو أكرادا”.
العربي الجديد
——————
بعد عشر سنوات.. سوريا الثائرة حقل رماية وصندوق بريد/ عبدالجبار جواش
في مفهومنا البسيط تعرف الثورة بأنها انتفاضة شعبية لإزاحة نظام الحكم ترافقها تغييرات في الأوضاع الاجتماعية والسياسية لبلد ما، وقد شهد التاريخ العديد من الثورات بمختلف غاياتها وأهدافها ولعل أسمى وجوه الثورة هو الثورة ضد الاستبداد لإرساء قواعد المواطنة والعدل والمساواة. ولهذه الأخيرة أحكامها فليست كل الثورات هنا متشابهة في التفاصيل ويرجع ذلك لظروف البيئة الاجتماعية والجغرافية والسياسية والتاريخية للبلد الثائر، كذلك لطبيعة نظام الاستبداد نفسه. لذا فنتائج الثورات تأتي مختلفة فبعضها يكتب له النجاح بتحقيق الهدف الأسمى وهو دولة الديمقراطية وبعضها يفضي إلى حكم مستبد آخر كحكم العسكر، وهذا حال معظم ثورات دول أميركا اللاتينية في أواسط القرن الماضي وبعض الثورات قد توأد في مهدها وأقرب مثال نستحضره هنا هو الثورة الخضراء في إيران عام 2009.
وفي مستهل الحديث عن الثورة السورية لا بد من التأكيد أنها ليست حدثا غريبا أو مشوها في مسار تاريخ سوريا، بل هي استحقاق وفعل جمعي سوري مشروع لاسترداد الوطن والمواطنة من براثن عصابة اغتصبت سوريا منذ أكثر من خمسين عاما. ولكن بعد عشر سنوات على اندلاعها نرى اليوم سوريا وكأن لعنة الجغرافيا السياسية قد خيمت على ثورتها وأحكمت قبضتها على تفاصيل المشهد هناك، حتى دخلت في لوحة سيريالية تعارضت فيها مصالح الفاعلين وتشابكت أهدافهم وتعددت غاياتهم وبات هذا البلد ليس أكثر من صندوق بريد وميدان لاختبار العتاد.
فالفاعلون في القضية السورية كثر، تجوب طائراتهم سماءها وتحكم جيوشهم أرضها، يتفاوضون ويتصافحون في قصورهم أما في سوريا فيودعون الرسائل لبعضهم، رسائل تكتب بالنار دونما اعتبار لسوريا أرضا وشعبا، وقس على ذلك ما يحصل اليوم بين إيران وعدوها الأكبر الولايات المتحدة الأميركية، فأي دعوة للتفاوض أو تعثر لمساراتها سيترجم على الجغرافيا السورية بقصف ومناوشات متبادلة بين قواعدهم ومناطق نفوذهم على الأرض السورية، وقد يعودون للطاولة بعد أن تصل الرسائل ويرتب المشهد من جديد، كذلك السجال بين روسيا وتركيا الصديقتين فيها والعدوتين خارجها من تنبيهات ولعب على الملفات الحرجة تكون أرواح السوريين ومدنهم قربانا لها، ولا يغيب عن المشهد أيضا ما تفعله إسرائيل لمواجهة التمدد الإيراني وميليشياتها في سوريا من قصف بين الحين والآخر لمراكزها وقواعدها على امتداد الجغرافيا السورية.
ونبقى في الميدان، ولكن من زاوية جديدة برعت فيها روسيا حليفة النظام فها هو رئيسها فلاديمير بوتين يتشدق متفاخرا بين الحين والآخر بأن جيش بلاده جرّب أحدث الأسلحة التي يمتلكها، وأثبت مواصفاتها الفريدة في عملياته الحربية ضد الإرهابيين حسب زعمه مؤكدا على أهمية الحفاظ على وتيرة إنتاج الأسلحة الحديثة لاستخدامها واختبارها في التدريبات العسكرية خلال السنوات القادمة. أما وزير دفاعه فقد صرح أن روسيا جرّبت 316 نموذج سلاح روسي جديد في سوريا منذ تدخلها عام 2015، وهذا ما يؤكد أن عمليات الجيش الروسي في سوريا تساعده على فحص الأسلحة وتطويرها. ومن المهم بمكان أن نذكر أن مبيعات وأسعار السلاح الروسي ارتفعت في سوق السلاح العالمي، وعقدت روسيا العديد من الصفقات التي ساهمت بدعم الخزينة الروسية بعشرات المليارات من الدولارات، وباتت روسيا الاتحادية ثاني أكبر دولة في العالم بمبيعات الأسلحة، بعد الولايات المتحدة، وهكذا تصبح سوريا ميدانا بمواصفات فنية ممتازة تلائم تجريب العتاد وعرضه للمشترين.
عشر سنوات من عمر الثورة، تعرض فيها المشهد السوري للكثير من التحولات والتبدلات والمفاجآت حتى باتت سوريا ليست أكثر من صندوق بريد وحقل رماية وجغرافيا ممزقة وشعب تائه، لربما يكون هذا أمر في سياقه الطبيعي لثورة في بلد بموقع سوريا يتجاذبه فاعلو السياسة الدولية ونظام فهم اللعبة وفتح الباب لكل راغب شريطة أن يبقى على كرسيه ولو من دون شرعية وسيادة. ولكن يبقى السؤال الأهم والأكثر إلحاحا، متى يخرج هذا البلد من وحله؟ ومتى سيسترد السوريون وطنهم؟ ومتى ستنام ثورتهم منتصرة بعد كل هذه الدماء؟
تلفزيون سوريا
———————————
فرانكو سورية يودع المهاجرين/ عدنان عبد الرزاق
هاجروا أيها السوريون، ماذا تنتظرون منّا؟ نحن حكومة محاصرة تواجه مؤامرة كونية، بل ومشغولون حتى عام 2023 بتصويب العلاقات الخارجية وإعادة إنتاج نظامنا الذي ظلمه العالم.
ألم نغض الطرف، بل ونوظف لكم من عناصر أمننا، لينقلوكم من حلب إلى أعزاز، ومن ثم إلى تركيا، فلماذا لا ترحلون؟!
ألم نشغّل لكم وسائط نقلنا، لتقلكم إلى مدينتي دير الزور والحسكة، لتهربوا بعملنا إلى أربيل العراق، فماذا يؤخركم وعلى ماذا تؤمّلون؟!
وكل من يستطيع منكم تأمين فيزا أو كارت زيارة أو لم شمل، فمرحب بهجرته من مطار دمشق الدولي، ألم تعرفوا أن شركة “أجنحة الشام” الخاصة التي يملكها آل نظامنا عاودت تسيّر رحلاتها وتقدم لكم خدمات الهجرة وبأسعار تشجيعية؟!.
ربما هذا المعنى المختصر لأداء نظام بشار الأسد ورسائله التي استعصى على السوريين، لعجزهم المالي ومخاوفهم الأمنية، فهمها.
وإلا، ماذا يعني أن يتعذر رئيس الحكومة بقلة أموال الخزينة، وعدم زيادة الأجور بالأفق المنظور. بعد أن تعدت تكلفة معيشة الأسرة السورية 1.24 مليون ليرة، ومتوسط الدخل، لمن له دخل ثابت طبعاً، لا يتجاوز 75 ألف ليرة.
كيف يمكن تفسير رفع أسعار المحروقات وإشارات سحب الدعم، حتى عن الخبز، وزيادة أسعار الغذاء، حتى بالمؤسسات الحكومية، التي ارتفعت 40% عما كانت عليه منتصف العام، لتصل تكاليف الغذاء الرئيسية للأسرة إلى 766 ألف ليرة سورية، ويتحول أكثر من 90% من السوريين إلى فقراء.
وهل غير الدفع للتهجير يمكن استخلاصه من تصميم وزير المال على رفع الضرائب، بل والاقتصاص من الصناعيين والتجار بمفعول رجعي ووفق أرقام أعمالهم قبل الثورة؟!
ليأتي تصريح وزير الكهرباء أمس، ليقطع الآمال بعودة التيار أو الاعتماد على الكهرباء للتدفئة خلال الشتاء، بعد شح المشتقات النفطية ورفع أسعارها إلى ما يفوق قدرة السوريين الشرائية.
فالوزير غسان الزامل قضى بالأمس على أيّة آمال مستقبلية بتحسن وضع الكهرباء أو المحروقات، بل، وضمن خطط التطفيش، كان سيادته بمنتهى الصراحة “لن يكون هناك شتاء دافئ هذا العام”، وسيعود إنتاج الكهرباء كما كان في عام 2023، بيد أن تلك العودة مشروطة بالاستثمار الخارجي الموعود “سنوقع عقود مشاريع مع شركات لتزيد من كميات الكهرباء في سورية”.
قصارى القول: سورية، التي تحتاج 4500 ميغاواط ساعي يومياً، لا تنتج أكثر من 2000 ميغاواط، وسورية، التي تحتاج 1400 طن من الغاز يومياً لإنتاج الكهرباء، لا يتوفر منه أكثر من 250 طن، ما يعني وفق الأرقام وصراحة وزير الكهرباء أن شتاء السوريين لهذا العام بارد ومظلم بامتياز.
وكل ما قيل عن فوائد السوريين وتحسين وضعهم وإنارة منازلهم، من تمرير الغاز المصري والإسرائيلي عبر أراضيهم إلى لبنان، ما هي إلا فتوحات قولية للتعمية على صفقة رفع الحظر وهرولة الأشقاء لتسويق الأسد، بعد الموافقة الجماعية على المصالح الإسرائيلية والشروط الأميركية.
نهاية القول: ربما لم يتشابه تاريخ إجرام بشار الأسد وتجويع الشعب وتهجيره وغض الطرف الدولي عنه إلا مع فرانشيسكو فرانكو، الذي حكم إسبانيا ستة وثلاثين عاماً، جوّع وهجر وأعدم خلالها مئات آلاف الإسبان، لكن الظرف الدولي وقتذاك خدمه بالبقاء لأغراض وأدوار وظيفية خارجية، فرغم دعمه دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية “إيطاليا وألمانيا”، ورغم إجرامه بحق الشعب خلال ثورته، فإن المرحلة، بعد الحرب، دفعت الولايات المتحدة لتسخّر إسبانيا في حربها على الشيوعية “الحرب الباردة”، فأقامت قواعد عسكرية على أراضيها وعادت مدريد عام 1955 إلى نادي الأمم العالمية.
وربما التشابه وصل إلى حد التطابق حتى الآن، فمن يراقب التحوّل الدولي والعربي من نظام بشار الأسد، يتأكد أن تاريخ الصراع وإعادة تشكيل الأحلاف والتكتلات يعيد نفسه، فما خدم ديكتاتور إسبانيا وقتذاك، يخدم فرانكو دمشق اليوم.
بواقع تهجير نصف عدد سكان سورية خلال الحرب على حلمهم وثورتهم، وبواقع تطلع معظم من تبقى للهجرة خوفاً من التجويع والإذلال، تقفز إلى الذاكرة حكاية تروى عن فرانكو الذي سمع جلبة بالشارع وهو على فراش الموت، فسأل من حوله، ما الأمر؟ فقيل له إن الشعب الإسباني جاء ليودعك… فرد: وإلى أين ينوي الشعب أن يذهب؟.
العربي الجديد
———————–
“جماعة” الأسد في مأزق عنفيّ: ماذا بعد خسارة الضحية؟/ أدهم حنا
تتزايد أعمال العنف الاجتماعيّ في سوريا؛ فخلال أسبوعٍ واحدٍ استخدِمَ ما يزيد عن خمسِ قنابل في حوادثَ قتلٍ مختلفةٍ؛ أو بالأحرى في حوادثَ القتلِ الاجتماعيَّة؛ كونها ناتجةً عن طبيعة علاقات خاصَّة لا تخصُّ صراعاً للسلطة من حيث أسبابها. في موضعٍ ما، يخضع العنف في سوريا إلى شبهاتٍ اجتماعيَّة طائفيَّة؛ فيبدو أن للعنف وجوهاً أدواتيَّة كلاسيكيَّة؛ فأنواع الأدوات المُستخدمة في القتل تشيرُ إلى تنوُّعِ ظواهر العنف في سوريا التي تبدو عموميَّة وتقليديَّة أحياناً. والأدوات مثل السكين، تختلف في التصنيف الجرمي والقانوني بين السكين الحربيَّة، والسكين المنزليَّة، وسكين العمل.
في ظواهرَ وأدوات عنفٍ أخرى، يبدو المجتمعُ أكثر ثقافةً في ما يتعلَّقُ بأسلحةِ القتلِ؛ القنابل والرشاشات والأسلحة الحربيَّة عموماً تشير أيضاً إلى ظاهرةٍ في القتل ذات دلالة على أدوات السلطة والدولة الحديثة. ويسود اعتقاد غير يقينيٍّ بأنَّ الأدوات الحربيَّة التي تُستخدم في جرائم القتل الاجتماعيّ تدلُّ على جماعات معيَّنةٍ في سوريا، أو على سلطة قمعيَّة كالسلطة السوريَّة التي تمتلك الجهاز البيروقراطي والمليشيات المرخصة، والأهمُّ أنَّها امتلكت شريكاً اجتماعيَّاً في قيادتها للعنف الحكومي. خمسُ قنابل استخدمت في الساحل، وأكثر من عملية قتل خلال شهر واحد بعبوة ناسفة داخل جهازٍ طبِّي، واستخدامُ أسلحةٍ ثقيلة لتصفيات اجتماعيَّة مختلفة.
لم يلجأ النظام إلى ثقافة العنف مع بعض المنتمين الى الطائفة العلوية، بل كانوا جمهور العنف. ما تسميه حنَّة أرندت اللامبالين أحياناً؛ إذ إن النظام يقتاد العنف نحوهم في الوقت نفسه الذي يجعلهم فيه لامبالين بحجم القتل الذي يقوم به، أو حتى في دعوتهم إلى المشاركة فيه من منطلق خوفهم. لوقتٍ ما، حقق النظام للعلويين فكرة مفادها أنَّهم حماة الدولة؛ الدولة بمعنى الأمان والاستقرار الذي يستلزم عنفاً هائلاً لإعادته، وبوصفهم شركاء أو حماة حققوا لا مبالاة اتجاه العنف، ثم كانوا جزءاً منه.
حسب رينيه جيرارد، تحتاج الدولة الحديثة إلى عنف، لكن ضمن آلية؛ آلية اختيار جماعةٍ يقع عليها العنف، الأمر الذي يحتاج إلى بُعدٍ اجتماعي في اختيار جماعة ضد جماعة أخرى، ضمن شرطٍ جوهري؛ بأن يكون العنف الموجَّه هو عنفٌ خلاصي أو مخلِّصٌ لها. ويقول جيرارد إن عُنف الدولة خُلق في المرحلة التي كان فيها المَلك يحاول ألا يكون ضحيةً لمَلكٍ آخر؛ وهذه الأداة يستخدمها النظام جيداً، في أن يحول رأسه وسلطته، إلى عنفٍ يُمكن ابتلاعه اجتماعياً من جهة، ويبعده من دائرة الاستهداف من جهةٍ أخرى. جيرارد يتحدث عن نقل العنف كآليةٍ حتميةٍ لوجود المجتمع تحت وطأة فكرة الضحية، في مواجهة المقدس المتمثِّل في هيئة الدولة.
خلق النظام العنف ليس من أجل توازن وجوده فوق المجتمع كحارس وحشي فحسب، بل من أجل الأمان والاستقرار، ومن خلال جعل العنف مركباً آلياً تقنياً، تحرسه جماعة في وجه جماعة وكأنه ضرورة لا غنى عنها. ومثل كل حرب أهلية لا تملك نهاية عادلة، فإنَّ جماعة النظام تملكوا عنفاً جعله النظام وسيلة حماية للدولة، ثم حماية للجماعة في آن واحد، والتضحية التي سوَّغها قد تحققت، لكن ماذا بعد خسارة الضحية؟
هُمِّشَت الضحية الآن، والمقدس بات منعزلاً عن الجماعة العنيفة التي أسست للمفارقة. النظام امتلك قدرةً على الاختفاء من يوميات ومشاعر الجماعة التي دخلت في حلقةٍ عنفٍ مغلقة وإن انتصرت فيها. وما بات مقبولاً منها اليوم هو كتلة من المشاعر التي لا تملك حِساً سوياً، بل تحتاج إلى انتماء مشاعريٍّ حادٍّ.
لم تتوقَّف ثقافة الضحية عن الانتشار ونشر العنف، والحرب الأهلية قد انتهت على أبشع ما توقعه السوريون؛ فالنظام فارق الجميع، وبات طبقة اقتصادية قروسطية، واختفت مفاصل الدولة التوسعية الراعية بكل أشكالها من سورية، ولم يبقَ للجماعات العنيفة سوى السلاح الذي في يدها؛ فانتقل عنفها الموجَّه إلى جماعةٍ أخرى، إلى الجماعة نفسها؛ وكما يقال: انقلب السحر على الساحر.
وفي جانب منه، يبدو العنف “عاطفياً”؛ فضابطٌ يُرسل صاعقاً متفجراً إلى طبيب لأنه يُحب خطيبته، والقنابل باتت تُرمى في الشوارع على أصغر خلاف؛ ما يظهر الطبيعة الخلافية الساذجة والتافهة للاختلاف، واستخدام السلاح؛ الأمر الذي يعبّر بصورة غير مباشرة عن افتقاد كبير للأضحية الحقيقيّة؛ أضحية قيميَّة تخلقها السلطات وتروج للعنف ضدها؛ ليرتدَّ العنف إلى شكلٍ آخر فرديّ رديء. لقد استحال عنف النظام لوقت طويل بوصفه يملك مقومين؛ التقسيم الإداري وقيادة العنف من جهة، وخوف الجماعة التي سلحها النظام من جهة أخرى. وحينما انتهى هذا، لم يستطع النظام إدارياً سحب السلاح؛ فبات السوريون جماعتين؛ إحداهما ما زالت تملك سلاحاً، والثانية مجردة منه.
إنَّ نظاماً تعسفيَّاً مثل النظام السوري هو بالضرورة مستفيدٌ من هذا الوضع؛ فهو بعيد أولاً من الطائفية لأنَّ الجماعة العنيفة التي استخدمها في بثِّ العنف، تأكل نفسها بهذا العنف من أجل تفريغ واستخدام ما حُقنت به من وحشية وتعطِّشٍ للأذية، بعدما أصبح استخدام العنف ليس من حقها بانتهاء الحرب. أما السلطة فتقف مكتوفة الأيدي، بينما تشاهد كيف يقتات الأفراد الذين سلّحتهم بالعنف على بعضهم.
لم تعد القنبلة التي تُرمى على المعارضة والمدنيين في المناطق المناوئة للنظام، بياناً سياسياً وأخلاقياً معترفاً به من الدولة كعنف تُريده وتسوِّغه، ولا تفريغاً لأزمة سياسية، بل بات مشكلةَ مجتمعٍ عنيف يحتاج إلى تأكيد أكثر على عنف النظام وآليته الشديدة السلطوية. والسؤال الآن: ماذا سيفعل النظام مع أصحاب القنابل؟ فهل سيزوِّدهم بالدبابات أيضاً؟
هذا درس بطيء ومدروس في أن يكون المجتمع محتاجاً إلى عنفٍ أكبر وأكثر ضراوة لكي يهدأ!
المدن
———————
صفقة روسية-فرنسية أعادت رفعت الأسد إلى سوريا
نفى محامي رفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، هروبه من العدالة الفرنسية، مشيراً إلى أن موكله غادر فرنسا بعد أن خسر ممتلكاته هناك.
وقال المحامي الفرنسي سيدريك أنطوني بتش ل”أسوشيتيد برس”، إن رفعت الأسد “لم يفر أبداً من العدالة الفرنسية، وما زال حراً في تحركاته حتى يومنا هذا”.
وأشار إلى أن الحالة الصحية وتقدم سنه (84 عاماً) عاملان لم يسمحا له بالفعل بالمشاركة في محاكمته، مؤكداً أنه “لمدة 7 سنوات استجاب لجميع الاستدعاءات والطلبات من السلطات لإثبات براءته، وفي حال أيدت المحكمة العليا في فرنسا الحكم، فسيتم تعديله ليصبح تحت الإقامة الجبرية”، زاعماً أن “رفعت لم يعد لديه منزل في فرنسا لذلك لم يهرب بل تمت مطاردته”.
وقالت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري إن الأسد العم عاد إلى العاصمة دمشق الخميس، بعد غياب دام 37 عاماً. وأضافت أن رئيس النظام بشار الأسد “ترفّع عن كل ما فعله رفعت الأسد، وسمح له بالعودة إلى سوريا مثله مثل أي مواطن سوري آخر لكن بضوابط صارمة”، مشيرةً إلى أنه لن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي في البلاد.
من جانبها كشفت مصادر ل”تلفزيون سوريا” أن رفعت عاد إلى سوريا بصفقة روسية-فرنسية، إذ تكفلت موسكو بالتوسط له عند النظام في سوريا، وستسعى لإعادة أمواله المحتجزة في أوروبا، التي سيصب نصفها في خزينة “الدولة السورية” والنصف الآخر ستعود لحسابات رفعت نفسه.
وأوضحت المصادر أن روسيا لم تتخذ أي موقف معارض من عودة رفعت على عكس إيران التي عارضت في البداية، لأسباب تتعلق بنشاطات المجموعة المحيطة برفعت الأسد، لكن من خلال اجتماعات مع المستشارين الإيرانيين شارك فيها ماهر الأسد، وافقت إيران على عودة رفعت الذي من شأنه أن يقدم أموالا لدعم اقتصاد النظام المنهار.
ومن المتوقع بحسب المصادر أن تتوسع صفقة المصالحة لتشمل رامي مخلوف، حيث عقدت خلال الفترة الأخيرة اجتماعات بهذا الخصوص بين ماهر الأسد وحافظ مخلوف شقيق رامي.
وبحسب الاتفاق فإن رفعت سيسكن في قصره في القرداحة، على أن يُمنع من لقاء أي من الضباط السابقين والحاليين في النظام، وسيسمح فقط ل”آل الأسد” ورجال الدين العلويين بزيارته.
المدن
————————————–
عودة رفعت الأسد تفضح صراعات عائلته: دريد وريبال..بلا فراس؟
ليس تفصيلاً أن تضطلع شمس، حفيدة رفعت الأسد، بمهمة نشر صورة حميمة لجدها العائد من منفاه الباريسي. فابنة دريد، تختصر الصراع القائم ضمن العائلة على إرث رفعت السياسي والعسكري، في بُعده السوري، بعدما أقفلت أبواب فرنسا بوجهه.
نشرت شمس صورتها الى جانب جدها في منزله الدمشقي. وتكفل آخرون من عائلة ابنه دريد، بنشر الصور العائلية التي تظهر امتداد العائلة السوري بما يتخطى الفروع المتصارعة مع ابن عمها بشار، والتي حاولت، عبثاً، تسلق الثورة السورية، علماً أن الأخيرة نبذت كل تلك المحاولات، وأعادت محاولات التسلق الى صراعات عائلية لا يمكن أن ترتقي الى بديل من النظام البعثيّ القائم.
كم هو جميل هذا القصر الفخم الذي عاد إليه رفعت الأسد..!
كم هي فارهة ثياب هذه الحفيدة المتألقة بمكياجها باهظ الثمن..!
نعم لقد دفع ثمن كل ذلك عشرات الآلاف من الجيش والأمن والشبيحة الذين قاتلوا لكي يستمر حكم ال الأسد..لقد دفعوا أرواحهم لكي يعود رفعت الأسد إلى سوريا ويحقق حلم حفيدته. pic.twitter.com/zJXVugjpJe
— عقيل حسين (@akilhousain) October 11, 2021
تجمع الصور المنشورة في مواقع التواصل، والتي روّجت لها منصات المعارضة بما يتجاوز صفحات مقربة من النظام، دريد رفعت الأسد الى جانب والده، وأولاد دريد المحيطين بالجدّ العائد الى دمشق، بعدما خسر معظم أملاكه وامتيازاته في فرنسا. غاب عن معظم الصور، ابنه ريبال، الوريث المفترض والأكثر حظاً، رغم أن صفحات ريبال في مواقع التواصل رحبت به، وأعلنت وجوده في دمشق، من دون الظهور في الصور.
ولا يمكن اعتبار غياب ريبال، الشأن الأكثر أهمية، طالما أنه موجود الى جانب والده. الغياب المؤثر، هو لفراس، ذلك المعارض لوالده، ولابن عمه بشار الأسد، بعدما فشل في أن يكون وريث والده، بكل امتداداته السورية وداخل البيئة العلوية الفقيرة التي ما زالت تحفظ لرفعت بطشه في مجازر حماه، وتعتبره قائد مرحلة دموية ثبّتت حكم آل الأسد، والعلويين استطراداً، على الأقل حتى العام 2000.
وتعكس الصور المتداولة، صراع عائلة رفعت الأسد، وتوازناتها في الوقت نفسه. ظهر أن فراس خارج العائلة نهائياً. صراعه مع شقيقيه، دريد القريب من ابن عمه، وريبال الذي يتباين معه على ملفات، أنهى فرصة تقربه من والده الباحث في دمشق عن خاتمة بعيداً من السجن الفرنسي. أما دريد، فقد انتصر ظرفياً، بالبقاء الى جانب والده، من دون أن يصطدم مع ريبال، العائد بدوره، وهو شكل من أشكال الحفاظ على التوازنات في العائلة بعدما باتت دمشق الامتداد الوحيد لها.
ورفعت الأسد، متعدد الزوجات، وأقام تحالفات قوية وعلاقات مع عائلات بارزة وعشائر مرموقة في سوريا، من أبرز زوجاته: أميرة الأسد، وسناء مخلوف، وابنة طراد الشعلان وهي سعودية.
وريبال هو ابن الزوجة الأخيرة-شقيقة حصة شعلان، ويُعدّ اليوم شخصية أعمال بارزة ويُركز في عمله على إدارة التصدير والاستيراد بين الصين والعالم العربي. هو رجل أعمال وناشط سياسي سوري، ومؤسس ومدير منظمة الديموقراطية والحرية في سوريا كما أنّهُ رئيس ومؤسس “مؤسسة إيمان” وقناة ANN التلفزيونية التي كانت تبث في العام 2006 من لندن لتغلق أبوابها قبل سنوات.
أما دريد الأسد، فهو رسّام تشكيلي مقيم في اللاذقية، محبّ لـ”نضال والده القائد”، و”حنكة عمه الراحل”، و”صبر ابن عمه بشار على المصائب”.
أما فراس، المعروف بإسم “أبو مضر”، فقد عُرف بكتابة مذكراته حول قضايا عايشها في دمشق وسويسرا وقصر والده في باريس، وتعكس علاقته المضطربة بوالده رفعت. ويؤكد أن الحكم الحالي “ظالم ومستبد”، كما يبدو واضحًا أنه على خلاف كبير مع جميع أفراد أسرته. لا يصرّح فراس الأسد عن مكان إقامته الحالي، ويُعرَف بأنه عاش في جنيف السويسرية عقب خروجه من سوريا بعمر 13 عاماً.
————————
تلفزيون سوريا يكشف معلومات حصرية عن شروط عودة رفعت الأسد إلى سوريا/ إسماعيل درويش
حصل تلفزيون سوريا على معلومات حصرية تؤكد أن الاتفاق الذي عاد بموجبه رفعت الأسد إلى سوريا، تضمن استبعاد رفعت من لعب أي دور سياسي أو اجتماعي، وأن بشار الأسد لم ولن يلتقي به في المستقبل القريب.
وقالت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا إن الاتفاق نص أيضاً على حظر استقبال رفعت أو لقائه بمريديه من ضباط ومسؤولين سابقين وحاليين في النظام، على أن يُسمح فقط لآل الأسد ورجال الدين العلويين بزيارته في قصره بمدينة القرداحة، حيث ستأخذ إقامته هناك شكل الإقامة الجبرية حتى إشعار آخر، كما أنه لن يقيم في دمشق خلافاً لما زعمت وسائل الإعلام المقربة من النظام.
عودة أم إعادة؟
المصادر أكدت أن رفعت الأسد عاد بصفقة روسية فرنسية، إذ تكفلت موسكو بالتوسط له عند النظام في سوريا، وستسعى لإعادة أمواله المحتجزة في أوروبا، التي سيصب نصفها في خزينة “الدولة السورية” والنصف الآخر ستعود لحسابات رفعت نفسه..
كما أشارت المصادر إلى أن النظام كان له دور عبر روسيا بالضغط على فرنسا للبت في قضية محاكمة رفعت، حيث قضت محكمة الاستئناف في باريس، في التاسع من أيلول الفائت، بسجن رفعت أربع سنوات ومصادرة ممتلكاته، بتهم فساد، وهو ما دفعه لقبول صفقة العودة بينه وبين النظام.
ومع مطلع العام الجاري، سمح القصر الجمهوري ولأول مرة، بإعادة ترميم المزارع والفلل الخاصة برفعت الأسد في دمشق وريفها وفي الساحل السوري.
إيران توافق ورامي مخلوف على القائمة
أوضحت المصادر أن روسيا لم تتخذ أي موقف معارض من عودة رفعت على عكس إيران التي عارضت في البداية، لأسباب تتعلق بنشاطات المجموعة القومية مع رفعت الأسد، لكن من خلال عدة اجتماعات مع المستشارين الإيرانيين شارك بها ماهر الأسد وافقت إيران على عودة رفعت الذي من شأنه أن يقدم أموالا لدعم اقتصاد النظام المنهار.
ومن المتوقع بحسب المصادر أن تتوسع صفقة المصالحة لتشمل رامي مخلوف، حيث عقدت خلال الفترة الأخيرة عدة اجتماعات بهذا الخصوص بين ماهر الأسد وحافظ مخلوف شقيق رامي.
محامي رفعت الأسد يعلق
وفي أوّل تصريح له، قال محامي رفعت الأسد، إن موكله غادر فرنسا بعد أن خسر ممتلكاته هناك، حيث لم يعد لديه منزل في فرنسا، زاعما أنه لم يهرب بل تمت مطاردته.
وقال المحامي الفرنسي سيدريك أنطوني بتش في تصريح مكتوب لوكالة “أسوشيتيد برس”، نشر أمس السبت، إن رفعت الأسد “لم يفر أبداً من العدالة الفرنسية، وما يزال حراً في تحركاته حتى يومنا هذا”.
وتابع: “لمدة سبع سنوات استجاب لجميع الاستدعاءات والطلبات من السلطات لإثبات براءته”، مشيراً إلى أنّ “الحالة الطبية لـ رفعت وهو بعمر الـ84 عاماً، التي لم تسمح له بالفعل بالمشاركة في محاكمته، ستكون غير متوافقة مع وجوده في السجن”.
ويوم الجمعة الفائت أكدت صحيفة “الوطن” الموالية أن رفعت الأسد، عمّ رئيس النظام بشار الأسد، قد عاد إلى دمشق، بعد أن سمح له الأخير بالعودة إلى سوريا “منعاً لسجنه في فرنسا”.
وقالت الصحيفة، إن رئيس النظام “يترفّع عمّا فعله وقاله رفعت الأسد، وسمح له بالعودة إلى سوريا، مثله مثل أي مواطن سوري آخر ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي”.
وأضافت نقلاً عن مصادر خاصة، أن رفعت “عاد إلى دمشق وذلك منعاً لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي وبعد مصادرة ممتلكاته وأمواله في إسبانيا أيضاً، وذلك بعد أن أمضى قرابة أكثر من ثلاثين عاماً في أوروبا معارضاً”.
وكان تلفزيون سوريا قد نشر تقريراً في الـ 13 من شهر حزيران الماضي، تناول فيه تفاصيل صفقة تدور في فلك الدائرة الضيقة لبشار الأسد، تعود جذورها إلى ما قبل عام من الآن. ونصت بنود الصفقة التي تمكن تلفزيون سوريا من معرفتها على عودة قريبة وعاجلة لرفعت الأسد إلى سوريا، والإفراج عن الضباط الذين تم اعتقالهم العام الماضي بتهم تتعلق بالتواصل مع رفعت الأسد وهؤلاء هم مجموعة من ضباط الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.
يذكر أن رفعت كان قد غادر الأراضي السورية منذ عام 1984 برفقة 200 من أنصاره، واستقر في سويسرا ومن ثم فرنسا، إثر أزمة الحكم التي عصفت بسوريا نتيجة صراع بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت، وأسفرت عن رحيل الأخير إلى أوروبا.
———————–
السفير الأمريكي يطالب بالفصل السابع في ملف كيماوي نظام الأسد
شكرا لك سيدي الرئيس. وشكرا لك، سيادة الممثل السامي ناكاميتسو على إيجازك اليوم. وإننا نقدر جهودكم ونثني على عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) في التعامل مع هذه المسألة البالغة الأهمية. وأسمحوا لي أيضا أن أقول أن المدير العام لديه الثقة الكاملة بحكومة الولايات المتحدة وأن المهنية التي يتسم بها وصبره في التعامل مع هذا الملف أمر يستحق الثناء.
وعلى الرغم من نفي نظام الأسد المتكرر، فمن الواضح أن النظام قد استخدم الأسلحة الكيمياوية بشكل متكرر. وعزا فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الآن أربع هجمات منفصلة بالأسلحة الكيمياوية في سوريا إلى نظام الأسد. وتضاف هذه الحوادث إلى الهجمات الأربعة بالأسلحة الكيمياوية التي نسبتها آلية التحقيق المشتركة السابقة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة إلى نظام الأسد. وعلى الرغم من أن الدليل على تجريم النظام واضح، إلا أن إعلان اتفاقية الأسلحة الكيميائية لا يزال غير مكتمل، وإن سوريا سعت لاحقا إلى تجنب المساءلة من خلال عرقلة التحقيقات المستقلة والفشل في التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في محاولة وقحة لتقويض عمل المنظمة بصفتها الهيئة المنفذة لاتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وكما سمعنا، فإننا نشهد هذا العائق مرة أخرى في هذا الشهر مع فشل النظام في منح تأشيرات الدخول لجميع أعضاء فريق إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والذي، كما سمعنا، كان من المقرر نشره في سوريا بعد عدة أشهر من عدم استجابة نظام الأسد. وأختار نظام الأسد عضوا متمرسا من فريق إعلان التقييم ورفض إصدار تأشيرة الدخول إلى ذلك الشخص، على الرغم من حقيقة أن هذا الخبير قد تم إرساله إلى سوريا لهذه الوظيفة عدة مرات خلال السنوات السبع الماضية. وإن التأخير في جدولة هذه الاستشارة وكذلك رفض منح تأشيرة الدخول أعاق قدرة فريق إعلان التقييم لإداء عمله ومن الواضح أنها محاولة متعمدة لتأخير وعرقلة عمل هذا الفريق البالغ الأهمية. ندعو نظام الأسد إلى التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفقا لتعهداته والالتزام بالقرار ذو الرقم 2118، بما في ذلك من خلال منح تأشيرات الدخول لموظفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
سيدي الرئيس، إن ممثل نظام الأسد أدعى في خطاب ألقاه بتاريخ 27 أيلول/ سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن انضمام النظام إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية كان بمثابة دليل على انه لم يستخدم الأسلحة الكيمياوية. ومع ذلك، فإن الأمر لا جدال فيه، وذلك للأدلة الدامغة التي جمعتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بدعم من مجموعات التوثيق السورية الشجاعة، , وإن النظام قد فشل فشلا ذريعا في الامتثال لالتزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية. ومن الواضح أن النظام يواصل تجاهل دعوات المجتمع الدولي للكشف الكامل عن برنامج أسلحته الكيمياوية وإزالته بشكل يمكن التحقق منه. كما نتفق مع تقييم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن الكشف الذي قدمه نظام الأسد بشأن أسلحته الكيمياوية لا يمكن اعتباره دقيق وكامل وفقا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية ونحث النظام على العمل عن كثب مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن هذه القضية العاجلة.
يجب عدم التسامح مع إخفاقات نظام الأسد المتكررة والمتواصلة في الامتثال لالتزاماته بموجب القانون الدولي. وقد رحبنا بقرار مؤتمر الدول الأطراف بتاريخ 21 نيسان/أبريل في إدانة استخدام سوريا للأسلحة الكيمياوية وتعليق حقوق سوريا وامتيازاتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية. وأسمحوا لي أن أكون واضحا أن هذا القرار هو ممارسة مشروعة لسلطة لجنة الدول الأطراف بموجب الاتفاقية، وعلى الرغم من أن حساباتي قد تختلف من تلك التي لدى زملائي الروس، إلا أن الوقائع ليست كذلك. وقد تم تبني هذا القرار بأغلبية ساحقة من 90 دولة من حول العالم تقريبا وعارضته 15. وهو يتجاوز بكثير أغلبية ثلثي الحاضرين والمصوتين وفقا لقواعد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
كما سعى حلفاء نظام الأسد، بما في ذلك روسيا، بفعالية إلى عرقلة جميع الجهود لتعزيز المساءلة. وتواصل روسيا الدفاع عن إخفاقات نظام الأسد في الامتثال لالتزاماته، بما في ذلك من خلال نشر المعلومات المضللة ومهاجمة النزاهة والعمل المهني لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وكذلك السعي بخلاف ذلك إلى عرقلة جهود الأمم المسؤولة المستمرة لمحاسبة نظام الأسد على استخدامه الأسلحة الكيمياوية والعديد من الفظائع الأخرى. وإن هذا النمط من التمكين غير مسؤول وخطير.
لقد مضى وقت طويل كي يفي نظام الأسد بالتزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية والقرار ذو الرقم 2118. ويجب على مجلس الأن أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ردا على عدم امتثال سوريا للقرار ذو الرقم 2118. يا سيدي الرئيس، إن الحكومة السورية، في هذا الوقت، ولا شك في ذلك، قد انتهكت مرارا وتكرارا التزاماتها الدولية، بما في ذلك تعاونها مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من خلال رفض منح تأشيرة الدخول. وقد حان الوقت لهذا المجلس أن يتخذ إجراءات حازمة والرد على عدم امتثال سوريا.
—————————–
«النوّاب» الأميركي يقر «استراتيجية شاملة» لتعطيل «شبكة المخدرات» في سوريا
«الخارجية» الأميركية لـ «الشرق الأوسط» : لدينا «سلطات» لتحديد المتاجرين بها والمتواطئن معهم
واشنطن: معاذ العمري
تعهّدت الولايات المتحدة باستخدام كل السلطات والأدوات التي تمتلكها، لمحاربة تجارة المخدرات والمتواطئين فيها من سوريا، بـ«كشفهم وتحديدهم»، في الوقت الذي عبّرت فيه عن قلقها من تفشي هذه «الجريمة المنظمة» العابرة للحدود.
يأتي هذا الموقف في إطار تحرّك أميركي يُعد «إيجابياً» في الشأن السوري، بعد أن صوّت مجلس النواب في الكونغرس على تعديل يتطلب استراتيجية مشتركة بين الوكالات الأميركية، لتعطيل شبكات المخدرات التي يعتقد أن تعمل في ظل النظام السوري، وذلك ضمن التصويت على قانون ميزانية وزارة الدفاع لعام 2022، الذي تم رفعه إلى مجلس الشيوخ.
وقال متحدث رسمي لوزارة الخارجية لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومة الولايات المتحدة قلقة بشأن الاتجار بالمخدرات من سوريا، وتعمل على مكافحته، من خلال جهود متعددة، بما في ذلك «أدوات وقدرات إنفاذ القانون التقليدية».
وأوضح المتحدث أن وزارة الخارجية لا تعلّق على التشريعات المعلقة، أو على الاتصالات بين الكونغرس والحكومة، إلا أنه أكد أن لدى حكومة الولايات المتحدة «سلطات عديدة لتحديد وكشف أولئك الذين يقودون تجارة المخدرات أو يسهلونها أو يتواطئون المتاجرين بها، والجريمة المنظمة العابرة للحدود».
وأضاف: «تمتلك وزارة الخزانة ووكالة مكافحة المخدرات المعروفة بـ(دي إي آي)، الموارد الكافية التي يمكن مشاركتها مع شركائنا، بما في ذلك العمل على تعزيز الأطر القانونية والتنظيمية، لأنظمة مكافحة غسيل الأموال».
وبعد جدالٍ طويل، أقر مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، النسخة المطورة لقانون تمويل ميزانية وزارة الدفاع للعام المالي 2022، وذلك بالتصويت بالموافقة (316 صوتاً)، بعد أن تعرّض لمئات التعديلات، ما مهد الطريق لسن الإجراء البالغ 768 مليار دولار ليصبح قانوناً، وينتقل إلى مجلس الشيوخ ضمن إطاره القانوني.
وشملت التعديلات على قانون التمويل، محاولات تقليص ميزانية وزارة الدفاع والحد من التدخل العسكري الأميركي في مناطق الصراعات، مثل سوريا، كما رفض مجلس النواب تعديلاً من الديمقراطي التقدمي جمال بومان النائب من ولاية نيويورك، ودعمه في ذلك التعديل النائبة رشيدة طليب الديموقراطية من ولاية ميتشغن، وكان يتطلب موافقة الكونغرس على أي وجود للقوات في سوريا في غضون عام من التشريع، ومغادرة القوات الأميركية من هناك، بيد أن هذا التعديل انتهى به المطاف إلى الرفض.
فيما استطاع المشرعون الأميركيون تمرير تعديلات أخرى على القانون، تضمنت التصويت بالموافقة على تعديل يتطلب استراتيجية مشتركة بين الوكالات الأميركية، لتعطيل شبكات المخدرات في سوريا، وكذلك تقديم تقرير عن ثروة الرئيس بشار الأسد وأفراد أسرته، بمن فيهم أبناء عمومته، مثل عائلة مخلوف وغيرهم.
ومن ضمن التعديلات التي تمت مناقشتها، إلا أنها لم تنجح في الحصول على العدد الكافي من الأصوات لتمريرها، تعديل يتطلب استراتيجية لسوريا بما في ذلك كيفية جعل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مكتفية ذاتياً بما يكفي للسماح لها في نهاية المطاف بالاستغناء عن القوات الأميركية.
وذلك على الرغم من تصريحات ومحاولات فردية تطرأ بين فترة وأخرى، تنادي بتخفيف إجراءات «قانون قيصر»، الذي تم التصويت عليه وإقراره خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2019.
وفِي يونيو (حزيران) 2020، دخل أكثر العقوبات الأميركية التي تم فرضها على سوريا نطاقًا، حيز التنفيذ، بتصنيف أكثر من 39 شخصاً ومنظمة تابعة بشكل مباشر وغير مباشر لنظام الأسد في قائمة العقوبات، ووسعت بشكل كبير من سلطة الحكومة الأميركية لفرض عقوبات على الشركات والأفراد والمؤسسات الحكومية، بسبب الأنشطة الاقتصادية التي تدعم قدرة نظام الأسد على شن الحرب.
وعلى عكس العقوبات السابقة، فإن «قانون قيصر» يضع تحت سلطته الجهات الفاعلة التي تشارك في مثل هذه الأنشطة، بما في ذلك شبكات الأعمال العابرة للحدود التي تعتبر ضرورية لبقاء النظام، ومن الفئات الأكثر عرضة لخطر «قانون قيصر» هم المستفيدون من الحرب في لبنان، بما في ذلك «حزب الله» على وجه الخصوص، وحلفاء نظام الأسد في روسيا والصين وإيران.
وبالرغم من حالة «عدم الوضوح»، كما ينتقدها البعض، أكدت إدارة الرئيس جو بايدن، الاستمرار في تطبيق «قانون قيصر»، وعدم تعليق العمل به، ومقاطعة بشار الأسد ونظامه برفض التطبيع معه.
كما حثّت علناً، في الوقت ذاته، الدول العربية والغربية كافة على عدم التطبيع معه، والاستمرار أيضاً في مواصلة التبرعات الإغاثية، والعمل الإنساني.
الشرق الأوسط
——————————–
=================
تحديث 14 تشرين الأول 2021
————————
مضمون “اللاورقة” الأردنية للحل في سورية
صبحي فرنجية
حصل “العربي الجديد”، من مصادر في واشنطن، على نسخة من “اللاورقة” التي قدمتها المملكة الهاشمية إلى الدول المعنية في الملف السوري، بما في ذلك الإدارة الأميركية، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل نحو أسبوعين.
وفيما قدّمت عمّان المقترحات تحت مبررات إيجاد حل سياسي للأزمة السورية بعدما بات “تغيير النظام هدفاً غير فعال”، مع ما يتطلبه ذلك من مسار جديد للتعامل مع القضية السورية؛ فإنها في الواقع تفتح الأبواب للتعامل من جديد مع نظام بشار الأسد ضمن خطة مبنية على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”.
وفيما تشير عنونة هذا الطرح بـ”اللاورقة” إلى رغبة عمان في إبقاء رؤيتها في إطار الطرح غير الرسمي والقابل للنقاش والتعديل؛ فقد علم “العربي الجديد”، من مصادر في واشنطن، أن “اللاورقة” الأردنية لم تلقَ كثير اهتمام في أروقة الإدارة الأميركية، على الرغم من الجهود التي بذلتها المملكة الأردنية من أجل حشد الدعم للمقترح، كما أن الدول الأوروبية لم تجد مضمون “اللاورقة” مشجعاً، بينما لم تكشف عمّان عن الدول العربية التي تشترك معها في الرؤية و”النهج الجديد” للحل في سورية.
وبحسب “اللاورقة” التي تقع في خمس صفحات، فإن “تغيير النظام ليس هدفاً فعالاً. الهدف المعلن هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254″، وأنه لا يوجد تقدم ملموس في هذا المجال.
وترى “اللاورقة” أن النهج الحالي للتعامل مع القضية السورية كان له ثمن مكلف، وتحدثت عن عدة جوانب من هذا “الفشل” على المستوى الإنساني والأضرار التي لحقت بالسوريين ومعاناة اللجوء، وأن ملف محاربة الإرهاب لم ينتهِ، إذ إن خلايا “داعش” تُعيد ترتيب نفسها من جديد، كما أشارت إلى أن إيران تواصل زيادة نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام والعديد من الأجزاء الحيوية في سورية، وأنها تستغل معاناة الناس لتجنيد المليشيات، ووكلاؤها يزدادون قوة.
وقدّمت “اللاورقة” “نهجاً” جديداً للحل في سورية، يستهدف “تغيير سلوك النظام تدريجياً مقابل الحوافز التي سيتم تحديدها بعناية لإفادة الشعب السوري وتمكين بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين”.
وتتضمن الخطة الأردنية غير الرسمية خمسة بنود هي: صياغة نهج تدريجي نحو حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، بناء الدعم للنهج الجديد بين الشركاء الإقليميين والدوليين، السعي لاتفاق مع روسيا على هذا النهج، الاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري، مرحلة التنفيذ.
وبحسب المقترح الأردني؛ فإن النهج الجديد “المعتمد” يقدم حوافز للنظام مقابل الإجراءات المطلوبة والتغييرات السياسية التي سيكون لها تأثير مباشر على الشعب السوري، وأنه سيتم تحديد “العروض” للنظام بعناية مقابل “الطلبات” التي ستطرح عليه، كما أن التركيز الأولي سيكون على القضايا الإنسانية في كل من العروض والطلبات، ثم يتم التقدم تدريجياً نحو القضايا السياسية التي تبلغ ذروتها في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
وتحدث الطرح عن أن “الفوز بموافقة روسيا على هذا النهج هو عامل نجاح رئيس، ويمكن الاستفادة من الاعتراف بالمصالح “المشروعة” الروسية ومعالجتها في العرض لضمان قبول النظام وتنفيذه”. وأضاف أن “تحديد أرضية مشتركة مع روسيا ضروري لضمان التقدم نحو حل سياسي، كما أنه أساسي لجهود مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد”، لافتاً إلى أن “العروض المتعلقة بالقضايا الإنسانية مقابل إجراءات عملية من قبل النظام أمر كانت روسيا منفتحة عليه”.
وجاء في المقترح جدول يتضمن المجالات التي سيتم العمل عليها على مبدأ خطوة مقابل خطوة في النهج الجديد، وقُسّمت المجالات إلى أربعة جوانب: الإنساني، تطبيق القرار الأممي 2254، محاربة الإرهاب، انسحاب قوات الدول الأجنبية من سورية.
رجب طيب أردوغان/سياسة/الأناضول
الجانب الإنساني
وضعت “اللاورقة” أربعة متطلبات هي: أولاً، الموافقة على استمرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وتسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سورية، ومنح المفوضية حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية. ثانياً، تسهيل عودة النازحين إلى مسقط رأسهم (بما في ذلك مخيم الركبان للنازحين) وتسهيل العودة الطوعية والآمنة للاجئين عبر عملية تدريجية ومنهجية تحت إشراف المفوضية. ثالثاً، المصالحة مع المعارضة السابقة ومختلف مكونات المجتمع السوري. رابعاً، اتخاذ إجراءات لضمان المساءلة ووقف الاضطهاد والتحقيق في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي مقابل تطبيق هذه المتطلبات، يتم تقديم عروض من قبل المجتمع الدولي هي: إرسال مساعدات صحية إلى سورية، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إرسال مساعدات إلى مناطق النظام لدعم عمليات التعافي والاستقرار، وتمويل برامج إعادة الإعمار التي ستساعد على عودة النازحين واللاجئين إلى بلداتهم ومدنهم.
التقدم في الحل السياسي
جاءت في “اللاورقة” الأردنية أربعة متطلبات، هي اعتماد دستور معادة صياغته على أساس مسار اللجنة الدستورية، الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين وكشف مصير المفقودين، الموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية أو شكل حكم حقيقي يؤدي إلى حكم أكثر شمولاً في سورية، إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة تؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة.
والعروض المقابلة لتطبيق المتطلبات هي: تخفيف تدريجي للعقوبات على سورية، بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف أخرى، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي والجهات الحكومية والمسؤولون، تقارب دبلوماسي مرحلي لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق، وتسهيل عودة سورية إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية.
مكافحة الإرهاب
المتطلبات في هذا المجال، والتي وضعتها “اللاورقة” الأردنية، هي: التعاون مع التحالف الدولي في مواجهة العناصر الإرهابية في شرقي سورية والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في جنوبي سورية والصحراء، تبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية والصلات مع المجندين الدوليين وشبكات التمويل، وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران في سورية واستفزازاتها للطوائف السنّية والأقليات العرقية.
في مقابل ذلك، يتقدم المجتمع الدولي بعدة خطوات هي: التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سورية، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرقي سورية، الاستقرار وإعادة الإعمار في المناطق المحررة من “داعش” الخاضعة لسيطرة النظام السوري، التنسيق بين النظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في التعامل مع سكان مخيم الهول والمقاتلين الإرهابيين وعناصر “داعش” المحتجزين.
انسحاب القوى الأجنبية من سورية
جاءت في “اللاورقة” خمسة متطلبات هي: انسحاب جميع العناصر غير السورية من الخطوط والمناطق الحدودية مع دول الجوار، كخطوة أولية على الطريق نحو الانسحاب الكامل من سورية (بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة لإيران وحزب الله)، النظام يُطالب رسمياً إيران والجماعات الموالية لها بمغادرة سورية، عودة عدد القوات الروسية في سورية إلى ما كان عليه قبل 2011، إعلان وقف إطلاق النار على مستوى البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار الإقليمي بما في ذلك الوفاء بالتزامات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ويُقدم المجتمع الدولي مقابل ذلك عروضاً هي تسهيل الاتفاق بين “قوات سورية الديمقراطية” والنظام السوري بشأن الوضع الأمني في شمال شرقي سورية، مما يمهد الطريق أمام انسحاب أميركي من المنطقة بما في ذلك من التنف، التنسيق بين جيش النظام والأجهزة العسكرية والأمنية لدول الجوار لضمان أمن الحدود مع سورية، ووقف جميع الأنشطة الجوية العسكرية الأجنبية فوق سورية، بما في ذلك من قبل إسرائيل والتحالف الدولي، ما لم يتم الاتفاق على ذلك مع النظام كجزء من عمليات مكافحة الإرهاب.
العربي الجديد
————————-
عن إعادة تأهيل طاغية أو تغيير سلوكه/ موفق نيربية
بلغ السيل الزبى مع عودة رفعت الأسد و»لجوئه» إلى سوريا – وهو جزار حماة وسجن تدمر- المحكوم بعدّة سنوات سجنا وحسب، على بضعة مخالفات مالية أو تبييض أموال ونشاط عصبوي. ولم تعد الأمور بحاجة إلى الأصول الدبلوماسية كثيراً، بعد فتح أبواب البلاد له هارباً من عدالة أوروبية لاحقته بعد ثلاثين عاماً قضاها وعاشها كأمير أسطوري، بين ماربيا وباريس وغيرها. ولا يتعلّق الأمر بهذا الحدث والشخص هنا، بل بالطاغية الذي ما زال على رأس «عمله».
تلك هي» الزبى» أما «السيل» فكان في مسار انهماك أطراف دولية وإقليمية بما أصبح يُدعى «إعادة تأهيل» بشار الأسد ونظامه، أو مسار «تغيير سلوكه». وقد تفاقم هذا الأمر بعدما ظهر من انسحاب مبدئي أمريكي من المنطقة، فتح للأطراف الإقليمية إمكانية تحصين نفسها مع الطرف الآخر: روسيا والصين وإيران، ومن ذلك الباب لا بدّ من التراجع بسهولة عن الموقف من الأسد ونظامه. فاجتمع وزير خارجيته المقداد، أثناء انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة مع تسعة وزراء خارجية عرب، وتواصل النظام مع مصر والأردن، مع استمرار الإمارات بأسبقيتها في الأمر والاتّجاه، وتصديق السعودية أو امتناعها عن إبداء الرأي في ما يجري حتى الآن. وتعيد إسرائيل بدورها أيضاً حساباتها مع الاستراتيجية الأمريكية المستجدة، ولن نستغرب سماع أنباء مفاجئة من طرفها في الأيام والأسابيع المقبلة.
لا يصعب إثبات أن استمرار هذا النظام خطر على الاستقرار الإقليمي والدولي، ولا يصعب أيضاً إثبات أنه عصيٌّ على إعادة التأهيل، ممتنع عن تغيير سلوكه. الأصعب هو تبرير المواقف العربية والإقليمية والدولية المرافقة لتلك المحاولات، لأنها تعتمد عي الطارئ المتغيّر من الظروف وحسب، من دون أن يكون لها أفق مفتوح على المستقبل، ومن دون حسابات أكثر صلابة وتماسكاً حتى على أمنها واستمراريتها، أو استقرارها. وفي ما يلي بعض إشارات إلى موضوعي العنف والطغيان، ولهما دور في تقدير قابلية الطاغية ونظامه لإعادة التأهيل، أو تغيير السلوك، بل في خطر نقل خطره إلى ما حوله.
ليس الحديث عن العنف ذلك المتعلّق بأهمية احتكار الدولة له، أي دولة، بل عن العنف المنفلت والمخطط،، الذي يصبح سمة عضوية في نظام سياسي، أو فئة سائدة، وهذا العنف الأخير سياسي، رغم اكتسائه أشكالاً أخرى عرقية أو طائفية أو قبلية أو مناطقية في كثير من الأحيان، ذلك العنف السياسي متوفّر في سوريا بجميع أشكاله: عنف الدولة على دولة، وعنف الدولة على الجماعات البشرية، وعنف تلك الجماعات بعضها على بعضها الآخر، بل إن مفهوم الدولة نفسه قد صار ملتبساً، لا يحمل صفات الدولة، كما هي بالتعريف والوصف أصولاً.
ومن أكثر الاستنتاجات الراهنة تعقيداً، ذلك الذي يتحدّث عن» انتصار الأسد والنظام» ليصف حالة متهلهلة ضاعت فيها الحدود بين المفاهيم. فقد هُزمت المعارضة من قبل النظام وإيران وروسيا، ومن قبل نفسها أيضاً؛ ولكن النظام لم ينتصر عملياً، ويمكن العودة إلى جميع البيانات عنه وعن الدولة والمجتمع الموجودين تحت سيطرته. وقد وصل هذا النظام إلى» الانتصار» بطريقة لا تحمل إلا معالم الهزيمة في الأصل والجوهر. فقد مارس عنفاً غير مسبوق، وأنهى الصورة والشكل اللذين كانا لسوريا لقرن مضى على الأقل. بالأسماء المحددة، وصل عدد ضحايا الطاغية ونظامه إلى أكثر من ثلاثمئة وخمسين ألف ضحية، كما ذكرت مفوضة الأمم المتحدة. وهؤلاء حتماً أكثر من ذلك العدد بعدة أضعاف، ومعهم عدة أضعاف من المعوقين والجرحى، ومئات الآلاف من المفقودين والمعتقلين، وفوق ذلك قوائم قيصر وصوره التي تحمل من الوحشية والعار ما يُسقط أيّ نظام في العالم. وبالأعداد المسجلة أيضاً، لن نتوانى عن تكرار الحديث عن أن هنالك ملايين النازحين وملايين اللاجئين، الذين يشكل مجموعهم أكثر من نصف السوريين، وكلّهم ضحايا الطاغية ونظامه، وبعضهم من ضحايا «الإرهاب» الذي قام بتصنيعه وتخليقه والتحريض عليه.. يُضاف إلى ذلك ما حاق بالبلاد من دمار شمل نصف البلاد على الأقل، ألحقته قذائف الأسد وحلفائه بالبنية التحتية والفوقية، فالدمار الاستراتيجي الأهم كان بتشتيت وتحطيم الاجتماع السوري (العلم والتعليم، القانون، النسيج الاجتماعي، الصناعة والزراعة والاقتصاد العادي.. والأمل) وتحويله إلى أشلاء لا يسهل جمعها من جديد.
أمّا حين نتحدّث عن الطغيان، فلا نقصد لعبة من الألعاب الإلكترونية، ولا ذلك المثال الذي تأتي به المعاجم عن» طغيان زوجة الأب» على سندريلا؛ بل حتى إننا لا نقصد التعريف المنهجي له، بأنه دولة في ظلّ حكومة قاسية عنيفة وقمعية، أو أنه الاستخدام التعسّفي للسلطة والسيطرة.. ما نقصده هنا على وجه الخصوص، هو في كون الطغيان استخداماً «غير معقول» للحكم، استخداماً يُخرج المقصود من منطق الأشياء وقدرتها على الحياة والاستمرار. بذلك يمكن فهم دور الهولوكوست في إنهاء طغيان هتلر ونظامه النازي، ودور مجازر الثلاثينيات والغولاغ في إنهاء الحكم الستاليني و»الاتحاد السوفييتي» نفسه، ودور تحطيم أصابع فيكتور خارا في نهاية بينوشيت، ودور العدد الهائل لأحذية زوجة ماركوس في تقرير مصير الأخير.
هنا، في سوريا، ستكون صور أجساد الضحايا، والقتل حرقاً وذبحاً، وصور الدمار في المدن العتيقة، وأناقة زوجة الأسد، صيغة لذلك «اللا- معقول» العبثي الذي سيلوّث كلّ من يرى الطاغية أو يصافحه أو يبتسم له.. أو يقول إنه بصدد إعادة تأهيله، أو الضغط من أجل تغيير سلوكه. ما الكلمة أو الكلمات التي يمكن بها وصف من يقتنع بذلك؟ أو لا يقتنع، يقول ذلك وحسب؟ الطبيعي أن ينتهي الطاغية والطغيان كلاهما، الأسد ونظامه، حين يصبح مستحيلاً استمرارهما، مكلفاً وغير معقول وعبثياً، ومعدياً بأمراض قاتلة أيضاً. جاءت الإشارات جميعها من الولايات المتحدة، من إدارة ترامب أولاً، ثمّ ثانياً وخصوصاً من إدارة بايدن. وربّما كانت الإشارات الأكثر أهمية قد جاءت من الصين، منذ ظهر مشروعها «مبادرة الحزام والطريق» ليتوّج مسار ونجاحات الاقتصاد الصيني وتمدّده الدولي، قبل أن تذهب إدارة بايدن لتهدّد الصين في مناطقها مع تحالف أوكوس، ابتدأ الجميع بتلمّس الرياح، لجأ الجميع، في أوروبا والخليج والشرق الأوسط عموماً بالبحث عن ارتباطات أكثر استراتيجية مع الصين. وكان الاتفاق التاريخي طويل الأمد بين الأخيرة وإيران، الذي استسلمت فيه هذه للتنين المقبل من الشرق، هرباً من ذلك المقبل من الغرب. وأحدث ذلك تلك الفوضى وتضارب الاستراتيجيات الإقليمية.. في ذلك الخضمّ، ضاعت مصالح السوريين، وظنّ الطغاة في دمشق أن الفرج قد جاء بأسهل الطرق. حتى الروس، وهم بالطبع أكثر حكمة من النظام، أخذوا يعيدون حساباتهم ويرون الصين تكسب من دون تلك المخاطرات التي قاموا بها حتى الآن، ويتجهون نحو شكلٍ أكثر انسجاماً مع مفهوم العملية السياسية من حيث الشكل دون المضمون.. مع أنه لا يبدو أنهم يرون إعادة تأهيل الأسد رهاناً استراتيجياً عملياً، ولكن يستمر رهانهم على إعادة تأهيل النظام وتزيينه هنا وهناك.
للروس أيضاً أو عنهم: لن يدخل النظام بأي عملية سياسية، ضحلة أم عميقة؛ وهو لا يأنس أبداً لحديث «إعادة الإعمار» إلّا بشكل محدود ينفع المنتفعين فيه وحوله؛ أو «عودة اللاجئين» ما بقيت تهدّد التجانس «النازي» الذي عمل من أجل تطويره.
ومن سوء حظ السوريين تزاحم التناقضات الدولية والإقليمية إلى ما نراه، وانشغال كلٍّ بنفسه ومعضلاته، بحيث لا يُستغرب ذلك الخطأ باستسهال طريق إعادة تأهيل الطاغية وطغيانه من الآخرين، ولكن ضعف همّتهم على إعادة تأهيل وحدتهم وقواهم المشتتة والمنقسمة هو المستغرب، وكذلك امتناعهم عن التقارب والحوار والتفاهم، غرقاً في مصالح الآخرين، ورمالهم المتحركة، أو لعل ذلك لم يعد غريباً!
كاتب سوري
القدس العربي
————————
ما الذي تبقّى من سورية للبيع؟/ محمود الوهب
لم يكتف النظام السوري بما فعله في سورية والسوريين من قتل وتهجير وتدمير وخراب شامل وبيعه كثيرا من ثروات الوطن، ما خفي منها وما ظهر، طاولت الأرض والإنسان، بل إنه ذهب إلى سلب السكان الأصليين بيوتهم وأراضيهم التي ورثوها أبناءً عن آباء وأجداد منذ آلاف السنين.. وإعطائها إلى مرتزقة أغراب، ما أتي بهم إلا لقتل السوريين وتهجيرهم. وقد قال بشار الأسد، في خطابٍ له أمام تجمّع فعاليات سورية في 26/7/2015، حين تهدّد نظامه بالسقوط، لبثّ روح الثبات فيهم: “إن الوطن ليس لمن يسكن فيه، ويحمل جواز سفره، وإنما لمن يدافع عنه، ويحميه، والشعب الذي لا يدافع عن وطنه لا يستحقّ أن يكون له وطن”. هكذا إذن: “الشعب” الذي لا يدافع عن وطنه، وهل ثمّة شعب في الوجود ماضياً وحاضراً لا يدافع عن وطنه؟! لكن بشار لا يرى الوطن إلا من خلال وجود شخصه، وعلى الشعب أن يدافع عنه فهو الوطن.
كان الجيش السوري في ذلك الوقت قد استنزف قواه، وشارف على هزيمة مؤكّدة.. وقد ميَّز الأسد في ذلك الخطاب بين “تعب الجيش” و”هزيمته”. ويبدو أنه كان يهيئ للاستنجاد بالروس، فما حدث بعد شهرين فقط أن روسيا دخلت إلى سورية، أي في 30 سبتمبر/ أيلول 2015. وليس دخول روسيا ما يهم كاتب هذه السطور هنا، ولا ما حصلت عليه لقاء قتلها السوريين وتهجيرهم، من مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية، وإنما هو عملية بيع القطاع العام رسمياً (للأصدقاء)، فقد نشر وزير الصناعة، زياد صبحي صباغ، إعلاناً في 26 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) يدعو فيه الراغبين إلى “إعادة بناء وتأهيل وكل ما يلزم لإعادة تشغيل منشآتها المتوقفة، والمدمّرة بفعل الأعمال التخريبية، وغيرها”. ونصَّ الإعلان على أن “تحتفظ تلك المؤسسات بنشاطها الأصلي الذي كانت عليه، أو أي نشاط آخر ينسجم وحال المؤسسة أو موقعها”. ولم يشر الإعلان إلى أية تفصيلاتٍ عن شراكة أو بيع. لكن عبارة “أي نشاط آخر” تعني أن لمن يعيد البناء أو التأهيل رأياً أو شرطاً، وهذا يعني أنه شريك أو صاحب ملك! ولذلك تصحّ كلمة بيع في مكانها المناسب، خصوصا إذا علمنا أن النظام محاصر بالديون، وهاجسه البحث عن المال بأي طريقةٍ كانت، حتى إن كانت سطواً كما جرى لبعض تجار حلب منذ أسابيع.
كان فراس طلاس قد كتب على “فيسبوك”: “بالتنسيق بين وحدة المتابعة التابعة للقصر الجمهوري في دمشق من جهة، وبين السفارة الإيرانية والحكومة الإيرانية من جهة أخرى، يجري تحويل أربعين منشأة صناعية تتبع القطاع العام إلى ملكية الحكومة الإيرانية عبر شركات متعدّدة مملوكة إما للوزارات الإيرانية أو للحرس الثوري الإيراني، ومنها: معمل جرارات السفيرة (الفرات)، معمل البرّادات بردى سبينة، ومعمل إطارات أفاميا في حماة على طريق السلمية، ومعمل تاميكو في المليحة ريف دمشق، ومنشأة حلب للإسمنت الإميانتي، ومعمل الشيخ سعيد/ حلب، ومعمل سجاد التل/ حلب، وشركة مطاط وبلاستيك/ حلب، وشركة السيرومات في الزربة/ حلب، ومقر تاميكو في ريف دمشق..” إضافة إلى معامل وشركات ومؤسّسات أخرى كثيرة.
لقد أسّس القطاع العام، في البداية، ليكون من ركائز دولة الاستبداد بعد الجيش وأجهزة الأمن. لا ليكون وسيلة وأداة رئيسة للتنمية كما أعلن، بل لعبت عمليات التأميم التي تتابعت، في سورية منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، دوراً في تخريب تجربة التنمية التي كانت تسير في صعود، وعلى نحو طبيعي، إذ يقودها أهلها من فئات البرجوازية المنتجة بحق. ولم يكن تخريب القطاع العام نشازاً عن كل ما جرى تخريبه في عهدي الأسد الأب والابن فيما بعد، بل إنه تساوق مع الفساد الشامل الذي لفَّ مؤسسات الدولة كافة.
وكان فشل القطاع العام منذ البداية متوقعاً، إذ عمل وفق قاعدة “الاقتصاد في خدمة السياسة” لا العكس. وعلى ذلك، فقد ولِّيت على القطاع العام إدارات جاهلة، فلا كفاءة لديها ولا خبرة، بل توّلته إدارات “حزب البعث قائد في الدولة والمجتمع”. وعلى ذلك، غدت المناصب مع الأيام للبيع، فلكل منصب ثمنٌ يقدَّر بما يدرّ على المستفيد، بدءاً من مدير المدرسة وانتهاء بالوزير وأعضاء مجلس الشعب، ومروراً بالمحافظين ورؤساء مجالس المدن وعموم الإدارات. أما المراكز التي يمكن التبادل فيها، فتُباع فيما بين أصحاب العلاقة أنفسهم، كنقاط الشرطة الدائمة على سبيل المثال، وبعض موظفي البلديات، وسوى ذلك.
ومن ناحية أخرى، صار قطاع الدولة ملاذاً للخاملين القادمين عن طريق الوساطات، إضافة إلى أنهم زادوا عن الحد، فالمعمل الذي يكفيه مائة عامل مثلاً كان النظام يحمله مئتين، إن لم يكن أكثر. وثمّة أمرٌ آخر، وجود أسماء وهمية تذهب رواتبها للإدارة، ولمن كان قد ولَّاها في الأصل. تماماً كما حال التفنيش في الجيش. ولذلك قدّرت إنتاجية العامل في سورية بثلث ساعة فقط، قياساً إلى بعض الدول المتقدّمة. وذلك كله، ولم نأت على ذكر الهدايا والسرقات، وما يُصنع من تماثيل، أو ينفق على الزينات في مهرجانات الدبك والرقص بأعياد الحاكم و”إنجازاته” و”انتصاراته”. وقد وصل الأمر بتلك الإدارات الفاسدة إلى تدبير حرائق في المعامل، لتغييب الوثائق وطمس الأدلة. فكم من معملٍ احترق بفعل “ماسّ كهربائي”، تماماً كمن انتحر بثلاث رصاصات في الرأس.
أما الأمر الثالث فيتعلق بنفقاتٍ إضافيةٍ نظامية، أي بحسب قوانين “البعث” وأجهزته الأمنية، ومنها ما تذهب مكافآت شهرية إلى شعب الحزب الموجودة في الحي أو المنطقة حيث المؤسسة المعنية، فالشعبة مشرفةٌ على كل ما في منطقتها من أنشطة اقتصادية أو ثقافية أو غير ذلك تبعاً للقاعدة ذاتها. وينطبق الأمر نفسه على الأجهزة الأمنية المعنية بحماية تلك المؤسسات، ومن مصلحة الطرفين التغطية على كل نواقص تلك الإدارات وسلبياتها.
لقد استمرّت الطبقة العاملة التي يحكم باسمها حزب البعث، تطالب في مؤتمراتها النقابية، وعبر تقاريرها المختلفة، بمعالجة أوضاع القطاع العام أربعين سنة، لكن قيادتها السياسية لم تهتد إلى حل. ويبدو أن تدمير سورية جاء غطاءً مناسباً، لصفقةٍ تفرضها ضرورة سداد ديون حرب النظام على الوطن والشعب، ومكافأة للقتلة على ما اقترفوه من جرائم وأوزار.. ويبقى السؤال: ما الذي تبقى من سورية للبيع؟
العربي الجديد
——————————–
واشنطن – أنقرة .. الضرب تحت الحزام/ علي العبدالله
لا يمثل الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن شراء الأخيرة منظومة الدفاع الصاروخية الروسية، إس 400، سوى قمة جبل الجليد؛ فجوهر الخلاف لا يتعلق بالصفقة بحد ذاتها، بل في توجهات استقلالية تركية أخذت في التبلور في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ورئيسه، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. بدأ ظهور هذه التوجهات، مع تصويت البرلمان التركي عام 2003 بعدم السماح للقوات الأميركية بالعبور من الأراضي التركية لمهاجمة العراق، وتعزّزت برفض القيادة التركية التزام العقوبات الأميركية على إيران، ومواصلة التبادل التجاري معها، بما في ذلك استيراد النفط والغاز منها، والتعاقد مع روسيا على إنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء، ومد أنبوب لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر ميناء جيهان، ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية والتواصل مع حركة حماس، وانتقاد الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والموقف الغربي الداعم لها، وصولاً إلى شراء الصواريخ المذكورة.
جاء التوتر الحالي بين الولايات المتحدة وتركيا في لحظةٍ دقيقةٍ وحساسّة، عنوانها تصاعد حدّة الخلاف بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين، في ضوء تبنّي الولايات المتحدة استراتيجية “التنافس بين القوى العظمى”، ما جعلها تتبنّى سياسة حادّة قائمة على رفض المواقف الضعيفة أو المتردّدة من حلفائها، فإما مع أو ضد ولا خيار ثالث. وهذا عرّض تركيا لضغوط قوية، كي تعيد النظر في سياستها الاستقلالية، وتنضبط في الصف الغربي، والذهاب في الضغوط بعيداً إلى حد العمل على التخلص من الرئيس التركي بانقلاب، أو بصناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد زاد الطين بلة أن أنقرة عزّزت توجهاتها الاستقلالية عن الغرب عامة، والولايات المتحدة خصوصاً، بتوسيع تحرّكاتها الانفرادية في ضوء تنامي قدراتها الإنتاجية المدنية الصاعدة والعسكرية الواعدة وناتج قومي فاق الثمانمئة مليار دولار، ونجاح خططها في التنافس على الأسواق والاستثمارات والتمدّد في ثلاث قارات، آسيا وأفريقيا وأوروبا، وإقامة قاعدة عسكرية في قطر وأخرى في الصومال، وتحقيق مكاسب واضحة في ملفات إقليمية ساخنة عبر الدعم العسكري المباشر، ليبيا وأذربيجان، عزّزت سمعة صناعتها العسكرية، وبيع طائرات مسيّرة من نوع بيرقدار لدول أوروبية، أوكرانيا وبولندا، وعربية، المغرب، والتباحث مع السعودية لتزويدها بها، ومزاحمة فرنسا في دول الساحل الأفريقي، عبر مغازلة المجتمعات المسلمة ببناء المساجد والمدارس والمساعدات السخية والاستثمارات الكبيرة، ومنافسة روسيا والصين في شرق أفريقيا وشمالها. وهذا كله قوّى موقف تركيا في المعادلة الإقليمية والدولية، وشجّعها على اتخاذ مزيد من الخطوات الاستقلالية، بما في ذلك شراء منظومة الصواريخ الروسية، والحديث عن نيّتها شراء طائرات روسية من الجيل الخامس، سوخوي57، إن لم تحصل على طائرات إف 35 الأميركية، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة أكثر وأكثر.
قامت تركيا بمغامرات جيوسياسية في سورية وليبيا وقطر والسودان والسنغال وتشاد والنيجر ونيجيريا وأوكرانيا وبولندا وشرق المتوسط، وأطلقت خطة الوطن الأزرق، ووسّعت حدود مياهها الاقتصادية، بالاتفاق مع ليبيا على ترسيم الحدود البحرية، قطعت به الطريق على مشروع مد أنبوب غاز من الآبار الإسرائيلية والقبرصية باتجاه أوروبا، والبدء بالتنقيب عن النفط والغاز شرقي المتوسط وفي البحر الأسود، حيث اكتشفت آبار غاز كبيرة، وانفتحت على الصين، وانخرطت في مناورةٍ حسّاسة وخطيرة بالضغط على الولايات المتحدة، من خلال التقرّب من روسيا والتعاون معها في أكثر من مجال وساحة، وبالضغط على روسيا عبر بيع أوكرانيا 24 طائرة مسيَّرة من طراز “بيرقدار تي بي 2″، مع إنشاء مصنع لإنتاجها فيها وبيعها سفينتين حربيتين من طراز “كورفيت أدا” مضادّة للغواصات ومهاجمة ضم جزيرة القرم، وتقديم دعم سياسي ومالي لتتار الجزيرة، كذلك انخرطت في صراع سياسي وجيوسياسي مع مصر والسعودية والإمارات وإيران وروسيا وفرنسا واليونان وقبرص وإسرائيل، وأعلنت تحوّلها إلى قوة إقليمية عظمى، يجب احترام مصالحها في الإقليم والعالم. لكن توسيع دائرة الملفات الساخنة التي انخرطت فيها، وارتفاع عدد الدول المعترضة حدّ من قدرتها على تحقيق نصر نهائي، وقادها إلى اكتشاف عدم توافر قدراتٍ كافيةٍ لمواجهة كل الخصوم الذين وقفوا ضد تحرّكاتها وانخراطها في ملفاتٍ بعيدة عن حدودها، والتجاوز على حقوق دول مجاورة: قبرص واليونان، فعادت خطواتٍ إلى الوراء بحركات التفافية، ودخلت في مسار جديد، سمته الرئيسة الانفتاح وتصفير المشكلات مع دول المنطقة.
تكمن نقطة ضعف تركيا في وقوعها في مركز صدع حادّ، وغير قابل للتجسير بين التحالف الغربي وروسيا والصين، ما جعلها ساحة هامة لكلا المعسكرين وضحية محتملة لهما، فهي غير قادرة على البقاء في الصف الغربي لاعتبارات ذاتية: النزعة القومية التي نمت وتصاعدت على خلفية رد الفعل على المعاملة غير المنصفة التي عاملتها بها دول التحالف الغربي؛ وشعورها بالتمييز ضدها من دول هذا التحالف، تعقيد عملية دخولها في الاتحاد الأوروبي، وبلوغها نهاية سلبية بعد عقود من المفاوضات المضنية، واجهتها بعض دول أوروبا بالإعلان أن الاتحاد الأوروبي تحالف مسيحي، لدفعها إلى الكفّ عن السعي إلى الدخول فيه، لكونها دولة مسلمة، تركها وحيدةً في مواجهة روسيا بعد إسقاطها الطائرة الروسية في سورية، المماطلة في بيعها أنظمة دفاع صاروخي أميركية، وقوف دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى جانب اليونان، في خلافها معها على حدود المياه الاقتصادية، موقف أميركي ملتبس من الانقلاب الفاشل عام 2016، عدم الاهتمام بما تعتبره أمنها القومي عبر تزويد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بأسلحة متطوّرة، وفرض عقوبات أميركية عليها على خلفية هجومها على مواقع “قسد” شرق الفرات، تسليط الأضواء على سياسات أردوغان الداخلية التي تبتعد عن المعايير الديمقراطية والحقوقية، يصفه بعض قادة أوروبا بالديكتاتور، إعلان المرشّح الديمقراطي، جوزيف بايدن، خلال حملته الانتخابية، رغبته في إسقاط أردوغان عبر الانقلاب أو عبر صناديق الاقتراع.
وتركيا غير قادرة على مغادرة الصف الغربي لاعتبارات موضوعية: المظلة العسكرية في مواجهة روسيا وأطماعها التاريخية في أراضٍ وممرّات مائيةٍ تركية، كانت روسيا القيصرية الطرف الثالث في مفاوضات تقاسم التركة العثمانية، حيث شارك وزير خارجيتها آنذاك، سيرغي سازونوف، مع الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، في الاتفاق على خطة التقسيم، وكانت قد حصلت على موافقة مبدئية على حصةٍ تشمل أرمينيا الغربية وإسطنبول ومضيقي البوسفور والدردنيل، لكن قيام الثورة الشيوعية عام 1917 أنهى هذه المشاركة، وكشف سرّ الاتفاقية التي أصبحت فرنسية بريطانية، وحملت اسم مندوبي الدولتين اتفاقية سايكس بيكو، فروسيا تسعى إلى فصلها عن الغرب لتحقيق هدفين مختلفين: دقّ إسفين بين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإضعاف تركيا بعزلها داخل الحلف أو دفعها إلى الخروج منه، كي تستفرد بها وتفرض عليها خياراتٍ تخدم مصالحها، لذا أتاحت لها فرصة التمدّد في الساحة السورية، وغطّت هجومها على “قسد” في عفرين وتل أبيض وراس العين، كي تؤزّم علاقتها بالولايات المتحدة، وصمتت عن تدخلها في القتال بين أذربيجان وأرمينيا، كي تعزّز قناعةً بدأت تتشكّل لديها، أنها غدت قوةً إقليميةً عظمى، وأنها لم تعد بحاجة للمظلة العسكرية الغربية، ما قد يدفعها إلى الخروج من تحتها، ويجعلها لقمة سهلة بعد ذلك.
سعت الولايات المتحدة إلى ليّ ذراع تركيا من طريق فرض عقوباتٍ عليها بذريعة مخالفتها قوانين أميركية، تحرّم شراء أسلحة من روسيا بشرائها صفقة الصواريخ الروسية، والتهديد بزيادتها، ما لم تتخلّ عن الصفقة المذكورة، بدءاً بإخراجها من المشاركة في تصنيع أجزاء لطائرة إف 35، مروراً بتعليق تسليمها طائراتٍ من هذا الطراز، سبق أن دفعت جزءاً من ثمنها مقدّماً، 1.5 مليار دولار، والاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك بعد الحرب العالمية الأولى، وتجديد إعلان حالة الطوارئ الوطنية، بشأن التعامل مع سورية، مدة عام، بسبب العمليات التركية المستمرة ضد “قسد” في سورية، ما يعني تمديد العقوبات عليها عاماً آخر، وأنشأت قواعد عسكرية في اليونان، ولوّحت باعتمادها بدلاً من قاعدة أنجرليك التركية. وقد تأكد ذلك، ليّ الذراع، في مقاطعة الإدارة الأميركية افتتاح البيت التركي في الولايات المتحدة، وتجاهل الرئيس بايدن مساعي تركية لتنظيم لقاء بينه وبين الرئيس أردوغان في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يعلم حاجته إلى الدعم قبل لقائه المقرّر بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي، كي يُشعرِه بأنه ضعيف من دون المظلة الأميركية، ويدفعه إلى إعادة التفكير في السياسات التي تتحفّظ عليها إدارته، أو الاندفاع في قرارات متهوّرة تفقده ما بقي من شعبيته، تمهيداً لإخراجه من الرئاسة في انتخابات 2023، استغل الرئيس الروسي موقف الضعف هذا، ورفض اقتراحاته بشأن إدلب، خلال لقائهما في سوتشي، وصعّدت قواته غاراتها على إدلب، للحصول على تنازلاتٍ تركيةٍ هناك، مع الإبقاء على الضغط، بحدودٍ لا تؤدّي إلى تخريب العلاقة أو قطعها، والتفريط في الإنجاز الاستراتيجي الأهم في الصراع مع الغرب، المتمثل بإقامة علاقةٍ متينةٍ مع تركيا، الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما وضع أردوغان في موقفٍ صعبٍ وحساس: ضغوط أميركية لتعميق مأزقه، ودفعه إلى الرضوخ لطلباتها وضغوط روسية لدفعه إلى التنازل في سورية وليبيا، أو مواجهة استنزاف مديد وخسائر متتالية. فتركيا غير قادرة على الانخراط في أربع حروب في آن واحد، العراق وسورية وليبيا وأذربيجان، بالإضافة إلى المعركة الدائرة مع حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد، وحسمها أو الخروج منها من دون خسائر. وهي غير قادرة على معاداة الولايات المتحدة وروسيا في آن واحد، أو المناورة بينهما، فالثقة بهما معدومة، لأنهما لا تحملان لها نياتٍ طيبة.
لقد دخلت العلاقات الأميركية التركية مرحلة حرجة، تنذر بنهايات حادّة بالذهاب إلى معركة كسر عظم، بالضغط لإجبار أردوغان على التراجع عن توجهاته الاستقلالية، أو العمل على إخراجه من الرئاسة، ما قد يدفعه إلى الخروج من التحالف الغربي، فيتحقق حلم بوتين.
العربي الجديد
———————————
ما حدود التصادم الاستراتيجي الأمريكي التركي؟/ مثنى عبد الله
منذ سنوات خلت والعلاقات الأمريكية التركية في انحدار واضح، وما يطفو على السطح هذه الأيام إنما جذوره تمتد إلى ما قبل ولاية بايدن. صحيح كانت العلاقة أفضل بكثير في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب، لكنها كانت سيئة أيضا في عهد أوباما.. ففي عهده تلقت تركيا ضربة موجعة برفض طلبها لشراء صواريخ الباتريوت، على وقع الخلاف مع واشنطن حول المسألة السورية، لكن المشكلة اليوم تبدو أعمق من قبل، بسبب تفاقم الخلافات التي يرافقها انعدام الود الشخصي بين أردوغان وبايدن، فالأخير بعث رسائل غير إيجابية تجاه الأول، أثناء الحملة الانتخابية.. كما لم تنس أنقرة موقفه البارد من محاولة الانقلاب الفاشل، الذي افتقر إلى حماسة التضامن المعهودة بين الحلفاء.
يساعد دفع هذا المسار لمزيد من تعقيد الموقف الداخلي الأمريكي من تركيا وزعيمها شخصيا، حيث توجد حالة من العداء الشديد لأنقرة، مردها إلى فواعل كُثر، فهنالك اللوبي الصهيوني واللوبي الأرمني واللوبي اليوناني، وكذلك لوبي رابع يتلقى الدعم من دول عربية خليجية، كل هذه تعمل بشكل يكاد يكون متضامنا ضد العلاقة مع تركيا، فهل المقبل أسوأ؟
أعلن الرئيس التركي أن العمل مع إدارة بايدن هو الأسوأ من بين الإدارات الأمريكية السابقة، وقد مهد هذا القول إلى خطوة أخرى بإعلانه أنه ماض لشراء دفعة جديدة من الصواريخ الروسية أس 400، ورافعا نبرة التهديد إلى مستوى أعلى بالقول (في المستقبل لا أحد سيكون قادرا على التدخل بما يتعلق بأنظمة الدفاع التي نمتلكها، من أي دولة كانت وعلى أي مستوى كان). لكن الخطوة هذه لن تكون بلا كُلف سياسية واقتصادية، ستدفعها أنقرة إن مضت في هذا الأمر، وستتعمق الخلافات بعد أن ترد واشنطن بشكل مؤكد بمزيد من العقوبات على أنقرة، وستتعزز الأزمة بين الطرفين، التي لم يكن سببها خذلان تركيا من قبل الولايات المتحدة، في تعثر صفقة شراء طائرات أف 35، والعقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية أواخر العام الماضي على مؤسسات ومسؤولين أتراك فحسب، بل كذلك الموقف من الأزمة السورية، واتهامات أنقرة لواشنطن بدعم الأكراد في شمال سوريا. وعندما حاول الجانب التركي تهدئة الأمور مع الأمريكيين، وعرض خزن الصواريخ وعدم استعمالها إن كان ذلك يرضي واشنطن مقابل تسليح تركيا، تم رفض العرض وأصرت واشنطن على خروجها من تركيا بشكل كامل، فواشنطن تعتبر منظومة الصواريخ هذه تمثل تهديدا مباشرا لطائراتها المقاتلة أف 35، ولأنظمة الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي، فما هي أوراق أنقرة في مواجهة هذا التدهور في العلاقات؟
تدرك تركيا تماما أن موقعها المتميز داخل حلف الناتو، من حيث خريطتها الجغرافية، وتصنيفها كقوة ثانية فيه، يعطيها ورقة ضغط كبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنها تستخدم الملفين السوري والعراقي، أدوات ضغط أخرى، لمعرفتها أن الوجود الأمريكي في هذين البلدين بحاجة إلى دعمها الاستراتيجي والاستخباراتي. أما الورقة الروسية فهي الأكثر إزعاجا لواشنطن، فأنقرة تحاول اللعب على الطرفين الأمريكي والروسي، في ما يتعلق بإتمام صفقات الأسلحة التي أوقفت بعضها واشنطن، وكذلك إيجاد توازن بينهما في منطقة الشرق الأوسط، تحديدا في شمال شرق وشمال غرب سوريا، تبقى هي فيه في موقع الضغط عليهما معا، وتحصل من خلاله على مكاسب في ملفات المنطقة. يضاف إلى ذلك كله، أن أنقرة بدأت تزيد من وجودها في مناطق متعددة كوسيلة ضغط أيضا، وهذا التوسع في النفوذ غير مرحب به في واشنطن، لأن فيه إضرارا بمصالح عدد من حلفائها، مثل اليونان ومصر وبعض دول الخليج العربي. ولجعل الضغط الأمريكي عليها في المجال الاقتصادي أقل ضررا، شرعت أنقرة في التحرك على شركاء آخرين مهمين لتعويض خسائرها، لذلك نرى أن هنالك تغيّراً في السياسة الخارجية التركية مؤخرا، لكن هل تعي الولايات المتحدة حجم الخسائر الناتجة عن المسار التصادمي بينها وبين تركيا؟ يقينا خسرت تركيا كثيرا من جراء حجب جزء من صفقة طائرات أف 35، التي أدت إلى فقدانها نظام طيران حربي قوي، لكن على الطرف الآخر خسرت الولايات المتحدة اتفاقية تسليح مُغرية، كما عزز هذه الخسارة الخروج الجزئي لأنقرة من الدوران في الفلك الأمريكي، لكن الخسارة الأكبر للولايات المتحدة هي الاستثمار الروسي في الابتعاد التركي عنها، فعلى الرغم من أن العلاقة بين موسكو وأنقرة لا يمكن وصفها بالتحالف ولا بالصداقة، لكن واشنطن تعلم جيدا أن موسكو تسعى لزيادة الشرخ بينها وبين أنقرة، في ما يتعلق بملفات الشرق الأوسط. كما تحاول إغراء تركيا وتقديم التسهيلات لها في مناطق أخرى، ومع إدراك واشنطن بالاستثمار الروسي، لكن ذلك لم يدفعها حتى الآن لتصحيح مسار العلاقة مع أنقرة. وهذا مرده إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تسلك مسار الإدارة السابقة نفسه في مسألة المصالح الاستراتيجية، وصفقات الأسلحة وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط. وهي تحاول إيجاد توازن تسليح في المنطقة، بما يتوافق فقط مع مصلحتها، من دون النظر إلى مصالح حليفها التركي، بل تذهب أبعد من ذلك في استعمال الورقة الكردية للضغط على أنقرة للعودة إلى الفلك الأمريكي، ما يؤكد عدم صدقية تعهد الرئيس بايدن في ما قاله في الخطاب الأول بعد التنصيب، بأن الولايات المتحدة عادت إلى حلفائها وشركائها مجددا، فما زال السلوك السياسي للإدارة الحالية يثبت عكس ذلك، وخير مثال حديث يؤكد هذا الجانب هو انقلابها على فرنسا حليفتها في الناتو في موضوع صفقة الغواصات إلى أستراليا.
إن التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وتركيا ربما يشي بمزيد من حالة التوتر، وتضارب المصالح على أكثر من صعيد، لكن هنالك مراكز قوى في واشنطن ترددت في حقب ماضية في التخلي عن أنقرة، وعادت لإصلاح ذات البين، والإمساك بزمام الأمور بين الطرفين، فعندما كان في سوريا خياران، إما التخلي عن الأكراد، أو التخلي عن تركيا، تم التخلي عن الأكراد.
صحيح أن الوضع الحالي في واشنطن يختلف عن السابق، لكن الرئيس بايدن ليس في وضع يؤهله لاتخاذ قرارات حاسمة في موضوع العلاقة الأمريكية التركية. مع ذلك عندما تتراجع علاقة الولايات المتحدة بتركيا، فإن علاقات أنقرة تتراجع أيضا مع حلفاء واشنطن، وهذا يضع عقدة في مسار تركيا لإجراء المصالحات مع بعض الدول في المنطقة. إن الذي أشعل فتيل أزمة العلاقات التركية مع أمريكا والغرب، هو برنامج الاتحاد الاوروبي لزيادة التفوق العسكري الجوي اليوناني على حساب تركيا، هذا البرنامج الذي بدأ قبل عقد من الزمن، ويستمر إلى عقد آخر، يكسر الخط الأحمر الذي تضعه تركيا في هذا الملف، ما دفعها للاستعانة بمنظومة صواريخ أس 400 الروسية، وبذلك لا يمكن أن تتغير شبكة العلاقات هذه، من دون مراعاة الشعور بالخذلان الذي يشعر به صانع القرار التركي من جميع الحلفاء.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
القدس العربي
—————————-
هل نجا الأسد من الحرب؟
رأت صحيفة “نيورك تايمز” الأميركية أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تتخذ موقفاً متشدداً من النظام السوري مثل الموقف الذي اتخذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها حاولت ثني شركائها العرب عن تطبيع العلاقات مع الأسد.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي بارز في إدارة بايدن قوله إنه “من الواضح أن الأسد قد نجا وأن العقوبات لم تحقق إلا نتائج قليلة، ولهذا قررت واشنطن التركيز على موضوعات أخرى، مثل مواجهة فيروس كورونا وتخفيف المصاعب الاقتصادية في المنطقة والحد من التأثير الإيراني”.
وأضاف المسؤول الذي امتنع عن ذكر اسمه، أن الإدارة الأميركية تريد تجنب فرض عقوبات جديدة جراء صفقة الغاز الخاصة بلبنان التي تناقش تفاصيلها وألا ينتفع الأسد منها إلا بالقدر القليل، كما “أخبرنا وبشكل متكرر الإمارات والسعودية: لا تسارعوا لبناء مراكز تسوق، ولا ترفعوا الحظر عن أرصدة الأسد، لا تسمحوا للحكومة السورية بالحصول على موارد مقابل إعادة بناء أو إعمار”.
وتابع: “الإدارة الأميركية تسمح بمرونة في موضوعات أخرى مثل وصول الكهرباء إلى لبنان ومرورها بمناطق سيطرة النظام بهدف تقديم سياسة إنسانية عقلانية”.
وبحسب الكاتب بن هبارد فإن الأسابيع الماضية كانت جيدة بالنسبة للأسد بعد سنوات طويلة من الحرب والقطيعة العربية والدولية لنظامه، حيث بدأت الدول العربية تدريجياً بإعادة علاقاتها مع النظام، أكان من الانفتاح الأردني على سوريا أو من الموافقة الأميركية على خطة لإحياء خط أنابيب الغاز عبر أراضيه، وصولاً إلى الاجتماعات التي قام بها وفد النظام في الأمم المتحدة أو في معرض أكسبو دبي 2020.
وتابع الكاتب أنه “رغم تلك التطورات إلا أن الأسد وسط أزمات لا يمكنه الهروب منها، فسوريا لا تزال محطمة وتعاني من الفقر وملايين اللاجئين في دول الجوار الخائفين من العودة لوطنهم، وهناك مساحات واسعة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة”.
وأضاف “على الرغم من انتصار بشار الأسد في الحرب، إلا أن قبضته على السلطة غالباً ما تكون ضعيفة حتى في المناطق التي يسيطر عليها، فهو لا يستطيع التحكم في الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا وجزء كبير من حدود البلاد الشرقية مع العراق، هذا عدا عن التواجد الأميركي والتركي في سوريا”.
ومع انخفاض أصوات الحرب في معظم الأراضي السورية، فقد أصبح التفكير السائد لدى الدول المجاورة أنه طالما “الأسد في مكانه، فمن الأحرى أن تعيد سوريا التواصل مع جيرانها. ولكن القضية الرئيسية هي أن الكثير من السوريين لا يعرفون بعد 10 أعوام من الحرب إن كان بلدهم سيعاد ربطه وتوحيده كما كان قبل الحرب، وإن كانت هناك فكرة واضحة لإعادة بناء الدولة، وما هو مصير اللاجئين والمبعدين وغيرها من القضايا الشائكة”.
وأشار الكاتب إلى أن تحرك دول الجوار لإعادة التواصل مع الأسد يعكس تآكل المشاعر المتعلقة بضرورة عزله، في وقت تعاني المنطقة من مشاكل عدة، حيث يسعى الأردن لإنعاش اقتصاده، إذ فتح المعبر الحدودي مع سوريا للتجارة، واستقبل قبل فترة وزير الدفاع السوري للتباحث في الشؤون الأمنية، كما تخلت دول الخليج مثل السعودية والإمارات التي دعمت جماعات المعارضة المسلحة في بداية الحرب عن معارضتها للأسد، وتحاول الحصول على فرص استثمارية، ولكن المال لم يصل بسبب العقوبات الأميركية.
وأكدت الصحيفة أن اقتصاد نظام الأسد ضعيف رغم اعتماده بشكل مباشر على إيران وروسيا في إنعاش اقتصاده، لدرجة أن رجال الأعمال هناك أوقفوا مشاريعهم وأغلقوا أبواب مصانعهم وغادروا البلاد.
ونقلت الصحيفة عن صاحب شركة أيس كريم قوله إنه سيغلق شركة العائلة التي أُنشئت قبل 50 عاماً وسينتقل إلى مصر. قبل فترة جاءت مصلحة الضريبة وشركة الكهرباء ودائرة حماية المستهلك تطلب منه رشاوى، مهددةً أنها ستغلق محله بذريعة ارتكابه جريمة وهمية.
وتابع أن عائلات نقلت شركاتها ومعها الوظائف التي يحتاجها الاقتصاد إلى تركيا ومصر والعراق ودول الخليج، مشدداً على أن “الحكومة السورية لا مال لديها، وتريد جمع رواتب موظفيها وجنودها وميليشياتها من التجار وأصحاب المصانع”.
———————————
واشنطن وطهران… عقبات التطبيع مع النظام السوري/ منير الربيع
جملة من التطورات التي لا بد من التوقف عندها، وقراءة خلفياتها وتداعياتها. إنها سياق لملفات متزاحمة تشهدها المنطقة، تبدأ من مسار تطبيع بعض الدول مع النظام السوري، ولا تنتهي بمحاولة إسرائيلية للدخول الدائم على خطّ التأثير، بالإضافة إلى مراقبة مسار الانتخابات العراقية وكيفية تشكيل الحكومة بعدها. برز الأسبوع الفائت الاتصال الهاتفي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد وملك الأردن عبد الله الثاني، بعد افتتاح معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا، والدخول في مفاوضات لعقد اتفاق إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا إلى لبنان.
جاءت كل هذه التطورات في لحظة استفادة المنخرطين بهذه التحركات من غض نظر أميركي، أو من قراءة لديهم بوجود موافقة أميركية ضمنية لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري. ما هي إلا أيام قليلة حتى بدأ يظهر العكس، يصدر بيان أميركي فرنسي بريطاني يشير إلى أن لا إعادة إعمار في سوريا قبل الحلّ السياسي، ما يعني الالتزام بالموقف القديم نفسه. يضاف إلى ذلك، عدم تلقي الأردن أو مصر أو لبنان أي كتاب رسمي أميركي يمنحهم الاستثناءات من عقوبات قانون قيصر، ما يجعلهم في حالة قلق دائمة من التعرض للعقوبات في حال دخلوا بأي اتفاق تستفيد منه دمشق مالياً. ففي المسألة الاقتصادية والاستثناءات من قانون قيصر، لا يزال هناك رفض لها من قبل الكونغرس الأميركي.
للأردن مصالح سياسية واقتصادية من مسار التطبيع مع دمشق، وهناك استعجال لتحقيق هذه الخطوات، لأن هناك مشهداً داخلياً أميركياً قابلاً للتغيير في انتخابات الكونغرس العام المقبل، وهذا ما يحاول الملك الأردني تجاوزه من خلال خطواته الاستعجالية للحصول على بعض المتنفسات، عبر سياسة الانفتاح على سوريا. في حين المؤشرات تقود إلى أن الجمهوريين قد يفوزون في الانتخابات ما سيفرض كثيرا من الشروط على إدارة بايدن بما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران أو بمسار التطبيع مع دمشق.
بعد الحماسة الأردنية في التقدم على خط العلاقات مع دمشق، وبعد ساعات على الاتصال بين عبد الله والأسد، تم نشر وثائق باندورا، وصدر الموقف الفرنسي البريطاني الأميركي المشترك، في حين انتقدت جريدة واشنطن بوست الأميركية سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصفتها بأنها سياسة ازدواجية تنص على معارضة التطبيع مع دمشق علناً والموافقة عليها سرّاً. في حين تؤكد المعلومات أن الأردن عاد وتبلغ من المسؤولين الأميركيين بوقف مسار الحماسة لاستعادة العلاقة مع دمشق، وأن لا يسيّر رحلات جوية من عمان إلى دمشق، إنما الاكتفاء باستقبال الطائرات السورية.
وفي حين كان يستمر البحث عن كيفية تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى دمشق، برز موقف إسرائيلي عملت على تسويقه القناة 12 الإسرائيلية، وتشير فيه إلى أن كميات الغاز والكهرباء منبعها إسرائيل، هذا موقف من شأنه إحراج بشار الأسد وإحراج حزب الله وإيران أيضاً، اللذين لا يمكنهما الموافقة على تزويد سوريا ولبنان بغاز وكهرباء إسرائيليين. من شأن هذا الموقف الإسرائيلي أن يعرقل مسار التطبيع، أو أخذه إلى وضعية أخرى لها حساباتها الإقليمية والدولية، وتكون مرتبطة بشكل مباشر بمفاوضات أميركية إيرانية، تكون إسرائيل حاضرة ضمناً فيها. على غرار أي اتفاق له علاقة بترسيم الحدود البحرية في لبنان أو بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا أو بحسم مسألة مزارع شبعا وملكيتها.
يقود ذلك إلى خلاصة جديدة وهي أن المسألة ستبقى معلقة على حبال المفاوضات الأميركية الإيرانية، لتشمل الملفين اللبناني والسوري، ما سيؤدي إلى غياب أي دور أو تأثير للعرب في هذه الملفات لحساب واشنطن وطهران، علماً أن العرب هم أول من يسابق في سبيل التطبيع مع الأسد وإعادة تعويمه، في حين هي خطوات سيتفيد منها الأسد وإيران وإسرائيل حصراً مقابل خسارة العرب، ما ينطبق على سوريا لا بد من استقرائه من مسار التطورات في العراق ونتائج الانتخابات العراقية، والتي تفرز برلماناً الحاجة فيه دائمة إلى اتفاقات أو تسويات أو تقاطعات للمصالح بين محسوبين على واشنطن وآخرين على طهران لعقد التسويات.
تلفزيون سوريا
—————————
“نيوزويك” الأميركية عن بشار الأسد: لقد عاد
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
نشرت مجلة “نيوزويك” الأميركية تقريراً مطوّلاً تحدثت فيه عن التطورات الأخيرة في سوريا، وخاصة التطبيع مع نظام الأسد، مشيرة إلى أن بشار الأسد “لم ينج فحسب، بل يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي”، كما وضعت صورة الأسد على غلاف عددها الأسبوعي الصادر أمس، مع عنوان “لقد عاد”.
وقالت المجلة إنه مع حلول عام 2012، بدا أنها كانت بداية النهاية للأسد الذي أصبح في ذلك الوقت “منبوذاً دولياً”، بسبب جرائمه الوحشية، حيث قطعت معظم دول العالم علاقاتها معه وأغلقت سفاراتها، وفُرض عقوبات اقتصادية على نظامه، واستعدت الحكومات الأجنبية لدعم المعارضة المسلحة للإطاحة به.
وأضافت “نيوزوينك” أنه “الآن، ومع نهاية عام 2021، لم ينج بشار الأسد فحسب، بل يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي، فبعد مرور عقد من الزمان على أفعاله التي تسببت بالحرب الأهلية، يقف الأسد قوياً في مواجهة دولة محطمة إلى حد كبير، لا تملك سوى القليل من الخيارات”، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وأشارت إلى أن الأسد “بمساعدة حليفيه القدامى، إيران وروسيا، تمكن من استعادة جزء كبير من الأراضي السورية من المعارضة المسلحة التي حاولت الإطاحة به”، مضيفة أن “العديد من الدول التي قطعت علاقاتها معه قبل 10 سنوات عادت للترحيب به، على الرغم من المعارضة الأميركية المستمرة لحكمه”.
الأسد سيبقى في السلطة وأوضاع السوريين لن تتحسن
ونقلت “نيوزويك” عن السفير السابق، وآخر مبعوث أميركي إلى سوريا، روبرت فورد، قوله إن الأسد “سيبقى في السلطة”، موضحاً أنه “لا توجد طريقة لتخيل أن المعارضة السورية الآن، ومن خلال قوة السلاح، ستكون قادرة على إجباره على التنحي”، مؤكداً على أنه “ليس هناك بديل قابل للتطبيق”.
ورأى فورد، الذي شهد التطورات التي أدت إلى الحرب الأهلية منذ بدايتها، أن ذلك “نتيجة يجب مراقبتها”، مشيراً إلى أن سوريا أصبحت “دولة ممزقة اقتصادياً واجتماعياً، حيث نزح نصف سكان البلاد، وهرب أكثر من ربعهم.
وأكد الدبلوماسي الأميركي على أن “الوضع لن يتحسن بالنسبة للسوريين العائدين إلى داخل سوريا، ولن يتحسن الوضع بالنسبة للاجئين أيضاً، إنه أمر مأساوي فقط”.
من جانبها، أشارت المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، والتي تشغل اليوم منصب مستشار أول لشؤون سوريا في معهد الولايات المتحدة للسلام، منى يعقوبيان، إلى أنه “لا يوجد احتمال بحدوث تغيير في القيادة السورية، سينتقل التركيز الآن على كيفية تعامل الدول الأخرى مع الأسد”.
وأوضحت يعقوبيان أن “بالنظر إلى الدعم الروسي والإيراني القوي، فمن المرجح أن يحافظ الأسد على قبضته على السلطة على المدى المتوسط على الأقل”، مؤكدة على أنه “لقد أدركت العديد من دول المنطقة ذلك، وبدأنا نرى المزيد من الجهود البارزة لاستيعاب هذا الواقع”.
لماذا تتحرك الدول التي نبذت الأسد سابقاً نحو التطبيع معه الآن؟
ووفق “نيوزويك” فإنه “مع تقدم التقارب بين سوريا والدول العربية الأخرى، فإن ما لم يتضح بعد هو الشكل الذي ستتخذه تلك الجهود، والأهم من ذلك، كيف ستستجيب الولايات المتحدة، وهي تطورات من المحتمل أن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها”.
وأشارت إلى أنه “بالنظر إلى أن الظروف التي أدت إلى نبذ الأسد لم تتغير بشكل جذري، فإن الرغبة في الاستقرار الإقليمي تبدو أقوى من المخاوف بشأن حكم الأسد أو انتهاكاته الجماعية لحقوق الإنسان المرافقة لبقائه في السلطة”.
وقالت يعقوبيان إنه “في الوقت الذي تكافح فيه المنطقة الأزمات والفوضى، وتعمق التحديات الاقتصادية ووباء كورونا المعاناة الإنسانية المنتشرة على نطاق واسع، فإن حكومات المنطقة مهتمة أكثر بوقف تصعيد النزاعات ومعالجة هذه التحديات المستمرة والمزعزعة للاستقرار”.
ومن الأمثلة التي تحدثت عنها “نيوزويك” حول التحول في المواقف الإقليمية تجاه الأسد، والتي تهدف إلى إعادة نظام الأسد إلى التحسن الأخير في العلاقات مع الأردن، وإعادة البحرين والإمارات فتح سفارتيهما في دمشق، كما رفعت منظمة “الإنتربول” قيوده على نظام الأسد، بالإضافة إلى القرار الذي اتخذته إدارة بايدن في تخفيف بعض العقوبات على الأسد وفق قانون “قيصر”، ما سمح بإيصال الغاز المصري إلى لبنان.
دوافع عربية ضيقة ومخاوف إقليمية أوسع
وعن مواقف بعض الدول العربية تجاه الأسد، نقلت “نيوزويك” عن المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شنكر، قوله إن “يبدو أن هناك مجموعة من الدوافع الضيقة تقود هذا التطبيع، فالإمارات ترى في إعادة دمج الأسد وإعادة إعمار سوريا يحمل وعداً بإنهاء انتشار القوات التركية في إدلب”.
وأضاف أن الأردن “مدفوع أساساً بالرغبة في مساعدة اقتصاده، وإعادة اللاجئين السوريين من أراضيه، وإعادة إنعاش التجارة والنقل البري عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا”، مشيراً إلى أنه في هذا الصدد “تستمر قيود قانون قيصر الأميركي وتثير غضب عمان”.
كما تحدث شنكر عن المخاوف الإقليمية الأكبر على دول مثل مصر وإسرائيل، اللتين “تأملان في الحد من ترسيخ قوة أخرى غير عربية، إيران”، موضحاً أن المسؤولين المصريين “يؤيدون الفكرة المشكوك فيها بأن عودة سوريا إلى الحضن العربي يزيد تدريجياً من عروبتهم، وبالتالي يبعدها عن إيران الفارسية”.
وأشار إلى أنه “من المحتمل أن تشترك دول إقليمية أخرى في وجهات نظر مماثلة، حتى أن بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلي تقدر أن روسيا قد تحدّ من الزحف الإيراني في سوريا ما بعد الحرب تحت حكم الأسد”.
تغييرات على قدم وساق
ولفتت “نيوزويك” إلى أن “كل هذه التطورات تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة من نظام الأسد، حيث لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وسفارتاهما مغلقة، مع عدم وجود مسار واضح للمصالحة”.
وأكدت المجلة على أنه “على الرغم من ذلك، فإنه بشكل غير رسمي على الأقل، يبدو أن هناك تغييرات تحدث على قدم وساق”.
وأوضح ديفيد شنكر أن “إدارة بايدن قالت إنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، لكن لم يعد يبدو أنها تثني الشركاء العرب عن القيام بذلك، وعقوبات قانون قيصر إذا طُبقت، قد تمنع الدول العربية من استئناف العلاقات الطبيعية، بما في ذلك التجارة مع حكومة نظام الأسد”.
وأشار إلى أن “الالتزامات الكبيرة المتزايدة للدول العربية تقوّض عزلة نظام الأسد، وما تبقى من سياسة الضغط التي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب”، موضحاً أنه “حتى الآن، منعت هذه السياسة نظام الأسد من تحقيق نصر كامل، لكن مع تحرك الدول العربية نحو الأسد، سيصبح من الصعب بشكل متزايد الإبقاء على العقوبات”.
الولايات المتحدة ليست أضعف لكن أعداءها يزدادون قوة
من جهة أخرى، يرى المتحدث باسم “حركة النجباء” العراقية، نصر الشمري، أن “هناك سببين لما يعتبره تراجعاً لقوة ونفوذ واشنطن، الأول داخلي، حيث لم تعد الولايات المتحدة كما كانت من قبل، والسبب الرئيسي هو السياسيات الأميركية المتعنتة التي تتجاهل إرادة الشعوب وتراثها، وعدم الثقة بهم، والتخلي المستمر عن الحلفاء، وترجيح المصالح الأميركية على أي مصالح أخرى”.
وأضاف أن “السبب الثاني هو تنامي قدرة وقوة منافسي أميركا في العالم، مثل روسيا والصين وإيران، وثقة حلفائهم بهم، وهم مخلصون لهؤلاء الحلفاء دون أي افتراضات أو تدخل في قيم الشعوب أو نسيجهم الاجتماعي”، مؤكداً على أن “المنافسين لواشنطن أصبحوا أكثر قدرة وقوة على التكيف”.
من جهة أخرى، وعن أي تطور مستقبلي في العلاقات بين نظام الأسد والولايات المتحدة، نقلت “نيوزويك” عن مستشارة رئيس النظام الإعلامية، بثينة شعبان، قولها إنه “لا يمكننا التحدث عن أي نوايا جديدة حتى نرى الولايات المتحدة تسحب قواتها من سوريا”، معتبرة أن هناك دولاً أخرى “تقوم ببناء الجسور مع نظام الأسد، ودولاً أخرى بقيت تدعمه طوال فترة الصراع، ما يوضح الانخفاض العالمي في قوة الولايات المتحدة ونفوذها”.
ووفق “نيوزويك” فإن تصريحات بثينة شعبان تُسمع خارج سوريا الآن، حيث نقلت عن أحد المراقبين السوريين الذين تابعوا أحداث الحرب السورية عن كثب، قوله إن “اندماج أعداء الولايات المتحدة في سوريا يعني أن دولاً مثل روسيا وإيران والصين قد تسعى إلى منع الإجراءات الأميركية في أماكن أخرى أيضاً”.
وأضاف أن “الرسالة واضحة، يمكن هزيمة الولايات المتحدة، أو على الأقل إيقافها، كما هو الحال في سوريا اليوم”، موضحاً أنه “من الآن فصاعداً، لن يدع أعداء الولايات المتحدة ما حدث في العراق وليبيا يحدث مرة أخرى، فالولايات المتحدة ليست أضعف عسكرياً أو اقتصادياً، لكن أعداءها يزدادون قوة، وكذلك إرادتهم للعمل معاً”.
ويعترف المراقب السوري، الذي لم تذكر “نيوزويك” اسمه، بالانتفاضة التي أطلقها السوريون ضد نظام الأسد، لكنه يرى أن “الحملة لإنقاذ الأسد لها جذور محلية أيضاً”، معتبراً أن “الشعب السوري هو الذي انتفض ضد الأسد، ولكن الشعب السوري هو الذي دافع عنه أيضاً”، في إشارة إلى مؤيديه والميليشيات المسلحة الرديفة لجيشه.
روسيا: الأسد ديكتاتور ووحش لكنه حليف لنا
ووفق “نيوزويك”، فإنه “مع اشتداد القتال والتصعيد العسكري، أتيحت الفرصة نفسها لإنذار أخير من الولايات المتحدة لإسقاط الأسد بعد تمويل بسيط للفصائل المسلحة، حيث وضعت واشنطن خططاً محتملة لإسقاط المطرقة على الأسد”.
وأوضحت أن الرئيس باراك أوباما “اشتهر بوضع الخط الأحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، حتى أنه طلب موافقة الكونغرس على تدخل الولايات المتحدة في سوريا، لكنه تراجع وسط اتفاق دولي لنزع مخزن نظام الأسد من الأسلحة الكيميائية”.
وأضافت أنه “مع استمرار التقارير حول الانتهاكات ضد السوريين من قبل جميع الأطراف، وابتلاع الجماعات المتشددة لجماعات الجيش السوري الحر المعتدلة، كانت واشنطن تدرك أن المعارضة السورية محكوم عليها بالتدمير الذاتي”، مشيرة إلى أنه “في الوقت نفسه، رأى البنتاغون بطلاً جديداً في قوات سوريا الديمقراطية، التي كانت تسعى دائماً إلى مزيد من الحكم الذاتي والاستقلال عن نظام الأسد”.
وأشارت “نيوزويك” إلى أنه في الوقت الذي غيّرت فيه واشنطن موقفها رسمياً نحو دعم “قوات سوريا الديمقراطية”، كانت سماء سوريا غارقة في هدير طائرات سلاح الجو الروسي، كما عملت روسيا مع الصين، منذ عام 2011، لضمان ألا يكون مصير الأسد كمصير القذافي، من خلال استخدام حق النقض “الفيتو” ضد العمل الدولي في سوريا.
ونقلت عن رئيس المجلس التنفيذي في مجلس الشؤون الدولية الروسي، يفجيني بوزينسكي، قوله إن “الأسد كان في بعض وجهات النظر ديكتاتوراً، وحشاً، لكنه كان حليفاً لروسيا”، مشيراً إلى أنه عندما تدخلت روسيا في عام 2015 “كان الأسد على وشك الانهيار، لكن روسيا أنقذته”.
وذكر بوزينسكي أن روسيا “تنسق عن كثب مع طهران وحلفائها للحفاظ على صديق مشترك في السلطة”، موضحاً “كان هناك تقسيم للعمل في وقت واحد، روسيا تعمل من السماء، تقصف وتوجه ضربات صاروخية، وإيران تعمل على الأرض، بالتعاون مع جيش النظام”، مؤكداً على أن هذا النهج “أثبت أنه نموذج للتدخل الناجح لروسيا وشركائها”.
واشنطن لم تكن أبداً متحكمة في مسار الأحداث في سوريا
تختم “نيوزويك” تقريرها بتصريحات للسفير السابق، روبرت فورد، عن النهج الأميركي في الحرب السورية، مشيرة إلى أن فورد “استقال من منصبه في وزارة الخارجية في عام 2014 محبطاً مما اعتبره نهجاً بطيئاً ومضللاً للحرب في سوريا”، مشيرة إلى أنه اليوم “كثيراً ما يناقش أخطاء الولايات المتحدة، لكنه يؤكد أن واشنطن لم تكن أبداً في موقع أساسي لتوجيه مسار الصراع في سوريا”.
يقول فورد إنه “من المؤكد أن مصداقيتنا تعرضت لضربة قوية، لكنني أعتقد أن ما نحتاج لتأكيده أن واشنطن لم تتحكم في مسار الأحداث في سوريا، ولم ننفق الموارد لتغيير مسار الأحداث هناك، وحتى لو قمنا بزيادة هذه الموارد، فلست متأكداً من أننا كنا سنخرج إلى حيث نريد”.
ويعترف الدبلوماسي الأميركي بمحدودية التدخل الأميركي في سوريا، ويشير إلى أن هذا التدخل “يقع بسهولة في نطاق نفوذ طهران وموسكو، أكثر من نطاق نفوذ واشنطن”، ويضيف “لقد انخرط الأميركيون في شيء أكبر بكثير مما كانت عليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بمعنى أن الأمر انتهى بنا إلى أن نكون مجرد لاعب واحد بين عدة لاعبين”.
ويوضح أنه “عندما تكون لاعباً واحداً بين كثيرين، لن يسيطر لاعب واحد على سوريا، فلا إيران وحدها تسيطر عليها، ولا روسيا، ولا تركيا، ولا حتى الأسد نفسه، إنها حقاً تفاعل معقد”.
ويشير روبرت فورد إلى أنه “في بعض الأحيان، من الأفضل للولايات المتحدة البقاء بعيداً عن هذا المزيج تماماً، لا سيما في البلدان التي يكون للمنافسين فيها اهتمام وتأثير، واستعداد أكبر لتطبيق كليهما”، ويؤكد على أن “الأميركيين بحاجة فعلاً إلى انتقاء واختيار معاركهم بعناية”.
تلفزيون سوريا
—————————–
واشنطن لا تدعم التطبيع مع الأسد..قبل تقدم الحل السياسي
أكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة لا تعتزم دعم أي جهود للتطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، محذراً من أن واشنطن ستلجأ إلى “خيارات أخرى” إذا فشل المسار الدبلوماسي على صعيد البرنامج النووي الإيراني.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه الإسرائيلي يائير لبيد والإماراتي عبد الله بن زايد في واشنطن بمناسبة مرور سنة على توقيع اتفاقيات “أبراهام” الأربعاء: “الإدارة الأميركية لن تقوم بإبداء الدعم لأي جهد لتطبيع العلاقات أو استئناف التعامل مع الأسد أو رفع أي عقوبة مفروضة على سوريا، إلى أن يتحقق تقدم لا رجعة فيه باتجاه حل سياسي”.
وتابع أن “أولوية واشنطن في سوريا تتركز على تقديم المساعدات الإنسانية، وعلى وقف أي نشاط للمتطرفين قد يستهدف الولايات المتحدة والحد من العنف”، مشيراً إلى أهمية عرض الملف السوري على مجلس الأمن.
وجاءت تصريحات بلينكن حول سوريا، في وقت يشهد تحولاً في الشرق الأوسط بين بعض حلفاء واشنطن العرب، الذين بدأوا في إحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الأسد.
وفي الشأن الفلسطيني، أكد بلينكن أن واشنطن تعتزم المضي قدماً لإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، وقال: “سنمضي قدماً في عملية فتح قنصلية في إطار تعميق العلاقات مع الفلسطينيين”.
أما في ما يخص الملف النووي الإيراني، قال بلينكن إن “إيران تستغل الوقت في تعزيز قدراتها النووية وباتت تستخدم أجهزة طرد مركزي حديثة”، مضيفاً “حتى الآن لم نرَ من إيران ما يوحي بأنها عازمة على العودة للامتثال بالاتفاق النووي، رغم توضيحنا أننا مستعدون للعودة للامتثال الكامل بالاتفاق إذا ما فعلت إيران”.
وتابع: “أعتقد أن المسار الدبلوماسي هو الأمثل لمنع إيران من التسلح نووياً”، لكن في الوقت نفسه “الخيارات الأخرى مطروحة للنقاش في حال فشلت الدبلوماسية والجميع يفهم ما نعنيه بذلك”، متابعاً أنه “إذا كان لدى إيران موقف واقعي بإمكاننا التوصل لاتفاق”.
بدوره، قال لبيد إن “محور زيارتي هنا هو القلق من سباق إيران باتجاه الحصول على قدرة نووية”، مضيفاً “أصبحت إيران دولة عتبة نووية.. كل يوم يمر وكل تأخير إضافي في المفاوضات يجعل إيران أقرب إلى تطوير قنبلة نووية”.
وأشار إلى أن إسرائيل تحتفظ بإمكانية وحق العمل ضد المشروع النووي الإيراني “في أي توقيت وأي موقف وبأي شكل من الأشكال”، وتابع: “هذا ليس حقنا فقط، بل واجبنا.. تقول إيران علانية إنها تريد محونا من على وجه الأرض. وليس لدينا نية بأن نتعرض للإبادة”.
وشدد لبيد على أن “الخيارات الأخرى مع إيران مطروحة للنقاش إذا فشلت الجهود الدبلوماسية”. وقال: “الجميع يعلم ماهي الخيارات الأخرى”. وخاطب نظيريه الأميركي والإماراتي قائلاً: “علينا أن نتحرك سوياً إذا ما طورت إيران سلاحاً نووياً”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإماراتية بن زايد أن اتفاقات السلام مهمة للاستقرار في المنطقة، وقال: “أنا واثق أنه كلما حققنا نجاحاً في علاقاتنا في الإمارات مع إسرائيل فهذا لن يشجع فقط دول المنطقة، وإنما سيشجع الفلسطييين والإسرائيليين أن يسلكوا هذا المسار وهذا المنهج، وأن يكونوا مستعدين للسير في هذا الاتجاه”.
وأضاف “نحن لدينا علاقات متنامية مع إسرائيل ونسعد بذلك ونحن نعتمد دائماً على أصدقائنا في الولايات المتحدة، وهذا أمر مهم بالنسبة لنا ويجعلنا نحسن الأمور بشكل أكبر”.
ووقعت إسرائيل والإمارات والبحرين اتفاقيات “أبراهام” في البيت الأبيض في أيلول/سبتمبر عام 2020. وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، أعلنت إسرائيل والسودان أنهما ستطبعان العلاقات، وأقام المغرب علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر.
——————————
اسألوا مضر بدران/ عالية منصور
بعد التدقيق بخبر الاتصال الذي تم بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني، كان المفاجئ هو أن الأسد من بادر بالاتصال وليس العاهل الأردني، علما أن مسار الأمور منذ فترة ليست قصيرة، وسلوك الأسد منذ استلامه للحكم بعد وفاة والده تعطي الانطباع بأن أيا كان هو من سيبادر إلى التواصل مع الأسد وليس العكس.
وإن جاء خبر الاتصال كتتويج للعديد من اللقاءات بين مسؤولي نظام الأسد ونظرائهم الأردنيين، على المستويات الاقتصادية والأمنية والعسكرية وأخيرا السياسية، إلا أن اللافت في الموضوع كان ترحيب الخارجية الأميركية بالانفتاح الاقتصادي الأردني على النظام السوري، وفتح معبر نصيب التجاري بين البلدين، بالإضافة إلى إعادة تسيير رحلات جوية بينهما، ورغم تراجع واشنطن عن مسألة الترحيب، لكن الجميع يعلم أن أحدا ولا سيما الأردن سيقدم على خطوة كخطوة التواصل مع النظام السوري والتطبيع معه من دون موافقة وضوء أخضر أميركي.
وقبل عامين، أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي بحزبيه الديمقراطي والجمهوري قانون قيصر الذي يحظر التعامل مع النظام السوري، ويمنع أي دولة من التعامل معه دبلوماسياً وسياسياً وتجارياً وكل أشكال التعامل، فما الذي تغير حتى باتت الولايات المتحدة غير آبهة بتطبيق قانون أقره مجلس شيوخها؟ في الواقع من يتابع خطوات الإدارة الأميركية منذ تسلم جو بايدن لمهامه في البيت الأبيض يدرك أن ما يحصل هو استكمال لسياسة أوباما وإن كانت إدارة بايدن أقل وعودا من إدارة أوباما الذي فاجأ العالم يوم قام بمسح خطوط حمراء هو رسمها وعمل تسوية مع نظام الأسد من خلال روسيا طمعا في إرضاء إيران والوصول إلى الاتفاق النووي معها.
مسيرة الأسد منذ أن ورث الحكم عن أبيه، وسوريا هي من الجمهوريات النادرة التي تورث الحكم كما كوريا الشمالية، مليئة بتصدير الإرهاب وعمليات الاغتيالات وإرسال المتفجرات إلى الدول الشقيقة، هذا إذا أيقنا أن قتل أكثر من نصف مليون سوري وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري أمر ليس ذا أثر عند دول شقيقة وصديقة.
ولكن ماذا عن تصديره للإرهاب؟ وهل يعقل أن البعض قرر للمرة الألف ربما أن يثق في الأسد ويقنع نفسه والآخرين بأن إعادة العلاقة مع النظام السوري هي من أجل مكافحة الإرهاب، أو أن خيرا اقتصاديا سيعم على دول الجوار إن صافح ملوكها ورؤساؤها بشار الأسد صاحب اليدين الملوثتين بدماء مئات الآلاف من السوريين، هل سيتوقف حينها الأسد عن تصدير الكبتاغون والمخدرات ويغرق الأسواق بما لذ وطاب من خضار وفاكهة؟
هل من يدعون إلى إعادة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية كخطوة أولى لـ«استعادته»من إيران وإعادته إلى الحضن العربي مقتنعين حقا بما يدعون إليه؟ ألم تفشل أقله أربع محاولات لتعريب الأسد منذ وصوله إلى السلطة حتى اندلاع الثورة السورية؟
في سوريا اليوم خمسة جيوش أجنبية، فإن قررت إدارة بايدن الانسحاب غدا من سوريا، فإن أيا من إسرائيل وإيران وروسيا وتركيا لن ينسحبوا، فهل يهرول البعض للتطبيع مع نظام لا يستطيع أن يحكم شبرا واحدا من سوريا؟ وماذا عن اللاجئين؟ هل ستتم إعادتهم بقوة السلاح إلى المدن التي غادروها بقوة البراميل المتفجرة والكيماوي؟ هل يعي المهرولون أعداد السوريين غير المعارضين لنظام الأسد الذين يهربون يوميا من جحيم حكمه؟
إن كان لإدارة بايدن مصلحة في التطبيع مع إيران وإعطائها اليد الطولى في المنطقة، فأين مصلحة الدول العربية في تطبيق سياسة بايدن وهم سيكونون أول المتضررين؟
لقد نجح بشار الأسد بما هو أهل له، نجح في صناعة الإرهاب ليعود ويبتز المجتمع الدولي بمحاربته، فهل يقع الجميع مجددا في فخ تصديق الأسد؟
ربما يحاول البعض تجنب طرح هذه الأسئلة على نفسه، لكن منطق الأشياء وطبيعة النظام السوري منذ 23 فبراير (شباط) عام 1966 وحتى اللحظة تفرض إجابات من نوع واحد، وهي أن نظاما قام على بعد طائفي واضح، واستعان بقوة أجنبية لحمايته، وفرض استقرار الداخل السوري بقوة الحديد والنار، وعبر افتعال أزمات أمنية في دول الجوار وخلق الاضطراب عبر الاغتيال السياسي الذي بدأه هذا النظام مبكرا جدا في تاريخه منذ مطلع السبعينات وحتى الآن.
حمى الله الأردن من شرور هذا النظام الذي اختبر العرش الهاشمي قديما أطماعه ورغبته في ترك الأردن داميا ومضطربا عندما حاولت قوات صلاح شديد احتلال الشمال الأردني في مطلع عام 1970، وعندما حاول حافظ الأسد اللعب بالأمن الداخلي الأردني عبر إرسال فرق الاغتيال والموت في محاولة لاغتيال رموز سياسية أردنية مثل محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران في عام 1981، وعلى من لا يتمتع بذاكرة جيدة أن يسأل مضر بدران وأحمد عبيدات فربما يزودانه بما لم يعلم..
—————————
تركيا-أمريكا..هل تصلح قمة روما(إن عقدت) ما أفسده الدهر؟؟/ د.باسل معراوي
لن ابتعد قليلا بالتاريخ لارسم صورة سابقة عما كانت عليه العلاقات الامريكية التركية وما آلت اليه اليوم…
انضمت تركيا الى حلف الناتو مبكرا 1952..واعتبرت القوة البرية الثانية بالناتو وكانت مكسبا كبيرا للحلف والولايات المتحدة بالذات نظرا لما تتمتع به من موقع جيوسياسي هام بين آسيا واوربة…وكانت الدولة الوحيدة في حلف شمال الاطلسي التي تملك حدودا برية مع الاتحاد السوفييتي…وكان العلاقات البينية بين الدولتين جيدة ولم تعر الولايات المتحدة في مرحلة الحرب الباردة اي اهتمام لمدى التزام حلفائها بمعايير حقوق الانسان وحرية التعبير وديمقراطية النظام السياسي فكانت علاقتها جيدة مع كل الانقلابات العسكرية التي حدثت لاجهاض اي تحول ديمقراطي ..وشاب تلك الفترة بعض العتتب والعقوبات عقب التدخل العسكري التركي بشمال قبرص في بداية سبعينيات القرن الماضي
بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة بعام 2002 ..وكانت الحرب الباردة قد حسمت لصالح المعسكر الغربي بانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي..وفقدان تركيا لبعض اهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة وبروز عدو استراتيجي جديد للولايات المتحدة هو الارهاب الاسلامي السني بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر..بدأت بعض جوانب التوتر تطفو الى السطح بين سياسة الدولة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية (ذو التوجهات الدينية ) وبين الولايات المتحدة وبرز لاول مرة موقف البرلمان التركي المعارض لاستخدام قاعدة انجرلك وبعض التسهيلات العسكرية الاخرى اثناء الغزو الامريكي للعراق في العام 2003
ويمكننا تلخيص اهم نقاط الخلاف التركية الامريكية بدعم امريكي واوربي لكل خلافات تركيا واليونان للطرف اليوناني وتوضح بشكل لايدعو للبس في التوتر الاخير بالعام الماضي بالخلاف الجاري حول الحدود البحرية واحقية التنقيب عن الغاز شرق المتوسط..
نقطة الخلاف الثانية هي دعم الولايات المتحدة لتنظيم البي كي كي السوري والذي تصنفه انقرة حزيا ارهابيا وهو النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني التركي والذي يصنفه البلدان ودول اخرى انه حزبا ارهابيا
ذلك التنظيم الذي تعتبره واشنطن شريكا موثوقا وعمليا في محاربة الارهاب..
نقطة خلاف جوهرية اخرى تتجلى بعدم استجابة الولايات المتحدة للطلبات التركية بتسليمها فتح الله غولن والمقيم في امريكا منذ عام 1999 والذي تنسب اليه الدولة التركية تهما عديدة اهمها انشاء التنظيم الموازي وتحمله انقرة مسؤولية القيام بمحاولة الانقلاب الفاشلة بتموز 2016..
نقطة خلاف هامة اخرى تتعلق بشراء تركيا لمنظومة صواريخ ارض جو روسية الصنع S400 بعد رفض واشنطن بيع انقرة نسخة امريكية (باتريوت) اعقبه خلافات وعقوبات واستبعاد تركيا من برنامج تطوير الطائرة الشبح F35
ماكان متوقعا قد حدث فاثناء حملة المرشح الرئاسي جو بايدن اعرب عن عدم تأييده لحكم ونهج الرئيس التركي اردوغان وقال انه يتمنى ان يرى احزاب المعارضة في الحكم في انتخابات 2023..ايضا كانت علاقة الرئيس التركي غير جيدة مع الرئيس الامريكي طيلة الثمان سنوات التي قصاها الرئيس بايدن نائبا للرئيس باراك اوباما
حدث لقاء قمة بين الرئيسين الامريكي والتركي على هامش قمة الناتو في الصيف الماضي وبدا فيه ان البرود قد تم ازالته وان العلاقات الامريكية التركية مقبلة على عصر افضل مما كان متوقعا…خاصة ان الولايات المتحدة تحتاج تركيا كلاعب رئيسي في منطقة هامة جدا وهي اسيا الوسطى والقوقاز وصولا لحدود اوكرانيا وانهاضرورية لاحداث توازن ضروي مع منافسين بل عدوين للولايات المتحدة هما ايران وروسيا البوتينية.
وكان باديا للجميع ضعف اداء الادارة الامريكية الديمقراطية في كثير من الملفات الداخلية والخارجية..بسب تقدم السن بالرئيس الامريكي الثمانيني وعدم كفاءة نائبته كامالا هاريس باي ملف كلفت به..اضافة لضعف بادي على وزير الخارجية انتوتي بلينكن ومستشار الامنىالقومي سوليفن…ومما زاد الطين بلة توجه الاستراتيجية الامريكية من الاهتمام بالشرق الاوسط الكبير الى تحالفات في المحيط الهادي ضد الصين والتي تعتبرها واشنطن انها العدو الاول وكان اعلان تحالف اوكوس بمثابة اعلان لبداية حرب باردة جديدة مع الصين
وبهذه الظروف ونتيجة لعدم وضوح سياسة امريكية واضحة اتجاه سورية مركزية ويتم العمل عليها وتكلف كل ادارة او مؤسسة بتطبيق الجزء المتوط بها..تبرز اجتهادات واختلافات وعدم وضوح الرؤية من كل مؤسسة على حدة..ليكون للبنتاغون راي .وللمخابرات المركزية راي وللمندوبين الامريكان المدنيين العاملين في الميدان راي…خاصة في ظل عدم تعيين الادارة الديمقراطية لمبعوث خاص للملف السوري عقب استقالة جيمس جيفري..وتولي ماكفورك(الداعم الاول للوحدات الانفصالية) والمحظور تركيا من استقباله والتعاون معه ..تعيينه باهم منصب مشرف على القضية السورية وهو المسؤول الخاص عن الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مكتب الامن القومي الامريكي الذي يتبع للبيت الابيض مباشرة..اضافة الى تبوا عدد من الموظفين المتعاطفين مع البي كي كي لمناصب رفيعة بالمؤسسات الامريكية التي تتعاطى بالشان السوري
————————–
المسلط:روسيا تنتهك الاتفاقات لتحقيق مكاسب من بعض الدول
دعا رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، روسيا إلى الالتزام بالاتفاقيات الخاصة في منطقة إدلب شمال غربي سوريا، واصفاً الخروق في المنطقة بأنها “استفزاز روسي لتحقيق مكاسب من بعض الدول”.
وقال المسلط خلال لقاء مع صحافيين في إسطنبول الأربعاء: “كنا حريصين أن يُطرح على الطاولة في الولايات المتحدة خلال لقاءات على هامش اجتماعات الأمم المتحدة وما بعدها نهاية سبتمبر/أيلول، الملف السياسي ومعرفة مصير اجتماعات جنيف واللجنة الدستورية والسلال الأربعة للعملية السياسية (الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات والإرهاب)”.
وتابع أنه طلب من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، خلال لقاء بالولايات المتحدة، معرفة النهج الجديد الذي أثاره للعملية السياسية، “وهو الخطوة بخطوة لبناء الثقة والتوصل إلى حل تفاوضي”، مضيفاً “نخشى أن يبعدنا ذلك عن تطبيق القرار 2254″، وهو القرار الذي صدر في 18 كانون الأول/ديسمبر عام 2015، ويدعو جميع الأطراف إلى التوقف عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين طرفي النزاع للدخول في مفاوضات رسمية، وإجراء انتخابات تحت إشراف أممي، بهدف إجراء تحول سياسي.
وأردف “طرحنا خلال اللقاءات في واشنطن موضوع تنقل اللاجئين السوريين بجوازات السفر، وأن يتم التعامل معهم كما يعامل الفلسطينيون”، مشيراً إلى أن النظام السوري يطالب بمبالغ مالية كبيرة لمنح الجوازات”، متابعاً: “طالبنا بوثائق ممنوحة من الأمم المتحدة (جواز السفر الأزرق)، وسنتابع هذا الأمر”.
التطبيع والعقوبات
وأوضح المسلط “أردنا معرفة الموقف الأميركي من التطبيع والعقوبات بحق النظام السوري، وكان هناك التزام بالموقف الأميركي”، مشيراً إلى أنه “لمسنا انزعاج الجهوريين من سياسة الديمقراطيين تجاه سوريا”، في إشارة إلى إدارة الرئيس الحالي جو بايدن (ديمقراطي).
يُشار إلى أن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أكد الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه الإسرائيلي يائير لبيد والإماراتي عبد الله بن زايد في واشنطن، أن الولايات المتحدة لا تعتزم دعم أي جهود للتطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، “إلى أن يتحقق تقدم لا رجعة فيه باتجاه حل سياسي”.
وعن مساعي التطبيع من دول عربية مع النظام السوري، أجاب المسلط أن “دول الجوار كانت مواقفها مع النظام أصلاً، باستثناء الأردن”.
وأضاف المسلط “طلبنا أن يكون هناك تنسيق تركي-أميركي شمال شرقي سوريا للتعجيل بحل قضايا المنطقة، وطالبنا بحقوق الأقليات الأخرى، وأن تكون الولايات المتحدة على مسافة واحدة منها”. وتابع: “لا يجب أن تُدار المنطقة من طرف حزب واحد”. ويقصد المسلط بهذا الحزب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وأشار إلى أنه “لفتنا النظر في القضية السورية والمسار السياسي، وردود الأفعال جيدة بالأيام الماضية في أنقرة، والانطباع الذي وصل من الجانب التركي عن البعثات الأوروبية والدولية كان إيجابياً”.
النظام والإنتربول
وعن إعادة المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) منح النظام السوري حق الولوج لشبكة الاتصال الخاصة به، قال المسلط إن “الإنتربول خاص بالجرائم الجنائية وليس القضايا السياسية، وليس غريباً أن يتم تلفيق هكذا اتهامات (جنائية) من النظام للمعارضين، والائتلاف شكل لجنة، وسلم مذكرة بفرنسا (مقر الإنتربول)”.
وأكد المسلط أن “الائتلاف ممثل بمكونات كثيرة من السوريين، ولديه لقاءات، وستكون هناك لقاءات مع هيئة التنسيق القادمة من دمشق، ويدنا ممدودة لكل السوريين، ونسعى لتسريع الحل عبر المسار السياسي”.
وحول الأوضاع شمال شرقي سوريا والخروق في إدلب، قال إن “الأخوة الأتراك يأملون بأن يكون هناك حل للمشاكل في المنطقة بدل أن تزيد”، مضيفاً “لا يمكن بالنسبة لنا التعامل مع تنظيمات إرهابية، ولكن قضية الكرد قضيتنا وسندافع عن حقوقهم كما ندافع عن حقوق العرب والتركمان والسريان”.
المدن
——————————-
أنقرة:واشنطن وموسكو وراء هجمات الأكراد على قواتنا في سوريا
أعلن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو أن بلاده تحمّل الولايات المتحدة وروسيا مسؤولية ما وصفها ب”الهجمات الإرهابية” التي شنتها الوحدات الكردية ضد تركيا والمدنيين انطلاقاً من سوريا.
وقال أوغلو في مؤتمر صحافي في أنقرة الأربعاء، إن “الولايات المتحدة وروسيا تتحملان المسؤولية عن هجمات عبر الحدود تشنها وحدات حماية الشعب الكردية السورية”، مضيفاً أن واشنطن شجبت تلك الهجمات لكن هذه التصريحات “ليست صادقة”.
وأكد أن بلاده ستفعل ما يجب القيام به من أجل “تنظيف المنطقة من الإرهابيين”، وقال: “بما أن واشنطن وموسكو لم تلتزما بتعهداتهما فيجب علينا الاعتماد على أنفسنا والقيام بما يجب”.
وكان أوغلو قد دعا السبت، الولايات المتحدة إلى “التخلي عن سياساتها الخاطئة”، وذلك تعليقاً على قرار الرئيس الأميركي جو بايدن تمديد “حالة الطوارئ بشأن سوريا” وتوجيهه انتقادات إلى تركيا. وقال أوغلو إن واشنطن تقدم دعماً كبيراً لوحدات حماية الشعب الكردية، مشيراً إلى أن ذلك “يشكل جريمة بموجب القانون الأميركي”، معتبراً أن الغرض من وجود الأميركيين في سوريا “ليس مكافحة داعش”.
وتأتي تصريحات أوغلو عقب إدانة واشنطن الهجمات عبر الحدود من سوريا على القوات التركية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في مؤتمر صحافي الأربعاء: “ندين الهجمات عبر الحدود ضد حليفة الناتو تركيا”، مضيفاً “لدينا مصالح مشتركة مع تركيا في العديد من المجالات، من مكافحة الإرهاب إلى إنهاء الصراع في سوريا”. وتابع: “سنواصل التشاور الوثيق مع أنقرة بشأن السياسة السورية”.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية الثلاثاء، مقتل عنصرين من شرطة المهام الخاصة التركية في مدينة مارع بمنطقة عملية “درع الفرات” جراء هجوم الأحد، بصاروخ موجه انطلاقًا من مدينة تل رفعت. واتهمت تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، بتنفيذ الهجوم.
وحول اتهام أوغلو لروسيا بمسؤوليتها عن الهجمات على القوات التركية في سوريا، قال الدبلوماسي الفلسطيني-السوري السابق، والمقرّب من دوائر صنع القرار في موسكو رامي الشاعر إن التصعيد الحاصل في شمال سوريا “محدود جداً”، نافياً أي تواجد للقوات الروسية في منطقة “جيب تل رفعت”.
وأضاف الشاعر في حديث لموقع “الحرة” الأميركي، أن “الطائرات الروسية لا تقصف أي أهداف عشوائياً، وأي عمليات باستخدام الطيران يتم إعلام الجانب التركي والأميركي والسوري”، مشيراً إلى أن “هذه العمليات تجري استناداً إلى معلومات استطلاعية دقيقة، وبعد التأكد من أن الهدف إرهابي”.
ونفى الشاعر صحة القصف الروسي على مدينة مارع ليل الاثنين-الثلاثاء قائلاً: “كل شيء يشاع أو يتم تناقله غير ذلك ليس صحيحا أبداً”، معتبراً أن “الكثير من عمليات الهجوم ضد الأتراك تنطلق من المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية”.
وحول العلاقات الروسية التركية، أكد أنه “لا يمكن إحراز شرخ فيها أبداً، حتى بوجود وجهات نظر مختلفة حول كيفية حل بعض القضايا، بما فيها القضية الكردية”.
المدن
—————————-
أي ردّ تحضر تركيا بعد التصعيد ضدها في سوريا؟/ خالد الخطيب
يسود الهدوء الحذر الجبهات بين المعارضة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية في ريف حلب، بعد التوتر الذي شهدته الجبهات يومي 10 و11 تشرين الأول/أكتوبر، والذي قتل خلاله عنصرين من شرطة المهام الخاصة التركية بصواريخ موجهة أطلقتها الوحدات المتمركزة في ريف تل رفعت.
رد متواضع
كان الرد التركي على وحدات الحماية في ريف حلب أقل من المتوقع، واقتصر على قصف عدد من مواقع الأخيرة بالمدفعية وبشكل محدود. لكن يبدو أن الجيش التركي يحضر لرد أكثر قسوة وقد زادت بالفعل تحركات الجيش خلال اليومين الماضيين في منطقة العمليات وداخل القواعد التركية المنتشرة بكثافة على طول خط التماس مع الوحدات بريف حلب، ووصل إلى المنطقة المزيد من التعزيزات العسكرية، وتزامن ذلك مع رفع الفصائل المعارضة لجاهزيتها القتالية للتعامل مع تطور ميداني مفاجئ.
التحضيرات لعملية تركية ضد وحدات الحماية دعمتها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب اجتماع له مع الحكومة التركية، والتي قال فيها إن “الهجوم الأخير على قواتنا في درع الفرات والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حدا لا يحتمل، نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدرا للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا، وسنقضي على التهديدات التي مصدرها من هناك إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة”.
تصريحات أردوغان فتحت الباب أمام الكثير من التكهنات حول شكل الرد العسكري الذي يحضّر له الجيش التركي في ريف حلب، وربما بشكل أوسع ليطاول معاقل قسد في مناطق شمال شرقي سوريا، وماهي إمكانية تحول الرد التقليدي إلى عملية عسكرية تستهدف أحد معاقل وحدات الحماية وقسد في ريف حلب، كمنطقتي منبج وعين العرب-كوباني، واللتين هددت المعارضة وتركيا أكثر من مرة خلال العامين الماضيين بدخولهما.
التفاهم مع موسكو وواشنطن
ويرى الباحث في الشأن السوري محمد السكري أن كل الاحتمالات مفتوحة وسط الإصرار التركي على شن عملية عسكرية جديدة، وتبقى الوجهة التركية مرتبطة بالفاعل الدولي الذي قد يمنح أنقرة الضوء الأخضر وقد يحدث ذلك بتوافق ثنائي أو ثلاثي بين الأطراف.
ويشير السكري في حديث ل”المدن”، إلى أنه لا يمكن الجزم بالوجهة التي ستستهدفها العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا وتحديداً ريف حلب، “لأنّ ذلك ستحدده التفاهمات مع الأطراف الفاعلة التي سيتم التوافق معها في موسكو أو واشنطن أو كلاهما معاً، ولكن التصريحات التركية الأولية تقول إنّ منطقتي عين العرب ومنبج على الأولوية التركية مع أخذ اعتبارات حسابات كل منطقة على حدة”.
ويضيف أن “المؤشرات تشير إلى أن منطقة عين العرب هي الأهم بالنسبة لتركيا والمعارضة، والتي تعتبر حلقة وصل بين منطقة نبع السلام وعمق مناطق المعارضة في إدلب، ولكن هذه المنطقة تحتاج لتفاهمات روسية-تركية مشتركة”، معتبراً أنه “من الصعب أن تمنح روسيا مكسباً لأنقرة هناك، دون مقابل على الأقل في ما يتعلق بإفراغ جنوب الطريق الدولي (إم-4) من فصائل المعارضة أو بمنحها مكسب في ملف القرم”.
وتابع: ” لا يقل ملف منبج تعقيدًا عن عين العرب، فمن الصعب منح كل من واشنطن وموسكو مدينة منبج لتركيا لأسباب عديدة منها تَشارك السيطرة والتنسيق العالي بينهما، وحساسية المنطقة وأهميتها جغرافيًا من حيث المساحة والموقع، وسياسيًا من حيث تقاسم النفوذ، وهي الأسباب نفسها التي تركز عليها أنقرة”. ويرى أنه “في حال نجحت تركيا في إقناع الأطراف التخلي عن المدينة، سيكون ذلك مكسباً كبيراً لها، فالسيطرة عليها تعني إنهاء لثقل تواجد روسيا والولايات المتحدة في غرب الفرات وتفرّد تركيا”.
ويلمح إلى أن توجه العملية نحو منبج يحتاج إلى توافقات روسية-أميركية مشتركة وتلاقي مصالحهما مع أنقرة وهذا يعقد الأمر، كما سيترتب على العملية هناك صدام مباشر مع قوات النظام المنتشرة في الأرياف، مشيرا إلى أنه “لا يوجد حتى الآن مثل هذه التفاهمات. لكن في المقابل يبدو أن تركيا مصممة على العملية”، لذلك يُعتقد أن “تختبر أنقرة قابلية الأطراف الأخرى لتبعات شن عملية عسكرية محدودة على مناطق جغرافية حيوية تنشط بها الوحدات وقسد دون السيطرة على المدن قبل أن تحدد أنقرة وجهتها”.
تصعيد وليس معركة
وترجح مصادر عسكرية في المعارضة أن يبدأ الجيش التركي عمليات استهداف منظمة للمواقع المتقدمة لوحدات الحماية في منطقة تل رفعت في ريف حلب، والعمل على تدمير مستودعاتها ونقاط تمركزها التي تنطلق منها عادة لتنفيذ عملياتها، بالإضافة إلى دعم الفصائل لتنفيذ عمليات برية محدودة تستنزف الوحدات على طول خط التماس الممتد من عفرين وحتى ريف منبج. وتستبعد المصادر أن يتطور الرد ليصبح عملية عسكرية واسعة، فالتحركات الميدانية حتى الآن لا تتضمن التحضير لعملية من هذا النوع.
ويرى المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق أن تهديدات الرئيس التركي لا تعني بالضرورة أن هناك نية لإطلاق عملية عسكرية، وقد يكون الرد الذي يتوعد به الجيش التركي “عبارة عن زيادة في عمليات الاستهداف الجوي والبري ضد مواقع الوحدات وقسد، وقد يتوسع ليطاول مناطق لم يكن يصلها سابقاً”.
ويضيف ل”المدن”، أن “أي عملية عسكرية بالنسبة لتركيا ستكون مكلفة، وعلى تركيا دفع ثمن مقابل لروسيا في الميدان، وهذا ما شهدناه فعلاً في العمليات السابقة كدرع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، وروسيا الآن أكثر طمعاً وتريد أثماناً باهظة”.
——————————–
أنقرة تصعّد شمال حلب… وتتهم واشنطن بـ«الخداع»
حلفاؤها أسقطوا طائرة استطلاع روسية… ونقطة تركية جديدة شمال غربي سوريا
أنقرة: سعيد عبد الرازق
اعتبرت أنقرة التصريحات الأميركية التي أدانت فيها واشنطن مقتل شرطيين في هجوم لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والهجمات العابرة للحدود «غير صادقة»، وتشكل نوعا من «الخداع». وأكدت أنها ستفعل ما يلزم لتطهير مناطق في شمال سوريا من الوحدات الكردية. وواصلت انتقاداتها لكل من الولايات المتحدة وروسيا لما عدته عدم الالتزام بتعهداتها بضمان انسحابها من المناطق المتاخمة لحدودها وتحميلهما جانبا من المسؤولية عن الهجمات الأخيرة على قواتها في شمال حلب. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده ستفعل كل ما يلزم من أجل «تطهير مناطق في شمال سوريا من وحدات حماية الشعب»، مضيفا أن روسيا والولايات المتحدة مسؤولتان أيضاً عن هجمات الوحدات الكردية على القوات التركية في مارع شمال حلب في الأيام القليلة الماضية حيث أسفر هجومان عن مقتل جندي واثنين من عناصر شرطة المهام الخاصة.
وتابع جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مع وزير خارجية نيكاراغوا دينيس مونكادا كوليندريس في أنقرة أمس (الأربعاء)، بأن روسيا والولايات المتحدة لم تلتزما بتعهداتهما بضمان انسحاب الوحدات الكردية من منطقة الحدود السورية مع تركيا.
ووصف جاويش أوغلو الإدانات الأميركية للهجمات على تركيا بأنها «غير صادقة»، لافتا إلى أن واشنطن تسلح وحدات حماية الشعب الكردية، ويجب علينا الاعتماد على أنفسنا والقيام بما يجب تجاه هجماتها. وقال: «تتزايد الهجمات السورية ضد قواتنا، وعدتنا روسيا وأميركا بالتدخل، ولم تفِ أي منهما بتلك الوعود». وأضاف: «نحن مصممون للغاية على طرد (الإرهابيين) من هذه المنطقة، وسنفعل كل ما يتطلبه الأمر، الولايات المتحدة تصدر تصريحات إدانة، لكنها تدعمهم بالأسلحة. هذا خداع، عملياتنا العسكرية مهمة لسلامة حدود سوريا، فأجندة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب هي تقسيم سوريا». كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمح في تصريحات عقب مقتل اثنين من شرطة المهام الخاصة في شمال حلب، الاثنين الماضي، إلى تصعيد عسكري تركي ضد قسد في شمال سوريا، قائلا إن «صبر تركيا نفد حيال بؤر الإرهاب في شمال سوريا»، مؤكدا أن تركيا عازمة على القضاء على التهديدات التي مصدرها تلك المناطق.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية مواصلة المشاورات مع أنقرة لإيجاد حل سياسي في سوريا وإنهاء الصراع.
ودانت الخارجية على لسان المتحدث باسمها، نيد برايس، أول من أمس، الهجمات عبر الحدود ضد «حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)». وقدمت تعازيها لأسرتي الشرطيين التركيين اللذين قتلا بصاروخ موجه، انطلق من مناطق سيطرة «قسد» في تل رفعت. وأكد برايس ضرورة التزام كل الأطراف بوقف إطلاق النار في المناطق المحددة لذلك بسوريا، في سبيل تعزيز مساعي الاستقرار والحل السياسي بالبلاد.
وصعدت القوات التركية، أمس، قصفها لمناطق انتشار القوات الكردية في ريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي، وقصفت مدفعيتها محيط مطار منغ العسكري وأطراف تل رفعت وريف عفرين، بعد مقتل 3 من جنودها في الأيام القليلة الماضية. وقصفت طائرة تركية، دون طيار، قرية شيخ عيسى في عفرين بريف حلب الشمالي، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بسقوط طائرة استطلاع روسية بين جبهتي مارع وعبلة، ضمن مناطق نفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها. وتبنت فصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، عملية إسقاط الطائرة.
وفي إدلب، انتهت القوات التركية من إنشاء نقطة عسكرية جديدة لها في قرية بينين الواقعة على السفح الشرقي من جبل الزاوية (جنوب إدلب)، مقابل مدينة معرة النعمان، والمطل على طريق حلب – اللاذقية الدولي (إم4). وتعد النقطة هي الثالثة في أسبوع واحد.
وأفاد «المرصد السوري» بأن القوات التركية كانت تعمل على إنشاء هذه النقطة قبل حوالي أسبوع، حيث وضع الأتراك النقطة الجديدة على طريق معرة النعمان – أريحا، في إطار سياسة الإغلاق الكامل للطرق الرئيسية ورصدها كما فعلت في سراقب. وأنشأت القوات التركية نقطة عسكرية جديدة في بلدة آفس قرب مدينة سراقب وطريق «إم 4»، الأحد الماضي، بعد أيام قليلة من إنشاء نقطة أخرى في جبل الزاوية، بهدف تغطية خط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة في إدلب بشكل كامل.
الشرق الأوسط
—————————-
عودة رفعت الأسد لدمشق: نكء الجرح القديم/ رياض معسعس
وصل رفعت الأسد دمشق هاربا من العدالة في فرنسا بعد أن حكمت عليه محكمة فرنسية بالسجن أربع سنوات وحجزت على أملاكه ( في قضية أصول جمعت بالاحتيال تقدر قيمتها بـ 90 مليون يورو بين شقق وقصور ومزارع وخيول واعتبرت النيابة العامة الفرنسية، أن ثروة رفعت الأسد جاءت من خزائن الدولة السورية، وتستند في ذلك إلى ملاحظات وضعها مصرفي سويسري والميزانية السورية في ذلك الوقت وشهادات). هذه العودة بعد سبع وثلاثين سنة من محاولة الانقلاب على أخيه المريض حافظ في العام 1984 والتي انتهت بنفيه إلى فرنسا بعد أن أفرغ المصرف المركزي من محتوياته وذهب مثقلا بحقائب تنوء بها العصبة مليئة بملايين الدولارات التي اشترى بها عقارات في فرنسا في أرفع الأماكن في باريس، وإسبانيا (التي هي أيضا حجزت على أملاكه)، وقطع أثرية لا تقدر بثمن. ( وهذا موثق بكلام نجله فراس الأسد الذي بدأ نشر فضائح العائلة الأسدية بقوله: الصفقة البالغة وفقه 300 مليون دولار، إضافة إلى صناديق الذهب والمجوهرات والآثار حملها معه للخارج) واصطحب معه حاشيته التي تخلى عن عدد منها اليوم في مزرعة له في ضاحية باريس، لا ماء ولا شجر، يعانون من المرض والعوز بعد أن ظلوا في خدمته كل هذه المدة وهم يناشدون من يعينهم الآن ولا معين.
المعارض لنظام العائلة
في باريس أسس مجلة “الفرسان” وصحيفة “الشام” كوسيلتين إعلاميتين معارضتين للنظام تطرحان نظرية سياسية جديدة تحت مسمى “التضامقراطية” كلمة مركبة من التضامن والديمقراطية، لكن سرعان ما اختفيتا واختفت معهما “فذلكته السياسية”: “التضامقراطية” . وأسس قناة تلفزيونية (أي إن إنَ) تبث الأخبار والبرامج المعارضة لحكم أخيه من العاصمة البريطانية لندن، بعد موت أخيه في العام ألفين، وكانت قناة فاشلة لا يتابعها سواه وحاشيته تملقا له.
هذه المعارضة للأخ في بداية الأمر انتقلت لابن الأخ بشار بعد موت الأب حافظ، وسار نجله ريبال على خطاه في المعارضة لابن عمه بشار وكان يشتري من ينشر له مقالاته، أو يقوم ببث مقابلات له في قنوات تلفزيونية لكنه لم يفلح في تسويق نفسه رغم كل الأموال التي بذخت في هذا المجال. واليوم يجد نفسه وحيدا بعد أن تخلى عنه وعن معارضته والده الذي هرب متسترا ينشد صفح ابن أخيه بشار، ربما مقابل دفع مبالغ كبيرة لخزينة بشار الفارغة، حيث أشار نجله فراس إلى صفقة العودة قائلا:” رفعت الأسد قد بات ليلته في دمشق وتم تنفيذ الصفقة بين مخابرات روسيا وفرنسا والنظام”.
تاريخ أسود
قفز رفعت الأسد من ضابط صف صغير إلى قائد سرايا الدفاع التي شكلت للدفاع عن نظام أخيه حافظ وقد خصص لها مبالغ طائلة لتسليحها بأفضل وأحدث الأسلحة، وكانت عبارة عن جيش داخل الجيش، لأفرادها أفضل المخصصات، ولا تخضع لأي مساءلة مهما ارتكبت من تجاوزات أو جرائم.
وقد شهدت سوريا وخلال فترة الأب الأولى في سبعينيات القرن الماضي مواجهة مسلحة مع حزب الإخوان المسلمين، وتتوجت في صيف عام 1980 بمحاولة اغتيال حافظ الأسد بقنبلة يدوية لم تنفجر، على إثرها وبعد أيام وفي 28 آب/ أغسطس قامت وحدات سرايا الدفاع بالاشتراك مع سرايا الصراع بهجوم على سجن تدمر سيئ الذكر والذي يضم أكثر من ألفي سجين سياسي بمن فيهم مجموعة من الإخوان المسلمين وقامت هذه الوحدات بإعدام أكثر من ألف سجين في مهاجعهم بدم بارد، وقد اعترف عنصران من سرايا الدفاع (الرقيب أكرم بيشاني، والرقيب عيسى فياض) على شاشة التلفزيون الأردني أنهما شاركا في مقتلة سجن تدمر بأمرة رفعت الأسد، وكان العنصران قد أرسلا إلى عمان للقيام بعملية اغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران وتم إلقاء القبض عليهما.
وذكر مضر بدران أن محاولة الاغتيال هذه كان هدفها تعكير العلاقات بين البلدين واستنتج أن رفعت كان يخطط لإضعاف الجبهة الداخلية السورية تمهيدا للانقلاب على أخيه.
وقد قامت ميليشيا “جبهة المواجهة الوطنية” الموالية للنظام باختطاف المحلق العسكري الأردني هشام المحيسن في بيروت ليتم تبادله بعناصر سرايا الدفاع المقبوض عليهما في عمان.
مجزرة حماة المروعة
بعد مجزرة سجن تدمر، قامت العناصر المقاتلة في حزب الإخوان المسلمين في بداية العام 1982 بالاعتصام في مدينة حماة ودعت عبر مكبرات الصوت من المساجد إلى العصيان (حسب التقديرات كان هناك حوالي 400 عنصر من الإخوان )، في 2 شباط/آذار قامت سرايا الدفاع ووحدات من جيش النظام بتطويق المدينة بالدبابات والمدافع الثقيلة التي قامت بقصف أحياء المدينة عدة أيام ثم اقتحمتها وبدأت بتصفيات جسدية ممنهجة للسكان المدنيين، خلال شهر كامل، وإجبار العائلات على الخروج إلى الشوارع لتصفيتهم ميدانيا.
وقد قدر البعض عدد القتلى بأربعين ألفا، وذكرت بعض المنظمات الإنسانية أن هناك لا يقل عن 25 ألف قتيل، وذكر أن رفعت الأسد زار المدينة بعد أسبوعين من بداية الهجوم على المدينة، وسأل عن عدد القتلى وعندما قيل له أن هناك ما يقارب العشرين ألفا طلب أن يقتل المزيد فهذا العدد غير كاف، وحسب اعتراف احد المشاركين أن العدد وصل إلى ثمانية وثلاثين ألفا. ولم يسمح لأي صحافي التواجد في المدينة.
فقط مراسل صحيفة ليبراسيون الفرنسية سورج شالاندون استطاع الوصول إلى المدينة وكان شاهدا على المجازر المروعة وكان الوحيد الذي كتب مشاهداته للصحيفة والتي تؤكد على وحشية عناصر سرايا الدفاع الذين قاموا بأعمال تصفيات جسدية لآلاف المدنيين ما ترتقي إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية ودمروا المدينة على رؤوس سكانها.
عملية ردع
لقد كانت مجزرة حماة عبارة عن عملية ردع لكل من تسول له نفسه مجابهة النظام، فالنتيجة باتت معروفة، فالنظام لا يوجد لديه أي خط أحمر، أو أي احترام لحقوق الإنسان، فهو لا يتوانى عن قتل مئات الآلاف بل الملايين، وتدمير أي مدينة في سوريا تعلن العصيان، وهذا ما أثبته الوريث على عرش سورية بشار الأسد في العام 2011 عندما انطلقت الثورة السورية بأنه يسير على خطى أبيه وعمه فدمر سوريا، وقام بمجازر تفوق مجزرة حماة بما لا يقاس واستخدم السلاح الكيميائي، وكل الأسلحة المحرمة، وجلب الميليشيات الطائفية الأجنبية، واستنجد بإيران وروسيا ليحتلا سوريا التي فقدت سيادتها كدولة.
واليوم يعود العم إلى حضن ابن أخيه في دمشق لينكأ جراحا قديمة أصابت الشعب السوري، في وقت تتسارع خطى التطبيع مع النظام من قبل بعض البلدان العربية التي أغمضت عينيها عن كل ما أصاب الشعب السوري من مآس لنظام يجثم فوق صدره منذ نصف قرن ونيف.
٭ كاتب سوري
القدس العربي
———————–
في عودة رفعت الأسد/ معن البياري
لا يتسع حيز هذه السطور المتاح لسرد الاتهامات الموجّهة من محكمة فرنسية إلى رفعت الأسد (84 عاما)، وإيضاحها، وبموجبها تم الحكم عليه في الاستئناف، الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، بالحبس أربع سنوات، ولا للإتيان على جميع الارتكابات المفترض أنه يُلاحق بها في سويسرا وإسبانيا، ولا للتذكير بمآثره الوحشية إبّان كان من كبار النخبة العسكرية الحاكمة في سورية، مثلا ليس إلا اقتراف المجزرة المشهودة في حماه، فبراير/ شباط 1982، وهو الذي يُنسب إليه، في غضون سلطته النافذة، والحاكمة إلى حد بعيد، لمّا كان موضع ثقة شقيقه الرئيس حافظ الأسد، وولي عهده المُرتقب، قوله في مؤتمرٍ حزبي في أثناء اضطرابات صراعٍ كان مقلقا للنظام مع جماعة الإخوان المسلمين، إن “ستالين ضحّى بعشرة ملايين شخص للحفاظ على الثورة البلشفية، وعلى سورية أن تفعل الشيء نفسه للحفاظ على الثورة البعثية”. وفضلا عن أن هذا المقترح مأخوذ به، منذ عشر سنوات وأزيد، فإن هذه عبارةٌ لا تؤشّر فقط إلى “روحٍ ستالينيةٍ” تقيم في جوانح قائلها، وإنما أيضا إلى تمكّن أوهام الذات المتورّمة فيه، عندما يرى ثورةً أقامها “البعث” في سورية، ما قد يعود إلى نزعةٍ ثقافيةٍ في هذا الشخص، أهّلته لأن يكون عضوا في اتحاد الكتاب والأدباء العرب (السوري)، والذي عمَد لاحقا إلى فصله، بسبب عدم دفعه رسوم الاشتراكات السنوية. وبالنظر إلى عُسر الإحاطة بمقادير انعدام الحساسية الإنسانية في رفعت الأسد هذا، يستوقف من يجول في سيرتِه (من نافل القول إنها غير عطرة) أنه إلى ارتكابه غسل الأموال والتهرّب الضريبي و .. في فرنسا، اتهمته المحكمة الفرنسية بـ”تشغيل عاملات منازل بشكل غير قانوني”.
يعفو بشار الأسد عن عمّه، فيعود الأخير إلى دمشق، تلتقط حفيدة له صورةً معه، تبدو عليه علائم السرور، وصحّة جيدةٍ تستثير زوبعةً من أسئلة بشأن الأسباب التي دفعت السلطات في باريس إلى عدم حبْسه، فذريعة حالته الصحية لعدم تنفيذ السنوات الأربع سجنا (على قلّتها) لا تبدو مقنعة، ولا تقدّمه في السن، وإنْ في وُسع أهل القانون الفرنسي ممن يعرفون كيف يأخذ مجاريه في هاته المسألة أن يوضحوا أمرا مستهجنا كهذا. وثمّة السؤال عمّا إذا كان حقيقيا ما تداولته مصادر إعلامية غير قليلة، منذ أسابيع، عن “صفقة فرنسية سورية روسية .. إلخ”، أتاحت “خروجا آمنا” لمجرم الحرب الموصوف، اللص في واحدٍ من نعوته المستحقّة، و”دخولا آمنا” إلى منزله في حي المزّة في دمشق. وما إذا كانت “روح” القانون في فرنسا قد أجازت الاكتفاء بمصادرة “أصولٍ” له بقيمة 90 مليون يورو، فأوقَف هذا تنفيذَ حكم الحبس، بل وأباح له ركوب الطائرة، وإبعادَه عن الإعلام وكاميراته التي كانت قد صوّرته، في مايو/ أيار الماضي، في مبنى السفارة السورية في باريس، “ينتخب” ابن أخيه رئيسا لولايةٍ جديدة، لنقرأ تاليا، ونقلا عن صحافاتٍ فرنسيةٍ، إنه باع مقتنياتٍ وعقاراتٍ مملوكةً له في فرنسا.
كأن السلطات الفرنسية لا تجد ما يدعو إلى “إيضاح” واقعة رفعت الأسد هذه، أقلّه في مقتضاها القانوني، فلم نُصادف منها شيئا من هذا. أما السلطة الحاكمة في دمشق فأفادتنا بأن لا دور سياسيا سيكون لرفعت بعد “ترفّع” بشار الأسد عما فعله وقاله، وسمَح له بالعودة. ولم يكن متوقعا أن يصل تسامح ابن الأخ إلى منزلة أن يُجاز دورٌ سياسي للثمانيني العائد. ولكن ما هو الدور الاجتماعي الذي حُرم منه أيضا؟ وهناك السؤال عمّا إذا هو صحيحٌ ما ذاع عن “مصالحاتٍ” قد يتم إنجازها في عائلة الأسد، الذئاب الجريحة فيها والأخرى المزهوّة بذئبيتها الماثلة، وإن “دورا” ما قد يؤدّيه العم التائب، المبعد منذ 37 عاما، سيما إذا كانت أموالٌ منه قد سبقته إلى دمشق، وراحت إلى حيث يجب أن تصل، إلى جيوبِ طمّاعين في العائلة، لا يتشاطر واحدٌ لو قال إن كلمة عليا فيهم لعقيلة الرئيس، أسماء الأسد. وكلامٌ كهذا، مثل كثير يشبهه، يبقى في حيز الترجيح والمحتمل، فمغاليق العائلة هذه لا تنفتح أقفال فيها إلا إذا مارس فراس الأسد (واحد من أبناء رفعت) من مُقامه في أميركا “نشاطا” ساخطا ضد أبيه وأعمامه وأبنائهم، أو إذا جاد رامي مخلوف بطرافاته الروحيّة إياها.
يصلح رفعت الأسد بطلا في رواية جذّابة، لوفرة المثير فيها، وإن في العمر بقية بعد. ثمّة دبابات حرّكها محاولا السيطرة على دمشق مرّة. ثمّة شياطين طافت في دماغه للوثوب على رئاسة سورية، ساعة مرض الرئيس أخيه الأكبر. ثمّة زيجاتٌ كثيرات. ثمّة محكمة تتحدّث عن “غسيل أموال ضمن عصابة منظمة ..”. ثمّة مليارات وعقارات وقصور و”أصول تم جمعها بالاحتيال”. ثمّة سويسرا وإسبانيا وفرنسا و90 مليون يورو.. وثمّة عاملات منازل كان يشغلّهن بشكل غير قانوني.
العربي الجديد
—————————–
رفعت العلوي.. حافظ السنّي/ عمر قدور
لو أنصفت الأسدية مؤسسيها لكان لرفعت الأسد على امتداد سوريا تماثيل بقدر ما لشقيقه حافظ، ولو تحلى الورثة فضلاً عن الإنصاف بقليل من المزاج الفني لدمجوا التمثالين في واحد، ليكون جسداً برأسين؛ رأس رفعت ورأس حافظ. ولو تخلى مناصرو حافظ الأسد من دون أخيه، الذين يأنفون السوية المبتذلة لرفعت، عن نفاقهم لرأوا كيف أن صورة حافظ ما كان لها أن تستقر كما يروّجونها لولا صورة رفعت بأسوأ ما فيها لدى هذا القسم من المؤيدين، وأسوأ ما فيها لدى المعارضين أيضاً.
إنه المسؤول عن مجزرة سجن تدمر في حزيران1980، قبل أن تشير إليه أصابع الاتهام كمسؤول رئيسي عن مجزرة حماة في شباط1982. صاحب سجل حافل بالفساد، يُتوّج برواية إفراغ الخزينة السورية لإعطائه ثمن رحيله إلى فرنسا، وحسب بعض الروايات لم تُرضِ الخزينة جشعه فتدخل سخاء القذافي بمئات ملايين الدولارات لنجدة حافظ الأسد في دفع الثمن.
في المجمل، وفي تفاصيل يصعب إحصاؤها أو حصرها، تقدّم سيرة رفعت نموذجاً قريباً زمنياً عن كيفية صناعة الشيطان، وعن الشيطان الذي يُلعن في العلن من قبل الغالبية، لكن له أيضاً أتباع يعبدونه، ويخترق تلك الغالبية المعلنة بمَن يعبدونه سراً. شيطنة رفعت لم تحدث كما بات شائعاً بسبب إقصائه، كانت تحدث في أيام عزه عندما كان رجل السلطة الثاني الذي يكاد يزاحم الأول. هو نفسه ساهم في شيطنة صورته، وربما أغوته صورة الشيطان، بينما كانت صورة حافظ تتكسب من المقارنة بين الصورتين، ومن ضمن ذلك صورة حافظ “السُنّي” بالمقارنة مع رفعت “العلَوي”!
في نيسان1975 صار رفعت عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث، ليجمع منصبه الحزبي مع قيادته سرايا الدفاع ورئاسته المحكمة الدستورية. ويبدو أنه اختار في القيادة القطرية رئاسة مكتب التعليم العالي لِهوى في نفسه، إذ سيسعى بعدها للحصول على شهادات دكتوراه، ثم لاحقاً سيؤسس رابطة خريجي الدراسات العليا. أهمية هذه النقلة هي في بروز سطوة رفعت التي ما كان لها أن تبرز سوى في المجال المدني، رغم تضخم ميليشيا سرايا الدفاع التي يقودها وتمييزها كجيش رديف مستقل يحظى بامتيازات مالية وتسليحية.
بعد توليه منصبه الحزبي، لم يتأخر في الظهور تعبير “جماعة رفعت”، وهي جماعة يُعرف أفرادها بولائهم “بل بولائهم الشديد” له من دون أن تكون تنظيماً بالمعنى الشائع، لكن مع وجود آليات تتيح له السيطرة والتحكم والتمدد. الحزب نفسه “أولاً” انقسم أيامها بين جماعة حافظ وجماعة رفعت، قبل حدوث الشقاق بينهما، ولا ريب في أن الانقسام جرى تحت أنظار حافظ وبرضاه. صار معهوداً وجود أمين فرع “أو أمين شعبة” محسوب على حافظ، مع نائب له “لا يندر أن يفوقه سطوة ومكانة” محسوب على رفعت.
القائد رفعت، بالتعبير الذي راح يستخدمه أتباعه، سرعان ما سيغزو المجال المخابراتي والمؤسسات المدنية. بالطريقة ذاتها تماماً، ثمة رئيس فرع مخابرات يُعيّن بالطرق المعمول بها آنذاك، إلى جانبه نائب من جماعة رفعت، هو إما منافس له بشراسة، أو يفوقه سلطة في الواقع. في المؤسسة العامة للمياه قد نرى مديراً عاماً عُيّن عبر الحزب وموافقة أجهزة المخابرات، وفي المكتب المجاور نائب له من جماعة رفعت، لا يسيطر فقط على المؤسسة وموظفيها بل يمارس سلطته بفجور على المواطنين المضطرين للمرور بمؤسسته، واستخدام ضمير الملكية هنا مقصود بدلالته.
بالطبع لم تكن مصادفة أن مسؤولي الظل، بالاسم الرمزي جماعة رفعت، كان كثر منهم ينحدر من المذهب العلَوي. بصياغة أخرى تربط بين ما سبق، كان هناك مسؤول شكلي “سني غالباً” محسوب على الحزب أو المخابرات مثل كل أصحاب المناصب من أدناها إلى أعلاها، بينما نائبه صاحب السطوة الفعلية علوي. السُني منهما محسوب على حافظ الأسد، لأن يرأس كافة الأجهزة التي تتولى تعيينه، بينما العلوي محسوب على رفعت الذي راح تمدده يُقرأ تسلطاً للعلويين على كافة مفاصل الدولة، أي أنه يتعدى الإمساك بالسلطة المركزية.
بينما كان رفعت يغزو المجال العام، بما لا يغيب عن أنظار شقيقه ولا يمكن حدوثه خارج موافقته، كانت الطليعة المقاتلة تعدّ نفسها أيضاً بدورات فيها ما هو عقائدي وما هو عسكري، بل بمعسكرات تمتد لأيام أو أسابيع فيها تلك التهيئة الفكرية والبدنية للقتال، ويصعب الظن بأن معسكراً لأيام “في غابات الفرلق مثلاً” كان بعيداً تماماً عن مخابرات حافظ “السني”. في المساجد، راحت الدروس الدينية تنتعش إلى حد غير مسبوق مع تساهل شديد من المخابرات التي صرفت اهتمامها “بعد التدخل في لبنان خاصة” إلى ملاحقة التنظيمات اليسارية المعارضة.
بين عامي عامي 1976 و1979، أكثر من أي وقت سابق، سيتجهز الميدان للمواجهة المقبلة. الاستثمار الطائفي الذي باشرته السلطة، عبر “شيطانها” الصاعد، سيقدّم المبررات “وأحياناً وسيلة الإيضاح” الكافية لخطاب الطليعة المقاتلة ولخطاب الإخوان. الحديث عن تعاطف شعبي نالته الطليعة المقاتلة في بعض المدن لا يمكن فهمه من دون ذلك؛ لا يمكن فهم شعبية عدنان عقلة لدى قسم من السنة، في بعض المدن لا كلها، من دون فهم صعود وشعبية رفعت الأسد.
الاستثمار الطائفي كان متعمداً من قبل الأخوين الأسد، وبالتأكيد لم تكن غايته استجلاب تطرف أو عنف مقابل، فما يسير بآليات الواقع “كأفعال وردود أفعال” ليس مدبّراً أو متوقعاً كله. لكن، بخلاف عصيان الطليعة المقاتلة عام 1964، كانت الطائفية المتمثلة برفعت في خلفية الجولة الجديدة بينما كانت مواجهة الإخوان وعبدالناصر في خلفية أحداث حماة الأولى التي بقيت ضمن إطار ضيق جداً. وهكذا، لم تكن مثلاً مجزرة مدرسة المدفعية متوقعة بسبب تساهل الأسد مع الطليعة والإخوان، إلا أنها ستحرض على “وستكون في خلفية” مجزرة سجن تدمر كعملية انتقام طائفية غير متصلة فقط بمحاولة اغتيال حافظ الأسد الفاشلة.
أُقصي رفعت كما هو معلوم لأسباب لا علاقة لها بدوره الطائفي المتفق عليه، ففي أثناء المواجهة مع الإخوان سيدخل شقيقه جميل مجال الاستثمار نفسه، إنما على طريقته من خلال تأسيس جمعية الإمام المرتضى عام 1981. مرة أخرى سيُفسح المجال لجميل الأسد ومحاولاته “التبشيرية” على امتداد سوريا، مكتشفاً أو ملفِّقاً أصولاً علوية لسكان بعض المناطق كي ينضموا إلى جمعيته المسلحة بكونه شقيقاً للرئيس، الرئيس الذي يحرص على صورته من التلوث بشبهة الطائفية فيبادر إلى حل الجمعية بعد سنوات طويلة من نشاطها العلني.
في الواقع لم تنتهِ جماعة رفعت مع إقصائه، وأبرز تجلياتها أنصار ماهر الأسد الذين يرون فيه استمراراً لعمه. بعبارة أخرى، جماعة رفعت هي من اللوازم الأساسية للأسدية، ولحفاظها على ذلك المخزون الذي استُثمر فيه ليكون أكثر تطرفاً من السلطة نفسها. إنكار هذا الدور، وإنكار وجود الاستثمار من أصله، لا يفسّران تلك الشعبية المستمرة التي يحظى بها رفعت علانية أو سراً. لعل الذين يعبدون تمثال الأسدية برأسين هم أقل نفاقاً من الذين يرجمون “شيطانها” نهاراً ويعبدونه ليلاً.
المدن
————————–
ماذا في طيّات عودة السفاح إلى دمشق؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي
مثلما خرج رفعت الأسد من سوريا عبر تسويات غامضة مشبوهة، بعد ارتكابه الكثير من الجرائم بحق الشعب السوري، ها هو يعود بعد أربعة عقود مع صدور حكم قضائي فرنسي ضده بتهم تتعلق بالفساد والاحتيال، إضافة لتهم أخرى يجري العمل عليها في محاكم سويسرية وإسبانية ودول أوربية آخرى.
تنمّ حيثيات التعامل مع مجرم كبير مثل رفعت الأسد، بالنسبة للجهات المعنية في أوروبا والعالم، عن تداخل مأزوم بين المسار القانوني من جهة، والتطورات السياسية والأمنية من جهة آخرى، كما هو واضح من تفاعلات خروجه من فرنسا.
قد لا يكون مستغرباً عودة مجرم كرفعت الأسد إلى بيئته الطبيعية الخصبة، باعتباره أحد رموز عائلة باتت ذات تاريخ وحاضر متميزين بالإجرام، لكن المستغرب أن يفلت مثل هذا المجرم من بلد يفترض أنه يحترم القانون ويتغنى بقيم الحرية والعدالة، وأن يُسمح لمجرم مدان بحكم قضائي بالسجن أربعة أعوام بمغادرة البلاد هكذا بكل بساطة، بينما من البديهي أن يوضع تحت الحراسة القضائية، ويُمنع من مغادرة مكان اقامته.
رفعت الأسد الذي كان العصا الغليظة بيد شقيقه الأكبر حافظ عندما كان يضرب به كل خصومه ومنافسيه، منذ ما قبل استيلائه على السلطة في سوريا بانقلاب عسكري في تشرين الثاني/نوفمبر 1970، فاستخدمه ضد كثيرين ومنهم صلاح جديد، نور الدين الأتاسي، محمد عمران، عبد الكريم الجندي وغيرهم، من أجل التمهيد لحكم الأسد بعد أن ألحقه بالجيش في وقت مبكر، وبالتالي فإن جرائمه لم تقتصر على مرحلة ما بعد الانقلاب فقط.
تفنن الأسد الأخ بارتكاب المجازر الفردية والجماعية بحق الشعب السوري الأعزل، والتي كان أبرزها بطبيعة الحال مجزرة سجن تدمر الشهيرة التي راح ضحيتها حوالي 1000 من المعتقلين العزل عام 1980، ومجزرة حماة عام 1982، التي قُتل فيها أكثر من 45000 من أهالي مدينة حماة، أغلبهم من النساء والأطفال، وهي الجريمة التي كانت أشبه ما يكون بمذابح وجرائم محاكم التفتيش في الأندلس.. الأندلس نفسها التي قصدها رفعت وبنى فيها قصوره الفاخرة على سواحل مدينة ماربيلا الاسبانية على البحر الأبيض المتوسط بعد خروجه من سوريا في ربيع عام 1984.
لكنه قبل ذلك، ومنذ وصول حافظ الأسد إلى قيادة الجيش، مُنح رفعت صلاحيات للضرب خارج القانون، تمهيداً لتقدم شقيقه أكثر أو بسرعة أكبر نحو رأس هرم السلطة، مستفيداً من دمويته ونزوعه الشديد للتطرف الطائفي، فكُلّف باغتيلات وتصفيات وجرائم أخرى كان آخرها مذبحة حماة، بالاشتراك مع شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة، وعلي حيدر قائد القوات الخاصة، الثلاثي الذين اعتمد عليهم حافظ الأسد في القضاء على انتفاضة الثمانينات.
بمرور الوقت ومع ترسّخ سلطة حافظ الأسد، ازدادت قوة رفعت ونفوذه في الجيش والأجهزة الأمنية، وتضاعفت شعبيته بين أفراد الطائفة العلوية، وخاصة لدى فرع (المرشدية) التي كان أبناؤها من ضباط وصف ضباط وأفراد، يشكلون العماد الأساسي لقوات سرايا الدفاع، هذا التشكيل العسكري الذي لم يكن يتبع لرئيس الأركان أو وزير الدفاع، لدرجة أنه كان متداولاً عند مرور موكب حافظ الأسد على أحد حواجز سرايا الدفاع، يقولون عنه هذا شقيق القائد رفعت، في إشارة لها دلالاتها.
ومعلوم أن هذه القوات قد شكلت رعباً حقيقياً للشارع السوري وعاثت فساداً في طول البلاد وعرضها، من خطف واعتقالات واغتصاب ونزع حجاب الفتيات في الشوارع والمدارس، وسلب لمؤسسات الدولة.
لم يكتف “القائد رفعت” كما كان يحلو لأتباعه ومؤيديه أن يسموه، بالسيطرة على الجيش والأمن، بل وسع نفوذه ليشمل السلك الدبلوماسي، ووزارتي التربية والتعليم العالي وأساتذة الجامعات، في رسالة للجميع بأنه وريث السلطة بعد شقيقه حافظ، الذي كان يعاني من مرض عضال توقع الكثيرون أن تكون وفاته بسببه قريبة.
لكن آمال رفعت بذلك خابت، فنجا حافظ الأسد من موت حتمى واستعاد عافيته، وخرج رفعت من سوريا بعد محاولة انقلاب عسكري فاشلة على شقيقه، بصفقة رعاها الاتحاد السوفياتي آنذاك، غادر على أثرها إلى موسكو وبرفقته عدد من ضباطه المقربين، واشترط ان يغادر معه كبار الضباط والمسؤولين المقربين من حافظ الأسد كرهائن خوفاً من تدبير عملية اغتيال في الطائرة، وهم (فاروق الشرع، محمد الخولي، شفيق فياض، إبراهيم الصافي)، ولم يكتفِ حينها بالسطو على البنك المركزي وأفرغه من كل العملات الصعبة، بل لم يقبل المغادرة الا بعد ان اتصل حافظ الأسد بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وطلب منه مئتي مليون دولار نقدي دين على الدولة السورية منحها لشقيقه رفعت.
عاد الضباط والمسؤولين الى سوريا تباعاً، وغادر هو الى فرنسا مع حاشيته وحرسه ليبني إمبراطورته متنقلا بين فرنسا وإسبانيا، وعوضاً عن محاكمته ومحاسبته على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري، تم تكريمه من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران بأعلى وسام وطني فرنسي (وسام جوقة الشرف) عام 1986.
كثرت التحليلات والتأويلات والفرضيات حول ما إذا كانت عودته ذات أبعاد سياسية وسلطوية، بل إن هناك في المعارضة من يأمل بأن تشكل عودته خطأً يقضي على حكم آل الأسد، وجسراً للخلاص، لكن الواقع ان جزار حماة يعود اليوم مُلاحقاً مهزوماً وقد بلغ من العمر عتياً، هارباً من تنفيذ الحكم القضائي الفرنسي بحقه، باحثاً عن ملاذ آمن بعد أن أصبح تحت دائرة الضوء والمراقبة والخوف من رفع دعاوى قانونية أخرى بحقه.
يعود صاحب المليارات المنهوبة اليوم الى سوريا باحثاً عن أمنه الشخصي في الدرجة الأولى، لكن بدون أي قوة أو قاعدة أو أنياب، وهذه الأسلحة كلها كان الأسد الأب قد أجهز عليها فور خروج شقيقه من سوريا، حيث استبعد كل من يشكّ بولائه لرفعت من الجيش والأمن، ومن نجا منهم تداعى وتهالك بمرور الوقت وأصبح بعد مدة قصيرة خارج التأثير والحسابات.
ورغم أن هناك من يرى أن عودة رفعت يمكن أن تتسبب بحدوث انقسام وشرخ ضمن العائلة الحاكمة، لكن ذلك يبدو رأياً متهافتاً لا أكثر. فرغم أن الجانب العائلي على ما يبدو كان له دور أساسي في قبول بشار الأسد السماح لعمه بالعودة الى سوريا والعيش فيها ما تبقى من عمره، إلا أنه لولا تأكد بشار من أن عمه وأولاده لا يشكلون أي خطر من أي درجة عليه، لما قبل بعودتهم تحت أي ظرف، بل على العكس، ربما أراد الاستفادة من عودته لتعزيز تماسك العائلة والطائفة بعد الاضطراب الذي أصابهما جراء الخلاف مع ابن خاله رامي مخلوف.
من الواضح أيضاً أن بشار الأسد لن يضيّع فرصة الاستفادة من أموال عمه المتبقية لتعزيز قدرات النظام المالية المتهالكة، والحديث هنا يدور عن مئات ملايين الدولارات وربما المليارات التي بحوزته، رغم الحجز على بعضها، وهذه الفرضية يعززها واقع أن بعض أولاده موجودون في سوريا منذ سنوات ولديهم اليوم مشاريع تجارية واقتصادية وازنة.
لكن ذلك لا يعني أبداً طرح فرضية أن يشكل أولاده خطراً كمنافسين مستقبليين على السلطة، وهي فرضية تستحق النظر إلى حد ما، خاصة إذا ما أخذ بالاعتبار إمكانية توظيفهم الثروات التي بحوزتهم لشراء ولاءات في ظل واقع الفقر المدقع والحاجة الذي يسيطر على السوريين في مناطق النظام، وتزايد الغضب في حاضنة النظام جراء عجز حكومته عن تأمين أبسط متطلبات العيش، إلا أنها فرضية تبقى مع ذلك صعبة التحقق بالنظر إلى عدم وجود أي قاعدة لأبناء رفعت داخل أجهزة السلطة العسكرية والأمنية، وإذا كان والدهم الذي امتلك هذه القاعدة يوماً ما قد فشل في تحقيق طموحاته السياسية، فهل سيكون حظهم أوفر منه وهم على هذا الحال؟!
يمكن القول إن السماح لرفعت الأسد بالعودة الى سوريا، دليل واضح للقاصي والداني، على أن بشار الاسد جعل من سوريا مأوى للخارجين عن القانون والفارين من الاحكام القضائية، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لرئيس النظام توفير ملاذ لمجرم كرفعت الأسد فار من حكم قضائي فرنسي إن لم يكن مستنداً على جهة دولية ليس بالضرورة أن تكون روسيا بل غيرها. وإن صح تهديد رفعت الأسد بأنه قال “لن أعاقب لوحدي بل سأجر أطرافاً وحكومات معي”، ألا يعني ذلك أن عودته قد تكون تمت ضمن صفقة فرنسية-روسية وربما بمشاركة دول آخرى. هذا ما ستبينه الأيام القادمة، ولن يوقف الجدل حول ذلك إلا مطالبة فرنسا باستعادته من خلال الإنتربول الدولي الذي أعاد قبل أيام دمج سوريا في نظامه لتبادل المعلومات، وأعاد فتح مكتبه في دمشق، وهو أمر لن يحدث بأي حال.
المدن
————————
“رفعت الأسد” عودة الوحش إلى غابته/ سامر السليمان
أشرفت قوات رفعت الأسد في ثمانينات القرن المنصرم على مجازر حماة وسوريا، وسجن تدمر المشينة. الذاكرة السورية مليئة بتلك المجازر وبالخوف من الحديث حولها. فحينها أيضاً، جاهر “القائد اليساري” بعدائية بالغة إزاء المحجبات، وحاول نزع أحجبتهم عن الرؤوس في شوارع دمشق، ونُقِلَ عنه أنه يعادي الطائفية والسنّة! خرج رفعت من سوريا ليس لأنه ارتكب المجازر ونهب ثروات مدن سورية كثيرة وانتهك الأعراض، بل لأنه نافس أخاه على الحكم، وقد اشتد به مرض، وجاهر بطموحه للرئاسة، وكافأه على أفعاله بتنصيبه نائباً للرئيس. لم تكن مشكلة حافظ مع أخيه بسبب تجبره وانتهاكاته والتي طالت المجتمع السوري بأكمله، بل لتطاوله على تاج رأسه وسيده حافظ الأسد، وتهديد مستقبل عائلة الأخير. الأخير كان يعدّ ابنه البِكر للحكم من بعده، وهذا ربما ما دفعه للإتيان بباسل، حينما هدّد رفعت بأن يكف عن مغامراته وسعيه للسلطة، وساعدته والدته وأخوه جميل. سوريا لزعيمٍ وحيدٍ، وهي لأسرته من بعده.
رغم دوره الكارثي في مواجهة الإخوان المسلمين في أزمة الثمانينات، وبقائه أكثر من أربعين عاماً في أوروبا، وقيامه بمشاريع كثيرة هناك، يستغرب المرء لماذا لم يتصد له الإخوان، وهم الراسخون في بريطانيا وأوروبا، بقضايا أمام المحاكم نظراً لدوره في المجازر، ونظراً لمعرفتهم الأكيدة بمسؤوليته فيها. رُفعت عليه دعاوى هامشية في 2016، والآن عاد إلى سوريا بعد أن حُكم عليه بدعاوى تتعلق بتهرب ضريبي وبنهب للخزينة السورية وبدعاوى بسيطة كعدم إعطائه أجور العاملات لديه. هنا طبعاً، يتساءل محللون كثر، وباندهاشٍ كبير، كيف تسمح فرنسا وأوروبا، حيث الدعاوى عليه في إسبانيا وفرنسا، أن يغادر “الحرامي” بلادها، وعبر مطارها. وتقول بعض التقارير إن هناك صفقة تمّت، بين أجهزة استخباراتية أوروبية وأجهزة النظام السوري، وبشروطٍ محددة من الأخير ليُسمح له بالعودة. الصحيفة المقربة من النظام السوري “الوطن” أكدت أنه عاد بترفعٍ رئاسي عن سيرته “المعارضة” للحكم، ولم تتحدث عن صفقةٍ مالية، لن يظهر تفاصيلها أبداً للإعلام، وبالطبع لن تدخل الأموال إلى خزينة الدولة السورية؛ والتي خرجت أصولها بصفقة نفيه 1984، وأفرغت حينها الخزينة، ودفع القذافي وسواه الكثير للرجل. المحللون الأن يُجمِعون، أن تفاصيل عودة الوحش ستتكشف في المستقبل، فهذه الصفقات القذرة عادة ما تظل حبيسة الأجهزة أو شخصيات بعينها..
عاد الرجل، وقد تجاوز الثمانين من العمر، وبالتالي ليس من مستقبلٍ سياسي له. ليس ذلك ممكناً ولو رغب بالعمل السياسي، أو رغب نظام بشار الأسد بتوظيف خبراته الثمينة في إدارة أزمة الحكم. عدا كل ذلك، فخسارات النظام من الجيش وأجهزة الأمن تمنعه من الاستمرار بحكم سوريا، فكيف سيسمح لرجلٍ بمشاركته الحكم وطموحه ليس بأقل من الرئاسة، ومن هنا حاجة النظام ورئيسه المستمرة لإيران وروسيا معاً، وليس لواحدة منهما. قضايا الجنرال رفعت هذا، يُفترض أن تظلّ على قائمة المحاكم العالمية، وستكون أمام القضاء السوري حينما يصبح مستقبلاً في الأعوام المقبلة.
هناك من يرى أن جرائمه بحق السوريين منذ ستينيات القرن الماضي، تغفر له عند النظام هناته “المعارضة”. الحقيقة هذه ليست بحجة لعودته، فهي تصور النظام وشخصياته الأساسية وكأنهم يرأفون أو يمتلكون حساً إنسانياً ما؛ لا أبداً القضية تكمن في صفقة مالية، والنظام أحوج إليها، وقد تقطعت به السبل عن النهب، واستدعاء الأموال الخارجية، وهنا، لا بد أن روسيا والغة بهذه الصفقة، فهي الحاكم بأمره في دمشق.
رفعت الأسد أصبح من الماضي، وحتى حضوره في الطائفة العلوية لم يعد بمستحبٍ، ثم إنّ النظام الحالي نافسه في الجرائم والمجازر وكل أنواع البشاعات. القضية تكمن هنا، في أن للرجل تاريخا قذرا لدى فئات كثيرة من الطائفة بالذات، وعاد دون مجدٍ، وبمالٍ قليل، وبعمر هرم، وبالتالي لن يكون مركز إجماع من جديد سيما أن الشخصيات القوية في السلطة لا تلعب بقضية من هذا القبيل. الرجل سيكون حبيس فللٍ، وبمتابعة أمنية دقيقة، ولهذا قيل لن يكون له أي دور سياسي أو حتى اجتماعي في سوريا.
يعلم رجال السلطة السورية من أين يؤكل الكتف. فلقد استقبلت يتامى كثرا لصدام حسين بعد 2003، ونهبتهم، وبالأخير طردتهم، أو سلمتهم للحكومة العراقية، والأمر ذاته يمكن أن يتكرّر مع رفعت الأسد في حال تشدّدت إحدى الدول الأوربية بطلبه. رفعت الأسد الآن عبارة ورقة جديدة لدى السلطة السورية، وليس ورقة لمحاصرتها أو لتقديم تنازلات من أجل عدم سجنه في فرنسا!
في سوريا ليس من رؤوس حامية إلا رؤوس عائلة حافظ الأسد، والآن دخلت سيدة الياسمين على الخط. السلطة تتكثف هنا فقط، وحتى رامي مخلوف أو طريف الأخرس تمّ إبعادهما أو تهميشهما، واستبدلا بمافيات جديدة، ولكنها أيضاً وفي أية لحظة يمكن التخلص منها. وبخصوص رفعت، وفي حال رغب الخروج عن الطاعة، أو توهم أنه يستطيع العودة سيداً في الغابة، فلن تكون قيمته أكثر من عدّة رصاصات، لطالما انتحر بها قادة كثر من النظام: غازي كنعان مثلاً.
تلفزيون سوريا
—————————-
السماح بعودة رفعت الأسد.. “مكرمة” من بشار الأسد أم تواطؤ جهات دولية/ بسام يوسف
ليس لعودة رفعت الأسد إلى سوريا أية أهمية، إذا أردنا قراءتها من زاوية انعكاسها على مجريات الحدث السوري، فهو غير قادر على الفعل من أي وجهة، ناهيك عن أن الحدث السوري أصبح كما هو معروف ملفاً بيد الآخرين، وإن كان هناك من يظن أن عودته قد تعيد ترتيب بعض التناقضات داخل العائلة، أو الطائفة، فإن هذه الإمكانية قد تضاءلت كثيراً بعد تطورات الوضع السوري داخلياً وخارجياً، وبعد غياب رفعت الأسد الطويل عن سوريا.
باختصار، إن هذه العودة ليست أكثر من صفقة بين عدة أطراف، لتجنيبه السجن الفعلي في السجون الأوروبية، ولطمس حقائق قد تشكل في حال إخراجها للعلن، فضيحة أخلاقية كبرى يصعب ضبط ردود الفعل عليها، خصوصاً بما يتعلق بفتح ملف جرائمه ضد الإنسانية، وتحديداً فيما يتعلق بمجزرة حماة، والتي كان له دور كبير فيها، وأيضاً لطمس جرائم فساد قد تطول جهات فاعلة داخل هذه الدول.
لكن هذه العودة تحمل دلالات مهمة من زاوية أخرى، فهي تمت بموافقة أطراف دولية عليها، وفي مقدمتها دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وسويسرا، وليس للنظام السوري أن يقرر وحده في أمر كهذا، فهو أعجز من أن يتحمل تبعات عودته لولا هذه الموافقة الدولية، ولا سيما أنه _ أي النظام _ متهم بجرائم كثيرة، وليس له أي مصلحة في إيواء متهم بجريمة ضد الإنسانية، ومن عائلة الأسد تحديداً، بوصفها العائلة المتهمة بعشرات الجرائم.
في دلالة الموافقة الدولية على عودته، والتواطؤ المفضوح لطي ملف جرائمه، ثمة مؤشر بالغ الأهمية، لفهم تعاطي المجتمع الدولي في موضوع الجرائم المرتكبة بحق الشعوب المستضعفة، فهذه الجرائم لا تقرأ بدلالة القانون الدولي، ولا بدلالة الحق، ولا بدلالة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والمعاهدات المتعلقة بها، بل تقرأ فقط بدلالة مصلحة هذه الدول، مهما بلغت بشاعة وفظاعة هذه الجرائم.
قد يقودنا هذا إلى استنتاج صادم، ويتعلق بمدى إمكانية محاكمة نظام الأسد، وفي مقدمته رأس النظام بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، وكلاهما تستطيع جهات دولية عدة تقديم عشرات آلاف الوثائق التي تدينهما بجرائم إبادة، وجرائم استعمال أسلحة محرمة دولياً، وعشرات الجرائم الأخرى.
ثمة مؤشر آخر لا يقل أهمية، وهو كيف برر النظام السماح لرفعت الأسد بالعودة، ولا أقصد هنا تبريره أمام المجتمع الدولي، بل أقصد تبريره لهذه العودة أمام المجتمع السوري، ولا سيما أن لرفعت الأسد حضوراً بشعاً في ذاكرة السوريين، فقد جاء تبريره لينسف تماماً معنى الدولة ومؤسساتها، ومعنى أن تكون هناك جهات متخصصة في الدولة هي من يحق لها أن تبت في القضايا التي هي من اختصاصها، إذ لم يصدر قرار الموافقة على العودة من جهة قضائية، أو من البرلمان، بل جاء من شخص الرئيس وبمكرمة منه، من دون أي اهتمام للمظاهر الكاذبة التي ترافق عادة قرارات كهذا.
من النافل القول إن النظام ليس مهتماً أبداً برأي السوريين حول هذا الأمر، وهو قادر على حشد مسيرة ضخمة تعتبر قراره هذا قمة الحكمة والترفع والإنسانية، لكن رسالته التي أراد إيصالها هي أنه وحده من يقرر عودة السوريين، وصيغتها، وشروطها، وبالتالي فإن على السوريين الآخرين أن يبحثوا عن صيغ مشابهة، ورغم كل الحماقة في هذه الرسالة، ومدى عبثيتها، فإنها وجدت بين السوريين في الداخل والخارج من يتبناها ويتشدق بها.
في استراتيجياته العشر للتحكم بالشعوب، يحدثنا المفكر “نعوم تشومسكي” عن آليات صناعة المجتمع المذعن، وفي هذه الاستراتيجيات يمكننا أن نقرأ جيدا كيف تحوّل الجمهور السوري وتحديداً الموالي للنظام إلى جمهور غارق في العاطفة، وغير قادر على إشغال الفكر في ما يتعرض له، أي منع التحليل العقلاني للأحداث، وغياب الحس النقدي للأفراد، الأمر الذي يتيح دائماً للجهة الحاكمة أن تمرر ما تشاء، ليس هذا فحسب، بل يتيح لها أيضاً أن تستخدم المخزون العاطفي لهذا الجمهور للتحكم بلا وعيه، وغرس الأفكار، والرغبات، والمخاوف والميولات وصولا إلى السلوكيات.
في صناعة الإذعان كسمة عامة لجمهور ما، تطبق الأنظمة الديكتاتورية مع شعوبها المنهجية ذاتها، التي تطبقها الأطراف الدولية الكبرى مع هذه الأنظمة، والركيزة الأساسية التي تعتمدها استراتيجيات السيطرة، والهيمنة لهذه الأطراف الدولية المتحكمة، هي في خلق أنظمة غير شرعية، ومعادية لشعوبها، الأمر الذي يسهل جداً من جعلها جهات مذعنة لهذه الأطراف الدولية، وعلى نفس المبدأ فإن الأنظمة الديكتاتورية تقوم بسحب حق منح الشرعية من شعوبها، وتخلق بدائل عنها، أحزاب شكلية، ونقابات تابعة، وبرلمانات مصنعة، مما يوصلنا إلى حالة لا يجد فيها الجمهور المذعن ما يدفعه لقراءة وفهم ما تفعله الأنظمة، وينحصر دوره فقط في التصفيق لكل ما تفعله.
الأخطر من كل هذا، وهو أيضاً من ضمن الاستراتيجيات العشر لـ”تشومسكي” نجد دفع الأفراد المتمردين الرافضين للإذعان إلى الشعور بالذنب، وجعلهم يشعرون أنهم المسؤولون الوحيدون عن الشقاء أو البؤس الذي يعيشونه أو يعيشه من حولهم، وهذا ما يفعله نظام الأسد عبر إيهام السوريين أن كل هذه الكارثة التي عصفت بسوريا، إنّما يتحمل مسؤوليتها أولاً من ثاروا عليه.
باختصار شديد، إن اشتغال أميركا ومعها دول النهب العالمي الأخرى لإيصال الشخصيات المذعنة إلى مواقع القرار، والدفاع عن الأنظمة المذعنة، هو استراتيجية أساسية في صناعة التبعية واستدامتها، وهو حجر الأساس في ترتيب الصراعات حول العالم، وبالتالي فإن كسر هذه الحلقة من إنتاج التبعية والإذعان، يتطلب من جملة متطلبات أخرى الاشتغال على صناعة الفرد غير المذعن، وغير العاطفي، والقادر على إشغال حسه النقدي.
ليس لأحد من الأطراف الدولية مصلحة في وجود أنظمة حكم ديمقراطية في منطقتنا، والتي وصفها “أيزنهاور” بأنها (المنطقة الأهم في العالم على الصعيد الاستراتيجي)، ومن يقرأ تفاصيل السنوات العشر الأخيرة، سيرى كيف تكالبت أطراف كثيرة لمنع هذه الشعوب من الخطو خطوة واحدة باتجاه امتلاكها لقرارها.
في عودة رجل لا أهمية له مثل رفعت الأسد، ثمة رسالة وحيدة، إنّها باختصار تعزيز ثقافة الإذعان، سواء داخل بنية النظام نفسه، أو في المجتمع السوري، فمن يؤيد عودته سيقتنع أكثر بأن الإذعان هو الاتجاه الوحيد للعلاقة مع هذا النظام، ومن يرفض سيضطر للصمت مذعناً.
—————————
=======================
تحديث 15 تشرين الأول 2021
—————————
نظام الأسد .. والتعويم الصعب/ رانيا مصطفى
تتناول تحليلاتٌ أخيرا فكرة إمكانية تعويم نظام بشار الأسد، انطلاقاً من الرغبة الأردنية، ووراءها رغبة عربية، بالتطبيع معه، بعد أن تم تسريب مبادرة أردنية تتضمن خطّة “لتغيير سلوك النظام”، قدّمها الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في زيارته واشنطن في يوليو/ تموز الماضي. وتستند تلك التحليلات إلى تصريحات الملك ومسؤولين أردنيين، وبعضها يذهب إلى أن في وسع عمّان فتح مسيرة التطبيع الجزئي مع النظام، مع غضّ نظر أميركي عن عقوبات قانون قيصر الاقتصادية بشأن مشاريع متعلقة بالبنى التحتية، أي تحت عنوان خطة “الإنعاش المبكر” التي طرحها بايدن في اجتماعه مع نظيره الروسي بوتين في جنيف في يونيو/ حزيران الماضي؛ وتلي ذلك كله عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وعودة البعثات الدبلوماسية معه، أي عبر خطة “الخطوة مقابل خطوة” التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون. وهذا يعني أن على النظام أن يقدّم خطواتٍ تتعلق بمحاربة الإرهاب، وإخراج مليشيات إيران، وخروج المعتقلين، والمضي بالحل السياسي وفق القرارات الأممية، وصولاً إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية، وفق ما جاء في تقرير “العربي الجديد” عن “اللاورقة” الأردنية المسرّبة والمقترحة في واشنطن.
ما تم إنجازه بعد زيارة الملك عبد الله واشنطن حل ملف الجنوب لمصلحة النظام وروسيا، ومن المفترض إبعاد مليشيات إيران والفرقة الرابعة للجيش السوري، بضمانة روسية، ووعود أميركية غير خطّية، بألا تشمل عقوبات قانون قيصر كلاً من مشروعي مدّ خطوط الطاقة عبر سورية إلى لبنان، وحركة الترانزيت عبر معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، ومن لبنان وإليه. يستفيد النظام من هذه الإنجازات سياسياً واقتصادياً، ويسوّق، هو وداعموه، في ظل حالة التراخي الأميركي، أنه انتصر وهو قاب قوسين أو أدنى من إعادة العلاقات معه إلى سابقها.
تحتوي المبادرة المسرّبة على تناقضات و”مستحيلات”؛ فأول إشكال بشأنها غياب الحماس الروسي لهذه اللاورقة، فالملك طرح مبادرته في واشنطن أولاً، ثم ذهب إلى موسكو لإقناع بوتين بها؛ وهي تتضمّن خروج القوات الأميركية بعد مصالحة بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام، وأن يُخرج النظام إيران ومليشياتها بطلبٍ رسمي، وأن يعود عدد القوات الروسية في سورية إلى ما كان عليه قبل 2011، وهذا البند ينسف كل ما بنته روسيا في سورية بشأن تعزيز وجودها العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس، وينسف مطامح توسيع نفوذها في الشرق الأوسط؛ وغير ذلك، لا يستند إلى السياسة الأميركية تجاه سورية، وهي بالضغط على روسيا لإيجاد صيغة أو حل للملف السوري، يحقق الشروط الأميركية، خصوصا بشأن محاربة الإرهاب، وأمن إسرائيل، والالتزام بقرار مجلس الأمن 2254.
غير ذلك، هناك نقاط تطلبها المبادرة أقرب إلى المستحيل، مثل أن يقبل النظام عودة آمنة للاجئين، مع وقف الاعتقال، وإخراج المعتقلين والسجناء السياسيين، والمصالحة مع المعارضة، والموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية، وضمان المساءلة والتحقيق في التعذيب والانتهاكات. ومعروف أن النظام يشارك في اللجنة الدستورية من أجل عرقلتها، وليس للتقدّم خطوة إلى الأمام. يريد الطرح الأردني إعادة النظام إلى ما كان عليه قبل 2011، وهذا مستحيل؛ لأنه يتجاهل الحرب الدموية في سورية عشر سنوات، وما نتج عنها من آثار مدمّرة، حيث قتل مئات الألوف، وتشرّد نصف الشعب، ودمرت البنى التحتية على طول البلاد وعرضها، والنظام دمّر أيضاً جيشه، وبات بحكم المنهار، مع ظهور الصراعات العائلية داخله. وحوَّل سورية إلى دولة فاشلة، ولا حلول لأزمته الاقتصادية إلا بقراراتٍ أشبه “بتشليح” السوريين أموالهم. وهو عاجز عن ضبط الحدود مع الأردن، ومنع تجارة المخدّرات التي تدخل الأراضي الأردنية بالأطنان، عبر معابر غير رسمية. ولا يملك قرار إبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية، لولا الثقل الروسي المؤثر فيه، ولا يملك حتى ضماناتٍ للالتزام بهذا الإبعاد؛ وبالتالي يأتي فتح معبر نصيب طريقاً إضافياً لدخول المخدّرات، عبر الممرّات الشرعية، بالاستفادة من حركة الترانزيت وطرق الغشّ التي قد تخدع عناصر التفتيش من الجانب الأردني.
الأهم من كل ما سبق أن نظام الأسد مدانٌ دولياً وأميركياً، بجرائم مثبتة ضد الإنسانية، ولا يمكن تجاوزها، سياسياً وحقوقياً وأخلاقياً، وقانون قيصر لحماية السوريين، صادق عليه الكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي، ملزمٌ لأية إدارة أميركية، وحتى التساهلات الأميركية المعلنة أخيرا، انتهجتها إدارة بايدن، ضمن وجود انتقاداتٍ حولها في الأوساط الإعلامية الأميركية وحتى داخل الإدارة الأميركية نفسها، ولا ضمانات بعدم الانقلاب عليها إذا لم يُعَدْ انتخاب بايدن بعد ثلاث سنوات.
تحاول روسيا الاستفادة من هذه التساهلات الأميركية التي فرضها التقارب الروسي الأميركي بشأن الملف السوري؛ فبعد حسم ملف الجنوب، تسعى موسكو إلى تسوية مشابهة في الشمال الغربي، وتحاصر تركيا هناك، مستغلة أيضاً تصاعد الخلافات الأميركية التركية، وتستعد لمواجهة هجوم تركي محتمل على مناطق “الإدارة الذاتية” (الكردية). وبلغ التقارب الروسي مع الإدارة الذاتية أقصاه، وبمساعٍ أميركية، مع وعود روسية بالحفاظ على لامركزية مقبولة للإدارة الذاتية ضمن الدستور المنتظر إنجازه من اللجنة الدستورية.
لم يصل الوفاق الأميركي الروسي إلى درجة التوصل إلى تسوية نهائية؛ فواشنطن ممسكة بمنابع الطاقة في الشرق السوري، وغير متضرّرة من حالة الستاتيكو السياسية في الملف السوري، بعكس موسكو المتشوّقة إلى جني غلّة إعادة الإعمار والاستفادة من استثماراتها في سورية، لذلك تبحث عن حلول بالتوافق مع واشنطن. وتبقى عقدة الأسد مشكلة لدى موسكو؛ فالوظيفة الوحيدة التي ما زال يؤدّيها النظام هي القمع، ومنع حصول أي احتجاجات محتملة في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي، ولا تملك موسكو بدائل، حتى من المعارضة المقرّبة منها، قادرة على أداء هذا الدور، لأن التركيبة الأمنية للنظام لا تقوم على الدولة، بل على عصابة مرتبطة بأشخاص من عائلة الأسد، وتغييره يعني انهيارها.
العربي الجديد
—————————–
رفعت الأسد… ندوب تغطية الجرائم/ ناصر السهلي
الإعلان عن “هروب” رفعت الأسد، عمّ رئيس النظام السوري بشار الأسد، من باريس إلى دمشق، يُذكّر بدرجات الاستهزاء من الضحايا والعدالة. فعلى الرغم من أن المستويين الحقوقي والصحافي، العربي والغربي، لم يبخلا بتوثيق جرائم هذا الرجل، لتثبيت الحكم العائلي الأسدي، بقي رفعت الأسد يتمتع في الغرب بما نهبه من جيوب السوريين، من دون مساءلة عن الجرائم المقترفة طيلة 40 عاماً. ويطرح ذلك ألف سؤال حول حقيقة حماية النظام السوري، أقلّه منذ عام 1971.
العودة إلى مسارح الجريمة، لا تخص السوريين فحسب، ضحايا مذبحتي سجن تدمر ومدينة حماة على الأقل، بل فيها تذكير أيضاً بغزوات “فرسان القائد” في نزع صنابير مياه بيوت وفنادق اللبنانيين، وخطف مواطنيهم، واستهداف المقاومة الفلسطينية، وإرسال فرق الاغتيال إلى الأردن لاستهداف قمّة هرم سلطتها، والمتفجرات إلى دول الخليج.
قد يصعب على غير السوريين تصديق مشاهد القتل والصفع والسحل، وإهانة نساء دمشق بنزع أغطية رؤوسهن، وسط قهقهة “سرايا الدفاع” و”المظلّيين”، في ثمانينيات المدينة الكئيبة، وبقية مدن “سورية الأسد”. ففيها تأسست طبقية من نوع آخر: رعية “مملوكون”، يفترض أنهم الشعب، ورجال النظام والعائلة، كـ”أسياد” لا يُسألون عما يفعلون، باسم نظرية “الصمود والتصدي”، آنذاك. والصور لا تختلف كثيراً في 2021، إلا في الأدوات، وتحت ذات النظرية.
القصة ليست بانحدار نقاش ما إذا وقعت الجرائم، وعن عدد الضحايا في حماة، بل في الجريمة ذاتها. فمساعي التغطية عليها متواصلة، مثلما حاولوا مع ابن شقيقه بشار الأسد، بالتغطية على مذابح السلاح الكيميائي بتسليم أدواتها، والسعي إلى “إعادة تأهيل” مرتكبها، كـ”ضرورة”، تعبّر عن قبح الانتهازية السياسية، وتبدية المصالح على الحقوق والعدالة. وما تقدمه رسائل تهريب رفعت، أن الدوس على العدالة مستمر، حين يتعلق الأمر بجرائم الديكتاتوريات الدموية، والقول للسوريين والعرب: “أنتم لا تستحقون العيش في دول القانون والحريات”.
إجمالاً، باريس، صاحبة الضجيج الأعلى أوروبياً عن القيم والحريات، تختصر مرة أخرى نفاق شعارات القارة وممارستها، بإشغال العقول حول طريقة خروج المُدان رفعت الأسد. لم لا؟ وباريس نفسها كانت بوابة “إعادة تأهيل” نظام الأسد، بمال عربي، بعيد جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري.
الإصرار على الدفع بأهل المنطقة نحو حافة الإحباط والقهر، بتعزيز تحويل دولهم إلى حقول تجارب للطغيان، لن يترك في الذاكرة الجمعية سوى المزيد من تعقيد علاقة “الجيران”، بإمعان السياسات الغربية على القول: “ليس لكم سوى اليأس… نعم، نحن مشاركون في الجرائم”، وتلك أخطر رسالة تستقبلها ذاكرة شعوب المنطقة.
العربي الجديد
———————–
عملية عسكرية تركية ضد “قسد”/ بشير البكر
تترقب منطقة شمال شرقيّ سورية عمليةً عسكريةً تركية ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد). ومنذ حوالى شهر، تتسارع وتيرة العد العكسي لمواجهة شبيهة بالتي حصلت قبل عامين، بين القوات التركية وحلفائها من الفصائل السورية المعارضة من جهة و”قسد” من جهة ثانية، وانتهت إلى إنشاء منطقة “نبع السلام” من المناطق التي خرجت من تحت سيطرة “قسد” في ريفي الرقّة والحسكة. وحصل بعد ذلك تغير مهم، دخلت بمقتضاه القوات الروسية مطار مدينة القامشلي، وانتشرت على الحدود السورية التركية، غير بعيدٍ عن قواعد وأماكن تمركز القوات الأميركية التي تشكل الحامي الأساسي لـ “قسد”، إلا أن تلك العملية لم تواجَه برفض من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بل كان إعلانه، في صيف 2019، سحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية، بمثابة ضوء أخضر لأنقرة، كي تنفذ عمليتها العسكرية. ولا يبدو أن اليوم يشبه البارحة، ففيما نشطت المساعي الدبلوماسية لتأمين لقاء لوفد من ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية مع مسؤولين أميركيين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) في نيويورك، كانت الرئيسة التنفيذية لـ “قسد”، إلهام أحمد، تحظى باستقبال من منسّق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، الذي زار المنطقة بعد ذلك، ما أثار ردود فعل غاضبة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وصف المسؤول الأميركي بأنه مدير تنظيم حزب العمال الكردستاني، وقال: “تجوّل ماكغورك يداً بيد مع التنظيمات الإرهابية في المناطق التي نكافح فيها هذه التنظيمات، يجعلنا نشعر باستياء كبير”.
وشهد الشهران، الماضي والحالي، سلسلة من الأعمال العسكرية التي قامت بها “قسد” ضد القوات التركية في سورية، والفصائل السورية المتحالفة معها، وكانت أغلب العمليات في مدينة عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية والجيش الوطني السوري في مارس/ آذار 2018. وجديد هذه العمليات، التي حصلت يوم الاثنين الماضي بتفجير سيارة مفخّخة داخل سوق شعبي في مدينة عفرين، قُتل من جرائها ستة أشخاص على الأقل وأصيب آخرون. وسبقتها أربع عمليات تفجير واغتيالات في صفوف الفصائل المتحالفة مع تركيا. ولا يقف الأمر هنا، بل هناك مناوشات متواصلة بين “قسد” والقوات التركية، جديدها يوم الأحد الماضي، وقُتل جنديان تركيان، وأُصيب عنصران من الفصائل، جرّاء استهداف سيارتهم بصاروخ موجه من “قسد” قرب مدينة مارع، في ريف حلب. وتشير المعلومات المستقاة من الفصائل السورية إلى أن التصعيد يأتي من قوات سوريا الديموقراطية، تقابلها حالة استنفار، وتعزيز لصفوف القوات التركية والفصائل السورية التي شهدت، في الآونة الأخيرة، عدة اندماجات بينها، استعداداً لمواجهة جديدة.
وكان أردوغان قد دعا الولايات المتحدة إلى مغادرة سورية. وقال، في مقابلة مع شبكة سي بي إس، إن بلاده تودّ أن ترى القوات الأميركية تنسحب من سورية والعراق، تماماً كما غادرت أفغانستان قبل ذلك، ولا يحتمل تصريح أردوغان تأويلاتٍ كثيرة، إنه يوجه رسالة واضحة، أن أنقرة تريد من واشنطن أن توقف الدعم الذي تقدمه إلى “قسد”. وبذلك تصبح المواجهة معها أقل كلفة سياسياً وعسكرياً، وإذا لم تنسحب القوات الأميركية، ولم يتوقف تصعيد “قسد”، فإن المواجهة العسكرية حتمية، وربما قبل نهاية هذا العام. وفي الأحوال كافة، لن يكون في وسع تركيا إحداث أي تغييرٍ ميداني داخل سورية في الظرف الراهن، ما لم تتفاهم مسبقاً مع موسكو التي تضغط بقوة على أنقرة، من أجل تسهيل عملية بسط سلطة النظام على كامل الأراضي السورية، وفق ما دار أخيراً في القمة بين الرئيس أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي.
العربي الجديد
—————————
أكراد سوريا غاضبون من الأميركيين: داعش يخطط للعودة
نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن مسؤولين عسكريين أكراد تخوفهم من عودة محتملة لتنظيم “داعش” للقتال في سوريا، مشيرين إلى أن خلايا التنظيم تنمو مجدداً وتقوم بالتدريبات اللازمة لخطة العودة.
وأشارت الصحيفة في تقرير بعنوان “هدنة وليس خسارة: تنظيم داعش يعيد بناء نفسه في سوريا”، إلى أن القوات الكردية تشعر بالقلق إزاء عودة داعش للقتال مجدداً في شرق سوريا، مشيرةً إلى أنه “قبل نحو 3 سنوات في 23 آذار/ مارس عام 2019، خرج آلاف المقاتلين الدواعش مهزومين من آخر معاقلهم في قرية الياغور في محافظة دير الزور”، وحينها، أعلنت قسد الانتصار على الحرب ضد التنظيم أو “هكذا بدا الأمر”.
وقال القائد العسكري البارز في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لقمان خليل: “لم يكن ما حصل في الباغوز هزيمة أو خسارة بالنسبة إلى داعش بل هدنة فقط”، وأضاف “الآن عادوا لمحاربتنا”، مشيراً إلى أنه “لا يمكن إنهاء أيديولوجية داعش بسهولة”.
وأضاف خليل الذي كان من أبرز المقاتلين ضد داعش منذ 2014 وقاد المعارك في كوباني والرقة ولاحقاً الباغوز، أن “خلايا التنظيم تنمو مجدداً وأفراده يتدربون ويتحضرون للعودة بصلابة مجدداً ومن جهات عديدة”.
ولفت خليل إلى أنه “كل يوم تقوم وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لنا بعملية واحدة على الأقل ضد التنظيم”. وتابع: “منذ يومين، قتل الأميركيون ثلاثة مقاتلين من داعش، وبعدها بيوم، قام الفرنسيون بهجوم ضد التنظيم”، مشيراً إلى أن “الاستهدافات جميعها وقعت ضد مقاتلي داعش في البلدات القريبة من قريتنا (الباغوز)”.
غضب كردي من واشنطن
لكن الصحيفة أشارت إلى غارة أميركية أغضبت خليل، لأنها نُفذت من دون التنسيق مع قسد. وقالت الصحيفة إن الغارة الأميركية التي أغضبت خليل انطلقت من العراق، وبشكل غير اعتيادي، لم يتم تنسيقها مع قوات قسد المدعومة من الولايات المتحدة.
وقال خليل لضابط كبير في مدينة الحسكة السورية: “إذا كان الأميركيون سينفذون غارات على مقاتلي داعش، فنحن بحاجة إلى معرفة ذلك مسبقاً”. وأضاف “لقد كنا شركاء طوال هذه السنوات، والآن ليس الوقت المناسب لنفترق”. ورغم استيائه، قال خليل إن “الإستهداف الأميركي كان ناجحاً، وإن الثلاثة الذين قتلوا كانوا قادة مهمين في التنظيم”.
بدوره، حذر القائد العام لقوات قسد مظلوم عبدي من أن داعش قد ينهض مرة أخرى ليهدد الأمن الدولي. وقال: “لقد حاربنا التنظيم بشدة ولفترة طويلة ونريد أن نضمن ألا يصبحوا أقوياء مرة أخرى”، مضيفاً أن “التنظيم يعيد تنظيم صفوفه.. ما زلنا نعتقل الكثير من مقاتليه.. لكن من الصعب مواكبة ذلك”.
وشرح عبدي السبب وراء صعوبة ملاحقة مقاتلي التنظيم وقال: “هم ينتشرون بين الناس في المدن والقرى السورية ويختبأون خلفهم وأمامهم”، محذراً من أن”هناك الكثير من التهديدات، والمجتمعات المحلية ليست قوية بما يكفي لتحدي هذا الخطر”.
ولفت إلى الوجود المنسق لداعش في عدد من الدول. وأضاف “لا يمكننا أن نرفع أعيننا عنهم .. كما لا يمكننا تجاهل خلايا التنظيم داخل المخيمات”.
وأشار المسؤولون الأكراد إلى أن التركيز ما زال مستمراً حول التهديدات في دير الزور، لافتين إلى أنه مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وقريباً من العراق بشكل كامل، “هناك مخاوف متزايدة من أن واشنطن قد تقرر سحب قواتها من سوريا”، رغم نفي الولايات المتحدة انسحابها من سوريا في مناسبات عديدة.
ونقلت “الغارديان” عن مسؤول أميركي قوله: “إن من شأن الإنسحاب من العراق، أن يترك القوات الأميركية مكشوفة في سوريا”، وذلك لأنه “لن يكون لدينا قواعد جوية في بغداد وأربيل”، بحسب قوله.
المدن
————————
أنقرة تصعّد شمال حلب… وتتهم واشنطن بـ«الخداع»
حلفاؤها أسقطوا طائرة استطلاع روسية… ونقطة تركية جديدة شمال غربي سوريا
أنقرة: سعيد عبد الرازق
اعتبرت أنقرة التصريحات الأميركية التي أدانت فيها واشنطن مقتل شرطيين في هجوم لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والهجمات العابرة للحدود «غير صادقة»، وتشكل نوعا من «الخداع». وأكدت أنها ستفعل ما يلزم لتطهير مناطق في شمال سوريا من الوحدات الكردية. وواصلت انتقاداتها لكل من الولايات المتحدة وروسيا لما عدته عدم الالتزام بتعهداتها بضمان انسحابها من المناطق المتاخمة لحدودها وتحميلهما جانبا من المسؤولية عن الهجمات الأخيرة على قواتها في شمال حلب. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده ستفعل كل ما يلزم من أجل «تطهير مناطق في شمال سوريا من وحدات حماية الشعب»، مضيفا أن روسيا والولايات المتحدة مسؤولتان أيضاً عن هجمات الوحدات الكردية على القوات التركية في مارع شمال حلب في الأيام القليلة الماضية حيث أسفر هجومان عن مقتل جندي واثنين من عناصر شرطة المهام الخاصة.
وتابع جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مع وزير خارجية نيكاراغوا دينيس مونكادا كوليندريس في أنقرة أمس (الأربعاء)، بأن روسيا والولايات المتحدة لم تلتزما بتعهداتهما بضمان انسحاب الوحدات الكردية من منطقة الحدود السورية مع تركيا.
ووصف جاويش أوغلو الإدانات الأميركية للهجمات على تركيا بأنها «غير صادقة»، لافتا إلى أن واشنطن تسلح وحدات حماية الشعب الكردية، ويجب علينا الاعتماد على أنفسنا والقيام بما يجب تجاه هجماتها. وقال: «تتزايد الهجمات السورية ضد قواتنا، وعدتنا روسيا وأميركا بالتدخل، ولم تفِ أي منهما بتلك الوعود». وأضاف: «نحن مصممون للغاية على طرد (الإرهابيين) من هذه المنطقة، وسنفعل كل ما يتطلبه الأمر، الولايات المتحدة تصدر تصريحات إدانة، لكنها تدعمهم بالأسلحة. هذا خداع، عملياتنا العسكرية مهمة لسلامة حدود سوريا، فأجندة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب هي تقسيم سوريا». كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمح في تصريحات عقب مقتل اثنين من شرطة المهام الخاصة في شمال حلب، الاثنين الماضي، إلى تصعيد عسكري تركي ضد قسد في شمال سوريا، قائلا إن «صبر تركيا نفد حيال بؤر الإرهاب في شمال سوريا»، مؤكدا أن تركيا عازمة على القضاء على التهديدات التي مصدرها تلك المناطق.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية مواصلة المشاورات مع أنقرة لإيجاد حل سياسي في سوريا وإنهاء الصراع.
ودانت الخارجية على لسان المتحدث باسمها، نيد برايس، أول من أمس، الهجمات عبر الحدود ضد «حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)». وقدمت تعازيها لأسرتي الشرطيين التركيين اللذين قتلا بصاروخ موجه، انطلق من مناطق سيطرة «قسد» في تل رفعت. وأكد برايس ضرورة التزام كل الأطراف بوقف إطلاق النار في المناطق المحددة لذلك بسوريا، في سبيل تعزيز مساعي الاستقرار والحل السياسي بالبلاد.
وصعدت القوات التركية، أمس، قصفها لمناطق انتشار القوات الكردية في ريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي، وقصفت مدفعيتها محيط مطار منغ العسكري وأطراف تل رفعت وريف عفرين، بعد مقتل 3 من جنودها في الأيام القليلة الماضية. وقصفت طائرة تركية، دون طيار، قرية شيخ عيسى في عفرين بريف حلب الشمالي، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بسقوط طائرة استطلاع روسية بين جبهتي مارع وعبلة، ضمن مناطق نفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها. وتبنت فصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، عملية إسقاط الطائرة.
وفي إدلب، انتهت القوات التركية من إنشاء نقطة عسكرية جديدة لها في قرية بينين الواقعة على السفح الشرقي من جبل الزاوية (جنوب إدلب)، مقابل مدينة معرة النعمان، والمطل على طريق حلب – اللاذقية الدولي (إم4). وتعد النقطة هي الثالثة في أسبوع واحد.
وأفاد «المرصد السوري» بأن القوات التركية كانت تعمل على إنشاء هذه النقطة قبل حوالي أسبوع، حيث وضع الأتراك النقطة الجديدة على طريق معرة النعمان – أريحا، في إطار سياسة الإغلاق الكامل للطرق الرئيسية ورصدها كما فعلت في سراقب. وأنشأت القوات التركية نقطة عسكرية جديدة في بلدة آفس قرب مدينة سراقب وطريق «إم 4»، الأحد الماضي، بعد أيام قليلة من إنشاء نقطة أخرى في جبل الزاوية، بهدف تغطية خط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة في إدلب بشكل كامل.
الشرق الأوسط
———————–
شيربا مصيدة رفعت الأسد/ فاطمة ياسين
شيربا منظمة دولية أنشئت عام 2001 ووضعت على عاتقها حماية ضحايا الجرائم الاقتصادية والدفاع عنهم، يقول تقرير عملها الصادر في العام 2013 إن حافظ الأسد استولى على السلطة عام 1970، فحول البلاد إلى النظام الاستبدادي الذي يقوم على المحسوبية والفساد المنظم. وتحتل سوريا المركز 116 من أصل 189 على سلم التنمية البشرية للعام 2013، ما يعني أن معظم الناس يعانون من الفقر، فيما يسمح النظام لرجاله بمن فيهم شقيق الرئيس بتحقيق الثروة غير المشروعة، ثم يستدرك التقرير بقوله إن رفعت الأسد قد نفي من سوريا إثر انقلاب فاشل.
لاحقت المنظمة مسار رفعت الأسد واستفادت من انفراج في الحالة الفرنسية في ملاحقة المحتمين بها من فاسدي العالم الثالث، من مستعمراتها السابقة، فرفعت عدة قضايا ضد ساسة سابقين لاذوا بفرنسا ومعظمهم أفارقة، أما قضيتها ضد رفعت الأسد فقد رُفعت في العام 2013، كان النظام في دمشق في ذلك العام يحاول حماية نفسه من التهاوي، عندما بدأ أحد المدعين العامين الفرنسيين بتجميع خيوط القضية، وبدأ التحقيق فيها عام 2014 واستمر خمس سنوات، كانت شيربا تضع ملخصا للقضية في تقريرها السنوي، حتى صدر حكم أولي للقضية في حزيران من العام الماضي 2020، وكان من حق رفعت الأسد الاستئناف، فاستأنف القضية وغادر قبل يوم واحد من صدور الحكم الذي أيد سجنه لخمس سنوات ومصادرة أملاكه في فرنسا، والمقدرة بمئة مليون يورو.
تنظر دول الاتحاد الأوروبي في حالة المحكوم عليه قبل زجه في السجن وأغلب الظن أن رفعت الأسد فيما لو بقي في فرنسا فإنه لم يكن ليدخل السجن نظرا لكبر سنه، وهذه من الحالات التي يتعاطف فيها القانون مع المحكومين إذا كانت جرائمهم غير خطيرة.. تكلف القوانين نفسها وزرا مضاعفا، بإضافة حمولات أخلاقية شاقة على أحكامها، وهي أمام حالة من هذا النوع، ترى الرجل فاسدا، وقد قالت شيربا إن وظيفته التي كان يشغلها في سوريا لم يكن راتبها ليوفر له هذه الإمبراطورية العقارية التي تمرغ بها مع عائلته طوال خمسة وثلاثين عاما، ولا بد أنه جمعها من استغلال وضعه كشقيق للرئيس.. يبدو هذا الاستدلال بمنتهى السذاجة، وكذلك الحكم الذي تلقاه رفعت الأسد، وكذلك قصة العودة إلى سوريا، وصيغة “المرسوم” الذي ظهر على صفحات جريدة محلية سورية مصاغا على شكل خبر صحفي، بينما تفصيلاته تشبه المراسيم التي كان يصدرها سلاطين المماليك في حالة العفو عن أحد عبيدهم. تلاحق الأحداث بهذا الشكل يبدو كمسرحية كوميدية يجبر فيها المشاهد على الضحك ليجامل المخرج، وذلك نظرا للتاريخ الدموي لهذا الرجل ودوره السلبي في التاريخ وأثره الخفي الذي بقيت ظلاله في الساحة السورية حتى هذه اللحظة، فالتراث الذي يحكم به ابن أخيه الآن يرجع إلى الإرث السياسي الذي أرساه رفعت الأسد.
لم يكن رفعت الأسد مجرد شقيق رئيس غادر منصبه مجبرا، بل كان “عضوا عاملا”، في كل الأعمال السوداء التي أثرت في تاريخ سوريا منذ العام 1963، ومن منصبه العسكري الصغير المخبأ بعناية وسط زحمة الجيش، شارك بكل أعمال الاعتقال والسجن، والهجوم على قادته السابقين وهو السلوك الذي بات منذ العام 1970 سنّةً في الحكم.. بدا رفعت الأسد كالرجل الذي بيده مفاتيح الحكم، وتصرف على هذا الأساس منذ سيطرته على الحكومة، وعمق علاقاته في الجيش حتى كوّن ميليشياته، فقد كانت سوريا كما أعلنها بعثيو حافظ الأسد نظاما تملك فيه الدولة كل شيء ولا مكان للقطاع الخاص إلا في أضيق الحدود، بالمقابل كان رفعت وفي وسط هذه المعمعة اليسارية يكوِّن جيشا (قطاعا خاصا) لا يخضع إلا لأوامره ولا ينفذ إلا تعليماته المباشرة، وبواسطة هذا الجيشا تم سحق المعارضين ونهب البلاد، وعلى هذا الأساس كان يجب أن تتم المحاكمة، لكن منظمة لطيفة مثل شيربا همها استدراج بضع ملايين مسروقة، بينما نحن بحاجة إلى استعادة آلاف الأرواح التي زهقت، وسنين طويلة من التنمية السالبة التي أعيدت فيها سوريا إلى عصر ما قبل اكتشاف الكهرباء.
تلفزيون سوريا
————————–
“معركة وشيكة” لتركيا في شمال سورية.. وأردوغان يتحدث عن “شكل مختلف”
تتزايد مؤشرات إطلاق تركيا لعملية عسكرية في الشمال السوري ضد “وحدات حماية الشعب”، في ظل غموض المواقع الي ستستهدفها، سواء كانت في غرب الفرات أو شرقه.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين تركيين قولهما اليوم الجمعة: “تركيا تخطط لعمل عسكري ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية إذا فشلت المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا”.
وأضاف المسؤولان: “من الضروري تطهير المناطق ولا سيما منطقة تل رفعت التي تنطلق منها هجمات باستمرار ضدنا”.
من جانبه جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تهديده بالعملية، وقال اليوم في مؤتمر صحفي عقب صلاة الجمعة: “كفاحنا في سورية سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة”.
ونقل الصحفي التركي، ليفنت كمال عن مصادر لم يسمها اليوم إن “المحادثات الفنية بين روسيا وتركيا بشأن سورية متواصلة”.
وأضاف: “يمكن لروسيا أن تعطي الضوء الأخضر للعملية التركية في ثلاث مناطق، إحداها لم تتضح بعد. تركيا تواصل الإصرار على تل رفعت”.
#Exclusive – According to sources, technical talks between Russia and Turkey on Syria continue. Russia could give the green light for the Turkish operation in three areas, one of which is not yet clear. Turkey continues to insist on Tal Rifat.
— Levent Kemal (@leventkemaI) October 14, 2021
ومنذ ثلاثة أيام تشير تصريحات المسؤولين الأتراك السياسيين منهم والعسكريين إلى قرب إطلاق عملية عسكرية في الشمال السوري.
ويوم أمس الخميس قال وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار إن تركيا “تتابع عن كثب جميع التطورات شمالي سورية والعراق، وستفعل كل ما يجب القيام به”.
وأضاف أن بلاده “تحترم حقوق وسيادة دول الجوار، وفي حال عدم اتخاذ أي خطوة تجاه (لجم) الإرهابيين هناك (في سورية) فإن تركيا ستقوم باللازم”.
وسبقه بذلك وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، حيث حمل روسيا والولايات المتحدة مسؤولية الهجمات التي استهدفت القوات التركية على الأراضي السورية، وذلك خلال لقاء مع وزير خارجية نيكاراغوا.
واعتبر جاويش أوغلو موسكو وواشنطن “مسؤولتان أيضاً عن هجمات ي ب ك/ بي كا كا”، لأن الدولتان لم تنفذا “وعود إبعاد الإرهابيين على عنق 30 كيلومتراً عن الحدود(..) وروسيا وعدت بتطهير تل رفعت ومنبج، لكن هذه الوعود لم تنفذ”.
وشنت تركيا عمليتين عسكريتين كبيرتين في سورية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكل “الوحدات” عمادها الأساسي”، وهي “غصن الزيتون” في منطقة عفرين شمال غربي حلب في يناير/كانون الثاني 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وقبل ذلك كانت العملية الأبرز للجيش التركي في سورية هي “درع الفرات” التي أفضت لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” سنة 2016 من مناطق واسعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي بين جرابلس عند نهر الفرات وصولاً للراعي وشرق اعزاز، ولخسارة “قسد” بعض المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتها في هذه المناطق، إضافة لحرمانها من وصل مناطق سيطرتها في منبج، بعفرين التي كانت تحت نفوذها في ذلك الوقت.
———————-
أمريكا تحدد موقفها النهائي من النظام وإعادة تأهيل بشار الأسد غير ممكنة
تستمر السجالات في الولايات المتحدة الأمريكية حول الموقف الأمريكي الرسمي من نظام بشار الأسد الإرهابي، فيما يبدو أن هناك صحفا واقعة تحت ضغط اللوبي الإيراني واللوبي الإخواني الذين تحدث عنهما السيد «وليد فارس» في مقال مهم نشر منذ أسبوعين وسوف تهتم شبكة حقيقة الإعلامية بنشره.
فزوايا بعض الصحف الأمريكية لا تعكس بالضرورة الموقف الأمريكي الذي يتأكد يوما بعد يوم، ومناسبة بعد أخرى، والذي يتلخص بأن كل شيء معطل في سوريا حتى يتم التحول السياسي الحقيقي.يخطئ البعض حين يظن أن هذا النشر هو تسويق للولايات المتحدة الأمريكية، مع أنه في الحقيقة تسويق لحزمة أفكار واضحة وضرورية أهمها:
♦ أن نظام الأسد معزول دوليا بعكس ما يريد البعض تصويره.
♦ أن نظام الأسد لا يمكن تدويره بعد كل هذا التلاشي.
♦ أن أمريكا عملت على إضعاف الأسد لا إنهائه.
♦ أن عملية ترحيل الأسد هي مسؤولية ثورية لا دولية.
♦ أن أمريكا- رغم سوء تحركاتها- يمكن التمصلح معها، لأن أمريكا هي من سيكتب آخر سطور الملحمة.
فهناك فرق شاسع بين أن تقول: «أمريكا جيدة وعال العال»
وبين قولك: إن أمريكا يمكن التشارك معها، من منطق الحرفية السياسية العالية.
وفي الخبر
بعنوان وصورة مثيرينِ للجدل أحرجت مجلة “newsweek” الأمريكية الأسبوعية إدارة الرئيس “جو بايدن” متهمة إياه بمباركة مساعي بعض الدول للتطبيع مع نظام بشار الأسد في سوريا، على الرغم من كل العقوبات التي فُرضت ضدّه لجرائمه بحقّ شعبه.
وأشارت المجلة في مقالها الذي عنونته بـ (بشار الأسد يعود إلى المسرح العالمي في هزيمة للولايات المتحدة وانتصار لأعدائها) إلى أن الإدارة الأمريكية بعد عشر سنوات من الحرب الوحشية التي شنّها الأسد في سوريا تعود إلى الالتفاف على العقوبات التي فرضتها ضده، والموافقة على تحركات التطبيع التي بدأت بها بعض الدول العربية كالأردن.
ردود أمريكية رسمية
ولم يمضِ وقت قصير على اتهامات مجلة “newsweek” لبايدن وإدارته بمحاولة تعويم الأسد حتى نفى وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” عزم واشنطن دعم أي جهود لتطبيع العلاقات مع نظام دمشق أو استئناف التعامل معه، مؤكداً أن الموقف الأمريكي واضح إلى أن يتم إحراز تقدم باتجاه التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
وذكرت رويترز أن تلك التصريحات لوزير الخارجية الأمريكي تناقض ما يحدث على أرض الواقع حيث يشهد الشرق الأوسط حالياً تحولات كبيرة بين حلفاء واشنطن العرب، الذين بدؤوا بإحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع نظام أسد.
واعتبرت أن إعادة الأردن الحليف القريب من واشنطن فتح المعبر الحدودي الرئيسي مع سوريا هو خطوة أولى لدعم مساعي دول عربية أخرى بهدف إعادة دمج نظام أسد بعد نبذه، كما إن لقاء وزير الخارجية المصري بوزير خارجية أسد في نيويورك هو خطوة أخرى في هذا الاتجاه، (في إشارة إلى وجود موافقة ضمنية للإدارة الأمريكية على مساعي التطبيع).
اتهامات وانتقاد
وبالعودة الى المجلة الأمريكية التي عدت أن إغماض الولايات المتحدة عينها عن قافلة التطبيع مع نظام مجرم قتل أكثر من نصف مليون مدني وهجّر الملايين واستخدم كل أنواع الأسلحة ضدهم بما فيها الكيماوية، كل ذلك دليل على هزيمة واشنطن في المنطقة وانتصار لمن سمّتهم الأعداء (في إشارة لنظام أسد وحلفائه من الروس والميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله).
وبينت “newsweek” أن الأسد خلال السنوات العشر الماضية كان منبوذاً دولياً لكن مع قدوم العام 2021 لم ينجُ بنفسه فحسب، بل بدا أنه مستعد للعودة إلى المسرح العالمي (في إشارة إلى التطبيع)، وذلك رغم مرور عقد من الزمان على أفعاله الإجرامية وحربه ضد شعبه.
ولفتت إلى أنه بالرغم من كل هذه التطورات التي تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة من الأسد وسوريا إلا أنه وبشكل غير رسمي على الأقل، يبدو أن هناك تغيّرات على قدم وساق بشأن التطبيع معه، مؤكدة أن الأسد يقوم بالحفاظ على وجود دبلوماسي له في الولايات المتحدة على شكل البعثة الدائمة لسوريا لدى الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.
حملات صحفية ضد بايدن
وتأتي التطورات هذه تزامناً مع شن عدة صحف أمريكية هجوماً حادّاً على إدارة الرئيس الأمريكي جو بادين، متهمةً إيّاه بالتخلي عن النهج الأمريكي في التضييق على الأسد، وواصفة محاولة بعض الدول العربية لإعادة العلاقات مع نظامه بأنّهم يُريدون التعامل مع الشيطان الذي يعرفونه، أفضل من التعاون مع الشياطين التي لا يعرفونها.
وبينت صحيفة نيويورك تايمز في تقريرٍ لها أن الأسابيع القليلة الماضية كانت جيدة للأسد، مشيرة إلى وجود خطوات تعكس توجهاً مغايراً لنظامه الذي ظل تحت وطأة العقوبات لفترة طويلة.
وأكدت الصحيفة أنّ الولايات المتحدة التي فرضت العقوبات تدعم خطة لتوصيل الغاز إلى لبنان عبر سوريا وفق مسؤول أمريكي، كما أنهت بعض دول الخليج معارضتها للأسد من أجل الحصول على فرص استثمارية في سوريا، بعد أن ظلت لسنوات تموِّل قوات المعارضة.
—————————–
====================
تحديث 16 تشرين الأول 2021
—————————-
الولايات المتّحدة وجهود إحياء نظام الأسد/ علي حسين باكير
نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع المنصرم مقالاً رئيسياً للغلاف تحت عنوان “بشار الأسد يعود إلى المسروح العالمي.. هزيمة للولايات المتّحدة وانتصار لأعدائها”. المقال كتبه توم أو كونور ويقول فيه إنّ بشار الأسد لم يكتف بالصمود والبقاء بعد أن تحوّل إلى منبوذ على الساحة الدولة لحوالي عقد من الزمان، وإنما يبدو مستعداً للعودة بقوة إلى المسرح الدولي.
يشير توم إلى أنّ الأسد يقف قوياً على ركام دولة محطمة لديها القليل من الخيارات البديلة للقيادة. وبمساعدة الحليفين القدامى إيران وروسيا، تمكن الأسد من استعادة جزء كبير من سوريا من أيدي المتمردين والجهاديين الذين حاولوا الإطاحة به. الآن، وإدراكًا للواقع، بدأت العديد من الدول التي قطعت علاقاتها بالأسد قبل ١٠ سنوات ترحّب بعودته من جديد وذلك على الرغم من معارضة الولايات المتّحدة الأمريكية لحكمه.
هذا المقطع يشير الى حجم المغالطات الرهيبة التي يتمّ تسويقها في الإعلام الغربي (العالمي) عن سوريا وما آلت إليه الثورة السورية. صناعة “رواية الثورة السورية” لما جرى ويجري هناك منذ ما يزيد على الـ١٠ سنوات هي جزء من الخدمات الجليلة والعظيمة التي قدّمتها الولايات المتّحدة والدول الغربية لنظام الأسد وحلفائه. فلا الأسد قوي، ولا الجهاديون هم من قرروا الإطاحة به، ولا الفضل الأكبر في بقائه يعود إلى روسيا وإيران، ولا الولايات المتّحدة تعارض بقاءه بشكل حقيقي، ولا حلفاء واشنطن يطبّعون معه ذاتياً رغماً عن إرادة الولايات المتّحدة ودون علم أو معرفة أو حتى ضوء أخضر منها.
آن الأوان لكي يتم حذف هذه البروبغندا الأمريكية في سلة المهملات. كتابة التاريخ مسؤولية، والحفاظ على الحقائق وعلى السيرة الصحيحة لما جرى في سوريا مسؤولية أكبر خاصّة إذا ما أراد السوريون إبقاء الأمل بالتغيير قائماً لديهم. إدارة أوباما السابقة لها الفضل الأكبر في بقاء نظام الأسد حتى الساعة. صحيح أنّ إيران تدّخلت عسكرياً منذ اليوم الأوّل للثورة في محاولة للدفاع عن حليفها، لكنّها اضطرت هي الأخرى إلى طلب المساعدة من روسيا عندما كان الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط. ولا أعتقد أنّ هناك من نسي تصريحات لافروف حول خشية موسكو من إقامة نظام يحكم باسم أغلبية السوريين (أي السنّة).
لكنّ الذي سمح لإيران بإرسال الآلاف من المرتزقة الموالين للحرس الثوري الإيراني علاوةً على جنودها إلى سوريا، وأمّن لها الحصانة من الملاحقّة، وقوّض جهود المنتفضين فضلاً عن الدول المنافسة لإيران في سوريا، هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وليس أي أحد آخر. أوباما كان يريد التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران وتحقيق إرثه العظيم الذي لم يسبقه إليه أحد مهما كان الثمن. لقد قدّم سوريا كواحدة من القرابين الرئيسية على مذبح الاتفاق النووي.
لم يكتف أوباما بذلك، بل منع كل جهد حقيقي لمعاقبة الأسد على خرقه كل الخطوط الحمر بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وحتى خرق الاتفاق الكيماوي الذي تمّ مع إدارته برعاية روسيا. أوباما كان العائق الرئيسي أمام أي دعم حقيقي للثوّار، وتسببت سياسته بالسماح للأسد بخلق البيئة المناسبة لإنشاء وإنتشار التطرف والإرهاب، وقد قامت إدارته بتوظيف هذه النتيجة في تطوير تعاون مع دول مثل إيران وروسيا بحجّة محاربة الإرهاب، وإرغام أخرى كدول الخليج على الانخراط في هذا التحالف وتناسي موضوع الأسد وإيران. وبذلك نجح أوباما في تحويل الموضوع من ثورة ضد الأسد والنفوذ الإيراني إلى تحالف مع هذه الأطراف والأطراف الموالية لها في حرب ضد الإرهاب.
ولضمان عرقلة اللاعب الأكبر والأكثر قدرة على التأثير في مصير الأسد في المنطقة، قامت إدارة أوباما بالتحالف مع ميليشيات (واي بي جي) الكردية ضد تركيا، ودعت عملياً روسيا إلى ملء الفراغ في سوريا. وتحوّلت سوريا بذلك إلى إرث دموي لإدارة أوباما. فموقف إيران وروسيا في نهاية المطاف مفهوم لناحية دعم حليفهم الأسد، لكنّ إدارة أوباما ضحت بسوريا للتقارب من إيران وإيجاد مجالات عمل مشتركة مع روسيا، وتقويض دور تركيا.
لا تختلف أولويات إدارة بايدن الحالية كثيراً عن أوباما. إيران مرّة أخرى في دائرة الاهتمام، والتقارب معها يفترض تقديم المزيد من القرابين تماماً كما فعل أوباما. خلال أقل من عام على قدومها إلى البيت الأبيض، قدمّت إدارة بايدن جملة من التنازلات على شكل قرارات أو على شكل تسويات أو على شكل غض نظر. ومن الواضح أنّ هذه التنازلات ضخّت الروح من جديد في دور إيران الإقليمي ودور أذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعد فترة قصيرة من التراجع نهاية عهد ترامب نتيجة سياسة الضغط القصوى التي مارسها.
التصريحات الإيرانية الرافضة لإستئناف المفاوضات تشير إلى أنّ هذه التنازلات ليست كافية. ولإبداء المرونة اللازمة، لم تعترض إدارة بايدن على انفتاح الدول العربية على نظام الأسد، وتحاول تسويق هذه الجهود على أنّها جهود فردية نابعة من حسابات ذاتية لا علاقة للولايات المتّحدة بها. بدورها، تقوم الدول العربية بتسويق خطاب آخر مفاده أنّ الانفتاح على نظام الأسد هو للحد من نفوذ طهران وتأثيرها عليه. كلا الخطابين مخادعان ويستخدمان كذريعة لتبرير الانفتاح على نظام الأسد.
الحقيقة أنّ هذه الدول تدور في الفلك الأمريكي، فإذا كان هناك إيمان حقيقي بقانون قيصر، وإذا كانت الإدارة جادة في تطبيقه وفي رفضها عودة نظام الأسد، فمن السهل جداً اتخاذ إجراءات تحول دون ذلك. في نهاية المطاف، الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتخذت عقوبات بحق حلفاء لها في الناتو وشركاء تاريخيين كتركيا عندما أرادت عرقلة جهود أنقرة لتطوير سياسة خارجية ودفاعية أكثر استقلالية، ولذلك فهي أكثر من قادرة على اتخاذ خطوات بشأن الدول التي من المفترض أنّها تخالف مصالحها وتوجّهاتها في سوريا.
قبيل فترة وجيزة طُرح مشروع لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. من الواضح أنّ المشروع جاء بناءً على مبادرة أمريكية بالأساس لأنّه من غير الممكن تفعيله عبر نظام الأسد من دون موافقة أمريكية في ظل العقوبات الموجودة. المشروع بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد وكان له دور في تحفيز دول مثل الأردن على الانفتاح على الأسد. يقع المشروع في صلب التخادم مع إيران وإن تمّ الترويج له بخلاف ذلك.
سيتيح هذا المشروع تمويل عودة الأسد وتهيئة الأجواء للتطبيع الإقليمي معه من بوابة الاقتصاد والطاقة، وسيساعد ذلك على تخفيف التزامات التمويل الإيرانية للأسد وحلفائه من خلال الاعتماد على شركاء آخرين من الدول العربية. فضلاً عن ذلك، سيفتح المشروع بوابة للتطبيع مع إسرائيل، التي تبيع الغاز بدورها إلى مصر!
من الواضح أنّ مشروع نقل الغاز الذي يتم الترويج له هو بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد عبر البوابة التقنية. وقد حفّزت هذه الخطوة من دون شك دولا مثل الأردن على الانفتاح على الأسد كجزء من محاولات إنقاذ الوضع الاقتصادي الداخلي. لكن الدول الأخرى مثل الدول الخليجية ليست في وضع حرج اقتصادياً، وليس لانفتاحها على الأسد أي علاقة بالوضع الاقتصادي. فإذا افترضنا جدلاً أنّ واشنطن غضّت الطرف عن قرار الأردن بسبب وضعه الداخلي، فما هي المبررات المتعلقة بالآخرين؟
خلاصة القول، أن واشنطن تريد أن تعود إلى اللعبة ذاتها، وحضورها من بوابة التطبيع عبر الآخرين يحقق لها موطئ قدم أكبر دون أن تكون في الواجهة، ويؤمن لها في نفس الوقت تحقيق تسويات مع إيران وروسيا من خلال تقديم تنازلات على شكل انفتاح عربي على نظام الأسد وتسهيل للعقوبات المفروضة، بانتظار ردود الفعل والخطوة التالية ليبنى على الشيء مقتضاه.
عربي21
———————————-
عودة العرب للأسد “ديكور فارغ”/ غازي دحمان
لا تفصلنا عن عودة العرب إلى “حضن الأسد” سوى شهور، إذ من المرجح ألا تطول الفترة الانتقالية، التي تفصل مرحلة المقاطعة الرسمية، عن مرحلة إعادة العلاقات إلى زخمها، ذلك ان التبريرات باتت جاهزة، وتأثيث العودة للعلاقة في طريقة للاكتمال، بالأصل هناك العديد من السفارات العربية لا زالت عاملة بدمشق، وإن كانت بمستويات أقل من السفير، ألا إنها شكلت قنوات مهمة للاتصال مع حكومة دمشق.
لا ندري مدى قناعة العرب بالنظرية التي تقول ان عودة العلاقات مع دمشق من شأنها الحد من النفوذين الإيراني والتركي في سوريا، مع ان الظاهر والمعلوم يخالف هذه النظرية، ذلك أن إيران تغلغلت كثيراً في بنى الدولة السورية وفي النسج الاجتماعية، وباتت لاعباً محلياً بامتياز، يصعب إخراجه، على الأقل ما لم يكن هناك مشروع مواجهة شامل معها على كل المستويات، وهذا غير متوفر الآن في سورية، لا على المستوى السوري، ولا على المستوى العربي، بل مجرد رهانات هنا وهناك لا أسس واقعية لها.
أما بالنسبة لتركيا، فالأمر له أبعاد دولية، لا قدرة للعرب عليها، بمعنى أن إنهاء النفوذ التركي في سوريا يتطلب توافقات روسية وأمريكية، من غير المقدّر توافرها الآن، إذا لم توضع الأزمة السورية برمتها على سكّة الحل الفعلي والنهائي، وهذا الأمر يبدو أن التأثير العربي يساوي صفراً، نتيجة الانسحاب من سوريا وعدم امتلاك أوراق مساومة مهمة.
يدرك العرب هذه الحقيقة، إذ على مدار العقد الماضي، تحصّلت جميع الأطراف على خبرات مهمة في مجال النزاعات، ومعنى أن يكون أي طرف فاعلاً مؤثراً، ما هي أدوات التأثير الواجب امتلاكها، وكيفية إدارة اللعبة، ومعنى موازين القوى والتوازنات الحاصلة على الأرض، وطبيعة المعادلات التي صنعتها الأزمة، كل ذلك أصبح درساً معلوماً وفرته أحداث العقد الأخير في الشرق الأوسط، الذي انخرطت في نزاعاته جميع الأطراف، بنسب وأحجام مختلفة.
على ذلك، فإن العرب، يعرفون، أكثر من غيرهم، أحجامهم في المعادلة السورية، ويعرفون أن الوقت تأخر كثيراً لصناعة فوارق لصالحهم في مواجهة الفاعلين الآخرين، إذ بالإضافة لافتقادهم لمشروع جيوسياسي أو إستراتيجي، يؤطر قواهم ويوحد جهودهم ويحدد أهدافهم وآلياتهم، يفتقدون أيضاً للحوامل الرافعة لمثل هذا المشروع، ولو أرادوا صناعته في التو واللحظة، فقد فات الأوان على إمكانية أن يكون لهم حواضن اجتماعية داعمة، بعد أن سيطرت إيران وروسيا وتركيا على مساحات شاسعة من الفضاء الاجتماعي السوري، وطوته تحت أجنحتها، بالترغيب أو بالترهيب أو بحكم الأمر الواقع.
كما يدرك العرب أن إمكانية تأثيرهم بالمنظومة الحاكمة، وبمخرجات النظام السياسي السوري، معدومة، وبالتالي استحالة تصور انزياح هذه المنظومة عن التأثيرات الروسية والإيرانية، والتلاقي مع الأهداف العربية في سوريا، هذا إن كان هناك فعلاً أهداف في سوريا. ترى ما هي هذه الأهداف!.
في إطار سياسة الترويج عن مدى أهمية المنظومة السورية الحاكمة في إطارها الإقليمي، يقول وزير الخارجية فيصل مقداد، أن الكثير من الوزراء العرب الذين التقاهم مؤخراً في نيويورك، على هامش اجتماعات الدورة العادية للأمم المتحدة، أكدوا له أهمية عودة سوريا إلى الحضن العربي، لما لذلك من ضرورة للعمل العربي المشترك، الذي تأثر كثيراً نتيجة مقاطعة سوريا… السؤال هنا أي عمل عربي مشترك ذلك الذي جرى الحديث عنه، يعرف خبراء الاقتصاد والسياسة أن العمل العربي المشترك مجرد شعار لا ترجمة له على أرض الواقع، فالعلاقات البينية العربية ضعيفة بسبب اعتماد الدول العربية على الخارج في تأمين مستلزماتها من الصناعات والتكنلوجيا وحتى المواد الغذائية، بدليل أن سلاسل التوريد لأي دولة عربية لم تتأثر بغياب سوريا عن خارطة التبادل طوال السنوات الماضية، كما ان عودة الأنظمة العربية لسورية ليس بهدف سد النقص في حاجات معينة، بالأصل سورية لم تعد منتجة لأي شيء ذي قيمة نتيجة خراب البنى التحتية وتعطل أدوات الإنتاج وهروب المهرة والحرفيين.
وفق ذلك، يمكن فهم العودة العربية إلى الأسد، على أنها محاولة لتقوية أوراقها التفاوضية في مواجهة اللاعبين المسيطرين في سوريا، الولايات المتحدة وروسيا إيران وتركيا، إذ من المعلوم أن الدول العربية تنخرط الآن مع هذه الأطراف في مفاوضات صعبة، ليس لسورية علاقة بها، وتحاول هذه الأطراف لملمة أوراقها لتثقيل كفتها في هذه المفاوضات، وسورية ” على البيعة” كما يقول المثل الشعبي.
أو ربما يكون الأمر نوعاً من المنافسة والمكايدة بين الأنظمة العربية، إذ طالما استفادت عائلة الأسد دائما من التناقضات والخلافات التي تحصل بين حكام الإقليم.
باستثناء ذلك، تدرك جميع الأطراف العربية أن الرهان على أن سياسات النظام وتفكيرة سينحوان باتجاه العقلانية نتيجة الارتباط معه بعلاقات دبلوماسية ونتيجة إغراءه وتوريطه بلعبة المصالح هي رهانات خائبة لأن المصالح التي يريدها النظام هي فتح صنابير التمويل وهذا ما لا قدرة على القيام به من قبل جميع الأطراف.
ربما يعتقد البعض أن العرب، وخاصة دول الخليج، التي تحاول الآن تغيير المعادلة في العراق، الذي تتبدى فيه أحجام التأثير الإيرانية والتركية، أكبر مما هي في سوريا، لن تيأس من المحاولة في سوريا، والحقيقة أن الوضع مختلف تماماً، ففي العراق يوجد نظام أكثر مرونة وهناك آليات ديمقراطية، شئنا أم أبينا، وعمليات إنتقال للسلطة، وفاعلون محليون مختلفون، وخصوم لإيران وتركيا، وهذه التوليفة غير متوفرة في سورية على الإطلاق، على الأقل في سورية الحالية التي يرأسها الأسد، حيث لا توجد قوى مدنية وحزبية مؤثرة، ولا احتمال لوصول هذه القوى إلى مركز صناعة القرار، فالمجال السياسي مغلق على نظام الأسد التابع حكماً لإيران.
ومن غير المنطقي تصوّر ان العرب يلهثون للأسد من أجل ضخ الأموال في خزائنه، وهم يعلمون أن إيران واقتصادها سيكونون من المستفيدين الأوائل، كما أن نظام الأسد المشهود له بالفساد، لن يكون الاستثمار عنده مربحاً، ثم من هي الدولة العربية التي لديها فوائض ترغب في التخلص منها في جنتة الاستثمارية؟، إذا كانت الدول العربية الغنية تنادي ليلاً نهاراً على المستثمرين الأجانب أن يحضروا إليها وينالوا ما يشتهون من التسهيلات والإعفاءات.
لن تكون عودة العرب إلى سوريا، او العكس، أكثر من ديكور فارغ، لن يغيّر من حقيقة الأوضاع شيء، العرب يبحثون عما يساعدهم، لا عمن يساعدونه.
——————————-
سوريا تغلي فهل ننظر في الاتجاه الآخر؟/ عمر أنهون
هل الأسد في طريقه ليصبح عضواً في المجتمع الدولي؟ لقد حقق الأسد بعض التقدم فيما يتعلق بالعودة إلى المجتمع الدولي، وهناك العديد ممن يتوقعون عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية بحلول نهاية العام. كانت الإمارات والأردن في طليعة الدول التي مدت الجسور مع الأسد، وهكذا فعلت مصر أيضاً.
على الجانب الغربي، يبدو الاتحاد الأوروبي صامتاً، وها قد صرّحت الولايات المتحدة بأنها لن تطبّع مع الأسد ولا تشجع الآخرين على اتخاذ خطوة كهذه. لكن في المقابل، لا تثير الولايات المتحدة اعتراضات على مبادرات دول المنطقة الساعية إلى التقارب مع الأسد، وهو ما يرونه بمثابة ضوء أخضر. رغم كل ذلك، سوريا ليست قريبة من الحل السياسي والوضع يبدو هشاً. فالأسد يدعي النصر، لكن أكثر من 30 في المائة من أراضي سوريا خارج نطاق سيطرته. ومع ذلك يطالب بالشرعية السياسية بعد أن فاز بنسبة 95.1 في المائة في انتخابات مايو (أيار) التي تجاهلتها الغالبية العظمى من المجتمع الدولي.
تمر سوريا بأزمة اقتصادية عميقة، حيث يعيش ما يقرب من 90 في المائة من السكان تحت خط الفقر. والمعارضة السورية لم تختفِ ولن تختفي، لا في سوريا ولا في الخارج. و«داعش» ما يزال موجوداً ولديه قدرات عملياتية ويواصل توجيه الضربات. ومنطقة إدلب، التي يبلغ عدد سكانها الآن نحو 4 ملايين نسمة، تخضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام»، وهي الجماعة التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها إرهابية، وجماعات أخرى أصغر حجماً لديها نحو 30000 رجل مزودين بمختلف أنواع الأسلحة. وروسيا وإيران لا تزالان مستقرتين في جميع أنحاء سوريا وتطالبان بمكافآت نظير وجودهما هناك وقت الحاجة.
في المقابل، أثارت الطريقة التي انسحبت بها الولايات المتحدة من أفغانستان قلق حلفاء واشنطن في المنطقة، وكان الأكراد أكثرهم خيفة. الآن وبعد أن حصلوا على تطمينات بأنهم لن يتم التخلي عنهم، فقد باتو أكثر ارتياحاً وجرأة. من المحتمل أن يهدف الأكراد إلى التمسك بوضعهم المستقل تحت مظلة الحماية الأميركية. كذلك يتمتع الأكراد بعلاقات ودية مع الروس، ويتعين هنا ملاحظة أن الروس والأميركيين على اتصال وينسقون بشأن قضايا سوريا بشكل عام والأكراد بشكل خاص.
أما تركيا، فمنذ عام 2011، واجهت واحدة من أخطر أزماتها، حيث كانت الهجمات الإرهابية والمكاسب الإقليمية والسياسية لـ«وحدات حماية الشعب الكردية»، «وداعش» وملايين اللاجئين السوريين في طليعة التحديات التي تواصل تركيا مواجهتها. ويعتبر مصدر القلق الأكبر هو ما قد يحدث للمسلحين والمدنيين في إدلب في حالة شن حملة عسكرية شاملة من قبل قوات الأسد وحلفائه الروس. لقد أصبحت سوريا قضية سياسية داخلية ولم يبق على الانتخابات سوى 18 شهراً، وربما حتى قبل ذلك.
تريد تركيا إنهاء الأزمة السورية، لكن بما لا يقوض أمنها ومصالحها. فقد تسببت الأزمة السورية في خلاف بين تركيا مع غالبية حلفائها في تحالف «ناتو» وخلقت انقساماً آخر مع الولايات المتحدة. لكن إدارة الرئيس جو بايدن لا تهتم كثيراً بمخاوف تركيا.
وعلى العكس من ذلك، فإن تبرير الرئيس بايدن للكونغرس لاستمرار حالة الطوارئ الوطنية جاء جراء «شن تركيا لهجوم عسكري في شمال شرقي سوريا؛ مما يقوّض حملة هزيمة (داعش)». إن نهج الرئيس بايدن يشجع «وحدات حماية الشعب»، فقبل أيام وقع هجوم بقذائف الهاون على عنصر أمني تركي في منطقة أعزاز أعقبه انفجار سيارة مفخخة في عفرين.
كانت هذه الهجمات على «وحدات حماية الشعب»، وقال إردوغان «سنتخذ الخطوات اللازمة للقضاء على التهديدات القادمة من سوريا»، وهو ما كان ينظر له على أنه إشارة لعملية عسكرية جديدة.
دمشق وموسكو لا تشعران بالارتياح على أقل تقدير من أي ضغوط تمارس على تركيا؛ إذ يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا والأسد و«وحدات حماية الشعب» في القارب نفسه.
إنسانياً، فرّ نحو 6.6 مليون سوري من وطنهم وأقاموا حياة جديدة في البلدان المضيفة لهم ولن يعودوا، ومع ذلك، قد يعود الباقون حال شعروا بالأمان. ادعى الأسد أنه يتمنى عودة اللاجئين، وعلى الرغم من عودة عمه رفعت بعد 37 عاماً وإرساله رسائل تعبر عن السعادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فمن المحتمل ألا يكون هذا هو الحال بالنسبة لملايين السوريين، وكثير منهم معارضون.
يرغب المجتمع الدولي في إخراج الأزمة السورية من جدول أعماله، ويبدو أن العديد من البلدان مستعدة للنظر في الاتجاه الآخر. الأهم من كل شيء أننا عشنا مع العديد من القادة المزعجين والديكتاتوريين في مختلف البلدان، فلماذا لا نتعايش مع الأسد؟ لماذا لا ننظر إلى الأمر من هذا المنظور»؟ وإن كان هذا لا يضمن السلام الدائم. يكمن الحل المثالي في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 الذي يتضمن جميع العناصر الضرورية. لكن الحل الأمثل قد لا يكون بالضرورة متاحاً.
قد يشعر الأسد وحلفاؤه بأنهم «منتصرون»، وليس لديهم الدافع ولا الإرادة لتطبيق القرار 2254، ولا يخضعون لضغوط من المجتمع الدولي للقيام بذلك. على أي حال، فإن الوضع الحالي في سوريا وحولها غير مستدام، وهناك حاجة إلى خيارات صعبة وتنازلات مؤلمة من جميع الأطراف من أجل تجنب تجدد الأعمال العدائية المسلحة وتكرار مآسٍ جديدة.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»
————————————
واشنطن لن تطبع مع دمشق… ولن تمنع «المطبعين»/ إبراهيم حميدي
البيان الذي أعلنه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن قبل يومين، هو أوضح موقف من مسؤول أميركي إزاء الملف السوري، إذ أنه كشف بوضوح موقف إدارة الرئيس جو بايدن، سواء فيما تضمنه كلام بلينكن أو ما لم يقله، وربما هو الأهم.
ماذا قال؟ أوضح في المؤتمر الصحافي مع نظيريه الإماراتي عبد الله بن زايد والإسرائيلي مائير لابيد، بحسب النص الذي وزعته الخارجية الأميركية، أن أولويات واشنطن، هي: «أولا، توسيع دائرة وصول المساعدات الإنسانية، وأحرزنا بالفعل بعض النجاح، بتجديد الممر المحوري في شمال غربي سوريا. ثانيا، استمرار الحملة مع التحالف ضد داعش والقاعدة في سوريا. ثالثاً، التزامنا المستمر في المطالبة بإخضاع نظام الأسد للمساءلة والحفاظ على المعايير الدولية الأساسية، مثل تعزيز حقوق الإنسان وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل من خلال فرض عقوبات مستهدفة. رابعا، الحفاظ على اتفاقات وقف النار» في سوريا. وأضاف أن المهمة الإضافية الملحقة، هي «المضي قدماً نحو إقرار تسوية سياسية أوسع للصراع السوري تتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254».
واقع الحال أن الفجوة كبيرة بين هذه العناوين والتطورات الحاصلة على الأرض. صحيح أن قرار المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» جرى تمديده في يوليو (تموز) الماضي، لكن الاجتماع الروسي – الأميركي الأخير في جنيف، كشف أن موسكو لا تزال على موقفها بأن تمديد القرار في بداية العام المقبل لستة أشهر أخرى، مشروط بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش و«رضا» روسيا على التقدم في تقديم المساعدات لـ«التعافي المبكر» في أمور تخص بناء البنية التحتية السورية وإيصال «المساعدات عبر الخطوط» بحيث يكون تركيزها من دمشق، وليس من الدول المجاورة.
فجوة الأقوال – الأفعال، تشمل أيضاً الحفاظ على وقف النار. صحيح، أن الثبات لا يزال قائما على خطوط التماس منذ 18 شهراً، لكن الغارات والاشتباكات والتحرشات مستمرة، سواء الروسية في شمال سوريا أو الإسرائيلية في عموم البلاد. واللافت، أن كلام بلينكن صدر بينما كان يقف إلى جانبه لابيد الذي زار موسكو قبل أسابيع تمهيدا لزيارة رئيس وزراء إسرائيلي نفتالي بنيت الأسبوع المقبل، للتأكد من الرئيس فلاديمير بوتين أن لديها «يدا حرة في ملاحقة إيران في سوريا دون الاصطدام مع الجيش الروسي».
الحديث الأميركي عن «وقف النار»، جاء في وقت يستمر القصف والاشتباكات وضربات «الدرون» في شمال شرقي سوريا. صحيح، أن التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على تركيا وقرار بايدن قبل أيام، تمديد القرار التنفيذي الخاص بالعقوبات الصادر في 2019 بعد «توغل» تركيا بين تل أبيض وراس العين وتقديم إدارة بايدن لحلفائها شرق الفرات بعض التطمينات بالبقاء عسكرياً هناك بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، أمور حالت إلى الآن دون حصول عملية جديدة شاملة، لكن المؤشرات الآتية من ميدان شرق الفرات ومن الشرفات السياسية في أنقرة، تدل على تصعيد وتهديدات لوقف النار المعلن بتفاهم أميركي – تركي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
يضاف إلى ذلك، أن الكلام الأميركي عن «الدفع لتسوية سياسية شاملة»، لم يتجاوز إطار التصريحات، ذلك أن بلينكن لم يلتق منذ تسلمه منصبه المبعوث الأممي غير بيدرسن سواء في روما أو نيويورك أو واشنطن، وكأنه أراد القول إن هذا الملف ليس له أهمية. لذلك، لم يكن مفاجئا ألا يتطرق الوزير الأميركي في بيانه إلى الاجتماع المقبل للجنة الدستورية في جنيف بعد غد، حيث ستعقد لأول مرة اجتماعات دورية بين رئيسي وفدي الحكومة والمعارضة بحضور المبعوث الأممي للبدء بـ«صوغ» مبادئ دستورية.
المنتظر سياسيا، كان الموقف الأميركي من التطبيع العربي مع دمشق، هو قال: «ما لم نفعله ولا ننوي فعله، التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل الأسد، أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا المعارض لإعادة الإعمار في سوريا حتى يجري إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي الذي نعتقد أنه ضروري وحيوي». وهذه مبادئ تتفق عليها واشنطن مع بروكسل ولندن وباريس وبرلين، ومعروفة بـ«اللاءات الثلاث»، أي: «لا إعمار، لا تطبيع، لا رفع للعقوبات قبل تحقيق تقدم بالعملية السياسية».
كلام الوزير الأميركي جاء بينما كان وزير الخارجية الإماراتي إلى جانبه، وبعد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن ولقائه بايدن. ولا شك أن عمان وأبوظبي أكثر المتحمسين للتقارب مع دمشق. لذلك، فإن الجديد في موقف بلينكن، هو أن الموقف أميركي ولا يرمي إلى أن يسير عليه الحلفاء في المنطقة. أي، أن واشنطن، على عكس ما كان عليه الحال في زمن إدارة الرئيس دونالد ترمب، ستعلن موقفها ومبادئها لكنها لن تقود حملة دبلوماسية وسياسية لإقناع حلفائها ولن تعاقب الخارجين عنه، ولن تعمل على تنسيق المواقف بينهم ثنائيا أو داخل المؤسسات الدولية، إزاء الملف السوري، كما حصل في خطوات التطبيع السياسية أو عودة دمشق إلى «منظمة الصحة العالمية» و«الإنتربول».
أسباب كثيرة لهذا الموقف، أحدها الانكفاء من الشرق الأوسط عموماً، إضافة إلى حجم المقاومة الذي تتلقاه سياسة بايدن إزاء سوريا داخل المؤسسات الأميركية. وهناك أمثلة كثيرة لذلك، ذلك أن عضوين في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أعلنا موقفاً مضادا لـ«التطبيع العربي» ومطالبين الإدارة بمنعه. كما أن أعضاء بارزين تواصلوا مع دول عربية، محذرين من الاستعجال بالتطبيع مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية وسط توقعات بتقدم الجمهوريين، وسط تقديم مشروع قرار لـ«حرب شاملة» ضد شبكات المخدرات في سوريا التي تشكل حدود الأردن «المفتوحة» إحدى نوافذها. لذلك، ليس مفاجئاً أن تجد الخارجية صعوبة كبيرة في تلبية طلبات عمان والقاهرة بتقديم وثيقة رسمية تفيد بأن مد «أنبوب الغاز العربي» عبر سوريا، لن يكون خاضعا للعقوبات و«قانون قيصر».
الشرق الأوسط
—————————–
تحركات حذرة: توقعات منطقة الشرق الأوسط خلال الربع الأخير من عام 2021
مؤسسة ستراتفور
تحركات حذرة:
عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
أصدر مركز “ستراتفور”، تقريراً يتضمن أبرز التوقعات في مناطق العالم المختلفة خلال الربع الأخير من عام 2021، فيما تم تسليط الضوء على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- تجنُّب التصعيد السياسي وتعزيز الروابط الاقتصادية: بحسب التقرير، فمن المتوقع أن تتراجع المنافسة بين الدول العربية السُنّية مع تركيز الحكومات على النمو الاقتصادي ووضع خلافاتها الأيديولوجية جانباً، وسيؤدي ذلك إلى علاقات تجارية أفضل، ولكن ليس إلى قرارات استراتيجية أعمق. ومن شأن السعي إلى إعادة بناء الروابط الاقتصادية من خلال تعزيز السياحة المتبادلة وتشجيع الاستثمارات وتيسير التجارة أن يحفز المنافسين في منطقة الشرق الأوسط فيما عدا إيران، إلى تجنُب السياسات الخارجية التي قد تقوض الأعمال التجارية أو تقوض ثقة المستثمرين في بلدانهم.
2-تعثر متوقع لمفاوضات البرنامج النووي الإيراني: أوضح التقرير أنه على الرغم من توقع استمرار مشاركة الولايات المتحدة وإيران في مفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، فمن غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق خلال الربع الأخير من العام الجاري، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى استمرار طهران في سياسة حافة الهاوية.
ومن المرجح، وفق التقرير، أن تحافظ حكومة إيران الجديدة في عهد الرئيس “إبراهيم رئيسي” على مطالب متشددة مرتبطة بإلغاء جميع العقوبات في المفاوضات بمجرد استئناف العمل بالاتفاقية من جديد، ومن المرجح أن ترفض التخلي عن كل معداتها النووية التي تم بناؤها على مدى الأعوام القليلة الماضية. وهذا يعني أن معظم العقوبات ستظل قائمة حتى نهاية العام، مما يحد من كمية النفط التي ستصدرها إيران حتى نهاية العام.
وبالإضافة إلى مواصلة إيران التقدم في برنامجها النووي المحلي، فإنها سوف تحافظ على سلوكها الإقليمي من حيث دعم بعض المليشيات بالوكالة في المنطقة، والانخراط في الحرب الإلكترونية ضد الخصوم، وممارسة المضايقات البحرية في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على نفوذها ضد شركائها في المفاوضات، ولكن عندما تُستأنف المفاوضات على الأرجح في الربع الأخير من العام الحالي، فإن حدة سلوكها العدواني، قد تخف وطأته.
3- إحجام تركيا عن استقبال موجة أخرى من لاجئي أفغانستان: يُتوقع أن يقوم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بسن سياسات مصممة لمنع موجة أخرى من اللاجئين القادمين من أفغانستان هذه المرة من دخول البلاد. وسوف يعمل الحزب على تعزيز وتوسيع الحواجز المادية على طول حدوده مع إيران، وتشجيع الساسة المحليين على تنفيذ تدابيرهم الخاصة لردع المهاجرين الجدد، تاركين اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في إيران والعراق، بل وربما قد يمتد الأمر إلى دفعهم للعودة إلى أفغانستان.
4- اتجاه النظام التركي لتبني سياسة خارجية حذرة: وفق التقرير، سوف تحاول الأحزاب السياسية في تركيا الاستفادة من الاتجاه المتصاعد ضد الحكومة الحالية، لكسب مؤيدين جدد قبل الانتخابات الوطنية، المقرر إجراؤها في عام 2023. وفي الخارج، سوف يكون حزب العدالة والتنمية أكثر حذراً في سياسته الخارجية؛ حيث سيسعى إلى بناء الروابط كلما أمكن ذلك ومحاولة تجنب المواجهات العسكرية في الخارج في أماكن مثل سوريا وأذربيجان وليبيا. غير أنه من غير المرجح أن تتراجع أنقرة عن هذه الالتزامات الحالية، مما يعني أن البلد قد يجد نفسه منغمس في مناوشات سببتها أطراف محلية على أرض الواقع.
5- استقرار سياسي متوقع للحكومة الإسرائيلية الجديدة: بحسب التقرير فإنه من المتوقع أن يستتب الوضع وتستقر الحكومة الإسرائيلية خلال الربع الأخير من العام الحالي، وسوف تُركز على التهديدات من جانب حماس وإيران. من المرجح أيضاً أن تتمكن الحكومة الإسرائيلية من تمرير ميزانية عام 2022 لأن أعضاءها المنتمين إلى تيارات سياسية مختلفة سوف يسعون إلى تجنب إجراء انتخابات عامة مبكرة من شأنها أن تسمح لرئيس الوزراء السابق “بنيامين نتنياهو” بالعودة إلى السلطة.
ورغم أن إسرائيل سوف تحافظ على استراتيجيتها المتشددة الجديدة ضد حماس في غزة، والتي سوف تستجيب فيها الحكومة بسرعة وبقوة أكبر لهجمات المتشددين على جنوب إسرائيل، فإن إسرائيل وحماس سوف تعملان على تهدئة مثل هذه التوترات لتجنب العودة إلى الحرب. وستعمل إسرائيل أيضاً مع مصر والأردن ودول الخليج، على دعم السلطة الفلسطينية اقتصادياً، في محاولة لمنعها من فقدان السيطرة على الوضع الأمني في الضفة الغربية.
6- تصاعد الحرب الخفية بين إسرائيل وإيران: بحسب التقرير، سوف تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة من أجل توثيق التعاون بشأن العمليات السرية ضد إيران، ووكلائها وبرنامجها النووي، رغم أنها سوف تظل حذرة من القيام بأعمال قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية أو تقوض استراتيجية الولايات المتحدة لإعادة التفاوض على صفقة نووية مع طهران.
7- تفاقم التوترات السياسية بين المغرب والجزائر: سيواصل المغرب والجزائر مناوشتهما الدبلوماسية، مما يؤثر سلباً على التعاون في جميع أنحاء المغرب العربي. ويتوقع أن تصل التوترات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر إلى مستويات جديدة، الأمر الذي يهدد بإحداث اضطرابات تجارية للمغرب والجزائر حتى ولو كان من غير المرجح أن يؤدي إلى عدوان عسكري صريح بين الجارتين.
التنافس بين الجزائر والرباط، الذي تضاءل بشكل كبير على مدى العقدين الماضيين، سوف يزداد حتى نهاية العام، حيث من غير المرجح إلى حد كبير أن يحل البلدين نزاع الصحراء الغربية الذي يفرق بينهما. بيد أنه من المستبعد أن يحدث صراع عنيف بين البلدين، ولكن من الممكن حدوث اشتباكات ومناوشات بين القوات المغربية وقوات جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر على طول الجدار الرملي في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، بحسب التقرير. وسيؤدي النزاع المتفاقم إلى تعطيل المفاوضات بشأن صادرات الغاز الجزائرية إلى المغرب قبل انتهاء عقد خط أنابيب رئيسي في 31 أكتوبر، مما سيؤدي إلى خطر حدوث نقص في الكهرباء في المغرب.
8- عجز الانتخابات البرلمانية عن تحقيق الاستقرار في العراق: وفقاً للتقرير، فإنه من المتوقع أن ينتُج عن الانتخابات في العراق وليبيا ممثلين حكوميين جدد مع قدرة محدودة على تخفيف معاناة بلدانهم. ومن غير المرجح أن يحل البرلمان الذي سيخرج من الانتخابات العامة المبكرة في العراق في شهر أكتوبر التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد. وعلى الرغم من أن إجراء الانتخابات مبكراً، هو استجابة لمطالب المجتمع المدني، فإن العديد من النشطاء سوف يقاطعون التصويت، وسوف يزعمون أن هذا الموقف قد جاء نتيجة لأن الانتخابات غير حرة وعادلة، وهو ما من شأنه أن يقلل في نهاية المطاف من الولاية الشعبية للبرلمان الجديد ويضاعف من عجزه عن الاستجابة للقضايا الاقتصادية في العراق.
كما أوضح التقرير أن الأحزاب السياسية المنحازة إلى الميليشيات الإيرانية المدعومة مستعدة للاحتفاظ بعدد كبير من مقاعدها في البرلمان الجديد، بما يضمن احتفاظها بمركزها السياسي البارز في بغداد وتأثيرها على القطاع الأمني في العراق.
9- عدم استقرار سياسي في ليبيا في حال تأجيل الانتخابات: أشار التقرير، أنه وبالنظر إلى الأوضاع في ليبيا، فسوف يستمر المسؤولون في إحراز تقدم نحو إجراء انتخابات طال انتظارها. ففي ديسمبر من المفترض أن تشهد البلاد انتخاب واختيار رئيس وبرلمان. وعلى الرغم من نجاح إقرار القانون الرئاسي اللازم لإقامة الانتخابات، فإن البرلمان وغيره من الهيئات السياسية لا تزال تتنازع وتختلف حول إمكانية إنشاء قانون جديد للانتخابات وتمرر ميزانية موحدة. وهذا أمر ضروري لإجراء الانتخابات بصورة كاملة. وإذا لم يتم عقد الانتخابات في موعدها، فإن الانقسام داخل مؤسسات البلاد سوف يظل قائماً، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم خطر استمرار الصراع المدني وإعاقة قدرة الحكومة على الاستجابة لحاجة ليبيا إلى الانتعاش الاقتصادي.
10- محاولات طالبان ادعاء كبح جماح الجماعات الإرهابية: وفقاً للتقرير، سيشمل جزء هام آخر من استراتيجية طالبان الأمنية كبح جماح الجماعات الإرهابية مثل القاعدة في أفغانستان، وستنخرط طالبان في الدبلوماسية الدولية، لإقناع العالم بأنها لا توفر ملاذاً آمناً للجماعات الجهادية والإرهابية، حتى وإن كانت هذه التحركات تجميلية دون أن يكون لها أي تأثير يذكر على سياساتها وأيدولوجيتها الحقيقية.
وختاماً، أشار التقرير أنه من المرجح أن يكون نجاح حركة طالبان متواضعاً، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الدول الغربية، وذلك لأن بعض الحكومات والمنظمات الغربية سوف تجدد مساعدتها الإنسانية لأفغانستان، إلا أنها سوف تمتنع عن مساعدة طالبان على جبهات أخرى.
المصدر:
– 2021 Fourth-Quarter Forecast, Stratfor, September 27, 2021, Accessible at: https://worldview.stratfor.com/article/2021-fourth-quarter-forecast
الكلمات المفتاحية:
الشرق الأوسط
———————————
التأكيد على التزامات الولايات المتحدة في الخارج: النظرة من “مجلس سوريا الديمقراطية“
أندرو جيه. تابلر, ديفيد بولوك
تحليل موجز
يرحب “مجلس سوريا الديمقراطية” بالدعم الأمريكي المستمر لـ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وعلى الرغم من المقارنات المحبّذة مع الوضع في أفغانستان، إلا أن إدارة بايدن أشارت إلى أنها لن تنسحب من شمال شرق سوريا في المستقبل القريب. محادثة مع رئيسة “اللجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية” إلهام أحمد واثنين من خبراء معهد واشنطن حول دور الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، ومفهوم التهديد الكردي، وتأثير الانسحاب من أفغانستان، وغير ذلك.
“في 27 أيلول/سبتمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع إلهام أحمد وأندرو تابلر وديفيد بولوك. وأحمد هي رئيسة “اللجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية”، الهيئة الحاكمة لـ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وتابلر هو “زميل مارتن ج. غروس” في “برنامج غيدولد للسياسة العربية” التابع للمعهد. وبولوك هو “زميل برنشتاين” في المعهد ومدير “مشروع فكرة”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
يسعى “مجلس سوريا الديمقراطية” إلى التوصل إلى حل سياسي دائم للصراع الدائر في سوريا، من خلال الدعوة إلى حوار داخلي، والوصول في النهاية إلى اللامركزية السياسية والثقافية التي تحترم التنوع في البلاد وتدعم التنمية الاقتصادية. وتحقيقاً لهذا الهدف، يُعتبر الدعم المستمر من شريكتنا الولايات المتحدة أمراً بالغ الأهمية. فـ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” تواجه العديد من العوائق، بما فيها انعدام الأمن والفقر والتدخل الخارجي والإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، تعثرت عملية السلام في جنيف وهو الأمر بالنسبة للعملية الدستورية. بإمكان الولايات المتحدة المساهمة في التخفيف من وطأة هذه المشاكل في ظل سعيها إلى أن تصبح سوريا دولة أكثر استقراراً وخالية من الاستبداد، والنزاعات بالوكالة، والإرهاب.
ومما يثير القلق بشكل خاص على الصعيد المحلي هي التحديات القائمة على غرار تراجع قيمة العملة، والحصار، والمعابر الحدودية المغلقة، والبنية التحتية السيئة للموارد الطبيعية، والعلاقات المتوترة مع نظام الأسد. فقد رفض النظام محاولات التوصل إلى حلول ولا يزال يعارض قبول اللامركزية. وحتى أنه اعتقل أكراداً سورييين بسبب هويتهم فقط. ومع ذلك، فإن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” منفتحة على التوصل إلى حل مع النظام.
ومن التحديات الأخرى الماثلة هي الاقتتال السياسي بين الفصائل الكردية، بما في ذلك مع «إقليم كردستان العراق». ففي نهاية المطاف، تشكّل هذه الفصائل قضية كردية موحدة بل متنوعة، ولا بدّ من حل مشاكلها الداخلية عبر الحوار. ومع ذلك، لا يجب السماح للخلافات الكردية بأن تؤخر إجراء الانتخابات المقبلة لـ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، لأن ذلك سيحرم العرب والآشوريين وغيرهم من الذين يعيشون في شمال شرق سوريا من فرصة الإدلاء بأصواتهم.
وتطرح عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» تهديداً آخر لشمال شرق سوريا، وسائر أرجاء العالم. فالفقر المنتشر محلياً سيساعد بلا شك جهود التجنيد التي يقوم بها التنظيم. وبالمثل، تنتشر الإيديولوجيات المتطرفة أكثر فأكثر في السجون التي تضم مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» وفي المخيمات التي تأوي عائلاتهم. وتفتقر “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” إلى البنية التحتية لضمان أمن هذه المواقع بشكل مناسب، كما أن المجتمع الدولي عارض [حتى الآن] إعادة هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم رغم زيادة عدد سكان المخيمات بسبب معدلات الولادة. على الدول المعنية – ولا سيما العراق – تكثيف جهودها لإعادة مواطنيها ودمجهم من جديد من أجل تخفيف العبء الذي يُثقل كاهل “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
ومن المشاكل الأخرى الأساسية هي العداء تجاه تركيا في سوريا. وتحتل تركيا حالياً عدة أجزاء من البلاد، وتقوم بتشريد سكان عفرين وتل أبيض، وتعمل ضد الأكراد تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”. كما أن استخدامها للطائرات بدون طيار في سوريا هو انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا والولايات المتحدة وأدى إلى سقوط ضحايا في صفوف «قوات سوريا الديمقراطية» (“قسد”).
ومع ذلك، لا تكنّ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” العداء لتركيا. ومن أجل تحقيق السلام مع الدول المجاورة، فإنّ “مجلس سوريا الديمقراطية” على استعداد للدخول في حوار مع أنقرة، ربما تحت إشراف الولايات المتحدة. يجب أن تتناول هذه المحادثات الاحتلال التركي للأراضي السورية، كما يجب السماح للأفراد المشردين بالعودة إلى ديارهم في المناطق المحتلة حالياً. يجب على أنقرة أيضاً الدخول في حوار مع الأكراد الأتراك، الذين يعانون من السياسات العنصرية وسجن مسؤوليهم المنتخبين.
وفي سياق متصل، لا يحظى «حزب العمال الكردستاني»، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية، بأي تمثيل في “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وعلى الرغم من أن “مجلس سوريا الديمقراطية” ممتن لـ «حزب العمال الكردستاني» لجهوده في مكافحة الإرهاب في سنجار، وكركوك، وإأربيل، وغيرها من المناطق، إلا أن “الإدارة الذاتية” لا تضم أي عناصر من «حزب العمال الكردستاني».
كما يجب التصدي لتدخل روسيا وإيران وإسرائيل في النزاع السوري. وقد طلب “مجلس سوريا الديمقراطية” من روسيا أن تعمل كضامن لمحادثات مستقبلية محتملة مع نظام الأسد، وقد أعربت موسكو عن اهتمامها بذلك. يجب أن تبذل المزيد من الجهات الفاعلة قصارى جهودها لإنهاء الحرب، مع الاعتراف بأن التدخل الخارجي قد يتراجع إذا أمكن التوصل إلى اتفاق مع النظام. وفي النهاية، يجب أن يكون الحوار السوري شأناً داخلياً، ولا يجدر استغلال البلاد كمسرح للنزاعات بالوكالة بين القوى الإقليمية والعالمية.
وأخيراً، يرحب “مجلس سوريا الديمقراطية” بالدعم الأمريكي المستمر لـ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وعلى الرغم من المقارنات المحبّذة مع الوضع في أفغانستان، إلا أن إدارة بايدن أشارت إلى أنها لن تنسحب من شمال شرق سوريا في المستقبل القريب. وفيما يتخطى الدعم العسكري ودور الوساطة المحتمل، فستساهم واشنطن أيضاً في مجالات البنية التحتية والمبادرات المدنية لمكافحة الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تعفي شمال شرق سوريا من العقوبات للمساعدة على تعزيز الاقتصاد في المنطقة. وبشكل عام، يقدّر “مجلس سوريا الديمقراطية” شراكته مع الولايات المتحدة إلى حدّ كبير ويترقب المزيد من الدعم الأمريكي.
كان “مجلس سوريا الديمقراطية” حليفاً أساسياً للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب. كما يجب الإشادة به لنجاحه النسبي في حكم منطقة تسكنها فئات متنوعة من الناس. وقد صمد “المجلس” حتى الآن إلى حد كبير أمام التوقعات الدولية الكئيبة بالانهيار التي أعقبت الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية في عام 2019.
وخلال الفترة القادمة، من شأن مصادر الإيرادات المستقرة أن تعزز قدرة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” على المساومة داخل سوريا. يُذكر أن بعض الأحداث التي حصلت في الآونة الأخيرة – بما فيها إغلاق المعابر الحدودية وإلغاء رخصة النفط المحلية لشركة “دلتا كريسنت إنيرجي” – تنبئ بمشاكل في هذا المجال. ومع ذلك، لا تعتزم الولايات المتحدة مغادرة شمال شرق سوريا في المستقبل القريب، خاصة بعد أن أكّد مجدداً الانسحاب سيئ التخطيط من أفغانستان أن مثل هذه الخطوات لا تعود بالفائدة على الولايات المتحدة أو حلفائها. وعلى نحو أوسع، يجب أن تنتهي الحرب بطريقة تعزّز الحلول المستدامة وتسفر عن هزيمة ساحقة للمتطرفين.
تلعب تركيا دوراً مهماً بشكل خاص في الرواية السورية. فلأنشطتها العسكرية في الشمال تداعيات خطيرة على “مجلس سوريا الديمقراطية”، والأكراد السوريين، و”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، وسوريا بشكل واضح. وعلى الرغم من سجل التعاون مع أكراد سوريا قبل عام 2015، إلا أن الغزو والاحتلال الذي أقدمت عليهما تركيا في الآونة الأخيرة سيفاقمان أي جهود لإحياء التعاون. ومن بين الأسئلة الذي تطرح نفسها هنا، هل سيكون “مجلس سوريا الديمقراطية” على استعداد للتصالح مع أنقرة؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن ترعى مثل هذا التقارب؟ هل تستطيع روسيا القيام بذلك؟
وحتى الآن، لم تحقق واشنطن سوى نجاحاً متواضعاً في موازنة المصالح المتضاربة لتركيا – حليفتها في منظمة “الناتو” – من جهة وشركائها الأكراد السوريين من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى إيجاد مثل هذا التوازن ستبقى بالتأكيد عاملاً مهماً في المرحلة القادمة.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، يركز بحوثه على سوريا والمصالح الأمريكية في بلدان المشرق العربي.
ديفيد بولوك زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط.
———————–
هل أصبح الأردن في خطر بعد تقاربه مع النظام السوري؟/ د. فيصل القاسم
كي لا يفهم أحد أن النظام الأردني بانفتاحه على سوريا يتصرف بإرادة وطنية لمصلحة وطنية، لا بد من التذكير أولاً أن لا أحد يستطيع أن يحرك حجراً في المنطقة دون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي، وهذه من المسلمات والبديهيات، فهل يعقل أن يتحدى الملك عبد الله واشنطن وتل أبيب ويقدم على التقارب مع دمشق بهذه البساطة؟ طبعاً لا، فلا شك أنه أخذ الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، حيث قدم مبادرة للإدارة الأمريكية لحل الأزمة السورية، لكن الأمريكيين لم يتحمسوا لها كثيراً، إلا أنهم على ما يبدو تركوا العاهل الأردني يفتح حدوده مع دمشق دون اعتراض واضح، لكن بالدرجة الأولى لتسهيل مرور الغاز الإسرائيلي إلى لبنان عبر سوريا. ومن المعروف أن الأمريكيين لا يمكن أن يقدموا أية هدايا لأحد دون هدف أو ثمن.
فما هو الهدف يا ترى من ترك النظام الأردني ينفتح على النظام السوري؟ هل فعلاً لمساعدة الأردن المأزوم اقتصادياً ومعيشياً؟ قد تبدو الأسباب موضوعية، لكن هل فعلاً سمح الأمريكيون لعمان بتذويب الجليد مع دمشق فقط كنوع من العطف على النظام الأردني الذي يواجه أزمة داخلية منذ فترة بسبب انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أم إن لواشنطن وتل أبيب مآرب أخرى، خاصة وأن واشنطن غضت الطرف من قبل عن لبنان والعراق خلال العشر سنوات الماضية وتركت بيروت وبغداد تنفتحان على النظام في دمشق رغم العقوبات الأمريكية والدولية؟ لكن تعالوا نشاهد ما جرى للبنانيين والعراقيين على أثر التقارب مع الشام.
كلنا يعرف أن لبنان ظل بمثابة الرئة التي كان يتنفس منها النظام السوري على مدى فترة الحرب رغم أن بيروت رفعت شعاراً سخيفاً لا يساوي ثمن الحبر المكتوب به، وهو «النأي بالنفس» لكن لبنان لم يبتعد مطلقاً عن سوريا أثناء تلك الفترة، فكلنا يعرف أن الحدود كانت مفتوحة بدليل أن حزب الله كان يرسل آلاف المقاتلين لمساعدة الجيش السوري، ناهيك عن أن لبنان وخاصة مرفأ بيروت قبل تفجيره كان تحت إمرة حزب الله وإيران وبالضرورة النظام السوري لتوريد البضائع والسلاح لدمشق. ولا ننسى أن البنوك اللبنانية كانت المصدر والملاذ المالي الأول للنظام السوري وحيتانه الكبار. وقد اعترف بشار الأسد نفسه بأنه فقد أكثر من أربعين مليار دولار بعد أن أغلقت البنوك اللبنانية أبوابها أمام عملائها اللبنانيين والسوريين والأجانب. ولا شك أن المبلغ الذي ذكره بشار أصغر بكثير من المبالغ الحقيقية التي يحتفظ بها السوريون في البنوك اللبنانية، لكنه على صغره يبقى كبيراً بالنسبة للاقتصاد السوري الهزيل.
ماذا حدث للبنان بعد تعاونه مع نظام الأسد على مدار الأزمة؟ هل ما وصل إليه من انهيار على كل الأصعدة كان بسبب فشل الطبقة السياسية في إدارة البلاد يا ترى؟ أم إن وصول لبنان إلى هذا الوضع الكارثي سياسياً واقتصادياً ومعيشياً كان عقاباً أمريكياً بالدرجة الأولى بطريقة غير مباشرة؟ هل أغلقت البنوك اللبنانية أبوابها بقرار لبناني؟
هل تم تجميد المليارات السورية في المصارف اللبنانية بأمر لبناني أم أمريكي؟ هل انهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار هكذا أم بسبب الضغوط الأمريكية على لبنان؟ ثم هل انفجر مرفأ بيروت الرئة التي يتنفس منها لبنان والنظام السوري بسبب وجود نترات الأمونيوم المخزنة فيه، أم إنه تم تفجير المرفأ لتضييق الخناق على لبنان وإيران والنظام السوري وإيصال بيروت إلى حافة الهاوية والحرب الأهلية من جديد كما نرى الآن في شوارع بيروت؟ وكي لا نقول بشكل مباشر إن أمريكا عاقبت لبنان على تعاونه مع النظام السوري، لماذا يا ترى وصلت الأمور في بلاد الأرز إلى هذا الحد الكارثي؟ هل هي اللعنة السورية؟ ولو أن لبنان كان الوحيد الذي أصابته لعنة الأسد لقلنا إن الأمر لا علاقة له بالتقرب من سوريا، بل كان نتيجة لتراكمات وسياسات فاشلة قديمة، لكن لو نظرنا إلى العراق سنجد أنه أيضاً دفع ثمن تقاربه مع سوريا نفس الثمن الذي دفعه لبنان.
لاحظوا أن العراق كان على مدار سنوات الحرب في سوريا ممراً للمقاتلين والوقود والأموال إلى دمشق، وكان عوناً للنظام في دمشق طبعاً بأوامر إيرانية. لكن اللعنة السورية أيضاً ضربت العراق الذي تشبه أوضاعه أوضاع لبنان رغم أن لديه ميزانية ضخمة، مع ذلك يعاني الشعب العراقي ما يعانيه الشعب اللبناني معيشياً واقتصادياً، فلا كهرباء ولا ماء نظيف والعملة العراقية متدهورة والأوضاع الاجتماعية بشكل عام تحت التحت. أليس من الغريب أن كل من تعاون مع النظام السوري على مدى العقد الماضي وصلت أحواله إلى الحضيض؟ هل كان ذلك حدثاً عرضياً، أم عقاباً أمريكياً؟
وعلى ضوء الحالتين اللبنانية والعراقية، هل يمكن أن نسأل الآن إذا كان الأردن قد أصبح في خطر بعد انفتاحه على دمشق؟ الإرهاصات ليست جديدة على الساحة الأردنية، فقبل فترة تعرض النظام الأردني إلى ما يشبه الانقلاب الداخلي واتهم العاهل الأردني أطرافاً خارجية. ولا شك أن مثل هذه التطورات لا يمكن أن تمر دون علم أمريكي وإسرائيلي؟ فهل يكون الانفتاح على دمشق حلقة جديدة في مسلسل التدهور الأردني؟ هل سيكون خلاصاً للنظام الأردني من الأزمة الاقتصادية أم إن أوضاعه قد تزداد سوءاً كما حدث للبنان والعراق؟ صحيح أن أمريكا غضت الطرف عن الانفتاح اللبناني والعراقي والأردني على دمشق، لكن العبرة في النتائج. انظروا ماذا حدث للعراقيين واللبنانيين. فهل تغافلت واشنطن عن التقارب الأردني السوري لنفس الأهداف التي جعلتها تتغافل عن التقارب اللبناني والعراقي مع دمشق ثم ضربت ضربتها؟ هل سيحصل الأردن على قبلة الحياة بعد فتح حدوده مع الشام وتقاربه مع الأسد أم سيحصل على قبلة الموت؟ لننتظر ونرى.
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
———————————
اجتماع روسي-أميركي-إسرائيلي حول سوريا وإيران
كشف السفير الإسرائيلي في موسكو ألكسندر بن تسفي عن أن بلاده اتفقت مع روسيا والولايات المتحدة على عقد لقاء بين رؤساء مجالس الأمن القومي في الدول الثلاث لمناقشة الوضع في سوريا وإيران.
وقال السفير الإسرائيلي لوكالة “سبوتنيك” الروسية: “حتى الآن لا يوجد سوى فكرة، ولم يتم تحديد الموعد أو المكان بعد”. وأضاف “نحن على استعداد لاستضافة الوفود، لكن هذا لم يتقرر بعد”. وتابع أنه قد يتم الاتفاق على الاجتماع بعد محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في مدينة سوتشي في 22 تشرين الأول/أكتوبر.
وأضاف “آمل أن يعود رئيس وزرائنا الآن ويكون قادراً في النهاية على اتخاذ القرار. في هذه المرحلة لا يوجد سوى اتفاق وتفاهم على أن هذا الاجتماع سيتم، وستشمل المواضيع سوريا وإيران وقضايا أخرى في منطقة الشرق الأوسط”.
في السياق، قال ديوان رئاسة الحكومة إنه “بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيزور رئيس الوزراء مدينة سوتشي، في 22 تشرين الأول، حيث سيبحث الزعيمان سلسلة من القضايا الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية، التي تتعلق بالبلدين، كما سيبحثان قضايا إقليمية مهمة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني”.
ويتوقع أن يتم أثناء الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات بين الدولتين اللتين تحتفلان هذا العام بالذكرى ال30 لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، والتي علق وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عليها بالقول إن “أمن إسرائيل بالنسبة لروسيا مبدئي”.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد كشف لوكالة “سبوتنيك”، عن أن إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة تدرس إمكانية استئناف المشاورات الثلاثية على مستوى رؤساء مجالس الأمن، وقد يعقد الاجتماع المقبل في تشرين الأول/أكتوبر.
وقال لبيد إن إسرائيل لا تنوي تحمّل الوجود الإيراني في سوريا، ولا يمكن أن تتسامح مع “تصديرها الإرهاب في المنطقة”، معتبراً أن إيران عاملٌ مزعزعٌ للاستقرار في سوريا، ولا يمكن لإسرائيل أن تتسامح مع وجودها وتصديرها الإرهاب في المنطقة لا على المدى القصير ولا الطويل”.
وحول القصف الإسرائيلي الذي تتعرض له المواقع الإيرانية في سوريا، أشار لبيد إلى أن إسرائيل تعمل بشكل وثيق جدًا مع الشركاء الروس، “حتى لا يتطور ذلك إلى تصعيد خطير”.
المدن
————————
السوريون وأحزاب المعارضة التركية:هدنة مدفوعة بقلق أوروبي؟/ مصطفى محمد
تواصل مجموعة من النشطاء والإعلاميين السوريين عقد اللقاءات مع الأحزاب السياسية التركية المعارضة، وسط ظهور مؤشرات إلى دور أوروبي في تنظيم هذه اللقاءات، في ظل خشية دول أوروبية من تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى أراضيها، جراء تصاعد الاحتقان الشعبي وتنامي الخطاب المعادي للاجئين في تركيا.
فبعد أيام من لقاء مندوبي أحزاب سياسية سورية معارضة ونشطاء وإعلاميين بزعيم حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض كمال كليجدار أوغلو، عُقد في إسطنبول أيضاً، لقاء ثانٍ مع ممثلي الأحزاب السياسية التركية والمنظمات التركية، بحضور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا.
ويبدو أن المنحى التصاعدي لخطاب الكراهية الذي ساد الشارع التركي الشعبي، دفع بالاتحاد الأوروبي إلى دعم تنظيم مثل هذه اللقاءات، وذلك بغية تهدئة مخاوف اللاجئين السوريين، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقررة في العام 2023.
وفيما تحدثت مصادر عن تنسيق أوروبي لعقد اللقاءات بين الأحزاب التركية المعارضة والنشطاء السوريين، بدليل حضور نائبة مدير مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تركيا إيباك ميسجي أوغلو. نفى أكثر من عضو من المجموعة المشاركة في تلك اللقاءات.
وقال الناشط الحقوقي السوري والمنسق للقاءات طه الغازي إنه “لا وجود لأي دعم أوروبي لهذه اللقاءات، واللقاءات كانت مطروحة منذ أكثر من عامين، لكن ما أخر عقدها حتى الآن الظروف التي فرضتها جائحة كورونا”.
وأضاف ل”المدن”، أن كل ما يتم تداوله عن دعم أوروبي، ليس دقيقاً، “فكرة الانفتاح على الأحزاب السياسية التركية، ليست وليدة اليوم، والمشروع غير ممول أبداً، وقد يكون الغرض من إشاعة هذه الأنباء هو نزع الاستقلالية عن التوجه الجديد”.
وقال الغازي إن “تمويل المشروع يعني عدم استقلاليته، والغاية الأساسية إظهار الجانب الإنساني للاجئين السوريين في تركيا”، مستدركاً: “لسنا ضد التنسيق مع الاتحاد الأوروبي، لكن حتى الآن لم يحصل ذلك”.
بدوره، أكد الصحافي السوري زكي الدروبي عدم تلقي المجموعة المشاركة في اللقاءات تمويلاً من الاتحاد الأوروبي أو من جهة ثانية. وأضاف ل”المدن”، “لا معلومات لدينا إن كان هناك تنسيق أوروبي مع الطرف المقابل، أي الأحزاب السياسية التركية المعارضة”.
وحسب طه الغازي، تناول اللقاء الأخير حيثيات اللقاء بالسيد كليجدار أوغلو، إلى جانب تقديم مقترحات عديدة، حول ضرورة تأمين بيئة اجتماعية آمنة للاجئين السوريين.
مصادر أخرى شككت بأهداف أحزاب المعارضة التركية من اللقاءات هذه، مؤكدة أن اللقاء بالسوريين لا يعني تبديل الخطاب المعادي للاجئين الذي تتبناه هذه الأحزاب لغايات متعلقة بالانتخابات واستقطاب الشارع التركي.
ومؤخراً، زادت الأحزاب السياسية التركية من استخدام القضية الإنسانية للاجئين في تركيا، في الصراع السياسي مع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وهو ما زاد من مخاوف اللاجئين السوريين، وخصوصاً في حال خسارة “العدالة والتنمية” للانتخابات.
والحال كذلك، يعتقد طيف واسع من السوريين، أنه من الضروري تفعيل قنوات الحوار مع كل الأحزاب السياسية التركية، وعدم اقتصارها على الحكومة الحالية ممثلة ب”العدالة والتنمية”.
وحول ذلك، يؤكد الغازي أن اللقاءات مع الأحزاب السياسية التركية مستمرة. ويقول: “الواجب تحييد قضية اللاجئين السوريين في تركيا عن الصراعات و النزاعات بين التيارات و الأحزاب السياسية ، و عدم استخدام السوريين كورقة انتخابية بين الحين و الآخر من قبل تلك الأحزاب”.
الحوادث “العنصرية” المتكررة تجاه اللاجئين السوريين في تركيا الذين يقارب عددهم ال4
ملايين، تزيد من الشعور بعدم الاستقرار، مما يضطرهم إلى محاولة البحث عن ملجأ بديل، في ظل غياب بوادر للحل القريب في سوريا.
————————————-
روسيا تتحدث عن «فشل في التصدي» لغارات إسرائيل وسط سوريا
مصادر في تل أبيب تشير إلى «تقلص جديد في الوجود الإيراني»
موسكو: رائد جبر – تل أبيب:«الشرق الأوسط»
أفاد بيان عسكري روسي بأن تحليقاً للطيران المدني فوق الأجواء السورية منع القوات الحكومية من مواجهة الغارات الإسرائيلية على مواقع قرب تدمر قبل أيام.
وحمل هذا الربط إشارة من جانب موسكو وفقاً لخبراء، إلى «زيادة مخاطر استمرار الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية»، في حين بات معلوماً أن هذا الملف سيكون مطروحاً خلال المناقشات المنتظرة الأسبوع المقبل بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت.
وقال نائب مدير مركز «حميميم» لمصالحة الأطراف المتناحرة في سوريا، فاديم كوليت، إن «القوات السورية عجزت عن إشراك منظوماتها للدفاع الجوي لصد الهجوم الذي شنّته الأربعاء 4 مقاتلات إسرائيلية بسبب وجود طائرتين مدنيتين في السماء فوق المنطقة».
وأوضح العسكري الروسي أن «4 مقاتلات تكتيكية إسرائيلية من طراز (F – 16) دخلت المجال الجوي لسوريا لأربع دقائق في الفترة بين 23:35 إلى 23:39 من يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) في منطقة التنف المحتلة من الولايات المتحدة بمحافظة حمص، حيث شنّت ضربة على مصنع لتكرير خام الفوسفات في منطقة تدمر، كما دمرت برج اتصالات».
وتابع كوليت: «أسفرت ضربة الطيران الإسرائيلي عن مقتل عسكري سوري وإصابة 3 آخرين، كما تم إلحاق أضرار مادية بالمصنع».
وذكر أن «القيادة العسكرية السورية اتخذت قراراً بعدم استخدام وسائل الدفاع الجوي بسبب وجود طائرتي ركاب مدنيتين كانتا في منطقة نيران منظومات الدفاع الجوي تنفّذان رحلتين من دبي إلى بيروت ومن بغداد إلى دمشق خلال هجوم الطيران الإسرائيلي».
وتعد هذه المرة الأولى التي يوضح فيها الجيش الروسي تفاصيل عن أسباب فشل التصدي للغارات الإسرائيلية، في حين كانت وزارة الدفاع قد أصدرت عدة بيانات في الأسابيع الأخيرة تناولت فيها نجاح الدفاعات السورية المدعومة بقدرات دفاعية روسية في مواجهة الغارات الإسرائيلية.
ورأى خبراء روس أن الحديث عن المخاطر على الطيران المدني، يشكّل مقدمة لتوسيع موسكو حملاتها ضد استمرار الغارات الإسرائيلية على سوريا. وهذه نقطة خلافية اتسع النقاش بشأنها في الفترة الأخيرة بين موسكو وتل أبيب، وكانت محوراً لنقاشات مستفيضة خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى موسكو الشهر الماضي، عندما اتفق الطرفان على تنشيط التنسيق العسكري وإطلاق قنوات للحوار بين الطرفين في كل الملفات المتعلقة بسوريا.
وشكلت تلك الزيارة تمهيداً للزيارة المقررة لبنيت إلى موسكو الأسبوع المقبل، حيث من المنتظر أن يعقد جولة مناقشات مع بوتين. وقالت مصادر روسية إن ملف الغارات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع في سوريا سيكون مطروحاً على الطاولة، مع عدد من الملفات الخلافية الأخرى.
وكان لافتاً أن وسائل الإعلام الروسية ركّزت خلال الأيام الأخيرة على «صعوبات تعترض الحوار الروسي – الإسرائيلي» على الرغم من أن موسكو وتل أبيب حاولتا تجاوز الملفات الخلافية من خلال لابيد.
ولفتت مصادر روسية إلى عقبات تعترض محاولات تقريب وجهات النظر، أولاها تتعلق بالوضع حول التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، على خلفية استياء موسكو من التصريحات المتشددة لرئيس الوزراء الإسرائيلي حيال فرص استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. والنقطة الخلافية الثانية تتعلق بموقف تل أبيب من جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني. لكنّ العقبة الأكثر تأثيراً تتعلق بالشأن السوري، على خلفية عدم تمكن الطرفين من تحقيق تقدم في مسألة وقف الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على الأراضي السورية. كما يُنتظر أن يشكّل الموقف الجديد لبنيت حول خطط تكثيف النشاط الاستيطاني في الجولان، نقطة تباين جديدة. وكانت موسكو قد أكدت موقفها بشأن وضع الجولان كأراض سورية محتلة ورفض التصرفات الإسرائيلية أحادية الجانب وعدّها غير شرعية.
وكتب معلقون روس أن موسكو تواجه حالياً صعوبة جدّية في التوفيق بين دعم الرئيس السوري بشار الأسد والسكوت عن الضربات الإسرائيلية لمواقع في سوريا. خصوصاً في إطار مساعيها لإطلاق نقاشات مع الأطراف الإقليمية والدولية حول ملامح التسوية النهائية المحتملة في هذا البلد.
رغم ذلك، نقلت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» عن فريدريك هوف المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية الأميركية في الشأن السوري، قناعة بأن الطرفين سوف يعملان على تثبيت التفاهمات الروسية – الإسرائيلية السابقة حول الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا.
في الإطار ذاته، كتب معلقون روس أن موسكو باتت تشعر أكثر من السابق بصعوبة المحافظة على «التوازن الصعب» الذي أقامته في سوريا. لجهة «الحرص على استمرار العلاقة مع إيران من جهة، ومع إسرائيل من الجهة الأخرى».
وتراقب موسكو الوضع الميداني بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة بحذر، على خلفية انتشار معطيات عن تلويح «قيادة غرفة عمليات حلفاء سوريا»، بـ«ردٍّ قاسٍ» على «الاعتداء الإسرائيلي الأخير في سوريا» حسبما نقلت وسائل إعلام موالية لإيران.
وكانت وكالة «يونيوز»، قد نقلت عن قيادة غرفة عمليات حلفاء سوريا (التابعة لإيران) أنها «اتخذت قراراً بالرد القاسي على العدوان على تدمر»، موضحاً أن «الأهداف التي هاجمتها الطائرات الإسرائيلية هي مراكز خدمات وتجمّع للشباب».
وذكرت تقارير استخبارية في إسرائيل، أمس (الجمعة)، أن «هناك عدة إشارات ميدانية تدل على أن الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، أدت إلى تقليص حجم قواتها هناك وتقليص ملموس في تحركاتها».
وعرضت هذه التقارير نموذجاً معبراً عن هذا الاستنتاج فيما يدور حول منطقة مطار دمشق الدولي. وكما تقول مصادر استخبارية في تل أبيب وعدة عواصم أوروبية وغربية، فإن إيران قلصت وجودها في منطقة هذا المطار وأعادت قسماً كبيراً من نشاطها إلى مطار «تي – 4» الواقع شرقي مدينة حمص في الشمال. وقد نقل المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أمس، على لسان مصادر استخباراتية غربية أنه قد تم تقليص عدد عناصر الميليشيات الموالية لإيران في سوريا إلى النصف، في الأسابيع الأخيرة، من 20 ألفاً إلى 10 آلاف.
وكتب هرئيل: «ليست صدفة أن الغارات الإسرائيلية في سوريا، خلال العام الحالي، لم تستهدف مطار دمشق تقريباً. ففي بداية عام 2019 أجْلت إيران قواتها من منطقة مطار دمشق، إثر تزايد الهجمات الإسرائيلية. وبعد سنة، عادوا إلى هذه المنطقة، ومؤخراً برز مرة أخرى أنهم قلصوا وجودهم هناك». وقال إن هذا التقليص تم أولاً بسبب الغارات الإسرائيلية وثانياً بسبب الصعوبات التي تواجه طهران في تمويل مشروعها السوري، رغم ارتفاع أسعار النفط. وثالثاً، التقليص نابع من ضغوط مارسها الروس والسوريون على الإيرانيين، لأنه بالنسبة إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كانت الغارات الإسرائيلية على مطار دمشق «مصدر إحراج». وإثر ذلك أعاد الإيرانيون قسماً كبيراً من نشاطهم إلى مطار «تي – 4».
وأشار هرئيل إلى أن «مصادر إسرائيلية تميل عادةً إلى إبراز وربما تضخيم التهديد من الانتشار الإيراني في أنحاء المنطقة، بغرض تبرير غاراتها وتأكيد رفضها للتموضع الإيراني والأخطار الصادرة عنه. لكن يبدو أن الحقيقة هي أنه تجري تغيرات في هذه التوجهات على مر السنين، وأن إيران تواجه صعوبات، خصوصاً في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس قاسم سليماني».
يُذكر أن إسرائيل كانت قد أعلنت في شهر يونيو الماضي، عن تصعيد إيراني في خططها لتعزيز وجودها في سوريا. وفي حينه شنت غارات كثيفة بدعوى أنها تستهدف مخازن أسلحة ومواقع عسكرية تسببت في سقوط ما لا يقل عن 57 قتيلاً من قوات النظام ومجموعات موالية لإيران، وهي حصيلة تُعد الأعلى منذ بدء الضربات الإسرائيلية في سوريا. وجاء ذلك في وقت كشف فيه الجنرال عاموس يدلين، أحد قادة سلاح الجو الإسرائيلي السابقين، أن هذه الغارات التي استهدفت المنطقة الواقعة على مقربة من الحدود العراقية، تشكّل «مرحلة أعلى في ضرب التموضع الإيراني»، مشيراً إلى أن الضربات تبعث برسائل إلى كل من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، والرئيس السوري بشار الأسد، إضافةً إلى طهران.
الشرق الأوسط
—————————
“من مرحلتين ونقاط أولوية”.. صحيفة: توقعات حول العملية التركية المرتقبة
تستحوذ العملية العسكرية التي هدد بتنفيذها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في شمالي سورية، على حديث وسائل الإعلام التركية هذه الأيام.
ونشرت صحيفة “ملييت” تقريراً، اليوم السبت، قالت فيه إن الجيش التركي بدأ بإرسال تعزيزات إلى طول حدوده الجنوبية مع سورية، في مؤشر عن قرب تلك العملية، التي لم تتبلور صورة تفاصيلها حتى الآن.
وجاء في تقرير الصحيفة الذي ترجمه فريق “السورية.نت”، أنه “من المتوقع أن تهدف العملية إلى السيطرة على عمق 30 كيلومتراً في المنطقة الحدودية، بدءاً من تل أبيض ورأس العين ووصولاً إلى جرابلس غرباً والخط الحدودي مع العراق شرقاً”.
وكان مسؤولان تركيان قد أشارا لوكالة “رويترز”، أمس الجمعة إلى أن أنقرة تستعد لإطلاق العملية العسكرية ضد “وحدات حماية الشعب”، وذلك في حال فشلت محادثاتها مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
في المقابل جدد أردوغان تهديده، لافتاً إلى أن تحرك بلاده العسكري المرتقب سيكون “مختلفاً” عن السابق.
وبينما تتصاعد حدة التهديدات التركية، لم يصدر أي تعليق من جانب روسيا أو أمريكا حتى اللحظة، وهما الدولتان “الضامنتان” للاتفاق الأخير الذي أعقب عملية “نبع السلام”.
وبحسب صحيفة “ملييت”، من “المتوقع أن تتكون العملية البرية المحتملة من مرحلتين وأن المناطق التي قد تشكل خطراً على الجيش التركي سيتم ضربها في المقام الأول”.
“نقاط أولوية”
واستعرضت الصحيفة في تقريرها خمس “نقاط أولوية” سيتم النظر إليها في حال اتخاذ قرار تنفيذ العملية بشكل معلن.
النقطة الأولى هي مدينة تل رفعت، وتشير الصحيفة إلى أنها تشهد انتشاراً لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، بالإضافة إلى “الوحدات”، وذلك منذ عام 2016.
وتوضح أنه “من خلال السيطرة على هذه المنطقة، سيتم منع الهجمات ضد القوات المسلحة التركية إلى حد كبير”.
بينما تتمثل نقطة الأولوية الثانية بمدينة منبج في ريف حلب الشرقي، وتصفها الصحيفة أنها “ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا. في حال السيطرة عليها ستكون السيطرة سهلة على عين العرب (كوباني) سهلة أيضاً”.
أما النقطة الثالثة فهي مدينة عين العرب(كوباني) التي تقع على الحدود التركية “هي مهمة لأنها تربط مناطق سيطرة المعارضة غربي الفرات بمناطق سيطرتهم في شرقي الفرات”.
و”النقطة الرابعة هي مدينة عين عيسى، والتي تقع في ريف الرقة الشمالي على طرق حلب- الحسكة الدولي (m4). تريد القوات التركية السيطرة عليها من أجل تعزيز وجودها على الطريق السريع ومنع الهجمات”.
في حين تعتبر مدينة تل تمر آخر النقاط التي تحدثت عنها الصحيفة التركية، مشيرةً إلى أنها “منطقة استراتيجية، ومركز نقل مهم ما بين الحسكة والرقة. هي أحد الأماكن التي انتشر فيها النظام والقوات الروسية بعد عملية نبع السلام للقوات المسلحة التركية”.
وكثفت وسائل إعلام تركية الأسبوع الماضي تغطياتها الإخبارية، ونشرها لتحليلاتٍ عسكرية وسياسية، تتعلق بالتطورات في شمال سورية، خاصة بعد أردوغان، الاثنين الماضي عن أنه “لم يعد لدينا صبر اتجاه الاماكن التي هي مصدر الهجمات الارهابية ضد بلدنا من سورية. نحن مصممون على القضاء على التهديدات التي تنطلق من هذه المناطق”.
وشنت تركيا عمليتين عسكريتين كبيرتين في سورية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكل “الوحدات” عمادها العسكري، وهي “غصن الزيتون” في منطقة عفرين شمال غربي حلب في يناير/كانون الثاني 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وقبل ذلك كانت العملية الأبرز للجيش التركي في سورية هي “درع الفرات” التي أفضت لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” سنة 2016 من مناطق واسعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي بين جرابلس عند نهر الفرات وصولاً للراعي وشرق اعزاز، ولخسارة “قسد” بعض المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتها في هذه المناطق، إضافة لحرمانها من وصل مناطق سيطرتها في منبج، بعفرين التي كانت تحت نفوذها في ذلك الوقت.
——————————-
======================
تحديث 19 تشرين الأول 2021
———————————–
الولايات المتّحدة وجهود إحياء نظام الأسد/ علي حسين باكير
نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع المنصرم مقالاً رئيسياً للغلاف تحت عنوان “بشار الأسد يعود إلى المسروح العالمي.. هزيمة للولايات المتّحدة وانتصار لأعدائها”. المقال كتبه توم أو كونور ويقول فيه إنّ بشار الأسد لم يكتف بالصمود والبقاء بعد أن تحوّل إلى منبوذ على الساحة الدولة لحوالي عقد من الزمان، وإنما يبدو مستعداً للعودة بقوة إلى المسرح الدولي.
يشير توم إلى أنّ الأسد يقف قوياً على ركام دولة محطمة لديها القليل من الخيارات البديلة للقيادة. وبمساعدة الحليفين القدامى إيران وروسيا، تمكن الأسد من استعادة جزء كبير من سوريا من أيدي المتمردين والجهاديين الذين حاولوا الإطاحة به. الآن، وإدراكًا للواقع، بدأت العديد من الدول التي قطعت علاقاتها بالأسد قبل ١٠ سنوات ترحّب بعودته من جديد وذلك على الرغم من معارضة الولايات المتّحدة الأمريكية لحكمه.
هذا المقطع يشير الى حجم المغالطات الرهيبة التي يتمّ تسويقها في الإعلام الغربي (العالمي) عن سوريا وما آلت إليه الثورة السورية. صناعة “رواية الثورة السورية” لما جرى ويجري هناك منذ ما يزيد على الـ١٠ سنوات هي جزء من الخدمات الجليلة والعظيمة التي قدّمتها الولايات المتّحدة والدول الغربية لنظام الأسد وحلفائه. فلا الأسد قوي، ولا الجهاديون هم من قرروا الإطاحة به، ولا الفضل الأكبر في بقائه يعود إلى روسيا وإيران، ولا الولايات المتّحدة تعارض بقاءه بشكل حقيقي، ولا حلفاء واشنطن يطبّعون معه ذاتياً رغماً عن إرادة الولايات المتّحدة ودون علم أو معرفة أو حتى ضوء أخضر منها.
آن الأوان لكي يتم حذف هذه البروبغندا الأمريكية في سلة المهملات. كتابة التاريخ مسؤولية، والحفاظ على الحقائق وعلى السيرة الصحيحة لما جرى في سوريا مسؤولية أكبر خاصّة إذا ما أراد السوريون إبقاء الأمل بالتغيير قائماً لديهم. إدارة أوباما السابقة لها الفضل الأكبر في بقاء نظام الأسد حتى الساعة. صحيح أنّ إيران تدّخلت عسكرياً منذ اليوم الأوّل للثورة في محاولة للدفاع عن حليفها، لكنّها اضطرت هي الأخرى إلى طلب المساعدة من روسيا عندما كان الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط. ولا أعتقد أنّ هناك من نسي تصريحات لافروف حول خشية موسكو من إقامة نظام يحكم باسم أغلبية السوريين (أي السنّة).
لكنّ الذي سمح لإيران بإرسال الآلاف من المرتزقة الموالين للحرس الثوري الإيراني علاوةً على جنودها إلى سوريا، وأمّن لها الحصانة من الملاحقّة، وقوّض جهود المنتفضين فضلاً عن الدول المنافسة لإيران في سوريا، هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وليس أي أحد آخر. أوباما كان يريد التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران وتحقيق إرثه العظيم الذي لم يسبقه إليه أحد مهما كان الثمن. لقد قدّم سوريا كواحدة من القرابين الرئيسية على مذبح الاتفاق النووي.
لم يكتف أوباما بذلك، بل منع كل جهد حقيقي لمعاقبة الأسد على خرقه كل الخطوط الحمر بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وحتى خرق الاتفاق الكيماوي الذي تمّ مع إدارته برعاية روسيا. أوباما كان العائق الرئيسي أمام أي دعم حقيقي للثوّار، وتسببت سياسته بالسماح للأسد بخلق البيئة المناسبة لإنشاء وإنتشار التطرف والإرهاب، وقد قامت إدارته بتوظيف هذه النتيجة في تطوير تعاون مع دول مثل إيران وروسيا بحجّة محاربة الإرهاب، وإرغام أخرى كدول الخليج على الانخراط في هذا التحالف وتناسي موضوع الأسد وإيران. وبذلك نجح أوباما في تحويل الموضوع من ثورة ضد الأسد والنفوذ الإيراني إلى تحالف مع هذه الأطراف والأطراف الموالية لها في حرب ضد الإرهاب.
ولضمان عرقلة اللاعب الأكبر والأكثر قدرة على التأثير في مصير الأسد في المنطقة، قامت إدارة أوباما بالتحالف مع ميليشيات (واي بي جي) الكردية ضد تركيا، ودعت عملياً روسيا إلى ملء الفراغ في سوريا. وتحوّلت سوريا بذلك إلى إرث دموي لإدارة أوباما. فموقف إيران وروسيا في نهاية المطاف مفهوم لناحية دعم حليفهم الأسد، لكنّ إدارة أوباما ضحت بسوريا للتقارب من إيران وإيجاد مجالات عمل مشتركة مع روسيا، وتقويض دور تركيا.
لا تختلف أولويات إدارة بايدن الحالية كثيراً عن أوباما. إيران مرّة أخرى في دائرة الاهتمام، والتقارب معها يفترض تقديم المزيد من القرابين تماماً كما فعل أوباما. خلال أقل من عام على قدومها إلى البيت الأبيض، قدمّت إدارة بايدن جملة من التنازلات على شكل قرارات أو على شكل تسويات أو على شكل غض نظر. ومن الواضح أنّ هذه التنازلات ضخّت الروح من جديد في دور إيران الإقليمي ودور أذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعد فترة قصيرة من التراجع نهاية عهد ترامب نتيجة سياسة الضغط القصوى التي مارسها.
التصريحات الإيرانية الرافضة لإستئناف المفاوضات تشير إلى أنّ هذه التنازلات ليست كافية. ولإبداء المرونة اللازمة، لم تعترض إدارة بايدن على انفتاح الدول العربية على نظام الأسد، وتحاول تسويق هذه الجهود على أنّها جهود فردية نابعة من حسابات ذاتية لا علاقة للولايات المتّحدة بها. بدورها، تقوم الدول العربية بتسويق خطاب آخر مفاده أنّ الانفتاح على نظام الأسد هو للحد من نفوذ طهران وتأثيرها عليه. كلا الخطابين مخادعان ويستخدمان كذريعة لتبرير الانفتاح على نظام الأسد.
الحقيقة أنّ هذه الدول تدور في الفلك الأمريكي، فإذا كان هناك إيمان حقيقي بقانون قيصر، وإذا كانت الإدارة جادة في تطبيقه وفي رفضها عودة نظام الأسد، فمن السهل جداً اتخاذ إجراءات تحول دون ذلك. في نهاية المطاف، الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتخذت عقوبات بحق حلفاء لها في الناتو وشركاء تاريخيين كتركيا عندما أرادت عرقلة جهود أنقرة لتطوير سياسة خارجية ودفاعية أكثر استقلالية، ولذلك فهي أكثر من قادرة على اتخاذ خطوات بشأن الدول التي من المفترض أنّها تخالف مصالحها وتوجّهاتها في سوريا.
قبيل فترة وجيزة طُرح مشروع لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. من الواضح أنّ المشروع جاء بناءً على مبادرة أمريكية بالأساس لأنّه من غير الممكن تفعيله عبر نظام الأسد من دون موافقة أمريكية في ظل العقوبات الموجودة. المشروع بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد وكان له دور في تحفيز دول مثل الأردن على الانفتاح على الأسد. يقع المشروع في صلب التخادم مع إيران وإن تمّ الترويج له بخلاف ذلك.
سيتيح هذا المشروع تمويل عودة الأسد وتهيئة الأجواء للتطبيع الإقليمي معه من بوابة الاقتصاد والطاقة، وسيساعد ذلك على تخفيف التزامات التمويل الإيرانية للأسد وحلفائه من خلال الاعتماد على شركاء آخرين من الدول العربية. فضلاً عن ذلك، سيفتح المشروع بوابة للتطبيع مع إسرائيل، التي تبيع الغاز بدورها إلى مصر!
من الواضح أنّ مشروع نقل الغاز الذي يتم الترويج له هو بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد عبر البوابة التقنية. وقد حفّزت هذه الخطوة من دون شك دولا مثل الأردن على الانفتاح على الأسد كجزء من محاولات إنقاذ الوضع الاقتصادي الداخلي. لكن الدول الأخرى مثل الدول الخليجية ليست في وضع حرج اقتصادياً، وليس لانفتاحها على الأسد أي علاقة بالوضع الاقتصادي. فإذا افترضنا جدلاً أنّ واشنطن غضّت الطرف عن قرار الأردن بسبب وضعه الداخلي، فما هي المبررات المتعلقة بالآخرين؟
خلاصة القول، أن واشنطن تريد أن تعود إلى اللعبة ذاتها، وحضورها من بوابة التطبيع عبر الآخرين يحقق لها موطئ قدم أكبر دون أن تكون في الواجهة، ويؤمن لها في نفس الوقت تحقيق تسويات مع إيران وروسيا من خلال تقديم تنازلات على شكل انفتاح عربي على نظام الأسد وتسهيل للعقوبات المفروضة، بانتظار ردود الفعل والخطوة التالية ليبنى على الشيء مقتضاه.
عربي 21
———————————–
كوّة في جدار العزلة/ أرميناك توكماجيان
تُنبئ وتيرة الاتصالات المتسارعة بين الأردن وسورية، بما في ذلك الاتصال الهاتفي غير المسبوق بين الرئيس بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبدالله في 3 تشرين الأول/أكتوبر، بتحوّل مهم في سياسة المملكة حيال الشأن السوري. يأتي ذلك على خلفية نأي الولايات المتحدة بنفسها عن شؤون الشرق الأوسط، ويبدو أنه يعكس قناعةً متنامية لدى بعض الدول العربية بأن الحوار مع نظام الأسد أفضل لصون مصالحها من ممارسة الضغوط السياسية عليه أو الانتظار إلى ما لا نهاية أملًا في حدوث تغيير في السلوك السوري.
تغيّرت سياسة الأردن في الملف السوري بعدما استعاد نظام الأسد سيطرته على جنوب سورية في صيف العام 2018 بمساعدة روسيا. أُنهي التمرد في الجنوب، وانتهى معه الدعم الذي كانت عمّان تُقدّمه للمتمردين. ثم حاول الأردن استئناف علاقاته الاقتصادية مع جارته الشمالية، لكن هذه المحاولات اصطدمت بعوائق عدة أبرزها القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بعزل سورية سياسيًا واقتصاديًا، والذي توقّعت من حلفائها، ومنهم الأردن، الامتثال له. ولم تكن لدى الأسد، بدوره، مصلحة في الانفتاح اقتصاديًا على عمّان من دون أن يترافق ذلك مع تقارب سياسي.
لكن أمورًا كثيرة تغيّرت منذ ذلك الحين. فقد بدا نظام الأسد بأمان حتى منتصف العام 2020، حين بدأت سورية تواجه أزمة اقتصادية عميقة بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان الذي كان بمثابة رئتها الاقتصادية، وفرض عقوبات عليها بموجب قانون قيصر، والتشريعات التي أقرتها الولايات المتحدة لمعاقبة نظام الأسد. لكن هذا الأخير لم يتزعزع، ولم يحرّك ساكنًا لتسهيل التوصل إلى حل سياسي في سورية.
وفي ضوء تعنّت الأسد وتفاقم المأزق الاقتصادي في سورية، أصبح سقوط النظام احتمالًا ممكنًا. دفع هذا السيناريو، وما قد يترتب عنه من فوضى في مختلف أنحاء البلاد، دولًا عربية عدة، وعلى رأسها الأردن، إلى تغيير موقفها من دمشق. تستند هذه النظرة الجديدة إلى إقرار ضمني بأن سياسة تغيير النظام في سورية، أو تغيير سلوكه، لم تحقّق النتائج المنشودة.
لكن التبدّل في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كان السبب الأهم وراء هذا التحوّل. فابتعاد إدارة بايدن عن المنطقة، وإدراج مناطق أخرى في رأس أولوياتها، وتساهلها النسبي تجاه سورية، وفّرت مجتمعةً سياقًا مؤاتيًا لسلوك الأردن مسارًا مغايرًا. وقد أبدى الرئيس بايدن أيضًا تساهلًا أكبر إزاء الأولويات الأردنية. وفي هذا الصدد، تحدّث الملك عبدالله، بعد لقاء جمعه مع الرئيس الأميركي في واشنطن في تموز/يوليو الماضي، عن تحوّل أساسي في التعاطي مع الملف السوري، وقال في مقابلة مع قناة سي إن إن: “إن النظام السوري باقٍ […] والدفع باتجاه الحوار بصورة منسّقة أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه”.
اتّضح أن انتظار حدوث تغيير جذري في دمشق غير مجدٍ، لا بل بدا أيضًا خيارًا خطيرًا على ضوء احتمال سقوط النظام. فكما أوضح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة أُجريت معه الشهر الفائت: “لا يمكن الاستمرار في مقاربات أثبتت عدم جدواها. نحن في المنطقة من يدفع ثمن استمرار الأزمة السورية”
ما استُخدم سابقًا من مقاربات لم يوفّر حلولًا لأولويات الأردن الأساسية حيال الملف السوري، وهي تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في جنوب سورية، وإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية، ومكافحة تهريب المخدرات، ومعالجة مسألة وجود قوات إيرانية وأخرى موالية لإيران في المنطقة الحدودية الأردنية السورية. صحيحٌ أن تطبيع العلاقات بين الأردن ونظام الأسد لن يقدّم حلًّا سحريًا لكل هذه القضايا الشائكة، لكنه يبقى خيارًا أفضل للأردنيين لسببٍ واحد على الأقل.
ويتمثّل هذا السبب في أن أهمية انخراط الأردن مع سورية يمكن أن تشكّل ورقة ضغط على دمشق لدفعها إلى مراعاة بعض المصالح والمخاوف الأردنية الرئيسة. ويبدو الأسد حريصًا على العودة إلى كنف الدول العربية لاستعادة الشرعية وتمهيد الطريق أمام تطبيع علاقاته مع سائر دول المنطقة، ما قد يفسح بدوره المجال أمام رفع العقوبات الغربية عن سورية، وربما الحصول على تمويل عربي لإعادة إعمار البلاد.
يُعتبر الأردن على خط المواجهة مع سورية، لكن الخطوات التي يتخذها الآن تعكس قرارًا عربيًا أوسع نطاقًا بإعادة الانخراط مع الأسد، وقناعةً متنامية بأن ذلك قد يعود بفوائد ملموسة. لكن الدول العربية لم تتوصّل إلى موقف موحّد حيال هذه المسألة، إذ صرّح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مؤخرًا بأنه لم يلمس حتى الآن وجود توافق عربي حول عودة سورية إلى الجامعة العربية. مع ذلك، يبدو أن الكفة ترجح للجهات الداعمة لإعادة إحياء العلاقات مع سورية، كما بدا جليًا في الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فقد كانت تلك المرة الأولى منذ عقد من الزمن التي يلتقي فيها عشرة وزراء خارجية عرب، بمن فيهم وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والعراق، بوزير الخارجية السوري.
في الواقع، سيشكّل التقارب السوري الأردني سابقةً تحتذي بها دول عربية أخرى، ناهيك عن دول من خارج المنطقة. ويبقى أن ننتظر لنرى إلى أي مدى سيكون الأسد مستعدًا، أو قادرًا، على تقديم التنازلات مقابل الحصول على الشرعية وإعادة دمج سورية في فلك الدول العربية. لكن الأكيد أن النظام السوري تمكّن من فتح كوّة في جدار عزلته السياسية، حين عمد إلى إحياء علاقاته مع الأردن بالتزامن مع قرار الولايات المتحدة أن تشيح بنظرها عن منطقة الشرق الأوسط.
مركز كارينغي للشرق الأةسط
——————————
ورقة ملك الأردن السورية وماتريوشكا الروسية/ بشير البكر
تشبه ورقة ملك الأردن عبد الله الثاني للحل في سوريا الأوراق التي تقدمها المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، لإصلاح الأوضاع الاقتصادية في الدول التي تعاني من مصاعب مزمنة. وفي أغلب الأحيان، تمتاز أوراق المنظمات الدولية بالتعقيد والغموض، ولا يفهم منها سوى أنها تهدف إلى إعادة الهيكلة، ويضطر المعنيون للقبول بها، طالما أنها تقدم نفسها على أنها حاملة حلول، بغض النظر عن بقية التفاصيل.
وتتسم الورقة التي أسماها الملك الأردني اللاورقة بالعموميات المقصودة والمدروسة جيدا، وهي على غاية في البراعة، لجهة محو معالم الحالة السورية، وتجريدها من كل ما تحمله من أهوال ركبتها خلال عقد من الدم، وتقديمها على نحو بارد مقطوعة عن مسار كارثي، أسفر عن نكبة لم يعرفها شعب منذ نكبة فلسطين عام 1948، التي ترتب عليها تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإقامة دولة إسرائيل.
لو قال الملك تعالوا إلى صلح عشائري، على طريقة “عفا الله عما سلف” كان يمكن فهم ما جاء في اللاورقة، أما وأنه كلف نفسه عناء السفر بين واشنطن وموسكو، وفي جعبته مشروع حل لم يأت به الآخرون، فإن ذلك يبعث على الغضب من هدر الوقت بلا هدف أو معنى، بعد أن سار على مسعى الحل مبعوثون دوليون منذ كوفي أنان وحتى غير بيدرسون، مرورا بالأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا. والثلاثة الأوائل انسحبوا من المهمة بعد الفشل في إقناع النظام وروسيا وإيران بحل سياسي للمسألة السورية، فهذه الدول الثلاث لا تبحث عن حل، بل تريد فرض الاستسلام على السوريين، كي يقبلوا بإعادة تأهيل بشار الأسد، من دون أي مساءلة عن الجرائم التي ارتكبها خلال عقد. ويردد الروس كل يوم منذ مؤتمر فيينا في نهاية أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، الذي جاء بعد تدخلهم بزمن قصير، أنهم لا يقبلون برحيل الأسد، ومن يطالب برحيله من السوريين سوف يدمرونه، وهذا ما حصل طيلة ستة أعوام مع القوى السورية المقاتلة.
الديباجة التي يقدمها الملك عبد الله تسير على خطين. استحالة رحيل نظام الأسد. وضرورة الحل السوري. وبالنسبة للغالبية السورية فإن هذين الخطين متوازيان، ولا يمكن أن يلتقيا، وبالتالي فإن العنوان الصحيح هو، استحالة الحل السوري من دون رحيل نظام بشار الأسد. أما سياسة الخطوة مقابل خطوة فقد تم تجريبها من قبل الإبراهيمي، وتعب المبعوث الدولي الحالي من الدوران حولها، وكلما اقترب من بداية الطريق وجد أمامه روسيا التي تعطل كل مسعى، وتربط التقدم بتنازلات من طرف المعارضة فقط، أما النظام فهو لم يتزحزح ويتقدم حتى نصف خطوة. ومن المعروف أن موسكو هي التي رفضت مبدأ المقايضة خطوة مقابل خطوة، بما في ذلك عروض سخية من بعض أطراف المنطقة التي كانت مستعدة لعقد صفقة مربحة مع روسيا مقابل رحيل الأسد، ولكن حسابات موسكو ترى أن الأسد حصان رابح، ولم يحن الوقت للتخلي عنه في المدى المنظور، ولم يبق أمامها سوى جولة أخيرة من أجل تعويمه، وهذه الجولة أقل كلفة بكثير من الجولات التي دارت من أجل إنقاذ نظامه من السقوط، وتدمير قوة المعارضة.
تحاول المعارضة السورية، ومن يدعهما إقليميا ودوليا، التعاطي مع الحل السياسي، وتحت الضغوط الروسية، وتراجع الدعم، قبلت بما هو أدنى ما يمكن، وأنفقت الأعوام الثلاثة الأخيرة وهي تجري وراء الأوهام الروسية التي لا تنتهي، وكلما شبعت من وهم فتحت موسكو شهيتها على سراب جديد. تكتيك يشبه تصميم الدمية الروسية المعروفة باسم “ماتريوشكا”، التي تكون أصغر دمية فيها طفل من خشب، وهو في هذه الحالة بشار الأسد أصل المشكلة.
تلفزيون سوريا
———————————–
المبادرة الأردنية والوجع السوري/ عبد الباسط سيدا
من البيّن الذي لا يحتاج إلى التذكير به دائماً أن المبادرات العلنية، أو السرّية، التي طرحتها الدول المنغمسة في الموضوع السوري مباشرة، أو دول الإقليم التي تأثرت بالوضع السوري، أو تلك التي تريد أن تستفيد منه، إنما ترمي إلى تحقيق تسويةٍ ما بحسابات تلك الدول، ووفق مصالحها، ومن دون أي مراعاةٍ لحجم التضحيات التي قدّمها السوريون من أجل مستقبلٍ حرٍّ كريم لهم ولأجيالهم المقبلة. وهي مبادرات تُغلّف عادة بعمومياتٍ بات تكرارها مملاً عقيماً، خصوصا أنها عمومياتٌ لا يُختلف حولها؛ وإنما كل الخلاف حول التفاصيل التي تظل بعيدة عن التحديد الصريح، وذلك في سياق سعي كل طرف إلى إظهار نفسه في موقع الحريص على مصلحة السوريين، وربما أكثر من السوريين أنفسهم.
تتقاطع المبادرات والتصريحات والتسريبات الخاصة بالملف السوري، ومنها مبادرة العاهل الأردني، عبدالله الثاني، حول محاربة الإرهاب، والتخفيف من معاناة السوريين المعيشية، وإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين إلى المناطق التي هجّروا منها، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وضرورة اعتماد الحل السياسي الذي يحافظ على وحدة سورية وسيادتها. ولكن حين الانتقال إلى مستوى التفاصيل، والحلول الملموسة المقترحة لمعالجة الموضوع السوري، نرى بوناً شاسعاً بين معاناة السوريين وتطلعاتهم وما يدعو إليه أصحاب تلك المبادرات، فالحل السياسي كان، وسيظل، هو المطلوب منذ بداية الثورة في مارس/ آذار 2011؛ ولكن السؤال عن أي حل سياسي نتحدّث. هل سيكون عبر الإبقاء على من أدخل المليشيات والقوات الأجنبية إلى سورية؛ ومارس الإرهاب، ومهّد الطريق أمام الإرهاب في حربه على الشعب السوري؛ التي تسببت في تدمير العمران والبنية التحتية، وقتل نحو مليون سوري، وتهجير أكثر من نصف الشعب، وشل الاقتصاد الوطني، وفرض البؤس المعيشي على الغالبية الساحقة من السوريين؟ أم أن هذا الحل سيقوم على تحديد أسباب المشكلة بغية معالجتها عبر إيجاد الحلول الواقعية الممكنة التي تضمن الأمن والاستقرار، وتطمئن الناس عبر المصالحة الوطنية الفعلية، وتعزّز الآمال بإمكانية تحسين شروط العيش المشترك وقواعده وآفاقه؟
ما حصل، ويحصل، في سورية منذ أكثر من نصف قرن أن زمرةً سلطويةً قد تمكّنت من التحكّم بمفاصل الدولة والمجتمع بفعل الجيش والأجهزة الأمنية، واستطاعت، مع الوقت، ترتيب أوراقها مع القوى الإقليمية والدولية، لتحظى بصفقة التحكّم برقاب السوريين وموارد بلدهم مقابل أدوار وظيفية أدّتها، وهي على استعداد لتأدية مزيد منها، وذلك بموجب صفقة، أو صفقات جديدة، تراعي المتغيرات التي كانت، أو التي ستكون مستقبلاً. ونتنيجة استفحال تأثير التراكمات السلبية لسلطة الاستبداد والفساد والإفساد، لم يجد السوريون أمامهم من سبيلٍ سوى الثورة على تلك السلطة، بعد أن سدّت كل الأبواب أمام إصلاح تدريجيٍّ حقيقي، كان من شأنه تجنيب العباد والبلاد الكوارث التي كانت، وما زالت.
مبادرة ملك الأردن التي جاءت في صيغة اللاورقة تؤكد رغبة أردنية في فتح الحدود مع سورية، بهدف الاستفادة من الحركة التجارية بين لبنان وسورية ودول الخليج وغيرها من دولٍ كانت تمد الاقتصاد الأردني الضعيف أصلاً بموارد لا يُستهان بها؛ وهي مبادرة جوهرها التطبيع مع النظام الأسدي الذي لم يعترف بوجود مشكلة في سورية تستوجب المعالجة، وإنما يصرّ على أن كل ما حدث كان في عداد مؤامرة كونية استهدفت النظام “المقاوم والممانع” الذي تمكّن، بفعل مساعدة “الأصدقاء الإيرانيين والروس”، من الانتصار، في نهاية المطاف، على “قوى العدوان وعملائهم من السوريين”؛ وذلك وفق ما يردّده بشار الأسد في كل خطاباته. أما الحل النهائي الذي ينتظره هذا النظام فهو أن يتمكّن من بسط سلطته بدعم وتدخل مباشريْن من الروس والإيرانيين على كامل التراب السوري.
وعلى الرغم من الحماس اللافت لدى الملك عبدالله الثاني في تسويق مبادرته، ومحاولة إقناع الأطراف الدولية والإقليمية بجدواها، وهي مبادرةٌ لا يُعتقد بأنها من الوحي الأردني الخالص، يلاحظ أن الموقف الأميركي ما زال في دائرة الحرص على عدم إعلان الدعم المباشر لها، وهو موقفٌ يجد صداه عند الأوروبيين الذي يبدو أنهم ينتظرون تبلور ملامح الموقف الأميركي بصورة أكثر من الموضوع المعني، كما ينتظرون ظهور معالم الموقف العربي الرسمي عبر جامعة الدول العربية.
بخصوص الموقف الأميركي نفسه، يبدو أنه يخضع لجملة اعتبارات، في مقدمتها الداخلية الأميركية، فالانتقادات القاسية التي تعرضت لها إدارة الرئيس جو بايدن، بعد الانسحاب السريع من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان على البلاد دفعت الإدارة المعنية إلى التمهّل في الانسحاب من أماكن أخرى. كما أن التحسّب لتقدم جمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس يُعد من العوامل التي تُلزم إدارة بايدن بضرورة التريث في اتخاذ مزيد من الخطوات في ميدان التخفيف من الضغط على نظام الأسد، وذلك بعد تصريحات أميركية أكدت عدم وجود رغبة في تغيير النظام، وبيّنت أن المطلوب تغيير سلوكه؛ وما أعقب ذلك من إعطاء الضوء الأخضر لمشروع تزويد لبنان بالغاز من مصر عبر الأردن وسورية، الأمر الذي فُسِّر بأنه بداية الانفتاح على النظام الأسدي. وقد تزامنت اجتماعات وزراء الطاقة في الدول المعنية بهذا المشروع في عمّان مع مبادرة العاهل الأردني، الأمر الذي فُهم منه أن طبخة تعدّ خاصة بسورية.
من جهةٍ أخرى، يلاحظ أن الموضوع السوري بات بالنسبة إلى الولايات المتحدة مرتبطاً بالمباحثات الجارية بشأن الملف النووي الإيراني، ومستقبل الوجود والدور الإيرانيين في كل من سورية ولبنان والعراق. ولا يخص هذا الأمر الجانب الأميركي وحده، بل يشمل الجانب الإسرائيلي أيضاً؛ ولعل هذا ما يفسّر جانباً من التحرّكات الإسرائيلية المكثفة، سواء مع الروس أم مع الأميركان، والدول العربية المعنية. وهناك حديثٌ عن قرب لقاء أمني ثلاثي على أعلى المستويات بين الروس والأميركان والإسرائيليين، بغرض الاتفاق على مزيد من التفصيلات الخاصة بملف الدور الإيراني في سورية، والتنسيق الميداني.
وفي ظل كل هذه الأجواء، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، حول ما تريده واشنطن وما لا تريده في سورية، في أثناء اجتماعه مع وزيري خارجية كل من الإمارات عبدالله بن زايد وإسرائيل يئير لبيد في واشنطن؛ لتؤكد استمرارية الغموض في الموقف الأميركي الذي لا يشجّع صراحة التطبيع العربي الرسمي مع نظام الأسد؛ ولكنه، في الوقت ذاته، لا يعلن رفضه صراحة ذلك التطبيع. كما أن العبارات العامة عن الحل السياسي المنشود لا تفصح بدقة طبيعة المطلوب أميركياً في سورية. ولعل عدم تعيين مبعوث أميركي خاص بالملف السوري، إلى جانب غياب سورية عن خطابات الرئيس بايدن، فضلاً عن عدم حدوث لقاء رسمي بين الوزير بلينكن والمبعوث الأممي الخاص بسورية، غير بيدرسون، لعل ذلك كله يشير إلى عدم حضور سورية ضمن قائمة الأولويات الأميركية، على الأقل في الجانب العلني، فالعبارات العامة التي استخدمها بلينكن تبدو كأنها صادرة عن مراقبٍ محايدٍ من خارج دائرة الدول الفاعلة في الملف السوري. ولذلك لا تطمئن السوريين، لأنها لا توحي بامكانية ممارسة الولايات المتحدة، وهي الأقوى في العالم والأكثر قدرة على التأثير إذا أرادت، ضغوطا جادّة مطلوبة من أجل إحداث اختراقاتٍ نوعية في ميدان معالجة الوضع السوري؛ تطمئن السوريين من جهة إمكانية الوصول إلى حل واقعي مقبول لمحنتهم.
أساس المشكلة في سورية، بل جذرها، يتمثل في نظامٍ يعدّ المسؤول الأول عن كل ما حلّ بالسوريين وبلدهم من قتل وتهجير وتدمير، بل هو مسؤول عن مشكلات كثيرة في لبنان والعراق وغيرهما، وسورية بلد مفتاحي يؤثّر في المنطقة بأسرها سلباً وإيجاباً. وبناء على ذلك، لا يمكن تحقيق الهدوء في المنطقة، وبلوغ الأمن والاستقرار فيها، تمهيداً للنهوض بها عبر مشاريع تنمية واسعة تساهم في وضع حد للتطرّف والإرهاب، وهي مشاريع تمتلك المنطقة مقوماتها؛ ولن يتحقق ذلك كله ولن ينجز من دون استقرارٍ متوازنٍ في سورية نفسها، من خلال طمأنة شعبها بكل مكوناته، ومن دون أي استثناء، على قاعدة احترام الخصوصيات والحقوق، والتشارك في الإدارة والموارد.
أما المحاولات والمبادرات التي تهدف إلى معالجة الأعراض والنتائج التي كانت بفعل سياسات نظام بشار الأسد وممارساته؛ وتغضّ النظر، في الوقت ذاته، عن الأسباب الجوهرية التي أدّت إلى وصول السوريين إلى الوضع الكارثي الذي يعيشونه راهناً، فإنها لن تساعد في الوصول إلى المعالجة السببية المطلوبة، بل على النقيض من ذلك ستساهم في استمرارية دورة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة؛ والمبادرة الأردنية، وفق المعطيات المتوفّرة عنها، لن تكون في هذا المجال استثناء.
————————————
ماذا عن موقف النخب السورية من التطبيع مع الأسد؟/ إبراهيم الجبين
الأسد لم يتغيّر
بوسع النخب السياسية والثقافية السورية الحديث عن موقف مبدئي جذري غير قابل للتفاوض مع مسألة التطبيع مع الأسد. وبوسع من يخالفهم الرأي القول إنهم لم يرفضوا الحل السياسي القائم على التشارك بين النظام والمعارضة في تأسيس هيئة حكم انتقالية وفق قرار مجلس الأمن 2254. ويمكن أن تردّ النخبة السورية بالقول إن هذا لا يشمل العفو عن جرائم الحرب التي فاقت المعقول، والتي توّجت باعتقال مئات الآلاف ومقتل أمثالهم وتهجير الملايين بالهجمات الكيمياوية التي لم تعد بحاجة إلى دليل، بعد أن وثقتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
لكن مع ذلك فإن هناك قطارا من التطبيع العربي مع الأسد انطلق مؤخرا، والتحقت به واحدة من أهم دول الجوار؛ الأردن، فما العمل لو واصل ذلك القطار صفيره ودخانه الذي يغشي الأبصار؟
الواقع أن السوريين أنفسهم بدوا غير حاسمين، ليس أغلبهم، لكن كثيرا منهم، بين مؤمن بالحل السياسي، وبين رافض له. فالحل السياسي له استحقاقاته، وإن قبلت بالجلوس حول طاولة مفاوضات فهذا يعني أنك ستقبل بالمزيد في طريق التفاوض قبل الوصول إلى توقيع وثيقة سلام.
ليست المرة الأولى التي يجد فيها أكثر المثقفين السوريين تمسكا بمعارضة نظام الأسد نفسه أمام خيارين، غض النظر، أو النأي بالنفس والبقاء على جذريته حيال جرائم ارتكبت في عهد الأسد الأب والابن. لكن هذه المرّة الجريمة أكبر، والمطالبون باتخاذ الموقف الواضح أعدادهم أكبر من أعداد المعارضين السوريين الذين وجدوا في الماضي أن العيش في المنفى سبيلا أخيرا بدل القبول بالأسد.
هذه المرّة أيضا، الأسد لم يتغيّر. العرب هم الذين قرروا تغيير مقاربتهم. وبدلا من المقاطعة وترك سوريا بين يدي الإيرانيين والروس، لماذا لا يكون للعرب موطئ قدم في الأرض المنهوبة؟ وحدها النخب السورية لم تتغير. لا هي قدّمت حلولا مبتكرة تمثل خروقات وتفكيرا خارج الصندوق يحلحل الاستعصاء السوري، ولا هي تراجعت عن مطالبها، لا هي مضت إلى الأمام في علاقاتها البينية ولا هي حسمت من هو العدو من الصديق في المعادلة السورية المعقدة. بقيت تنتظر الإشارة من الأقوياء متناسية أن هناك من ينتظرها بدوره، وأعني الشعب السوري، الثائر ضد الأسد، والموالي له معا، والذي يشعر أنه بحاجة وربما لمرة نادرة إلى من يتخذ الخطوات الأولى نيابة عنه.
الولايات المتحدة الأميركية لا تزال ترفض مسار التطبيع مع الأسد، وتضع شروطا لموافقتها عليه، في العلن، وفي الكواليس تبارك تلك الخطوات وتدفع بها لأسباب لها علاقة بتصوّرها لخارطة الشرق الأوسط المستقبلية.
ولعل ذلك الجيل من الحكام العرب الذين شهدوا خروج الأسد الأب من ظروف مشابهة بداية ثمانينات القرن العشرين، لم يعد موجودا الآن، ليروي لسلفه كيف أن الأنظمة العربية التي عارضت بطش الأسد بشعبها حينها، ثم ضربت صفحا عن ذلك ووطّدت علاقاتها معه، عادت واستجابت للأسد القوي الخارج من حمامات الدم، أكثر شراسة لا حيال شعبه، بل تجاه الشعوب العربية من حوله، فلم يقصّر بابتزاز كافة الحكومات المحيطة به وتلك التي اعتبرت ركائز الحالة العربية آنذاك، مثل الرياض والقاهرة وبغداد وصولا إلى المغرب العربي.
ولا يسأل أحدٌ كيف سيخرج الأسد الابن غدا من العشرية الدامية؟ بأي حال سيتفاهم مع العرب ودول الإقليم؟ ولا يظنّ أحمقٌ أن تلك الحرب الرهيبة قد حوّلت الأسد إلى قط وادع في الحضن العربي الذي يشتاق إليه.
لم تجد الدول العربية في المعارضة السورية ضالتها، لم تعتد على ذلك أصلا، فهي حكومات دول مستقرة، ألفت التعامل مع حكومات مثلها، أما التفاعل مع حالة فصائلية سياسية وعسكرية ومطالب خارجة عن المألوف العربي، ديمقراطية وتداول للسلطة وحريات وغيرها فهذا لا يركب على تروس الأنظمة العربية ومسنناتها. ولماذا يفعل والغرب ذاته لم يتقبّل الديمقراطية الثورية العربية التي ولدها الربيع العربي ولا تزال في مخاض فوضوي يتنازع الديني والليبرالي وما قبل الدولاتي.
عشر سنوات مرّت، وقد رفع فيها منذ الأول شعار “الثقافة هي الحل” بدلا عن “الدين هو الحل” و”العرق هو الحل” و”القوة هي الحل” دون أن تجد الثقافة التي هي حاجة ماسة، وليست ترفا ولا فذلكة نافلة، أي إدراك لذلك كله، لا من النخب السياسية التي كان يجب أن تعرف أن الثقافة هي بضاعتها الأصلية، ومن دونها فهي تبني على الفراغ ما سيهوي إلى الفراغ بعد قليل. ولا من الشارع الذي تلاعبت به الشعبوية والأهواء رغم سيل المعلومات وثورة الاتصالات ووسائل التواصل وشيوع المعرفة.
تلك النخب بمختلف مشاربها ومذاهبها واتجاهاتها، لا تملك اليوم سوى خيار الوقوف على ضفة النهر وانتظار مرور جثث خصومها وأعدائها مع التيار، وهو خيار يبدو وجيها حين لا يكون لديك غيره، وحين نتخيل شكل التطبيع العربي مع الأسد مستقبلا، ومعنى ذلك حين يترجمه الأسد عمليا على أرض الواقع، فهو في موضع الآن يسمح له بالمطالبة بثمن التطبيع معه، دون أن يدفع شيئا. العرب لا يطلبون الثمن في عهودهم هذه. يدفعون الفاتورة وهم مبتسمون. دون أن يحسبوا ما الذي سيجبرهم الأسد على دفعه لاحقا.
العرب
————————————-
التراشق التركي الروسي في إدلب/ بسام مقداد
لم تمض أسابيع على لقاء يوتين أردوغان في سوتشي، حتى تصاعدت لهجة التخاطب بين الجانبين، وحل تبادل القصف مكان الدبلوماسية. وليس في الأمر ما هو مفاجئ، فالرجلان أنهيا محادثات دامت ست ساعات، وخرجا من دون المؤتمر الصحافي التقليدي في مثل هذه الحالات، ومن دون أن يدلي أي منهما بكلمة للصحافة. وبدل ان يعلن الإعلام الروسي حينها عن فشل المفاوضات، فضل أن يستبدل ذلك بالقول بأنها إنتهت إلى الإتفاق على المحافظة على الوضع في إدلب والشمال السوري على حاله. وكان اللقاء قد عقد حينها في ظل تزايد الحشود العسكرية التركية في المنطقة، وإرتفاع وتيرة قصف الطيران الروسي للأهداف المحيطة بمناطق تواجد القوات التركية.
يستمر التصعيد بين البلدين بشكل مضطرد منذ ذلك الحين، مما جعل مواقع إعلامية روسية تكتب عن وقوف البلدين على حافة الحرب بينهما في سوريا. فقد نشرت صحيفة القوميين الروس sp في 15 الجاري نصاً بعنوان “إردوغان يصدر أمراً يضع روسيا وتركيا على حافة الحرب”، وأرفقته بعنوان ثانوي “أحفاد الإنكشاريين سيطلقون النار على الجنود الروس إذا حاولوا أخذ إدلب”. وكانت صحيفة NG قد سبقتها بيوم واحد ونشرت نصاً بعنوان “روسيا وتركيا تعودان إلى لغة التراشق المدفعي”، وبآخر ثانوي “المساومة على الأرض السورية تهدد بالتحول إلى سيناريو القوة”. كما ذكّرت صحيفة الكرملين بتصريح أردوغان عن حرب “أخرى” لتركيا في سوريا.
موقع Lenta الإخباري الروسي نشر نصاً مقتضباً عن “إستعداد الجيش التركي لإجتياح أربع مدن سورية”. ونقل عن صحيفة تركية قولها بأن الجيش التركي أنجز الإعداد لعمليات في شمال سوريا، وينتظر الأوامر ليبدأ إجتياح كلٍ من منبج، تل تامر، عين عيسى وتل رفعت. ونقل عن مسؤولين أتراك “رفيعي المستوى” قولهم بأنه كان على موسكو وواشنطن إبعاد التشكيلات الكردية مسافة 30 كلم إلى الجنوب من الحدود التركية السورية، إلا أنهما لم تنفذا تعهدهما.
صحيفة القوميين الروس قالت بأن “أحفاد الإنكشاريين”أقاموا موقعاً محصناً جديداً في ضاحية مدينة سراقب جنوب إدلب، يضاف إلى عشرات المواقع الأخرى، على بعد مئات الأمتار عن قوات الأسد. ويبدو أن إردوغان أصدر أمره “لن نسلم إدلب”، على الرغم من التحضير الناشط الآن لهجوم واسع من قبل القوات السورية مع العسكريين الروس. وتحول أوتوستراد М4إلى خط جبهة حقيقية تقف على جانب منه القوات التركية مع عدد كبير من تشكيلات المسلحين، وعلى الجانب الآخر القوات السورية مع مقاتلي الشرطة العسكرية ووحدات من قوات العمليات الخاصة الروسية.
وتقول الصحيفة بأن دمشق، وليس بدون موافقة موسكو، سوف تبذل كل الجهود لطرد تركيا من إدلب التي تحتل معظمها، وتشل ثلث الإقتصاد السوري كحد أدنى. وإذا فشل الأسد في إستعادة شمال سوريا سوف تفقد إنتصاراته السابقة قيمتها، ومن جديد سوف تصبح السلطة الفعلية لحكومته موضع تساؤل.
تنسب الصحيفة إلى وسائل الإعلام السورية قولها بأن وزارة الإقتصاد الإماراتية أعلنت عن توقيع إتفاقية مه سوريا على توسيع التعاون الإقتصادي بين البلدين. لكن دبي وضعت شرطاً على دمشق بضرورة طرد القوات الأجنبية من سوريا. ويمكن برأيها إعتبار هذا الشرط تحريضاً لدمشق على تسريع الهجوم على إدلب، وقد يكون، على الأغلب، القول لدمشق بضرورة إنهاء الحرب في سوريا، الأمر الذي لا يمكن بدونه أن تستوي أية علاقات اقتصادية طبيعية.
تتساءل الصحيفة عن سبب وجود تركيا في سوريا، وتقول بأنه ليس من حجة واحدة للدفاع عن “غاديوشنك إدلب” (مبذلة إدلب)، كما يسمي الإعلام الروسي بؤرة الصراع في إدلب. وتقول بأن إردوغان رفض خطة بوتين بإقامة شريط منزوع السلاح بعرض 6 كلم على طول الحدود مع تركيا، يشكل نوعاً من “منطقة آمنة” لمئات آلاف المدنيين السوريين، وتشكل حلاً للعديد من المشاكل الإنسانية.
وتنقل عن بوليتولغ( لم تحدد هويته) قوله بأن السبب قد يكمن في رغبة أردوغان أن يكون في دائرة الضوء في واشنطن وموسكو، وسيخرج من دائرة التناقضات الروسية الأميركية فيما لو خرج من إدلب. فجنوده في إدلب يمنحونه إمكانيات كبيرة للمساومة مع روسيا والولايات المتحدة اللتين تدعمان الأكراد.
صحيفة NG الروسية قالت بأن روسيا وتركيا رفعتا بشكل ملحوظ لغة الإتهامات المتبادلة بشأن سوريا. وقد لمح أردوغان إلى أنه على إستعداد لأن يقوم منفرداً بإبعاد التشكيلات الكردية المسلحة عن حدوده إلى العمق المطلوب، فردت الدبلوماسية الروسية بالتصريح أن لدمشق الحق في إستعادة سيادتها على كامل أراضي سوريا، مع العلم أن بعض أجزائها لا تزال، كما في السابق، تحت سلطة قوات غير رسمية مسؤولة عنها أنقرة. الحرب على الإرهاب ينبغي أن تستمر، لكنها تنتهي في سوريا حين تستعيد سيادتها على كامل أراضيها، واية إستعدادات عسكرية لأنقرة يجب أن تراعي الحفاظ على هذه السيادة.
تنقل الصحيفة عن الخبير الروسي الزائر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن والمجلس الروسي للعلاقات الدولية أنطون مارداسوف قوله بأن مطالبة موسكو لأنقرة بفك الحصار عن أوتوستراد М4، وأنقرة لموسكو بسحب الفصائل الكردية من منبج وتل رفعت، هي النقطة التي تنطلق منها جميع التخمينات أين يمكن أن تبدأ عملية جديدة وكيف ستنعكس على المناطق الأخرى. لكنه يحذر من الإستعجال في توقع متى تنطلق، وذلك لأنه لا وجود رسمياً لقوات تركية في منطقة تل رفعت، بل توجد قوات عملياتية للجيش الوطني السوري الذي من المشكوك فيه أن تتمكن من التقدم فقط بمساعدة المدفعية. ثانياً، محاولات قوات الأسد تجاوز المواقع التركية من دون تنسيق(مع القيادة الروسية) قد تواجه مقاومة القوات التركية التي تجاوزت الحاجز النفسي العام 2020 للضربات المكثفة على القوات السورية. ثالثاً، من الصعب جداً على موسكو تنفيذ تعهداتها بسحب الفصائل الكردية، وذلك لأنه من العسير عليها أن تقترح شيئاً على الأكراد في ظل إستمرار الوجود الأميركي في شرق سوريا.
ويقول مارداسوف أنه في هذا السياق ، يبدو أن السيناريو الأمثل هو خيار الحفاظ على الوضع السوري القائم. ومع ذلك ، فإن المخاطر سترتفع بالطبع، حيث بوسع كل من الطرفين تحويل هذا الوضع الراهن إلى تبادل جديد للأراضي، وسوف تتم تغطية العملية باتهامات متبادلة. وهو لا يراهن في الوقت الحالي على العملية في حد ذاتها، بل سيلجأ الطرفان إلى تكثيف القصف المدفعي كورقة مساومة في المفاوضات. علاوة على ذلك ، يقول بانه نشأ وضع غير مريح بالنسبة لأردوغان، حيث سيلتقي قريباً مع الرئيس الأميركي بايدن الذي لن يكون راضياً عن عملية تركية ضد الأكراد.
ويرى مارداسوف أن العامل الذي لا ينبغي إهماله في الوضع الراهن هو كيف ستكون عليه ردة فعل الدول العربية على الأعمال التركية في شمال سوريا، سيما وأنها سبق أن قامت العام 2019 بعملية “نبع السلام” في الحسكة والرقة، مما دفع بقوى عربية مختلفة إلى الإلتفاف حينها حول دمشق. لكنه يستدرك بالقول أن الوضع مختلف الآن، حيث تقوم تركيا بتحسين علاقاتها مع لاعبين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت في حال صراع معها.
المدن
———————————-
تضارب المصالح الروسية والتركية: أنقرة ترفع نبرة تصعيدها وموسكو ترد بـ«الورقة الكردية»/ هبة محمد
شهد الميدان في الشمال السوري، تحضيرات قفزت إلى مرحلة متطورة من التسخين، حيث وجهت أنقرة رسائل مباشرة، على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي هدد بأن كفاح بلاده «في سوريا سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة» كما توعد بخوض «كل أشكال الكفاح اللازم ضد تلك التنظيمات الإرهابية والقوات المدعومة أمريكياً هناك، وكذلك ضد قوات النظام السوري».
وكان الرئيس التركي أنذر في آخر تصريح له الجمعة، بردع «تنظيم حزب العمال الكردستاني، وامتداداته الوحدات الكردية، وحزب الاتحاد الديمقراطي، التي تصول وتجول ليس في الشمال فقط، بل في عموم سوريا، وتتلقّى الدعم من قوات التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة» حيث مارست التنظيمات «إرهابها باستخدام الأسلحة والذخائر والمعدات التي قدمتها تلك الأطراف بذريعة مكافحة «داعش». وقال «نحن عاقدون العزم في هذا الخصوص».
تناغم روسي – كردي
الإنذار بإطلاق عملية عسكرية تركية بالتسيق ومشاركة قوات الجيش الوطني السوري ضد ميليشيا الوحدات الكردية جاء وفق مراقبين رداً على تصاعد الاستهداف الروسي لمناطق في الشمال السوري، بموازاة تعاظم الاستهداف المتكرر لميليشيا الوحدات الكردية للمناطق الداخلة تحت النفوذ التركي وفصائل المعارضة. حيث تزامن ذلك مع استهدف رتل عسكري تركي قرب مدينة معرة مصرين في ريف إدلب، ليلة السبت ما أسفر عن مقتل جنديين تركيين وإصابة 5 آخرين، تبع ذلك قصف مكثف للجيش التركي على مواقع تابعة لـ»قسد» في ريفي حلب والرقة.
ونظراً لتكرار التهديد والوعيد بشن عمل عسكري تركي ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ينشغل مراقبون بالإجابة عن سيناريوهات التدخل التركي وما هي قائمة الأهداف، وهل هناك تنسيق فعلي بين الجيش الروسي وميليشيا الوحدات الكردية، نظراً لـ «انسجام» القصف الجوي والمدفعي من قبل الروس شمال غربي البلاد، وبين عمليات «قسد» في ريف حلب، وهل يمكن تفسير ذلك بأن موسكو تستخدم هذه الميليشيا لتحقيق غاياتها السياسية، لاسيما بعد توارد أنباء عن زيارة وفد روسي ضم شخصيات استشارية وعسكرية إلى مدينة عين عيسى الخاضعة تحت سيطرة «قسد» شمالي الرقة.
وما أثار المزيد من التساؤلات، إعلان جبهة التحرير السورية، أحد مكونات الجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا، السبت، استعدادها لإطلاق عمليات عسكرية جديدة ضد «التنظيمات الإرهابية».
وقالت الجبهة في بيان رسمي بعد تهديدات أردوغان «نعلن استعدادنا العسكري الكامل لاستئناف العمليات، نحن مصممون على تطهير مناطقنا من جميع التنظيمات الإرهابية، وخاصة (بي كا كا) و(ب ي د) و(داعش)» موضحاً أن الدعم التركي للجبهة مستمر في الميدان.
المتحدث باسم الجيش الوطني الرائد بوسف حمود قال لـ «القدس العربي» عن انسجام بين القوات الروسية وميليشيا «قسد» من حيث استهداف المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شمال وشمال غربي سوريا، حيث قال «هناك تنسيق واضح في استهداف مناطق الشمال السوري والذي يأتي على نوعين، الأول طيران من قبل الجانب الروسي، والنوع الآخر بشكل صاروخي أو قذائف الهاون أو مضاد الدروع، من قبل ميليشيات البي ي دي المتواجدة على الأرض». واعتبر أن هذا التنسيق «رسالة نفهم منها أن موسكو هي ضامن للميليشيات بي ي دي» حيث تستثمر موسكو هذه الميليشيات الكردية في سياسة الرفع العسكري من أجل استخدامها بالضغط خلال المفاوضات السياسية».
كما أنها وفق المتحدث العسكري «رسالة روسية إلى ميليشيا البي ي دي، مفادها أن موسكو قادرة على حماية هذه المجموعات في ظل ما يشاع عن خطة للانسحابات الأمريكية من المنطقة». وحول الخيارات التركية في سوريا، اعتبر الرئد يوسف الحمود، أنه «لا شيء مستبعد والمعارك لم تنته في سوريا، ومازالت الأجواء تتجه نحو التصعيد وهذا ما يبدوا لنا من خلال متابعة الأوضاع السياسية والعسكرية» مضيفاً «الخيارات كلها متاحة وعلى طول امتداد خط الجبهة المشترك».
وكان وفد عسكري روسي، زار نهاية الأسبوع الفائت، مدينة عين عيسى الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» شمالي الرقة، بهدف مناقشة آخر التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة.
وذكرت شبكة «عين الفرات» المحلية الإخبارية أنَّ الوفد الروسي ضم 6 شخصيات استشارية وعسكرية قادمة من مبنى الإذاعة غربي عين العرب في ريف حلب الشرقي، حيث التقى الوفد قيادات من وحدات حماية الشعب العمود الفقري لقوات «قسد» ومجلس الرقة العسكري، بهدف مناقشة التهديدات التركية ضد قسد والتطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة. وأضاف المصدر أنَّ الاجتماع عقد في أحد مقرات «قسد» في مدينة عين عيسى، ويعتبر هذا الاجتماع، الذي استمر لنحو 3 ساعات، الأول خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر الحالي، في ظل تهديدات تركية تبدو جدية في شن حملة عسكرية في المنطقة، عقب استهداف جنود أتراك.
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي قرأ التصعيد المتبادل من قبل تركيا وروسيا على أنه ينذر باحتمال انهيار نظام وقف إطلاق النار بشكل غير مسبوق أي بما يشمل جميع مناطق سيطرة المعارضة السورية، على خلاف أي تصعيد سابق والذي كان يقتصر على حصر الخلاف ضمن منطقة إدلب دون غيرها.
وقال لـ «القدس العربي» في إدلب تُقدّم روسيا الدعم للنظام السوري من أجل تهديد تركيا، وفي تل رفعت ومنبج وعين عيسى تُقدّم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية بشكل مباشر وغير مباشر للهدف ذاته. على أمل أن يُساهم ذلك في ثني تركيا عن أهدافها وتقديم تنازلات لصالح روسيا في القضايا المشتركة والتي قد تتجاوز الملف السوري.
واعتبر المتحدث أن إشارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى النظام السوري مؤخراً من أنّ بلاده تعتبر النظام السوري مصدر تهديد للأمن القومي، يعطي صورة أكثر وضوحاً عن شكل الخلاف مع روسيا، التي يبدو أنّها كانت تعتقد أنّ تركيز أنقرة على شرق الفرات يعني عدم إيلاء اهتمام كبير في حل القضايا غربه وبالتالي يُمكن تجزئة الخلافات بالضغط في إدلب واستمرار التعاون في المنطقة الآمنة، لكن رفع أنقرة لنبرة التصعيد وبشكل جدي بعث برسالة صريحة حول أهمية المنطقة كاملة بالنسبة لتركيا التي تعتبرها جزءاً من المنطقة الآمنة شرق وغرب الفرات.
وحول سيناريوهات التدخل التركي، قال عاصي «هي إما عبر دعم فصائل المعارضة السورية دون مشاركة مباشرة للقوات التركية، أو بمشاركتها أو عبر استخدام القوات الجوية وتنفيذ عمليات خاصة للقوات التركية خلف الخطوط وفي مراكز القيادة وطريق الإمداد».
وتبدو تركيا حريصة على استمرار التعاون مع روسيا، لكن استخدام هذه الأخيرة لسياسة الضغط القصوى عبر خيار العملية العسكرية والخروقات المستمرة وعدم حل ملف حزب العمال الكردستاني سيدفعها، أي تركيا، لاتخاذ قرار التدخّل المباشر على غرار ما قامت به أواخر شباط/ فبراير 2020.
الباحث السياسي طلال عبد الله جاسم قرأ التطورات في الشمال السوري على أنها محاولات من قبل الروس لإعادة ترتيب وضع منطقة ادلب وشرق الفرات، وكذلك تفعل تركيا بشكل منفصل، وسط ترقب إيراني. واعتبر جاسم في حديث مع «القدس العربي» أن الأمور مرتبطة بتوافقات محلية لا بد منها، وتسويات دولية تبدو ممكنة في ظل تراخي إدارة بايدن في ما يخص الملف السوري، والنشاط الروسي المكثف مع كل الفاعلين على الأرض السورية من الجنوب إلى الشمال، إلا أن العامل الإقليمي هو الأشد تعقيداً، حيث أن إدلب وشرق الفرات تشكل محيط حيوي تركي، ولا يمكن ترتيب حل فيها دون حفظ مصالح تركيا وتطمينها تجاه مصادر قلقها، وإلا ستدفع روسيا والنظام وداعميهم أثماناً باهظة جداً لإعادة السيطرة على هذه المناطق.
فرصة سانحة لروسيا
وقال «الوضع الحالي هو أن روسيا ترى في الخلافات التركية – الأمريكية فرصة سانحة للحصول على تنازلات أساسية من قبل تركيا والمعارضة لصالح النظام، وكذلك تستند روسيا إلى موقف عربي مساند لها نوعاً ما، وكما نرى ورغم وجود هدنة معلنة من قبل النظام في إدلب وأرياف حلب إلا أنه ووفق المعطيات الحالية فإن النظام وحلفاءه يجهزون، لشن حملة يتوقع ان تمكن النظام والروس من السيطرة على طريق اللاذقية حلب لفتح طرق التجارة وهذا أمر لا يحتمل التأجيل كثيراً خاصة مع الاخذ بعين الاعتبار التململ الشعبي لدى حاضنة النظام جراء ضغوط اقتصادية، وعدم توفر الوقود وغيرها، ثم تؤجل المناطق الباقية لفترة لاحقة بحيث تستطيع تركيا تدبر أمر اللاجئين ضمن الأراضي السورية دون احراجها بموجة كبيرة من اللاجئين.
وتركيا من خلال تصريحات رئيسها تبدي استعدادها للحفاظ على مصالحها ولو كانت وحيدة». وتحدث الباحث السياسي عن خلافات جوهرية في سوريا بين روسيا وتركيا، معتبراً أن الطرفين مضطران للاستمرار بهذا العمل المشترك، لكنه في نفس الوقت رأى أن حدوث مواجهة وصدام عسكري حقيقي بين روسيا وتركيا ولو عبر أطراف سورية، مستبعد، حيث قال «وإن حدث يحتاج إلى مباركة أمريكية لأي من الطرفين، من الصعب توفرها».
القدس العربي
————————————
واشنطن خسرت معركتها في سوريا..والاكراد سيلجأون الى الاسد
رأت مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية أن الولايات المتحدة لم تنجح في تحقيق أي تقدم في منطقة الشرق الأوسط، مضيفةً أنه “على واشنطن الاعتراف بأنها خسرت معركتها في سوريا”.
وأشارت المجلة في تقرير، إلى أن الولايات المتحدة رغم أنها حققت العديد من الإنجازات العظيمة فإن جهودها لبناء الدول ليست واحدة منها، موضحةً أنه من فيتنام إلى أفغانستان والعراق، أثبتت واشنطن مراراً وتكراراً أن بناء الدول ليس مكمن قوتها بسبب “عجزها عن فهم القوى الاجتماعية والقبلية المحركة للمجتمعات في الشرق الأوسط لآلاف السنين، واعتمادها المفرط على جيشها الذي لم يجلب سوى الدمار والفوضى”، فضلاً عن “دعمها المتهور والمندفع لوكلائها وعملائها الذين أخلّوا بالتوازن الإقليمي”.
واعتبرت أن الولايات المتحدة ظلت تطارد “شبح الإرهاب” في العراق وأفغانستان، وهو أمر “لم يسفر سوى عن استنزافها مالياً وأصاب شعبها بإعياء مزمن من الحروب الأبدية”، كما “سمح للصين بأن تصبح منافساً خطيراً للهيمنة الأميركية على العالم.
وذكرت أن ما من مشهد يمكن أن يجسد فشل الولايات المتحدة الذريع في أفغانستان وعجزها الكبير في الشرق الأوسط أفضل من صور مواطنين أفغان وهو يتشبثون بطائرة شحن عسكري أميركية طراز (سي 17) قبل أن يسقطوا من ارتفاع مئات الأمتار ليلقوا حتفهم.
وأشارت إلى أنه “لم يُجدِ إنفاق 2.3 تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين ولا التضحية بنحو 2400 جندي أميركي نفعاً في التغلب على التباينات العرقية والقبلية والدينية الهائلة في سبيل بناء دولة أفغانية ديمقراطية صديقة للولايات المتحدة”.
أما في العراق، لفتت المجلة إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة أنفقت تريليوني دولار وضحت بأكثر من 4500 جندي أميركي، فقد سلّمت واشنطن العراق إلى إيران “على طبق من فضة”، مضيفةً “لم يمهد الغزو الأميركي للعراق الطريق للتمدد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان فحسب، بل أتاح كذلك لروسيا والصين استغلال موارد العراق النفطية”، لافتةً إلى أن موسكو وبكين أصبحتا الموردتَين الرئيسيتين للسلاح إلى بغداد.
ويتكرر الخطأ نفسه في سوريا، فرغم إنفاق الولايات المتحدة مليارات الدولارات في البلاد، مثلما فعلت في أفغانستان والعراق، إلا أنها فشلت في أن تدرك أن جهودها في بناء الدولة السورية تذهب أدراج الرياح، بحسب المجلة، التي أوضحت أن الحقائق الإثنية والقبلية والدينية الموجودة على أرض الواقع، بالإضافة إلى وجود قوى إقليمية مثل روسيا وتركيا وإيران، كلها أسباب حالت دون أن تكلل جهود واشنطن بتأسيس دولة كردية في المنطقة تكون صديقة لها.
وقالت المجلة إن “واشنطن تبرر بقاءها في سوريا بحجة عودة تنظيم داعش إلى هناك مرة أخرى، إلا أن عودة التنظيم مستبعدة بسبب التغيرات الجيوسياسية في المنطقة”، موضحةً أنه بدعم من موسكو، سيطر رئيس النظام بشار الأسد على معظم المناطق الواقعة غربي نهر الفرات. بدورها، أظهرت تركيا نفسها كقوة عسكرية بشن أو تسهيل القيام بعمليات عسكرية ناجحة في شمالي العراق وليبيا وجنوب القوقاز وشمالي سوريا، أما إيران فقد أثبتت بفضل اعتمادها على وكلائها في المنطقة أنها ستظل قوة عسكرية وسياسية مؤثرة في سوريا والعراق.
لذا، أشارت المجلة إلى أنه في حال ظهور تنظيم داعش مرة أخرى، فإنه سيمثل مشكلة لكل من تركيا وسوريا وروسيا وإيران أكثر منها معضلة للولايات المتحدة، مضيفةً أن المنطقة لها من الوسائل ما يجعلها قادرة على التصدي له.
وتابعت المجلة أنه “فيما يواصل بعض المسؤولين الأميركيين القول إن إقامة دولة كردية يمكن أن تخدم مصالح إسرائيل ضد إيران والتهديدات الإقليمية المحتملة الأخرى، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، تُبدي ترددها في إفساد التوازن الذي حققته مع إيران”.
ويقول الباحث في معهد “نيولاينز” نيكولاس هيراس بعد حديث أجراه مع قادة “قسد” في سوريا: “هناك قلق عميق داخل قسد من استخدامها من قبل واشنطن لمواجهة إيران في سوريا، في الواقع، عندما تسوء الأمور بالنسبة لأكراد سوريا، تلجأ وحدات حماية الشعب الكردية إلى أحضان بشار الأسد الموالي لإيران، من أجل بقائها”.
المدن
————————————-
هل تنجح السلطوية العربية بإعادة تأهيل الأسد؟/ حسن أبو هنية
بعد أن اطمأنت السلطوية العربية على مستقبلها في الحكم عقب عرقلة ثورات الربيع العربي وتخريب مسارات التحول الديمقراطي من خلال البوابة السورية، التي شكلت محطة رئيسية في حروب العبرة لشعوب المنطقة، باشرت سلطويات الثورة العربية المضادة عملية إعادة تأهيل الأسد واستعادة عضويته الطبيعية في نادي السلطويين العرب، ومقره “الجامعة العربية”. فبطرائق عديدة كانت السلطوية العربية المتوحشة شريكة لنظام الأسد الوحشي الذي قتل نحو نصف مليون سوري، وتساهم مساعي السلطوية العربية بتطبيع العلاقة مع دمشق في تعزيز سيطرة الأسد وإعادة تأهيله وإدماجه، ومساعدته على التهرب من المساءلة عن جرائم الحرب.
يدرك الأسد جيداً أهمية الخدمات التي أسداها للسلطويين العرب، فالوحشية التي استخدمها ضد الشعب السوري بتحويل الانتفاضة الثورية السلمية إلى حرب أهلية، وجعل سوريا ساحة رئيسية للإرهاب، ومسرحاً للحروب الطائفية، والصراعات الجيوسياسية، هي خدمات لا تقدر بثمن، أمدت السلطويين العرب بحجة لا نظير لها استخدمت لتشويه الثورات العربية أمام الشعوب العربية وأن كلفة التغيير مهولة، وجعلت المفاضلة بين الاستقرار والأمن والحرية والديمقراطية باهظة ودون جدوى.
لكن مهمة إعادة تأهيل الأسد ليست مهمة سهلة وتبدو مستحيلة، فشرعية سلطة الأسد متدنية، وإعادة بناء صورة جديدة وشرعية مستأنفة من خلال انتخابات مزورة ليست كافية. لكن الأسد يراهن على قدرة السلطوية العربية على إقناع المجتمع الدولي الذي احتفل بقرارات العديد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما يمكن أن يؤدي إلى علاقات أكثر دفئاً مع الإدارة الأمريكية الحالية.
يشير مسار محاولات السلطوية العربية لإعادة تأهيل الأسد إلى اللحظة التي أنجزت فيها الثورة المضادة انقضاضها على ثورات الربيع العربي، وقد شكلت سنة 2017 لحظة فاصلة، حيث انتهت قصة “أصدقاء سوريا”، وتبدلت الأولويات الدولية والعربية.
وكانت دولة الإمارات من بين أكثر المدافعين إصراراً على تأهيل الأسد، حسب ديفيد شينكر. فعلى الرغم من دعمها للمتمردين في بادئ الأمر، أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2018، ودعت منذ ذلك الحين إلى إعادة عضوية سوريا في “الجامعة العربية”. واكتسبت الفكرة مزيداً من الزخم في آذار/ مارس، بعد أن قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بجولة في دولة الإمارات ودول الخليج الأخرى. وفي مؤتمر صحفي مشترك خلال زيارة لافروف، استخف وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بمقاربة واشنطن في الأمر، وأعرب عن أسفه لأن القيود الاقتصادية الأمريكية مثل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا “تجعل الأمر صعباً”، ثم دعا إلى إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب.
بعد جهود الإمارات التي قادت قاطرة الثورات المضادة لتأهيل الأسد، أعادت عُمان سفيرها إلى سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ثم أرسل الأردن قائماً بالأعمال إلى دمشق في عام 2019، وأعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري أن القاهرة تدعم التطبيع العربي مع سوريا. وكانت السعودية قد أوفدت رئيس استخباراتها إلى دمشق لإجراء محادثات مع نظيره السوري في 3 أيار/ مايو الماضي، كل ذلك جرى رغم تعارضه مع “قرار مجلس الأمن رقم 2254″، الذي ينص على ضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة المغتربين، وكتابة دستور جديد، كما ينص القرار بوضوح على التنفيذ الكامل لـ”بيان جنيف” الصادر في حزيران/ يونيو 2012، والذي دعا إلى انتقال سياسي كامل وإلى دولة سورية ديمقراطية غير طائفية تحترم حقوق الإنسان.
جاء التطور الأخير في سلسلة إعادة تأهيل الأسد بعد ذوبان الجليد في العلاقات الأردنية السورية، حسب موقع “أياري” الإيطالي. وكانت بوادر التطبيع قد ظهرت في الترحيب الذي لقيه وزير دفاع النظام السوري في الأردن في أيلول/ سبتمبر الماضي، في أول زيارة علنية لضابط كبير منذ بداية الحرب الأهلية السورية، من أجل مناقشة تنسيق الأمن عبر الحدود. مع ذلك، كانت ثمة إشارات بعد إعادة فتح معبر نصيب، طريق عبور للبضائع بين أوروبا وتركيا والخليج، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وآخر التطورات هو قرار الخطوط الجوية الملكية الأردنية استئناف الرحلات إلى دمشق بعد عشر سنوات من التوقف، ثم إجراء مكالمة هاتفية من الأسد إلى الملك عبد الله الثاني.
وفي واقع الأمر، فإن عملية إعادة تأهيل سوريا تسير على جبهات أخرى، فقد كثفت مصر جهودها لاستعادة سوريا مكانتها في العالم العربي، ونتيجة تلك الجهود استأنفت دول أوروبية جديدة (مثل صربيا) علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وألغى الإنتربول الإجراءات التصحيحية المفروضة على سوريا منذ عام 2012، وأعاد دمج البلاد رسميا في شبكة تبادل المعلومات. ويمكن أن يتعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخلياً وخارجياً لضغوط من ناخبيه ومن روسيا لإحداث تحول مثير، والعديد من الدول العربية تطالب بالمصالحة مع سوريا، وأخيراً تم توقيع اتفاقية جديدة لتوريد الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا.
إن محاولات السلطوية العربية لإعادة تأهيل الأسد تواجه معضلة أساسية تتعلق بطبيعة نظام الأسد نفسه. فعلى مدى عقود بنى النظام السوري سردية تقوم على ثيمة “المقاومة والممانعة” للولايات المتحدة وإسرائيل، ورغم جاذبية الشعار، فقد حوّله نظام الأسد إلى مقولة هزلية من خلال سياساته المحلية والإقليمية البربرية والطائفية، وتحالفاته مع إيران وروسيا، ولذلك أصبح نظام الأسد أسيراً لمقولاته البلاغية التي تحول دون إعادة تأهيله. فالاستدارة نحو إسرائيل لكسب ود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي غير ممكنة، فقد قيّد الأسد نفسه بأطروحاته الأيديولوجية وتحالفاته السياسية، التي تقع في صلب المصالح الجيوستراتيجية، وفي آليات أوسع من التحالفات والمنافسات الجيوسياسية التقليدية في المنطقة.
لا يبدو المجتمع الدولي بزعامة واشنطن مكترثاً بسلطوية الأسد ودمويته، وإنما بتغيير تحالفاته التقليدية وعلاقته بإسرائيل، إذ لا تحفل الولايات المتحدة بما يقرب من ستة ملايين لاجئ سوري اضطروا إلى الفرار إلى تركيا والأردن ولبنان، ولا تكترث بما يقرب من نزوح نحو ستة ملايين سوري داخلياً. وقد صمتت أمريكا عندما استخدم الأسد الذخيرة الحية ضد المتظاهرين، واكتفت بصفقة بعد أن استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين، فما يعيق إدماج الأسد وتأهيله دولياً هو تحسين علاقته بإسرائيل ونبذ إيران. فحسب يوني ميماني، محلل شؤون الشرق الأوسط في مقال في “مجلة نيوزويك”، إن إعادة تأهيل سوريا على الصعيد الدولي يعوقها تعنت الأسد بشأن المفاوضات المحتملة مع إسرائيل.
مع تنامي محاولات السلطوية العربية إعادة تأهيل ودمج نظام الأسد، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأربعاء الماضي إن الولايات المتحدة لا تعتزم دعم أي جهود لتطبيع العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد أو استئناف التعامل معه، إلى أن يجري إحراز تقدم لا رجعة فيه باتجاه التوصل إلى حل سياسي في سوريا. وأضاف: “ما لا نعتزم القيام به هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل الأسد، أو رفع عقوبة واحدة عن النظام السوري، أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سوريا حتى يجري إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي، الذي نعتقد أنه ضروري وأساسي”. وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عُقد في واشنطن، ضم بلينكن إلى جانب نظيريه الإسرائيلي يائير لبيد، والإماراتي عبد الله بن زايد.
خلاصة القول أن عملية إعادة تأهيل الأسد من لدن السلطوية العربية تقع في إطار استكمال حلقات الثورة المضادة على ثورات الربيع العربي، لكن معضلة إدماج نظام الأسد لا تكمن في سلطويته وتوحشه، فتلك سمات مشتركة بين أعضاء نادي السلطويين العرب. فالمشكلة الرئيسية أن الأسد بات مكبلاً بسردية المقاومة والممانعة، ومقيداً بتحالفات استراتيجية مع إيران وروسيا، وحسابات جيوسياسية معقدة، تحول دون دخوله نادي المطبعين مع إسرائيل، وهو شرط إعادة تأهيله وإدماجة في المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي ساهمت روسيا بقوة لإعادة سوريا إلى حظيرة الجامعة العربية، وشجعت بطرق عدة فتح حوار وعقد مفاوضات مع إسرائيل، فإن إيران تنظر إلى كل محاولات السلطوية العربية لتأهيل الأسد طريقاً نحو التطبيع مع إسرائيل، وصفقة لإبعاد الأسد عن إيران، بعد سلسلة التطبيعات السلطوية العربية التي تحولت بموجبها إسرائيل إلى صديق وإيران إلى عدو.
ويدرك الأسد جيداً أن استعادة شرعيته الدولية رهن بموافقة الولايات المتحدة، وأن مفتاح قلب أمريكا معلق برضى إسرائيل، لكن معضلة الأسد الكبرى أنه لا يستطيع دفع ثمن التطبيع مع إسرائيل، فهو مقيد بإيران التي تناضل من أجل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وفي حال توقيعه سوف تبدأ المفاوضات بين دمشق وتل أبيب، حينها فقط سيكتمل نادي السلطوية العربية وتنجح جهود إعادة التأهيل.
“عربي21”
————————–
بشار الأسد يعود إلى الساحة العالمية في هزيمة للولايات المتحدة والانتصار لأعدائها
يقول بوزينسكي: “كان هناك تقسيم للعمل، روسيا تتصرف من السماء، وتقصف وتضرب الصواريخ، وإيران تعمل على الأرض، بالتعاون مع القوات المسلحة السورية، في وقت واحد”.
ترجمات | أحمد بغدادي
المصدر: NEWSWEEK
قبل عشر سنوات، بدا أنها بداية النهاية للرئيس السوري بشار الأسد. أدت الحملات الوحشية التي شنها نظام الأسد على الاحتجاجات السلمية في عام 2011 إلى ظهور معارضة مدعومة من خصوم أجانب – من بينهم الولايات المتحدة. وتصاعدت الفظائع، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، والقتل الجماعي والتعذيب، على مدى الحرب التي دامت عقداً من الزمن والتي تستمر حتى الآن. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 600,000 شخص لقوا حتفهم وشرد ملايين آخرون، مما يجعل الحرب السورية واحدة من أكثر الصراعات دموية وتعطيلاً في القرن الحادي والعشرين.
وقطعت الدول علاقاتها مع الأسد وحكومته، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات اقتصادية في عام 2011 وأغلقت سفارتها إلى أجل غير مسمى في عام 2012. وحتى جامعة الدول العربية، وهي منظمة مؤثرة من الدول الإقليمية الزميلة، أبعدت الأسد في خريف عام 2011 على أمل الترحيب بالمعارضة المسلحة المتزايدة لحكمه – وهي استراتيجية استخدمتها مع المنشقين في ليبيا، حيث تم قتل الزعيم معمر القذافي على يد المعارضين المدعومين من حلف شمال الأطلسي في الوقت الذي كانت فيه الحكومات الأجنبية والأمم المتحدة تستعد لاتخاذ إجراءات في سوريا أيضاً.
لكن الآن مع سطوع ضوء عام 2021، وبشار الأسد لم ينج فحسب، بل يبدو أنه مستعد لتحقيق عودة مذهلة على الساحة العالمية. بعد عقد من أفعاله التي اتخذها ساعدت في تحريك الحرب، يقف الأسد بقوة على بلد محطم إلى حد كبير ليس لديه سوى خيارات قليلة أخرى للقيادة. وبمساعدة الحليفين منذ فترة طويلة إيران وروسيا، تمكن من استعادة جزء كبير من سوريا من أيدي المعارضين والجهاديين الذين حاولوا الإطاحة به.
والآن، وإدراكاً للواقع، بدأت العديد من الدول التي قاطعته قبل 10 سنوات في الترحيب بعودته، على الرغم من المعارضة الأمريكية المستمرة لحكمه. علامات معبرة: في الشهر الماضي فقط أعاد الأردن فتح حدوده مع سوريا، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تعيد جامعة الدول العربية عضوية سوريا قريباً.
وقال السفير السابق روبرت فورد، آخر مبعوث أميركي إلى سوريا، لمجلة نيوزويك إن “الأسد سيبقى في السلطة. و”لا يمكن تصور أن المعارضة السورية الآن من خلال قوة السلاح ستكون قادرة على إجباره على التنحي. لا يوجد بديل قابل للتطبيق“.
بالنسبة لـ فورد، الذي شهد التطورات التي أدت إلى الحرب مباشرة، وتفادي الحشود الغاضبين في دمشق خلال خريف عام 2011 والقنابل المرتبطة بتنظيم القاعدة التي هزت العاصمة في الشتاء التالي، فإن مشاهدتها كانت نتيجة صعبة. “سوريا بلد محطم اقتصادياً، إنه محطم اجتماعياً أيضا”.
ويضيف: ” لقد نزح نصف سكان البلاد [و] أكثر من ربع السكان فروا من البلاد. لن يتحسن الوضع بالنسبة للسوريين العاديين داخل سوريا، ولن يتحسن بالنسبة للاجئين السوريين. إنه أمر مأساوي”.
وتقول منى يعقوبيان، المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية والتي تعمل اليوم كمستشارة أولى لشؤون سوريا في معهد الولايات المتحدة للسلام، إنه مع احتمال حدوث تغيير في القيادة، سيتحول التركيز الآن إلى كيفية تعامل الدول الأخرى مع دمشق. وقالت يعقوبيان لمجلة نيوزويك “نظراً بقوة الدعم الروسي والإيراني، من المرجح أن يحافظ الأسد بقبضته على السلطة للمدى المتوسط على الأقل”. وقد أصبحت بلدان كثيرة في المنطقة تفهم ذلك، وبدأنا نرى جهوداً أكثر بروزاً لاستيعاب هذا الواقع.”
ومع تقدم التقارب بين سوريا والدول العربية الأخرى، فإن ما لم يتضح بعد هو الشكل الذي ستتخذه تلك الجهود، والأهم من ذلك، كيف سترد الولايات المتحدة – وهي تطورات من المرجح أن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها.
العودة إلى الحظيرة
ما الذي يدفع الدول التي تجنبت الأسد إلى التحرك نحو تطبيع العلاقات، بالنظر إلى أن الظروف التي أدت إلى نبذه لم تتغير بشكل جذري؟ ويقول الخبراء إن الرغبة في الاستقرار الإقليمي تبدو أقوى من المخاوف بشأن قيادة الأسد أو مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية التي رافقتها.
تقول يعقوبيان: “في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة الأزمة والفوضى، والتحديات الاقتصادية المتفاقمة، ووباء كورونا، والمعاناة الإنسانية الواسعة النطاق، فإن الحكومات في المنطقة أكثر اهتماماً بإزالة حدة الصراعات والتصدي لهذه التحديات المستمرة والمزعزعة للاستقرار.
كانت روسيا واحدة من الدول القليلة التي دعمت حكومة بشار الأسد في الحرب داخل البلاد. هنا، أقام الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراسم إضاءة الشموع في عام 2020. مصدر الصورة: أليكسي دروزينين/تاس/جيتي
ومن بين الأمثلة التي تستشهد بها عن التحول في المشاعر الإقليمية تجاه الأسد التحسن الأخير في العلاقات بين سوريا والأردن، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى إعادة فتح الحدود في أيلول، تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مكالمة رمزية من الأسد في وقت سابق من هذا الشهر، وهي أول اتصال من نوعه بين الزعيمين منذ عقد من الزمن. وتجدر الإشارة أيضاً إلى القرار الأخير الذي اتخذته إدارة بايدن بتخفيف بعض العقوبات الأكثر صرامة المفروضة على الأسد والمدرجة في قانون قيصر، وهو قانون صدر عام 2019 يقيد الشركات الأجنبية من المشاركة في الأنشطة التجارية التي تدعم دمشق. سمحت التغييرات بتوصيل الغاز المصري والوقود الأردني إلى لبنان المتعطش للطاقة عبر سوريا.
علامات أخرى على تخفيف حدة التوتر في المنطقة: أعادت الإمارات والبحرين بالفعل فتح سفارتيهما في دمشق، وأعاد الإنتربول هذا الشهر قبول سوريا في الهيئة العالمية لإنفاذ القانون للمرة الأولى منذ نفي البلاد في عام 2012.
وقد أوضح ديفيد شينكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حتى كانون الثاني، في تقرير صدر بوقت سابق من هذا العام، دوافع إعادة سوريا إلى الحظيرة بين مختلف الدول العربية، وهو الآن زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وكتب شينكر في تقريره الذي شاركه مع مجلة نيوزويك “يبدو أن مجموعة من الدوافع الضيقة هي التي تدفع إلى هذا الاحتضان“. وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن إعادة دمج الأسد وإعادة بناء سوريا يبشران بإنهاء انتشار تركيا في إدلب، حيث تمركز الخصم الإماراتي بقوات لمنع تدفق المزيد من اللاجئين. يبدو أن الأردن مدفوع في المقام الأول بالرغبة في مساعدة اقتصاده، وإعادة اللاجئين إلى وطنهم، وإعادة التجارة المستمرة واستعادة النقل البري عبر سوريا في طريقه إلى تركيا وأوروبا. وفي هذا الصدد، لا تزال القيود المفروضة على قانون قيصر في واشنطن تثير غضب عمان”.
أطفال سوريون في مخيم مؤقت على الحدود السورية التركية شمالي إدلب، 2 نيسان 2020، بعد ثلاث سنوات من هجوم كيميائي مشتبه به في خان شيخون. الصورة: محمد عبدالله / وكالة الأناضول / جيتي
كما أثرت المخاوف الإقليمية الأكبر على أمثال مصر وإسرائيل، اللتين تأملان في الحد من ترسيخ قوة أخرى غير عربية: إيران. ويقول شينكر في التقرير: “على نطاق أوسع، يبدو أن المسؤولين المصريين يؤيدون الفكرة المشكوك فيها بأن إعادة سوريا إلى الجامعة من شأنها أن تزيد تدريجياً من “عروبتها” وبالتالي تبعد دمشق عن إيران الفارسية”. “ومن المرجح أن تشترك دول إقليمية أخرى في وجهات نظر مماثلة؛ وحتى بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلية تقدر على الأرجح أن روسيا قد تحدّ من التعدي الإيراني على سوريا ما بعد الحرب في عهد الأسد”.
ومع ذلك، فإن كل هذه التطورات تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة بشأن الأسد وسوريا. ولا تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وأغلقت سفارتاهما، دون مسار واضح للمصالحة.
ومع ذلك، يبدو أن هناك تغييرات على قدم وساق بشكل غير رسمي على الأقل. وقال شينكر لمجلة نيوزويك إن “إدارة بايدن قالت إنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، ولكن لا يبدو أنها بعد الآن تمنع الشركاء العرب من القيام بذلك”. “إن عقوبات قانون قيصر، إذا طبقت، قد تمنع الدول العربية من استئناف العلاقات “الطبيعية”، بما في ذلك التجارة، مع نظام الأسد. لكن الارتباطات المتزايدة الأهمية تقوض عزلة نظام الأسد وما تبقى من سياسة عهد ترامب للضغط على النظام” لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2015 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار والتسوية السياسية لإنهاء الحرب المستمرة في سوريا.
يقول شينكر: “حتى الآن، منعت هذه السياسة نظام الأسد من تحقيق نصر كامل. ومع تحرك الدول العربية لإعادة تعويم الأسد، سيصبح من الصعب بشكل متزايد الإبقاء على العقوبات”.
قافلة عسكرية أمريكية تشارك في دورية مشتركة مع القوات التركية في قرية الهاشمية السورية على مشارف بلدة تل أبيض على طول الحدود مع القوات التركية، في 8 أيلول 2019. الصورة: ديليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية/غيتي
وفي الوقت نفسه، تواصل سوريا الحفاظ على وجود دبلوماسي في الولايات المتحدة في شكل بعثة دائمة للبلاد لدى الأمم المتحدة في مدينة نيويورك. وقالت علياء علي، التي تشغل منصب السكرتيرة الثالثة في البعثة، لمجلة نيوزويك إن حكومتها تأمل في أن القرار الأخير الذي اتخذته إدارة بايدن بالسماح بشحنات الطاقة إلى لبنان “سينعكس بشكل إيجابي على الشعب السوري، وأن يكون نقطة انطلاق للولايات المتحدة الأمريكية لإلغاء سياساتها ومقارباتها الخاطئة في المنطقة”.
وتصف علي هذه التطورات بأنها انتصار لسوريا وخسارة للولايات المتحدة، قائلة إنها “ما كانت لتحقق لولا انتصار الدولة السورية، وفشل الإدارات الأمريكية في تحقيق أهدافها، وتحقيق غالبية الدول الإقليمية والدولية أنه لا يمكن التوصل إلى نتائج فيما يتعلق بالسياسات أو رسم مسارات استراتيجية في المنطقة ما لم يتم التنسيق مع دمشق”.
لكن وجود قوات أجنبية غير مصرح بها على الأراضي السورية لا يزال يشكل نقطة خلاف مع دمشق – إذ لا يزال حوالي 900 جندي أمريكي في البلاد، حتى بعد خروج إدارة بايدن العسكري من أفغانستان وهدفها المعلن لإنهاء “الحروب إلى الأبد”. وقالت بثينة شعبان، إحدى كبار مستشاري الأسد، لمجلة نيوزويك “لا يمكننا الحديث عن انتصار سوري نهائي ما لم يتم تحرير الأرض السورية بأكملها، حيث لا تزال لدينا أجزاء من بلادنا تحتلها القوى الأمريكية والتركية”.
المنظور السوري
تعود فترة ولاية شعبان في حكومة النظام السوري إلى أيام والد الأسد، حافظ الأسد، الذي تولى الرئاسة في عام 1971، في بداية نصف قرن من الحكم الأسري الذي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا. توترت العلاقات مع الغرب في الغالب في عهد الأسد الأكبر، وهو من أتباع الأيديولوجية البعثية التقليدية، التي تمزج بين الاشتراكية والقومية العربية. كان ابنه بشار طبيب عيون طموحاً يدرس في المملكة المتحدة عندما جعلته وفاة أخيه الأكبر الوريث الواضح. وقد بشر في البداية بعهد جديد، أكثر عالمية في ظاهره، عندما تولى الرئاسة بعد وفاة والده في عام 2000.
ومع ذلك، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وانهارت في نهاية المطاف مع بداية الثورة السورية في عام 2011. أما بالنسبة لأي علاقات بين الولايات المتحدة وسوريا اليوم، قالت شعبان لمجلة نيوزويك “لا يمكننا التحدث عن أي نوايا جديدة حتى نرى الولايات المتحدة تسحب قواتها من سوريا“.
لكنها ترى قيمة في الدول الأخرى التي تبني الجسور مع سوريا، وتؤكد أن العديد من الدول قد جاءت لدعم الحكومة السورية طوال فترة الصراع. وتعتقد أن هذه الإجراءات تتسق مع تراجع القوة والنفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم.
وتقول بثينة شعبان “إن انعدام الثقة وعدم مصداقية السياسات الأمريكية خلال الإدارات المختلفة على مدى العقود الماضية، إلى جانب انتهاكها المستمر للقانون الدولي والوكالات الدولية، وجهودها لخلق صراعات في العديد من البلدان، كل هذا أدى إلى تدهور موقف ودور الولايات المتحدة في العالم. وتضيف: ” ليس فقط الدول التي لديها وجهات نظر مختلفة مع الولايات المتحدة، ولكن حتى حلفاء الولايات المتحدة بدأوا يفقدون الثقة في السياسات الأمريكية. وتصف الصراع السوري حتى الآن بأنه فوز على الغرب وما حاول إثباته للعالم.
تقول شعبان: “الرسالة الأولى التي أثبتتها الحرب على سوريا هي أن كل الدعاية الغربية حول هذه الحرب لا أساس لها من الصحة. “صورت وسائل الإعلام الغربية ما حدث في سوريا على أنه انتفاضة ضد الرئيس السوري والحرب على أنه حرب أهلية. إن التحقق من الواقع يثبت أنه لا يمكن لرئيس أن يبقى في السلطة إذا كان شعبه ضده، خاصة وأن الإرهاب كان مدعوماً وممولاً من قبل العديد من دول العالم”.
يتردد صدى رسالة شعبان في سوريا خارج القاعات الحكومية، وتداعياتها عالمية. يقول أحد المراقبين السوريين الذي اختبر شخصياً وتابع عن كثب أحداث الحرب لمجلة نيوزويك “إن تجمع خصوم الولايات المتحدة في سوريا يعني أن دولاً مثل روسيا وإيران والصين قد تسعى إلى عرقلة الإجراءات الأمريكية في أماكن أخرى أيضاً”.
ويقول المراقب، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب الوضع الأمني الحساس في البلاد، “الرسالة واضحة، يمكن هزيمة الولايات المتحدة، أو على الأقل إيقافها، كما هو الحال في سوريا اليوم”. وقال “من الآن فصاعداً، لن يسمح خصوم الولايات المتحدة بحدوث ما حدث في العراق وليبيا مرة أخرى. فالولايات المتحدة ليست أضعف عسكرياً أو اقتصادياً، لكن أعداءها يزدادون قوة، وكذلك إرادتهم في العمل معاً”.
ويعترف هذا المراقب بأن الانتفاضة ضد الأسد أطلقها السوريون، لكنه يقول إن الحملة لإنقاذه كانت لها أيضاً جذور أصلية. ويقول “يمكنكم كسب حرب ضد أي نظام في العالم، لكن لا يمكنكم أبداً كسب الحرب ضد الناس“. وأضاف أن “الشعب السوري هو الذي نهض ضد الأسد لكن الشعب السوري هو الذي دافع عنه أيضاً”.
تهديدات وجودية
لم يعمل السوريون على جانبي الحرب بمفردهم. وكما انضم متطوعون من العديد من البلدان إلى الثورة ضد نظام الأسد على مدار الصراع، تدخل المقاتلون الأجانب (الميليشيات الطائفية) أيضاً نيابة عنه.
وكان من بين الذين حشدوا الدعم الإيراني لدعم الأسد في سوريا في عام 2013 حركة النجباء المجاورة لحزب الله العراقي، وهي جزء من “محور المقاومة” الذي نصب نفسه إسلامياً، وأغلبه شيعي، ويعارض أعمال واشنطن وشركائها في المنطقة. يصف نصر الشمري، نائب الأمين العام والمتحدث باسم حركة النجباء، بالتفصيل صوراً لقطع الرؤوس والسلب التي نفذها تنظيم القاعدة الذي تحول لاحقاً إلى تنظيم الدولة الإسلامية المسلح (داعش)، ويقول إن قرار التدخل كان متجذراً في مثل هذه الفظائع، التي صاحبتها تهديدات للمسلمين الشيعة في المنطقة، وهم أقلية في سوريا.
وكان جزء كبير من العالم في ذلك الوقت يركز على صور مروعة أخرى، مثل البراميل المتفجرة التي تسقط من الطائرات الحكومية على المدن السورية والتقارير عن التعذيب المنهجي وقتل الآلاف من معارضي الأسد في سجون سرية في جميع أنحاء البلاد. كما استمرت مزاعم جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد وأجهزته الأمنية باستخدام مثل هذه الأسلحة المحظورة، بما في ذلك استخدام غاز الأعصاب لقتل 1400 مواطن في الغوطة، إحدى ضواحي دمشق، في عام 2013. وإجمالاً، جعل النزاع سوريا رائدة على مستوى العالم في تصدير اللاجئين وطالبي اللجوء، حيث فر أكثر من 6.6 مليون شخص من البلاد، بل وشرد المزيد منهم داخلياً، وفقاً للأرقام التي تتقاسمها الأمم المتحدة.
ومع اشتداد القتال، اتهمت الطائرات السورية والحلفاء الروس في الجو بقصف المستشفيات والمدارس وحتى دور العباة والجوامع، مما يضمن عدم وجود شيء مقدس في مثل هذه المعركة غير المقدسة. دفعت التقارير المتصاعدة إلى إجراء تحقيقات دولية نيابة عن القوى التي كانت لا تزال تأمل في الإطاحة بالأسد.
أتاحت الفرصة نفسها لإنذار أخير بين أمة تتوق إلى النصر لكنها مرهقة من الحرب. بعد تمويل المعارضة بهدوء، وضعت الولايات المتحدة خططاً محتملة لإسقاط الأسد.
وقد وضع الرئيس باراك أوباما “خطاً أحمر” بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، مما يعني أن استخدامها سيتجاوز عتبة داخلية أدت إلى رد عسكري أمريكي. حتى أنه سعى للحصول على موافقة الكونغرس من أجل التدخل الأمريكي. ومع ذلك، تراجع الرئيس الأمريكي وسط اتفاق دولي (روسي أمريكي) لنزع سلاح مخزون الأسلحة الكيميائية في سوريا.
لكن التقارير عن الانتهاكات استمرت، وكذلك قسوة تنظيم “داعش” وغيرها من الجماعات المتشددة التي تغلبت على صفوف الجيش السوري الحر “المعتدل” واستهلكتها. كانت واشنطن تدرك أن المعارضة السورية محكوم عليها بتدمير نفسها بنفسها. فقد رأى البنتاغون بطلاً جديداً في المجتمع الكردي الذي لا يعرف الكلل في سوريا، والذي كان يسعى دائماً إلى المزيد من الحكم الذاتي عن حكم الأسد الموجه نحو العرب، لكنه يواجه الآن، مثل الأقليات الأخرى، تهديداً بالإبادة الجماعية من الجهاديين.
ما بعد القرن الأمريكي
ويعتقد الشمري أن هناك سببين لما يعتبره تراجع القوة والنفوذ الأمريكيين. الأول، كما يقول، داخلي: “لم تعد الولايات المتحدة اليوم كما كانت من قبل، والسبب الرئيسي هو السياسات الأمريكية المتعنتة التي تتجاهل تماماً إرادة الشعوب وتراثها الثقافي ونسيجها الاجتماعي، وعدم الثقة في شعوب المنطقة، والتخلي المستمر عن الحلفاء، والتجاهل الكامل لمصالح بلدان المنطقة قبل المصالح الأمريكية”.
بالإضافة إلى ذلك، يقول إن المنافسين الأمريكيين أصبحوا أكثر قدرة وقابلية للتكيف.
“السبب الثاني“، كما يقول، هو “القدرة والقوة المتنامية لمنافسي أميركا في العالم – مثل روسيا والصين وإيران – وثقة حلفائهم فيها ومواقف بعض الدول المذكورة التي تدعم هؤلاء الحلفاء وتؤهلهم دون أي افتراضات أو تدخل في قيم الشعوب أو نسيجها الاجتماعي.
وفي نفس الوقت تقريباً الذي غيرت فيه الولايات المتحدة موقفها رسمياً لدعم “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد في تشرين الأول 2015، كانت سماء سوريا غارقة في هدير طائرات القوات الجوية الروسية. وقال “يفغيني بوزينسكي”، وهو جنرال متقاعد في الجيش الروسي ورئيس المجلس التنفيذي في مجلس الشؤون الدولية الروسي، لمجلة نيوزويك إن “الأسد كان ديكتاتوراً، وحشاً في بعض الآراء، لكنه كان حليف روسيا”. “عندما تدخلت روسيا في عام 2015، كان الأسد على وشك الانهيار. روسيا أنقذته”.
“الجيش العربي السوري” المحاصر، الذي يعاني من الموت والانشقاق، تم تنشيطه من قبل شريك قوة عظمى قلب الطاولة في السماء وفي ساحة المعركة. وروسيا، التي عملت مع الصين منذ عام 2011 لضمان عدم تعرض الأسد لنفس مصير القذافي من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) ضد العمل الدولي في سوريا، تنسق الآن بشكل وثيق مع طهران وحلفائها للحفاظ على صديق مشترك في السلطة.
يقول بوزينسكي: “كان هناك تقسيم للعمل، روسيا تتصرف من السماء، وتقصف وتضرب الصواريخ، وإيران تعمل على الأرض، بالتعاون مع القوات المسلحة السورية، في وقت واحد”.
دخان يتصاعد بعد أن قصفت طائرة حربية تابعة للقوات المسلحة الروسية منطقة سكنية في حي دارة عزة في حلب ، سوريا ، في 4 تشرين الأول 2016. محمود فيصل / وكالة الأناضول / جيتي.
ويؤكد بوزينسكي أن نهج موسكو أثبت أنه “نموذج” من نوع ما للتدخل الناجح لروسيا وشركائها. ولم يقتصر هذا التصميم القاتل على إبقاء قوات الأسد واقفة على قدميها، بل أيضاً، كما يعترف رئيس العمليات الإعلامية في قوات سوريا الديمقراطية فرهاد الشامي، تجنب الفرار من الجيش السوري المحاصر.
وقال الشامي لمجلة نيوزويك إن “الدعم الروسي والإيراني المباشر كان حاسماً لبقاء الأسد في السلطة. وأضاف: “استفاد الأسد كثيراً من الدعم الروسي في التخلص من خصومه والحد من سيطرتهم على مناطق سورية. والأهم من ذلك، أنه قلل من فرص الانشقاق بالنسبة للعديد من الذين اشتكوا منه، سواء كانوا سياسيين أو جنوداً ما زالوا الآن داخل مؤسسات النظام”.
لكن الشامي يحذر من أن الأسد “لم ينج مرة واحدة وإلى حد ما من السقوط ويواجه العديد من المخاطر إذا لم يحقق درجة كافية من الانفتاح على المجتمع وتغيير سلوكه وعقليته”.
خسارة الحروب، واختيار المعارك
يستمر الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، على الرغم من أنه يقتصر على هزيمة فلول تنظيم “الدولة الإسلامية“. ومع تعزيز روسيا لوجودها في جميع أنحاء سوريا، فتح الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، مجلس سوريا الديمقراطية، خطاً أمام موسكو أيضاً على أمل أن تتمكن الولايات المتحدة وروسيا من العمل معاً لضمان التوصل إلى اتفاق بينهما وبين دمشق.
وقالت الرئيسة المشاركة لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد أمام تجمع صغير من الصحفيين في واشنطن بوقت سابق من هذا الشهر: “نحن مهتمون جداً بالمحادثات المباشرة مع الأسد، مع الحكومة السورية. طلبنا من شركائنا أن يلعبوا دوراً إيجابياً في حملنا على إيجاد حل بيننا وبين الحكومة السورية”.
ومع ذلك، كان التقدم بطيئاً، وأدى عدم تحقيق النتائج إلى بعض التخمين الثاني في بعض الأحيان، حتى بين القوة الشريكة للولايات المتحدة.
تقول إلهام أحمد، معربةً عن أملها في أن تسفر هذه الزيارة إلى العاصمة الأميركية عن “شيء مختلف” عن التجارب السابقة: “من وقت لآخر، عندما لا نرى أي تغيير مادي أو حقيقي، نحاول إعادة حساب أفكارنا.
أما بالنسبة لـ فورد، السفير السابق، فقد استقال من وزارة الخارجية في عام 2014، محبطاً مما اعتبره نهجاً بطيئاً ومضللاً في الحرب السورية. واليوم، كثيراً ما يناقش ما حدث من أخطاء للولايات المتحدة، لكنه يؤكد في نهاية المطاف أن الحكومة في واشنطن لم تكن أبداً في وضع أساسي لتوجيه مسار الصراع في سوريا.
يقول فورد: “من المؤكد أن مصداقيتنا تعرضت لضربة قوية”. “لكنني أعتقد أن ما يحتاج قرائك حقاً فهمه هو أن الأمريكيين لم يتحكموا في مسار الأحداث في سوريا. لم ننفق الموارد لتغيير مسار الأحداث هناك، وحتى لو قمنا بزيادة عدد الموارد بشكل كبير، لست متأكداً من أننا كنا سنخرج إلى حيث نريد “.
ويضيف: “لقد تورط الأميركيون في شيء أكبر بكثير مما كانت عليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وانتهى بنا الأمر إلى أن نكون لاعباً واحداً من بين العديد من اللاعبين. “وعندما تكون لاعباً واحداً من بين الكثيرين، اللاعب الوحيد لا يسيطر عليها، إيران لا تسيطر عليها، روسيا في حد ذاتها لا تسيطر عليها، حتى الأسد نفسه لا يسيطر عليها، الأتراك لا يسيطرون عليها. إنه تفاعل معقد حقاً“.
وفي بعض الأحيان، كما يقول، من الأفضل للولايات المتحدة أن تبقى خارج المزيج تماماً، لا سيما في البلدان التي يكون فيها للمنافسين اهتمام ونفوذ واستعداد أكبر لتطبيق كليهما.
يقول فورد، “الأمريكيون بحاجة فعلاً إلى انتقاء واختيار معاركهم بعناية”.
—————————————
رسائل الميدان النارية بين صواريخ بوتين وتهديدات أردوغان/ العقيد عبد الجبار عكيدي
“نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدرا للهجمات الإرهابية من سوريا باتجاه بلادنا”
“الهجوم الأخير على قواتنا في منطقة عمليات درع الفرات والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حدا لا يحتمل”
“سنقضي على التهديدات التي مصدرها شمالي سوريا إما عبر القوى الفاعلة هناك وإما بإمكانياتنا الخاصة”
تهديدات هي الأكثر صرامة تجاه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزيري الدفاع والخارجية، رداً على مقتل عنصرين من شرطة المهام الخاصة التركية بالقرب من مدينة مارع بمنطقة درع الفرات يوم الإثنين الماضي.
جاء الرد الروسي على هذه التهديدات سريعاً لكن على طريقتهم التقليدية البوتينية الدموية، حيث شنت الطائرات الروسية غارات على محيط مدينة مارع الواقعة في مناطق النفوذ التركي في تصعيد غير مسبوق وللمرة الأولى منذ سنوات، في رسالة واضحة لحليفها اللدود بأنه لا يمكنكم القيام بأي عملية عسكرية دون التفاهم معنا، وحل الخلافات العالقة في الملف السوري وملفات أخرى، في مؤشر على أن قمة الرئيسين الروسي والتركي الأخيرة في سوتشي 29 الشهر الفائت لم تكن ناجحة.
تجاوز التصعيد الروسي كل الخطوط والتفاهمات عبر قصف قوات قسد، منطقة قرقميش التابعة لولاية غازي عينتاب داخل الأراضي التركية بخمس قذائف هاون مصدرها قرية زور مغار غرب مدينة عين العرب المحاذية للشريط الحدودي، زاد هذا القصف الطين بلة، ورفع من حدة التصريحات الإعلامية حيث حمل وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو مسؤولية هذا التصعيد للولايات المتحدة وروسيا “بما أن روسيا والولايات المتحدة لم تلتزما بتعهداتهما بخصوص هجمات ypg \pyd فيجب علينا الاعتماد على أنفسنا والقيام بما يجب”.
تصريحات تعيدنا بالذاكرة للحظات التي سبقت شن القوات التركية عملياتها العسكرية السابقة (درع الفرات، غصن الزيتون، درع الربيع، نبع السلام)، والتي هدفت لتهيئة الرأي العام الداخلي.
تركيا التي عودتنا ألا تقوم بأي عمل عسكري دون تأمين غطاء سياسي وتحقيق تفاهمات وتوافقات مع الدولتين العظميين أميركا وروسيا، من الواضح أنها تتعرض اليوم لضغوط كبيرة، جعلت ردها حذراً وأقل من حجم التصريحات والتهديدات، حيث اكتفت عملياً برد كلاسيكي اقتصر على استهداف مصادر إطلاق النار في مناطق سيطرة قسد ونقاطها المشتركة مع النظام، ما يعني أن تركيا لم تحصل بعد على الضوء الأخضر ولا حتى البرتقالي بشن عملية واسعة.
إلا أن ذلك لا يعني عدم رغبة روسيا بشكل قطعي بالتصعيد العسكري التركي ضد “قسد” لعدة أسباب:
أولها: أنها ترى نفسها الطرف الأقوى القادر على فرض شروطه، وأن هذا التصعيد يمكن أن تدفع تركيا ثمنه من أجل تنفيذ مخرجات أستانا وتفاهمات سوتشي كما يحلو لها.
ثانياً: الضغط على تركيا من أجل حل ملف هيئة تحرير الشام والجماعات الجهادية الأخرى، وفتح الطرق الدولية M4-M5، والمعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة.
ثالثاً: التنصل وعدم تنفيذ التفاهمات مع الجانب التركي بإبعاد قسد عن الحدود التركية مسافة 30 كم، والمراوغة بعدم تنفيذ التفاهمات بما يخص مدينة تل رفعت وما حولها، ومدينة منبج، اللتين تحتلهما قوات سوريا الديمقراطية.
رابعاً: وهنا بيت القصيد، أن الهدف الأساسي للروس استعادة سيطرة النظام على كل المناطق السورية، وخروج جميع القوات الأجنبية غير الشرعية كما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقائه الأخير مع الأسد في موسكو منتصف الشهر الماضي، في إشارة إلى القوات الأميركية والتركية.
أما الولايات المتحدة فهدفها واضح بإبعاد تركيا عن روسيا وإعادتها إلى حضن حلف الناتو، وإلغاء صفقة صواريخ إس 400، بالإضافة إلى سعيها لتأمين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حال انسحابها من المنطقة.
تركيا التي تسعى لضبط الحد الأدنى من التوافقات، تخشى أن تذهب التفاهمات الأميركية الروسية على حسابها لجهة التطبيع بين النظام وقسد وهو ما تسعى له روسيا، وقد توافق أميركا عليه، لذا لا يمكنها الرضوخ، وتقديم أي تنازلات مجانية يمكن أن تؤدي إلى إنهاء دورها في الملف السوري، ما يجعل أولوياتها تنحصر في:
أولاً: تأمين حدودها وإبعاد خطر العدو اللدود (قسد) بكل الأشكال ومنع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية.
ثانياً: توقف واشنطن عن تمويل وتسليح تلك المنظمات المصنفة على قوائم الإرهاب.
ثالثاً: إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية والتوقف عن استهداف مناطق النفوذ التركي مما يسمح بتنمية المنطقة بشكل يشجع اللاجئين السوريين على العودة إليها، وتخفيف عبء الضغط السياسي من قبل المعارضة التي تستثمر بقوة في ملف اللاجئين.
رابعاً: المحافظة على اتفاقات وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، ومنع اجتياح قوات النظام وحلفائه منطقة جبل الزاوية.
بشكل عام الأمور تتأزم بين جميع الأطراف وشد الحبل في أعلى مستوياته، وأي عملية عسكرية يمكن أن تقوم بها تركيا بالتأكيد تحتاج إلى تحضيرات على الأرض وتوافقات سياسية مع واشنطن وموسكو، أو مع أحدهما على الأقل.
لكن الفتور في علاقة الرئيس التركي مع الرئيس الأميركي جو بايدن، ورسائل الدعم الأميركي الأخيرة لقسد وحفاوة استقبال مسؤولي إدارة بايدن لوفد قسد في نيويورك، على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بالإضافة للتصعيد العسكري الروسي الذي يوحي بانقلاب على كل التفاهمات في أستانا وسوتشي، ومحاولة فرض واقع جديد على تركيا، يؤكد أن المناخ السياسي العام غير مهيأ لإعطاء تركيا الغطاء السياسي والسماح لها بالقيام بأي عمل عسكري جديد في سوريا.
رغم أن أنقرة تعطي أولوية لإمكانية التفاهم مع أميركا وروسيا، إلا أنها أمام تحديات كبيرة إذا ما فشلت بوقف هجمات قسد على أراضيها، ومناطق نفوذها في شمالي سوريا بالطرق الدبلوماسية ومن خلال تطبيق التفاهمات مع روسيا وأميركا التي حصلت بعد عملية نبع السلام في خريف العام 2019، ولم تتمكن من تأمين غطاء سياسي، قد تلجأ لعمليات نوعية مؤثرة تستهدف قيادات قسد ومواقعها وخطوط إمدادها، عبر سلاح الجو وطائراتها المسيرة (بيرقدار) التي أثبتت فاعلية كبيرة في عملية درع الربيع التي شنها الجيش التركي على قوات النظام العام الماضي، انتقاما لمقتل جنوده في جبل الزاوية.
ما سبق لا يعني انتفاء إمكانية قيامه تركيا بعمل عسكري منفرد إذا استمرت قوات قسد بعملياتها الإرهابية وتهديد أمنها القومي، كما لا يمكن الجزم بوجهة العملية العسكرية التركية في حال وقوعها، واحتمالية أن تكون استكمالاً للمرحلة الثانية من عملية نبع السلام في منطقة شرق الفرات.
ويبدو أن طرد التنظيم الإرهابي من مدينة عين العرب الحدودية، ذات الأهمية كبيرة بالنسبة للقيادات الكردية، وتحريرها يعني وصل مناطق عمليات نبع السلام بمناطق عمليات درع الفرات الواقعتين تحت النفوذ التركي، والقضاء على آخر حلم للحزب الانفصالي بإقامة دولته المزعومة، مع بقاء كل الاحتمالات مفتوحة على جيب تل رفعت ومنبج، وربما تل تمر أو المالكية في ريف الحسكة.
لدى أنقرة من أسباب القوة ما يجعلها قادرة على تنفيذ تهديداتها، من خلال قواعدها العسكرية التي باتت منتشرة في جميع مناطق المعارضة، وتدريبها وتأهيلها على مدار السنوات الخمس الماضية لفصائل (الجيش الوطني)، التي تجاوز عدد مقاتليها 75000 موزعين على أربعة فيالق، ثلاثة منها منتشرة في مناطق الشمال والشمال الشرقي، والفيلق الرابع (الجبهة الوطنية للتحرير) في مناطق إدلب والساحل، بالإضافة لهيئة تحرير الشام التي يتجاوز عدد مقاتليها 7000 مقاتل.
ومع أن الأمور في سوريا مفتوحة على كل الاحتمالات، ورغم تواتر الأنباء عن حشود تركية في منطقة سروج المقابلة لمدينة عين العرب، واستنفار مقاتلي الجيش الوطني استعداداً لتحقيق الحلم الموعود بتحرير مدينة تل رفعت والقرى المجاور لها، إلا أنه من غير المتوقع أن تقوم تركيا بتنفيذ عملية عسكرية واسعة، وغالباً سيتم الاكتفاء بعمليات نوعية هنا وهناك، مع الاستمرار بتعزيز قواعدها ومواقعها العسكرية، وتدريب وتأهيل ورفع كفاءة الفصائل المتحالفة معها، واستخدام أوراق ضغط في ملفات أخرى تؤمن لها أوراق ضغط إضافية بسوريا، مثل ملفات (ليبيا، القرم، أذربيجان، أفغانستان..إلخ)، وانتظار تغيير الظروف السياسية الدولية للقيام بعمل عسكري يؤمن حدودها الجنوبية والقضاء على ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (p y d- y p g).
تلفزيون سوريا
——————————–
معوقات العملية التركية في سوريا/ العقيد عبد الجبار العكيدي
شهد الشمال السوري تصعيداً عسكرياً لافتاً خلال الأسابيع الماضية، تعرضت فيه المنطقة لخرق قواعد الاشتباك والتفاهمات بين الحليفين اللدودين والشركاء في مسار أستانة، روسيا وتركيا.
لم يتوقف التصعيد عند القصف الروسي لمحيط مدينة مارع الواقعة تحت النفوذ التركي، بل تعدّاه الأمر لسقوط عدة قذائف هاون على مدينة قرقميش التركية، مصدرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المتواجدة في قرية شير مغار غرب مدينة عين العرب، الداخلة ضمن خط سير الدوريات التركية الروسية المشتركة، في تصعيد لم يكن الأول من نوعه داخل الأراضي التركية وعلى المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي.
ردود الفعل جاءت بوتيرة عالية عبر رأس الهرم في تركيا، الرئيس رجب أردوغان، مهدداً بشن عملية عسكرية في الشمال السوري ضد القوات الكردية وقوات النظام. وقال أردوغان إن “كفاحنا في سوريا سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة، سنخوض كل اشكال الكفاح اللازم ضد تلك التنظيمات الإرهابية والقوات المدعومة أمريكيا هناك، وكذلك ضد قوات النظام، ونحن عاقدون العزم في هذا الخصوص”.
ولكن على أرض الواقع لم تترجم هذا التصريحات النارية لأفعال تعكس مدى قدرة وجدية الجانب التركي على القيام بأي عمل عسكري في ظل الظروف الراهنة وتعقيدات المشهد الدولي، فما هي الأسباب والعوائق التي قد تمنع القيادة التركية من تنفيذ تهديداتها؟، هل هي تخشى من جرها الى فخ معركة لم تختر مكانها وزمانها؟، أم أن حكومة حزب العدالة والتنمية تواجه صعوبات موضوعية تجعل من الظرف غير ملائم لذلك؟
لا شك أن تركيا عسكرياً قادرة على استكمال عملية نبع السلام شرق الفرات، التي توقفت بموجب تفاهمات مع الولايات المتحدة وروسيا، في خريف 2019، أو على شنّ عملية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية غرب الفرات في مدينتي منبج أو تل رفعت، اللتين تحتلهما قوات “pyd”، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، وإلحاق هزيمة ساحقة وسهلة، بها على غرار ما جرى في عملياتها السابقة (غصن الزيتون، نبع السلام)، بل إنها لا تحتاج الى استخدام الكثير من القوى والوسائط طالما أنها ستعتمد على حليفها وشريكها في الميدان (الجيش الوطني السوري).
إلا أن ما يعيقها في الواقع عوامل عدة، داخلية وخارجية، أهمها:
أولاً: العوامل الخارجية
الحسابات الإقليمية والدولية وتوازنات القوى الموجودة في الميدان، إذ أن المعادلة العسكرية في سوريا أصبحت تخضع لحسابات الدول التي لها جيوش على الأرض وتتقاسم النفوذ فيها.
فعلاقة الحكومة التركية مع الولايات المتحدة في أسوأ حالاتها اليوم، وخاصة على المستوى الشخصي بين الرئيسين جو بايدن ورجب طيب اردوغان. تجلى ذلك برفض الرئيس الأميركي جو بايدن لقاء نظيره التركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الفائت، بالإضافة إلى تمديد الرئيس جو بايدن لقانون الطوارئ الوطنية بشأن التعامل مع سوريا، واتهام تركيا بتقويض جهود مكافحة داعش من خلال شن هجماتها العسكرية شمال شرق سوريا، ما يعني استمرار فرض العقوبات عليها.
وقد أعقب ذلك رد فعل الرئيس التركي الذي اتهم إدارة بايدن بمواصلة دعم التنظيمات الإرهابية شمال شرق سوريا، مشيراً إلى أن “بايدن بدأ بنقل الأسلحة والذخائر والمعدات الى المنظمات الإرهابية هناك”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التقط الرسالة من رفض الرئيس الأميركي اللقاء بأردوغان في نيويورك، وبالتالي عدم حصوله على ورقة تفاوض بحجم الورقة الأميركية للمساومة عليها أثناء جلوسه على طاولة المفاوضات في منتجع سوتشي في 29 أيلول/سبتمبر الفائت.
والحق أن الرئيس اردوغان عانى وللمرة الأولى، وكما لم يحدث ربما من قبل، من وقوعه بين رحى حجري الدولتين العظميتين، وهو الذي اتقن على مدار سنوات لعبة التوازنات الحساسة والمعقدة معهما، واستطاع أن يجاريهما ويستفيد من حاجة كل منهما لتركيا، وأن يوظف هذه الحاجة والتنافس على أنقرة من واشنطن وموسكو على أحسن وجه، إلا أن تفاجئه بالموقف المتصلب للرئيس الأميركي جعل موقفه مرتبكاً وضعيفاً ودون أوراق ضغط قوية أمام غطرسة الرئيس بوتين، الذي استثمر هذا الحال ليشن بالمقابل هجمات خطيرة عبر الخواصر الرخوة للموقف التركي.
هذا الظرف الدولي المعقد بالتأكيد سيكون له دور كبير في تأجيل القيام بعمل عسكري تركي في سوريا، وما ظهور الدبابات الأميركية قبل أيام في ريف الحسكة، إلا رسالة أميركية واضحة للجانب التركي، بأن المنطقة تحت حمايتنا.
وكذلك استئناف تسيير الدورية المشتركة التركية الروسية في مدينة عين العرب الاثنين، يعني احتواء الازمة وعودة التنسيق بين الجانبين، ولأننا اعتدنا ألا تنفذ تركيا هكذا عمليات إلا بوجود ضوء أخضر من الولايات المتحدة وروسيا، فان صانع القرار التركي بالتأكيد ليس ساذجاً ليتخذ قرارا بهذه الخطورة دون تفاهم مع واشنطن وموسكو والا سيكون كمن يذهب برجليه الى الفخ.
ثانياً: العوامل الداخلية
أما بالنسبة للعوامل الداخلية، فموقف الحكومة التركية يعاني من صعوبات لا تقل أهمية عن المعوقات الخارجية من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
إن كل الاحزاب السياسية تحشد منذ الآن ضد الرئيس التركي الذي يتعرض لضغوط كبيرة نتيجة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تركيا، من ارتفاع مستوى التضخم وانخفاض سعر الليرة، وغير ذلك من مظاهر أزمة على هذا الصعيد ليست خطيرة لكنها تستغل بشكل حاد من جانب المعارضة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن استخدام ورقة اللاجئين السوريين من قبل هذه الأحزاب لرفع وتيرة التصعيد ضد حزب العدالة والتنمية يجعل موقف الأخير أكثر صعوبة على صعيد الجبهة الداخلية، بالإضافة إلى أن تركيا مقبلة على انتخابات مصيرية بالنسبة للرئيس وحزبه الحاكم، واستحقاقات مهمة في عام 2023، وبالتالي فإن قرار الحرب يخضع للحسابات الانتخابية والخشية من المساءلة أمام الشعب وأمام المؤسسات، خاصة في حال التعرض لأي خسائر بشرية فيها.
باختصار، إن الظروف الدولية والعوامل الداخلية التي تواجه حكومة السيد أردوغان لا تسمح منطقياً لها باتخاذ قرار الحرب، وعلى الأرجح فإن أنقرة سوف تؤجل ما لا بد منه إلى أن تتهيأ الظروف الخارجية والمحلية للانقضاض على الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، التي تهدد حدودها، وطردها بعيداً، مع بقاء باب الاحتمالات مفتوحاً على تنفيذ عمليات محدودة في حال استمرار تهديد الأمن القومي التركي الذي تحظى حمايته بإجماع غالبية الأحزاب والتيارات التركية، وما قرار أردوغان البدء بجولة افريقية ابتداءً من الاثنين، إلا تأكيداً على أن قرار الحرب بات مؤجلاً، وأن الأولوية الآن لتحسين الجانب الاقتصادي، وربما تتضح الأمور أكثر بعد اللقاء المنتظر بين الرئيسين بايدن واردوغان في روما أواخر هذا الشهر على هامش قمة العشرين.
————————————
الغارات الإسرائيلية على سوريا إضافة بسيطة للحُطام/ نزار السهلي
قدرة النظام السوري، على هضم الحاجز “النفسي” لعواقب غارات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على قواته والميليشيات التي تسانده على الأرض، في حربه ضد الشعب السوري، لن تزيد سوى الانكشاف والتعري للنظام، وما كان سائداً طوال عقود من فشل تاريخي اتصف به نظام الأسد بما يتعلق مواجهة المحتل، الذي يمارس سطوته وعربدته منذ عقود، وكان لامتزاج لغة المناشدة والشجب والتهديد في زمان ومكان لا يأتي إلا في بيانات النظام وتندر السوريين عليه.
حقبة الثورة السورية
وفي حقبة الثورة السورية التي عرت كل شيء مرتبط “بمقاومة وممانعة” نظام الأسد، أصبحت غارات المحتل الإسرائيلي عاديات لسردية فارغة عن تصدي دفاعاته الجوية، التي أظهرت قدرتها المستأسدة فقط على أبناء سوريا وحشية فريدة في تاريخها المعاصر، بفعل مخزون سلاح ” التوازن الاستراتيجي” الروسي المستخدم “بكفاءة ” تجريب تفخر به المؤسسة العسكرية الروسية على جغرافيا السوريين وأجسادهم.
لم يكن لدى أحد من السوريين أوهام، أن شجاعة أو جرأة، يمكن أن تصيب عقل نظام محكوم بهوس السلطة ووظيفتها الباطشة بهم، بمقدورها أن تحقق الحد الأدنى من الأخلاق والوطنية، بغير هذا الشكل المفزع والمفجع وبالتناغم الباطش مع المحتل الإسرائيلي والروسي، المتفاخر بتقنيته العسكرية فوق حطام المدن السورية، خصوصاً مع ثقوب السيادة المتباكى عليها من احتلالين روسي وإسرائيلي، رسخ التحالف بينهما الأهداف والتنسيق عكس ما يرغب به حملة شعارات الرد على العدوان، وعكس ما بشرت به لوبيات قومجية صفقت لعاصفة السوخوي في سوريا، وخالفت أحلامهم أن الرفاق الروس سيخوضون حرباً مع المحتل الإسرائيلي لوقف عدوانه أو لتحرير الجولان، فإذا بهم يشهدون مع إنكار مخزٍ احتلال روسي يساند محتلا إسرائيلياً لتثبيت الأسد وإعادة تعويمه.
وظيفة الاحتلال الروسي في سوريا، غير معنية بأي شكل من الأشكال بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، ولا الحفاظ على سيادة مخترقة باحتلال روسي، غلاظة الزيف الدبلوماسي الروسي واقترانه بكليشيات بائدة ، تلقى صدى فقط عند محور المدافعين عن وجود نظام الأسد ووظيفته، وخط حميميم تل أبيب الساخن في تسهيل الغارات الإسرائيلية شاهدٌ مفضوح، تقاسم الطمأنينة بين الاحتلالين الروسي والإسرائيلي في سوريا، عزز من كفاءة الأدوار المتبادلة بينهم وبين نظام الأسد في الغارات المجتمعة على الشعب السوري ومقدراته، والتي تخدم في نهاية المطاف بروباغندا “محاربة الإرهاب” التي تجمعهم في خندق واحد، وهو غرض مشابه لتفسير البيانات بعد كل الغارات المستهدفة تجمعات وتمركز “الإرهابيين” على كامل الجغرافيا السورية
الغارات الإسرائيلية المتكررة
الغارات الإسرائيلية المتكررة على مواقع النظام السوري وحلفائه، تَحقق لها في ظل الاحتلال الروسي والسلوك الأسدي على الأرض، حتى هذه اللحظة ما يفوق ما كانت تتصوره المؤسسة الصهيونية، بل وما تحلم به، من تحطيم بنية المجتمع السوري وإحداث الكم الهائل من الفاجعة الديموغرافية، بفضل النتائج التي خلفتها آلة النظام السوري العسكرية والأمنية بدعم موسكو وطهران، وفي ظل الأوضاع الراهنة والتداعيات ” المنطقية” لحماية نظام الأسد ووظيفته، فإن كل حديث قديم وجديد عن الرد على العدوان، سيبقى باهتاً وسخيفاً أكثر مما يجب، وكل حديث في قياسه عن أوضاع المنطقة أو قضية فلسطين التي كانت أفضل حالاً على الأقل بمستوى الشعارات التي دمرها نظام الأسد وقوى الاحتلال الروسي والإسرائيلي والايراني، فطبيعة التعاطي مع الثورة السورية بشكل خاص وهجمة الثورة المضادة عموماً على ثورات الربيع العربي، مع حمى التطبيع العربي مع المؤسسة الصهيونية، قد أدت الى اعادة تنصيب الاستبداد بمساهمة إسرائيلية أمريكية، وتزكية روسية أشمل من تجربة سلاحها وصواريخها
الدور والحضور الإسرائيلي العدواني، من ثقوب السيادة السورية المخترقة من جهاتها المختلفة، يُنهي عقود الاعتكاف والتشرنق بالشعارات، ويعيد لقلب الشارع العربي نقطة التصادم مع ما هو لائق في تطلعات الشعوب في التحرر من الاستبداد والاحتلال، ومع ما هو غير لائق في التحالف القائم بين قوى الاحتلال المختلفة مع أنظمة قمعية ضد شعوبها، والغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية في راهنها لا تضيف إلا كومة حطام صغيرة إلى ثقل وضخامة التدمير التي أحدثها نظام الأسد في الضحايا والجغرافيا.
٭ كاتب فلسطيني
العربي الجديد
———————————
فورين أفيرز: روسيا ليست القوة العظمى بالشرق الأوسط وعلى واشنطن التوقف عن تضخيم دورها/ إبراهيم درويش
ناقش الباحثان فردريك ويهري وأندرو دبليو ويز وكلاهما زميل في وقفية كارنيغي للسلام العالمي بمقال نشرته دورية “فورين أفيرز” قالا فيه إن روسيا ليست قوة عظمى في الشرق الأوسط، وعلى واشنطن ألا تبالغ بتهديد موسكو. وأشارا في البداية إلى العرض العسكري السنوي في العاصمة الروسية، بشهر آب/أغسطس الذي لم تدخر فيه وزارة الدفاع وسعا لعرض آخر ما لديها من معدات عسكرية.
وعلى مدى 4 أيام أمتعت زوارها من 41 دولة بعضهم جاء من الشرق الأوسط بعروض عسكرية للسلاح المتقدم والاستعراضات بالرصاص الحي وراقصات الباليه على أبراج الدبابات وفيلم حركة يظهر عملية إنقاذ طيارين روس سقطت طائرتهما خلف خطوط العدو عام 2015.
وتم العرض في نفس الأسبوع الذي قامت به الولايات المتحدة بعملية الانسحاب الفاشلة من أفغانستان. وكانت الرسالة واضحة: عادت روسيا وبقوة على المسرح الدولي، وبخاصة في الشرق الأوسط. وتحاول روسيا ومنذ وقت استغلال أخطاء الولايات المتحدة والشكوك الدائرة بين الحلفاء القدامي لها في المنطقة وتوسيع بصماتها في الشرق الأوسط، لكن التهديد الذي تمثله على النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة أقل بكثير من التحذيرات الأخيرة التي أطلقها رموز من عهد دونالد ترامب مثل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتن وأتش إي ماكمستر.
وفي العالم العربي، تحديدا فطموحات روسيا الواسعة تتفوق على تأثيرها الحقيقي. ولهذا فعلى صناع السياسة الأمريكيين تجنب المبالغة في قدرات روسيا في الشرق الأوسط وهم يحاولون التعافي من كارثة أفغانستان وتطمين الشركاء وإعادة التركيز العسكري الأمريكي باتجاه آسيا.
كل هذا لا يعني تجاوز الدور الروسي في المنطقة، فبناء على بعض التقديرات فالوجود هذا هائل، فقد نشرت موسكو قوات عسكرية ومرتزقة في ليبيا وسوريا اللتان دمرتهما الحرب، مما أكد قدرتها على ملء الفراغ الذي خلفته وراءها واشنطن.
واستخدمت روسيا عدة طرق لكي تدمج نفسها في نسيج شمال إفريقيا والمشرق والخليج، فهي تبيع السلاح إلى دول مثل الجزائر ومصر والعراق وعملت بشكل قريب مع السعوديين في سوق النفط العالمي، من خلال ترتيب أوبك +. ويتحدث القادة الروس والإسرائيليين عن العلاقة الوثيقة بينهما في وقت يحاولون فيه تجنب التعثر ببعضهم البعض في سوريا. وتدير موسكو هذه الغزوات العسكرية والدبلوماسية بكلفة قليلة ورشاقة تامة. ولا يخشى فلاديمير بوتين من مراقبة البرلمان أو الإعلام الحر، مما يعني أن السياسة الروسية في المنطقة لا تعاني من ردة فعل سلبية أو تداعيات انتهاكات حقوق الإنسان. وتعتبر السمة هذه جاذبة للطغاة العرب الذين طالما عبروا عن استيائهم من دعم واشنطن المشروط.
وتمثل سوريا وليبيا مثالان واضحان حول المنافع التي تجلبها السياسة هذه على روسيا، فمن خلال استعدادها للتعامل مع أنظمة ولاعبين مكروهين ولا يمكن للغرب التعامل معهم، أصبحت موسكو وسيطا مهما في النزاعين. وهذا لا يعني تأثيرا مهما لروسيا في الشرق الأوسط، لأن تأثيرها يظل متواضعا وأكثر مما يفترض البعض. ولو نظر الواحد عن قرب على غزوات الكرملين في المنطقة، فخيباتها وفشلها تبدو واضحة. وهذا نابع من محدودية الأدوات المتوفرة لروسيا وتعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط. ورغم استحواذهم على الاهتمام الروسي إلا أن الفاعلين الإقليمين لا يتصرفون كوكلاء خانعين لروسيا، على العكس أظهروا دهاء وقدرة لإحباط طموحاتها، وهي دينامية عادة ما يتجاهلها المخططون الاستراتيجيون الغربيون.
وفي سوريا تحديدا التي ينظر إليها كرموز عودة التأثير الروسي في المنطقة، فقدرة موسكو على فرض التغيرات تلقى دائما عثرات. فالمبرر الرئيس لدخول القوات الروسية إلى سوريا وهو تقوية نظام بشار الأسد ومساعدته على المناطق الرئيسية في سوريا قد تحقق منذ 4 أعوام. ومنذ ذلك الوقت اكتشف الكرملين محدودية ما يمكن عمله كلما حاول استعادة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالإضافة لتخفيف العقوبات عن دمشق وإعادة إعمار البلاد، علاوة على الحد من تدخل القوى الخارجية مثل تركيا والولايات المتحدة في شمال سوريا. وتواجه مسكو دائما نفسها أمام محاولات نظام الأسد لعب رعاته الإيرانيين والروس ضد بعضهم البعض. وبنفس السياق لم يحقق التدخل الروسي في ليبيا أهدافه المنشودة. وبدءا من نهاية عام 2019 بدأت موسكو بنشر مرتزقة من الشركة الأمنية المعروفة فاغنر للقتال نيابة عن أمير الحرب خليفة حفتر، الذي كان مرة رصيدا لسي آي إيه والذي يسيطر على شرق ليبيا. لكن موسكو تشك دائما في قدراته العسكرية وولائه لها.
وفي منتصف عام 2020 وصلت القوات التركية ومنحت دعما للحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، بشكل دفع روسيا للتخلي عن حملتها للسيطرة على العاصمة ومنح مسار دبلوماسي بدلا من ذلك. ولم تكن جهود روسيا لتقوية تأثيرها بمناطق أخرى أحسن من سوريا وليبيا، فرغم شراء مصر والجزائر كميات كبيرة من السلاح الروسي إلا أنهما ترددتا بتعميق الشراكة الاستراتيجية مع موسكو أو منحها منفذا للقواعد الجوية والبحرية على أراضيهما.
وفي المجال التجاري يظل اختراق روسيا للمنطقة محدودا. وعلى خلاف الاتحاد السوفيتي السابق، فالدولة الروسية لا تمول اليوم مشاريع بنية تحتية ضخمة. وما تطمح إليه الشركات الروسية اليوم هو الحصول على المال، لكن ما تعرضه على الطاولة ليس منافسا لما تقدمه الشركات الصينية أو الأوروبية والأمريكية. ويعني التأثير الروسي المحدود أن أدوات السياسة الروسية ليست مناسبة لمعالجة المشاكل الشائكة التي تواجه المنطقة اليوم. وتضم هذه كوفيد-19 وتداعيات الوباء، فضلا عن المشاكل النابعة من الحكم المستبد والفساد والمطالب التي لم تلب للسكان الشباب المتزايدين، اي الفرص الإقتصادية.
ومع أن الولايات المتحدة تفتقد الأجوبة السهلة للتغيرات الجيلية، لكن لديها الميزة للتعامل مع المنطقة من خلال إطار شامل يقع على يمين- الوسط وبخاصة في ظل إدارة جوي بايدن. ففي ليبيا لا يزال المواطنون ممتنين للدور الأمريكي من أجل تنشئة مجتمع مدني ونشر التعليم والإعلام الحر والحكم المحلي والذي يتناقض مع التركيز على النهج القائم على الربح والتسلح والبنى التحتية والطاقة بدون ذكر اتهامات الأمم المتحدة بارتكاب مرتزقة فاغنر جرائم حرب. وكل هذا لا يعني التقليل من قدرة الكرملين على ارتكاب المخالفات في هذه المنطقة المضطربة.
وعليه فالطريقة الصائبة لخدمة المصالح الأمريكية يتم عبر تقييم رزين وواضح للتحديات التي تمثلها النشاطات الروسية وليس التحذير المستمر من خطرها. ويجب على واشنطن الاعتراف أن موسكو ستفشل في الكثير من الأحيان بتحقيق أهدافها نظرا للمحدودية وعدم قدرة اللاعبين المحليين الذين توكل إليهم خططها.
وفي هذا السياق على الولايات المتحدة تجنب التعامل مع المنطقة من عدسة الحرب الباردة، فليس كل مكسب أو خسارة هو عبارة عن حرب بالوكالة مفتوحة بين روسيا والولايات المتحدة. وعلى صناع السياسة الأمريكية تجنب التنافس مع موسكو وعرض صفقات كبيرة لدول المنطقة.
فقد أتقنت الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة فن استخدام التقرب من روسيا كوسيلة للحصول على خدمات من واشنطن، ويجب أن تتجنب الولايات المتحدة الوقوع في هذه المقامرة.
لكن على صناع السياسة الأمريكيين عدم التردد بمواجهة النشاطات الروسية من خلال الوسائل الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية أو النشاط السري. مثلا بدأت موسكو بطباعة عملات ليبية مزورة لمساعدة حكومة حفتر تمويل نفسها، وقامت واشنطن بإعلام شركائها في مالطة لمصادرة شحنة مليار دينار ليبي مزور.
وفي عملية أخرى قدمت واشنطن معلومات أدت للقبض على عميلين روسيين في ليبيا. وفي بعض الأحيان كانت الولايات المتحدة قادرة لتركيز الضوء على النشاطات الروسية، مثل قيام القيادة المركزية الإفريقية بنشر صورة التقطتها الأقمار الاصطناعية عن التعزيزات العسكرية الروسية في ليبيا، وهو ما يثبت خرق موسكو لقرار الأمم المتحدة تصدير السلاح إلى ليبيا. ولن تؤدي هذه الإجراءات للتأثير على تصميم روسيا بشكل عام في المنطقة، ولكنها قد تحبط أو تبطئ نشاطات خبيثة أخرى.
وبلا شك فقد تأثر الموقف الأمريكي في عموم الشرق الأوسط بكارثة الخروج من أفغانستان، لكن أرصدتها في المنطقة لا تقارن بتلك التي يملكها الآخرون. فلديها تأثير اقتصادي وسياسي، قوة عسكرية وقوة ناعمة وتبن للدبلوماسية المتعددة وقيادة تقوم على نظام عالمي تحكمه القواعد بشكل يعطيها اليد العليا على منافسيها ومنهم روسيا. ويجب على صناع السياسة الأمريكية تعزيز هذه المميزات بدلا من تضخيم الخطر الأمريكي.
————————-
الأسد يستقبل مبعوث بوتين:دور واشنطن انكفأ في الشرق الأوسط
قال رئيس النظام السوري بشار الأسد إن المستجدات والمتغيرات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وخصوصاً الانسحاب الأميركي من أفغانستان، “تؤشر إلى انكفاء دور الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط”.
وأضاف الأسد خلال استقباله المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء النظام (سانا)، أن المتغيرات الجديدة “تتطلب من دول المنطقة والجوار العمل لتعزيز الأمن والسلم ورسم مستقبل الشرق الأوسط بإرادة شعوبها من دون تدخلات خارجية”، حسب تعبيره.
بدورهما، أكد المسؤولان الروسيان لافرنتييف وفيرشينين أن الزيارة إلى سوريا “تأتي ضمن توجيهات بوتين لتعزيز التعاون وتوسيع العمل مع سوريا في جميع المجالات وعلى كافة المستويات”، مجددين التأكيد على “استعداد روسيا الدائم للمساهمة بفعالية في عملية إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية التي خربها الإرهاب”، فضلاً عن “عقد شراكات استثمارية مع سوريا في ميادين الطاقة والزراعة بما يحقق مصالح الشعبين الصديقين، ويساهم في تنشيط الاقتصاد السوري”.
وقالت “سانا” إنه جرى خلال اللقاء “بحث مجالات التعاون القائم بن البلدين سواء على صعيد مكافحة الإرهاب أو على الصعيد الاقتصادي والتجاري”، كما جرى النقاش حول “تطورات الأوضاع ميدانياً في سوريا، وآخر مستجدات الأحداث في المنطقة والعالم”.
وأشارت إلى أن اللقاء تناول أيضاً موضوع اجتماعات لجنة مناقشة تعديل الدستور في جولتها السادسة والتي ستنطلق الإثنين، إذ “تم التأكيد خلال اللقاء على أهمية الاستمرار في المسار السياسي من أجل التوصل إلى توافقات تنطلق من ثوابت الشعب السوري وتحفظ سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.
وكانت وسائل إعلام موالية للنظام قد أعلنت السبت، وصول وفد روسي رفيع المستوى إلى العاصمة دمشق، لإجراء لقاءات مع مسؤولين في النظام وصفتها ب”المهمة”.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، استقبل بوتين الأسد في الكرملين، في زيارة لم يتم الإعلان عنها مسبقاً. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن السبب وراء عدم إعلان زيارة رئيس النظام إلى موسكو، هو “لاعتبارات أمنية معينة يجب اتباعها وهي واضحة تماماً”، في إشارة منه للخطر على بشار الأسد في تحركاته.
———————————
لا يستطيع حتى التحكم بحسابه في تويتر.. “PKK” يشدد الخناق على قائد “قسد”
شدد حزب العمال الكردستاني (PKK) الخناق على قائد ميليشيا قسد مظلوم عبدي، لدرجة أنه لا يستطيع التحكم بحسابه الشخصي في تويتر.
وذكر موقع “تلفزيون سوريا” أنه تم تعيين مسؤول عسكري من قبل PKK للإشراف على اجتماعات وتحركات قائد قسد في مقره باستراحة “الوزير” بريف الحسكة.
ولفت إلى أن الحزب “شدد مؤخراً قبضته على المؤسسات الأمنية والعسكرية عبر تعيين مسؤولين وكوادر موالين وعلى ارتباط وثيق به”.
وتابع: “هذا الإجراء شمل قاعدة الوزير التي يوجد فيها مظلوم عبدي ومستشاروه وفريقه العسكري والإعلامي”.
وأردف: “مظلوم عبدي غير قادر حالياً على التحكم حتى بحسابه على موقع تويتر جراء وضعه تحت رقابة صارمة من مسؤولي العمال الكردستاني”.
يذكر أن سبب تشديد حزب العمال الكردستاني على قائد قسد لم يتضح بعد، لكن يرجح أن يكون بسبب تصريحات المسؤولين في قسد الداعية إلى التقارب مع تركيا.
—————————
قيادي في المعارضة السورية: العمل العسكري للنظام وروسيا مستبعد حالياً في إدلب/ محمد الأحمد
استهدفت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية، اليوم الإثنين، قرى وبلدات في منطقة ريف حلب الغربي، ومنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، ومنطقتي جبل الزاوية وجبل شحشبو بريف إدلب الجنوبي، الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، فيما أكد قيادي في المعارضة السورية أن العمل العسكري “مستبعد حالياً في إدلب”.
وقال الناشط علي حاج سليمان، لـ”العربي الجديد”، إن “قوات النظام والمليشيات الإيرانية المتمركزة في معسكر جورين غرب حماة، استهدفت بالمدفعية الثقيلة وصواريخ من نوع (غراد) قرى الحميدية، والزقوم، والحلوبة، في منطقة سهل الغاب غرب محافظة حماة، بالإضافة لقصف مماثل طاول قرى الفطيرة، وسفوهن، وكفر عويد، وفليفل ضمن منطقتي جبل الزاوية وجبل شحشبو جنوب محافظة إدلب”، مؤكداً أن “القصف أدى لدمار واسع في الأراضي الزراعية وممتلكات المدنيين في المنطقة”.
وأوضح سليمان أن “المليشيات الإيرانية المتمركزة في الفوج 46 استهدفت بقذائف الهاون والمدفعية بلدات كفر عمة، والهباطة، وتديل غرب محافظة حلب، دون وقوع إصابات بشرية، بالإضافة لاستهدافات بالرشاشات الثقيلة من قبل عناصر الفوج طاولت الأراضي الزراعية المحيطة ببلدة كفر نوران في الريف ذاته”.
وتواصل قوات النظام السوري والمليشيات المرتبطة بروسيا وإيران التصعيد في “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، وذلك بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية بينها دبابات لـ”الفرقة 25 مهام خاصة” خلال الـ48 ساعة الماضية إلى منطقة الحامدية القريبة من مدينة معرة النعمان جنوب محافظة إدلب.
وأكد العقيد مصطفى بكور، المتحدث باسم “جيش العزة”، أحد الفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين” العاملة في (منطقة إدلب)، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “النظام لم يتوقف يوماً عن تعزيز قواته واستبدالها في ريف إدلب وغيرها من مناطق التماس، وهو كل فترة عندما تشتد الخلافات بين الروس والأتراك يعلن عن تعزيزات وخطط للاقتحام، ويصعد عسكرياً بالقصف والمجازر بحق المدنيين؛ لذلك هذا الأمر أصبح طبيعياً لدى الجميع”.
ويرى القيادي في المعارضة السورية أن “العمل العسكري للنظام وروسيا على محافظة إدلب ومنطقة جبل الزاوية مستبعد حالياً”.
وحول استهداف منطقة باب الهوى السبت، لفت بكور إلى أنه “في ظل التهديدات التركية بعملية عسكرية على تل رفعت وما حولها، والجميع يعلم أن تل رفعت تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بحماية روسية؛ فأعتقد بأن قصف منطقة باب الهوى جاء في إطار ردع تركيا عن متابعة تهديداتها”.
وعن الجولة الجديدة للجنة الدستورية المنعقدة اليوم الإثنين بين وفدي المعارضة السورية والنظام السوري، أشار بكور إلى أن “اللجنة الدستورية منذ انطلاقتها الأولى انبثقت عن أستانة في ظروف معينة، وكل المتابعين يعلمون أن مهمتها ليست صياغة دستور ينهي المأساة السورية، وإنما هي لعبة روسية لتعويم نظام الأسد وتبرئته من المجازر والجرائم بنص دستوري يصوغه من يدعون أنهم أبناء الثورة السورية، بينما هم منصات تمثل مصالح دول أجنبية”.
اتهامات روسية لفصائل المعارضة
في سياق متصل، ادعى نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، الإثنين، أن فصائل المعارضة السورية تستهدف مواقع قوات النظام السوري، وقاعدة “حميميم” الجوية في منطقة جبلة بريف اللاذقية بطائرات مُسيرة، وتستخدم المدنيين في إدلب كدروع بشرية، و”لا يمكننا قبول هذا الوضع، وشركاؤنا يعرفون ذلك”.
وتأتي ادعاءات نائب وزير الخارجية الروسي بالتزامن مع تعزيزات عسكرية جديدة دفعت بها “الفرقة 25 مهام خاصة”، اليوم الإثنين، إلى خطوط التماس الفاصلة بين قوات المعارضة وقوات النظام جنوب محافظة إدلب.
وتتألف تعزيزات “الفرقة 25” من 40 سيارة عسكرية ونحو 250 عنصراً من معسكراتها بريف حماة الشرقي، واستقرت في قرية تلمنس شرق مدينة معرة النعمان بريف إدلب الشرقي، كما أن الفرقة أرسلت قبل يومين تعزيزات عسكرية ضمت دبابات إلى قرية الحامدية جنوب مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي.
من جهة أخرى، قالت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الإثنين، إن “الاجتماع الذي استضافته دمشق يوم الأحد بين نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، ركز على إعادة اللاجئين السوريين والنازحين إلى ديارهم”.
وأشارت وكالة “تاس”، نقلاً عن وزارة الدفاع الروسية، إلى أن “الجانبين تبادلا الآراء حول الوضع الراهن في سورية وما حولها، وآفاق تعزيز عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى أماكن إقامتهم الدائمة، مع إيلاء اهتمام خاص لإجراءات المساعدة الدولية للعودة الطوعية للسوريين”.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن “المبعوث الرئاسي الروسي الخاص للتسوية السورية ألكسندر لافرنتيف، ونائب وزير الخارجية سيرجي فيرشينين، التقيا مع الرئيس السوري بشار الأسد”، مؤكدةً أن الطرفين “بحثا الوضع الحالي في سورية والمساعدات الإنسانية للسوريين”.
————————-
العمق الحيوي في إدلب بمرمى قوات الأسد..ماذا تريد روسيا؟
في تطوّر لافت لمنحى التصعيد على منطقة شمالي غربي سورية، قصفت قوات الأسد المتمركزة في منطقة ريف حلب الغربي، السبت الماضي 16 أكتوبر/ تشرين الأول، تجمعاً مكتظاً لمنشآت صناعية ومستودعات ومقار لمنظمات إنسانية ومخيمات للنازحين ومركز شرطة تابع لـ”حكومة الإنقاذ” في محيط مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا.
وجاء قصف قوات الأسد بصواريخ “كراسنوبول” الروسية الموجّهة، بالتزامن مع تحليق طيران الاستطلاع الروسي في عمق المحافظة الحيوي، كتهديد صريح لضرب الشريان الاقتصادي والمعيشي للمنطقة، إذ إنّ الاستهداف امتدّ من شمالي مدينة سرمدا إلى مشارف معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، حيث ترتكز الحركة التجارية وشحنات الإغاثة.
واستدعى القصف الذي راح ضحيته 4 أشخاص و22 جريحاً، حسب توثيق “الدفاع المدني السوري”، هلعاً إضافياً لملايين السكان في إدلب ومحيطها، وكذلك استرعى انتباه محليين وباحثين مطلعين على تفاصيل الملف السوري.
كذلك حذرت فرق الإغاثة في الشمال السوري، من كارثة إنسانية جديدة، في ظل تصاعد قصف النظام وروسيا على مناطق أوسع تدريجياً، بعد أن انكفأ لأشهر على مناطق التّماس فقط.
واعتبر بيان لـ”منسقو الاستجابة” أنّ “القصف الذي استهدف(السبت) إحدى أكثر المناطق المكتظة بالمدنيين عموماً والمخيمات بشكل خاص هو مؤشر خطير لعمليات التصعيد”.
أبعاد القصف
تحدّث نوّار شعبان وهو باحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، عن قصف روسي مستمر على منطقة إدلب رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع الجانب التركي، تحت ذريعة دائمة هي محاربة “التشكيلات الإرهابية”، معتبراً أنّ “قصف خطوط التماس هو استنزاف الدفاعات الأولية وتفريغ المنطقة من السكّان(..) وضرب خطوط الإمداد، تهيئةً لهجمات برية محتملة”.
أمّا الضرب في العمق وهو ينطبق على قصف محيط سرمدا الأخير، فإنه يخلق حسب الباحث “نوعاً من عدم الطمأنينة في صفوف الحاضنة الشعبية وهو ما يدفع نحو ضغط داخلي على الضامن التركي، قد يجبره إلى العودة للمفاوضات لكن بشروط أقل”.
وكان ملاحظاً حسب ذات المتحدث بعد قمة بوتين ـ أردوغان في سوتشي قبل أيام، زيادة التصعيد الروسي على منطقة شمالي غربي سورية، سواء في إدلب أو مناطق “النفوذ التركي” شمالي حلب، ما يؤكد غياب التوافق على ملفات تتعلق بالشأن السوري.
ويرجّح في ختام حديثه، استمرار قصف قوات الأسد وروسيا، على العمق الحيوي بهدف الضغط على الجانب التركي، متزامناً مع حملة إعلامية تروّج لهجمات عسكرية جديدة على إدلب، في وقتٍ تغيب فيه مؤشرات بدء العمل العسكري على الأرض.
الحرب خيار قائم؟
يستبعد الصحافي سامر إلياس وهو خبير في الشأن الروسي، وجود مواجهة كبيرة بين الجانبين الروسي والتركي في سورية، أو حتى هجوم بري روسي واسع ضد مناطق النفوذ التركي، وصنّفه “احتمالاً ضعيفاً جداً”، معتبراً أنه “لا يمكن لأي عاقل أن يفكر بهذه الطريقة، إذ إنّ روسيا تصرّ على التفاوض السياسي مع تركيا حول ملفات الشأن السوري”.
واعتبر أنّ “الرسائل الدموية” القائمة في مناطق إدلب وشرقي الفرات، هي إحدى وسائل التفاوض بين الجانبين الروسي والتركي، مثلما ينطبق على تعطيل وتفعيل “اللجنة الدستورية”.
وتعوّل روسيا بشكل كبير على الموقف والحضور التركي في الملف السوري، إذ يساهم في ذلك عدة معطيات حسب الياس، أبرزها حدود سورية الواسعة مع تركيا، التي من الممكن أن تشوش على المشروع الروسي في سورية وتغرقها في “مستنقع أفغاني جديد”، وكذلك امتلاك تركيا ورقة “الجيش الوطني” والجماعات الأخرى التي لها علاقة معها وتسيطر على مساحة واسعة في شمال سورية.
ويضيف أن “العلاقات الروسية ـ التركية هي أكبر من سورية، فهناك تشابك مصالح في مجال التبادل التجاري والتسليح والطاقة النووية وتصدير الغاز إلى أوروبا، وفي عدة مناطق منها “القوقاز والقرم وليبيا وشرق المتوسط”.
وأمام الانتظار الروسي لحل سياسي شامل في سورية عبر صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على تعويم النظام وعودته للحضن العربي، اعتبر سامر الياس أنّ روسيا لا تخطط لتغيير حدود السيطرة على الأرض المرسومة منذ اتفاق 5 مارس/ آذار 2020.
ماذا تريد روسيا؟
ربما تكون إدلب خارج السياسة الاستراتيجية الروسية في سورية الهادفة إلى السيطرة الكاملة على الأراضي السورية وإعادتها للنظام، إلا أنّ هناك أهدافاً قريبة تطمح بلوغها في الوقت الحالي، يدعمها في ذلك عدة اتفاقات حول المحافظة أبرزها اتفاق “سوتشي” أيلول/ سبتمبر 2018، والتفاهمات الإضافية التي تمّ وقيعها في اتفاق “مارس/ آذار 2020”.
في هذا السياق، يشير إلياس إلى أن روسيا تحمل عدة مطالب أبرزها السيطرة على الطريق الدولية حلب ـ اللاذقية أو ما يعرف بـ(M4) وإعادة افتتاحه لسببين؛ الأول معنوي والآخر اقتصادي، فضلاً عن مطالباتها المستمرة بضرورة “فصل الإرهابيين” بحسب تصنيف مجلس الأمن الدولي، عن المعارضة “المعتدلة”.
وكانت روسيا علّقت تسيير دورياتها المشتركة مع الجانب التركي على طريق (M4) في أغسطس/آب العام الماضي، بسبب “استفزازت المسلحين” بحسب تصريحات وزارة الخارجية الروسية.
وانطلقت أولى الدوريات المشتركة، وسط رفض شعبي عارم، في 15 آذار/ مارس 2020 وسارت جزئياً على طريق حلب ـ اللاذقية، في حين اكتملت لأول مرة في 22 يوليو/تموز من العام ذاته.
——————————————————-
احتدام الصراع بين دمشق وأنقرة على طريق حلب ـ اللاذقية
«الشرق الأوسط» ترصد مواقف الأطراف من هذا الشريان الاستراتيجي شمال غربي سوريا
إدلب: فراس كرم
في وقت تواصل فيه قوات النظام والميليشيات الإيرانية، والمقاتلات الروسية، قصفها منطقة خفض التصعيد، التي تضم أجزاء واسعة من محافظة إدلب وجبل الزاوية، والقسم الشمالي من سهل الغاب بريف حماة الغربي، شمال غربي سوريا، حيث المنطقة الواقعة أسفل الطريق الدولية حلب – اللاذقية، أو ما تعرف بـ«إم4»، تتجه الأنظار نحو معركة السيطرة على هذه الطريق، والتحكم بها عسكرياً، لأهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية، والتي تربط شمال سوريا بغربها وجنوبها وشرقها، واعتبارها من أهم الطرق السورية الحيوية، التي تضمن الحفاظ على مصالح من يحكم السيطرة عليها.
تبدأ الطريق الدولية «إم4»، من أقصى الشمال الشرقي في سوريا، حيث النقطة الحدودية السورية مع العراق في بلدة اليعربية، بريف الحسكة، مروراً بمحاذاة مدينة القامشلي في الشمال الشرقي السوري، ثم بلدات وقرى تل تمر وعين عيسى ومدينة منبج والباب ثم مدينة حلب. وتستكمل مسارها من مدينة حلب إلى مدينة سراقب شرق إدلب وجنوبها، ثم باتجاه الغرب إلى أن تصل إلى الساحل السوري في مدينة اللاذقية. وعند سراقب تتجه جنوباً إلى دمشق ثم درعا، فيما تعرف بـ«إم5».
وكانت أهمية الطرق الدولية السورية تكمن في حجم الإيرادات من تجارة الترانزيت في سوريا عبر الطرق الرئيسية، حيث بلغت إيرادات هذه الطرق قبل عام 2011 أكثر من 3 مليارات دولار أميركي، من خلال مرور 150 ألف شاحنة على هذه الطرق سنوياً، وبدأت هذه العائدات بالتراجع مع بدء سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة على الطرق السورية البرية تباعاً.
– موقف دمشق وحلفائها
تسعى روسيا وقوات النظام وإيران إلى السيطرة على الجزء من الطريق الدولية «إم4» الذي يمر ضمن محافظة إدلب، مستغلة أحد بنود اتفاق آستانة، مع تركيا، والذي يقضي بالسماح للنظام وحلفائه، بمحاربة التنظيمات الإرهابية؛ منها «هيئة تحرير الشام»، أحد أكبر الفصائل التي تسيطر على محافظة إدلب، أو عزلها عن المعارضة المعتدلة، ولكل من هذه القوى مصالحها الخاصة التي ترتبط بإحكام السيطرة على طريق حلب – اللاذقية.
وقال عمر حاج بكور، وهو محلل اقتصادي وسياسي سوري، إن الهدف الروسي من السيطرة على «إم4»، «يكمن بالدرجة الأولى في توسيع مناطق نفوذها، وثانياً خدمة استثماراتها ومشاريعها المتعددة في سوريا؛ من نفط وفوسفات وحبوب ومعادن، فضلاً عن أن الطرق البرية السورية تربط مناطق نفوذها في جنوب سوريا وشمالها وشرقها، والبادية السورية والساحل السوري، حيث القواعد العسكرية الرئيسية والجوية الروسية، مثل مطار حميميم وميناء طرطوس، مما يجعل هذه الاستثمارات ذات جدوى اقتصادية حقيقية، لا سيما أنه بذلك يمكنها أيضاً بالتحكم في تركيا وإبعادها عن الحلف الغربي، وتقويض نشاط حلف (الناتو) في المنطقة».
ويضيف: «أما بالنسبة لإيران، فتعدّ أن المشاركة في السيطرة على (إم4) تضمن بها لنفسها منفذاً برياً حيوياً على البحر المتوسط، لتمرير بضائعها، والتملص من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وإمداد أذرعها في المنطقة مثل (حزب الله) اللبناني لوجيستياً وعسكرياً برياً، حيث تربط الطريق بين العراق وحلب والساحل السوري عبر ميناء اللاذقية، بالإضافة إلى ضمان وجودها مفاوضاً قوياً بالملف السوري وضمان حصتها في إعمار سوريا لاحقاً».
من جهته، قال الناشط الحقوقي سعيد نصر الدين، إن «فرض سيطرة النظام السوري على الطريق الدولية حلب – اللاذقية بمشاركة حلفائه، على الصعيد السياسي، يعني أنه أحكم سيطرته على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، ويفتح ذلك له الباب أمام رفع وتيرة التعاون والتطبيع مع بعض الدول العربية والغربية، وتقديم نفسه على أنه نظام حاكم فعلي للبلاد، وأنه استطاع بعد 10 أعوام من الحرب الدائرة في سوريا التغلب على الإرهاب، بحسب وصفه المتكرر للقضية السورية. أما على الصعيد الاقتصادي، فحتماً سيعود فتح الطريق، أمام حركة النقل البرية المحلية والدولية، بالمنفعة الاقتصادية على النظام السوري، وتحسين سعر الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وإصلاح الاقتصاد السوري المنهار».
– تركيا والفصائل
من جهته؛ قال ماهر السيد علي، وهو ناشط في إدلب: «لا شك في أن لتركيا الرغبة في فتح الطريق الدولية، حلب – اللاذقية، حيث إن الطريق تلعب دوراً مهماً في إعادة تنشيط الحركة البرية بين تركيا ودول الخليج العربي، إلا إن تركيا لا تريد التفريط في الطريق في الوقت الحالي، ما لم يكن هناك حل سياسي شامل للقضية السورية، وتعدّ أن التنازل عنها وسيطرة النظام وحلفائه على الطريق، أمر يقوض دورها في سوريا، مما دفعها مؤخراً إلى دفع أعداد كبيرة من قواتها وإنشاء أكثر من 32 نقطة عسكرية تركية على طرفي الطريق الدولية ونقاط دفاعية أخرى في جبل الزاوية جنوب الطريق، أمام حملة التصعيد الأخيرة التي يشهدها جبل الزاوية ومحاولات التسلل المتكررة من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية».
ويضيف أن تركيا «قامت مؤخراً بنشر محارس إسمنتية وكاميرات مراقبة بدءاً من مدينة أريحا الواقعة على الطريق وصولاً إلى منطقة عين حور القريبة من مناطق تسيطر عليها قوات النظام والروس بريف اللاذقية الشرقي، شمال غربي سوريا، لحمايته العمليات الإرهابية المتمثلة بزرع ألغام وعبوات متفجرة على طرفي الطريق واستهداف المارة، بما فيها القوات التركية، فضلاً عن تسيير دوريات شبه يومية على طول الطريق ضمن المنطقة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية».
وقال قيادي في فصائل المعارضة إن الطريق الدولية حلب – اللاذقية، هي الحد الفاصل بين جنوب إدلب؛ أي جبل الزاوية، وشمالها، وبالتالي في حال تمكن النظام وحلفاؤه من السيطرة على جبل الزاوية والطريق، فذلك سيسهل عليهم التمدد غرباً في تلال الكبينة بريف اللاذقية، وشمالاً في مدينة إدلب، ومن ثم نحو الشمال السوري، والسيطرة على كامل محافظة إدلب، بما فيها المنفذ الحدودي مع تركيا، باب الهوى».
وأضاف: «تحاول قوات النظام والميليشيات الإيرانية وميليشيا (حزب الله) اللبناني، استعادة السيطرة على الجزء من الطريق الدولية حلب – اللاذقية، الذي يمر بمحافظة إدلب، منذ أن تمكنت فصائل المعارضة من تحرير مدينة إدلب في نهاية مارس (آذار) 2015، وأعقبه في ذلك الوقت تحرير مدن أريحا ومحمبل وجسر الشغور، الواقعة على الطريق الدولي (إم4)».
وأوضح: «نراقب من كثب تحركات قوات النظام والميليشيات الإيرانية، في جنوب إدلب، منذ بدء حملتها العسكرية على جبل الزاوية ومناطق أخرى قريبة من الطريق الدولية (حلب – اللاذقية)، ولدينا معلومات شبه مؤكدة عن نية النظام والروس والإيرانيين إطلاق عملية عسكرية، محاولين من خلالها السيطرة على جبل الزاوية ومن ثم إحكام السيطرة على الطريق الدولية (إم4) جنوب إدلب»؛ الأمر الذي دفع بالفصائل إلى رفع الجاهزية القتالية والاستعداد التام لصد أي محاولة تقدم من قبل النظام وحلفائه، من خلال دفع تعزيزات عسكرية ضخمة إلى المواقع القريبة من خطوط المواجهة، ومنع النظام من الوصول والسيطرة على أي منطقة خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة. وزاد: «ربما نخوض في البداية معركة دفاعية، وفي الوقت ذاته لدينا خطط هجومية نحو أهداف ومناطق استراتيجية للنظام، من شأنها قلب الموازين والتغلب على النظام وحلفائه».
الشرق الأوسط
————————–
====================
تحديث 21 تشرين الأول 2021
—————————-
بشار الأسد: عمر بشير سورية/ خلدون النبواني
يكثر الحديث هذه الفترة عن إعادة تعويم نظام بشار الأسد، عربيًا على الأقل، أو كخطوة أولى. ومع أن الأمر ليس بالجديد، فإن مساعي الملك عبد الله، ملك الأردن، حول إمداد لبنان بالغاز من مصر، والكهرباء من الأردن، عبر الأراضي السورية، تبدو وكأنها قد نجحت فعلًا في كسر عزلة الأسد وفي تحقيق اختراق مقلق لما كان محظورًا قبل أشهر. ليست محاولة الأردن هي الأولى، فقد سبقتها محاولات عربية كثيرة من أجل إعادة الأسد المنبوذ والمطرود من الجامعة العربية إلى أروقتها. بدعمٍ عسكريّ إيرانيٍّ روسيٍّ، انتصر الأسد عسكريًا على المعارضة المُسلحة، ولا يُقدّم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أيّ بديل حقيقي، يمكن البناء عليه والتعاون معه، لمعظم الدول العربية المعارضة أصلًا لنجاح أي تجربة ديمقراطية عربية، قد تهدد حكمها الأُسريّ الاستبدادي لبلدانها. فالائتلاف الذي تحوّل إلى مجرد جثة لا تُمثّل فعليًا لا قوى المعارضة ولا الثورة، بل مجموعة موظفين من دون أي فاعلية ولا كاريزما ولا تمثيل جماهيري على الأرض، وهو يتبع لقوى إقليمية خارجية داعمة لمشاريع الإسلام السياسي الذي ترفضه وتحاربه معظم الدول العربية الفاعلة، بالإضافة إلى الغرب الذي صار يفضّل التعامل مع الدكتاتوريات على الأنظمة الإسلامية.
تغيّر المعطيات على الأرض وبقاء الأسد في حُكم سورية كشرٍّ لا بدّ منه، في نظر بعض دول المنطقة ودول العالم، أو كأفضل أسوأ الخيارات المتاحة، أو كأفضل من يلبّي مطامع ومصالح بعضها؛ جعل منه أفضل الموجود. بهذه اللغة الميكافيلية، تتكلم السياسة وتصوغ بمفرداتها مواقفها، ولهذا وجدت العديد من الدول أنه لا بد من التعامل مع الأسد، عاجلًا أم آجلًا، وأنه من الأجدى لها الاعتراف به بشكلٍ رسميّ أو ضمنيّ. هي البراغماتية السياسية إذن التي تتجاوز العدالة من أجل ضمان المصالح، وتغسل جرائم السفاحين من أجل النفوذ وتحقيق المكاسب، وتتحالف مع الشيطان ضدّ إرادة الشعوب، من أجل ضمان استقرارها وضبط شعوبها. وبما أن لغة السياسة هي كذلك، فعلينا أن نجيد قراءتها كما هي (دون أن نتبناها) فالخطاب الأخلاقي هنا، على أهميته وفاعليته بعيدة الأمد، لا يساعدنا كثيرًا في فهم الواقع الحالي ونتائجه على سورية اليوم وغدًا.
لنتذكر أن هناك محاولاتٍ عربية متعددة ودؤوبة ومن أطراف مختلفة سعت ولا زالت تسعى لإعادة نظام الأسد المنتصر عسكريًا بدعمٍ إيراني وروسي، إلى المحيط العربي الذي كان قد لفظه سابقًا بعد أن باع العروبة لصالح إيران. ولم يعد سرًّا اليوم مثلًا مساندة دولة الإمارات العربية المتحدة للنظام الحاكم في سورية، فالإمارات المعارضة بقوة للإسلام السياسي رأت، منذ وقتٍ مُبكر، أن البدائل التي تقدّمها المعارضة العسكرية والسياسية الرسمية محكومةٌ بجماعات الإسلام السياسي المدعوم من بعض دول الإقليم، وأن الأفضل لها القبول بشرور الأسد، على جماعات الإسلام السياسيّ. لا يخفي الموقف الإماراتي نفسه، فقد أعادت أبو ظبي فتح سفارتها رسميًا في دمشق، منذ وقت مبكر نسبيًا، في نهاية العام 2018، وهناك اتصالات رسمية بين البلدين يُعلن بعضها، مثل اتصال رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل النهيان بالأسد، لتهنئته بعيد الجلاء. وقد أثمرت زيارة لافروف المكوكية إلى دول عربية عدة، بهدف حثّ الدول العربية على إعادة تأهيل الأسد عربيًا، وأدت إلى تأكيد وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد أن إعادة سورية إلى محيطها العربي هو أمرٌ قد بدأ فعليًا، وأن عودتها إلى الجامعة العربية هو أمرٌ حيويّ لها وللجامعة العربية في آن. وقد تكرر هذا الكلام، بتنويعات مختلفة وبمناسبات عديدة، لدى كل من الجزائر وتونس ومصر ولبنان والعراق، هذا الأخير الذي كادت محاولة رئيس وزرائه الكاظمي أن تنجح في دعوة الأسد لحضور مؤتمر قمة دول جوار العراق، في آب/ أغسطس الماضي، لولا الاعتراض الفرنسي آنذاك. وعلى الرغم من كل تلك المحاولات الحثيثة من حكام الدول العربية، فإن إخراج الأسد من عزلته الدولية، حتى العربية، لم تنجح تمامًا، فهناك فيتو سعودي إلى الآن، ضد إعادة نظام الأسد إلى رحاب الجامعة العربية، ما دام خاضعًا للقرار الإيرانيّ، وقد كان هناك فيتو أميركي من قبل إدارة ترامب، ضد إقامة علاقات فعلية لأي دولة عربية تريد الالتفاف على قانون قيصر. لكن إدارة ترامب قد تغيرت، وخلفتها حكومة بايدن التي تبدو إلى الآن رخوة ومضطربة في سياساتها الخارجية، وراحت الدول تعيد ترتيب علاقتاتها ومصالحها، بناءً على تغيّر السياسة الأميركية التي تُذكر بحقبة أوباما سيّئة الصّيت على الملف السوري. هذا يعني أن الفيتو السعودي على عودة الأسد ليس ثابتًا، بل هو قيد المراجعة، وهناك مفاوضات جارية بين السعودية وإيران، وبين الاستخبارات السعودية والسورية. سمح تراخي الموقف الأميركي من إيران وسورية، للملك عبد الله الثاني، باختراق الحصار المفروض على جاره السوريّ، ودفع إدارة بايدن إلى غضّ الطرف عن تمرير إيصال الغاز من مصر، والكهرباء من الأردن، إلى لبنان، عبر الأراضي السورية.
تؤكد جريدة (واشنطن بوست) أن العاهل الأردني قد اقترح على الرئيس الأميركي الجديد خارطة طريق لحلّ الملفّ السوري، تتوافق عليها أميركا وروسيا وإسرائيل والأردن ودول أخرى تتحاور مباشرة مع بشار الأسد. ومع أن الأنباء تؤكد أن بايدن لم يعطِ مباركته النهاية لمثل هذا المشروع، فإن تصريحات هالة زواتي (وزيرة الطاقة الأردنية) الأخيرة، حول مباشرة مشروع نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سورية، من دون أن تتعرض الشركات المكلفة بهذا المشروع لعقوبات قانون قيصر، تعني ضمنيًا حصول الأردن على ضوء أخضر أميركي في هذا الخصوص. يجد ملك الأردن مصلحة حيوية، إن لم تكن وجودية، في حلحلة الملف السوريّ ودعم الاستقرار في سورية البلد الجارة؛ فهو أولًا نظام غير مستقرّ بنيويًا، ويعيش تحت تهديد أمني محلي وإقليمي مزمن، يضطره إلى عقد مجموعة من التحالفات المعقدة الداخلية والخارجية، ويحتاج إلى حد أدنى من الاستقرار الإقليمي، ليفرض سيطرته على بلدٍ ضعيف اقتصاديًا، وتحت تهديد أمني دائم. ملك الأردن الذي كان من أوائل من طالب الأسد بالتنحي، بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وجد بدوره أن هذا الأخير لم يسقط بعد عشر سنوات من الحرب، وأنه باقٍ إلى وقت طويل، كما صرّح إلى شبكة CNN الإخبارية الأميركية، ناصحًا الأميركيين بضرورة الحوار مباشرة مع الأسد، لإيقاف العنف في سورية، ولأن المطلوب، اليوم، بحسب تصريحاته، تغيير سلوك نظام الأسد لا النظام نفسه. لا شكّ في أن الحرب السورية قد ألقت بثقلها على الجار الأردني، فمع إغلاق معبر نصيب الحدودي مع سورية عام 2015، الذي يمثل عصبًا حيويًا للتجارة والحركة، لكلا النظامين، تفاقمت أزمات الأردن الاقتصادية، هذا بالإضافة إلى استقباله على أراضيه لأكثر من مليون لاجئ سوريّ. إذن، الوضع الاقتصادي والاضطراب الأمني المتزايد دفعا الأردن إلى تغيير موقفه من نظام الأسد، وصار يقوم بدور عرّاب إعادة تأهيله عربيًا، بعد أن ضمن هامشًا ضيقًا للعبور، منحته له إدارة بايدن.
لكن السؤال الذي يشغل البال هو: هل يمكن حقًا إعادة تعويم بشار الأسد، بعد كل تلك المجازر وجرائم الحرب والتوترات التي سببها للمنطقة عمومًا وللعالم أجمع؟! هل يمكن أن يقبل الغرب بإعادة تأهيل مجرم حرب، كما يوصف في إعلامهم؟! مع الأسف، يبدو أن الجواب الواقعي هو نعم، لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة، ومع أن إعادة تعويم الأسد ستكون جزئية وناقصة وطويلة، فإنها ستبدأ قريبًا، هذا إن لم تكن قد بدأت فعليًا.
حاليًا، يتشابه وضع نظام الأسد مع وضع طالبان في أفغانستان التي تظلّ في نظر الغرب جماعة متشددة دينيًا، إن لم تكن إرهابية (أميركا لم تصنفها حتى اليوم كجماعة إرهابية، منذ حرب بوش الابن عليها). لكن الغرب نفسه، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية التي شنت حربًا عليها عام 2001، تفاوض ويتفاوض معها علنًا؛ فطالبان لم تخسر الحرب ضد الغرب، وقد فرضت نفسها على المشهد السياسي الأفغاني، كشرٍّ قائم وموجود، تمامًا كما حال الأسد الذي بقي في السلطة، كأحد قطاع طرق السياسة، وما أكثرهم على كراسي الحُكم! وتتقاطع تأكيدات دول الغرب على لا شرعية حكم طالبان لأفغانستان، وأنها لن تعترف رسميًا بها، ما لم تحترم هذه الجماعة الدينية حقوقَ الإنسان وحقوق المرأة وتتوقف عن دعم الإرهاب، مع ما تقوله بحقّ نظام الأسد الذي ترفض التعامل معه، ما دام عنصرَ عدم استقرار في المنطقة، كما صرح وزير خارجية فرنسا أخيرًا. بوضعها شروطًا للاعتراف بكل من طالبان والأسد، تقول المواقف الغربية بإمكانية الاعتراف والشرعنة والتعويم، في حال قامت هذه الأنطمة الإرهابية ببعض الخطوات التي يطلبها منها الغرب. وبكلام آخر: هو اعتراف، لكنه منقوص، أو اعتراف ضمني ناقص ينتظر الاكتمال؛ إذ يصعب على الغرب، لأسباب كثيرة، بعضها قانوني، أن يُقدِم علنًا على مثل هذا الاعتراف الرسميّ بمجرمي حرب، مثل طالبان والأسد. لكن عدم الاعتراف الرسميّ لا يعني رفضًا للتفاهمات غير المباشرة، وللتعاون في العديد من القضايا الأمنية، والاقتصادية على الأقل. فدول الغرب لا تعترف بطالبان، لكنها تتفاهم معها اليوم على كل تفاصيل الوضع في أفغانستان؛ فأميركا -مثلًا- قد نسّقت معها عمليات إجلاء رعاياها من مطار كابول، وهي من تحتاج إلى أن تُبقي على خيوط تعاون معها حتى لا تتركها لقمة سائغة أمام مطامع روسيا والصين العسكرية والجيواستراتيجية والاقتصادية. هناك نفاق في السياسة الخارجية للغرب، فهي تتعامل مع دول يحكمها مستبدون وجنرالات حرب وزعماء فساد، وتبيع لهم السلاح، وتتعامل معهم -استخباراتيًا وأمنيًا- في الواقع، لكنها تحتفظ بخطاب أخلاقي ضدهم للاستهلاك الإعلامي. إذن، حالُ الأسد كحال طالبان؛ لن يحظى -بتصوري- بأي شرعية غربية رسمية، ولن يستطيع السفر إلى معظم دول الغرب، قبل عقد من الزمن على الأقل، لأسباب قانونية تتعلق بالدعاوى المرفوعة ضد نظامه حول الجرائم التي ارتكبها في سورية منذ 2011، لكن ذلك لن يمنع تعاطي الغرب معه، في معظم القضايا والملفات.
أما على الصعيد العربي، فإنّ إعادة تعويم الأسد أسهل بكثير؛ فمعظم الأنظمة العربية الحاكمة ترحّب اليوم بعودة الأسد، ليس حُبًّا به على الأغلب، ولكن تخوفًا من بدائل الإسلام السياسي، ورغبة في دفن التغيير السياسي الذي اجتاح العالم العربي، منذ ثورة تونس، كإعصار قضّ مضجع السلطات العربية. عقدة المنشار اليوم في إعادة الأسد إلى الجامعة العربية تكمن في موقف المملكة العربية السعودية التي تريد مساومة الأمر على مثل تلك العودة، مقابل تخليه -ولو جزئيًا- عن الحلف الإيراني. وعلى الرغم من أن السعودية تدرك استحالة مثل هذا الأمر، وتعلم أنّ نظام الأسد لا يستطيع فكّ هذا التحالف الذي تحوّل إلى هيمنة وابتلاع، فإنها قد تقبل بتسوية كليّة مع إيران التي تخوض جولات حوار معها منذ فترة. عودة الأسد، كمجرم حرب مطلوب دوليًا، إلى الساحة العربية، تذكِّر بحال الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير الذي صدر بحقه حكم توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، لكنّ جامعة الدول العربية اعترضت على ذلك الحكم، وبقي الرئيس السوداني السابق يتحرك بِحرية، كممثل رسمي للسودان، في جميع الدول العربية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن سيكون حول مصير الأسد في المستقبل: هل سيواجه مصير زميله البشير الذي أطاحت به الثورة السودانية عام 2018، وأودع في السجن، قبل أن يتم تسلميه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته، فيتحقق شيء من العدالة المنتهكة في سورية؟ أم أنه سيشهد موقفًا يشبه موقف فرانكو الدكتاتور الإسباني السابق الذي ساند هتلر ضدّ دول التحالف (رغم إعلان حياد بلاده) ومع ذلك أُعيد تعويمه في الغرب الديمقراطي، بحجة الخوف من وصول الشيوعين إلى حكم إسبانيا، في حال سقوطه، في حين قام تشرشل وآيزنهور بغسل جرائمه، حينما فتحا أمامه أبواب الأمم المتحدة، مقابل إنشاء قواعد عسكرية أميركية وبريطانيا في إسبانيا؟
تتوقف مثل هذه الخاتمة على استمرار السوريين في طرق أبواب العدالة والمحاكم الدولية، وتشكيل قوى ضغط دولية ومعارضة نظيفة، وتعلّم لغة السياسة التي صار بإمكانهم اليوم الاطلاع عليها، بعد اعتقالهم لأكثر من خمسين سنة في زنزانة الأميّة السياسية.
مركز حرمون
—————————-
صحيفة إسرائيلية: هل تتحول معضلتا إدلب والأكراد في سوريا إلى بؤرة مواجهة بين روسيا وتركيا؟
الانفجار الذي حدث أمس على جسر الأسد في دمشق والذي قتل فيه 14 جنديا على الأقل وأصيب العشرات، بقي حتى الآن انفجاراً يتيماً. لم تتحمل أي منظمة أو أي شخص المسؤولية عن تنفيذه، لكن الرئيس بشار الأسد عرف كما يبدو منبع الانفجار. خلال فترة قصيرة قصف سلاح الجو السوري بلدة أريحا الواقعة في محافظة إدلب وقتلت ثمانية أشخاص بينهم أطفال. ولكن دمشق لن تكتفي بهذا الرد المتناسب.
محافظة إدلب ومدينة إدلب تحولتا إلى ساحة مواجهة رئيسية في سوريا، ليس فقط بين عشرات آلاف مقاتلي المليشيات المناوئة لسوريا. تقع إدلب في بؤرة المواجهة السياسية بين سوريا وروسيا من جهة، وتركيا من الجهة الأخرى، وهي تهدد بجر الطرفين إلى مواجهة عسكرية.
في السنوات الأخيرة، استثمرت روسيا جهوداً كبيرة للحصول على عمليات محلية لوقف إطلاق النار في أرجاء سوريا بين قوات المتمردين والجيش السوري. كجزء من هذه الصفقات، وافقت القوات السورية والروسية على السماح لمقاتلي المليشيات بمغادرة البلدات التي يعيشون فيها والانتقال إلى محافظة إدلب شريطة التخلي عن سلاحهم الثقيل وإبقاء السلاح الخفيف، لتحتل مكانهم قوات النظام التي ستحل محل هذه المليشيات في هذه البلدات، وحدث ذلك بالاتفاق، لكن روسيا والجيش السوري لم يتركوا أمام هذه المليشيات أي خيار. فقد كان أمامهم خيار واحد فقط، وهو القتال أمام قوات متفوقة أو الاستسلام.
عمليات التوصل إلى وقف إطلاق النار ما زالت مستمرة. ومؤخراً، نجحت قيادة التنسيق لروسيا في سوريا، المسؤولة عن تنفيذ عمليات وقف إطلاق النار المحلية، في انتهاء المواجهة العنيفة في محافظة درعا جنوبي سوريا بعد توصلها إلى اتفاق في 16 بلدة في المحافظة لوقف إطلاق النار، وتمكين الجيش السوري، بمرافقة قوات الشرطة العسكرية الروسية ومليشيات مؤيدة للنظام، من دخولها والسيطرة عليها.
إدلب، التي تحولت من ملجأ لمقاتلي المليشيات إلى معقلهم العسكري الأخير، تسيطر فيها هيئة تحرير الشام، التي تأسست في 2017 من اتحاد عدة مليشيات إسلامية راديكالية، أهمها جبهة النصرة، التي كانت في نسختها السابقة ممثلة القاعدة في سوريا. تتم إدارة معظم مناطق المحافظة تحت سيطرتها كدولة داخل دولة، حيث شريان حياتها الرئيسي يأتي من تركيا. في الاتفاق الذي تم توقيعه بين روسيا وتركيا في أيلول 2018 تعهدت تركيا بتجريد المليشيات الموجودة في إدلب من سلاحها وإبعاد مقاتلي هيئة تحرير الشام عن المحافظة. ولكن الاتفاق بقي حبراً على ورق.
في شباط 2020 قصفت الطائرات الروسية محافظة إدلب، فقتلت نحو 50 جندياً تركياً. ووصل الشرخ بين روسيا وتركيا إلى الذروة عندما اتهمت تركيا بشكل مباشر روسيا بالمس عمداً بجنودها. وفي المقابل، أوضحت روسيا بأن “لا يوجد للقوات التركية ما تبحث عنه في هذا المكان. وتركيا لم تنسق وجود هذه القوات معها”. ولمنع المواجهة بين روسيا وتركيا، قرر الطرفان التوقيع على اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، وشروطه تشبه الاتفاق الذي تم توقيعه في 2018. ولكن هذا الاتفاق لم يؤد إلى تجريد المليشيات من سلاحها وإبعاد رجال “هيئة تحرير الشام” الذين تعتبرهم روسيا وروسيا إرهابيين.
يبدو أن تركيا، رغم تعهدها لروسيا، لا يمكنها تقييد أيدي المليشيات، ليس هذا فقط، بل ولا تعنى بذلك؛ لأن سيطرتها في إدلب تحولت إلى ورقة مساومة أمام روسيا في منطقة أخرى في سوريا. تقول تركيا إن روسيا لم تنفذ دورها في الاتفاق لإخلاء القوات الكردية المسلحة من منطقة الحدود بينها وبين سوريا، بالأساس من مدينة منبج ومدينة تل رفعت. فأمام مطالبة روسيا إخلاء إدلب من المليشيات، فإن تركيا تطلب من روسيا أن تنفذ في البداية المطلوب منها فتخلي المقاتلين الأكراد.
مؤخراً احتدم الخلاف، وفي 10 تشرين الأول تمت مهاجمة قافلة عسكرية تركية، كما يبدو على أيدي قوات كردية، وقع فيها ضحايا من القوات الخاصة التركية. بدأت تركيا بدفع قوات عسكرية إلى المنطقة وأعلنت بأنها “ستتخذ كل الوسائل لضمان سلامة جنودها”. تم تفسيره هذا التحذير كنية من تركيا بشن حرب في منطقة الحدود على الفور، وأن تحتل البلدات الكردية وتطرد المقاتلين الأكراد دون انتظار عملية روسية.
رداً على ذلك، دفع الجيش السوري، بحماية من روسيا، قوات نحو إدلب وهدد بشن معركة على المحافظة المتمردة واستكمال سيطرة النظام عليها. كل ذلك بعد أن فشل الطرفان في 29 أيلول في لقاء القمة بين الرئيس التركي والرئيس الروسي في الاتفاق حول مسألة إدلب. تركيا متمسكة بموقفها القاضي بوجوب رفع التهديد الكردي عن حدودها في الطرف السوري، في حين أن روسيا، الطامحة إلى تجنيد الأكراد لخطوات سياسية بادرت إليها من أجل حل الأزمة في سوريا، غير معنية بالتدهور إلى مواجهة معهم.
من هنا يأتي خوف من أن انفجار أمس في دمشق وقصف سوريا لمحافظة إدلب، قد تشكل الصواعق التي ستنطلق في أعقابها معركة شاملة على هذه المحافظة من جانب الجيش السوري والقوات الروسية، الأمر الذي سيحطم الاتفاق بين تركيا وروسيا وسيحرم تركيا من إمكانية السيطرة على المحافظات الكردية ويدفع نحوها بموجات جديدة وكبيرة من مئات آلاف اللاجئين، إضافة إلى حوالي 3.5 ملايين لاجئ هم الآن على أراضيها. ولكن روسيا تدرك أيضاً أن هذا التطور قد يضعها في مواجهة أمام تركيا، بالتحديد في الوقت الذي هي بحاجة إليها فيه كحليفة أمام الولايات المتحدة.
تركيا التي اشترت من روسيا منظومات صواريخ أرض – جو المضادة للطائرات من نوع “اس400″، وبهذا أحدثت شرخاً بينها وبين الإدارة الأمريكية حتى في فترة ولاية الرئيس السابق ترامب، وبدرجة أشد الآن مع إدارة جو بايدن، أعطت روسيا بذلك، ليس فقط صفقة اقتصادية ممتازة، بل أيضاً حليفة سياسية انبثاقاً من برود العلاقات بين أنقرة وواشنطن. وللحفاظ على شبكة العلاقات هذه، فإن روسيا وتركيا أيضاً كما يبدو، غير معنيتين بساحة مواجهة عسكرية في محافظة إدلب. في الوقت نفسه، لا يمكنهما السيطرة بشكل مطلق على التطورات التكتيكية مثل عمليات ستنفذها المليشيات ضد قوات الجيش السوري، أو هجمات سينفذها الأكراد ضد القوات التركية. في هذه الهجمات ثمة إمكانية كامنة حقيقية لحدوث معركة عسكرية مزدوجة، في إدلب وفي منطقة الحدود مع تركيا، وحدوث مواجهة خطيرة بين روسيا وتركيا.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 21/10/2021
القدس العربي
——————————
مجزرة أريحا وانفجار دمشق وجدل الضحايا/ إيلي عبدو
قد يكون ضحايا حافلة دمشق، من شريحة اللامبالين في الجيش، وربما من شريحة المعبئين والمقتنعين بإبادة مناطق المعارضة، لكن المشكلة أن لحظة اتخاذ قرار المعركة من قبل النظام، ضد منطقة ما، تذوب الفروق، في جسم واحد، وهذا أسوأ ما في الاستبداد، تذويب الفوارق وتضييق الخيارات.
مجزرتان في سوريا، واحدة استهدفت مدنيين بينهم أطفال في سوق في أريحا في إدلب، وأخرى، استهدفت جنوداً تابعين للنظام في العاصمة دمشق. الأولى منفّذها واضح، النظام وروسيا والميليشيات المساندة، فيما الثانية، منفّذها رهن التحليلات والتكهنات التي تراوحت بين الصراع داخل حلفاء النظام، وبين تنفيذ العملية لتوظيفها سياسياً، والاستفادة منها في المفاوضات الدستورية الحالية، فضلاً عن احتمال وقوف “داعش” وراء الهجوم.
وضوح هوية المنفذ في إدلب وغموضه في دمشق، جدد النقاش السوري حول الضحايا، فالبعض جمع بين التلامذة الذاهبين إلى مدرستهم في أريحا، والجنود العائدين إلى بيوتهم في الشام، وقد صاروا جميعهم أشلاء، ليخلق إدانة مشتركة، ما ولد ردود فعل رافضة لهذا التعميم والخلط “الخبيث” بين الضحايا و”الشبيحة”.
بدهي، أن المجزرة الأولى لا لبس في إدانتها، انطلاقاً من وضوح منفذها وهوية ضحاياها، لكن، في الوقت نفسه، لا بد من توسيع الإدانة قليلاً لتشمل هدف النظام من تنفيذها، فنحن لسنا في عام 2001 حين كان الحكم في دمشق، يقصف لإخضاع سوريين انتفضوا ضده. الهدف اختلف كلياً، وأصبح ضغطاً متواصلاً لتبديل موازين القوى التي صيغت ضمن معادلات أستانة بشراكة تركيا وإيران. وضع المجزرة في سياقها السياسي، لا يغير من طبيعة القاتل ومسؤوليته عنها، لكنه قد يساعد في نقاش المجزرة الثانية التي وقعت في دمشق وراح ضحيتها جنود، على الأرجح، هم مختلفون عن أولئك الذي استبسلوا دفاعاً عن النظام مع انطلاق الثورة ضده. صراع طويل وانهيار اقتصادي و”انتصار” بلا مردود، تحولات جعلت جيش النظام، أقل استعداداً ليكون نفسه، لحظة 2011. هذا لا يمنع أن يكون من بين قتلى انفجار الحافلة، من هو مستعد للذهاب إلى أريحا وقتل أطفالها انطلاقاً من تعبئة طائفية، لكن، أيضاً، قد يكون من بين الضحايا، من لا يبالي بالصراع كله وينتظر تسريحه من الجيش، للخروج من البلد نهائياً. التمايزات داخل جيش النظام مهمة جداً ليس للفصل بين الطرفين، جيش ونظام، وإنما لإيضاح، سيولة الأول وصلابة الثاني.
ظاهرة الانشقاقات في بداية الثورة، أوضح دليل، على عدم فهم تلك السيولة. الانشقاقات كان لها بعد سياسي مرتبط بالصراع، طوّر إلى بعد أخلاقي يختصر الجيد من العسكر بمن “يرفض قتل شعبه”، أي، بإمكان ضابط أن يكون قد أشرف على قتل مدنيين في أحداث حماه، ويصبح، عسكرياً جيداً، طالما انشق عن جيش النظام. بقدر ما أن التبرير المنطقي لهذا الضابط أنه لم يستمر بالخطأ، بقدر ما أن، الخطأ المعرّف هنا، الاستمرار في جيش النظام، محكوم بعوامل اجتماعية، والتأثير الفردي فيه أضعف مما نتصور. ثمة الكثير من الجنود، غير مسيسين، والثورة بكل ما تملك من أحقية لم تحدث تحولاً في نظرتهم، كما أن علاقتهم مع فكرة خدمة العلم، أقرب إلى فترة يجب أن تمضي بأقل الخسائر، وبعضهم يدفع رشاوى لضابط من هنا أو مسؤول من هناك، ليمضي الأوقات الأطول من خدمته في منزله. بمعنى، خدمة العلم بالنسبة إلى هؤلاء، فترة تقطيع، تستأنف بعدها الحياة من زواج وبناء أسرة. مع اندلاع الثورة، وتحولها إلى صراع عسكري، أصبحت كلفة هذه الفترة أعلى، ما دفع كثيرين إلى، مغادرة البلاد خوفاً من الاحتياط. ما يهم، بهذه الشريحة في الجيش، أن المندرجين فيها، غير مسيسين، ويريدون تمضية فترة خدمتهم فقط، باعتبارها شراً لا بد منه، ليسوا معنيين لا بالثورة ولا بالنظام، بقدر ما أنهم معنيون بحياتهم الاجتماعية التي تمر فيها خدمة العلم، كفترة اضطرارية.
وربما يكون “منظرو” الثورة من حيث لا يدرون ساهموا في جعل هذه الشريحة غير مرئية، عبر وضعها بين خيار الانشقاق أو التشبيح، فيما هناك جندي، غير معني بالصراع كله، وكل طموحه استئناف حياته الاجتماعية. مثلما أراد النظام، الجيش كله “شبيحة”، الكثير من أنصار الثورة أراده “منشقين”، في إغفال للبعد الاجتماعي الطاغي عند بعض المجندين، وغياب البعد السياسي. وثمة فرضية، وراء ذلك، أن الثورة يجب أن تغير حياة الناس وبينهم العسكريون، لمجرد أنها ضد النظام، من دون وجود ترتيبات جديدة، تتعلق بحياة الناس وتضمن انتقالهم من وضع إلى آخر.
هذا التحليل، لا يلغي، بطبيعة الحال، نقد ما سمي بـ”الرماديين”، وعدم اشتراكهم في التغيير وتحسين شروط حياتهم، لكنه لا يغفل في الوقت نفسه، نقص السياسة في سوريا، وضعف تأثيرها في حياة أفراد ضيّق الاستبداد أفقهم، ووضعهم ضمن شروط استقرار زائف يحظى بتأييد الطبقات المدينية الوسطى وعدد واسع من الأقليات.
قد يكون ضحايا حافلة دمشق، من شريحة اللامبالين في الجيش، وربما من شريحة المعبئين والمقتنعين بإبادة مناطق المعارضة، لكن المشكلة أن لحظة اتخاذ قرار المعركة من قبل النظام، ضد منطقة ما، تذوب الفروق، في جسم واحد، وهذا أسوأ ما في الاستبداد، تذويب الفوارق وتضييق الخيارات.
درج
——————————–
القضاء على بشار الأسد بالورقة الأردنية/ فؤاد عبد العزيز
كتب لي قبل أيام أحد الأصدقاء الصحفيين رسالة مفادها بأن بشار الأسد يعيش أيامه الأخيرة على رأس السلطة في سوريا، وأن البشرى قادمة من خلال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، التي سيتم فيها التوافق على صياغة دستور جديد للبلاد، تليها تفعيل باقي بنود القرار الدولي 2254، والتي يأتي على رأسها تشكيل هيئة حكم انتقالي تتمتع بسلطة تنفيذية كاملة..
رددت عليه بعد يومين بعبارة واحدة: “هل من جديد..؟” وإذ به يتصل بي مباشرة..
لم أستمع جيدا لما قاله هذا الصديق واستفاض بشرحه عن تغير الظرف الدولي، لأنه خلط الحابل بالنابل، تارة يتحدث عن مشكلة أوكرانيا، وتارة أخرى يقفز إلى أذربيجان، بعدها انتقل للحديث عن تطور العلاقات الأردنية مع النظام، واجتماع القمة بين بوتين وأردوغان، وآخر تطورات الحرب الاقتصادية بين الصين وأميركا، ثم فجأة سمعته يذكر اسم مناف طلاس..
في ختام حديثه طلب رأيي بكلامه، فقلت له: هذا أفضل تحليل سمعته للأزمة السورية.. لأني بصراحة لم أفهم شيئا..
بالفعل، هكذا أصبحت المشكلة السورية، خليطاً من الأحداث غير المترابطة وغير المفهومة، لدرجة تعتقد أحيانا أنه إذا تعثرت شاة في ولاية كاليفورنيا، فإنها بصورة أو بأخرى لها علاقة بتأخر الحل في سوريا!..
لكن من جهة أخرى، دعونا نقرأ التطورات التي تشهدها حاليا اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، ولأول مرة منذ انطلاقها قبل نحو عامين.. فهناك كما هو واضح ضغط روسي كبير على النظام من أجل الانتهاء من مسألة الدستور حتى نهاية العام الجاري، وهو ما يمكن قراءته من خلال تصريحات المبعوث الدولي إلى سوريا “غير بيدرسون”، أثناء الاجتماعات التمهيدية للجولة السادسة، والتي أكد بأنه سوف يتم خلالها، البدء بصياغة دستور جديد للبلاد، بخلاف الجولات السابقة التي كان يماطل فيها النظام ويضيع الوقت في حوارات جانبية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التطور في انصياع النظام للقبول بالمباشرة في كتابة الدستور، لا يمكن فصله مثلا عن تقارب الأردن معه، أو الحديث عن نية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاتصال مع بشار الأسد هاتفيا، أو حتى محاولات التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية، كما لا يمكن تجاهل استدعاء رئيس النظام السوري إلى موسكو، منتصف الشهر الماضي، ولقائه مع بوتين لبضع دقائق، أو حتى قمة بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي نهاية الشهر الماضي كذلك.. فكلها أحداث تشير إلى أن هناك شيئاً ما يجري الإعداد له، ولكن ليس من أجل حل الأزمة السورية وفقا للقرارات الدولية، وإنما لأسباب أخرى لها علاقة بالنفوذ الإيراني في سوريا وخوف بعض الدول العربية أن يمتد هذا النفوذ إلى أراضيها.
هذا الأمر يمكن قراءته من خلال ما تم تسميته بالورقة الأردنية للحل في سوريا، التي كشف عنها مؤخرا، وتأخذ من مبدأ خطوة مقابل خطوة عنوانا لها، حيث إن روسيا على ما يبدو، قررت تبنيها والعمل عليها بالاتفاق مع المبعوث الدولي غير بيدرسون، ورضا إسرائيل.
الورقة الأردنية تهدف إلى مواجهة النفوذ الاقتصادي والعسكري الإيراني في سوريا، من خلال إيجاد بدائل للنظام، يستطيع الاستغناء من خلالها عن حاجته لإيران، ويبعد بالتالي خطرها عن الحدود مع الأردن وعن الحدود مع إسرائيل.
وتعترف الورقة بأنها لا تهدف إلى تغيير النظام في سوريا، وإنما “تستهدف تغيير سلوكه بشكل تدريجي، مقابل الحوافز التي سيتم تحديدها بعناية لإفادة الشعب السوري وتمكين بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين”.
ووفقا للمقترح الأردني، فإن التركيز الأولي للنهج الجديد سيكون على القضايا الإنسانية في كل من العروض والطلبات، ثم يتم التقدم تدريجياً نحو القضايا السياسية التي تبلغ ذروتها في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 .
إذا، كما هو واضح، فإن قبول النظام بكتابة الدستور مع المعارضة، هو رد على الخطوة الأردنية بالانفتاح عليه.. أما الخطوة التالية، فعلى ما يبدو ستكون عبر التقارب المصري معه، والتي يجب أن يقابلها خطوة من النظام السوري، قد تكون من خلال الإفراج عن بعض المعتقلين.. أما المشكلة الأكبر، فهي حين الوصول إلى خطوة الطلب من إيران الابتعاد عن الحدود الأردنية والإسرائيلية، أو الخروج من سوريا، أو خطوة قبول النظام بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سيقبل بشار الأسد بهذا الأمر..؟!
باختصار، المشهد السوري اليوم يذكرنا ببداية الثورة، عندما قام النظام باعتقال عدد كبير من أبناء المناطق الثائرة، ثم أخذ يساوم بالإفراج عنهم مقابل التوقف عن التظاهر، ومن دون تقديم أي تنازلات للسوريين.. والشيء نفسه يفعل مع الدول العربية الخائفة من إيران، فهو جلبها إلى حدودهم، وها هو يساومهم على إبعادها، مقابل التطبيع معه كاملا، بدون أية شروط سياسة أخرى.. وما تذكره الورقة الأردنية بأنها تهدف في النهاية إلى تطبيق القرار 2254 كاملا، ليس إلا مجرد كلام لحفظ ماء الوجه، وللقول بأن الأردن يعمل على تطبيق القرارات الدولية، لكن بخطة مختلفة.
تلفزيون سوريا
————————————
تحت ضغط واشنطن: هل تراجع الأردن عن مساعيه لإعادة تعويم النظام ؟/ عقيل حسين
قال مركز “ناشيونال ريفيو” الأمريكي إن هناك ما يكفي من الشواهد والإشارات التي تكشف أن تحولاً حصل في موقف إدارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن باتجاه التطبيع مع النظام، في وقت تحفظت فيه مصادر سورية معارضة في واشنطن حيال ما وصفته بـ”المبالغة في تقدير حجم ومستوى المرونة الأمريكية في هذا الملف”.
واعتبر تقرير “ريفيو ناشيونال” أن الترتيبات الأخيرة التي تضمنت موافقة أمريكية على رفع أو تجميد بعض العقوبات المفروضة على النظام، بما في ذلك خط الغاز العربي وإمدادات الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، تمثل مؤشرات على تحول عملي آخر في سياسات بايدن تجاه الشرق الأوسط.
وأوضح التقرير أن إدارة بايدن قلصت خلال الأشهر الثمانية الماضية، وبشكل تدريجي من التزام واشنطن بعزل بشار أسد، بالإضافة إلى تبنيها نهج عدم التدخل إلى حد كبير في تعامل الدول الأخرى مع النظام، في إشارة إلى تحركات بعض الدول العربية والأوروبية لفك عزلة النظام.
وعليه يقول التقرير:”إن إدارة بايدن لن تعمل بنشاط من الآن فصاعداً لمنع الدول من التعامل مع الأسد، إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد”، والسبب حسب المركز “أن سوريا لا تشكل أولوية لدى إدارة بايدن التي بعثت بإشارات مختلطة حول تطبيق عقوبات قانون قيصر”.
مبالغة وتهويل
ولا يعدّ التقرير الأول من نوعه في هذا الاتجاه، إذ سبق وأن خلصت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية إلى هذه النتائج خلال الفترة الأخيرة الماضية، وتحديداً بعد زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن في تموز/يوليو الماضي، واقتراحه مبادرة لتطبيع سياسي تدريجي مع النظام، كحافز له من أجل المشاركة الجدية في العملية السياسية مع المعارضة، وفق سياسة “الخطوة بخطوة”.
لكن الكثير من المراقبين نبهوا إلى ضرورة عدم الوقوع في فخ المبالغة والتهويل حيال إجراءات إدارة بايدن تجاه النظام، مؤكدين إلى أن أي قرار رسمي لم يصدر حتى الآن بخصوص تخفيف العقوبات المفروضة على النظام، على الرغم من غض الطرف الذي تبديه الولايات المتحدة تجاه بعض المعاملات الاقتصادية التي لا ترتبط بالجانب العسكري.
كما نفت مصادر سياسية أن يكون في المبادرة الأردنية أي جديد مختلف يمكن أن تقدمه من أجل إقناع الولايات المتحدة بتغيير موقفها بالشكل الذي يثار الحديث عنه في الإعلام، بما في ذلك تعهدات يمكن أن يقدمها النظام حول الابتعاد عن إيران تدريجياً أو رفع مستوى التعاون الأمني والكشف عن مصير مفقودين أمريكيين في سوريا.
أمر يؤكد عليه الإعلامي السوري المقيم في أمريكا ورئيس تجمع “مسيحون سوريون من أجل السلام” أيمن عبد النور في تعليقه لـ”أورينت نت” حول هذا الموضوع، مشيراً إلى أنه على العكس من ذلك، فإن الأردن سيضطر إلى التراجع عن الحماس الذي يبديه لقيادة قاطرة الانفتاح العربي على النظام بسبب موقف إدارة بايدن من ذلك.
وقال عبد النور: في الملف الأمني ليس لدى العاهل الأردني جديد يقدمه، فالنظام كان قد أرسل سابقاً إلى الولايات المتحدة بخصوص استعداده للتعاون الأمني، ولكن ربط العرض بإعادة فتح السفارة الأمريكية بدمشق وتبادل الدبلوماسيين علناً، كما وأعطى جواباً حاسماً لواشنطن من قبل أنه ليس لديه المفقود الأمريكي “أوستن تايس” وتلك الإجابة جاءت في إطار لا يمكن التشكيك به، وبالتالي ليس لدى واشنطن ما تنتظره من دمشق على هذا الصعيد”.
ويقدم عبد النور نقطتين أساسيتين يقول إنهما تمنعان التحول الذي يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام من قبل إدارة الرئيس الأمريكي تجاه النظام، وهما:
أولاً: إن بايدن من أبرز وجوه الحزب الديمقراطي المتبنيين لشعارات حقوق الإنسان على مستوى العالم، وبالتالي لا يمكنه التراجع بهذه البساطة أمام المجتمع الذي يمثله ويعرفه على هذا النحو، أو يقبل بإعادة العلاقات مع رئيس ارتكب كل هذه الجرائم.
النقطة الثانية: أن بايدن بالأصل، وحتى عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإنه كان شديد الاشمئزاز من نظام الأسد، وقد رفض بعد تعيين عماد مصطفى كسفير للنظام في واشنطن اللقاء به، وعليه هناك موقف سلبي متجذر من جانب بايدن.
امتيازات أردنية محدودة..فقط
وعليه، يؤكد عبد النور أنه “لم يحصل أي تراخ من جانب بايدن فيما يتعلق بالتوجه لتطبيع العلاقات مع النظام من قبل بعض الدول العربية أو الأوروبية الصغيرة، ورغم وجود هذه الرغبة بالفعل، وتجلت في لقاء تسعة وزراء خارجية عرب مع نظيرهم في حكومة النظام إلا أنه عملياً لم يحدث أي شيء ولم يتجرأ أي من هذه الدول بعد اللقاء على تبادل السفراء وإعادة فتح سفارتها في دمشق.
أما بخصوص ما يقال عن استثناءات أقرتها الإدارة الأمريكية للنظام بمعية الأردن، من أجل خط الغاز العربي وشبكة الكهرباء الأردنية اللبنانية، يشدد عبد النور على أنه “حتى الآن لم يحصل شيء رسمي، ولم تصدر أي وثيقة ولم يوقع أي قرار من قبل الإدارة الأمريكية يسمح بتنفيذ هذا الأمر” وهو ما يتفق وإشارة مركز “انترناشيونال ريفيو” ربما على أن “واشنطن لن تتدخل إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد”.
الإعلامي والسياسي السوري كشف هنا أن ما حصل “هو أن الرئيس بايدن منح الملك عبد الله ضوءاً أخضر صغيراً، لكن الأردن تصرف بشكل أكبر بكثير من المتاح، ويُخشى أن يحصل مع عمّان كما حصل مع موسكو عام 2018 عندما لم تفِ بالتزاماتها بحسب الاتفاق بخصوص جنوب سوريا، فتعرضت لعقوبات كبيرة على شركات وأفراد روس قريبين من الكرملين”.
ويتفق الدبلوماسي السوري المنشق بسام بربندي مع رأي عبد النور بالتأكيد على المبالغة التي طبعت التعامل الإعلامي مع المرونة التي تبديها الإدارة الأمريكية تجاه العقوبات المفروضة على النظام، وكذلك بعدم وجود شيء مهم يمكن أن تقدمه المبادرة الأردنية بخصوص ذلك.
ومنذ الإعلان عن التحول الأردني حيال النظام، رأى كثيرون أن هدف الملك عبدالله الأول من ذلك اقتصادي بالدرجة الأولى، خاصة في ظل الأزمة التي يعاني منها الأردن داخلياً، وحاجته إلى أي مكاسب على هذا الصعيد في حال تحقيق انفتاح اقتصادي تجاه سوريا تخفف من الضغط الشعبي الداخلي، وتعزز من الصورة الذهنية عنه كمؤثر في السياسة الدولية.
ويرى بربندي في تصريح لـ”أورينت نت” أن التعاطي الإعلامي الذي جرى مع مبادرة الأردن كان مبالغا فيه طبعاً، إذ ليس لدى عمّان ما تقدمه لسوريا، كما أنه ليس هناك شركات أردنية مهمة يمكن أن تكون أعمالها ملحوظة في العقوبات الأمريكية، باستثناء أي شخصية أو طرف يساهم في تمويل الإرهاب فإن واشنطن تتغاضى تقريباً عن أي تعاملات أردنية مع سوريا، مثلها في ذلك مثل تغاضيها عما تقوم به إيران ولبنان، وعمّان تستفيد من ذلك خاصة وأن للأردن حظوة معروفة لدى الولايات المتحدة.
يتفق الكثير من السوريين المطّلعين على السياسة الأمريكية في أن الولايات المتحدة لا تفضل سقوط النظام بشكل غير مخطط خشية أن يؤدي ذلك إلى فوضى عارمة وانهيار مؤسسات الدولة، لذلك فكما سمحت لروسيا عام 2015 بإنقاذه عسكرياً، فإنها تسمح حالياً لبعض الدول ولبعض المشاريع الاقتصادية بالمرور كي تنقذه اقتصادياً لإبقائه حياً، على ألا يتجاوز الأمر ذلك، إلى حين الوصول إلى حل سياسي مرضٍ للجميع، أما الحديث عن تحول عميق في سياسة البيت الأبيض حيال الملف السوري، فهو حديث مبالغ به.
———————————-
قراءة في المشهد الدولي والإقليمي حول القضية السورية/ عبد العزيز مطر
تتجه القضية السورية والكارثة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا لمزيد من التعقيد بفعل تعدّد المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة، وبفعل التناقضات الكبيرة وتعارض المصالح الدولية في مسائل، وتوافقها في مسائل أخرى على الأرض السورية.
ومن البديهيات المعروفة لدى قارئ المشهد السوري أن الحل الوحيد لهذه الكارثة يجب أن يكون بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في هذه القضية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، كونها القوة الأكثر تأثيراً في حل هذا الملف بسبب طبيعة إمكانياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولسوء حظ السوريين أن القوة الأكبر في هذا العالم لديها سلم من الأولويات لا مكان في مقدمته للقضية السورية.
جميعنا يدرك أن ما يشغل ساسة البيت الأبيض، ملفات أكثر تعقيداً، كالملف النووي الإيراني، وملف أوكرانيا والقرم، وملف القضاء على الإرهاب. ومن الواضح أن القيادة الأمريكية الحالية، المتمثلة بفريق السيد بايدن، تسير على نهج الإدارة الديمقراطية السابقة والنهج الذي اتبعه السيد أوباما، والذي فيه الكثير من التماهي والتسامح مع المشروع النووي الإيراني، بغضّ النظر عن موقف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، سواء إسرائيل أو العرب أو تركيا.
حاول اللاعب الدولي الآخر، المتمثل بالروس، الاستفادة من هذا الموقف الأمريكي وملء الفراغ الذي تركه في سوريا، عبر فرض نفسه كوكيل ومفوّض من المجتمع الدولي لإيجاد فرص للدفع نحو حل في سوريا يلبي مصالحه ومصالح حلفائه من النظامين السوري والإيراني بالمقام الأول، عبر إنشاء مسارات سياسية واتفاقية، محاولاً لفت نظر السياسة الأمريكية وجرّها للدخول في هذه المسارات، وجميعنا يعلم أن السياسة الروسية التي قامت على مدى أربعة أعوام قضت بعقد اتفاقيات ومفاوضات مع أطراف إقليمية للانخراط في حل سياسي للمسألة السورية، كمسار أستانا واللجنة الدستورية وهيئه التفاوض وسوتشي، ومحاولة كسب تأييد الأمريكان لهذه المحاولات، التي بقي الأمريكي حتى الآن غير آبهٍ بها أو مكترث لنتائجها، متمسكاً بأن القرار ٢٢٥٤ هو أساس كل حل، وهذا ما ترفضه القيادة الروسية وحلفاؤها في السر، وتؤيده في العلن، كونه قرار دولي لا يسعها رفضه، وإنما إفراغه من محتواه عبر المسارات السابقة التي ابتدعها الروس والأطراف الإقليمية، كأستانا وسوتشي وغيرها، وعبر إفراغ أي محاولة جدية لتطبيق القرار ٢٢٥٤ بوساطة لجان وهيئات تناقش المزيد من التفاصيل وتغرق فيها السوريين وتبتعد تدريجياً عن القرار ٢٢٥٤، وعبر تحويل بنود هذا القرار لسلسلة من المفاوضات تقود لمفاوضات أخرى وتغرق القرار برمته في التفاصيل حتى تتآكل بفعل الزمن وتتغيّر الظروف الحالية في سوريا.
بالطبع إن التعاطي الأمريكي مع الملف النووي الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى التمدّد الإيراني في سوريا وبالقرب من الحدود الأردنية والإسرائيلية، وفي العراق واليمن ولبنان، وغض الطرف الأمريكي عن هذا التمدد لإتمام صفقة الملف النووي الإيراني وسياسة الاحتواء الإيجابي الذي تمارسها الإدارة الأمريكية الديمقراطية، لا تعجب ولا تروق كثيراً لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وهذا الذي دفع بالمجموعة العربية الفاعلة على الصعيد الإقليمي، كالمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية ومصر والبحرين، بالإضافة لقوى إقليمية أخرى، كإسرائيل وتركيا، إلى محاولة تشكيل تحالف ضد هذا المدّ المتنامي للشر المطلق في المنطقة، المتمثل بالمشروع الإيراني الفارسي، الذي يستهدف جميع دول المنطقة بدون استثناء وبنسب متفاوتة في ظلّ الاستراتيجية الأمريكية الحالية. حيث عملت هذه المجموعة على تجاوز الخلاف لحدّ يسمح بالتنسيق في مواجهة هذا الخطر، والشواهد واضحة على تنقية الأجواء بين دول الخليج فيما بينها، وبين الإمارات ومصر والسعودية والجانب التركي.
وهذا تم بدفع من قبل قوة إقليمية تعتبر محوراً أساسياً لهذا التحالف الجديد، ولا يخفى دور تلك القوة في وضع أسس هذا التحالف الجديد لمواجهة هذا الخطر، وقيام أطراف هذا التحالف بالعمل على جميع الأصعدة من أجل الحدّ من النفوذ الإيراني، وخصوصاً في سوريا، حتى ما حدث في الأيام الماضية من بداية تواصل أحد أطراف هذه المجموعة مع نظام الأسد من أجل عدم فسح المجال بالكامل لسيطرة إيران على قرار النظام السوري المستبد، ومحاولة تحجيم الدور الإيراني في سوريا، عن طريق الإغراءات المقدمة واتباع سياسة العصا والجزرة، حيث تمسك أحد أطراف هذا المحور بالعصا ملوحة بها للنظام السوري عبر الاستهدافات العسكرية المكثّفة لمناطق ومواقع انتشار الحرس الثوري في سوريا، وأطراف تمسك بالجزرة تلوّح بها لهذا الوريث القاصر عبر مغريات اقتصادية وسياسية، وإطلاق وعود بخصوص إعادة الأعمال وخطوط الغاز وتطبيع جزئي للعلاقات الدبلوماسية.
مما سبق، لا حلّ سياسي قريب للأسف للكارثة والمأساة السورية على المدى المنظور، وإنما هذه الخطوات التي أشرنا لها تحتاج لوقت وتهيئة ظروف دولية وإعادة البيت الأبيض لتقويم سياسته اتجاه محور الشر الإيراني في المنطقة، واجتثاث هذا الخطر قبل استفحاله، ونهاية هذا المشروع هي بداية لتحقيق الحرية والديمقراطية لشعوب المنطقة واستعادة الشعب السوري حريته وإنهاء ملف التطرف والإرهاب في المنطقة وإعادة الاستقرار لها، فجميع هذه العقبات والمشاكل وحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مرتبطة لحد كبير بنهاية المشروع الإيراني الذي ملأ المنطقة بالدماء المسفوحة والإرهاب.
————————————–
مستقبل تركيا في سوريا/ عمار ديوب
أرادت تركيا أن تستخدم سوريا ورقة بيدها ومنذ 2011، ولتقوية موقعها العالمي. لم تتخذ موقفاً صلباً من الثورة حينما كانت تتوسّع شعبياً، وحينما تعسكرت أيضاً لم تدعمها، وانتهت براغماتيتها غير الذكية، ومعها الخليج، إلى خلق ودعم الفصائل الإسلامية واختصّت هي بدعم الإخوان المسلمين، وهذا كان أكبر أخطائها بحق الثورة والسوريين.
لقد رغِبت أن تُطوّع الفصائل والمعارضة السورية تحت إمرتها. وبالطبع تعرضت الثورة لمختلف أشكال الحصار، وتزعمتها معارضات رديئة بكل المقاييس، فكانت الحصيلة تشكيل تركيا مع روسيا وإيران حلفاً مشتركاً، اختطّ لنفسه مسار أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية، ولقاءات لا تنتهي بين بوتين وأردوغان. لقد فوّتت تركيا على نفسها السنوات الأولى للثورة، لتكون فاعلة في الوضع السوري، وبعد التدخل الأمريكي 2014 والروسي 2015، أصحبت تابعة لسياسات الدول العظمى، وانتقلت بذلك للدفاع عن نفسها وعن مصالحها، كما رفضت تركيا إيجاد حل عادل وديموقراطي، للمسألة القومية الكردية، كذلك استعدت الأكراد في سوريا. الأسوأ، أنها وظفت في استعدائها فصائل سورية كثيرة في غزواتها للأراضي السورية. مشكلة تركيا أنها لا تريد التسليم بتراجع دورها في الوضع السوري، ولهذا نراها تحاول المناورة بين الروس والأمريكان، سعياً منها لتحجيم قوات قسد وسحب أسلحتها وتفكيكها، وإلغاء أية حقوق للأكراد في سوريا.
رفض بايدن لقاء أردوغان في الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة، وذهب ضعيفاً إلى القيصر الروسي، الذي وجدها فرصة ثمينة لمحاصرة السلطان، ومطالبته بتخفيض أحلامه في عديدٍ من القضايا الإقليمية، ومنها الوجود التركي في إدلب وبعض أرياف حلب، وضرورة أن يتخلص من كافة التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، وفتح طريق أم 4، ورفضَ بوتين مقترحاً يدمج هيئة التحرير ضمن الجيش الوطني. بدا حينها ظهر أردوغان عارٍ كلية، واستفادت قوات قسد، وهاجمت بعض المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية. قوات الأخيرة ردّت بالمثل، وتتحيّن، وفقاً لتقارير إخبارية كثيرة، الدخول إلى مناطق عديدة تسيطرعليها قسد، كتل رفعت مثلاً.
فاجأت أمريكا تركيا بتمديد وجودها في سوريا عاماً كاملاً، وبتصريحاتٍ جديدة ضد داعش، وأدخلت أسلحة جديدة إلى مناطق سيطرة قسد في الأسابيع الأخيرة، بينما تصلبت تركيا بموقفها ضد قسد وأنها تنظيم إرهابي. الآن تبدو تركيا بموقف ضعيف للغاية، فالنظام يهاجم مناطق سيطرتها في حلب وإدلب، وقسد تتحرك ضد الوجود التركي، وكأن تركيا أصبحت محاصرة من روسيا وأمريكا في سوريا؛ هذه قراءة تركيا حالياً، وربما هي صائبة بذلك.
السياسة الروسيّة إزاء تركيا في سوريا لم تتغير، وتريد إبعاد تركيا عن حلف الناتو، وزيادة التنسيق الروسي التركي بكافة المجالات، وضمن ذلك تحثّ روسيا تركيا بالانفتاح على النظام السوري وقسد، والإقرار بفشل الثورة والفصائل. مشكلة تركيا ليست إزاء روسيا فقط، فهناك إيران، وروسيا وإيران حليفتان قويتان، وفي سوريا تنبني السياسة الروسية على التوافق مع إيران بالدرجة الأولى ومع تركيا ثانياً. خطيئة تركيا في أنها لم ترفض الوجود الإيراني منذ البدء، والآن تحصد نتائج سياساتها الفاشلة في سوريا. لن تضغط روسيا كثيراً على تركيا، ولكنها تحاصر مناطق سيطرتها بالتدريج، وتدفع بالفصائل نحو أشرطة حدودية هامشية، ويبدو أن روسيا تسير نحو السيطرة على مدينة إدلب ومناطق كثيرة في هذه المدينة.
تركيا المرفوضة أمريكياً، والمتجهة نحو تحالفٍ وثيق مع روسيا، تجد نفسها بعد لقاء بوتين أردوغان ضعيفة ومحاصرة وغاضبة. الآن تتحدّث التقارير حول عملية عسكرية وشيكة لتركيا، وباتجاه تل رفعت. هذا الأمر خطير حيث ليس من تغطية روسية أو أمريكية له.
تركيا معنية بتغيير سياساتها في سوريا، والتخلص فعلياً من هيئة تحرير الشام، وستخضع لسياسات روسيا أكثر فأكثر، هي معنية أيضاً بتغيير سياساتها إزاء قسد، وإذا كانت محقّة في ضرورة إنهاء كل علاقة لقسد بحزب العمال الكوردستاني، وهو ما تتفق فيه مع قوى كردية ومع الأمريكان، فإنها تخطِئ بتعزيز الروح “الشوفينية” لدى الفصائل السورية ضد قسد. الأخيرة، ولا شك لديها سياسات خاطئة، ومنها شوفينية أيضاً، وبالجملة، وهناك عدم تمثيل العرب في إداراتها أو في قسد، وعدم انفتاحها إزاء المعارضة، وقد اختلفت حتى مع هيئة التنسيق الوطنية.
ما حصل لدرعا، ستحاول روسيا إعادة تكراره في شمال وشرق سوريا. وكما سلمت أمريكا درعا لروسيا، فهي ستحاول الأمر عينه مع تركيا وأمريكا في بقية مناطق سوريا. الموقف الأمريكي الأخير، والرافض للانسحاب وتمديد البقاء بسوريا بسبب حالة الطوارئ، سيدفع روسيا لتعيد حساباتها؛ فالشرق السوري لن يعود قريباً. تركيا تبدو مصممة على “حقوقها” في تل رفعت، ومنبج ومناطق كثيرة، ولن تُسلم بسهولة للسياسات الروسية أو الأمريكية، وبالتالي تتجه الأوضاع نحو التأزّم أكثر فأكثر. طبعاً، يُستبعد أن تتطوّر الأوضاع إلى معارك بين تركيا وروسيا وتركيا وأمريكا. وأغلب الظن ستكون هناك طبخة جديدة، تنال فيها تركيا تل رفعت مقابل تسليم مناطق لروسيا وربما لأمريكا.
بكل الأحوال تركيا لن تكون رابحة، وستعزّز أمريكا من دور روسيا إزاء إيران وتركيا، فهل ستتحرّك الأطراف السورية “المعارضات” نحو عقد لقاءات جادة، وتخرج من عباءة كل من تركيا وروسيا وأمريكا؟ هذا لن يتحقق بدوره، وبالتالي سينتظر السوريون تسوية إقليمية ودولية، وهذا خارج الاحتمالات حالياً.
——————————————
هل تقسيم سورية بات خيارا واقعيا ونهائياً/ رضوان زيادة
من مفارقات الخطاب السياسي حول سورية اليوم مفهومان اثنان تكررا كثيراً في كل البيانات الدولية حول سورية، كما يكررهما القادة السوريون والمسؤولون الدوليون بدون تعب أو ملل، رغم إدراكهم ختل هذه المفاهيم وعدم انطباقها على أرض الواقع.
المفهوم الأول هو عبارة “الحل السياسي” التي تضمنتها كل قرارات مجلس الأمن الخاصة بسورية وكل بيانات المنظمات الدولية وتصريحات المسؤولين الغربيين الخاصة بسورية، رغم أن الجميع وعلى رأسهم بشار الأسد وروسيا وإيران الذين يرددون هذه العبارة أكثر من غيرهم، استخدموا كل القدرات العسكرية الممكنة لتغيير الحقائق على الأرض، واستعملوا كل الميشليشات العسكرية لمنع تحقيق هذا الحل السياسي، لكنهم وأمام الكاميرات يقفون ويرددون أن الحل الوحيد في سورية هو الحل السياسي.
المفهوم الآخر الذي يتلاعب عليه المجتمع الدولي أيضاً هو عبارة “حفظ وحدة وسيادة سورية وسلامة أراضيها”، مع أن كل جيوش الأرض تلعب في سورية وسمائها باتت مفتوحة للجميع لهتك عرضها، لكن من المهم تكرار عبارة حفظ السيادة السورية، ورغم أن الجميع يقرّ أن سورية اليوم أصبحت ثلاث سوريات على الأرض، وكل منطقة لها داعموها وممولوها، لكن الكل يردد أنه مع “حفظ وحدة الأراضي السورية”، و”منع تقسيم الأراضي السورية”، لكن التقسيم للأسف بات حقيقة على الأرض، بل إن هناك تبريراً أيديولوجياً لهذا التقسيم، وهو الذي قاده الكرد السوريون المتحالفون مع حزب العمال الكردستاني، الذين غيروا ولائهم من نظام الأسد إلى روسيا، ثم أمريكا مقابل الاحتفاظ بقطعة أرض يقيمون عليها نظامهم السياسي الأيديولوجي الذي تغير وفقاً للشعارات التي يرفعونها.
فمع نهاية 2011 بدأ النظام السوري بإعطاء دور لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي بتنظيم عملية توزيع المحروقات التي عانت من بعض النقص في مدن محافظة الحسكة، مع تصاعد المظاهرات في عموم البلاد، في نفس الوقت بدأ تشكيل مليشيا عسكرية تابعة لهذا الحزب من عناصره السوريين والأتراك، هذه الميليشيا أعلن عنها باسم وحدات حماية الشعب في تموز 2012، وأعلن أنها تتبع للهيئة الكردية العليا حديثة التكون آنذاك، علماً أن قادتها وكوادرها كلهم كانوا يدينون بالولاء الكامل لحزب العمال الكردستاني.
أطلق نظام الأسد سراح قادة حزب الاتحاد الديمقراطي مقابل خلق البلبلة لدى الكرد، وهذا الحزب يقوم بخطة عملية منظمة من أجل فرض تقسيم سورية على أرض الواقع، فبدأ باختراع ما يسمى مجلس شعب غربي كردستان، وهو بمثابة برلمان مصغّر للحزب، ثم وحدات الحماية الكردية، حيث قام النظام السوري بتسليم مدن المالكية ورميلان والجوادية وعامودا والدرباسية لحليفه الـ PYD تخفيفاً للعبء العسكري، لتوظيفه في المناطق المشتعلة، حيث بقي موظفو الدولة في هذه المدن يتقاضون رواتبهم من حكومة النظام، رغم أن هذه المدن أصبحت تحت سلطة الـ PYD ووحداته العسكرية وحدات حماية الشعب.
خاضت وحدات حماية الشعب مدعمة بطيران ومدفعية النظام السوري معارك طويلة مع فصائل الجيش الحر والمعارضة الإسلامية في رأس العين واليعربية وتل حميس، في عام 2013 وحتى بداية 2014، ثم مع تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش الحر وقوى المعارضة الإسلامية السورية، وشكلت مواجهة وحدات الحماية مع تنظيم الدولة في عين العرب كوباني نقطة فارقة في تاريخها، حصدت بموجبها تعاطف عدد كبير من الكرد السوريين الذين بنوا موقفهم السابق منها على أساس علاقتها المباشرة والواضحة مع النظام السوري.
وبدعم كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة خلال عام 2015، استطاعت وحدات الحماية الشعبية أن تسيطر على مساحات واسعة من ريف محافظة الحسكة والرقة وحلب، دون معارك حقيقية مع تنظيم الدولة الذي كان ينسحب بتأثير غارات التحالف الجوية، بينما تتقدم هذه الوحدات وترتكب في أحايين كثيرة المجازر والانتهاكات والتهجير بحق القرى العربية التي سوّيت العشرات منها بالأرض، وهجر ساكنوها بعد أن نهبت محتوياتها.
اليوم وبعد تأسيس الإدارة الذاتية التي فرضت التجنيد الإجباري في المناطق التي تسيطر عليها، أصبح تعداد هذه الوحدات يقارب الستين ألفاً، وانضمت إلى تحالف باسم قوات سورية الديمقراطية تكون ما يزيد على 80% من قوامه، كما تشمل وحدات كاملة من النساء المقاتلات تسمى وحدات حماية المرأة. وتقول وحدات حماية الشعب أن نسبة مشاركة المرأة لا تقل عن 40%.
على المستوى الاستراتيجي هذه الخطوات كلها مهدت الطريق لخطوات انفصالية، خاصة بعد سيطرة وحدات حماية الشعب على مدينة تل أبيض التي غير اسمها إلى “كري سبي”، وضمها إلى مقاطعة عين العرب كوباني، كجزء من الإدارة الذاتية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2015، فضلاً عن أن معظم قوى المعارضة، سواء لأسباب أيديولوجية قومية عروبية أو دينية أو حتى لأسباب سياسية تتعلق بحسابات الصراع في الأزمة السورية ترفض الخطوة الكردية، وإذا ما أخذنا الرفض التركي لها فإن السؤال عن مستقبل الإدارة الذاتية يصبح ملحاً بدرجة كبيرة.
تمكنت المعارضة السورية المدعومة من تركيا من السيطرة على عفرين، لكن بقيت المناطق الأخرى تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية التي أصبحت بالنسبة لها أرضاً تحقق فوقها حلمها في بناء دولة كردية في الشمال السوري، يخفق فوقها علم وصورة أوجلان الذي يقبع في السجون التركية.
لقد بات تقسيم سورية بفضل هذه الخطوات الكردية حقيقة واقعة للأسف تفرض على السوريين التفكير من جديد في مآلات هذه الخطوات، وكيف يمكنهم استعادة “وحدة الأراضي السورية” بحق وحقيقة وليس في الخطاب المخاتل فقط.
—————————————
الأسد يتوسع نحو الامارات..اتصال بولي عهد أبو ظبي
أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد الأربعاء، اتصالاً هاتفياً، بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، في خطوة جديدة نحو المزيد من تطوير علاقات النظام بالإمارات، بعد اتصال مماثل أجراه قبل أيام، بملك الأردن عبد الله الثاني.
وبحث الأسد مع بن زايد تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ومجمل القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك” كما ناقش الجانبان العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
بالتزامن، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، قرارًا يقضي بتشكيل “مجلس الأعمال السوري-الإماراتي” وتعيين رئيس للمجلس ونائب له.
وبحسب القرار، الذي نشرته وكالة أنباء النظام (سانا)، الأربعاء، عيّنت الوزارة غزوان المصري رئيسًا للمجلس، وأنس معتوق نائبًا له.
ووفق القرار، يهدف تشكيل المجلس إلى تفعيل دور القطاع الخاص في “تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين” بمختلف المجالات. ولفتت الوزارة إلى أن من المقرر أن يقوم الجانب الإماراتي بتشكيل المجلس النظير، تنفيذًا لاتفاق وزيري اقتصاد البلدين.
وتواصل الإمارات والنظام السوري تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما، وكان وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري، التقى وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية محمد سالم خليل، على هامش معرض “إكسبو 2020 دبي” بهدف تعزيز سبل التعاون الاقتصادي.
ويأتي الاتصال بين الأسد وبن زايد بعد تسارع خطوات التطبيع العربي مع النظام السوري، لا سيما من قبل الأردن والإمارات ومصر، متمثلة في لقاءات متبادلة واتفاقات وتفاهمات اقتصادية.
وفي 27 كانون الأول/ديسمبر 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، بعد إغلاق 7 سنوات. وفي آذار/مارس 2020، أعرب وزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد عن تمسكه ب”عودة سوريا لمحيطها العربي” بمؤتمر صحافي في موسكو مع نظيره سيرغي لافروف، وفي 27 من الشهر ذاته، بحث محمد بن زايد مع بشار الأسد دعم الأخير في أزمة كورونا.
المدن
———————
نظام الاسد يكسب الملايين من أموال المساعدات الدولية للسوريين
كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن النظام السوري يكسب ملايين الدولارات من المساعدات الإنسانية، عبر إجبار وكالات الأمم المتحدة على استخدام سعر صرف أقل.
ونقلت الصحيفة عن دراسة أجراها باحثون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، ومركز أبحاث مركز العمليات والسياسات، أن البنك المركزي السوري، الخاضع للعقوبات الغربية، حقق ما يقارب ال60 مليون دولار أميركي (44 مليون جنيه إسترليني) في عام 2020، من خلال جمع 0.51 دولار من كل دولار مقدّم كمساعدات إلى سوريا.
وأشارت الدراسة إلى أن الأموال التابعة للمساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للسوريين، هي واحدة من الطرق التي يعتمد عليها النظام السوري لكسب المال.
وأوضحت الدراسة أنه “بعد العقوبات الأميركية وانهيار النظام المصرفي في لبنان، يعتمد النظام بشكل متزايد على الأساليب غير التقليدية لجمع الأموال”، لافتةً إلى أن هذه الاموال “يحصل عليها المسؤولون في دمشق من أجل ثرواتهم الشخصية، أو هي مخصصة لتمويل الحرب المستمرة منذ عشر سنوات”.
وجاء هذا الكشف بعد تحليل أجراه الباحثون لمئات عقود الأمم المتحدة لشراء السلع والخدمات للأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث يعيش أكثر من 90 في المئة من السكان في فقر منذ انهيار الليرة السورية عام 2020.
وقال الباحثون إن سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي الآن 2500 ليرة سورية للدولار الأميركي، بينما سعر السوق السوداء 3500 ليرة سورية، مشيرين إلى أن التجار والمستهلكين الشرعيين يفضلون استخدام سعر السوق السوداء، حيث يتلقون المزيد من الليرات السورية مقابل العملة الأجنبية.
ولفتت الدراسة إلى أنه “منذ أن أجبرت الحكومة السورية الأمم المتحدة على استخدام السعر الرسمي للصرف، فقدت نصف أموال المساعدات الخارجية التي تم تحويلها إلى الليرة السورية في عام 2020 قيمتها، بعد استبدالها بالسعر الرسمي الأدنى”.
وقالت الباحثة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ناتاشا هول ل”الغارديان”: “يتبع النظام منهجية لاستغلال اموال المساعدات قبل أن يتم توزيعها على السوريين المحتاجين.. هذا أمر لا يُصدق”.
وأضافت أنه “إذا كان الهدف من العقوبات بشكل عام حرمان النظام من الموارد اللازمة لارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين، وكان الهدف من المساعدات الإنسانية الوصول إلى المحتاجين، فإن الحيلة التي يستخدمها النظام تشير إلى أن المساعدات تتعارض تماماً مع الأهداف الإنسانية المذكورة”.
وتابعت أنه “لا توجد طريقة فعلاً لنا، بصفتنا مستشارين مستقلين، لمعرفة المدى الكامل لكيفية إنفاق المساعدات داخل حكومة النظام”، موضحة “أردنا فقط الإشارة إلى أنه، حتى من خلال هذه البوابة المحدودة لفهم مقدار ما يتم إنفاقه، فقد بلغت بالفعل عشرات الملايين من الدولارات المخزنة”.
ورأت هول أنه على الأمم المتحدة التفاوض بشأن سعر صرف تفضيلي مع حكومة النظام، “على الأقل لتقليل المبلغ الذي يسحبه النظام عبر البنك المركزي”.
وهذه القضية ليست جديدة، إذ وُجهت اتهامات للأمم المتحدة في عام 2016 بمساعدة النظام من خلال تحويل مليارات الدولارات من المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة مع ترك المناطق المحاصرة من دون طعام ودواء.
وحذرت “هيومن رايتس ووتش” من أن وكالات الأمم المتحدة والحكومات تخاطر بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إذا لم تضمن الشفافية والرقابة الفعالة.
وفي 2020، أعلنت الولايات المتحدة عن 700 مليون دولار إضافية كمساعدات إنسانية لسوريا، كما قدمت بريطانيا 1.59 مليار جنيه إسترليني كمساعدات لسوريا بين شباط/فبراير عام 2012 ويونيو/حزيران عام 2021.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية ومكتب التنمية حينها، إن بلاده “لا تقدم أي مساعدات من خلال نظام بشار الأسد… نعمل على ضمان وصول المساعدات إلى أولئك الذين في أشد الحاجة إليها”.
رد الأمم المتحدة
وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية دانييل مويلان: “ترحب الأمم المتحدة بالتدقيق المستقل في العمليات الإنسانية في سوريا، وكانت أولويتنا الأولى، وستظل دائماً، مساعدة الأشخاص المحتاجين في سوريا”.
وأضافت أن “غالبية مشتريات الأمم المتحدة تتم من أجل خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا في الأسواق الدولية والإقليمية، وبالتالي لا تتأثر بسعر الصرف السوري”، فضلاً عن أنه “كما هو الحال في أي بلد، فإن الأمم المتحدة في سوريا مطالبة باستخدام سعر الصرف الرسمي”.
وأكدت مويلان أن الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني تفاوضوا على سعر صرف تفضيلي للعمليات الإنسانية، ومازالوا يواصلون التنسيق مع مصرف سوريا المركزي بشأن مسألة أسعار الصرف التفضيلية.
—————————
روسيا تعلّق على تهديدات تركيا بشن عملية شمالي سورية
أبدت روسيا استعدادها للعب دور الوسيط في سورية لمنع أي عملية عسكرية تركية محتملة في مناطق شرقي الفرات ضد “وحدات حماية الشعب”.
وفي معرض رده على التهديدات التركية بشن عملية عسكرية، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لوكالة “إنترفاكس” الروسية إن “موسكو تعارض تجدد أي أعمال قتالية”.
وأضاف أن “هناك اتصالات جيدة جداً بين موسكو والسوريين وخاصة الأكراد”، مضيفاً “نحن مستعدون دائماً لأداء دور الوسيط بين كافة الأطراف المعنية، بغية تفادي إراقة الدماء وسقوط ضحايا بشرية، وحل كافة المشاكل ضمن إطار الحوار السياسي البناء”.
وأشار المسؤول الروسي إلى أن بلاده إلى جانب تركيا وإيران ضمن مسار أستانة “يتحملون المسؤولية عن ضمان سريان نظام وقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية، بما يشمل كافة مكونات هذا الوضع”.
ويأتي ما سبق بعد تلميح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بنية بلاده شن عملية عسكرية جديدة ضد “وحدات حماية الشعب” (ypg) في سورية، بعد سلسلة الهجمات التي تعرضت لها قواته في المنطقة.
وقال أردوغان، الأسبوع الماضي، إن “الهجوم الأخير على قواتنا (في منطقة عملية درع الفرات) والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حداً لا يحتمل”، مضيفاً: “سنقضي على التهديدات التي مصدرها من هناك (شمال سورية) إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة”.
ومنذ تلك الفترة استحوذت العملية العسكرية حديث وسائل الإعلام التركية، دون تتضح ملامحها حتى الآن.
ويأتي الموقف الروسي الحالي بعد أيام من تصريحات للرئيسة المشتركة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد “بشأن الدور الروسي من أي عملية عسكرية تركية”.
وقال أحمد في لقاء م قناة “روناهي” إن “الروس مسؤولون عن المناطق التي يتواجدون فيها، بما فيه الشريط الحدودي مع تركيا، سواء في عفرين أو تل رفعت أو الشهباء أو في شرق الفرات. هم مسؤولون عن استقرار هذه المناطق، نسبة إلى الاتفاق الذي حدث بينهم وبين تركيا عام 2019، من الضروري الحفاظ على هذه الاتفاق”.
وأضافت أحمد أنه يجب على روسيا “أن تطلب من تركيا الانسحاب من هذه المناطق، ولعب دورها في كيفية عودة النازحين والمهجرين قسراً، إلى منازلهم، وإن تحملت روسيا هكذا مسؤولية سيكون ذلك إيجابياً جداً”.
—————————
أردوغان: لن نقدم تنازلات في سورية ونرد في إدلب
قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده “لن تقدم أي تنازلات في سورية”، وستواصل اتخاذ كل ما يلزم في محافظة إدلب، والتي تتعرض منذ أشهر لقصف متواصل من جانب قوات نظام الأسد وروسيا.
جاء ذلك في حديث للصحفيين خلال عودته من جولته الإفريقية، التي شملت أنغولا وتوغو ونيجيريا، حسب وكالة “الأناضول” التركية.
وأضاف: “تركيا تواصل القيام بما يلزم والرد بالأسلحة الثقيلة على الاعتداءات في إدلب السورية”.
وحسب أردوغان فإن عمليات قواته مستمرة “في بعض النقاط الحساسة بالمنطقة”، وأنها “ستقوم بكل ما هو مطلوب بغض النظر عن الموقف الذي سيتخذه النظام السوري”.
ويوم أمس الخميس قتل 11 مدنياً بينهم أطفال وامرأة وجرح 20 آخرين بينهم حالات حرجة، جراء قصف لقوات النظام وروسيا على مدينة أريحا جنوبي إدلب.
واستهدفت قوات النظام وروسيا سوقاً شعبياً وطرقاً عامة ومحيط عدة مدارس في أريحا، خلال “الذروة الصباحية وبالتزامن مع توجه الأطفال إلى مدارسهم، ومن بين ضحايا المجزرة 3 طلاب ومدرّسة”، حسب بيان “الدفاع المدني السوري”.
وتعتبر مدينة أريحا أكبر تجمع سكاني في ريف إدلب الجنوبي، بعد عودة عدد كبير من سكانها الذين نزحوا إلى مخيمات الريف الشمالي، خلال الحملة العسكرية الأخيرة.
وكان أربعة أشخاص قتلوا وأصيب 23 آخرين، نتيجة استهداف قوات الأسد الطريق الواصل بين باب الهوى وسرمدا بريف إدلب الشمالي، في 16 من الشهر الحالي.
وجاء قصف قوات الأسد بصواريخ “كراسنوبول” الروسية الموجّهة بالليزر، بالتزامن مع تحليق طيران الاستطلاع الروسي في عمق المحافظة الحيوي.
————————-
أردوغان يُخطر البرلمان بـ”تهديدات” من سورية..ويطلب تفويضاً عسكرياً
أرسل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مذكرة رئاسية إلى البرلمان التركي، طلب فيها تمديد التفويض الخاص بالعمليات العسكرية في سورية والعراق.
وذكرت تقارير تركية أن المذكرة التي أرسلها أردوغان للبرلمان، اليوم الأربعاء، تضمنت إخطاراً بوجود تهديدات أمنية على الحدود الجنوبية المتاخمة لسورية، مشيراً إلى أن الصراع “مستمر”.
وجاء في المذكرة التي نشرتها الرئاسة التركية أن “التنظيمات الإرهابية، خاصة بي كا كا/ ب ي د ـ ي ب ك، وداعش، التي تواصل وجودها في المناطق القريبة من حدودنا مع سورية، مستمرة في أنشطتها ضد بلادنا وأمننا القومي والمدنيين”.
وبناء على ذلك، طالبت المذكرة بتمديد التفويض الممنوح للرئيس التركي حول تنفيذ عمليات عسكرية جديدة في سورية والعراق، مدة عامين إضافيين، اعتباراً من 30 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
#SONDAKİKA
Suriye ve Irak tezkeresi Meclis’te.https://t.co/PMQJyW2XCh pic.twitter.com/ZjiLSKag3W
— TRT HABER (@trthaber) October 20, 2021
وحول إدلب، قال أردوغان في المذكرة إن المخاطر لا تزال تهدد جنوده الموجودين في المنطقة، بموجب مسار “أستانة”، مضيفاً أن “اتخاذ الإجراءات اللازمة يحمل أهمية حيوية، وذلك بما يتماشى مع حقوقنا الناشئة عن القانون الدولي حيال تقويض وحدة الأراضي العراقية والسورية عبر الإرهاب”.
يُشار إلى أن القوات التركية بدأت مهامها العسكرية لأول مرة في سورية عام 2014، حيث أقر البرلمان التركي التفويض للمرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 2014، ثم مدده لأعوام إضافية متتالية.
وشنت تركيا، بموجب التفويض، عمليات عسكرية عدة على الأراضي السورية، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، و”قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها بالعناصر والقيادات. وأدت هذه العمليات العسكرية لإبعاد الأطراف السابقة عن الحدود السورية- التركية، وفرض الإدارة التركية على مناطق واسعة في شمال وشمال غرب سورية.
إلا أن طلب التفويض الحالي يتزامن مع الحديث عن قرب عملية عسكرية كبيرة لتركيا في سورية، ضد “وحدات حماية الشعب” (YPG).
وقال الرئيس التركي، الأسبوع الماضي، إن “الهجوم الأخير على قواتنا (في منطقة عملية درع الفرات) والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حداً لا يحتمل”، مضيفاً: “سنقضي على التهديدات التي مصدرها من هناك (شمال سورية) إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة”.
وتوقعت تقارير تركية أن تشمل العملية المنطقة الحدودية، بدءاً من تل أبيض ورأس العين ووصولاً إلى جرابلس غرباً والخط الحدودي مع العراق شرقاً، بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية الحدودية مع تركيا.
—————————
====================
تحديث 22 تشرين الأول 2021
————————–
في خلفيات تعويم نظام الأسد/ فايز سارة
يتزايد الحديث حول تعويم نظام الأسد، سواء في مستوى استعادة العلاقات الثنائية معه، أو على صعيد تطبيع علاقاته مع المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية، وكلها تعرضت في السنوات العشر الماضية لهزات عنيفة بسبب جرائم النظام ضد السوريين، ما أدى إلى تجميد العلاقات أو قطعها، على نحو ما حدث في علاقات النظام العربية والأميركية والأوروبية.
وتترافق الأحاديث عن تعويم النظام بإجراءات وخطوات تتصل بالموضوع، منها قيام حكومات عربية بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، وبث أخبار عن لقاءات أمنية بين مسؤولين في نظام الأسد ومسؤولين من بعض البلدان العربية والأجنبية، وقيام مسؤولين من بلدان عربية وأجنبية بزيارات إلى دمشق، وعقد لقاءات مع رأس النظام وأركانه. كما التقى وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد 9 من وزراء الخارجية العرب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، في خطوة اعتبرها البعض إحدى أبرز دلالات تعويم نظام الأسد وتأكيد مسار تطبيع العلاقات معه.
الحديث عن التعويم والخطوات والإجراءات ليست أشياء جديدة، بل مستمرة ومتواصلة منذ سنوات، والجديد فيها وحولها أمران؛ أولهما هو ما يبدو أنه تصعيد فيها، على نحو ما يمكن أن نقرأه لكثرة الحديث عنها، ولا سيما الإعلام المقرب والأقرب إلى نظام الأسد وحلفائه، ولقاء المقداد مع 9 من وزراء الخارجية العرب مؤخراً، والأمر الثاني ما يقرأه البعض في الموقف الأميركي من نظام الأسد، الذي شدد في آخر محتوياته، أنه لن يطبع ويعيد علاقاته مع النظام، لكنه لن يمنع تطبيع الدول الأخرى علاقتها معه، وقد ذهب البعض إلى الأبعد بالقول، إن الموقف الأميركي أمام تحول كبير في الموقف من نظام الأسد، وقد يؤدي إلى استعادة علاقات الطرفين في غضون عام مقبل أو أكثر بقليل، على نحو ما درجت سياسات واشنطن السورية في التعبير عن نفسها خلال السنوات العشر الماضية.
ورغم أنه من الفطنة ملاحظة ما سبق، إضافة إلى ملاحظة ما يبذله الروس من مساعٍ لتعويم نظام الأسد في المستويين العربي والدولي، فإن ما يجري أقل بكثير من فكرة تعويم النظام وتطبيع علاقاته العربية والدولية، بمعنى استعادة وضعه إلى ما كان عليه قبل مارس (آذار) 2011، والأمر في هذا يستند إلى وقائع ومعطيات، تكمن خلفياتها في الإجابة عن سؤال ملحّ، نصه: ما الذي يدفع إلى تعويم النظام والتطبيع معه؟
يصرّ نظام الأسد على الإمعان في طروحاته وسياساته التي أعلنها وتبناها منذ بدء الصراع في سوريا وحولها في العام 2011، ورغم ما خلفه موقف النظام من تداعيات وكوارث على سوريا والعالم من خلال جرائمه وارتكاباته، فإنه يصرّ على إعلان انتصاره بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين، وأنهم سيكملون الطريق الذي انخرطوا فيه حتى النهاية.
ويتولى نظام الأسد إدارة كيان سياسي ممزق، تتوزع السيطرة الواقعية عليه قوى دولية وإقليمية مباشرة وبالاستناد إلى أدوات محلية، من بينها الولايات المتحدة، التي تسيطر في شمال شرقي سوريا، ومعها قوى التحالف الدولي ضد «داعش» وأداتها المحلية «قوات سوريا الديمقراطية»، وهناك تركيا التي تسيطر مباشرة على جزء من الشمال السوري، ويساعدها في السيطرة أدوات من جماعات مسلحة وحلفاء من «هيئة تحرير الشام»، إضافة إلى الوجود الروسي والإيراني المتخفيين وراء طابع الوجود الشرعي من سلطة فقدت أي شرعية لها.
ويعاني الكيان السوري في كل أجزائه من تدمير، وتشتيت قدراته البشرية والمادية. فالسوريون اليوم في الداخل، يزيدون قليلاً على نصف سكان البلاد موزعين في مناطق سيطرة النظام أو مناطق سيطرة قوى الأمر الواقع، وأكثرهم يسعون للخروج من سوريا نتيجة تردي الأحوال في كل المجالات بصورة لم يسبق أن وصلت إليها، بل إن الوضع يمضي إلى تفاقم أكثر فأكثر، في ظل توقعات تجديد الحرب في الشمال الغربي، واحتمالاتها في الشمال الشرقي، ويقارب تردي أوضاع أكثر اللاجئين السوريين في بلدان الجوار مستوى تردي أوضاع إخوانهم في الداخل، وعدد هؤلاء يقترب من 5 ملايين نسمة، يعاني مئات آلاف منهم من تدهور الحالة المعيشية والأمنية في لبنان، ومثلهم سوريّو الأردن الذين يعانون من محدودية الموارد وظروف العيش، ويعاني نحو 4 ملايين سوري في تركيا من ظروف معيشية صعبة، لكن الأهم في معاناتهم تنامي العنصرية ضد وجودهم.
أما في مستوى القدرات المادية، فإن سوريا اليوم بلاد من ركام وحطام، حيث عشرات المدن والقرى، تزيد نسبة التدمير الكلي في مساكنها وأسواقها على 50 في المائة، وأغلب مرافق البلاد من طرق وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي خارج الخدمة أو في خدمة الحد الأدنى، بسبب ما لحقها من تدمير أو نتيجة إهمالها وعدم صيانتها وأسباب أخرى، والأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية في شبه عطالة، تعبيرها الأبرز العجز في منتجات رئيسية اشتهرت بها سوريا من قطن وقمح وزيتون وحمضيات، وموارد البلاد من نفط وغاز ومعابر وفوسفات تتوزعها سلطات الأمر الواقع، وقد منح نظام الأسد بتسهيلات منه امتيازات استثمارية للإيرانيين والروس، شملت مكامن الثروة النفطية والفوسفات، إضافة إلى منفذي سوريا على البحر، اللاذقية وطرطوس.
لقد فقدت سوريا قدراتها وخبراتها، ليس على مستوى القدرات والخبرات المسؤولة عن تطوير البلاد وإخراجها من تداعيات حرب النظام وحلفائه وجماعات التطرف على السوريين، إنما على مستوى القدرات والخبرات، التي تلبي الاحتياجات اليومية لسكانها، من إدارة وصحة وتعليم وإسكان ونقل، وكلها تعاني من اختلالات، تحتاج البلاد إلى قدرات كبيرة وسنوات طويلة لمعالجتها.
مؤشرات تدهور الدولة والحياة السورية كثيرة، وبين تعبيراتها أن سوريا باتت تحتل المواقع الأسوأ في مراتب القياس الدولية، وتحولت إلى دولة فاشلة، محكومة بالقوة وحدها سواء بواسطة قوى الاحتلال الإيراني والروسي، أو القوة العسكرية والأمنية للنظام، التي صارت مجرد ميليشيات وعصابات تحت سيطرة الإيرانيين والروس.
وسط ما تقدم تفقد أحاديث تعويم النظام، والخطوات والإجراءات الدالة على مساعي التطبيع معه معناها الشائع، والإيحاء بمعنى جديد ومختلف أساسه عدم جدية فكرة تعويم النظام وإعادة تأهيله للانخراط في المجتمع الدولي، بل إن الفكرة في أحسن أحوالها تقارب ما قاله هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق عن مساعيه في الشرق الأوسط بعد الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973، حين قال ليس المطلوب تحقيق السلام، وإنما الحديث عنه، لأنه كان يرى ويعرف أن السلام بين الإسرائيليين والعرب بعيد جداً، وها نحن شهود عليه بعد قرابة نصف قرن من ذلك.
أما إذا كان هناك من يفكر في أن تعويم نظام الأسد، وإعادة تأهيله للانخراط في المجتمع الدولي ممكن، فليقل لنا ما الذي يغري الدول في هذا الانفتاح.
الشرق الأوسط
—————————
النظرة الإيرانية للتطبيع العربي مع نظام الأسد/ ضياء قدور
على الرغم من أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ما زالوا يتجنبون التعامل مع نظام الأسد، ويرفضون تطبيع العلاقات معه، فإن الشرق الأوسط يشهد تغييرًا يتمثل في وجود مساع عربية قديمة متجددة لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، من خلال إحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.
في خضم ذلك، من المهم أن نرى نظرة النظام الإيراني لعجلة التطبيع العربي مع نظام الأسد، والتي بدأت تقريبًا في عام 2018، عندما أعادت كلٌّ من البحرين والإمارات سفاراتهما إلى دمشق، والتحركات العربية الحديثة الأخرى في هذا الإطار، ولا سيما في ظل الحديث عن رغبة الولايات المتحدة في مغادرة المنطقة، والتركيز على روسيا والصين بشكل أكبر، الأمر الذي سيكوّن العديد من التداعيات على المشهد الإقليمي وتوازن القوى فيه.
صحيح أن التصريحات الرسمية الإيرانية حول التطبيع العربي مع دمشق نادرة، أو قد تكاد تكون معدومة، إلا أن النظرة الإيرانية حيال هذه التطورات المهمة ترتسم بشكل غير مباشر على ما تنشره المواقع الإيرانية الرسمية وغير الرسمية المقرّبة من مراكز صنع القرار في طهران، وهذا ما رصدناه في أربع مؤشرات.
أولًا: شعور المنتصر الشامت بأعدائه
ما يطفو على السطح من الوهلة الأولى، بالنسبة إلى النظام الإيراني، هو شعور المنتصر الشامت الذي يرى أن إحياء علاقات العالم العربي مع نظام الأسد مؤشرٌ على انتصاره على أعدائه الذين أقرّوا بهزيمتهم في مواجهة “الحلف المقاوم”، من خلال اتباع الطرق الدبلوماسية الناعمة. لذلك، يُظهر واقع إحياء علاقات العالم العربي مع سورية، من وجهة نظر النظام الإيراني، أن سورية تجاوزت أزمتها، وليس أمام الدول العربية، التي سعت خلال الأعوام الماضية لاستخدام أدواتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية وفرض العقوبات المختلفة لإسقاط نظام الأسد، خيار سوى الاعتراف بالحكومة الحاكمة في سورية[1].
والآن، نظرًا للمخاوف التي يشعر بها القادة العرب من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، يضع النظام الإيراني إعادة نظر الدول العربية بسياساتها تجاه سورية في إطار يأس هذه الدول التي أصرّت على مواقفها لنحو عشر سنوات دون نتيجة، لتعود من بوابة الدبلوماسية لمواجهة المدّ الإيراني[2].
ثانيًا: عودة بلا شروط
إلى جانب إحساس الإيرانيين بشعور المنتصر الشامت من سعي الدول العربية لإعادة علاقاتها مع نظام الأسد بعد سنوات من الانقطاع، ونظرتهم إلى هذه العودة على أنها اعتراف بالهزيمة الاستراتيجية أمام “حلف المقاومة”، يرى الإيرانيون أن الدول العربية، خاصة السعودية، مستعدة للتخلي عن مطالبها في سورية، مقابل العودة دون فرض أي شروط مسبقة على نظام الأسد، كما حدث في الحالة الإماراتية.
لذلك، خلافًا لما كانت تعرضه السعودية في السابق بتقديم مساعدتها في إعادة إعمار سورية، ووقف دعم بعض فصائل الثورة السورية، مقابل ابتعاد سورية عن إيران و”حزب الله”، يرى الإيرانيون اليوم أن السعودية لا يمكنها فرض شروطها للعودة، بل يجب أن تعترف بحقيقة انتصار إيران في الحرب السورية، وعدم تحديها لهذه الحقيقة[3]. حتى إن بعض الآراء ذهبت إلى الحديث بأنّ طهران سمحت بانفتاح البوابة السورية على المملكة العربية السعودية، لوضعها على طريق إعادة الإعمار، وإفساح المجال للاستثمارات السعودية التي ستمنع انهيار الاقتصاد السوري، وذلك بهدف تعميق نفوذ وهيمنة طهران المستقبلية على دمشق[4].
ثالثًا: مسعى لخفض التصعيد مع النظام الإيراني قد يُفضي إلى عزل إسرائيل
يرى النظام الإيراني اليوم، وقد تنفّس الصعداء بعد خروج إدارة ترامب من السلطة مطلع العام الجاري، في المساعي العربية للتطبيع مع نظام الأسد، محاولةً منها لتغيير نهجها العدائي مع إيران، ومسعًى لخفض التصعيد معها في أحد أكثر الملفات الإقليمية سخونةً، خاصة بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض، وتسريع المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي قد يشكل دافعًا رئيسيًا لعملية قد تؤدي، في نظر الدول العربية، إلى تحوّل في ميزان القوى الحالي لصالح إيران في المنطقة[5].
وهذا يعني أنّ لدى دول الخليج مصالحَ واضحة في الدخول بمحادثات مع إيران، للحدّ من التوترات معها في المنطقة ككل، وفي سورية على وجه الخصوص، وفي المنحى نفسه، يرى الإيرانيون أن ضرورات النظام الإقليمي الجديد في منطقة غرب آسيا، التي قد تشهد انسحابًا مفاجئًا للقوات الأميركية، كما حدث في أفغانستان، تحتّم على الدول العربية اتخاذ نهج خفض التصعيد مع “محور المقاومة”، خاصة في سورية[6].
ونظرًا لاعتبار إيران أن تطبيع العلاقات مع سورية من جانب العالم العربي، خاصة السعودية، يعتمد إلى حد كبير على علاقات إيران مع السعودية وما ستؤول إليه محادثاتهما، فإن طهران ترى في الخطوة العربية فرصة لإفشال المخطط الإسرائيلي الرامي لتشكيل جبهة إقليمية موحدة ضد إيران في محاولة لعزلها. أي أن المساعي العربية للتطبيع مع دمشق وخفض التصعيد والتوترات في العلاقات السعودية الإيرانية، يمكن أن يُفضي إلى عزل إسرائيل بدلًا من إيران، ويوقف قطار التطبيع العربي مع إسرائيل[7].
رابعًا: مزاحمة النفوذ التركي القطري شمال غرب سورية
شجعت الحالة الإماراتية والبحرينية للتطبيع وإعادة المسارات الدبلوماسية مع نظام الأسد، إيران على الاعتقاد بأن التطبيع العربي لا يستهدف بالدرجة الأولى النفوذَ الإيراني على المدى المنظور، بقدر ما يستهدف بشكل أساسي النفوذ التركي القطري، شمال غرب سورية، وهي نقطة تلتقي عندها مصالح كل من إيران وحليفها الأسد والدول الخليجية في سورية[8].
أكبر دليل على ذلك هو الحالة الإماراتية التي أسهمت، منذ عودة مساراتها الدبلوماسية مع دمشق في عام 2018، في تقديم مختلف أنواع الدعم المادي لتمويل حملات نظام الأسد العسكرية على الشمال السوري المحرر، والتخفيف من آلامه الاقتصادية، بالرغم من عقوبات قانون قيصر.
لذلك وجدت طهران في الصف العربي المنقسم، بين متردد خجول ومتسارع عجول للتطبيع مع نظام الأسد، فرصة ذات أهمية مزدوجة؛ فالتطبيع العربي سينتشل حليفها الأسد من مستنقع الأزمات الاقتصادية من دون أن يؤثر ذلك في نفوذها على المدى المنظور من جهة، ويعمل في الوقت ذاته على مزاحمة النفوذ التركي القطري شمال غرب سورية، من جهة أخرى.
ومن المحتمل جدًا، في ظل تيقن طهران من رغبة الدول العربية في تخفيض التصعيد معها في الوقت الراهن، أن تنظر إلى هذه العودة على أنها دعم لجهودها وجهود نظام الأسد، لشنّ حملات عسكرية أوسع وأشد تأثيرًا، بمشاركة مليشياوية إيرانية واسعة بالضرورة، نحو الشمال السوري المحرر.
خاتمة:
قد لا تحبذ طهران انفتاح الدول العربية على دمشق وإعادة إحياء علاقاتها معها، لما في ذلك من تأثير سلبي على النفوذ والهيمنة الإيرانية في سورية، على المدى البعيد، لكنها قد لا تمنع حدوث ذلك على المدى المنظور، نظرًا لعدم قدرتها على حلّ الأزمات الاقتصادية التي باتت تهدد استقرار النظام الحاكم في دمشق.
لذلك ستبدي طهران بعض اللين، وتلتزم خيار الصمت حيال هذه التطورات، أو تشجع على ذلك من خلال وسائل إعلامها الحكومية وغير الحكومية، من دون إبداء تصريحات رسمية، ريثما يحصل حليفها الأسد على شرعيته الدولية المفقودة، من خلال التطبيع المبدئي مع الدول العربية، الذي سينتشله أيضًا من مستنقع الأزمة الاقتصادية.
وهذا يعني أن السكوت أو الرضى الضمني من جانب طهران، على التطبيع العربي مع نظام الأسد، يأتي ضمن المساعي الإيرانية الحثيثة لإعادة تأهيل النظام على الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن أيقنت طهران أن التطبيع العربي مع نظام الأسد لا يزاحم نفوذها بقدر ما يزاحم النفوذ التركي القطري، في شمال غرب سورية بالدرجة الأولى، وهو ما تلتقي حوله مصالح أغلب هؤلاء الفاعلين.
ومع تيقن طهران من مدى إحكام قبضة نفوذها العسكري والأمني والسياسي والثقافي في سورية، تجد اليوم في مسيرة التطبيع العربي المتسارع مع نظام الأسد فرصةً ذهبيةً، لانتشال الأسد من مستنقع الأزمات الاقتصادية الذي لا تستطيع إخراجه منه دون أن يكلف ذلك خزينتها قرشًا واحدًا.
وفي موازاة ذلك، ستبذل إيران جهودها الحثيثة التي تمثلت بالزيارات المتكررة لوزير خارجيتها الجديد وللوفود الاقتصادية المختلفة إلى سورية، لإعادة تذكير دمشق بأفضال طهران عليها، وحقّها في الحصول على حصة منصفة من عملية إعادة الإعمار، كتعويض عمّا أنفقته خلال السنوات الماضية.
[1]– الضوء الأخضر للدول العربية لتجديد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، من هو المنتصر في الميدان؟ – نادي المراسلين الشبان – https://www.yjc.news/fa/news/7748140
[2]– الدول العربية تتسابق فيما بينها لإحياء العلاقات مع سوريا – نادي المراسلين الشبان – https://www.yjc.news/fa/news/7911027
[3]– السعودية تقترب من تطبيع العلاقات مع سوريا – راديو فردا – https://bit.ly/3uXjmKa
[4]– فتح البوابة السورية أمام السعودية بموافقة طهران – https://bit.ly/3uWLb5z
[5]– عملية تطبيع العلاقات السورية السعودية – المركز الدولي لدراسات السلام – https://bit.ly/3j4nBiB
[6]– مسارعة الدول العربية للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. الأهداف والأسباب – موقع الوقت – https://bit.ly/2XijAzi
[7]– المرجع رقم 5
[8]– المرجع رقم 6
مركز حرمون
——————————–
من إسقاطه إلى إنقاذه.. هكذا تحاول الإمارات إنعاش نظام الأسد/ عبد الناصر القادري
فتح الاتصال الهاتفي الذي أجراه بشار الأسد رئيس النظام في سوريا، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، يوم الأربعاء الماضي، التساؤلات عن مدى نسيان مسؤولي الدول لتصريحاتهم التي أدلوا بها أمام وسائل الإعلام، إضافة للدور الإماراتي في تعويم نظام الأسد عربياً وإقليمياً.
قبل عدة سنوات فقط، كان بشار الأسد شخصاً غير مرغوب فيه بالعالم العربي لأنه يقتل شعبه، وهذا ما أكّده وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس، عام 2012، حينما قال: “كفى قتلاً وتعذيباً ومجازر وكفى علينا المشاهدة”.
ووجه شقيق ولي عهد أبوظبي تساؤلات إلى المجتمع الدولي حول المدة التي سيستمر فيها الصمت والسكوت عن المجازر التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين.
لم يجب أحد من المجتمع الدولي على تساؤلات الوزير الإماراتي عن تلك المجازر وموعد توقفها، ما دفع أبوظبي لإعادة ترتيب أوراقها وإجراء انعطافة سياسية معيدة علاقاتها المباشرة والرسمية مع نظام الأسد.
من الثورة إلى التطبيع
بدت الإمارات متشجعة لإسقاط نظام الأسد بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع نظامه وسحبت بعثتها الدبلوماسية عام 2012، بعد ارتفاع وتيرة العنف ضد الشعب تناغماً مع الموقف الغربي عموماً.
وعلى مدار السنوات التالية دعمت أبوظبي الفصائل العسكرية بالمال والسلاح خلال فترات معينة، إلى جانب استضافة شخصيات موالية للنظام أو تابعة له أو من عائلة بشار الأسد على أراضيها، بما عد تناقضاً.
فقد كانت بشرى حافظ الأسد، شقيقة بشار الأسد، مقيمة في دبي مع أبنائها، بالإضافة إلى تقارير أكدت وفاة والدة الأسد أنيسة مخلوف في دبي عام 2016، كما أن محمد، نجل رامي مخلوف، ابن خال الأسد، يقيم في دبي وله استثمارات واسعة هناك.
وفي كانون الأول من عام 2018، أعادت الإمارات وبشكل رسمي افتتاح سفارتها في دمشق، ثم قامت البحرين بذات الخطوة، في محاولة لإعادة تعويم النظام بعد عزلة دولية واسعة.
سفارة الإمارات لدى الأسد
وسبق افتتاح السفارة، زيارة وفد اقتصادي من الإمارات للعاصمة دمشق، بهدف إقامة مشاريع استثمارية جديدة.
نظام الأسد من جهته، رحب بخطوة أبوظبي، داعياً جميع الدول العربية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية معه في ظل عزلته الدولية التي كان وما زال يعيشها، مع وجود أكثر من مليون قتيل وجريح، ومئات الآلاف من المعتقلين، بالإضافة لأكثر من 10 ملايين سوري بين لاجئ ونازح.
كما قال وزير الدولة اﻹماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حينذاك، إن “عودة العلاقات بتفعيل الدور العربي في سوريا، أصبحت أكثر ضرورة تجاه التغول الإقليمي الإيراني والتركي”.
بدورها، أعلنت شركات طيران إماراتية، في أيار 2019، استعدادها لاستئناف رحلاتها إلى سوريا، باعتبارها سوقاً مهمة وجيدة، لتبدأ شركة طيران “فلاي دبي” بتسيير رحلاتها اعتباراً من كانون الثاني 2020.
كيف دعمت الإمارات نظام الأسد؟
رغم اللغة التصعيدية التي وجهها وزير الخارجية الإماراتي لنظام الأسد، كان مفاجئاً انتشار العديد من التقارير التي أكّدت أن الإمارات ساهمت إلى حد كبير في دعم نظام الأسد خلال حربه ضد فصائل الجيش الحر والمعارضة خلال سنوات الثورة.
وأكّدت صحيفة “يني شفق” التركية في كانون الثاني عام 2019، أن أبوظبي تورطت في مقتل 80 قيادياً من المعارضة السورية العسكرية؛ بعد تزويد نظام الأسد بمواقع وجود هذه القيادات، الذين أعطتهم مسبقاً عشرات هواتف “الثريا” (شركة إماراتية) المتّصلة بالأقمار الصناعية.
وبحسب الصحيفة، فقد تسبّبت أبوظبي عبر هذه الخدعة بمقتل كل من زهران علوش قائد فصيل “جيش الإسلام”، وعبد القادر الصالح قائد “لواء التوحيد”، وحسان عبود قائد حركة “أحرار الشام” وآخرين غيرهم.
من جانبه، كشف موقع “أوريان 21” الفرنسي في شهر حزيران 2020، أن معلومات استمدها من تحقيق أجرته لجنة “العدالة والحرية للجميع” الفرنسية (غير الحكومية) تكشف وجود مساعدات لإعادة الإعمار وشراكات عسكرية وأمنية بين الجانبين.
وأشار التقرير إلى أن الإمارات فور إعادة فتح سفارتها في دمشق، أواخر 2018، قدّمت مساعدات طبية وغذائية للمستشفيات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وتولّت تمويل إعادة بناء مبانٍ عامة ومحطات للطاقة وشبكات مياه في العاصمة دمشق.
ونقل التقرير عن مصادر أن أبوظبي تقدم الدعم العسكري لنظام بشار الأسد، وأن 8 ضباط إماراتيين سافروا لتقديم المشورة لقيادة قوات الأسد، وسط التحاق 5 طيارين سوريين بكلية “خليفة بن زايد” الجوية في مدينة العين بأبوظبي؛ من أجل تحسين مهاراتهم، وفق توصيفه.
الخشية من العقوبات
ويبدو أن التطبيع الإماراتي مع نظام الأسد كان متعثراً بالفيتو الأميركي الذي منع إعادة العلاقات معه، والذي زادت تداعياته السياسية بعد إقرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لقانون “قيصر” الذي تم بموجبه فرض عقوبات على 39 شخصية وكياناً في النظام بينهم رأسهُ بشار الأسد، وداعموه روسيا وإيران.
وبعد انتشار جائحة كورونا عالمياً، وجدت الإمارات باباً جديداً لرفع وتيرة التطبيع مع نظام الأسد، حيث أعلن محمد بن زايد في 27 آذار 2020، عبر موقع “تويتر” أنه أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس السوري، هي الأولى منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012.
وقال بن زايد، على حسابه في “تويتر”، إنه بحث هاتفياً مع الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكد دعم الإمارات ومساعدتها للشعب السوري، معتبراً أن “التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار ، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) March 27, 2020
وبعد ذلك بأسبوعين قال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن بن زايد اقترح دعم الأسد بما قيمته ثلاثة مليارات دولار؛ مقابل العودة إلى القتال في محافظة إدلب السورية على الحدود مع تركيا.
هذه التطورات دفعت الولايات المتحدة للتأكيد على أنها تعارض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإماراتية في سياق إحياء العلاقات مع النظام السوري، لافتة إلى أن عقوباتها الخاصة بنظام الأسد قد تستهدف جهات إماراتية.
وأوضح الممثل الأميركي الخاص المعني بشؤون سوريا حينذاك، جيمس جيفري، في مؤتمر صحفي في حزيران 2020، “الإمارات تعرف أننا نرفض على الإطلاق اتخاذ الدول مثل هذه الخطوات… أكدنا بوضوح أننا نعتبر ذلك فكرة سيئة”.
وبيّن جيفري أن مثل هذه الإجراءات “لن تسهم في تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رقم 2254) وإنهاء النزاع الذي يقلق جداً المنطقة كلها”.
وأضاف: “كل من يمارس الأنشطة الاقتصادية، إن كان في الإمارات أو في البلدان الأخرى، وتطابقت هذه الأنشطة مع معايير القانون الخاص بالعقوبات، فقد يتم استهدافه بها”.
إدارة بايدن تغض الطرف
ولعل التغيرات التي حملتها الانتخابات الرئاسية الأميركية بقدوم الديمقراطي جو بايدن، ساهمت في تنشيط المساعي الإماراتية لإعادة تعويم بشار الأسد في الفترة الأخيرة، خصوصاً في ظل مساعي ملك الأردن عبد الله الثاني للترويج لنظام الأسد بقبول من واشنطن، وسماح الأخيرة بإعادة تشغيل خط الغاز العربي من مصر إلى لبنان مروراً بالأردن وسوريا، باختراق واضح لعقوبات الولايات المتحدة.
واتصل بشار الأسد مع الملك الأردني قبل اتصاله مع محمد بن زايد بـ 20 يوماً تقريباً، في إطار التحركات الحثيثة التي يجريها نظام الأسد لإعادة العلاقات مع هذه الدول التي قد تنقذه من الأزمات غير المنتهية التي تغرق فيها مناطق سيطرته.
ويبدو أن التحذيرات الأميركية السابقة لم تعد الآن تجد لها صدىً في أروقة السياسة الإماراتية، حيث إن التراخي الأميركي بما يخص العقوبات لم يعد بالحزم نفسه مع تغير المسؤولين عن الملف.
وفي هذا السياق قال “ديفيد ليش” الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية، إن “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن نظام الأسد والسماح بعودة اندماجه في المحيط العربي، ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما”.
هل تنجح الإمارات بإنعاش الأسد؟
ويرى المحلل السياسي عبد الرحمن عبارة، أنه “ليس بالأمر السهل على عدة دول عربية مجتمعة إخراج نظام الأسد من غرفة الإنعاش، فكيف بجهود دولة واحدة” مؤكداً أن “جسد النظام المتهالك، والضعف والفساد المالي والإداري المُستشري في كل مفاصل ما تبقى من (الدولة السورية) وعلى كل مستوياتها، وبالتالي لن تنفع مع النظام كل محاولات الإنعاش”.
وأضاف عبارة في حديث مع موقع “تلفزيون سوريا” أن “المساعدات الإماراتية محدودة، والاستثمارات خجولة وما زال معظمها حبراً على الورق، من جراء خضوعها المسبق للشروط الأمريكية”.
ولفت المحلل السياسي السوري أن “الدعم السياسي فهو أيضاً يخضع لذات الشروط، والدعم الإماراتي السياسي لنظام الأسد ما زال يرواح في المكان، كما يُعتبر عامل غير مستقر على المدى المتوسط”.
وأكّد كذلك على أنه “في ظل بقاء أجزاء واسعة من الأراضي السورية غير خاضعة لسلطة نظام الأسد، ومع بقاء المواقف الدولية دون تغيير يذكر فلا أعتقد أنه من الممكن إنقاذ النظام، على الرغم من محاولات روسيا وبعض الدول الإقليمية لرفع العقوبات الغربية عن النظام، والسماح ببدء إعادة الإعمار”.
ويعتقد “عبارة” أن “فكرة الأموال والمساعدات الغربية لأجل إعادة الإعمار في سوريا؛ هي فكرة تبدو أقرب للمستحيل منها للواقع خصوصاً في حال بقاء بشار الأسد رئيساً لسوريا”.
كم كان حجم استثمارات الإمارات في سوريا؟
ولعل السؤال الأبرز اليوم، ما إمكانية نجاح الإمارات في إنقاذ الأسد من أزماته الاقتصادية التي تحاصره داخلياً وسط نقص كبير في أساسيات الحياة بسوريا؟
وكانت الإمارات قبل عام 2011، ثاني أكبر مستثمر عربي بسوريا بعد السعودية، لا سيما في قطاع المجمعات العقارية والسياحية، وقد بلغ إجمالي ما كانت تستثمره نحو الـ 20 مليار دولار.
وكانت الإمارات أيضاً أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر داخل سوريا، خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين عام 2009 نحو 322 مليون دولار.
ويمر اقتصاد نظام الأسد بأزمة مالية طاحنة بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها بالأسواق، وتراجع المداخيل من النقد الأجنبي بسبب الضغوط التي يواجهها قطاع الصادرات.
وبلغت خسائر الاقتصاد السوري منذ عام 2011 وحتى مطلع العام الجاري 530 مليار دولار، وهو ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة.
إمداد اقتصاد الأسد
وقبل ساعات من اتصال بشار الأسد بمحمد بن زايد في 20 من تشرين الأول الجاري، أصدرت وزارة الاقتصاد في حكومة الأسد، قراراً يقضي بتشكيل “مجلس الأعمال السوري الإماراتي” بهدف “تطوير التعاون في المجال الاستثماري وإتاحة المجال للشركات الإماراتية لإعادة إعمار سوريا بالاستفادة من قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام “2021، وفق وكالة أنباء الأسد “سانا”.
وخلال الأشهر الماضية نشطت الإمارات في إرسال الوفود واللجان إلى دمشق واستقبلت نظيرتها في أبوظبي ودبي، بما يؤكد مساعي الحكومة الإماراتية لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه مناطق النظام، تهيئة لإعادة تعويمه.
وفي 3 من تشرين الأول الجاري، أعلنت وزارة الاقتصاد في حكومة الأسد، أن لقاء جمع وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل مع نظيره الإماراتي عبدالله بن طوق على هامش أعمال معرض “إكسبو 2020” في دبي بحثا خلاله قانون الاستثمار الذي سنه نظام الأسد والذي “يؤمّن بيئة استثمارية مناسبة وجاذبة في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، وتشجع المستثمرين على إقامة المشاريع في كل المجالات”.
وكشفت وزير الاقتصاد الإماراتي أنها تستحوذ على 14% من حجم تجارة سوريا الخارجية، مؤكدة أن نظام الأسد من أهم شركائها التجاريين.
وأضاف أن حجم التبادل التجاري غير النفطي مع نظام الأسد بلغ 2.6 مليار درهم خلال العام الماضي، وقيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات بلغ 1.5 مليار درهم حتى نهاية 2019، وفق “الإمارات اليوم”.
كما التقى وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي مع وزير الموارد المائية بالنظام السوري تمّام رعد، في 22 من أيلول 2021، بإمارة دبي على هامش اجتماعات المنتدى العربي الخامس للمياه، وجرت مباحثات لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، خاصةً ملفي المياه والطاقة.
وبحسب وكالة “سانا”، فإن المزروعي أكد أن “الإمارات مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بهدف تعزيز التنمية وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب المستمرة منذ 10 سنوات”.
—————————–
“الوساطة”.. تكتيك روسيا للوصول إلى المصالح الاستراتيجية في سوريا/ فراس فحام
تقحم موسكو نفسها كوسيط في عدد من الملفات السورية بين أطراف محلية وأخرى دولية، بهدف تعزيز نفوذها وحضورها السياسي واستثمار المكتسبات الميدانية سياسياً وضمان مصالحها الاستراتيجية في سوريا.
كان آخر عروض موسكو للوساطة ما عرضه “ميخائيل بوغدانوف” عن لعب دور “الوسيط” بهدف تفادي إطلاق عملية عسكرية تركية محتملة في سوريا.
تصريحات “بوغدانوف” يوم أمس، جاءت ضمن مقابلة مع وكالة “إنترفاكس” الروسية، أكد فيها أن موسكو “تعارض تجدد الأعمال القتالية في سوريا”.
التصريحات الروسية الأخيرة، تتسق مع التكتيك الذي تتبعه موسكو، والقائم على فكرة تقديم نفسها كوسيط في النزاعات الدولية القائمة على الأراضي السورية، بغية تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.
احتواء “قسد” وتحجيم النفوذ التركي
لا يبدو أن روسيا متحمسة للموافقة على عملية عسكرية تعزز من النفوذ التركي في سوريا، وهذا بدا واضحاً في تصريحات “بوغدانوف” الأخيرة.
محددات الموقف الروسي في معارضة العمليات العسكرية التركية، هو الحفاظ على الثقة مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتأكيد على أن موسكو قادرة على ضمان مصالحها، في محاولة لاحتواء “قسد”، وإقناعها بالابتعاد أكثر عن الموقف الأميركي.
تعزيز روسيا لعلاقتها مع “قسد”، بالإضافة إلى عرض فكرة الوساطة معها على أنقرة، يجعل من دور موسكو في شمال شرقي سوريا محورياً أكثر، ويتيح لها الحصول على تنازلات من الطرفين لاحقاً، إذ ترغب موسكو في تخفيض سقف مطالب “قسد” المتعلقة بالحكم الذاتي، وتحاول دفعها للموافقة على الانخراط ضمن المؤسسات السورية، وإن كان بهامش استقلالية معين، في حين أن احتواء ورقة “قسد” سيتيح لموسكو الضغط على أنقرة والتأثير على موقفها الميداني في إدلب، وقد يجعلها تتساهل أكثر مع القيود المفروضة على التبادل التجاري بين شمال غربي سوريا ومناطق سيطرة النظام السوري، وأيضاً سيضمن لموسكو تماشياً أكبر من تركيا في المسار السياسي السوري.
ويبدو أن روسيا بدأت بالفعل حصاد بعض المكاسب بما يخص شمال شرقي سوريا من بوابة “الوساطة”، حيث أتاحت “قسد” للقوات الروسية يوم أمس، الوصول إلى ريف دير الزور الغربي، والعبور باتجاه محافظة الرقة.
الوساطة في الملف الإيراني
اللافت أن التوغل الروسي في محافظة دير الزور مؤخراً، أتى بعد أيام قليلة من الهجوم الذي تعرضت له قاعدة “التنف” الأميركية في البادية السورية، مع شبهة كبيرة بوقوف الميليشيات الإيرانية خلفه.
وهذا يفتح الباب أمام احتمالية الرضا الأميركي على تسيير دوريات روسية في دير الزور، بهدف مراقبة نشاط الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وهي ورقة لعبتها سابقاً روسيا في درعا والجنوب السوري.
وطيلة فترة التصعيد الذي قادته الفرقة الرابعة المدعومة إيرانياً عل درعا في صيف العام الجاري، حاولت روسيا الوقوف موقف “الوسيط” بين الفرقة والفعاليات الشعبية ومقاتلي المعارضة السابقين، واستطاعت في نهاية المطاف استثمار ما يجري لدفع المدن والبلدات في محافظة درعا باتجاه التسوية، وإعادة السيطرة الشكلية للنظام السوري.
وللمرة الأولى استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مدينة سوتشي، ووصف بوتين علاقة بلاده بإسرائيل بـ “الفريدة”، مشيراً إلى وجود مصالح مشتركة بينهما خاصة في الشأن السوري.
وأعرب بوتين عن آماله بأن تواصل حكومة بينيت “نهج سلفه بنيامين نتنياهو”، لافتاً إلى وجود “نقاط تماس” بينهما في الشأن السوري، “لا سيما فيما يخص مكافحة الإرهاب”.
وأضاف: “كما تعلمون، نبذل جهودا من أجل استعادة سلطة الدولة في سوريا، وهناك مسائل خلافية بيننا وعددها ليس قليلا، غير أن هناك أيضا نقاطَ تماس وفرصاً للتعاون، لا سيما فيما يخص المسائل المتعلقة بمحاربة الإرهاب، وبشكل عام ثمة العديد من المسائل التي يمكن ويجب علينا مناقشتها”.
وتسعى موسكو للتوسط بين تل أبيب وطهران، من خلال المحافظة على الحد الأدنى لمصالح الطرفين، رغبة في احتواء التصعيد بينهما، والاستفادة من دور كل طرف من الأطراف لصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا.
واستطاعت موسكو الحصول على تسهيلات أميركية في سوريا، من بوابة لعب دور الوسيط في الملف الإيراني، ومحاولة إقناع الأطراف الدولية والعربية، بأنها الضامن لضبط نفوذ طهران على الأراضي السورية، مما عزز علاقاتها مع بعض الدول مثل الأردن والإمارات والسعودية، التي باتت ترى في العمل مع موسكو بديلاً عن دعم المعارضة السورية لمواجهة ميليشيات إيران، إلا أن روسيا تستثمر ذلك جيداً في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية دون الاندفاع للتصعيد مع طهران.
وتقوم الاستراتيجية الروسية، على التحول تدريجياً إلى الجهة الدولية الأكثر نفوذاً في الملف السوري، من خلال الانتشار في مناطق جغرافية حساسة ومؤثرة بالنسبة لمختلف الفاعلين الدوليين الأساسيين، واستثمار هذا الانتشار في الضغط على الأطراف بهدف تحصيل مكاسب على أصعدة متعددة، وهذا ما أتاح لها تقويض نفوذ المعارضة السورية والفصائل العسكرية في مناطق جغرافية مختلفة كالجنوب السوري والغوطة الشرقية ومدينة حلب.
تلفزيون سوريا
———————————-
هل ينبغي للدستور أن يُكتَب بدماء السوريين؟/ حسن النيفي
يوم الأربعاء الفائت ( 20 – 10 – 2021 ) استهدفت قوات نظام الأسد بالقصف المدفعي سوقاً شعبية في مدينة أريحا، وقد قضى ضحية هذا العدوان الآثم ثلاثة عشر مواطناً، أكثرهم من الأطفال، وأكثر من سبعين جريحاً. بالتأكيد لم يكن هذا العدوان هو الأول من نوعه، بل يندرج ضمن حرب مستمرة يشنها نظام دمشق ضدّ السوريين، وقد سبقت هذه المجزرة بحق سكان أريحا، بثلاثة أيام فقط، مجزرة أخرى قام النظام بتنفيذها في مدينة سرمدا المتاخمة للحدود التركية. ولعل اللافت للانتباه هو تزامن هذه المجازر مع انعقاد الجلسة السادسة من لقاءات اللجنة الدستورية في جنيف التي بدأت أعمالها يوم الإثنين 18 – 10 – 2021 .
ولئن بات معلوما لدى الجميع أن استراتيجية النظام في تعاطيه مع معارضيه وخصومه كانت تقتضي دوماً التلازم بين التصعيد العسكري، موازاة مع أي استحقاق سياسي، لتكون القوة العسكرية على الأرض هي بمثابة عاملٍ ضاغط على الخصم أثناء التفاوض، إلّا أن التصعيد الذي حصل في أريحا ربما بات يذهب إلى أكثر من ذلك، لأن الجهة المُستَهدفة ليست جهة عسكرية، كما أن الحيّز الجغرافي الذي وقعت فيه المجزرة بعيد كل البعد عن أي تموضع عسكري لأي فصيل معارض، هي سوق شعبية مكتظة بالمواطنين المدنيين من رجال ونساء وأطفال، فضلاً عن أن قوات الأسد قد نفذت جريمتها في وقت يمكن تسميته بوقت الذروة، من جهة تجمّع السكان، أي موعد ذهاب التلاميذ إلى مدارسهم، مما جعلهم أصحاب النصيب الأكبر من الإصابات. ولعلها ليست مصادفة على الإطلاق أن يتزامن وقوع المجزرة مع تهيؤ وفد نظام الأسد للجنة الدستورية في جنيف لطرح ورقة تتضمن أحد المبادئ الدستورية المراد مناقشتها، وعنوان هذا المبدأ أو الورقة هو (الإرهاب)، ربما كانت مفارقة بالفعل، إلّا أنها مفارقة معكوسة، أراد لها نظام الأسد أن تكون رسالة بالغة الدلالة والوضوح، ولعل أبلغ تلك الدلالات التي يريد النظام تأكيدها لمفاوضيه هي أن ما تسمّونه دستوراً وتعتقدون بأنه سيكون إحدى الوسائل الرادعة لسطوة الإجرام والتوحّش، ما هو إلّا وهمٌ تغرقون فيه، أو تستثمرونه أمام حاضنتكم لاستمراركم بهذا العبث، فها نحن اليوم نجلس معكم على طاولة واحدة، ونطرح عليكم موضوع (الإرهاب) كعامل يهدد أمن الدولة والمجتمع، ولكن في موازاة هذه اللحظات ذاتها نقوم بقتل أطفالكم، لتشاهدوهم، كما ليشاهدهم العالم أجمع على شاشات التلفزة كيف تتناثر أشلاؤهم وتتقطع أطرافهم، ولتشاهدوا كذلك مشاهد الهلع الموجعة المرتسمة على وجوه آباء وأمهات من فقدوا أبناءهم، كما يفصح مضمون الرسالة عن اعتقاد راسخ لدى النظام من خلال وفده المفاوض في اللجنة الدستورية بأن مناقشة مضمون المبدأ الدستوري المتعلق بالإرهاب، لا تتناقض البتة مع ما نقوم به من عمليات قتل واستئصال ودمار بحق سكان أريحا وسواها من المدن والبلدات السورية المستهدفة، لأن هؤلاء السكان – وأنتم جزء منهم – كلهم إرهابيون، بل ربما كانت عملية استهدافهم في هذا التوقيت بالذات، هي بمنزلة تأكيد لمصداقيتنا وجدّيتنا في طرح ومناقشة موضوع الإرهاب.
ليس ضرباً من التخمين أو الاستنتاج أن يكون السوريون المناهضون للأسد جميعهم إرهابيين، ذلك ما أكّده رأس النظام مراراً، حين أشار إلى أن الإرهابيين (ويعني من قاتل قوات النظام) لهم عائلات وأهلون وأقارب وأصحاب، وهؤلاء كلهم – بالتالي – يشكلون حاضنة للإرهاب في سوريا، وربما أفضت عملية استئصال هذه الحاضنة – وفقاً لتصورات الأسد – للوصول إلى (المجتمع المتجانس) الذي سيكون قوامَ الدولة الأسدية.
ثمة مشهدان يختزلان العلاقة بين السوريين كما هم يمارسون حياتهم اليومية من جهة، وبين الجماعات أو الكيانات التي تدّعي تمثيلهم والدفاع عن قضيتهم من جهة ثانية، يتجسد المشهد الأول بوجود عدد من وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، يخوض نقاشاً في جنيف مع وفد نظام الأسد حول مبدأ بادر الأسديون بطرحه (مبدأ سيادة الدولة)، ويحتدم النقاش ساعات وساعات، حول تسمية الدولة: هل هي الجمهورية السورية أم الجمهورية العربية السورية؟ لينتقل النقاش بعد ذلك إلى الوجود الأجنبي في سوريا… إلى آخر ما هنالك من استطرادات. ويتجسّد المشهد الثاني في بقعة جغرافية صغيرة (مدينة أريحا) المكتظة بسكانها الذين ازداد عددهم بسبب حركة النزوح إليها من المدن والقرى المجاورة، إذ يتدفق المواطنون صباحاً باتجاه أعمالهم لكسب قوتهم، مصطحبين أطفالهم إلى المدارس، آملين أن يعودوا إلى منازلهم ولديهم ما يقيت عائلاتهم، ومنتظرين عودة أطفالهم من مدارسهم، إلّا أن مدفعية الأسد تباغتهم، فتقتل من تقتل، وتهدم البيوت، وتدمّر الممتلكات، ويتحول السوق المزدحم بعربات الخضراوات والمحال التجارية والمواطنين إلى بحيرة من الدماء، ولعل السؤال الذي يمتزج بغصّات وحسرات كثير من أهالي أريحا في تلك اللحظة: ألسنا نحن من السوريين؟ أليس من المفترض أن يكون الدستور الذي يسعى هؤلاء إلى كتابته هو من أجل حماية السوريين؟ لماذا لا يحمينا إذاً من الموت الذي يتربص بنا؟ أم أن الدستور لا يمكن كتابته إلّا بدمائنا؟ وربما استدعى هذا السؤال، سؤالاً آخر لا يقل إيلاماً عن سابقه: يتداعى أعضاء وفد المعارضة في اللجنة الدستورية من عدة دول يقيمون فيها (الغالبية العظمى من وفد المعارضة يقيمون خارج سوريا، في أوروبا وتركيا) للذهاب إلى جنيف، حيث اجتماعات اللجنة الدستورية، وربما وجد البعض في ذلك فرصة للسياحة والترفيه، يا ترى لو كان هؤلاء يعيشون في الداخل السوري، كما سكان أريحا وسواها، ويرون أطفالهم وذويهم في حال كحال أطفال أريحا وأهلها، هل سيتدافعون إلى جنيف بالحماس ذاته كما هم عليه، وهل سيكونون مقتنعين بالدور الذي يقومون به؟ وهل سيبقى لديهم الاعتقاد ذاته بأن الدستور الذي يعابثهم به بشار الأسد وحلفاؤه الروس سيحفظ أرواحهم وأرواح عائلاتهم، أم سيكون لهم كلام آخر؟
تلفزيون سوريا
————————————-
مجزرة أريحا… ثمن إعادة ترتيب التوازنات العسكرية في الشمال السوري؟/ سامر مختار
“كان للمجزرة أثر سلبي على نفوس الناس في إدلب، وليس في إريحا فقط، وهناك تخوف من أن يتكرر استهداف الناس في الأسواق والمناطق التي تضم مدنيين”.
طفلان توأمان (عمر وعلي)، يبلغ كل منهما 7 سنوات. لا نعرف بماذا كانا يفكران حين استيقظا صباح يوم الأربعاء (ذ9 تشرين الأول/ أكتوبر 2021). ولا نعلم متى استيقظا، قبل موعد ذهابهما إلى المدرسة بساعة مثلاً؟ أم أقل؟ هل اعتادا تناول وجبة خفيفة قبل المدرسة؟ أم وضعت لهما أمهما وجبتَي طعام في حقيبتيهما؟
أتأمل صورة قديمة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تجمع عمر وعلي، وهما يجلسان على عتبة درج، ربما كانت عتبة منزلهما في أريحا في محافظة إدلب. ينظران إلى عدسة الكاميرا بشغف، نعم هذا ما شعرت به وأنا أتأمل الصورة، كان شغف مواجهة عين تراقبك باهتمام، عدسة كاميرا تحتفي بك. من التقط الصورة الأم أم الأب؟ لا ندري أيضاً. كما نلاحظ أن عمر وعلي ينتعلان أحذية رياضية من الموديل نفسه، ويرتديان أيضاً سروالي جينز، بجيوب جانبية عند منطقة الركبة.
التوأمان عمر وعلي
قذائف كراسنوبول الروسية
عند الساعة الثامنة إلا خمس دقائق تقريباً، وبالتزامن مع ذهاب عمر وعلي إلى المدرسة، هبطت قذائف صاروخية على سوق شعبي في وسط مدينة اريحا، هذه القذائف من نوع “كراسنوبول“، ويتم توجيهها من خلال تقنية “اللايزر”، عبر منصة أرضية أو جوية، تطلق إشعاع لايزر باتجاه الهدف، وتعمل أجهزة التتبع الموجودة في الرأس الحربي للقذيفة على ملاحقة الإشعاع واستهدافه.
قَتلَتْ قذائف “كراسنوبول” 13 مدنياً بينهم 4 أطفال وامرأة، إلى إصابة 20 آخرين بينهم حالات حرجة. وتم توثيق 11 ممن قضوا في المجزرة، وهم: “قمر بلال حافظ هالة هرموش أريحا 1993/ زكريا أحمد بزي أبو احمد 1955/ يوسف محمد جمال الحسن/ ريماس يوسف الحسن– طفلة/ حسون احسان الخديجة معرة النعمان 1990/ ابراهيم عبد الوهاب الأمين -طفل شنان 2005/ عمر عبد العال العبود- طفل/ محمود ياسر سارح 1998/ غسان شيخ إبراهيم أبو إسلام/ حسن حسين قدي (20 سنة) من قرية معترم / علي عبود مهجر من مدينة معرة النعمان العمر (10 سنوات)”. وهناك اثنان آخران ما زالا مجهولي الهوية.
عمر عبد العال العبود، هو الشقيق التوأم لعلي، والأخير نجا من الموت، وتعرضت قدمه للبتر وأصيب بجروح خطيرة.
وإذا كانت المعلومات التي تمَّ تداولها صحيحة ودقيقة حول عمر التوأمين (عمر وعلي) وهو سبع سنوات، فمعنى ذلك أنهما ولِدا عام 2015، أي، في العام الذي بدأت فيها روسيا بتدخلها العسكري بشكل رسمي في سوريا، من خلال توجيه ضربات جوية فوق أراضيها.
ووفقاً لتقرير مبكر لمنظمة العفو الدولية حول التدخل العسكري الروسي في سوريا “في أواخر شباط/ فبراير 2016، استهدفت الطائرات الحربية الروسية عمداً المدنيين وعمال الإنقاذ أثناء عمليات القصف”. كما وثقت منظمة حقوق الإنسان هجمات على المدارس والمستشفيات ومنازل المدنيين. وقالت منظمة العفو الدولية إن “روسيا مذنبة بارتكاب بعض أفظع جرائم الحرب التي شهدتها منذ عقود”. وقالت مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في “منظمة العفو الدولية” في ذلك الوقت، تيرانا حسن، إنه بعد قصف أهداف مدنية، تعود الطائرات الحربية الروسية إلى شن هجوم ثان لاستهداف العاملين في المجال الإنساني والمدنيين الذين يحاولون مساعدة المصابين في الطلعة الأولى”، وذلك بحسب تقرير نشر في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في نسختها الإنكليزية.
ووثقت عشرات التقارير من منظمات دولية ومحلية مقتل مئات المدنيين والأطفال، على يد النظام السوري وحلفائه، وبدعم كبير من روسيا تحديداً، والتي استخدمت فيها الأرض السورية والمدنيين السوريين، مسرحاً لتجريب جميع أسلحتها.
طفلة قُتلت مع والدها وأخرى فقدت والدها
نشرت صفحة “الدفاع المدني السوري” على “فايسبوك” صوراً لضحايا مجزرة أريحا، منها صورة لطفلة اسمها زهرة، وتبلغ من العمر 5 سنوات، وعلق الدفاع المدني على الصورة بقوله: “أصيبت زهرة بجروح عندما كانت مع والدها وابن عمها في سوق المدينة الذي تعرض لقصف مدفعي من قبل النظام وروسيا، نجت زهرة من الموت ولكن والدها قتل، فيما أصيب ابن عمها بجروح بليغة، ما حدث معها سيبقى جرحاً غائراً لا يمكن نسيانه كما لن ينسى أحد هذا الوجه الباكي الذي لونته الدماء والجروح”.
أما الطفلة ريماس يوسف الحسن، فقتلت وهي بصحبة والدها يوسف محمد جمال الحسن. ونشر “الدفاع المدني السوري” أيضاً صورة لريماس وهي بين يدي متطوعة، وعلق الدفاع على الصورة بقوله: ” اعتادت ريماس أن يصطحبها والدها إلى باب المدرسة كل صباح، ولكن هذا اليوم تبدد حلم الوصول عندما استهدفت قذائف قوات النظام وروسيا مدينة أريحا، وقتلت الطفلة ووالدها وأطفالاً كان أملهم الحصول على التعليم مثل باقي أطفال العالم بعيداً عن القصف والموت”.
المتطوعة منى التي أسعفت ريماس إلى المستشفى في محاولة لإنقاذها تقول: “صعب كتير ومؤلم حمل جثمان طفلة ذنبها أنها رايحة على مدرستها، وكل العالم لازم يشعر بألمنا ويتخيل ابنه مكان هي الطفلة، والآنسة قمر كمان قتلت بنفس القصف، الطالبة والمعلمة بيوم واحد ما بعرف ايمتا ممكن تتحقق العدالة للضحايا، بس يلي بعرفه أن الحق ما ممكن يموت”.
بعد المجزرة
بعد ساعات من المجزرة، تواصل “درج” مع الناشط الإعلامي مهند اليماني من مدينة أريحا، الذي أكد المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام، عن أعداد الضحايا وأسمائهم، وقال إن جميع أهالي المنطقة يشعرون بالخوف والرعب بعد حدوث المجزرة والتزم الجميع بيوتهم، وفضلوا عدم الخروج إلى الشارع، كما أغلقت معظم المحلات في السوق.
ويرى اليماني أنه يمكن اعتبار أن القصف على مدينة أريحا بهذه الطريقة، أي استهداف المدنيين بشكل مباشر، هو رسالة سياسية؛ ربما للضغط على لجنة التفاوض. لكن، هذه الوحشية التي يتعامل بها النظام السوري، ليست جديدة، وهو ليس بحاجة لذريعة أو سبب، لقتل المدنيين، بحسب تعبيره.
ويبدو أن روسيا والنظام على علم بأن مدينة أريحا، تتمتع بهذا الاستقرار النسبي، ويعيش فيها عدد كبير من المدنيين.
إذ قال الشاب أحمد غجر من مدينة إدلب لـ”درج”: “في الآونة الأخيرة، عاد أغلب من غادر مدينة أريحا إليها، بعد الاستقرار النسبي الذي حدث فيها، حتى إن نسبة كبيرة من النازحين استقروا في مدينة أريحا، وذلك بسبب انخفاض الإيجارات في هذه المدينة، والخدمات الجيدة فيها”.
وأضاف: كان للمجزرة أثر سلبي على نفوس الناس في إدلب، وليس في إريحا فقط، وهناك تخوف من أن يتكرر استهداف الناس في الأسواق والمناطق التي تضم مدنيين”.
حصة أريحا… عشرة صواريخ أسبوعياً
الناشط والإعلامي زكريا قيطاز من معرة النعمان في إدلب، يوضح لـ”درج” أن المنطقة تتعرض للقصف منذ ثلاثة أشهر تقريباً، وتحديداً قبل اجتماع سوتشي الأخير، كما حصل تصعيد عسكري بالتزامن مع الاجتماع، بعدها هدأت المنطقة لمدة ثلاثة أيام، وعاد التصعيد العسكري مرة أخرى. والقصف ما زال مستمراً، وبخاصة في منطقة أريحا، التي تنال حصتها من القصف، عشرة صواريخ، في كل أسبوع تقريباً، لكن ما جرى يوم الأربعاء هو استهداف المدنيين هذه المرة، وتحديداً السوق الشعبي، الذي يعبره طلاب المدارس، أثناء ذهابهم إلى المدرسة، ما حدث هو استهداف لمركز المدينة بشكل مباشر”.
وأضاف زكريا: “القصف كان يستهدف منذ ثلاثة أشهر– كما ذكرت سابقاً- قرى جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، إلى جانب ريف إدلب الغربي، ومدينة جسر الشغور، وسهل الغاب. أي، جميع المدن والمناطق والقرى القريبة على خطوط التماس بين المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة، وبين مناطق سيطرة النظام، ويتم استخدام صواريخ كراسنوبول الروسية، وبالتأكيد أن روسيا هي صاحبة القرار في أي عملية قصف يتم تنفيذها”.
النظام السوري يحشد عسكرياً
يقول زكريا إن النظام السوري يحشد عسكرياً منذ نحو عشرة أيام، “فهناك حشود عسكرية على خطوط التماس في ريف إدلب الجنوبي، وفي مناطق جبل الزاوية، ومناطق معرة النعمان، ومناطق ريف إدلب الشرقي في مدينة سراقب، وحتى في ريف حلب الغربي. رأينا الفوج 46 وكانت هناك حشود عسكرية للفرقة 25 والفرقة 11 (دبابات)، إضافة إلى الميليشيات والقوات الرديفة مثل “قوات النمر” وغيرها من لواء “الباقر” وبقية الفصائل العسكرية الشيعية، وهناك نيّة للهجوم والسيطرة على طريق M4، وكل المناطق التي تقع جنوب هذا الطريق، معرضة للسقوط بيد النظام السوري”.
ويرى زكريا أن “هناك إعادة ترتيب للتوازنات العسكرية في المنطقة، فمن جهة النظام السوري يحشد عسكرياً، وتركيا من جهة أخرى، تحشد بشكل جزئي في مناطق جبل الزاوية، وتقوم بدعم قواعدها في تلك المناطق، وفي إدلب عموماً. كما يحصل حشد عسكري في مناطق ريف حلب الشمالي، ومناطق شرق الفرات، وتهدد بعمل عسكري على قوات سوريا الديموقراطية، وما تعتبره “تنظيمات إرهابية”.
لذلك جميع الأهالي في إدلب يشعرون بالخوف، من حصول عملية تبادل مناطق، أي؛ أن تأخذ تركيا مناطق في الشمال والشرق، وتأخذ روسيا بالمقابل مناطق في إدلب، وتحديداً المناطق التي تقع جنوب طريق الـM4.
درج
—————————-
مَن قصف «القلعة الأميركية» في سوريا… ولماذا؟/ إبراهيم حميدي
في منتصف العام 2017، شنت القوات الأميركية غارات على مجموعة مسلحة كانت تقترب من قاعدة التنف، ما رسم خطاً أحمر أو «قواعد اشتباك» بين واشنطن وحلفائها من جهة، وموسكو وشركائها من جهة ثانية في الزاوية السورية – الأردنية – العراقية. لكن، ماذا تغير الآن، كي تتعرض «القلعة» التي تقيم فيها قوات أميركية وحليفة وفصائل سورية معارضة، لقصف بمسيرات ليل الأربعاء – الخميس؟
بعد تلك الحادثة، قبل أربع سنوات، جرت اتصالات أميركية – روسية، وتم الاتفاق على مذكرة «منع الصدام» بين جيشي البلدين، التي شملت رسم نهر الفرات خطاً فاصلاً بين الطرفين: شرق الفرات ومنطقة منبج وجوارها في ريف حلب وقاعدة التنف لواشنطن وحلفائها، وغرب الفرات و«مربعان أمنيان» في الحسكة والقامشلي لموسكو وشركائها. وبقي الاتفاق صامداً رغم الاختبارات وعمليات التحالف بقيادة أميركا ضد «داعش»، وهجمات روسيا ضد فصائل مناوئة.
وفي نهاية 2019، جرت بعض التغييرات الميدانية شرق الفرات، بعد قرار الرئيس دونالد ترمب سحب قواته من حدود تركيا، ما أفسح في المجال لتوغل تركيا وفصائلها الموالية بين تل أبيض ورأس العين، وتطلب ذلك اتفاقات جديدة بين واشنطن وأنقرة، وبين موسكو وأنقرة، وبين القامشلي ودمشق، لتنسيق الانتشار العسكري الجديد المعقد ومنع الصدام بين الدوريات والمروحيات، في ضوء المسرح العملياتي الجديد.
وبدءاً من بداية 2020، بعد اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني من قبل أميركا، تحولت الحدود السورية – العراقية، وقاعدة طهران في مدينة البوكمال الحدودية، وقاعدة واشنطن في حقل عمر شرق النهر، ساحة للصدام الأميركي – الإيراني وتبادل الرسائل، كما واصلت إسرائيل قصف «مواقع إيرانية» قرب الحدود، لقطع طريق طهران – البوكمال – دمشق – بيروت، الذي فتحته إيران بديلاً من طريق طهران – بغداد – التنف – دمشق – بيروت الذي قطعته واشنطن بتثبيت قاعدتها في التنف.
ما الجديد الآن؟
بعد انسحاب أميركا من أفغانستان والاتفاق على سحب «القوات القتالية» من العراق والانكفاء من الشرق الأوسط، زاد الضغط على الوجود الأميركي في سوريا من جميع الأطراف الفاعلة، إذ قصفت فصائل تابعة لطهران، أكثر من مرة، قواعد أميركا هناك، كما أن طائرات مسيرة تركية استهدفت قياديين أكرادا يعملون في «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن، كما صعدت روسيا وتركيا وإيران وسوريا الحملات السياسية ضد «الوجود غير الشرعي» للقوات الأميركية في سوريا.
في المقابل، سعت واشنطن، عبر اتصالات وزيارات سرية، لطمأنة الأكراد وحلفائها. لكن الاعتقاد اتسع وزاد من أن الإقامة الأميركية ليست مفتوحة الأجل هناك. ورغم الاختلافات الكبيرة بين موسكو ودمشق وطهران من جهة، وأنقرة في إدلب من جهة ثانية، فإن الأطراف الأربعة تنسى خلافاتها، و«تتفق» في الضغط على الأميركيين والأكراد شرق الفرات، مع اقتراب زوال خط الإمداد بعد الانسحاب من العراق.
وهناك عامل جديد آخر يخص العلاقة بين إسرائيل وروسيا. فمنذ مغادرة بنيامين نتانياهو منصبه، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تسلم نفتالي بنيت رئاسة الوزراء بأن صعد ضد أي غارة تشن في سوريا، وراحت قاعدة حميميم الروسية تنشر تفاصيل استعمال الدفاعات الجوية السورية لصواريخ روسية لصد الهجمات، بحيث ضاق هامش التحرك الإسرائيلي باتجاه سوريا. وحاول بنيت وراثة «خصوصية نتانياهو» عند بوتين، وأن يحصل على «يد حرة» في قصف مواقع في سوريا طالما أنه لا يستهدف السوريين أو الروس، وأوفد وزير خارجيته مائير لبيد لاستعادة «آلية التنسيق العسكري» بين الجيشين والخط الأحمر بين حميميم وتل أبيب.
وكعادته في ملفات عدة بينها إدلب، عندما كان بوتين يصعد قصف مواقع قريبة من الجيش التركي قبل كل قمة له مع الرئيس رجب طيب إردوغان، فإن التصعيد الأخير ضد قاعدة التنف الأميركية جاء عشية وصول بنيت إلى سوتشي اليوم للقاء بوتين وبحث الملف السوري ووجود إيران. وقبل هذه الزيارة، كانت روسيا مهدت بـ«الذخيرة الخطابية»، للضغط على إسرائيل، إذ أن قاعدة حميميم نشرت تفاصيل القصف الإسرائيلي الأخير في 14 من الشهر الجاري، على «قاعدة إيرانية» في مطار «تي فور» في حمص، مع تركيز على التنف، وقالت إن «مقاتلات تكتيكة إسرائيلية من نوع إف 16، دخلت في المجال الجوي لسوريا في منطقة التنف المحتلة من قبل الولايات المتحدة بمحافظة حمص لقصف ريف حمص».
الاعتقاد الواسع هو أن التنف توفر دعماً لوجيستياً للغارات الإسرائيلية وعمليات التحالف. وقد سعت موسكو مرات عدة لتفكيكها، ووضع مسؤولون أميركيون سابقون احتمال تفكيكها على مائدة التفاوض مع روسيا، لكن سرعان ما سحبوا هذا الخيار تلبية لمطالب إسرائيل، بل إنه حتى عندما تحدث ترمب عن الانسحاب من سوريا، كان واضحاً أن هذا لن يشمل التنف.
هذا لا يعني أن قصف التنف هو روسي. إذ أن هناك تزامناً آخر، ذلك أن فتح ملف هذه القاعدة – القلعة جاء بعد التغييرات الكبيرة التي حصلت وتحصل في جنوب سوريا، بقيادة الجيش الروسي، وشملت تسويات امتدت من غرب درعا إلى شمالها، وباتت تتدحرج شرقاً باتجاه الحدود البرية للتنف، أو ما يعرف بـ«دائرة 55»، وهو محيط القاعدة الذي يعتبر خط الفصل مع دمشق وحلفائها. هذه «التسويات الروسية» تحصل بتفاهم علني مع الأردن ومخفي مع إسرائيل، على أمل تخفيف النفوذ الإيراني في الجنوب. وكان لافتاً أنه بعد ساعات من استهداف التنف، أعلن الجيش الأردني إسقاط طائرة مسيرة استخدمت في محاولة لتهريب مخدرات من سوريا.
صحيح، أن القصف وضع مستقبل القاعدة والتنسيق ومجمل القصف الإسرائيلي في سوريا على مائدة بوتين – بنيت. والصحيح أيضاً، أن القمة يغيب عنها طرفان معنيان مباشرة بالقصف والقاعدة: إيران المتهمة بتسيير المسيرات، وأميركا المعنية بتلقي المسيرات، والتي هددت بـ«الرد في المكان والزمان المناسبين». لذلك، مرة أخرى، يجد بوتين نفسه معنياً في البحث عن وصفة توازن بين أطراف متخاصمة ومصالح متناحرة.
الشرق الأوسط
————————————
روسيا تلعب على أوتار “المناطق المحرمة”.. ومخاوف من اتفاق في دير الزور
ضياء عودة – إسطنبول
في تطور هو الأول من نوعه دخل رتلٌ من قوات الشرطة العسكرية الروسية، الخميس، مناطق الريف الغربي لمحافظة دير الزور
تتحرك روسيا في مناطق شرقي سوريا على أكثر من جبهة، وفي الوقت الذي تنتشر فيه قواتها بكثرة على طول الطريق الدولي المعروف بـ”أم فور”، تذهب إلى أقصى الجنوب، في محاولة لـ”اختراق” مناطق كانت “شبه محرمة” عليها خلال الأعوام السابقة، لاعتبارات تتعلق بأطراف النفوذ الأخرى، سواء المحلية أو الأجنبية.
الخميس وفي تطور هو الأول من نوعه دخل رتلٌ من قوات الشرطة العسكرية مناطق الريف الغربي لمحافظة دير الزور، الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، الأمر الذي أثار غضب المدنيين وأبناء العشائر الموجودين في المنطقة.
وكان من المقرر أن يسلك الرتل تلك المناطق كطريق للعبور إلى نقاط موسكو في محافظتي الحسكة والرقة، لكن ذلك لم يتم، بحسب ما ذكرت شبكات إعلامية محلية، مشيرة إلى أن عشرات من المدنيين قطعوا الطرق وأشعلوا الإطارات احتجاجا على ذلك.
وأضافت وسائل إعلام بينها “دير الزور 24” المحلية، أن عدة قرى وبلدات في ريف دير الزور الغربي خرجت بمظاهرات، الجمعة، رفض فيها المحتجون أي دخول للقوات الروسية إلى مناطقهم، كون ذلك يمهد لعودة سلطة النظام السوري والميليشيات الإيرانية.
وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة وثقت مظاهرات الأهالي في ريف دير الزور الغربي، وكان أبرزها عند “دوار الحصان” ضمن مناطق نفوذ القوات الكردية، بحسب ما قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وأضاف المرصد: “المظاهرات خرجت ضد التواجد الروسي والإيراني على الأراضي السورية، وضد النظام السوري أيضا، بعد أحداث عبور الرتل الروس الخميس”.
“مخاوف من اتفاق”
تنقسم السيطرة في محافظة دير الزور شرقي سوريا بين قوات النظام السوري وحلفائها من جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى، ويعتبر نهر الفرات الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين.
وبحسب تقرير المرصد السوري فإن “الروس وقوات سوريا الديمقراطية أزالوا السواتر الترابية بين مناطق السيطرة مع النظام السوري، بهدف تمرير دورياتهم من المنطقة”، و”لتقوم قوات مجلس دير الزور العسكري بجلب تعزيزات عسكرية إلى المنطقة ومنع الروس من دخول مناطقهم”.
ويعتبر “مجلس دير الزور العسكري” أحد مكونات “قوات سوريا الديمقراطية”، واللافت أنه إحدى أبرز الجهات الرافضة لدخول القوات الروسية إلى مناطق الريف الغربي لدير الزور.
ويقول الصحفي السوري، صهيب جابر: الروس لديهم عدة نقاط في شرقي الفرات. في منطقة مراط وحقل كونيكو وخشام والحسينية، لكن هناك نقطة مثار جدل تتعلق بمحاولتهم العبور من المنطقة باتجاه الرقة والحسكة”.
ويضيف جابر لموقع “الحرة”: “هناك استغراب أيضا من الحراك المرتبط بمجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، كونه أحد الرافضين لعبور الأرتال، على الرغم من موافقة الجهة التي يتبع لها على تنفيذ الخطوة”.
وقلما تعلّق روسيا على تحركاتها العسكرية في سوريا، وتقتصر بياناتها اليومية المتعلقة بالبلاد على ما يصدره “مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم”.
في حين ينفي فرهاد شامي الناطق باسم “قوات سوريا الديمقراطية” أي تغيير في نفوذ السيطرة بمحافظة دير الزور.
ويضيف شامي لموقع “الحرة”: “لا تغيير في خارطة توزع القوى في مناطق شمال وشرق سوريا”.
من جهته يقول الرئيس المشارك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، رياض درار لموقع “الحرة” إن “روسيا تسعى للتغلغل في المناطق، وتريد التمدد على حساب التراجع الأميركي. لا يوجد أي تنسيق بين موسكو وقسد حول هذا التدخل، لأن الوضع غير محسوم بالنسبة للدور الروسي في الوساطة والحل السياسي”.
ويتابع المسؤول في “قسد”: “بالتالي الأمر ليس بهذا البعد كأن يقرأ على أنه نوع من التفاهم بين قسد وموسكو”.
“لعب على الأوتار”
في غضون ذلك قالت صحيفة “جسر” المحلية إنها رصدت تحليق طائرات مروحية روسية، الجمعة، فوق المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها مناطق ريف دير الزور الغربي، الخاضعة لسيطرة “قسد” المدعومة من التحالف الدولي.
وأضافت الصحيفة: “التوتر يسود في المنطقة، من انتشار أخبار حول اتفاق سيجري تنفيذه على مراحل في دير الزور، بين روسيا والتحالف وقسد”.
ولا توجد أي مؤشرات على الأرض بشأن ما سبق سوى تحرك القوات الروسية باتجاه الدخول إلى مناطق الريف الغربي، للعبور إلى الحسكة والرقة. وهما محافظتان سبق وأن انتشرت فيهما القوات الروسية لكن بشكل غير كبير، وخاصة في القامشلي ومحيط الطريق الدولي “أم فور”.
عمر أبو ليلى مدير شبكة “دير الزور 24” يشير إلى أن روسيا تحاول منذ فترة طويلة “اللعب على أوتار دير الزور في شرقي سوريا”.
ويقول الصحفي السوري لموقع “الحرة”: “لكن جميع تلك المحاولات فشلت، أولا من خلال التحالف مع إيران، وبعد ذلك بفتح باب المصالحات، وأخيرا موضوع تجنيد الشبان للقتال في الخارج، ومنحهم بطاقات تسوية أمنية”.
واعتبر أبو ليلى أن “قسد متواطئة كون لها علاقة مع روسيا. وهي إحدى نقاط الفشل التي تواجهها الآن. تفاوض على اسم دير الزور انعكس برد قاس بمظاهرات ورفض شعبي”.
وبحسب الصحفي فإن التحرك باتجاه دخول الأرتال الروسية الخميس إلى الريف الغربي “استفز العشائر، وخاصة أبناء قبيلة البكارة. الأرتال خطوة استباقية لتثبيت نقاط عسكرية بشكل خبيث”.
ضياء عودة – إسطنبول
———————
====================
تحديث 23 تشرين الأول 2021
————————-
سترافور: لتحسين صورة نظامه في الخارج.. روسيا تلوي بلطف ذراع الأسد
تحت عنوان “لتحسين صورته في الخارج.. روسيا تلوي بلطف ذراع الأسد” نشر مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية) تقريرا جاء فيه أن روسيا أشارت مؤخرًا إلى استعدادها لإخراج نظام الأسد من العزلة الدولية عبر استغلال علاقتها الوثيقة بنظام الرئيس “بشار الأسد”، لكن ذلك يتطلب انخراطًا أعمق في توجيه وإدارة السياسة السورية.
ويقول التقرير “لقد فوّض الدبلوماسيون الغربيون روسيا لكي تدفع نظام “الأسد” للموافقة على أول اجتماع له على الإطلاق (وجهًا لوجه) مع مفاوضي المتمردين لبدء صياغة الإصلاحات الدستورية”.
ويذكر أن جلسات صياغة الإصلاحات التي تقودها الأمم المتحدة (التي بدأت رسميا في 18 أكتوبر/تشرين الأول) استمرت 9 أشهر من توقف محادثات السلام بين الفصائل المتناحرة في الحرب الأهلية السورية.
وبحسبه فمن خلال الضغط على النظام للتعامل بجدية مع عملية الإصلاح الدستوري التي تقودها الأمم المتحدة، تشير موسكو إلى أنها عازمة على جعل النظام يتخذ الخطوات اللازمة لاستعادة بعض الروابط التجارية والنشاط الاقتصادي الذي من شأنه إعادة بناء سوريا وتحسين الأزمة الإنسانية في البلاد، وبالتالي تأمين مكاسب روسيا من الحرب الأهلية في نهاية المطاف.
وبعد سنوات من المفاوضات، تم إنشاء اللجنة الدستورية السورية تحت رعاية الأمم المتحدة في أواخر عام 2019 وذلك من أجل التفاوض على حل سياسي نهائي للحرب الأهلية. وتتألف اللجنة من الموالين للنظام السوري والمعارضة المسلحة والمفاوضين المعينين من الأمم المتحدة.
وفي الماضي، تجنبت روسيا الضغط على نظام الأسد لدخول مفاوضات مع المتمردين في الخارج، مفضلة دعم الاستراتيجية القائمة على استرجاع المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة.
أما الآن، فمناطق المعارضة المتبقية تحت الوصاية التركية أو الأمريكية، مما لا يترك فرصًا كبيرة للنظام السوري لهزيمة المتمردين عسكريًا، ويجبر موسكو على تغيير استراتيجيتها.
وتأتي محاولات روسيا لإصلاح علاقات سوريا مع المجتمع الدولي وسط علامات مؤخرًا على تحسن علاقات دمشق مع عدد من الدول العربية بما فيها بعض دول الخليج.
وقد تسببت جرائم نظام “الأسد”، خلال السنوات العشر الماضية من الحرب، في فرض عزلة وعقوبات دولية على دمشق وبقاء قلة من الحلفاء إلى جانبها.
لكن هناك علامات على بدء تغيير في هذا الصدد، بحسب “سترافور”، حيث تجري مناقشات لإنهاء تعليق عضوية سوريا جامعة الدول العربية، كما بدأت دول الخليج بشكل منفرد في إعادة بناء العلاقات الثنائية ببطء مع نظام “الأسد” على أمل تقويض النفوذ الإيراني في سوريا، كما بدأت الولايات المتحدة في تخفيف بعض عقوباتها على سوريا لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وبالرغم من العقوبات الأمريكية الصارمة المفروضة على نظام “الأسد” بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، فإن القانون ذاته يسمح للرئيس الأمريكي بتخفيف العقوبات إذا قامت دمشق بإصلاحات سياسية كبيرة.
وأعادت عُمان والإمارات والبحرين مؤخرا فتح سفاراتها في سوريا. وفي سبتمبر/أيلول، أيدت الولايات المتحدة خطة لإرسال الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، كما أن قيام الأردن بإعادة فتح الحدود مع سوريا الشهر الماضي لم يستثر أي تهديدات بالعقوبات الأمريكية.
ويقول التقرير إنه لتحسين سمعة النظام السوري الدولية وكسر عزلة البلاد، من المرجح أن تواصل روسيا تركيزها على مشاركة نظام “الأسد” في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، حتى لو تسبب ذلك في بعض المقاومة من النظام.
وفشلت الجولات السابقة من محادثات التوسط في الصراع إلى حد كبير بسبب عدم رغبة النظام السوري في تقديم تنازلات لأي من فصائل المعارضة، لكن تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية التي استمرت لعقد كامل قد أكسبها نفوذًا لدى النظام يكفي لإجباره على البقاء في عملية التفاوض.
ومع ذلك، لا يزال من المرجح أن يقاوم “الأسد” ونظامه تقديم تنازلات كبيرة للمعارضة، ما يحد من قدرة سوريا على الخروج من العزلة الدولية بالرغم من الدعم الروسي.
وبحسب “سترافور” فما يزال المتشددون هم المهيمنون على النظام السوري وقد اكتسبوا قوة وثروة ملحوظة خلال الحرب الأهلية. ومع ذلك، ظهرت بعض المقاومة من داخل النظام خاصة في المجتمع العلوي (الطائفة الدينية الأساسية التي تدعم الحكومة) كرد فعل على الظروف الاقتصادية المتدهورة في البلاد.
ولإجبار النظام على إجراء التغييرات اللازمة لكسر العزلة الدولية، قد تحاول روسيا زيادة نفوذها السياسي من خلال دمج المزيد من المعتدلين داخل النظام.
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إشعال غضب المتشددين في النظام السوري، ما قد يهدد مكانة موسكو في البلاد أو يقوض سمعة روسيا كحليف موثوق، وهي السمعة التي اكتسبتها من تدخلها في الحرب الأهلية.
ويمكن لروسيا استخدام علاقاتها الوثيقة مع جيش النظام السوري لموازنة متشددي النظام، كما يمكن أن تهدد موسكو أيضا بتخفيف حمايتها الدبلوماسية للنظام إذا تمسك متشددو النظام بمواقفهم التي لا تتناسب مع محاولات إخراج البلاد من العزلة الدولية.
ومع ذلك، قد يتجه هؤلاء المتشددون للاعتماد بشكل أكبر على إيران التي لديها روابط أيديولوجية أعمق مع نظام “الأسد” وذلك لتعويض الدعم الروسي، وقد يهدد ذلك بدوره المكانة العسكرية الروسية في البلاد إذا خففت دمشق من استخدام القوات الروسية.
وبالإضافة إلى ذلك، فكلما زاد انخراط روسيا في السياسة السورية، تآكلت سمعة روسيا كحليف موثوق إذا بدا أن موسكو تقوض سيادة سوريا.
القدس العربي
————————-
لولا أمريكا لا كنّا ولا كانوا/ غسان المفلح
قوة الموقف الأمريكي أكثر ما تتجسد فيه أنها ما تزال مثار خلاف. خلاف حول دور أمريكا في كل بؤر التوتر في العالم، بل في كل العالم. الخلاف حول استراتيجيات أمريكا وتكتيكاتها، سياساتها ومصالحها، تحالفاتها وعداواتها، حيادها وانخراطها في صراعات عديدة في أرجاء المعمورة.
قوة الموقف الأمريكي أنها تترك مجالاً للاجتهادات في تحليل سلوكها وممارساتها. كتب وأبحاث ومقالات ومراكز بحوث ودراسات تحاول الاجتهاد في تحليل وفهم السياسة الأمريكية في هذا الكوكب. الطريف في هذا الموضوع، أنّ أغلب ما يصدر من هذه التحليلات والدراسات المختلفة القراءة لدور أمريكا، تصدر وتترجم إلى العالم من مراكز بحوث أمريكية بالدرجة الأولى. حلفاء أمريكا أيضاً يشغلهم معرفة حقيقة الموقف الأمريكي، أقصد حلفاء أمريكا من دارسي مواقفها. هذا ينطبق أيضاً على أعداء أمريكا. في الواقع هذا ينطبق على كل المعنين بالسياسة ما عدا قادة دول تبلغهم أمريكا بما تريد منهم.
في هذا السياق المربك، ما يزال ملف المعارضة للأنظمة الديكتاتورية من أجل قيام أنظمة ديمقراطية ملفاً أسود. خاصة في الشرق الأوسط. الصحيح طبعاً أنّ أمريكا تتعامل مع وضع كل دولة على حدة، لكن الصحيح أيضاً أن هذه المعاملة تأتي في سياق أن أمريكا تعتبر منطقة الشرق الأوسط برمتها ملفاً أمنياً اقتصادياً بالدرجة الأولى. الأمن وما يوفره للاقتصاد الأمريكي من تلك البقعة من العالم، هذه البقعة المليئة بالنفط والثروات وإسرائيل، هذه المنطقة عبارة عن مناطق بينها حدود تسمى دول، في كل منطقة حاوٍ وسجّان.
مع الفارق النسبي بين منطقة وأخرى أو بين دولة وأخرى. أمريكا تضفي شرعيتها على سلطات هذه الدول، على الحواة والسجانين، على المجازر والسجون المليئة بالمعتقلين، على الدمار والتهجير والاقتلاع إذا اقتضى الأمر ذلك. في نفس الوقت أمريكا في سجلها أنها الدولة الأكثر تبرعاً في الحقل الإنساني عبر الأمم المتحدة، وأحياناً مباشرة، للحد من الكوارث والحد من عدد الضحايا بعد المجازر وليس قبلها. يقول أحدهم: لولا أمريكا لابتلع بوتين والأسد سوريا وشعبها. نعم لولا أمريكا لدفن الأسد وبوتين وملالي طهران السوريين قبل أن يتسنى لهم الهرب. فكان الاقتلاع والتهجير حلاً وسطاً بين هذا الثلاثي وبين أمريكا.
نعم في الملف السوري أمريكا أكثر من قدّم مساعدات إنسانية لتلافي بعض النتائج التي سمحت بها بحرب هؤلاء الثلاثي على الشعب السوري، وأدخلت تركيا لاحقاً بالمعادلة. الشيء بالشيء يذكر، لفتت نظري تصريحات لأردوغان ومسؤولين أتراك عن ضرورة خروج أمريكا من سوريا، علماً أنّ تركيا موجودة في سوريا بتنسيق مع أمريكا. مصلحة تركيا الفعلية تقتضي بقاء أمريكا، لأنّه لولا أمريكا لابتلعت روسيا ما يعرف بالمنطقة التركية في سوريا، رغم أن هذا الاحتمال ما يزال قائماً إذا غضّت أمريكا الطرف وأعطت روسيا الضوء الأخضر في اجتياح الشمال الغربي السوري. لهذا نجد أنّ قادة دول المنطقة يتنمرون إعلامياً على أمريكا وهم في ظلّها يعيشون، وأكثر من يفعل ذلك هم الأتراك والملالي والأسد وبوتين شخصياً.
هكذا شاءت أمريكا أن تحوّل سوريا إلى بقعة غير معينة يحكمها أمراء حرب من محتلين وأدواتهم. أمريكا أكثر من تدرك أنّ من دفع ويدفع ثمن خيارها هذا هو الشعب السوري بكل مكوناته. لم يدخل محتلّ إلى سوريا إلا بتنسيق مع أمريكا. هل هذه تحتاج لمراكز بحوث ودراسات؟ أيضاً الشيء بالشيء يذكر في هذا السياق، التصريح الروسي عن قرب عقد اجتماع أمني بين رؤساء مكاتب شؤون الأمن القومي في روسيا وأمريكا وإسرائيل ضمن اقتراح إسرائيلي، هل لأنّ هذه الدول الثلاث هي المقررة النهائية بالشأن السوري؟ أم لأن أمريكا تريد هذه المساحة للتشاور نحو مزيد من خراب ما هو مخرب؟ فالأردن طبّع مع الأسد، والعراق مطبع مع إيران، ولبنان حزب الله الذي يقتل السوريين، وبشارة الراعي الذي يطالب بطرد اللاجئين السوريين من لبنان.
استثناء تركيا وإيران من هذا الاجتماع دليل أن حصتهما في سوريا ما تزال قيد البحث الأمريكي. أمريكا من القوة بحيث كان بإمكانها وقف المأساة السورية قبل بدئها بعد انطلاق ثورتها بأشهر، على أبعد تقدير، عام 2011. لكنها أرادتها حقلاً مفتوحاً للجريمة والإبادة بحق هذا الشعب الذي لم يفعل شيئاً سوى أنه أراد أن يعيش بحرية وكرامة. أخطر ما يوجه المحنة السورية في الواقع من أجل أجيالنا القادمة هو تبرئة أمريكا. إنه تزوير للتاريخ من جهة، ويجعل المرء نفسه أمريكياً أكثر من أوباما صاحب الكيماوي.
كنا في مأساتنا هذه وكانوا في جريمتهم بأمريكا. الجميع في سوريا كانوا بأمريكا. مع ذلك ستبقى مراكز البحوث الأمريكية مختلفة حول تاريخ ما جرى ويجري في سوريا والمنطقة. وستبقى ترجمة هذه البحوث والدراسات قائمة. تقييم الذات ونقدها يجري في سياق معرفة مواقف الدول الفاعلة في الملف. المعارضة السورية رغم تفاهة من تصدروها بعد غربلة أمريكية تركية وغيرها، هي نتيجة وليست سبباً. نتيجة للمذبحة التي كانت أمريكية بامتياز بأيد غير أمريكية، والحبل على الجرار.
ليفانت
——————————-
سوريا: مأساة جيوسياسية/ أمير طاهري
في محاولة يائسة لحلحلة الوضع السوري المعقد، أيقظت الأمم المتحدة شبحاً قديماً من سباته ليتصدر بعض العناوين الرئيسية؛ حيث قام مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا؛ غِير بيدرسن، بإيقاظ ما تسمى «لجنة الدستور» من سباتها الذي استمر عامين لـ«البدء في صياغة الإصلاح الدستوري».
لاحظ كلمات «البدء» و«صياغة» و«الإصلاح الدستوري»؛ إذ إن جميعها يعني أنه بعد عامين من المداولات الحقيقية أو المتخيلة، لم تتزحزح اللجنة عن نقطة البداية. فحتى وقتنا الحالي، فإن كل ما جرى التخطيط له ليست الكتابة الفعلية لدستور جديد، لكن القيام بـ«صياغة» وعمل «إصلاحات» غير محددة لدستور غير موجود من الأساس. فإذا كان ما يقال لا يتعدى الإيماءات الدبلوماسية؛ فلا تتفاجأ إذا لم تبرح الأوضاع مكانها.
إن تقليص الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في المساعدة على إخراج سوريا من المأزق الحالي المميت إلى مجرد إيماءات، لأمر مؤسف على أقل تقدير. فسوريا اليوم ليست مجرد مشكلة دستورية.
المأساة التي أودت بحياة نحو نصف مليون شخص وجعلت نحو نصف السكان لاجئين أو نازحين لم يكن سببها دستوراً معيباً، ولن تنتهي بدستور كان يحلم به بيدرسن ومساعدوه.
الحقيقة هي أن سوريا لم يعد لها وجود فعال بوصفها دولة قومية. ومع ذلك لا يمكن حسبانها «منطقة قديمة غير خاضعة للحكم»؛ لأن أجزاء مختلفة منها تخضع لقدر من الحكم من قبل القوى الأجنبية وحلفائها المحليين. وهذا ما يجعل سوريا مشكلة جيوسياسية معقدة لا يمكن حلها من خلال المناورات القانونية.
اليوم تخضع الأراضي السورية لبعض السيطرة من قبل خمسة لاعبين مختلفين.
روسيا تدير قسماً واحداً جزئياً من خلال شركات الأمن الخاصة مع بقايا نظام الرئيس بشار الأسد بوصفه واجهةً محلية. وتسيطر تركيا وحلفاؤها المحليون من جماعة «الإخوان المسلمين» على شريحة أخرى، وتسيطر الولايات المتحدة وبعض حلفاء حلف «الناتو» على شريحة ثالثة بدعم من الأكراد المحليين. وتسيطر جمهورية إيران الإسلامية و«فيالقها الأجنبية» الأفغانية والباكستانية والعراقية والسورية واللبنانية على قسم رابع. الجزء الخامس والأخير تحتجزه فلول «داعش» وأعداء سابقون تحولوا إلى حلفاء وسط الجماعات المناهضة للأسد.
وُضعت الأجزاء الخمسة في مختبرات لتجارب مختلفة؛ متعارضة في بعض الأحيان، داخل التنظيم السياسي. وفي القطاع الذي تسيطر عليه روسيا، لا يزال المرء يجد صدىً للاستبداد العربي القائم على الأمن العسكري الذي كان مدعوماً من قبل الاتحاد السوفياتي المنحل خلال الحرب الباردة.
وما دامت تستطيع الحفاظ على وجودها العسكري؛ لا سيما القواعد على البحر الأبيض المتوسط، فإن روسيا ليست مهتمة بالهندسة السياسية في سوريا. كما أن الرئيس فلاديمير بوتين مصمم على عدم السماح لسوريا بأن تصبح قاعدة لتصدير الإرهاب إلى أجزاء من الاتحاد الروسي التي يشكل فيها المسلمون أغلبية.
بوتين مقتنع بأن جميع اللاعبين الآخرين في سوريا، مع استثناء محتمل لتركيا، ملزمون بالانسحاب أو طردهم من اللعبة عاجلاً أم آجلاً. وبمساعدة من الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة على المواقع الإيرانية، فهو يمهد بالفعل «طريقاً من قشر الموز» لإيران التي بدأت تقليص وجودها في مواقع عدة.
قد يكون بوتين مخطئاً في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تستعد أيضاً للانسحاب من سوريا. كان من المرجح أن تحدث مثل هذه الخطوة في عهد دونالد ترمب أو تحدث حال لم يتعرض الرئيس جو بايدن لصدمة من إخفاقه الذريع في كابل.
يعدّ بوتين نظيره التركي رجب طيب إردوغان شريكه الوحيد الجدير بالثقة في تقرير مستقبل سوريا. فلتركيا مصلحة أمنية وطنية في إنشاء منطقة عازلة على طول حدودها ومنع ظهور جيب كردي مستقل في سوريا.
بينما كان بيدرسن ومجموعته يسيئون إلى بوتين، ناقش إردوغان دستوراً جديداً لسوريا في عدد من المناسبات؛ كانت آخرها بقمة عقدت في «سوتشي»؛ حيث يريد بوتين دستوراً علمانياً لسوريا من دون ذكر لدين الدولة فيه.
ومع ذلك؛ يصر إردوغان على أنه إذا ذُكرت ديانة الدولة؛ فيجب أن تحدَّد النسخة الحنفية من الإسلام السني. ومع ذلك؛ فقد يعني هذا استعداء الأقليات النصيرية (العلويين) في سوريا، والإسماعيلية، والاثني عشرية، والدروز، ناهيك عن الطوائف المسيحية.
كما يختلف الزعيمان أيضاً حول مسألة ذكر لغة الدولة الرسمية في الدستور الجديد. فمن خلال تصوير نفسه على أنه حامي الأقلية التركية في سوريا؛ أي أقل من واحد في المائة من السكان، يريد إردوغان الاعتراف باللغة التركية واحدةً من اللغات الرسمية إلى جانب العربية، لكنه يعارض بشدة منح اللغة الكردية، التي ينطق بها نحو 4 في المائة من السوريين، الوضع نفسه.
قدمت جمهورية إيران الإسلامية تأملات خاصة بها حول الدستور السوري المزعوم. ويقترح آية الله محسن أراكي؛ الرجل المسؤول عن الترويج للمذهب الشيعي الإيراني في سوريا، إنشاء هوية «فاطمية» جديدة تشمل المذهب الشيعي الإيراني إلى جانب المعتقدات العلوية والإسماعيلية والدرزية. ومع ذلك، فإن المخطط يواجه عقبة في شكل السلطات الشيعية التقليدية في «قم» و«النجف» التي لا تزال تعدّ الطوائف السورية زنادقة.
من جانبها؛ لا يبدو أن للولايات المتحدة أي رؤية بعيدة المدى لما تفعله في سوريا. فقد عبّر الرئيس ترمب عن رغبته في الانسحاب من سوريا ووجه ضربة كبيرة للأكراد المحليين وحلفاء آخرين للولايات المتحدة.
لكن ترمب تراجع بسرعة، وتبعه بايدن، على الأقل في الوقت الحالي. ومع ذلك؛ فإن ما ينقصنا حتى الآن هو استراتيجية أميركية واضحة لإحياء سوريا بوصفها دولة قومية، وهي النتيجة الوحيدة التي يمكن أن تسهم في السلام الإقليمي وتساعد المصالح طويلة المدى للولايات المتحدة وحلفائها. ومن دون القيادة الأميركية، فلن تتمكن القوى الأوروبية من لعب الدور الحاسم الذي يمكنها لعبه ويجب أن تدعيه للمساعدة في إنهاء المأساة السورية.
بتجاهل الجانب الجيوسياسي للمشكلة السورية وقَصر مشاركة الشعب السوري في تشكيل مستقبل بلدهم على عدد قليل من بيادق الأسد وحفنة من الشخصيات المعارضة، فقد ترتكب الأمم المتحدة خطأً مزدوجاً. إذا جرى الاعتراف بسوريا على حقيقتها؛ أي منطقة غير خاضعة للحكم، فإن دور الأمم المتحدة يجب أن يساعد على استعادة السيادة للشعب السوري الذي يجب أن تكون له الكلمة الأخيرة في الكيفية التي يرغب أن يُحكَم بها ومن قِبل من، وهو ما لا يمكن أن يكون عن طريق الإيماءات الدبلوماسية في جناح فندقي بسويسرا.
الشرق الأوسط
—————————-
مقال بمركز كارنيغي: الشرق الأوسط يتحول بعيدا عن أميركا
“التحول بعيدًا عن أميركا” عنوان مقال محرر بمركز كارنيغي للشرق الأوسط (Carnegie Middle East Center) في زاوية “مدونة ديوان”، ذُكر في مستهله أن الجهات الإقليمية والدولية تكثف مساعيها من أجل الانخراط في لعبة نفوذ جديدة بالشرق الأوسط.
وأشار الكاتب مايكل يونغ إلى أن أعضاء جمهوريين بالكونغرس الأميركي اتهموا إدارة الرئيس جو بايدن بأنها حجبت تقريرا عن “إمبراطورية حزب الله المالية”. وقال إن هذا التقرير، الذي كلفت بإعداده وزارتا الخارجية والدفاع، يعتبر أحد المقتضيات التي نص عليها قانون تعديلات منع التمويل الدولي لهذا الحزب اللبناني والصادر عام 2008.
وذكر أن هذ التقرير يمثل أهمية كبيرة للجمهوريين “نظرا إلى أن إدارة بايدن تدرس احتمال رفع العقوبات الاقتصادية عن لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله، في حين ترزح البلاد تحت وطأة أزمة نقدية هائلة”. وقال النائب الجمهوري بات فالون “إذا تراجعت الإدارة الحالية ورفعت العقوبات المفروضة على لبنان، فستكون هذه خطوة مأخوذة من قاموس السياسة الخارجية التي انتهجها نيفيل تشامبرلين. وحزب الله وحده يتحمّل مسؤولية الانهيار الاقتصادي في لبنان”.
وألمح الكاتب إلى أن تعليق فالون ولّد أسئلة مثيرة للاهتمام، فلا يوجد مؤشر على أن الولايات المتحدة قد فرضت فعليا عقوبات على لبنان. والأكيد أنها فرضت عقوبات على سياسيين لبنانيين وعلى أعضاء بحزب الله وشركاء له، لكن لا شيء يشير إلى أنها ستعيق مثلا خطة صندوق النقد الدولي لإنقاذ هذا البلد. بل واقع الحال أن إدارة بايدن حاولت مؤخرًا مساعدة الجيش اللبناني، كما زار وفد من أعضاء الكونغرس بيروت في سبتمبر/أيلول الماضي لدراسة سبل مساعدة البلاد. وصرح العضو ريتشارد بلومنثال “لا أستبعد خيار تطبيق مشروع مارشال مصغر من أجل لبنان، لأن مصالح الأمن القومي الأميركي تقتضي ذلك”.
اتفاقية الغاز
وعلق المقال بأن الأمر الأكثر دلالة ما نقلته مصادر بالكونغرس من أن “الكونغرس يدقق بشكل متزايد” في رفض إدارة بايدن الإفراج عن تقرير وزارتي الخارجية والدفاع “وسط تقارير منفصلة عن استعدادها للموافقة على بعض الإعفاءات من العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاقية مع لبنان حول الطاقة”.
وتنطوي هذه الاتفاقية على ضخ الغاز المصري في خط أنابيب يمر عبر الأردن وسوريا ووصولا إلى لبنان لتزويد محطة دير عمار الواقعة بالقرب من طرابلس، حيث يشار إلى أن لبنان يعاني من انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة، في ظل نقص الأموال وشحّ الوقود. لذا، من شأن هذه الخطة أن تساعد على إنتاج الطاقة في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.
في الشرق الأوسط، تفرض الأنظمة قواعد جديدة للعبة النفوذ تحضيرا لرسم معالم منطقة تحولت بعيدا عن أميركا.
لكن تطبيق هذه الخطة، كما يقول الكاتب، يتطلب من الولايات المتحدة استثناء لبنان والأردن من العقوبات المفروضة في إطار “قانون قيصر” الذي صمم لمعاقبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه.
وأضاف الكاتب أن كل ذلك يظهر أن مصر والأردن متفقتان حيال لبنان، وأنهما نجحتا على ما يبدو في إقناع إدارة بايدن بدعم مقاربتهما. ولفت إلى أنه رغم أن العناوين العريضة للخطة تركز ببساطة على تزويد لبنان بالغاز، فإنه يبقى الجوهر الحقيقي أن مصر والأردن تحاولان استخدام أوضاع لبنان الراهنة وسيلة من أجل إعادة سوريا إلى كنف الدول العربية.
ويرى أن اتفاقات التطبيع التي أُبرمت العام الفائت بين دول الخليج وإسرائيل شكّلت نوعا من ثقل موازن في وجه إيران، ومع ذلك باءت محاولات الولايات المتحدة لاحتواء طهران بالفشل. فقد اتسعت رقعة نفوذها بالشرق الأوسط رغم خضوعها للعقوبات طيلة عقود. وهي لا تقدم مثالا يحتذى به، إلا أنها استغلت الطبيعة المفككة والمتشرذمة للكثير من الدول العربية لتحقيق مصالحها الخاصة.
لعبة النفوذ
وتابع المقال أن المنحى السائد في أماكن أخرى من العالم العربي يبدو مبتكرا أكثر. ويشي سلوك مصر والأردن في لبنان بأن الدول ذات الغالبية السنية، إذا نجحت في حشد تحالفاتها وأنصارها بالشرق الأوسط، فهي تملك فرصة أفضل في إرغام إيران على مراعاة مصالح الدول العربية، مقارنة مع الفرص التي يوفرها اعتمادها على الأسلحة الأميركية أو الإسرائيلية.
فقد كان هدف إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما إرساء توازن قوى إقليمي قادر على إحداث تغيير من دون تدخلات خارجية بعد الانسحاب العسكري الأميركي، وهو ما يوافق عليه بايدن على الأرجح.
واختتم المقال بأن أصداء هذه الرسالة تتردد بالعالم العربي اليوم. ففي ظل توقف الولايات المتحدة عن تنظيم شؤون الشرق الأوسط، تعمد الدول العربية إلى جمع أوراقها لخوض لعبة نفوذ خاصة بها على المستوى الإقليمي. أما في واشنطن، فيبقى النقاش محدودا، إذ يركز على خطوات الإدارة الحالية وتأثيرها على الساحة الداخلية، لكن في الشرق الأوسط، تفرض الأنظمة قواعد جديدة للعبة النفوذ، تحضيرا لرسم معالم منطقة تحولت بعيدا عن أميركا.
المصدر : مركز كارنيغي للشرق الأوسط
———————————
رسائل أردوغان حيال إدلب: تحذير أخير قبل العمل العسكري؟/ عماد كركص
جاء تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأول الخميس، حول إدلب شمال غرب سورية، ليعيد هذه القضية إلى دائرة الضوء من جديد، بما يشير إلى تطورات عسكرية قد تشهدها المحافظة ومحيطها في المستقبل القريب، إذ يأتي التصريح اللافت لأردوغان عقب يوم من مجزرة ارتكبها النظام السوري بحق مدنيي أريحا غربي المحافظة، من خلال قصف الأحياء السكنية للمدينة بقذائف المدفعية.
وأكد أردوغان أن بلاده تواصل القيام بما يلزم والرد بالأسلحة الثقيلة على الاعتداءات في إدلب، مشيراً إلى أنه لا يمكنهم ترك الأمور تسير من دون تدخل. وشدد على أنهم لن يقدموا أي تنازلات في سورية، وأنهم سيواصلون اتخاذ كل ما يلزم، خصوصاً في إدلب، مضيفاً أنه في الوقت الحالي تستمر عمليات القوات التركية في بعض النقاط الحساسة في المنطقة، وأن بلاده ستقوم بكل ما هو مطلوب بغض النظر عن الموقف الذي سيتخذه النظام السوري.
ويعتبر هذا التصريح تهديداً مباشرة للنظام بعد سلسلة طويلة من التجاوزات وخرق وقف إطلاق النار المبرم بين موسكو وأنقرة حيال إدلب، إذ أوقعت تلك التجاوزات عشرات الضحايا المدنيين في القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس بين قوات المعارضة والجيش التركي من جهة، وقوات النظام والمليشيات المدعومة من روسيا وإيران من جهة أخرى. ويبدو أن أردوغان بات في طور توجيه الرسائل الأخيرة نحو موسكو لوضع النظام عند حده، قبل اللجوء إلى خيارات ردعية، ربما يكون من بينها شنّ عمل عسكري جديد في إدلب، للقضاء على طموحات النظام بالتمدد أكثر في إدلب و”منطقة خفض التصعيد الرابعة” عموماً، وإبعاد خطر الاستهدافات المتكررة، سواء للمدنيين أو حتى لقوات المعارضة والجيش التركي المنتشرين في عموم إدلب ومحيطها.
بالتوازي مع ذلك، كان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، يعرض الوساطة بغية تفادي إطلاق تركيا عملية عسكرية جديدة في سورية، مؤكداً، في تصريح الخميس الماضي، أن “موسكو تعارض تجدد أي أعمال قتالية”. ولفت بوغدانوف إلى “وجود صيغ قد أكدت فعاليتها للتشاور والتنسيق واتصالات سياسية وعسكرية بين موسكو وأنقرة”، مضيفاً أن “روسيا وتركيا، وكذلك إيران ضمن إطار صيغة (أستانة) تتحمل المسؤولية عن ضمان سريان نظام وقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية، بما يشمل كافة مكونات هذا الوضع”.
وحول احتمالية ما ستقوم به تركيا في إدلب، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي، هشام غوناي، أن أي عملية عسكرية جديدة في إدلب من دون غطاء جوي من سلاح الجو التركي، ستبوء بالفشل، كون الأمر مخاطرة كبيرة للجيش التركي في التدخل فقط بالسلاح الثقيل على الأرض في منطقة حساسة مليئة بالمدنيين. وأضاف غوناي، في حديث مع “العربي الجديد”: “نحن نتحدث عن ملايين النازحين والسكان في إدلب ومحيطها، وأي عملية عسكرية فقط باستخدام السلاح الثقيل ستعرّض هؤلاء للخطر، كما ستعرّض الجيش التركي ذاته للخطر في حال لم يكن هناك غطاء جوي لهذه العملية التي يخطط لها أردوغان، بحسب تصريحاته، بأن تكون برية النطاق”. وأشار غوناي إلى أن تصريحات أردوغان في هذا الجانب، هي تحذير للأطراف ودفعهم للجلوس على طاولة الحوار مع المعارضة وتركيا، لحل مسألة إدلب بالطريقة الدبلوماسية، منوهاً إلى أن “أي عمل عسكري ستكون له نتائج خطيرة، وهذه النتائج ستضر ليس فقط بتركيا وإنما بالمدنيين في إدلب، كما ستخلّف أي معركة موجة نزوح جديدة وكبيرة، وتركيا ليست جاهزة لتحمّل استقبال الآلاف من اللاجئين الجدد”.
من جهته، رأى القيادي السابق في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، أن “الرد التركي ليس بالضرورة أن يكون موجهاً ضد روسيا بشكل مباشر، فقواتها في سورية غالباً ما تقوم بالرد المدفعي على مصادر النيران التي تستهدف بعض المناطق القريبة من قواعدها في سورية التي تنفذها قوات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية المساندة لها”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”: “قد يكون هناك رد غير مباشر ضد الطيران الروسي، منها استخدام وسائط الحرب الإلكترونية والتشويش لحماية قواعدها، وقد تكون هناك ردود بدعم قوات الجيش الوطني والجبهة الوطنية لتنفيذ معارك هجومية ضد قوات الأسد تحتاج لإمداد كبير، ويمكنها كذلك دعم تنفيذ معارك على جبهات هادئة وفي العمق، لكنها ستتحاشى الصدام المباشر مع روسيا، لا سيما أنها تحاشت ذلك عدة مرات. وفي الوقت نفسه تعي روسيا ضرورة عدم استفزاز تركيا للحد الذي يجعلها تخرج عن نطاق التفاهمات والالتزامات، لأنها لو فعلت هذا فلن يكون لصالحها وصالح النظام بالمطلق”. وحول مستقبل إدلب ضمن كل هذه التطورات، رأى حسون أن “إدلب ما زالت تقبع تحت اتفاقية خفض التصعيد التي تختلف طرق المحافظة عليها ومقدار ذلك من وقت إلى وقت. لكن بالمحصلة بقاؤها تحت هذه الاتفاقية هو لمصلحة الجميع، لذا سيطول هذا الوضع حتى يتم حسم ملفات أخرى بين اللاعبين الدوليين”.
ولم يلتزم النظام طوال أكثر من عام ونصف العام على إبرام وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في الخامس من مارس/آذار من العام الماضي ببنود الاتفاق، فحاولت قواته، بإسناد من المليشيات المدعومة من روسيا وإيران، التسلل نحو مناطق سيطرة المعارضة على خطوط التماس، بالإضافة إلى عمليات القصف شبه اليومية بالمدفعية الثقيلة، حتى بات الطيران الروسي أخيراً يشارك في عملية القصف بعد توقف عقب الأشهر الأولى من الاتفاق. وبات النظام والروس أخيراً يكشفون عن مطامعهم بالتوسع أكثر في إدلب ومحيطها، التي يشار إليها بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة”، والتي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالية والغربية وحلب الجنوبية والغربية، وريف اللاذقية الشرقية، بذريعة عدم التزام أنقرة بتطبيق التفاهمات بينها وبين موسكو، ولا سيما إزالة خطر المجموعات الراديكالية وفتح الطرقات لتسهيل حركة التجارة، فيما تربط أنقرة تطبيق التفاهمات في إدلب بأخرى تتعلق في مناطق شمال وشرق سورية، حيث السيطرة الكردية التي تؤرق تركيا على حدودها الجنوبية.
العربي الجديد
———————
وزير إسرائيلي: بوتين وبينت اتفقا على مواصلة منح الجيش الإسرائيلي الحق بالعمل بحرية في سورية/ صالح النعامي
أعلنت مصادر إسرائيلية أن كلاً من رئيس الوزراء نفتالي بينت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفقا في لقائهما أمس في سوتشي، على مواصلة السياسة الحالية، والتي تمنح الجيش الإسرائيلي الحق بالعمل بحرية في سورية.
وقال وزير الإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، الذي رافق بينت في زيارته لروسيا، وعمل مترجماً له في المقابلة مع بوتين، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي عرض على الرئيس الروسي تصوره لآليات التصدي للتواجد الإيراني في سورية.
ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن إلكين قوله، إن بوتين وبينت ناقشا عدة قضايا إستراتيجية خلال اللقاء الذي عقد أمس، والذي استمر مدة خمس ساعات؛ وضمنها “العيوب التي ينطوي عليه الاتفاق النووي” الذي وقعته إيران والقوى العظمى في العام 2015.
ووصف إلكين لقاء بوتين بينت في سوتشي بـ”الدافئ جداً، وشمل نقاشاً عميقاً طاول قضايا استراتيجية”، لافتاً إلى أن الطرفين بحثا “قضايا أمنية وسياسية حساسة… كما بحثا سبل مواجهة الإرهاب الراديكالي”، على حد تعبيره.
وحسب إلكين، فقد حرص بوتين على التأكيد أمام بينت على موقفه “الداعم جداً” لإسرائيل، مشيراً إلى أن اللقاء طال قضايا شخصية لا يتم التطرق إليها عادة في اللقاء الأول بين زعيمين.
ونوه إلى أن الجانبين بحثا قضايا اقتصادية، ضمنها التوصل لاتفاق تجارة حرة بين إسرائيل و”الاتحاد اليورو آسيوي”، والذي يضم ست دول، بينها روسيا، حيث تم الاتفاق على بذل “جهد مركز من أجل إنجاز الاتفاق في غضون نصف عام”.
وأشار إلى أن بوتين وبينت اتفقا على تشكيل طاقمين لبحث سبل مواجهة تفشي وباء كورونا ومعايير دخول السياح الذين تلقوا اللقاح الروسي “سبوتنيك في”.
وعلى الرغم من أن إلكين لم يوضح طابع الموقف الذي عرضه بينت على بوتين بشأن الاتفاق النووي مع إيران؛ فإنه سبق لقناة “كان” إن كشفت قبيل اللقاء، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيحاول إقناع الرئيس الروسي دعم مشروع قرار أممي ينص على معاقبة إيران بسبب عدم احترامها التزاماتها النووية.
ونوهت القناة إلى أن زيارة بينت إلى موسكو تأتي في إطار تحرك إسرائيلي لإقناع القوى العظمى بتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات على إيران؛ بسبب تجاوزها التزاماتها أمام اللجنة الدولية للطاقة الذرية.
وحسب القناة، فأن الرسالة التي سينقلها بينت إلى بوتين تفيد بأن إسرائيل لن تنتظر حتى يتحرك المجتمع الدولي وستعمل بشكل ذاتي لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
من ناحيتها قالت غيلي كوهين، المراسلة السياسية لقناة التلفزة الرسمية الإسرائيلية “كان”، إن بوتين وبينت اتفقا على العمل من أجل ترتيب عقد لقاء ثلاثي يجمع مستشاري الأمن القومي لكل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل في القريب العاجل.
العربي الجديد
——————–
سوريا على طاولة بوتين ــ بينيت/ بسام مقداد
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا، جرى توقيتها لتتطابق مع السنوية الثلاثين لإستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي قطعها الإتحاد السوفياتي قي حينه، خلال حرب العام 1967. وقبل إنطلاق المفاوضات في منتجع سوتشي بين نفتالي بينيت وفلاديمير بوتين، وصف الأخير العلاقات بين روسيا وإسرائيل بأنها “علاقات فريدة”. وعلل فرادتها بقوله أن الإتحاد السوفياتي ووريثته الشرعية روسيا كانا، في الواقع، “في أصول نشوء دولة إسرائيل”. وأضاف بوتين بأن الناطقبن بالروسية في إسرائيل قد يكونون اكبر جالية تعيش خارج روسيا.
توقفت المواقع الإعلامية الروسية عند سنوية إستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أكثر بما لا يقاس، من توقفها عند الزيارة نفسها. ونشرت صحيفة الكرملين في 17 من الجاري مقابلة مطولة مع السفير الإسرائيلي في موسكو الذي ولد ونشأ في أوكرانيا السوفياتية. عنونت الصحيفة المقابلة بما قاله السقير في سياق حديثه “روسيا وإسرائيل تجدان دائماً لغة مشتركة عند الحاجة لمعالجة المسائل”. قال السفير بأنه كان في عداد الوفد الإسرائيلي الأول الذي تولى العام 1986 المفاوضات مع الجانب السوفياتي لإعادة العلاقات. وقال بأن الإتصالات السوفياتية الإسرائيلية بدأت قبل عودتها الرسمية في العام 1991، وافتتحت إسرائيل قنصلية في السفارة الهولندية العام 1986. واشار إلى أن موجة الهجرة الأساسية من الإتحاد السوفياتي إلى إسرائيل جرت بين العامين 1989 و1990، حيث هاجر يومها حوالي مليون شخص، ولم ينقطع تدفق المهاجرين حتى الوقت الراهن، حيث بلغ العام 2019 حوالي 19 ألف مهاجر من روسيا، على قوله.
في العودة إلى زيارة بينيت، قال مراسل أحد المواقع الروسية في إسرائيل بأن إستقبال بينيت في سوتشي وليس في الكرملين يعتبر تخفيضاً لمستوى الزيارة، سيما أنها الزيارة الأولى له بعد توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية. لكن الكتاب السياسيين والصحافيين الروس الذين تحدثت إليهم “المدن” نفوا أن يكون في الأمر تخفيضاً لمستوى الزيارة، سيما أن بوتين إستقبل في سوتشي غير مسؤول أجنبي كبير في مقره هناك، مثل ميركل وإردوغان وسواهما.
وكانت “المدن” قد توجهت إلى عدد من الكتاب والصحافيين الروس المتابعين لقضايا الشرق الأوسبوط بالسؤال عن مكان اللقاء، وما إذا كان بنظرهم تخفيضاً لمستواه، وعن المسائل التي يمكن أن تكون قد طرحت على طاولة المفاوضات بين بوتين وبينيت.
الخبير الزائر في معهد الشرق الوسط في واشنطن وخبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أنطون مرداسوف، قال بأنه إذا أخذنا بالإعتبار عدد اللقاءات التي عقدها بوتين في سوتشي مع زعماء سيياسيين أجانب، يصبح من الصعب القول بأن لقاء بوتين ـــــ بينيت في سوتشي بدلاً من الكرملين في موسكو، هو إشارة إلى التخفيض من مستوى اللقاء. لكن من الواضح أن بوتين يشعر براحة أكبر هناك، لذلك تم إستنساخ مكتب الكرملين في مقره الرئاسي في سوتشي ، بحيث يغدو ممكناً تقليد العمل من العاصمة الروسية. ربما يعتقد بوتين نفسه أن الاجتماع في سوتشي يمكن أن يخلق جوًا أكثر ثقة، لكن ليس من المستبعد أن يكون هذا متعمدًا لخلق جو من عدم الارتياح للجانب الإسرائيلي. غير أن مرداسوف، مع ذلك، لايستبعد إحتمال أن يكون المسؤولون عن تنظيم اللقاء من الطرفين قد إختاروا منتجع سوتشي كمكان أكثر دفئاً (من جميع الجوانب) بالنسبة لبينيت في حديثه مع بوتين.
أما في ما يتعلق بجدول أعمال اللقاء، فعلى الأرجح، برأيه، أن يحمل طابعاً غامضاً متعمداً، وذلك من أجل التأكيد على أن التعاون بين روسيا وإسرائيل يجري في مجالات متعددة، ولا يتوقف على العامل الشخصي، أي على نتنياهو الذي كان يصر على لعب الورقة الروسية حتى في السياسة الداخلية. العلاقات الثنائية في جميع أوجهها المتعددة ــــــ التجارة، رعاية الثقافة والفنون والعلوم، القضاء على ظاهرة معاداة السامية في روسيا، وهي العملية التي ينسب بوتين الفضل فيها لنفسه، مع العلم أنها لا تزال حتى الأن تشكل مشكلة بالنسبة للقوى الأمنية الروسية.
بالنسبة لجدول الأعمال المتعلق بالمسائل الدولية، يقول مرداسوف بأنه يتراوح بين الملف النووي الإيراني والوضع في سوريا ومبيعات السلاح الروسي لإيران ( إسرائيل توقفت في الفترة الأخيرة عن بيع السلاح لجورجيا نزولاً عند رغبة روسيا،على قوله)، وبين التعاون الإسرائيلي مع أوكرانيا. القائمة طويلة، لكنه يعتقد بأن الملف السوري سوف يشغل الحيز الأكبر من مدة اللقاء. فمع رحيل ناتانياهو تم تعديل آلية التنسيق بين الدوائر العسكرية، رغم أن هذه المسألة كانت مطروحة على بساط البحث دائماً في عهده لأنها لم تكن مريحة للجانب الروسي، كما يحاول الليكود تصوير الأمر. فخلال الأسابيع الأخيرة فقط قامت إسرائيل بالكثير من العمليات الكبيرة في سوريا، بدءاً من البحث عن رفاة الطيار الإسرائيلي، إلى الغارات على القواعد الإيرانية في تدمر، وانتهاءاً بقتل مستشار النظام السوري في شؤون الجولان. فمن ااواضح أن إسرائيل قد رفعت من نشاط مخابراتها على الإتجاه السوري، وهو ما لا يعجب الكرملين بشكل واضح.
محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيقة NG الروسية إيغور سوبوتين لا يعتبر أن إختيار سوتشي مكاناً لقمة بوتين بينيت هو إشارة ما “لتخفيض أولوية” الصلات الروسية الإسرائيلية. فالزعيم الروسي يعقد اللقاءات المهمة في موسكو وسوتشي على قدم المساواة، ويبدو أنه لم يأخذ بالإعتبار سوى راحته الشخصية في إختيار سوتشي. ومع ذلك، ونظراً لإرتفاع تفشي وباء الكورونا في موسكو، يمكن تأويل إختيار سوتشي بأنه لفتة إهتمام باللقاء، مع أن العاصمة وبقية مناطق روسيا “مريضة” بمعدلات مختلفة.
يعتقد سوبوتين أن من المهم لبوتين أن يشرح لضيفه كيف يرى طبيعة أعمال إسرائيل حالياً في سوريا. فبعد تغيير الحكومة الإسرائيلية إرتفعت بشكل ملحوظ وتيرة ضربات الجيش الإسرائيلي على سوريا. وأحدثت صدى واسعاً الأنباء عن مقتل رئيس قسم قضايا الجولان في الحكومة السورية مدحت صالح، والذي تفيد المعلومات أن الإسرائيليين هم من قتله.وموسكو ترغب في معرفة ما إن كانت اسرائيل ستستمر بهذه العمليات الآن.
ويرى سوبوتين أن بوتين، في تواصله مع بينيت، يريد أن يستطلع إلى اي مدى تختلف قدرته التفاوضية عن قدرات ومهارات نتنياهو. وقد إعتبر المحللون خلال فترة طويلة أن الصداقة بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي هي أحد العوامل المهمة في العلاقات بين البلدين، وهو يعتبر أن المحللين كانوا على صواب.
يعتبر سوبوتين أن المسألة الإيرانية كانت اساسية في المقاوضات. ويذكّر الكاتب بأن اللقاء قد عقد في موعد قريب جداً من 18 تشرين الأول/أوكتوبر، يوم السنوية 30 لإستعادة العلاقات بين البلدين. وهو بعتقد أن هذا الوقت مناسب لبحث مسائل السياحة والعودة إلى الحياة الطبيعية بعد الوباء.
ماريانا بيلينكايا المتابعة لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة “Kommersant”، والتي أوفدتها الصحيفة لتغطية إشتباكات الطيونة، قالت ل”المدن” بأنها لا تعتبر أن إختيار سوتشي بدل موسكو هو تخفيص لمستوى اللقاء، مع العلم أنه كان من المتوقع أن يحتفى على مستوى أرفع بالسنوية 30 لإستعادة العلاقات بين البلدين. وترى أن هذا كان محبِطاً قليلاً، لكن لا ينبغي الإستنتاج من ذلك بأن ثمة تغييراً في العلاقات. ورأت أن سوريا هي الموضوع الأول على طاولة المقاوضات، وكذلك موضوع الصفقة النووية الإيرانية، كما من المتوقع أن يكون قد طرح موضوع المفاوضات على مستوى مجالس الأمن القومي، وكذلك العلاقات الثنائية بين البلدين.
المدن
——————–
واشنطن:تنظيم القاعدة يستخدم سوريا كملاذ آمن
أعلنت القيادة الأميركية الوسطى أنها قتلت القيادي البارز في تنظيم القاعدة عبد الحميد المطر في غارة جوية بطائرة مسيرة شمال غربي سوريا الجمعة.
وذكر المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأميركي جون ريغسبي في بيان، أنه ليس هناك معطيات على وجود “ضحايا مدنيين في أعقاب الضربة التي شنتها طائرة مسيّرة من طراز إم كيو-9”.
وتابع ريغسبي أن تنظيم “القاعدة لا يزال يشكل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائنا”. وأضاف أن التنظيم “يستخدم سوريا كملاذ آمن لإعادة تشكيل نفسه والتنسيق مع فروع خارجية والتخطيط لعمليات في الخارج”.
وأشار إلى أن تهديدات مسلحي تنظيم القاعدة في سوريا تصل إلى العراق ودول أخرى، وأن التخلص من هذا القائد البارز للقاعدة، “سيعطل قدرة التنظيم الإرهابي على المزيد من التآمر وتنفيذ هجمات عالمية، تهدد مواطني الولايات المتحدة وشركائها والمدنيين الأبرياء”.
ولم يذكر المتحدث ما إذا كانت الضربة جاءت رداً على هجوم الأربعاء، على قاعدة التنف العسكرية التي يستخدمها التحالف الدولي كقاعدة عسكرية له، والواقعة في جنوب سوريا قرب الحدود مع العراق والأردن.
وفي 20 أيلول/سبتمبر، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية تنفيذ الجيش الأميركي ضربة جوية بطائرة مسيّرة قرب مدينة إدلب (شمالي سوريا)، ضد أحد كبار قادة تنظيم القاعدة.
وكشف الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية في بيان حينها أن القيادي المستهدف هو سليم أبو أحمد والذي “كان مسؤولاً عن التخطيط والتمويل والموافقة على هجمات القاعدة العابرة للمنطقة”.
———————-
ضوء أخضر روسي لإسرائيل في سوريا
أعلن وزير الإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “اتفقا خلال اجتماعاتهما في مدينة سوتشي الجمعة، على أن الدولتين ستستمران في تنفيذ آلية تفادي الاشتباك” في سوريا، مضيفاً أن روسيا “لن تعيق الحملة الجوية للجيش الإسرائيلي على سوريا”.
وأشارت “القناة 12” الإسرائيلية إلى أن بوتين وافق خلال الاجتماع على أن تحافظ إسرائيل على حريتها في عملياتها في سوريا، لكنه طلب تحذيراً إضافياً قبل الضربات.
ونقلت صحيفة “إسرائيل اليوم” عن إلكين الذي رافق بينيت في الزيارة وعمل مترجماً خلال لقاء بوتين، قوله إن “بينيت عرض على الرئيس الروسي تصوره لآليات التصدي للتواجد الإيراني في سوريا، كما تطرقا إلى ملفها النووي”.
وبحسب إلكين فقد حرص بوتين على التأكيد أمام بينت على موقفه “الداعم جداً” لإسرائيل، واصفاً اللقاء ب”الدافئ جداً، وشمل نقاشاً عميقاً طاول قضايا استراتيجية وأمنية وسياسية حساسة”.
وأشار إلى أن الجانبين بحثا قضايا اقتصادية، ضمنها التوصل لاتفاق تجارة حرة بين إسرائيل و”الاتحاد اليورو-آسيوي”، والذي يضم ست دول، بينها روسيا، حيث تم الاتفاق على بذل “جهد مركز من أجل إنجاز الاتفاق في غضون نصف عام”.
وبعد المحادثات، أعلن مكتب بينيت أنه قرّر تمديد زيارته لروسيا وتأجيل عودته إلى تل أبيب، مؤكداً أن اللقاء بين بوتين وبينيت استغرق أكثر من خمس ساعات، بعدما كان من المقرر أن يكون لساعتين فقط، وعقب اختتامه قام الرجلان بنزهة داخل مقر الرئاسة الروسية في سوتشي “بوتشاروف روتشي” باتجاه ساحل البحر الأسود.
ووصف مكتب بينيت اللقاء بأنه كان “دافئاً وإيجابياً، وتناول طيفاً من المسائل المهمة للعلاقات الثنائية”، مضيفاً “نظراً لمدة اللقاء، سيمدد رئيس الوزراء والوفد المرافق له زيارته لروسيا وسيعود إلى إسرائيل مساء السبت”.
بدوره، قال بينيت إن اجتماعه مع بوتين كان ممتازاً، موضحاً أنه تم خلاله تبادل معمق للآراء. وتابع: “روسيا لاعب محوري في المنطقة، ولهذا فإن علاقات إسرائيل معها استراتيجية والتواصل الثنائي شبه يومه”.
وقبيل توجهه إلى روسيا كشفت قناة “كان” الإسرائيلية أن بينيت سيحاول إقناع الرئيس الروسي دعم مشروع قرار أممي ينص على معاقبة إيران بسبب عدم احترامها التزاماتها النووية.
وأشارت القناة إلى أن زيارة بينت إلى موسكو تأتي في إطار تحرك إسرائيلي لإقناع القوى العظمى بتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات على إيران، بسبب تجاوزها التزاماتها أمام اللجنة الدولية للطاقة الذرية.
—————————-
سوريا: روسيا تتمدد نحو “المناطق المحرمة“
عشائر دير الزور تقف بوجه موسكو
تحرك روسيا في مناطق شرقي سوريا على أكثر من جبهة. في الوقت الذي تنتشر فيه قواتها بكثرة على طول الطريق الدولي المعروف بـ”أم فور”، تذهب إلى أقصى الجنوب، في محاولة لـ”اختراق” مناطق كانت “شبه محرمة” عليها خلال الأعوام السابقة، لاعتبارات تتعلق بأطراف النفوذ الأخرى، سواء المحلية أو الأجنبية.
الخميس وفي تطور هو الأول من نوعه دخل رتلٌ من قوات الشرطة العسكرية مناطق الريف الغربي لمحافظة دير الزور، الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، الأمر الذي أثار غضب المدنيين وأبناء العشائر الموجودين في المنطقة، وفقًا لموقع “الحرة”.
وكان من المقرر أن يسلك الرتل تلك المناطق كطريق للعبور إلى نقاط موسكو في محافظتي الحسكة والرقة، لكن ذلك لم يتم، بحسب ما ذكرت شبكات إعلامية محلية، مشيرة إلى أن عشرات من المدنيين قطعوا الطرق وأشعلوا الإطارات احتجاجا على ذلك.
وأضافت وسائل إعلام بينها “دير الزور 24” المحلية، أن عدة قرى وبلدات في ريف دير الزور الغربي خرجت بمظاهرات، الجمعة، رفض فيها المحتجون أي دخول للقوات الروسية إلى مناطقهم، كون ذلك يمهد لعودة سلطة النظام السوري والميليشيات الإيرانية.
وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة وثقت مظاهرات الأهالي في ريف دير الزور الغربي، وكان أبرزها عند “دوار الحصان” ضمن مناطق نفوذ القوات الكردية، بحسب ما قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وأضاف المرصد: “المظاهرات خرجت ضد التواجد الروسي والإيراني على الأراضي السورية، وضد النظام السوري أيضا، بعد أحداث عبور الرتل الروسي الخميس”.
مخاوف من اتفاق
تنقسم السيطرة في محافظة دير الزور شرقي سوريا بين قوات النظام السوري وحلفائها من جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى، ويعتبر نهر الفرات الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين.
وبحسب تقرير المرصد السوري فإن “الروس وقوات سوريا الديمقراطية أزالوا السواتر الترابية بين مناطق السيطرة مع النظام السوري، بهدف تمرير دورياتهم من المنطقة”، و”لتقوم قوات مجلس دير الزور العسكري بجلب تعزيزات عسكرية إلى المنطقة ومنع الروس من دخول مناطقهم”.
ويعتبر “مجلس دير الزور العسكري” أحد مكونات “قوات سوريا الديمقراطية”، واللافت أنه إحدى أبرز الجهات الرافضة لدخول القوات الروسية إلى مناطق الريف الغربي لدير الزور.
ويقول الصحفي السوري، صهيب جابر: الروس لديهم عدة نقاط في شرقي الفرات. في منطقة مراط وحقل كونيكو وخشام والحسينية، لكن هناك نقطة مثار جدل تتعلق بمحاولتهم العبور من المنطقة باتجاه الرقة والحسكة”.
ويضيف جابر لموقع “الحرة”: “هناك استغراب أيضا من الحراك المرتبط بمجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، كونه أحد الرافضين لعبور الأرتال، على الرغم من موافقة الجهة التي يتبع لها على تنفيذ الخطوة”.
وقلما تعلّق روسيا على تحركاتها العسكرية في سوريا، وتقتصر بياناتها اليومية المتعلقة بالبلاد على ما يصدره “مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم”.
في حين ينفي فرهاد شامي الناطق باسم “قوات سوريا الديمقراطية” أي تغيير في نفوذ السيطرة بمحافظة دير الزور.
ويضيف شامي لموقع “الحرة”: “لا تغيير في خارطة توزع القوى في مناطق شمال وشرق سوريا”.
من جهته يقول الرئيس المشارك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، رياض درار لموقع “الحرة” إن “روسيا تسعى للتغلغل في المناطق، وتريد التمدد على حساب التراجع الأميركي. لا يوجد أي تنسيق بين موسكو وقسد حول هذا التدخل، لأن الوضع غير محسوم بالنسبة للدور الروسي في الوساطة والحل السياسي”.
ويتابع المسؤول في “قسد”: “بالتالي الأمر ليس بهذا البعد كأن يقرأ على أنه نوع من التفاهم بين قسد وموسكو”.
لعب على الأوتار
في غضون ذلك قالت صحيفة “جسر” المحلية إنها رصدت تحليق طائرات مروحية روسية، الجمعة، فوق المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها مناطق ريف دير الزور الغربي، الخاضعة لسيطرة “قسد” المدعومة من التحالف الدولي.
وأضافت الصحيفة: “التوتر يسود في المنطقة، من انتشار أخبار حول اتفاق سيجري تنفيذه على مراحل في دير الزور، بين روسيا والتحالف وقسد”.
ولا توجد أي مؤشرات على الأرض بشأن ما سبق سوى تحرك القوات الروسية باتجاه الدخول إلى مناطق الريف الغربي، للعبور إلى الحسكة والرقة. وهما محافظتان سبق وأن انتشرت فيهما القوات الروسية لكن بشكل غير كبير، وخاصة في القامشلي ومحيط الطريق الدولي “أم فور”، بحسب “الحرة”.
عمر أبو ليلى مدير شبكة “دير الزور 24” يشير إلى أن روسيا تحاول منذ فترة طويلة “اللعب على أوتار دير الزور في شرقي سوريا”.
ويقول الصحفي السوري لموقع “الحرة”: “لكن جميع تلك المحاولات فشلت، أولا من خلال التحالف مع إيران، وبعد ذلك بفتح باب المصالحات، وأخيرا موضوع تجنيد الشبان للقتال في الخارج، ومنحهم بطاقات تسوية أمنية”.
واعتبر أبو ليلى أن “قسد متواطئة كون لها علاقة مع روسيا. وهي إحدى نقاط الفشل التي تواجهها الآن. تفاوض على اسم دير الزور انعكس برد قاس بمظاهرات ورفض شعبي”.
وبحسب الصحفي فإن التحرك باتجاه دخول الأرتال الروسية الخميس إلى الريف الغربي “استفز العشائر، وخاصة أبناء قبيلة البكارة. الأرتال خطوة استباقية لتثبيت نقاط عسكرية بشكل خبيث”.
ايلاف
—————————-
بوتين يريد «استمرارية» العلاقة مع إسرائيل… وبنيت يحذّره من «طموحات» إيران
خلافات موسكو وتل أبيب حول سوريا لا تفسد «المصالح المشتركة»
موسكو: رائد جبر – تل أبيب: «الشرق الأوسط»
عكست أجواء المباحثات التي أجراها أمس، في منتجع سوتشي الروسي، الرئيس فلاديمير بوتين، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، مدى حرص الطرفين على تجاوز مرحلة فتور سيطرت على علاقات موسكو وتل أبيب بعد تسلم الحكومة الجديدة مهامها، خصوصاً على خلفية تزايد الاستياء الروسي بسبب ضربات الطيران الإسرائيلي المتكررة على الأراضي السورية، ورفض الجانب الإسرائيلي اقتراحات موسكو بشأن تعزيز التنسيق والاعتماد على القوات الروسية لـ«مواجهة التهديدات ضد الدولة العبرية».
وغدا الملف السوري على رأس أجندة الحوار أمس، واستهل الرئيس الروسي المناقشات بالإشارة إلى تراكم «نقاط خلافية في الموضوع السوري»، لكنه استدرك سريعاً أن هذه الخلافات لا تُفسد المصالح المشتركة في سوريا، مشيراً إلى وجود «نقاط تلاقٍ» مهمة بين الطرفين أبرزها ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب.
وعكست هذه العبارات في مقدمة اللقاء، درجة صعوبة المحادثات التي مهّد لها الطرفان طويلاً، وتم الترتيب لها بزيارة لوزير الخارجية يائير لابيد، الشهر الماضي، هدفت إلى كسر الجمود في العلاقات والتحضير لاستعادة الزخم الذي شهدته علاقات موسكو مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
وبرز الحرص الإسرائيلي على إظهار أن العلاقات ودية من خلال حرص بنيت على الوقوف مع بوتين أمام الصحافيين وتبادل الحديث، لمدة زادت على دقيقة، بدلاً من المصافحة البروتوكولية السريعة التي تسجلها عدسات الكاميرات عادةً، قبل دخول قاعة الاجتماعات.
وكانت علاقات موسكو وتل أبيب قد شهدت مداً وجزراً واسعَين منذ اتخاذ روسيا قرار التدخل العسكري المباشر في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، إذ سارع نتنياهو إلى زيارة موسكو بعد أسابيع على بدء الحملة الروسية في سوريا، وأسفرت مناقشاته مع بوتين في حينها على اتفاق من ثلاث نقاط، استندت إليه علاقات الطرفين في سوريا في السنوات اللاحقة. والنقاط هي: عدم السماح بتحويل سوريا إلى مصدر تهديد لإسرائيل، وعدم السماح بتمركز قوى معادية لإسرائيل قرب المناطق الحدودية، فضلاً عن حق تل أبيب في توجيه ضربات ضد مواقع تنطلق منها تهديدات.
والتزمت موسكو بعد ذلك الصمت حيال الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، لكنّ علاقات الطرفين واجهت أصعب اختبار في عام 2018 عندما تسببت غارة إسرائيلية تزامنت مع تحليق طائرة عسكرية روسية قرب اللاذقية عن خطأ في توجيه الدفاعات السورية أسفر عن إسقاط الطائرة الروسية.
ودفع التطور إلى تشديد موسكو لهجتها حول الغارات الإسرائيلية، واتخاذ قرار بتسليم دمشق نظاماً صاروخياً متطوراً من طراز «إس 300» لكنه لم يوضع قيد التشغيل منذ ذلك الوقت، إذ نجح نتنياهو بسبب علاقاته الشخصية المتينة مع بوتين في تجاوز الأزمة واستعادة التعاون الثنائي.
ومع تغيير الحكومة في إسرائيل، سادت تكهنات في موسكو حول تدهور محتمل في العلاقات مع تل أبيب، بسبب عدم اهتمام القيادة الجديدة «بتعزيز التنسيق مع موسكو والعمل بموجب التفاهمات السابقة» وانعكس ذلك في تشديد وزارة الدفاع الروسية من لهجة بياناتها ضد الغارات الإسرائيلية المتكررة بشكل تزامن مع الإعلان عن تزويد دمشق بأنظمة حديثة من طرازي «بوك» و«بانتسير» مخصصة لمواجهة هذه الغارات. وسَعَت موسكو إلى تغيير قواعد اللعبة مع تل أبيب من خلال إعلانها عن رفض استمرار الغارات واقتراحها أن تتحمل بنفسها مسؤولية «ضمان أمن إسرائيل ومنع التهديدات المنطلقة من سوريا».
في هذا السياق، تشكل الزيارة الأولى لبنيت إلى روسيا محاولة لتطبيع العلاقات وإعادة التنسيق إلى مستواه السابق. وهذا ما دفع بوتين إلى الحديث في مستهلّ اللقاء عن أمله في أن تحافظ الحكومة الإسرائيلية الحالية على «استمرارية العلاقات».
ووصف بوتين العلاقات الروسية – الإسرائيلية بأنها «فريدة» ومتّسمة بالثقة المتبادلة، مبدياً أمله في أن «حكومة بنيت ستواصل نهج سلفه بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية – الروسية، رغم (المعارك السياسية الداخلية) في الدولة العبرية». وقال بوتين: «كما تعلمون، نبذل جهوداً من أجل استعادة سلطة الدولة في سوريا، وهناك مسائل خلافية بيننا وعددها ليس قليلاً، غير أن هناك أيضاً نقاط تلاقٍ وفرصاً للتعاون، لا سيما فيما يخص المسائل المتعلقة بمحاربة الإرهاب، وبشكل عام ثمة الكثير من المسائل التي يمكن ويجب علينا مناقشتها».
وتطرق الرئيس الروسي إلى الروابط الاقتصادية والتجارية بين بلاده وإسرائيل، قائلاً إنها تتطور بنجاح على الرغم من أنها لا تزال متواضعة حتى الآن من حيث الحجم.
بدوره، شدد بنيت على أهمية العلاقات مع روسيا بالنسبة إلى بلده، مشيراً إلى أن بوتين خلال العقدين الماضيين قاد عملية تعزيز العلاقات بين الدولتين ونجح في ترقيتها إلى مستواها الحالي، واصفاً الرئيس الروسي بأنه «صديق قريب جداً وحقيقي لإسرائيل». وأبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي نيته مناقشة التطورات في سوريا و«الجهود المبذولة بغية وقف تطور برنامج إيران النووي» مع بوتين.
وكان بنيت قد مهّد للمحادثات قبل وصوله إلى سوتشي بتأكيد أن «العلاقات بين روسيا وإسرائيل هي حلقة وصل مهمة في السياسة الخارجية الإسرائيلية بسبب المكانة الدولية العالية للاتحاد الروسي ومكانته في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك بفضل مليون نسمة من الناطقين بالروسية في إسرائيل». وقالت مصادر دبلوماسية إسرائيلية في موسكو إن بنيت يسعى خلال مناقشاته الأولى مع بوتين إلى التركيز بالدرجة الأولى على الوضع في سوريا و«المشكلة الإيرانية» ليس فقط لجهة الطموحات النووية لإيران، ولكن لدور طهران في سوريا أيضاً ونيتها تثبيت موطئ قاد دائم على مقربة من الحدود مع إسرائيل.
ورأت المصادر أن بنيت يسعى للفت أنظار بوتين إلى أن «التهديد الرئيسي للاستقرار في المنطقة هو إيران».
وفي إطار الملف السوري أيضاً، لم تستبعد مصادر روسية أن يكون اللقاء مع بنيت حاسماً لجهة الاتفاق بشكل نهائي على تنظيم اجتماع لرؤساء مجالس الأمن القومي في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة مخصص لمناقشة الوضع في سوريا.
وكانت تل أبيب قد أعلنت عن التوصل إلى اتفاق أوّلي في هذا الشأن من دون تحديد موعد أو أجندة الحوار، لكنّ الجانب الروسي أبدى تحفظاً على الموضوع، وقال دبلوماسيون روس إن الأطراف لم تتفق بعد بشكل نهائي على ترتيب اللقاء.
ميدانياً، خرج المئات من أبناء محافظة دير الزور شرق سوريا أمس، في مظاهرات أُطلق عليها اسم «جمعة الرفض»، امتدت في عموم ريف المحافظة الشرقي الذي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) رفضاً لعبور القوات الروسية من مناطق ريف دير الزور الشرقي والتوجه إلى محافظة الرقة.
وقال محمد البكاري، من أبناء بلدة الحصان بريف دير الزور الغربي: «نرفض دخول أي عنصر من القوات الروسية الحليفة للنظام السوري والعبور من مناطق ريف دير الزور الغربي والتوجه إلى محافظة الرقة عبر خط الجزيرة».
في المقابل، واصل الجيش الروسي رعاية التسويات في ريف درعا الشرقي جنوب سوريا، إضافةً إلى مفاوضات مع تركيا لإيجاد تسوية وتطبيق اتفاق موسكو الموقّع بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في بداية العام الماضي.
وفي تل أبيب، اعتبرت مصادر أن اللقاء كان «حميماً ودافئاً وإيجابياً».
وأفاد بيان للناطق بلسان رئيس الوزراء بأن الرئاسة الروسية خصصت للقاء فقط ساعتين، وأن يكون لقاء شخصياً يقتصر على بوتين وبنيت، والمترجمين الإسرائيلي (وزير الإسكان، زئيف إلكين) والروسي، لكنه امتد إلى 5 ساعات، وتسبب ذلك في تغيير برنامج بنيت. فبدلاً من السفر إلى تل أبيب، كما كان مقرراً، مدّد إقامته في سوتشي حتى ختام اليوم (السبت).
وقال مسؤول إسرائيلي مطّلع في حاشية بنيت إن «هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول من اللقاء قد تحقق، وهو بناء علاقات وطيدة مع بوتين، تؤكد له أن تغيير رئيس الحكومة في إسرائيل لن يضرّ بالعلاقات والتعاون بين البلدين».
وقال: «في واشنطن حاول بنيت إعادة بناء ما هدمه سلفه (بنيامين نتنياهو) من جسور للثقة مع الإدارة الأميركية والحزب الديمقراطي. وهنا جاء بنيت ليحافظ على العلاقات الجيدة التي بناها نتنياهو مع الرئيس بوتين وأفادت المصالح الإسرائيلية، خصوصاً في سوريا».
وأضاف أن بنيت «حرص على نقل رسالة لبوتين مفادها أنه توجد للبلدين مصلحة مشتركة في العمل ضد الإرهاب المتطرّف الذي تعد إيران سنداً له وممولاً لأذرعه، وليس فقط في سوريا بل في كل دول المنطقة ويعد تهديداً لكل دول الشمال، بما فيها أوروبا».
————————–
=================
تحديث 24 تشرين الأول 2021
————————-
ماذا يطبخ من أجل سوريا في القدر الروسي-الأمريكي؟/ هيم تاشتكين
بينما تركز تركيا على إدلب، حيث قُتل ثلاثة من جنودها مؤخرًا، تدور مناقشة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها العسكري في سوريا أم لا، وبالتالي نراقب سلسلة من اللقاءات بين القوى اللاعبة. لكن يجب في الوقت الحالي أن تبدأ جميع التوقعات والتنبؤات المتعلقة بسوريا بجمل مشروطة.
في الوقت الذي تركز فيه تركيا على إدلب، تستعد الآن الولايات المتحدة لسحب قواتها القتالية من العراق بعد الانسحاب من أفغانستان. كما يدور نقاش حاليا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها العسكري في سوريا أم لا، ونرى سلسلة من اللقاءات في هذا الصدد أيضًا.
فقد زار قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) الجنرال كينيث ماكنزي روج آفا في 10 سبتمبر، والتقى هناك القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) مظلوم عبدي، مما يضيف بعدا جديدا إلى الاتصالات السياسية التي بدأت على مستوى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ونائب وزيرة الخارجية الأمريكية. وقد وجهت واشنطن دعوة إلى روج آفا من أجل هذه الغاية. ومن المقرر أن تسافر إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، إلى جانب ممثلين عرب وآشوريين في الإدارة الذاتية، إلى واشنطن بعد زيارة موسكو. ومن المرتقب أن يناقش هذا الوفد (الكردي السوري) القضية السورية مع “القيصر”، نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين ومبعوث الكرملين الخاص لسوريا ألكسندر لافرنتييف.
على الجانب الآخر، كان الممثل الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن في دمشق يوم 11 سبتمبر للتغلب على عنق الزجاجة في اللجنة الدستورية كجزء من عملية جنيف. وانتهى هذا الاجتماع في سوريا بشكل إيجابي، وتلاه لقاء في إسطنبول مع رئيس المجلس الوطني السوري سالم المصلط، ورئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة، علمًا أن فريق المعارضة في إسطنبول التقى بوزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو قبل يومين.
بعد ذلك، في 14 سبتمبر، حل الرئيس السوري بشار الأسد ضيفًا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين منتصف الليل. وقبل خمسة أيام حل وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ضيفا على نظيره الروسي سيرغي لافروف أيضًا.
كل هذا يتماشى مع اتصالات بريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع فيرشينين ولافرنتييف بعد قمة بوتين وبايدن في يونيو.
حسنًا، ما الجديد في هذا الازدحام؟
عندما ينظر المرء إلى تصريح الأسد الذي قال فيه إنه يفكر في “حل لامركزي”، يفهم أن القضية الكردية أصبحت الآن مسألة تفاوض على محور واشنطن وموسكو. بالطبع، لا تزال الشكوك قائمة، إذ لا توجد أرضية ثابتة للمفاوضات بين دمشق والأكراد.
وبحسب مصادر كردية ، فإن ماكنزي قال إن دعم قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش سيستمر، مما يشير إلى أن هناك قرارًا نهائيًا بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا أم لا.
وأضاف ماكنزي أن قوات سوريا الديمقراطية، التي قاومت داعش بشكل فعال، والجيش الأفغاني، الذي كان مشتتًا في مواجهة طالبان، ليسا متشابهين بأي حال من الأحوال. تأكيد ماكنزي على أن قوات سوريا الديمقراطية يمكنها مقاومة أي هجوم، كقوة منظمة، يؤدي إلى نتيجتين متناقضتين: أولاً، لا تتخلى الولايات المتحدة عن قوة موثوقة وثابتة. ثانيًا، نظرًا لأن لديها القدرة على الدفاع عن نفسها، يمكن للولايات المتحدة أيضًا الانسحاب من سوريا.
أيهما سيحدث في نهاية المطاف؟ هذا يعتمد على محتوى الاتفاقية بين روسيا والولايات المتحدة. فإذا كان هناك اتفاق يقدم شيئًا ما لصالح الأكراد (كالإدارة الذاتية)، فيجب النظر أولاً فيما إذا كان يستهدف منع توسع تركيا بعد انسحاب الولايات المتحدة في إطار عملية نبع السلام، التي تضم منطقتين، تشمل كوباني وعامودا والقامشلي والمالكية، أي من الفرات إلى دجلة. الوقوف في وجه التوسع التركي المحتمل يعتمد على الردع الروسي الأمريكي. وبعبارة أخرى، يعتمد على استمرار تأثير المكابح الذي يحد من عملية نبع السلام في تل أبيض (غري سبي) ورأس العين (سري كانيه). مثل هذا الإجماع (الأمريكي الروسي) يتطلب منطقياً تمهيد الطريق لاتفاق على الحكم الذاتي بين الإدارة الذاتية الكردية ودمشق. في الوقت الحالي، هناك اتصال بين الجانبين، لكن لا توجد مفاوضات ذات مغزى.
الكيان الكردي المتشكل بالأمر الواقع ليس الأمر الوحيد الذي سيشكل الاتفاق الروسي الأمريكي المحتمل. لذا يجب علينا أن نلقي نظرة على حركة المرور بين روسيا وإسرائيل والأردن. القضية الأساسية هنا هي عنصر الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية ووجود حزب الله اللبناني في سوريا. لقد رأينا منذ فترة طويلة أن روسيا لم تمنع إسرائيل من ضرب أهداف إيرانية في سوريا طالما بقيت كـ”عملية جراحية”. علاوة على ذلك، أكدت روسيا أنه لن يكون هناك عناصر من حزب الله الإيراني في القنيطرة ودرعا المتاخمتين للحدود الأردنية. وقد توصلت روسيا إلى اتفاق جديد مع المعارضة بعد ثلاث سنوات لإنهاء إمكانية حدوث تمرد مسلح على الجبهة الجنوبية. في هذا الإطار، دخلت الشرطة العسكرية الروسية والقوات الحكومية قبل يومين أحياء درعا المضطربة. وستتم العملية من خلال خيارين: تسليم السلاح وإخراج المقاومين. لماذا هذا مهم؟ إذا كانت روسيا تطمئن الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد يكون هناك سلام وهدوء على الجبهة الجنوبية. بعد ذلك، يمكن للأطراف التركيز على شرق الفرات وإدلب.
لا يعتمد هذا النوع من المسار على المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل فحسب، بل يعتمد أيضًا على كيفية تحقيق توازن في مثلث دمشق – طهران – موسكو. يجب إجبار إيران على التراجع وضمان أمن إسرائيل. من الواضح أن هذين الشرطين يمثلان عتبة حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة، وهذان الشرطان ضروريان لترك الصراع وراءنا والانتقال إلى المصالحة الوطنية وخطط إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
يرتبط دعم الولايات المتحدة للأكراد أو الوجود الأمريكي في الميدان بهذه النتائج إلى حد كبير. قال لافروف أثناء استضافته لبيد إنهم ناقشوا أمن إسرائيل في عملية السلام السورية: “نحن نعارض تحويل البلاد إلى ساحة صراع بين دول أخرى، وفي هذا الصدد، لا نريد استخدام الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل أو أي بلد آخر”. بهذا النهج، تضع روسيا نفسها كقوة لكبح جماح إيران وتمهيد الطريق للحوار.
مستقبل محادثات جنيف للسلام بشأن سوريا يقع في الطرف المقابل من الحوار الروسي الأمريكي. هنا، يصبح من المهم كيفية التفاوض مع تركيا، التي يمكن أن تفرض شروطها الخاصة بسبب وجودها العسكري في الميدان، والميليشيات التي دعمتها، والمعارضة المتمركزة في إسطنبول. على الرغم من أن الولايات المتحدة أغضبت أنقرة من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، إلا أنها تتخذ أيضًا خيارات معينة من شأنها أن ترضي تركيا. حيث إن واشنطن دعمت العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في الجانب العراقي. على الرغم من أن واشنطن الضامنة لاتفاق 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019 الذي أوقف عملية نبع السلام في سوريا، إلا أن هذا الاتفاق لم يوقف الهجمات التركية من تل أبيض ورأس العين باتجاه عين عيسى وتل تمر. وواشنطن لا تعترض على ضربات الطائرات بدون طيار. على الرغم من الانتقادات التي تقول إن الجانب السياسي من التعاون الكردي مفقود، إلا أن واشنطن لا تطلق أي مبادرة مرضية، ولا تقدم أي التزام لمستقبل الحكم الذاتي للأكراد، كما أنها لا تستخدم نفوذها لإشراك الأكراد في عملية السلام في جنيف. ومع ذلك، تأخذ الإدارة الأمريكية في الاعتبار الحساسية في الكونجرس الأمريكي والرأي العام الأمريكي فيما يتعلق بترك الأكراد تحت رحمة تركيا، من جانب، ولا تريد الإساءة إلى شريكها في الناتو من جانب آخر. فهي تحصر إطار الشراكة في محاربة داعش ولا تضيف بعدًا سياسيًا لعلاقتها مع الأكراد. كما أنه لا يقدم أي التزامات لضمان مستقبل الحكم الذاتي. وبالتالي، فإنه يترك خياراته مفتوحة حتى يتمكن من فعل ما يريده.
لكن في الظروف العادية، فإن روسيا أقرب إلى فكرة الحكم الذاتي للأكراد من الأمريكيين. ليست التهديدات الأمريكية هي التي ستدفع دمشق إلى الاقتراب من هذه الفكرة، بل التشجيع الروسي. هنا أيضًا، تظل علاقات المصالح التركية الروسية عاملاً معطلاً، مع أن تركيا طرف فاعل يجب على روسيا أيضًا أن تأخذها في الحسبان.
بالنسبة لروسيا، يوفر الوجود العسكري التركي استخدامًا متعدد الأبعاد للفرص، لكنه عقبة أكثر خطورة أمام ترسيخ وحدة سوريا من التشكيل الكردي في شرق الفرات. وتعتقد روسيا أن دفع عملية جنيف للسلام سيكون مرحلة في تسوية هذا المأزق.
رسائل بوتين إلى الأسد كانت مهمة من ناحيتين، حيث أكد أنه تم “تحرير الغالبية العظمى من الأراضي السورية من خلال الجهود الروسية السورية المشتركة”، وأن “الإرهابيين تكبدوا خسائر فادحة تسيطر الحكومة السورية تحت قيادته على 90 في المائة من الأراضي”، مما يعني أنه افتراض أن شرق الفرات كان تحت سيطرة الحكومة السورية، واعتبر أن الولايات المتحدة وتركيا “قوى أجنبية تفتقر إلى دعوة الحكومة وسلطة الأمم المتحدة”.
في غضون ذلك، يمكننا أن نرى تحركات معينة في إدلب لمحاصرة أنقرة. الجزء الثاني من رسالة بوتين موجه للأسد، حيث قال: “أعلم أنك فعلت الكثير، بما في ذلك الحوار مع خصومك السياسيين”.
وطالب بوتين الأسد بأن يعطي الضوء الأخضر لأشياء أراد أن تحدث. فمثلا زيارة مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير و. بيدرسن إلى دمشق أصبحت ممكنة فقط بعد أن همس الروس بشيء في أذن الأسد.
في الوقت الحالي، يجب أن تبدأ كل التوقعات والتنبؤات المتعلقة بسوريا بجمل شرطية. الولايات المتحدة لديها مسار استراتيجي للحد من عبء العمل في الشرق الأوسط. الاتصالات الروسية الأمريكية تخلق أجندة إيجابية ومقنعة. وإعادة إجراء المحادثات النووية مع إيران كاملا يمكن أن تحدث تغييرات ضخمة.
إن الاتفاق في درعا، وخطة نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا بالمخالفة لقانون قيصر، ورسو السفن النفطية الإيرانية في ميناء طرطوس لسوريا ولبنان، وحركة الاجتماعات التي ذكرتها في بداية المقال.. كلها تشير إلى أن إدارة بايدن تحاول شيئًا مختلفًا وعلينا الانتظار لمزيد من الوقت حتى تتبلور ملامح حركة المرور التي تدور حول سوريا.
صحيفة دوفار
———————————–
إدلب.. كلام على المذبح/ علي حميدي
بدايات القرن العشرين، تصير الجغرافيا الهائلة عبئا على أصحابها، وكأنها الثوب الأبيض وقد اهترأت منه الأطراف وامتلأ بالرقع.
حرب، حربان.. وتنفض الدول التي كانت كبرى عن كاهلها التاريخ والأقاليم، وتصير الدول. نتقاسم الجغرافيا والتاريخ ونحمل لعناتهما.
في مثلث لا بحري ولا سهلي وجبلي، عند ملتقى الروم بالعرب القدماء والجدد، ملتقى السهل بالجبل بالساحل تقع إدلب، محافظة حديثة واسم قديم، صار اليوم أرض الويل، وكأن كل معاني الكلمة في المعاجم تمحى وتبقى معانٍ عن الموت، الصبر، الحظ العاثر والخيبات الممتدة، أرض تحاصرها الأوهام والبنادق والجدران الإسمنتية.
أكبر من سجن وأصغر من وطن، أضيق من حلم بالحرية.
لم يرسم أهلها الحدود وتعايشوا معها، فتحوا أبوابهم لكل طارق ونائبة، وزرعوا أرضهم خياما وأحلاما. لا يعرف الأطفال هناك شكل خريطتهم، وهي تبدو كأنها تسيل من علٍ، معلقة بالشريط الشمالي محملة بهمومه وأولوياته وخططه.
لا يعرف الأطفال رسم خريطة أرضهم الملونة على الورق بالأخضر والأسود والأحمر، كراية ليست لأحد، تبرأ منها الجميع وبقيت وحيدة، تُحمل إدلب خريطة على ورق إلى أستانا منذ أعوام لتغييرها، وتحمل من قريب إلى القوقاز كما حملت بالأمس إلى شمال أفريقيا.
هي مكان بلا ملامح، لم يعد يعرفها أحد، تسيل فيها الحدود والمحددات ويتجمد الزمن الصعب فيها بين ترقب الموت اختناقا أو قتلا وربما قهرا وكمدا..
ماذا فعل من في إدلب ليُتركوا.. ملايين من القلوب تخفق خوفا من السماء والأرض وأخيرا من الهواء، محاصرين بين موت داهم بالكورونا يخنقهم في الخيمة المتعبة أو في بقايا البيت والمشفى ويأتيهم من كل مكان، وموت آخر يتهددهم.
تحاصرهم القوات والمدافع جنوبا تدفعهم للأعلى تعصرهم في مثلث السلام المستحيل بين هواجس المدافعين عن أمنهم القومي والباحثين عن أدوار أكبر والمُعبَّئِين بالحقد وجرحى الكرامة الزائفة.
إدلب وكأن لا أحد يعرفها ولا يعترف بها إلا من خلال ما يمكن أن يكون ثمنها فيما لو فتح بازار ما، لم يبقَ للروس سواها خطوة أخيرة ليثبتوا أنهم القادرون على سحق أي تمرد في العالم لا يعجبهم كما تفعل الولايات المتحدة.
لم يبق لتركيا سوى إدلب لتكون خندقا متقدما ضد الزاحفين إلى الأعلى بعد أن حصنت شريطها الحدودي الجنوبي ببقايا مهزومين وطامحين، أما إيران فجوع الحرب وقطعان الميليشيات المفترسة المحشوة بالأيديولوجيا يدفعها لأي معركة. نظام الأسد المجرد من كل قيمة لا يبالي بسحق من تبقى يعارضه وهم كثر لكنهم جميعا الآن في إدلب.
ماذا فعل الناس هناك للناس، من جبل الزاوية إلى الأربعين وجبال الأعلى وتلك القرى المتناثرة كشقائق النعمان في سهلي الغاب والروج، وريف نهر العاصي؟.. تراهم بعد أي غارة أو قذيفة وقد زهدوا بالصبر وبالحياة وملّوا الموت، يقفون أمام موتهم مذهولين
من دون حيلة يخرجون من تحت الركام الباقي يتبادلون الصمت والنزيف، ينفضّون إلى بقية حياتهم ناقصين ولداً أو أباً أو أماً..
يرفع الرجل رأسه إلى السماء ينشد فرجاً بعد أن عجزت فعلاً حلول الأرض.
زائرهم الحالي كان ثقيلا على الكوكب بأسره، فكيف يمر في إدلب خفيفا.. الشهادات الواردة من هناك حول ما يفعله فيروس كورونا بالبشر مرعبة! من يهتم لذلك؟ من يهتم أن إدلب وأهلها يختنقون من دون حتى أن يجدوا من يذكرهم في عدّاد الموتى كأنهم لا شيء. من يعلم أنهم حقا لا يطلبون من أحد أن يسمع بهم.. “لا تنقذوا أرواحنا من الاختناق لتقتلونا بالرصاص أو بالفاجعة”.
قد يبدو كل ما سبق كلاماً عاطفياً بحق المدينة المنكوبة، كلاماً عاطفياً لإدلب على المذبح، لكن لا بد منه لبناء سردية وحفظها للمدينة الوطن، في ظل سيل من الكلام عنها وعن المستقبل والقادم. لا بد أن نحكي القصة بلسان أهلها، هم يحتاجون إلى ذلك ونحن نحتاج إليه، علينا أن نشاركهم ما هم فيه وأن نشاركهم الحقيقة .
الحقيقة أننا فعلا لا نعرف ماذا ستحمل الأيام المقبلة ولا نملك شيئا لفعله، حتى وإن عجنا الاحتمالات والتحليلات لا نملك الأجوبة ولا نملك تغيير شيء. نحن نكتب المراثي فقط، لأننا لسنا شركاء في صنع القادم، هذه هي الحقيقة.
النهار العربي
————————————-
نحو عملية عسكرية تركية جديدة/ محمد نورالدين
قد تكون الساحة السورية مرشحة لانفجار عسكري في أية لحظة، فالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، كان صرّح قبل أيام قليلة بأن صبره قد نفد، ولم يعد بإمكان تركيا التحمل من جراء تواجد قوات الحماية الكردية في مناطق في شمال سوريا.
ويبدو الموقف التركي غريباً بعض الشيء، باعتبار أنه لا توجد مستجدات داهمة تضغط في اتجاه تحضير تركيا لعملية عسكرية، محدودة أو واسعة. وإطلاق بعض الصواريخ، أو القذائف، من وقت لآخر من جانب الأكراد أو القوات السورية بات أمراً روتينياً، وإن بوتيرة متباعدة.
وإذا كانت جبهة إدلب مرشحة للانفجار بين الجيش السوري مدعوماً بالطائرات الروسية، والجيش التركي الداعم للمسلحين هناك، فإن الأنظار تحولت فجأة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات كردية، مثل تل رفعت ومنبج في غربي الفرات، وعين عيسى والحسكة أو دير الزور في شرقي الفرات.
وتركز وسائل الإعلام التركية، وغيرها، على احتمال حدوث تصعيد تركي على منطقة تل رفعت من أجل ربطها بمناطق درع الفرات وعفرين وإدلب لتصبح كتلة جغرافية متماسكة، وتوفر مزيداً من الضغوط على شمال مدينة حلب. كما أن القوات التركية تضع نصب عينيها منطقة منبج حتى لا يبقى كردي واحد غربي الفرات. أيضاً، فإن منطقة عين عيسى القريبة في شرقي الفرات هي أحد الأهداف التركية، إضافة لمناطق أخرى.
والتوتر الذي بدأ يظهر منذ أكثر من شهر منطلقه الأساسي الضغط السوري – الروسي على تركيا لتنفذ اتفاق 5 مارس/ آذار 2020 الذي يتضمن فتح طريق «إم 4» بين حلب واللاذقية والحيوي للاقتصاد السوري، لكن تركيا لم تف بتعهداتها وبقي الطريق مغلقاً. وكانت الأنظار متجهة للقاء سوتشي بين الرئيسين التركي أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، لكن على ما يبدو، فإن اللقاء انتهى إلى عدم الاتفاق على فتح الطريق، وعدم موافقة بوتين على عملية عسكرية تركية في تل رفعت.
اليوم تعود تركيا لتسخين الجبهة تدفعها عوامل متعددة. منها أن أردوغان قد يكون في طريقه للموافقة على فتح طريق «إم 4»، وإبعاد المسلحين عنه، على أن ينال مكافأة على ذلك احتلال إما تل رفعت، وإما منبج، وإما عين عيسى، وإما عملية في الشرق البعيد للفرات، فلا يظهر انسحابه من جانبي طريق «إم 4» والعديد من نقاط تمركز الجيش التركي على أنه تراجع.
لكن أيضاً، فإن ظروفاً متعددة تضغط على أردوغان ليقوم بعملية عسكرية أينما كان من أجل مواجهة هذه الضغوط.
ويأتي الوضع الاقتصادي واحداً من هذه العوامل، حيث تتراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار بصورة دراماتيكية، بحيث تجاوز سعر صرف الدولار الواحد أكثر من تسع ليرات، في طريقه إلى العشر ليرات، وما يعنيه ذلك من تدهور للقيمة الشرائية لمال الأتراك.
كذلك، فإن استطلاعات الرأي تعكس تراجعات كبيرة لحزب «العدالة والتنمية»، وشريكه «حزب الحركة القومية»، بحيث تنزل النسبة التي قد يحصل عليها أردوغان إلى أقل من ثلاثين في المئة، ولا يتجاوز مجموع أصوات حزبه والحركة القومية ال35 في المئة. ولذلك، فإن عملية عسكرية، في تل رفعت أو منبج أو عين عيسى، سوف تشكل حاجة ماسة لأردوغان، وتعيد تعويمه وحزبه، فيخرج على الرأي العام بمظهر البطل الوطني كما حصل في ليبيا، وفي أذربيجان.
لكن التساؤل الذي يبرز في خضم كل هذه المعمعة، هو حول الموقف الروسي، وما إذا كان يوافق على مثل هذه العملية التركية التي لا يمكن أن تحصل من دون موافقة روسية، حيث إن المجال الجوي في تل رفعت ومنبج مثلاً، هو تحت السيطرة الحصرية لروسيا، ولا يمكن لعملية عسكرية تركية أن تتم براً فقط، بل تحتاج حتماً إلى تغطية من الطيران التركي. وفي انتظار ما ستكون عليه حسابات الأفرقاء، فإن كل الاحتمالات واردة
الخليج
———————————-
بينيت: الروس جيراننا في سوريا ومن المهم أن ندير الوضع من دون وقوع حوادث
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إنه ناقش خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوضع في سوريا، مضيفاً أن “الروس هم جيراننا في الشمال (سوريا) ومن المهم أن ندير الوضع هناك من دون وقوع حوادث”.
جاء ذلك في كلمة خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية، الذي يأتي بعد ساعات من عودة بينيت من منتجع سوتشي الروسي حيث التقى بوتين الجمعة، بحسب قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية.
وأكد بينيت أنه “توصل مع الرئيس الروسي إلى تفاهمات جيدة ومستقرة بشأن سوريا”، من دون تفاصيل أكثر.
وقال “ناقشنا الوضع في سوريا بالطبع، وبطريقة ما الروس هم جيراننا في الشمال (سوريا)، ومن المهم أن ندير الوضع الدقيق والمعقد هناك بسلاسة ومن دون وقوع حوادث”.
وأضاف رئيس وزراء إسرائيل “وجدت لدى الرئيس بوتين أذنا مصغية لاحتياجات إسرائيل الأمنية، كما ناقشنا البرنامج النووي الإيراني المتقدم، الذي يثير قلق الجميع”.
ومن وقت لآخر تشن إسرائيل هجمات جوية على مواقع للنظام وأخرى تابعة للقوات الإيرانية في محافظات سورية عدة.
وكان وزير البناء الإسرائيلي زئيف إلكين، الذي يتحدث الروسية وكان مترجماً لبينيت خلال محادثاته مع بوتين، صرح الجمعة بأن بينيت وبوتين توصلا إلى تفاهمات بشأن مواصلة السياسة (الإسرائيلية الروسية) الحالية بشأن سوريا.
وفي حديث مع الصحفيين قال إلكين إن “القضية الرئيسية هي خلق استمرارية بين إسرائيل وروسيا”. مضيفاً أنه “كان هناك حديث ضخم حول القضايا الاستراتيجية (..)، بما في ذلك حوار واسع للغاية حول الوضع في سوريا مع الحفاظ على آلية التنسيق”، وفق ما نقلت قناة “كان” الإسرائيلية.
وذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أن “بوتين طالب بينيت خلال الاجتماع في سوتشي بأن “تحسن إسرائيل الإخطارات التي ترسلها إلى موسكو بشأن أنشطتها في الأراضي السورية، وأن تكون أكثر دقة في ذلك”.
وأوضحت الصحيفة أن “الاثنين ناقشا تموضع إيران في سوريا وجهود إسرائيل لإبعادها عن الحدود قدر الإمكان”، معتبرةً أن “الفجوات بين موسكو وتل أبيب فيما يتعلق بالنشاط الإسرائيلي في سوريا صغيرة”.
————————-
إدلب والخيط الرفيع بين موسكو وأنقرة/ سامر إلياس
كثر الحديث مؤخراً، بعد القمة التي جمعت بين الرئيسين الروسي والتركي في سوتشي نهاية الشهر الماضي، عن اقتراب معركة واسعة يُحضر لها نظام الأسد وحلفاؤه بدعم روسي لحسم مصير محافظة إدلب. وترافق ذلك مع عودة التصعيد بغارات للطيران الروسي، بعد توقف لخمسة أيام، وقصف قوات النظام بالمدفعية والصواريخ مناطق في ريف إدلب. مع توارد أنباء عن وصول تعزيزات لقوات النظام إلى المحاور الشرقية لمدينة إدلب.
الجديد في الأمر ليس التصعيد بحد ذاته، إنما ربطه بنتائج قمة بوتين وأردوغان في سوتشي، فالتصعيد مستمر منذ عدة أشهر وكذلك الحشود، علماً بأن المباحثات في القمة اقتصرت على الرئيسين، وسط تكتم رأى فيه محللون دليلاً على حساسيتها.
وربما بُنيت بعض التحليلات على عدم إجراء بوتين وأردوغان مؤتمراً صحفياً مشتركاً، رغم وصف أردوغان للقمة بأنها كانت مثمرة، وإعلانه أنه حدَّد مع بوتين “خريطة طريق سيعتمد عليها وزراء دفاع وخارجية البلدين”، حسب ما نقله التلفزيون الرسمي التركي. وفي المقابل أكد الكرملين في بيان صدر عنه بعد انتهاء القمة أن “بوتين وأردوغان اتفقا على الالتزام بكافة الاتفاقيات المبرمة حول محافظة إدلب السورية”. لكن تشديد بيان الكرملين على ما سماه “ضرورة طرد المجموعات الإرهابية التي لا تزال موجودة في إدلب”، فُسر من قبل بعض المحللين كإشارة على احتمال تحرك عسكري.
بالاستناد إلى تجارب السنوات الماضية، لا يمكن استبعاد ارتفاع حدة التصعيد، أو وقوع معارك ذات طابع تكتيكي، غير أن الحديث عن معركة شاملة للسيطرة على إدلب يَفترِض أن روسيا قد حسمت أمرها، بما في ذلك حساب التكلفة التي ستدفعها جراء ذلك في علاقاتها مع تركيا، بالإضافة إلى ردّ فعل دول الاتحاد الأوروبي التي ستكون في مواجهة موجات لجوء كبيرة، فعدد سكان محافظة إدلب أكثر من 4 ملايين نسمة، نصفهم مهجرون من محافظات أخرى، فراراً من مجازر النظام وحلفائه والقصف الروسي، أو بعمليات تهجير قسري. ناهيك عن أن روسيا ستتحمل، بشكل أو بآخر، مسؤولية سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين إذا ما حاولت قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتحالفة معها اقتحام إدلب، فهذا غير ممكن إلا بضوء أخضر وإسناد روسي.
قراءة مغايرة، للتحليلات التي تحذر من معركة في إدلب، يقدِّمها محللون عسكريون وسياسيون روس، ترجح بقاء الوضع القائم في محافظة إدلب على ما هو عليه، وحسب مقالة نشرها ستانيسلاف إيفانوف، في “كوريير” للصناعات العسكرية الروسية، “تمكن أردوغان هذه المرَّة أيضا من إقناع بوتين بأن تصعيد الصراع المسلح في إدلب وما حولها لا يلبي مصالح روسيا”. وحسب مصادر مقربة من الخارجية الروسية، تدرك دوائر صنع القرار في موسكو أنه حتى لو انسحبت القوات التركية والأميركية من سوريا فليس مضموناً أن يتمكن النظام من بسط سيطرته، ولن يكون هناك حل إلا بتسوية سياسية شاملة على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
كما أن أي هجوم واسع على إدلب سيقوض “مسار أستانا”، الذي لطالما اعتبرته روسيا إنجازاً مهماً لدبلوماسيتها، كبديل لـ”مسار جنيف” تحت مظلة الأمم المتحدة، وإن كانت موسكو تقدم مسارها كرافد ومكمل لجهود المنظمة الدولية.
ومن شأن هذا أيضاً أن يدفع أنقرة للتقارب مع واشنطن والسعي لجسر هوة الخلافات معها، في حين تراهن موسكو على توظيف تلك الخلافات لاستمالة أنقرة إلى جانبها في العديد من الملفات تتعدى الملف السوري. منها على سبيل المثال لا الحصر النفوذ التركي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، وخاصة النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، والملف الليبي، والبحر الأسود، ومنطقة البلقان والأزمة الأوكرانية. ولفت رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية والمدير العلمي لنادي فالداي، فيودور لوكيانوف، إلى أن “حدة خطاب البيت الأبيض تجاه تركيا خفت بشكل ملحوظ مؤخراً”. وأضاف: “ويلمّح الزعيم التركي أردوغان بوضوح إلى أنه، من ناحية، مستقل ويفعل ما يراه ضروريا، لكنه في الوقت نفسه يرى أن من الضروري الحفاظ على علاقات التحالف مع الولايات المتحدة وتقويتها”.
ومن الواضح أن الدور التركي في الملف السوري، بصرف النظر عن الخلافات في الرؤى والأهداف بين موسكو وأنقرة، مهم وضروري لروسيا لكونه يوازن الدور الإيراني، الذي لا يقل إشكالية عن الدور التركي من وجهة النظر موسكو، التي تخوض حرباً مستترة مع طهران حول النفوذ والمنافع في سوريا، والإمساك بناصية نظام الأسد. ووفقاً لمحللين سياسيين روس، في أي تسوية شاملة للملف السوري ستكون إيران هي العقبة الكبرى، لأنها تعتبر سوريا الركيزة الأساسية لمشروعها المسمى بـ(الهلال الشيعي).
وعلى ضوء التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، بقيادة الولايات المتحدة، من مصلحة روسيا الحفاظ على علاقات دافئة في تركيا، حيث تقدِّم الدبلوماسية الروسية العلاقات مع أنقرة كنموذج ناجح يمكن البناء عليه في علاقات روسيا ودول الناتو، انطلاقاً من أن تركيا إحدى الدول المهمة في الحلف.
أخيراً وليس آخراً؛ فإن العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا، والتعاون في مجال الطاقة ومنها الكهروذرية، ونقل الغاز ليست أقل أهمية من العلاقات السياسية، وتعد ضمانة لكلا الطرفين، ما يملي على موسكو أن تأخذها بعين الاعتبار في حساباتها لكلفة أي معركة شاملة في إدلب، من المرجح أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيش التركي وجيش نظام الأسد، ولن تستطيع روسيا التنصل من مسؤولياتها إزاء نشوبها، فالكل يدرك أن نظام الأسد لن يقدم على هذه الخطوة دون غطاء سياسي ودعم وإسناد عسكري روسي مباشر. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من التحليلات الروسية أكدت، خلال السنوات الأخيرة، أن الروابط الاقتصادية، والعلاقة التجارية الثنائية، ساهمت في الحدّ من الاندفاع التركي نحو مواجهة التدخل العسكري الروسي في سوريا، لكن المعادلة قد تتغير عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي التركي، خاصة أن تركيا هي الطرف الأكثر قدرة على إغراق روسيا في مستنقع أفغاني جديد إن أرادت ذلك، نظرا لأنها تمتلك أكثر من 900 كيلومتر من الحدود مع سوريا بعضها قريب جدا من قاعدة حميميم، وتستطيع تزويد الجيش الوطني والفصائل القريبة منها بأسلحة تصعب مهمة الروس والنظام.
يستنتج مما سبق أن إدلب بمثابة خيط رفيع تسير عليه العلاقات بين موسكو وأنقرة، والسير عليه بتوازن يقتضي احترام كل طرف لمصالح الطرف الآخر وعدم استفزازه بدرجة كبيرة. ولا شك في أن أي معركة شاملة في إدلب ستكون امتحاناً قاسياً للعلاقات الروسية التركية، ستمتد آثارها لفترة طويلة، وتتعدى الملف السوري.
والأقرب إلى منطق الأمور تقديم تنازلات تكتيكية متبادلة لخفض التصعيد، وبالعودة إلى بيان الخارجية الروسية حول الزيارة الأخيرة لأردوغان، يكفي موسكو استعداد تركيا لاتخاذ خطوات عملية لـ “طرد المجموعات الإرهابية التي لا تزال موجودة في إدلب”، والجملة الأخيرة بين معترضتين وردت حرفياً في البيان الروسي. وبالطبع الخطوات التركية لن تكون مجانية، والثمن في سوريا موجود في شمال شرقها، وفحواه مراعاة مصالح تركيا الأمنية وعدم تجاوزها باتفاقات ثنائية بين روسيا والولايات المتحدة في حال قررت الأخيرة الانسحاب من شمال شرقي سوريا.
—————————-
لأيهما الأولويّة في روسيا: القِيم أو البراغماتية؟/ /راغدة درغام
القِيم values وحدها، وليس الثورات والانتفاضات، هي الوسيلة للخروج من الأزمات، يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شارحاً رؤيته لكيفيّة مواجهة الصدمات والتأقلم مع التغيير. إنما عند التدقيق في تناوله التحدّيات التي تواجه روسيا وطموحاتها، تتعثّر القِيم في عراقيل البراغماتية. فهذا رجل مقتنع بأن روسيا اليوم أفضل من روسيا البلشفية وهو يقدّم نفسه قائداً يتأبّط شعار Healthy Conservatism -التقليدية المحافظة الصحيّة- غير الخائف من التغيير، الذي ينبذ التطرّف، ويحسن التموضع عالمياً. لا يعجبه الطرح الداعي الى إيجاد حلول عالمية للمشاكل العالمية لأن ذلك يتطلّب التضحية ببعض السيادة.
وفلاديمير بوتين متعلّق بمبدأ السيادة شرط أن يكون وفق تفسيره له في زمان ومكان تطبيقه.
إحدى مشاكل روسيا هي أنها دولة ضخمة تبحث عن موقعٍ لها بين عمالقة – عمالقة الأمس وعمالقة اليوم. وفي رأي النخبة السياسية الروسية أن الاتحاد الروسي ليس أخاً صغيراً للعملاق الصيني مثلاً، وهي لا تنظر الى روسيا بأقل من مرتبة الإمبراطورية. هذه النخبة تُبحر بين الغضب العارم من الغرب، بالذات أوروبا، وبين الحيرة من أمر روسيا مع الولايات المتحدة ونوعيّة علاقاتها المستقبلية معها في زمن توازن العلاقات الرباعية بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا. جيرتها المباشرة تقلقها. عنفوانها يكبّلها. اقتصادها يحرجها. فروسيا تبحث عن روسيا. كهوية، وكقوة عالمية، وكفاعل في مشهد الجغرافيا – السياسية، روسيا تبحث عن روسيا وقد تكون قرّرت، لربما مرحليّاً، أن مقام روسيا اليوم يكمن في أنها إمبراطورية رقمية لا ليبرالية، illiberal digital empire أقلّه من وجهة نظر النخبة السياسية.
كان لي شرف المشاركة مرّة أخرى في فعاليات المؤتمر السنوي الـ18 لمنتدى فالداي الدولي Valdai للنقاش في سوتشي الذي يحضره سنوياً الرئيس بوتين ويختتمه بجلسة تحاورية مع المشاركين في المؤتمر تدوم تقليدياً لأكثر من ثلاث ساعات. وكعادته، يطرح مؤتمر فالداي عناوين مهمّة تعكس الأولويات الروسية فكان عنوان هذه السنة “الاضطراب العالمي في القرن الـ21: الفرد، القِيم، والدولة”.
كان لافتاً غياب مسائل الشرق الأوسط وكذلك ضآلة عدد المدعوين من الشرق الأوسط، وأتى ذلك كمؤشر على موقع المنطقة في سلّم الأولويات الروسية. فما يجول في بال روسيا هو درس خياراتها الاستراتيجية البعيدة المدى ونوعية تحالفاتها المرحلية والدائمة لصيانة موقعها ومصالحها كدولة تبقى عظمى، في نظر روسيا.
خلاصة ما خرجتُ به من انطباع نتيجة الاستماع الى خبراء مخضرمين في جلسات جانبية خاصة سويّاً مع قراءة ما طُرِحَ في الجلسات العامة، هي أن أمام روسيا خيارات تحالفية صعبة ومعقّدة.
فخيار التحالف ما بين الصين وروسيا فيه مغامرة لأسبابٍ تتعلّق بالجغرافيا، كما بالمكوّن السكّاني، كما بالاقتصاد. مثل هذا التحالف وارد وممكن أن يكون مفيداً على المدى القريب. أما على المدى البعيد، فإن الصين ستبتلع روسيا في العلاقة التحالفية. ومهما كابرت النخبة السياسية الروسية واحتجّت على وصف الاتحاد الروسي بأنه سيكون الأخ الصغير للصين، فإن هذا التصوّر أكثر واقعية من حنين هذه النخبة الى الإمبراطورية.
خيار التحالف الروسي – الأوروبي مفخّخ بالمشاكل الناتجة من القِيم السياسية المتفاوتة بين الاثنين، أي الديموقراطية التي تتبناها الدول الأوروبية. فهي تصرّ على احترام حقوق الإنسان وهذا في رأي روسيا وسيلة للتدخل في شؤونها الداخلية. ثم إن روسيا لا تزعم أنها تتبنّى قيِم الديموقراطية بتعريفها الغربي. فالاختلافات جديّة وهي مصدر توتّر حالياً، ودائم في علاقات روسيا مع الدول الغربية.
إنما روسيا جزء من الثقافة الأوروبية وبينهما علاقات تاريخية، وبالتالي هناك أسس لعلاقات تحالفية منطقيّاً لو لم يكن الأمر معقّداً نتيجة التحالف القويّ بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
وهنا يدخل خيار شبه مستحيل هو خيار إنشاء علاقة تحالفية بين الولايات المتحدة وروسيا. “التهادنية الروسية – الأميركية لم تنجح يوماً لأن الأميركيين لا ينظرون إلينا كشريك على قدم المساواة” يقول أحد الخبراء المخضرمين مستبعداً أي تطوّر نوعي في العلاقات الأميركية – الروسية لا الآن، ولا لاحقاً.
يبقى هناك إذاً إمكان، في تفكير أوساط روسية، يصفه هذا الخبير بأنه “إمكان خلق التوازن equilibrium بين تحالفٍ روسي – صيني وتحالف روسي – أوروبي”.
فالصين وروسيا تتعاونان معاً في آسيا الوسطى الفائقة الأهمية لكلاهما، وفي الشرق الأوسط الأقل أهمية. الصين تقدّم المال وروسيا تقدّم الأمن عبر تواجد روسي عسكري كبير، مباشر في القواعد وعبر مرتزقة، في دول آسيا الوسطى التي تُقلق روسيا كثيراً – بل تضاعف القلق منها بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان. من طاجيكستان الى تركمانستان وفي مختلف بقع القوقاز، إن الأولوية الروسية هي الاستقرار بالمفهوم الروسي – أي الاستقرار السياسي والاستقرار الايديولوجي. بمعنى، أن روسيا تخشى كثيراً ذلك الكمّ من المهاجرين من دول آسيا الوسطى الى عقر الدار الروسية وفي قلوب الكثير منهم “القاعدة” و”داعش” أي أيديولوجية الإسلام المتطرّف الذي يضع شبح الإرهاب في بطن روسيا.
فالانسحاب الأميركي من أفغانستان بعثَر الاستراتيجية الروسية، وهناك في روسيا من يعتقد أن تبعثر الانسحاب وعشوائيته كان مقصوداً لتوريط روسيا والصين في المقبرة الأفغانية. المهم أن روسيا وجدت نفسها مرةً أخرى في قلب المسألة الأفغانية وهي تعمل على إدارة الأزمة لاحتواء اندلاع الإرهاب اليها عبر الدول الآسيوية الأوسطية.
ثم هناك العلاقات مع تركيا وإيران ولهما أدوار في تلك المنطقة. كان لافتاً ما قاله أحد المشاركين في فالداي – سوتشي حول “العمق العميق” للعلاقات الروسية – التركية التجارية الذي لا توازيه سوى العلاقات الروسية التجارية مع إسرائيل. ظاهرياً، وسياسياً، هناك ظن بأن العلاقات الروسية – الإيرانية هي التي يمكن وصفها بالعمق العميق.
“العلاقات الروسية – الإيرانية مختلفة إذ ليس بيننا علاقات اقتصادية عميقة، ولا بيننا علاقات تاريخية عميقة، ولا هناك ما يربطنا بهم ثقافياً، أو عقائدياً”، قال أحد المخضرمين في العلاقات الروسية الخارجية. وأضاف: “فإيران هي مجرد شريك سياسي أحسن الأداء في سوريا. أما روسيا وتركيا، فالشبه بينهما على أكثر من صعيد من النزعة الإمبراطورية الى النزعة الفردية personalism في الحكم”، في إشارة الى سيطرة كل من فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان على مفاصل السلطة من منطلق الفرد الذي يملك وحده مفاتيح الحكم والقرار.
ما ستحاول روسيا أن تخلقه هو نوع من شبكة التحالفات العملية pragmatic الإقليمية على نسق عملية “آستانا” التي ضمت روسيا وتركيا وإيران للعمل معاً في سوريا.
حالياً، ترتفع وتيرة الغضب الروسي من ألمانيا وفرنسا لأسباب مختلفة، معظمها يدخل في الخانة الاقتصادية، من الغاز الى العقوبات. لكن لروسيا علاقات جيدة مع عدد من الدول الأوروبية وليس مع منظمة الاتحاد الأوروبي. ثم إن ليس كل الخلافات محليّة. فالمعركة مع فرنسا ليست أوروبية وإنما هي بالدرجة الأولى أفريقية حيث تمدّدت فرنسا لعقود فيما أصبحت أفريقيا اليوم أولوية لروسيا.
“لعلنا نتفاهم في لبنان” قال أحد المشاركين في مؤتمر فالداي شبه ممازحٍ، مشيراً الى الدور الفرنسي التاريخي في لبنان والدور الروسي المتردّد في ضوء علاقات روسيا التحالفية مع “حزب الله” ومع إيران ميدانياً في سوريا، وربما بأبعد.
أثناء تلك الجلسة المطوّلة مع الرئيس فلاديمير بوتين سألته إن كان مستعدّاً لتطبيق القِيم التي نادى بها في مسألة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت والتي يتوعّد “حزب الله” الحكومة والقضاء والبلد برمته إذا لم يُقْبَع المحقق العدلي طارق البيطار ويطير معه كامل التحقيق في قصة المرفأ. سألته إن كان مستعدّاً لتقديم ما لدى روسيا من معلومات وصور أقمار اصطناعية، فرد “أعِدَكِ” بالنظر في ذلك. وعسى أن يفعل.
فلنرَ من سيربح السباق في الأولويات الروسية: القِيم التي رفع فلاديمير بوتين شعارها كرؤية روسية أم تلك البراغماتية في الاستراتيجية الروسية.
النهار العربي
—————————-
================
تحديث 28 تشرين ا لأول 2021
—————————
الانسحاب الأميركي ينزع “السّحر” عن شرق الفرات/ عبدالناصر العايد
يهيمن الغموض على ملف شرق الفرات في سوريا، والذي يستطيع المرء بقليل من الجرأة أن يصفه بأنه واحد من أعقد الملفات الراهنة في العالم، نظراً لحجم ووفرة القوى الوالجة فيه. مع ذلك فإن عبارة سحرية يمكنها أن تلغي خطورة هذا الملف، وتحيله إلى تفصيل ثانوي في خريطة الصراعات الإقليمية والدولية، عبارة “انسحاب أميركي مخطط له”.
الانسحاب الأميركي من شرق الفرات وقاعدة التنف، ليس مجرد فرضية، إنه جزء من قرار استراتيجي اتخذته إدارة بايدن شمل أفغانستان والعراق، وسيكشف البنتاغون عنه في شهر شباط المقبل عندما يعرض استراتيجية الدفاع الوطني (NDS) للسنوات الأربع المقبلة، والتي يتوقع خبراء أميركيون أن تستبدل مفهوم “المنافسة الاستراتيجية”، بمفهوم “الردع المتكامل”، حيث ستقترح الخطة التركيز على تعزيز الردع النووي والتقليدي المتطور ضد الصين وروسيا، والتأكد من قدرة الجيش الأميركي على هزيمة منافسيه، من خلال تجنب هدر الموارد على الأنشطة اليومية في مناطق ليست ذات أولوية على حساب بناء هيكل القوة، وتحرير الموارد لصالح جهود التحديث الملحّة للتكنولوجيات الفائقة.
بالنظر إلى هواجس استراتيجية بايدن، لا يمكننا العثور على ما يشير إلى فائدة محتملة من بقاء قواته في سوريا، أو صِلة ملحوظة للقوات الكردية بتلك الاستراتيجية، بما في ذلك محاربة تنظيم “داعش” الذي دأب قادة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على التحذير من عودته. فواشنطن التي أعادت طالبان بنفسها إلى سدة الحكم في أفغانستان، تعتبر أن الحرب على التنظيم واحدة من الحروب “التي لا يمكن إنهاؤها”. والبنتاغون يعرف أيضاً أن أنشطة “داعش” المنتظمة في سوريا باتت تنحصر في أربع قرى بريف دير الزور الشرقي، وليس من المحتمل أن ينشغل مخططوه عن عملية إطلاق الصين لصاروخ نووي تفوق سرعته سرعة الصوت ويستطيع أن يتجاوز الدفاعات الصاروخية الأميركية، بما يعنيه ذلك من تهديدات تمتد من بحر الصين الجنوبي إلى آلاسكا، ليولوا اهتمامهم لملاحقة منفذي عمليات الاغتيال من “داعش”، والتي تطاول سكاناً محليين في قرى الشحيل والزر وذيبان!
مع ذلك، فقد استجابت واشنطن لرجاءات إلهام أحمد، ووفدها الذي زار واشنطن مؤخراً، وعقب ضربة إغلاق المعابر الحدودية وإلغاء رخصة النفط المحلية لشركة “دلتا كريسنت إنيرجي”، ووعدتها بالتأني والتخطيط لانسحاب بلا عقابيل تزعزع مصداقية الولايات المتحدة الأميركية كالتي تسببت بها فوضى الانسحاب من افغانستان. لكنهم أخبروها أيضاً، وفق مصادر من داخل الإدارة، أن التزامهم ليس بلا أجل مسمى، وحدوده تقف عند نهاية سنة 2022، وخلال هذه المهلة على الأكراد أن يتدبروا أمرهم مع الروس، الذين أعلنوا صراحة جهوزيتهم للتوسط بين الأكراد وأنقرة، وبطبيعة الحال مع نظام الأسد.
تريد واشنطن أيضاً أن تقايض انسحابها على تنازلات بالحد الأدنى للمعارضة السورية الرسمية، من خلال ضغط موسكو على نظام الأسد. ولعل ما حصل في الجولة السادسة من مداولات اللجنة الدستورية هو إحدى نتائج مساومات أميركية روسية فاشلة في الكواليس، إذا انهارت المفاوضات على حين غرة، وأسقط في يد مبعوث الأمم المتحدة المتفائل، وتوقفت المحادثات من دون سبب وجيه، عقب وصول الموفد الأميركي إلى سوريا ولقائه بموفد الرئيس الروسي. كان واضحاً أنه لم تتم تلبية أدنى المتطلبات الأميركية، فكل ما فعله الروس هو جلب وفد النظام إلى جنيف ليكرر الأسطوانة ذاتها، مضيفاً إليها نغمة جديدة، هي اعتبار كل دعوة انفصالية أو شبه انفصالية خيانة، في إشارة صريحة إلى مصير الأكراد فيما لو انسحب الأميركان.
الروس الذين يعرفون كل ما سبق، يحضرون “البازار” ببرود، ويطلبون ثمناً باهظاً لأمن الأكراد: استسلام متدرج يشبه ما حدث في حوران، يبدأ بانضمام “قسد” إلى الفيلق الخامس، ويمرّ بمنازعات يستقوي فيها النظام بالعشائر العربية الناقمة على السلطة الكردية، وتهديدات تركية متواصلة، وصولاً إلى التفكيك الكامل، لكن ليس قبل أن تنتزع موسكو شيئاً من أنقرة، فالأخيرة تسيطر على مناطق شاسعة في شمال وغرب سوريا، وهي قد ترفع يدها عن إدلب فيما إذا انتهى الكيان الكردي تماماً، لكن ذلك لن يشمل عفرين وجوارها التي منحتها أنقرة لمقاتلين موالين لها، فمن المتوقع أن تثبت نفوذها هناك، وأن تمنع الأكراد من العودة إليها بشكل مطلق، ويكاد يلوح منذ الآن في الأفق تحول عفرين وتل أبيض ورأس العين، إلى منطقة حدودية متنازع عليها بين أي دولة سورية مستقبلية والدولة التركية.
التنازلات التي تطلبها روسيا من الأكراد مُرّة، والخيارات البديلة أمرّ، وتحت الضغوط المتعددة انقسمت القيادة الكردية في شرق الفرات إلى ثلاثة تيارات: تيار يميل إلى التشبث بالأميركان، وآخر يرى أن الروس أكثر موثوقية وأن الملف السوري آيل إليها بتفويض أميركي، وثالث قنديلي يعتقد بأن الأكراد يستطيعون الصمود بمفردهم، وأن لا صديق حقيقياً لهم سوى الجبال!
في حادثة ذات دلالة، قرر الروس، الأسبوع الفائت، اختراق منطقة القبائل العربية في دير الزور، والتي تسيطر عليها “قسد”، برتل عسكري يتجه إلى شمال الرقة التي يعتقد أن تركيا قد تهاجمها في أي لحظة. مرر الجناح الأميركي في “قسد”، لعرب مناهضين لنظام الأسد وحلفائه، توقيت وخط سير الرتل، وأوحوا لهم أنه سيكون من الجيد اعتراضه، فتصدى للرتل العشرات من السكان وأجبروه على التراجع. لكن، في صباح اليوم التالي، عاد الرتل محروساً بقوة كبيرة من الجناح الميال للروس في “قسد”، وشق طريقه أيضاً بحماية حوامتين روسيتين حلقتا في المنطقة الواقعة تحت نفوذ التحالف الدولي وفق الإطار التنسيقي العسكري، والتي يحظر على الروس التحليق فيها.
في ما يمكن أن يبصره المرء وراء هذه المعطيات، يبدو أن لا مفر للجناح الكردي الأميركي من تقبل الحقيقة، والإقرار بأن الانسحاب الأميركي واقع لا محالة؛ وأما الجناح القنديلي المعتد بصداقة الجبال، فهو سيعرف بالحسنى أو بخلافها أن شرق سوريا منطقة سهلية بالمطلق ولا جبال فيها؛ وحده الجناح الروسي في “قسد” سيمضي أبعد من ذلك، وسيقطع شوطين أو ثلاثة ليجد نفسه مجدداً في “سوريا الأسد”، جنباً إلى جنب مع فئات أخرى من السوريين، الذين لم يتمكنوا بوعيهم الذاتي من إيجاد مكان آخر يجتمعون على صعيده لمواجهة جلادهم المشترك، والذي أعادوا انتاجه بأيديهم، وأعادوا إنتاج أنفسهم مجدداً كضحايا تزدري ويحارب بعضها البعض.
المدن
——————————–
القطار الروسي في العلاقات السورية الأردنية/ رياض معسعس
القطار الروسي هو هذه اللعبة التي نراها في مدن الألعاب والملاهي وهي عباره عن قطار على سكك صاعدة هابطة ملتوية، يسير عليها القطار ببطء تارة في سكة صاعدة، وبسرعة فائقة تارة أخرى في سكة هابطة، أو يأخذ منحدرا منعطفا انعطافا حادا يخيف كل من استقله ويجعله يتمسك بقوة بكرسية رعبا.
وهذا هو تشبيه للعلاقات الأردنية السورية التي تسلك مسلك القطار الروسي في مساراتها المتباطئة طورا، والمتسارعة طورا آخر، أو تعود لتأخذ منعطفا حادا، وربما توقف قطارها في منتصف السكة، منذ أن انفصل الأردن عن سوريا الكبرى وحتى اليوم.
العلاقات الأولية
كادت سوريا أن تصبح مملكة هاشمية ففي 8 آذار/ مارس 1920 أعلن المؤتمر السوري العام استقلال سوريا تحت اسم المملكة العربية السورية وتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا عليها، لكن شاءت موازين القوى الدولية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية أن تقع منطقة الشرق الأوسط بأيدي القوتين العظميين آنئذ فرنسا وبريطانيا ليتآمرا على سوريا الكبرى( التي كانت تضم سوريا الحالية، لبنان، فلسطين، الأردن، مع لواء اسكندرون) وتجزئتها بتمرير السكين على خارطتها لرسم حدود جغرافية تقيسمية بينهما كما من يقتسم كعكعة عيد دون الأخذ بأي اعتبار آخر، ولهذا قال وينستون تشرشل في مذاكراته:
” لقد أنشأت دولة الأردن “بشحطة” قلم رصاص بعد ظهر يوم أحد”، لكن هذه المملكة لم تدم طويلا بعد أن اقتحمت الجيوش الفرنسية سوريا، وتم قطع أطرافها السفلى والعليا والجانبية وباتت وحيدة في محيط دول أخرى كانت بالأمس جزءا منها ويحكم عليها التعامل معها كدول صديقة تارة ومعادية تارة أخرى تضطر لإضرام إوار حروب معها كإسرائيل التي أنشئت أيضا من قبل بريطانيا “بشحطة” قلم رصاص وصارت معارضة لكل من حولها تحاربها وتحتل أراضيها برضى ودعم كل الدول الغربية وغير الغربية.
العلاقات الأولية مع الأردن كانت علاقات تهم تحديدا نشوء دولة الاحتلال “بشحطة قلم” ولكن بدعم عسكري ومالي كبيرين. فسوريا ساهمت بكل الثورات والحروب ضد الدولة التوسعية الناشئة (وأهمها ثورة القسام 1936)، وكان لا بد من التنسيق مع الأمير عبد الله الهاشمي، خاصة وأن القبائل وتحديدا في الجنوب تجزأت بحكم التجزؤ الجغرافي.
واتسمت العلاقات بين الدولتين بالتوتر بسبب ترسيم الحدود، وأخذت بالتحسن بعد الاتفاق على الترسيم من نقطة تبدأ من بحيرة طبريا وتنتهي بنقطة قريبة من جبل الطنف في العام 1932 وهي النقطة التي تلتقي فيها الحدود السورية الأردنية العراقية.
العلاقات بعد الاستقلال
نالت سوريا استقلالها عن فرنسا، وتم إعلان الجمهورية العربية السورية المستقلة في 17 نيسان/أبريل 1946 وبعد شهر تقريبا من العام نفسه تم الإعلان عن قيام المملكة الأردنية الهاشمية وتنصيب الملك عبد الله الأول الذي كان داعما للثورة السورية خلال الانتداب فاتسمت علاقة البلدين بكثير من التنسيق والتعاون وخاصة خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في العام 1948 لكن اغتيال الملك عبد الله في العام 1951، وإسقاط حكم الملك فاروق في مصر بدأت علاقات الدول العربية فيما بينها تأخذ طابع العداوة بين الممالك والجمهوريات.
أخذت العلاقات السورية الأردنية منعطفا خطيرا وساد التوتر مع توالي الانقلابات العسكرية في سوريا، وألقت الخلافات المصرية الأردنية في عهد جمال عبد الناصر تلقي بظلالها على علاقة الأردن مع سوريا وخاصة في فترة الوحدة السورية المصرية، وسقوط الملكية الهاشمية (التي أسسها الملك فيصل الأول بعد طرده من سوريا) في العراق في العام 1958 والتي أيدت سقوطها كل من سوريا ومصر التي كانت تتزعم التيار القومي الموجه ضد إسرائيل وبالتالي ساءت العلاقات أكثر مع الأردن. تجددت العلاقات في عهد الانفصال 1961ـ1963، مع انقلاب حزب البعث ودخول سوريا في مخاض عسير تمثل في الصراعات الداخلية في الحزب بين “القوميين والقطريين” أو بمعنى أصح بين عسكر البعث وضباط اللجنة العسكرية ( حافظ الأسد، صلاح جديد، محمد عمران) وبين القيادات المدنية المؤسسين للحزب ( ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، أكرم الحوراني) فانقسم الحزب بين قيادة قومية لجأت للعراق بعد ” حركة 23 شباط – فبراير” وقيادة قطرية تمثلت بالقيادة “العلوية” للحزب والجيش والتي دخلت في خلاف شديد مع العراق، وعلاقات فاترة مع الأردن القريبة من العراق، لكن فترة التوتر الشديدة مع إسرائيل في العام (1966ـ1967) وحرب حزيران-يونيو التي شارك الأردن مع مصر وسوريا فيها وخسارة الضفة الغربية جعله يدخل في نزاع مع الفصائل الفلسطينية المتمركزة على أراضيه في أيلول / سبتمبر 1970 وتدهورت العلاقات مع سوريا بعد محاولة الجيش السوري ( بأمر من صلاح جديد) دعم الفصائل الفلسطينية بإرسال رتل دبابات إلى الأراضي الأردنية.
مع انقلاب حافظ الأسد في العام نفسه على “رفيقه” في الحزب والطائفة شهدت العلاقات مع الأردن تحسنا لكن سرعان ما ساءت بعد اتهام النظام السوري الأردن بإيواء المعارضة المسلحة من الإخوان المسلمين التي تواجه نظام الأسد، وجاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران من قبل عنصرين من سرايا الدفاع التي كانت يترأسها رفعت الأسد لتزيد في الطين بلة.
العلاقات مع نظام بشار
شهدت العلاقات تحسنا ملحوظا بعد وفاة حافظ الأسد، والملك حسين، وانتقال الحكم إلى الوريثين بشار الأسد والملك عبد الله الثاني وتعتبر هذه الفترة التي دامت عقدا تقريبا كأفضل مرحلة في العلاقات بين البلدين، لكن سرعان ما تدهورت بعد اندلاع الثورة، حيث انتهج الأردن في البداية موقفا حذرا ومترددا إزاء ما يقوم به النظام من استخدام القوة العسكرية بقمع المظاهرات في المدن السورية.
وبات الأردن من البلاد التي راحت تستقبل عشرات آلاف اللاجئين الهاربين من القتل والآلة التدميرية لنظام الأسد.
ورغم قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا رفض الأردن سحب سفيره من دمشق على غرار ما فعلت بعض الدول العربية. رغم التصريحات المستفزة لسفير سوريا في عمان بهجت سليمان الذي تم طرده فيما بعد من قبل عمان.
واتخذت العلاقات منعطفا حادا عندما دعا العاهل الأردني بشار الأسد إلى التنحي ثم تم احتضان أبرز المعارضين كرئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب، كما اعترف بالائتلاف السوري المعارض، ثم تأسيس الموك على أراضيه (غرفة تنسيق عسكرية من مخابرات أمريكية بريطانية فرنسية عربية) هدفها دعم الجيش السوري الحر.
وفي العام 2017 هدد بشار الأسد المملكة وقال إنه يمتلك معلومات تفيد أن عمان تخطط لإرسال قوات إلى جنوب سوريا بالتنسيق مع واشنطن.
الانعطاف المعاكس
جاءت بوادر الانفراجات الأولى مع نظام الأسد بعد التغييرات العسكرية على الأرض وسيطرة جيش النظام على مساحات من المعارضة، وتغيير مواقف الدول الدول العربية والغربية التي كانت تساند المعارضة، وتسارعت وتيرة تطبيع العلاقات مع النظام بعد سيطرته على جنوبي سوريا وقرر الجانبان فتح معبر نصيب الذي يعتبر البوابة الأردنية إلى أوروبا. واكتملت بزيارة العاهل الأردني إلى واشنطن وطلبه برفع العقوبات عن النظام السوري، ثم توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية مختلفة بين البلدين، لكن تبقى ملفات كثيرة عالقة كعودة اللاجئين إلى بلادهم بأمان ودون تعرضهم للخطر.
٭ كاتب سوري
القدس العربي
—————————
الوجه الحقيقي للسذاجة الروسية/ علي سفر
في أي قراءة لنتائج الجولة الأخيرة للجنة الدستورية في جنيف، ماتزال ترن، حتى اليوم، كلمات تلفظ بها رئيس وفد النظام أحمد الكزبري، في تصريحه لوسائل الإعلام، بعد فشل الاجتماعات، قال فيه: إن وفده جاء برغبة صادقة وروح إيجابية..، غير أن “طروحات المشاركين الآخرين منفصلة عن الواقع وتعكس أفكار خبيثة وأجندات معادية”!
التفاؤل بإمكانية بحدوث اختراق ما في السياق، بدأ عندما سمّت صحف النظام وفد المعارضة، باسمه، أي “وفد المعارضة”، ولم تطلق عليه تسمية عبارة “الوفد التركي” كما كانت تفعل من قبل، وارتفعت المؤشرات بعد اللقاء الأول من نوعه بين الكزبري وهادي البحرة رئيس وفد المعارضة، الذي جرى برعاية دولية، وأعلنا فيه التوافق على البدء في صياغة المبادئ الأساسية للدستور، والالتزام بتحديد مواعيد مؤقتة للاجتماعات المقبلة، ومناقشة خطة العمل.
غير أن ريح وقائع اليوم الأخير، الذي كان دموياً على الأرض السورية، بين تفجير دمشق، وبين قصف النظام لمدينة أريحا، طيّرت الأوراق عن الطاولات، وعادت بالمتابعين الذين يترقبون الأخبار السارة، وفي مقدمتهم الروس، إلى نقطة الصفر، فبعد أن ارتفع أدرينالين الدم لديهم، كمؤشر عن إمكانية حلحلة الملف، جاءت ملامح وجه الكزبري، وبابتسامته الصفراء، بما لا يسرهم، ولا يرضيهم، بعد أن عولوا الكثير على هذه الجلسة.
الرجل لا يكذب، إنه يرى في أي طروحات لا تناسب رؤية النظام، انفصالاً عن الواقع! هذا في حال كان إيجابياً في التعامل مع الطرف المقابل، لكنه، وكالعادة، يعود إلى الأصول، وإلى جذر رؤية النظام، التي لم تتغير، فهو لا يرى المعارضة سوى أنها كيان خبيث، ينفذ أجندات معادية! فهل ثمة بعد هذا التصريح ما يستحق أن يناقش؟
يدرك قطاع كبير من المعارضين هذه الحقيقة، ولا شيء يدل على فقدان الأمل من هذا المسار، أكثر من تلك المقالات التي كتبت في الأيام الماضية، مطالبة بنعي اللجنة الدستورية. ورغم أن وفد المعارضة لديه من الأسباب الكثير، التي تمنعه من أن يقدم على الانسحاب من المسار، ومنها المراهنة على عودة الأدوار الدولية المنكفئة عن الملف السوري، إلى احتلال مواقعها، إلا أن الدور الروسي المسيطر، لا يبدو صادقاً، ولا يتمتع بالنزاهة، وهذا يؤدي فعلياً إلى إيقاف المشاركة، حتى إصلاح طريقة إدارة العملية، لأنها أصل وأساس المشكلة.
هنا، لا يفتري أحد على الدب الروسي، لأنه هو ذاته، يقف على الخشبة وحيداً، محاولاً إقناع الجمهور بأن أداءه يتمتع بكل ما هو مطلوب كي يحوز صفة المصداقية، لكنه يلعب دور الساذج، بشكل متكلف، يُسهل على المشاهدين قراءة كم هو كاذب ومنافق.
ومن تفاصيل السذاجة المدعاة، أن يصرح بعض المقربين من الكرملين بأن ثمة خلل في جهة النظام، قوامه الفارق بين ما اتفق عليه الأسد مع مبعوث بوتين إلى الشرق الأوسط ألكسندر لافرينتيف، قبل أيام من انعقاد الجولة، حينما التقيا في دمشق، وبين ما جرى على الأرض، خاصة ما لوحظ من نزق وفد النظام، وتصرفاته التي لا تظهر رغبته بالتقدم قدماً.
ما يقود في المحصلة إلى الإيحاء بأن رأس النظام لا يسيطر تماماً على الأمور، وتحميل الفشل إلى سيطرة امراء الحرب المستفيدين الذين لا يرغبون بإيجاد حل ينهي سيطرتهم ومصالحهم، ولهذا فإنهم وجهوا الوفد في جنيف إلى رفض أي شيء يتم طرحه، من قبل المعارضة، الأمر الذي ربما سيستكمل خلال الفترة القادمة، عبر الضغط على الأسد نفسه لإصلاح الوضع، وتنحية من يعيقون المفاوضات.
وبذلك يمكن وضع اللمسات الأخيرة على المشهد العام الذي يتم فيه تسويق إمكانية بقاء رأس النظام، وإعادة انتاج النظام، وتعويمه إقليمياً وعربياً ودولياً، مع تعديلات دستورية، أو كتابة دستور جديد، يتم تأجيل إحلاله حتى نهاية ولاية الأسد الحالية.
وإلى ذلك الحين، ووفقاً لمراهنة النظام التاريخية على الزمن، وعلى إنهاك الخصم، تترتب الظروف بكل مستوياتها داخلياً وخارجياً من أجل استمراره!
في الواقع، ينفخ الروس في قربة مقطوعة، وهذه قناعة المجتمع الدولي بغالبيته، وهم أنفسهم يعرفون حقيقة الأسد ونظامه، لكنهم يدعون أنهم يتعاملون مع كيان لديه كل مقومات البقاء والرسوخ، وبالتالي فإن ما يبرمونه من اتفاقيات وصفقات هنا، يبنى بينهم وبين من يحوز الشرعية، التي تخوله اتخاذ قرارات تمكينهم من السيطرة والتحكم، بالمقدرات السورية، وبالأرض، والنيابة عن النظام، في تقرير شؤونه أمام القوى الدولية.
وتبعاً لهذا، فإن قراءتهم المعلنة لما جرى في جنيف، عبر عدسة السذاجة، ومن خلال القول إن تصرفات الوفد ورئيسه، هي مؤشر على فقدان الأسد السيطرة، لا تعني شيئاً سوى محاولة وقحة جديدة لاستغباء الآخرين.
الوجه الحقيقي للسذاجة الظاهرة في السلوك الروسي، يمكن رؤيته في الادعاء المتكرر بأنهم يحمون سيادة سوريا، ويمنعون الدول الأخرى من انتهاكها، ويطالبون كل القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية بالخروج منها، إلا قواتهم، لأنها جاءت عبر اتفاق رسمي بين الدولتين، وفي الوقت نفسه، منح بوتين إسرائيل دائماً حرية قصف الأهداف المعادية لها في سوريا، وقد أعاد تأكيد هذه السماحية، وهو ما تكشف من اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، قبل أيام!
تلفزيون سوريا
————————————
العملية العسكرية التركية ضد “قسد” تنتظر لقاء أردوغان – بايدن/ أمين العاصي
لم تنقطع في الآونة الأخيرة التعزيزات العسكرية التركية عن محافظة إدلب، التي باتت محلّ خلاف كبير بين أنقرة وموسكو بعد تعثّر تطبيق اتفاق “موسكو” المبرم بين الروس والأتراك منذ مارس/ آذار من العام الفائت، بسبب تعقيدات ميدانية، وخاصة لجهة استعادة الحركة على الطريق الدولي حلب اللاذقية “أم 4″ الذي يربط غربي البلاد بشمالها وشرقها، ويعبر في ريف إدلب الجنوبي. يأتي ذلك بينما هدأت بعض الشيء وتيرة التوتر بين الجانب التركي و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمال سورية، على الرغم من التهديدات التركية المتواصلة بشن عملية ضد هذه القوات. غير أنه يبدو أن حسم هذا الأمر سيكون بعد لقاء منتظر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة المناخ المقرر عقدها في مدينة غلاسكو باسكتلندا في الفترة من 31 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي محافظة إدلب، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن الجيش التركي دفع أول من أمس الثلاثاء بتعزيزات كبيرة إلى نقاطه وقواعده في المحافظة. وأوضحت أنّ نحو 100 آلية تركية دخلت ليل الثلاثاء – الأربعاء من معبر كفرلوسين الحدودي واتجهت إلى عمق إدلب، وخاصة إلى النقاط في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، مشيرة إلى أن الرتل مؤلف من عربات مصفحة مخصصة لنقل الجنود، وآليات مدرعة، وشاحنات محملة بمواد لوجستية ومعدات هندسية وكتل إسمنتية ومحارس مسبقة الصنع، وصهاريج مخصصة للوقود.
من جهته، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن عدد الآليات العسكرية التركية التي دخلت الشمال الغربي من سورية، ارتفع إلى أكثر من 555 منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، ما يؤكد مخاوف أنقرة من عملية عسكرية مفاجئة لروسيا والنظام على إدلب، وفق المرصد.
وتعليقاً على هذه المستجدات، اعتبر النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذه التعزيزات “رسالة طمأنة لملايين السوريين في محافظة إدلب، مفادها بأنّ تركيا لن تتخلى عنكم”. وأشار إلى أنها أيضاً “رسالة للجانب الروسي والنظام بعد التصعيد الأخير والتهديد بعمل عسكري واسع النطاق في ريف إدلب”، مضيفاً: “هي تندرج كذلك في سياق تعزيز القدرات الدفاعية للقوات التركية المنتشرة في محافظة إدلب، وتحصين النقاط التركية الموجودة، وخاصة في منطقة جبل الزاوية”.
وجاءت التعزيزات التركية بعد ساعات من موافقة البرلمان التركي على تمديد التفويض المتعلق بإرسال قوات عسكرية إلى كل من سورية والعراق لمدة عامين آخرين، اعتباراً من 30 أكتوبر الحالي. وقد وافق البرلمان على المذكرة الرئاسية التي جاء فيها أن “التنظيمات الإرهابية، التي يتواصل وجودها في المناطق القريبة من الحدود السورية – التركية، مستمرة في أنشطتها ضد تركيا وأمنها القومي والمدنيين فيها”. كذلك أشارت المذكرة الرئاسية إلى “تواصل المخاطر والتهديدات التي تستهدف الأنشطة المتعلقة بإرساء الاستقرار والأمن ضمن إطار مسار أستانة في محافظة إدلب شمال غربي سورية”.
في غضون ذلك، لا تزال “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) مستمرة في حملتها ضد مجموعات متشددة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، والتي كانت بدأتها الأحد الماضي، لتحييد هذه المجموعات التي تضم مسلحين أجانب من جنسيات مختلفة. وأفادت مصادر مقربة من “الهيئة” بأن الأخيرة اعتقلت مساء أول من أمس الثلاثاء المدعو أبو موسى الشيشاني، وهو شقيق قائد فصيل “جنود الشام” مسلم الشيشاني، كما اعتقلت معه كلاً من: عبد الله البنكيسي الشيشاني، وأبو عبد الله الشيشاني، أثناء محاولتهم الهروب إلى تركيا. وتداول ناشطون على وسائل التواصل صورة لأبي موسى الشيشاني وهو معتقل في معبر خربة الجوز الحدودي مع تركيا الذي تسيطر عليه “هيئة تحرير الشام”. وكان فصيل “جنود الشام”، بزعامة مسلم الشيشاني، قد توصل الإثنين الماضي إلى اتفاق مع “الهيئة” قضى بخروجه من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وتسليم مطلوبين لها.
على صعيد آخر، هدأت بعض الشيء وتيرة التوتر بين الجانب التركي و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) ذات الطابع الكردي في غربي الفرات وشرقه، إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الجيش التركي لا يزال يضع في خططه القيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد هذه القوات لردعها. وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قبل يومين، إنه “لدينا اتفاقيات مع الروس والولايات المتحدة حول بعض المناطق في شمال سورية. قمنا بواجبنا في إطار هذه الاتفاقيات بأفضل طريقة ممكنة، وما زلنا نقوم بذلك، ونذكر نظراءنا للعب دورهم أيضاً”. ورداً على سؤال حول هجمات تعرضت لها القوات التركية من قبل مجموعات كردية في شمال سورية أخيراً، قال أكار “نحن نتابع عن كثب الأحداث هناك، وسنفعل ما هو ضروري في الوقت والمكان المناسبين”.
من جهته، رجّح الرئيس التركي، رحب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، عدم لقائه بالرئيس الأميركي جو بايدن، على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين التي تعقد في روما يومي 30 و31 أكتوبر الحالي، مشيراً في تصريحات صحفية إلى أنه سيلتقي نظيره الأميركي، في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، على هامش الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تنعقد في الفترة من 31 أكتوبر الحالي إلى 12 نوفمبر المقبل. ومن المرجح أن يتحدد الموقف التركي إزاء أي عمل عسكري في شمال شرقي سورية على ضوء نتائج هذا الاجتماع.
من جانبه، رأى المحلل السياسي التركي، هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أنقرة “لا تخطط في الوقت الراهن للقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال سورية”، معتبراً أن “عدم الاستقرار الاقتصادي، والتحضير ربما لانتخابات مبكرة، يحول دون ذلك”. وعبر جوناي عن اعتقاده بأن “الجيش سيعتمد على عمليات محدودة من خلال قصف أهداف معينة للمليشيات الكردية في شمال سورية”، مشيراً إلى أن “هناك توافقاً نسبياً بين بعض أحزاب المعارضة التركية وحكومة العدالة والتنمية، حيال الأوضاع في الشمال السوري، وهو ما يساعد الحكومة في إقناع الرأي العام التركي بجدوى عملية عسكرية ضد قسد” التي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمن واستقرار تركيا.
القدس العربي
————————–
تحضيرات تركيا لعملية عسكرية شمال سوريا اكتملت..بانتظار القرار/ مصطفى محمد
دفع الجيش التركي الأربعاء والخميس، بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة العمليات العسكرية “نبع السلام”، وفق ما أفادت مصادر من الجيش الوطني ل”المدن”.
وأوضحت المصادر أن الأرتال التركية التي تضم معدات عسكرية وآليات ثقيلة، تمركزت على محاور عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشرقي.
الخطوات التركية على الأرض، قابلها تلويح سياسي تركي باقتراب التحرك العسكري في الشمال السوري، جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الذي قال الخميس إن “اعتداءات بي كا كا(حزب العمال الكردستاني) زادت، وروسيا والولايات المتحدة لم تفيا بوعودهما حول سحب المنظمة من مناطق في سوريا، وفي وضع كهذا يجب علينا فعل ما يلزم”.
يأتي ذلك بعد يومين على مصادقة البرلمان التركي، على مذكرة صادرة من الرئيس رجب طيب أردوغان، بخصوص تمديد تفويض الحكومة لإرسال قوات لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق مدة عامين.
ويؤكد تصريح الوزير التركي، إضافة للتعزيزات العسكرية التركية التي تصل الشمال تباعاً، أن أنقرة عازمة على القيام بعمل عسكري، لكنه في الغالب لن يكون واسع النطاق بسبب معارضة الولايات المتحدة وروسيا.
وفيما لا يمكن الجزم بشكل التحرك التركية ووجهته، رجح خبراء بالشأن التركي أن تبدأ القوات التركية هجومها نحو المناطق الواقعة جنوب مدينة كوباني، لتحقيق الوصل الجغرافي بين منطقتي “نبع السلام” و”درع الفرات”.
ويُعد هذا التحرك من أكثر السيناريوهات الممكنة في إطار عمل عسكري محدود، بحيث يجنب هذا السيناريو تركيا الضغوط الدولية، الناجمة عن اقتحام كوباني، ويمكّن روسيا من لعب دور جوهري في توجيه قسد، وفق تأكيد الخبير بالشأن التركي ناصر تركماني.
بانتظار القرار السياسي
ويؤكد الخبير العسكري ومستشار الجيش الوطني العميد أحمد حمادة اكتمال التحضيرات من الجيشين التركي والوطني السوري للبدء بعمل عسكري في الشمال السوري.
ويضيف ل”المدن”، أن تحرك القوات على الأرض رهن القرار السياسي التركي. ويقول: “تركيا جاهزة لتنفيذ العمل العسكري، وكل التصريحات السياسية تؤشر إلى ذلك، لكن توقيت البدء ما زال ضبابياً”.
وفي قراءته للتصريحات الأخيرة الصادرة عن تشاووش أوغلو، يقول حمادة: “الواضح أن تركيا تحاول زيادة الضغط على روسيا والولايات المتحدة، من أجل تنفيذ التوافقات السابقة أي إبعاد قسد عن حدود مناطق العمليات العسكرية التركية، أو للحصول على موافقة بالتحرك العسكري”، معتبراً أن “الهدف التركي هو تحقيق السياسات التركية في هذه المناطق، أي تحقيق الاستقرار في الشمال السوري عبر إبعاد التهديدات من قسد”.
وأعرب عن اعتقاده بأن يتم حسم التحرك التركي في الشمال السوري خلال اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن في قمة المناخ المقرر عقدها في مدينة غلاسكو في اسكتلندا نهاية تشرين الأول/أكتوبر.
ذُعر في مناطق “قسد”
من جانب آخر، تحدثت مصادر من الحسكة ل”المدن”، عن انتشار حالة من الذعر بين الأهالي، وخصوصاً بين العائلات التي تمّ سوق أفرادها إلى التجنيد الإجباري من قبل قوات قسد.
ولفتت المصادر إلى تكثيف قسد لحملات التجنيد الإجباري، مشيرة إلى ملازمة غالبية الشبان للمنازل، خشية الاعتقال على الحواجز المنتشرة في طرق الحسكة وريفها.
والاثنين، كانت صحيفة “Turkiye Gazetesi” التركية، قد أكدت أن أنقرة تجهز أكثر من 35 ألف مقاتل، من المحتمل أن يشاركوا في عملية عسكرية محتملة شمال سوريا.
المدن
————————-
الأسد:هزيمة واشنطن في أفغانستان ستعقبها هزائم أخرى..وسننتقل للهجوم
اعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد أن هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، سيعقبها مزيد من الحروب ومزيد من الهزائم كما حدث في تجارب أخرى في فيتنام والصومال.
وفي كلمة له أمام الضباط الخريجين (قيادة وأركان) في الأكاديمية العسكرية العليا في دمشق، قال الأسد إن “الولايات المتحدة صرفت تريليون دولار في العراق، وصرفت عدّة تريليونات دولار في أفغانستان، على من صُرفت التريليونات؟ هل صُرفت على الشعب العراقي؟ هل صُرفت على الشعب الأفغاني؟ هي صرفت على الشركات الأميركية، إمداد بالسلاح، إمداد بعتاد مختلف”.
وأضاف “إذاً عملية الحروب هي دولار بالنسبة للأميركيين وهذا الدولار يصب في صالح الشركات الأميركية لذلك علينا أن نتوقع أنه بعد هزيمة أفغانستان وبعد هزيمة العراق وبعد هزيمة الصومال في عام 1994 وبعد هزيمة فيتنام، سيكون هناك المزيد من الحروب والمزيد من الهزائم وسيبقى الدولاب يدور في الإطار نفسه”.
وتابع الأسد أنه “لا مكان في هذا العالم المضطرب إلا لشيء وحيد هو الصمود، الدول التي تصمد والتي تسلك طريق الصمود هي التي تجد لها مكاناً في هذا العالم، سواء كانت دولاً صغرى تبحث عن مكان إقليمي ضمن مصالحها الإقليمية أو كبرى تبحث عن موقع على الساحة الدولية والشعوب التي تصمد تجد لها وطناً، من دون صمود لا وطن”.
وأضاف “الصمود الذي أتحدث عنه هو الصمود الإيجابي، والصمود الإيجابي يشبه حالة الدفاع، لا يجوز أن نبقى صامدين بالمعنى السلبي والدفاعي وإنما ننتقل للهجوم، ونطور”، ويشير إلى أن ذلك يعني أن “نقوم في قلب الحرب بما نستطيع القيام به من أجل التطوير، وهذا التطوير يشمل كل المجالات”.
ووصف الأوضاع في المنطقة بالهائجة، قائلاً: “إننا في محيط هائج ومضطرب، ولا بد لمواجهة الأنواء ولمواجهة العواصف ولمواجهة الأمواج العاتية، لا بد من أن نمتلك المعرفة بأصول الملاحة وعندما أتحدث عن المحيط الهائج والمضطرب، فأنا لا أتحدث عن الحرب في سوريا ولا أتحدث عن ظرف طارئ”.
وزعم الأسد أن الحرب السورية هدفها ضرب صورة جيش النظام، معتبراً أنها “فشلت، بسبب الأداء الواعي لضباطنا وللعسكريين، ولوعي الشعب السوري”، حسب تعبيره.
وأضاف الأسد “القضايا الوطنية التي نقاتل من أجلها هي قضايا سياسية لذلك هم يريدون جيشاً محترفاً وغير مسيّس لكي تتحول العسكرية من رسالة وطنية إلى مجرد مهنة كأي مهنة أخرى، وبالتالي يصبح الجيش ليس جيش الشعب لأن جيش الشعب يجب أن ينتمي لانتماء الشعب، يتبنى عقيدة الشعب ويدافع عن مصالحه”.
المدن
————————-
بوتين يطلب وساطة إسرائيل لدى واشنطن.. لتخفيف عقوبات قيصر
كشف موقع “أكسيوس” الأميركي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت الضغط على الولايات المتحدة لدفعها إلى تخفيف العقوبات التي فرضتها على النظام السوري.
ونقل الصحافي الإسرائيلي باراك رفيد عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن بوتين حثّ بينيت خلال لقائه الجمعة في المدينة الروسية سوتشي، على تشجيع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تخفيف العقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب على نظام بشار الأسد “بهدف توفير بيئة تسمح للشركات الروسية بلعب دور في مشاريع إعادة إعمار سوريا”.
وأوضح المسؤولون الإسرائيليون أن بوتين يرغب من وراء السماح للشركات الروسية بالاستثمار في مشاريع إعادة إعمار سوريا في توسيع إيرادات الاتحاد الروسي وتعزيز تأثير موسكو على الاقتصاد السوري، مضيفين أن بوتين أبلغ بينيت بأن الشركات الروسية تتخوف من الاستثمار في سوريا خشية تعرضها لتأثيرات العقوبات الأميركية.
وفرض قانون قيصر الأميركي الذي وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب في كانون الأول/ديسمبر عام 2019، عقوبات على قطاعات من الاقتصاد السوري، بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية. وهذا القانون يمنع الشركات الأجنبية من الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا.
وحاول بوتين، بحسب المسؤولين، استغلال المخاوف الإسرائيلية من أن تؤدي العقوبات الأميركية على النظام إلى زيادة نفوذ إيران في سوريا. وحذّر بوتين بينيت من أن عدم السماح للشركات الروسية بالاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، سيفضي إلى تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا، على اعتبار أن هذا الواقع سيفسح المجال أمام الشركات الإيرانية التي تخضع أصلاً للعقوبات الأميركية.
ولفت الموقع إلى أن الروس ينطلقون من افتراض مفاده أن مصلحة إسرائيل في إضعاف التمركز الإيراني في سوريا ستشجعها على الضغط على إدارة بايدن لتخفيف العقوبات على نظام الأسد.
وأشار الموقع إلى أن دولاً عربية عديدة تحركت مؤخراً باتجاه تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، وفي الأسابيع الأخيرة، تحدث الأسد مع زعماء الأردن ومصر والإمارات.
وذكر الموقع أن روسيا تشجع هذا الاتجاه، بينما تقول الولايات المتحدة إنها تعارض مثل هذا التطبيع مع الأسد أو المضي قدماً في إعادة إعمار البلاد، مضيفاً أن الروس يريدون عقد اجتماع ثلاثي لمستشاري الأمن القومي لروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة لمناقشة سبل المضي قدماً في سوريا، فيما يقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يناقشون هذه الفكرة مع الجانبين، لكن لم يتم تحديد موعد.
المدن
———————–
خلافا لما روجه الأسد وداعموه خلال عقد.. الصين تقر أن مستقبل سوريا ليس بأيدي السوريين
على عكس جميع التصريحات التي أطلقها النظام وداعموه بخصوص أن الحل يجب أن يكون “سوريا وبأيد سورية” وأن مصير البلاد يقرره أبناؤها فقط، خرج مسؤول صيني كبير بكلام مثير للانتباه في مضمونه يقر بأن مصير سوريا ليس في أيدي السوريين.
الصين التي تعد من أشد مؤيدي الأسد والمدافعين عنه في العالم، ناشد نائب مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة “جنغ شوانغ” من لهم تأثير على مختلف “الأطراف” في سوريا أن يمارسوا تأثيرهم بما يمهد الأجواء لعملية سياسية.
كلام المسؤول الصيني نقلته وكالة الأنباء الرسمية “شينخوا”، مؤكدة قوله إن “مستقبل سوريا ومصيرها ليسا بالكامل في أيدي الشعب السوري، وبالتالي لم يكن من المستغرب أن تواجه اللجنة الدستورية صعوبات وعثرات في عملها”.
ودعا “جنغ” جميع الأطراف في سوريا والأطراف التي لها نفوذ عليها إلى اتخاذ إجراءات عملية، من أجل تهيئة الأجواء للعملية السياسية، وتقديم الدعم الجوهري لعمل المبعوث الخاص وتعزيز تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وباستغلال الظاهر الشرعي والإيجابي الكبير للعبارة، درج نظام الأسد ومعه حلفاؤه الكبار (روسيا، الصين، إيران..) على تسويق مقولة إن الحوار والحل يجب أن يكون سورياً، وإن مصير ومستقبل سوريا يقرره السوريون بأنفسهم ووحدهم، فيما كان الهدف الباطن لهذه المقولة -ولا زال- يرتكز على نزع الصبغة الدولية عن القضية السورية وتقزيمها وحصرها في إطار محلي ضيق، وجعلها تبدو كأي خلاف عادي ينشب في هذه الدولة أو تلك بين نظامها الحاكم والمعارضة، ولا يستدعي تدخلا لا من مجلس الأمن، ولا غيره من الهيئات والإجراءات (بما فيها محكمة الجنائية، وفريق التحقيق في الاعتداءات الكيماوية…).
ويعد إقرار الصين الصريح بأن مستقبل السوريين لم يعد في أيديهم، مغايرا لسياسة دولة اعتادت تبني رواية نظام الأسد كاملة، ولم توفر فرصة لدعمه عبر استخدام حق النقض أكثر من مرة، ضد قرارات أعدها مجلس الأمن لضمان ولو حد أدنى من متطلبات نقل سوريا إلى المستقبل، بما يعنيه ذلك من زوال النظام الاستبدادي وضمان ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب.
———————-
حرب روسية – تركية في الشمال السوري/ فؤاد حميرة
كثيرا ما يتم التساؤل عن احتمالية سماح الولايات المتحدة الأميركية للجيش التركي بالقيام بعملية عسكرية ضيقة أو مفتوحة في الشمال السوري ولكن لم يطرح أحد على حد علمي الموقف الروسي من الموضوع فهل تسمح موسكو لتركيا بتحرك قد يؤذي النظام في الشمال السوري وبالتالي يكون لهذا التحرك تبعات سلبية على النظام تعيد الصراع إلى نقطة البداية؟
في الحقيقة يبدو أن موسكو أكثر تشدداً من الأميركان فيما يتعلق بهجوم تركي على شمال سوريا بشقيه الشمال الشرقي والشمال الغربي فعلى الرغم من كل الرشاوى التي قدمها الجانب التركي لروسيا من تمسكه بصفقة الصواريخ أرض – أرض وانصياعه لكثير من الرغبات العسكرية الروسية إلا أن الجانب الروسي لا ينظر بعين الارتياح لتحركات تركيا في المنطقة خاصة وأن الروس أعرف الناس بخفايا العلاقة العسكرية بين أنقرة وواشنطن وهي تعلم جيدا أن الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان لا يتحرك جنديا إلا بأوامر وأذونات مسبقة من واشنطن على الرغم من كل التصريحات الإعلامية النارية التي يطلقها الأخير بين الحين والآخر والتي لا تقدم ولا تؤخر اللهم إلا في صالح موقفه على الصعيد الداخلي. ولأن روسيا تدرك هذه الحقائق جيدا فهي ترى في أي تحرك تركي يدا أميركية وحلف أطلسية ولا يمكن أن تركن إلى جانب الراحة والطمأنينة إزاء أدنى تحرك للجيش التركي وبالتالي فإن روسيا لن تكتفي بالقلق في حال إقدام أردوغان على عمل عسكري ما في الشمال فالمعطيات تقول إن احتمال نشوب نزاع مسلح وإن على نطاق ضيق بين الجانبين أو حلفائهما وارد جدا في هذه الحالة ولذلك نجد أردوغان يكرر تصريحاته بأن صبره قد نفذ وتهديداته باجتياح عسكري، والحقيقة أن للأتراك أوراق هامة في الشمال وخاصة في إدلب وشمال الساحل السوري ففي إدلب وحدها يوجد نحو 100 ألف مقاتل موالون لتركيا ويأتمرون بأوامرها وأنقرة قد تسمح لتلك العناصر بالتسلل إلى مناطق خفض التصعيد أو المناطق المنزوعة السلاح وبالتالي تتسع رقعة المعارك مع جيش النظام وحلفائه وتبدو الأمور وكأنها عادت إلى النقطة التي انطلقت منها وهو ما تحاول روسيا تجنبه تماما.
في المقابل تملك روسيا ترسانة عسكرية ضخمة لا يمكن لتركيا الصمود أمامها خاصة في ظل شعور تركي بالتخلي عنها من قبل حلفائها في الأطلسي بسبب مواقفها وخاصة فيما يتعلق بقضية النزاع مع اليونان وموضوع صواريخ إس 400 الروسية الصنع وهي السلاح الروسي الوحيد الذي يدخل إلى دول حلف الشمال الأطلسي منذ تأسيسه.
هناك بوادر تدل على تنازل تركي في مكان ما منها الهجوم الذي شنته فصائل ما كان يعرف بجبهة لنصرة على باقي الفصائل العسكرية المعارضة في الساحل السوري والقضاء عليها ومن ضمنها فصائل موالية لتركيا ما يعني السماح للنظام وروسيا بالتدخل في المنطقة بحجة القضاء على التنظيم الارهابي خاصة وأن الجبهة مدرجة على قوائم الارهاب العالمية حتى بعد أن غيرت اسمها وجلدها ، وهذا التنازل واضح وجلي ودعوة لجيش النظام باستبدال هجومه على إدلب بالهجوم على مناطق هيئة تحرير الشام واستعادة ما تبقى من الساحل السوري في أيدي المعارضة المتطرفة ويبدو أن الروس الذين اعتادوا على مثل هذه السياسات المجزأة إلى مراحل يؤيدون هذا التنازل ويقبلون تبادل المواقع الذي عرضه الجانب التركي وتبقى نقطة الخلاف الرئيسية في الشمال الشرقي حيث يصر أردوغان على استباحة المنطقة فيما تعود روسيا للتهديد بعودة تلك المناطق إلى النظام في حال شن الأتراك هجومهم. ويبدو أن أردوغان أول وأكبر الخاسرين من كل تدخلاته في المنطقة فهو بعد الساحل سيضطر لتقديم تناول جديد ولا معتقد إلا أنه سيكون في إدلب هذه المرة ذلك أنه بات من الواضح أن بوتين يعد العدة لبدء حربه الرابعة في سوريا في القريب العاجل جداً.
نورث برس
————————-
حسابات القوى الدولية تمنع تركيا من اجتياح شمال سوريا
دفعت تركيا بتعزيزات عسكرية جديدة إلى شمال سوريا، بعد ساعات فقط على موافقة البرلمان التركي الثلاثاء على تمديد تفويض الجيش بتنفيذ عمليات في العراق وسوريا لعامين إضافيين، وسط تصاعد وتيرة التصريحات الرسمية حول عملية عسكرية محتملة ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أكد مؤخرا أن بلاده ستفعل كل ما يلزم من أجل تطهير مناطق في شمال سوريا من المسلحين الأكراد، وذلك بعد تصريح للرئيس رجب طيب أردوغان قال فيه “لقد نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدرا للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا”.
وفي سوريا ينتشر الجيش التركي منذ 2016 في شمال غرب البلاد حول عفرين ومنطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل معارضة مقاتلة.
مولود جاويش أوغلو: سنطهر مناطق شمال سوريا من المسلحين الأكراد
وشنّت أنقرة والفصائل السورية الموالية لها ثلاث عمليات واسعة النطاق في السنوات الأخيرة (2016 و2017 و2018 وأكتوبر 2019) على طول حدودها مع سوريا، حيث يعيش عدد كبير من الأكراد، لطرد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، لكنها مدعومة من الولايات المتحدة.
ويحتاج تحرك عسكري تركي للسيطرة على مدن وبلدات استراتيجية في سوريا، إلى تفاهمات سياسية ممهدة مع الأطراف الدولية الفاعلة، وهو ما ليس متحققا الآن.ورغم التهديدات التركية المتواصلة بتنفيذ هجمات شمالي سوريا، يستبعد محللون إقدام أنقرة على مثل هذه المغامرة التي تعوقها عوامل داخلية وخارجية.
وتخضع المعادلة العسكرية في سوريا لحسابات الدول التي لها جيوش على الأرض وتتقاسم النفوذ فيها، إضافة إلى أن العلاقة التركية – الأميركية في أسوأ حالاتها.
وتنشط مقاتلات روسية ومقاتلون مدعومون من إيران ومسلحون مدعومون من تركيا ومتشددون إسلاميون وقوات أميركية وقوات حكومية سورية عبر مناطق في شمال سوريا.
ويرجح مراقبون معارضة روسيا لأي توغل تركي بري في المزيد من المناطق الواقعة على الطرق الدولية والتجارية مثل عين عيسى وتل رفعت، مع احتمالية الموافقة على السيطرة على بقعة جغرافية جديدة، بالقرب من الحدود التركية، وغير متحكمة بالطرق التجارية، مقابل حصول موسكو على مكاسب سياسية واقتصادية.
واستبعد هؤلاء إمكانية حدوث تغيرات ميدانية كبيرة على المشهد السوري، مرجحين أن تلجأ أنقرة إلى بدائل مرضية لها، مثل العمليات الاستخباراتية ضد قيادات قسد وحزب العمال الكردستاني بانتظار تغير الظروف السياسية.
واعتبروا أن الأوضاع الداخلية الآن لا تسمح لأنقرة باتخاذ قرار الحرب، مرجحين أن تؤجل أنقرة هجومها إلى أن تتهيأ الظروف الخارجية والمحلية، لشن عملية عسكرية في شمال وشرق سوريا.
ويرى مراقبون أن الضربات المكثفة التي تشنها مقاتلات حربية روسية وسورية على أهداف في إدلب خلال الأسابيع الأخيرة، تشير إلى أن الهدوء الذي رافق المنطقة منذ اتفاق مارس 2020، بدأ يتغير.وتزيد الضربات الجوية الروسية المكثفة على محافظة إدلب بشمال غربي سوريا الضغوط على تركيا.
وتوصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق بشأن خفض التصعيد في شمال سوريا غداة اللقاء الذي جمع بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، إلا أن مراقبين يشككون في صمود هذا الاتفاق لأن الوقائع على الأرض لا تعكس ذلك.
أنقرة والفصائل السورية الموالية لها شنت ثلاث عمليات واسعة النطاق في السنوات الأخيرة (2016 و2017 و2018 وأكتوبر 2019) على طول حدودها مع سوريا
ويشير مراقبون إلى أن عودة التصعيد الروسي يشكل مبعث ارتياح لدمشق التي تعتبر أن الخيار العسكري السبيل الوحيد لحل معضلة إدلب.
ومؤخرا، استقدمت القوات الحكومية تعزيزات نوعية إلى شمال حلب، وبشكل خاص إلى بلدة تل رفعت التي تقع بالقرب من خطوط التماس مع المسلحين المدعومين من تركيا.
واعتبر “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا أن هناك “تنسيقا واضحا” في استهداف مناطق الشمال السوري برّا وجوّا من قبل قوات سوريا الديمقراطية وروسيا.
ويقول المحلل السياسي التركي كريم هاس “لا يمكن أن يصبح الجزء الشمالي الغربي من سوريا، الذي يخضع عمليا لسيطرة القوات الروسية، موقعا لعملية جديدة من قبل تركيا، فمن الصعب تخيل أن يجرؤ أردوغان على ذلك”.
العرب
—————————-
====================
تحديث 29 تشرين الأول 2021
—————————
سوريا: طبول الحرب تحت سقف البازار السياسي/ إيفا كولوريوتي
“ما جرى في شمال سوريا هو القشّة التي قصمت ظهر البعير وتركيا ستقوم باللازم ” هذه كانت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما بعد الهجوم الصاروخي الذي نفذته قوات تابعة لميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية ضد سيارة للشرطة التركية جنوب مدينة مارع شمال سوريا، الهجوم الذي أودى بحياة شرطيين تركيين وجرح اثنين آخرين أتى بالتوازي مع تصعيد ميداني ودبلوماسي لدى كل من روسيا وأمريكا ضمن الملف السوري بشكل عام.
الهجمات الصاروخية والجوية
موسكو ومن خلفها الميليشيات الإيرانية وميليشيات الأسد زادت من هجماتها الصاروخية والجوية على محافظة إدلب ومحيطها ثم امتد هذا القصف ليشمل عفرين والباب ومناطق عملية نبع السلام.
هذا التصعيد الروسي ينطلق من حقيقة أن موسكو ترى أن الواقع الميداني المجمّد منذ آذار- مارس العام الماضي لم يعد مناسباً لرؤيتهم و للتطورات في الساحة الدولية.
أما على الجانب الأمريكي فهجوم مارع أتى بالضبط من بعد ساعات قليلة لإصدار البيت الأبيض ورقة إدانة لما وصف بالتحركات التركية المسببة لعدم الاستقرار في الشمال السوري ضمن توجه أمريكي معاد ورافض للسياسية التركية في الملف السوري بشكل عام والتي تأتي بالتوازي مع رؤية ديمقراطية أمريكية غير سعيدة بتحركات أردوغان وسياساته الإقليمية والدولية عموماً ، وفي ظل هذا الضغط الروسي والتوعّد الأمريكي أتى هجوم مارع لتعود طبول الحرب لتقرع من جديد في أنقرة فإلى أين يتجه المشهد في شمال سوريا ؟
في البداية يجب وضع بعض الثوابت بالاعتبار قبل رسم السيناريوهات التي يتم دراستها حالياً في أنقرة للرد على هجوم مارع ، ومن هذه الثوابت هي أن الهجوم الذي نفّذته ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية قد أتى بالتنسيق مع روسيا بشكل كامل، فمنطقة تل رفعت والتي انطلق منها هذا الهجوم يتم إمدادها بالدعم البشري والمادي من مناطق شرق سوريا عبر مناطق نظام الأسد بوساطة روسية، كما أن بقاء هذه السيطرة أتى ضمن رؤية روسية تحت شرط أن لا تُقدِم هذه الميليشيات على أي تحرك عسكري دون ضوء أخضر من موسكو وقاعدتها في حميميم.
أما الثابت الثاني فهو أن هذه الميليشيات الكردية (التي تقودها شخصيات تابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابياً) تحت الحماية الأمريكية في سوريا وهذه الحماية في ظل وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض حماية حقيقية وليست كما كانت عليه الحال تحت إدارة ترامب و الذي كان يعتبرهم ورقة لا أكثر ، و عليه فإن الديمقراطيين مستعدون للتصعيد في سبيل الإبقاء على هذه الميليشيات. انطلاقاً من هذه الثوابت يمكن دراسة السيناريوهات الممكن لأنقرة في الشمال السوري.
دراسة السيناريوهات
ضمن أي عمل عسكري تركي ممكن فإن أربع مناطق تضعها تركيا نصب عينيها في شمال سوريا وهي: كوباني ( عين العرب ) – تل رفعت – منبج – عين عيسى ، هذه المناطق لها أهميتها الاستراتيجية وعلى رأسها تل رفعت التي تشكل نقطة تمركز مهمة شمال مدينة حلب و مطّلة على الطريق الدولي حلب – غازي عنتاب كما أنها ذات تهديد مباشر على نفوذ إيران في بلدتي نبل و الزهراء ، التطور الحالي أتى من بعد قمة سوتشي التي جمعت كل من بوتين وأردوغان بشكل يوحي أن نتائج هذه القمة لم تكن مرضية لروسيا ضمن الملف السوري، وبالتالي أي عمل عسكري في مناطق محسوبة على موسكو ( تل رفعت – منبج – عين عيسى ) ستحتاج من أنقرة أن تكون مرنة لرفع يدها عن مناطق في إدلب ومحيطها.
أما على الجانب الآخر من الفرات فإن أي تقدم عسكري تركي هناك ( كوباني ـ الدرباسية ) حيث النفوذ الأمريكي سيكون بمثابة فخ لأردوغان وحكومته في ظل عدم استقرار اقتصادي وتذبذب لسعر الليرة التركية أمام الدولار ، خطوط النار هذه تجعل تركيا أمام خطابين الأول علني حيث التصعيد والوعيد وآخر أكثر براغماتية يبحث عن صفقة “ما ” .
قد يرى البعض أن أنقرة اليوم في موقع المضطر للتحرك شمال سوريا حفظاً لماء الوجه إلا أن للمشهد حقيقة مغايرة فهذا الهجوم قد يكون أتى بتوقيت مثالي لأنقرة وعلى عدة جبهات ، فبالرغم من دموية هذا الهجوم إلا أنه ليس الأول كما أنه ليس الأضخم ضد القوات التركية في سوريا، فمن بعد يومين من هذا الهجوم تعرضت دورية تركية أخرى لعبوة ناسفة في محافظة إدلب أدت لمقتل جنديين إلا أن هذا الهجوم الذي تبنته ميليشيا غير معروفة لم يتم تضخيمه إعلامياً من قبل الإدارة التركية كما هو الحال في هجوم مارع – تل رفعت و لهذا عدة أسباب، أهمها أن تركيا التي تواجه ضغوطات اقتصادية داخلية تتأثر بشكل كبير بالتوجه الأمريكي العام تجاهها وهذا التوجه السلبي مؤخراً من عقوبات بسبب صفقة الاس 400 مع روسيا وإنهاء دور تركيا في مشروع طائرات الإف 35 الأمريكية ثم التنديد الأمريكي للدور التركي في سوريا، كل هذه الأوراق الأمريكية ضد أنقرة تدفع الإدارة التركية للبحث عن أوراق مضادة وعليه فإن التهديد بعملية عسكرية ضد الميليشيات الكردية في شمال شرق سوريا سيجبر واشنطن للجلوس على طاولة التفاوض في سبيل منع هذه العملية وبالتالي تستطيع تركيا أن تحصل مقابل عدم الذهاب نحو الحل العسكري مكسبا “ما” من واشنطن ، و هو بالفعل ما ترجمه تصريح وزارة الخارجية الأمريكية قبل أيام أن واشنطن لاتزال مستعدة لمناقشات دور تركيا في مشروع الإف 35 و الذي تلاه من مؤشرات إيجابية عن صفقة بيع طائرات إف 16 من الجيل الرابع لأنقرة.
الضفة الروسية
على الضفة الروسية فإن تهديد أنقرة بشن عمل عسكري في مناطق تل رفعت ومنبج وعين عيسى ذات النفوذ الروسي سيشكل تهديداً خطيراً على رؤية موسكو للمنطقة بشكل عام ، فاندفاع تركيا نحو هذه العمل العسكري سيضع موسكو أمان سيناريوهين ، الأول أن تسمح بهذه العملية العسكرية وبالتالي تفقد موسكو ثقة الميليشيات الكردية في سوريا، وهو نقطة مهمة عملت عليها روسيا خلال العامين الماضيين ما بعد عملية نبع السلام، أما الخيار الثاني فهو مواجهة تركيا وهو ما قد يدفع أنقرة نحو قلب موازين المشهد العسكري في شمال سوريا، كما قد يؤثر على تفاهمات عدة بين موسكو وأنقرة كالملف الليبي وملف ناغورنو كاراباخ ، هذان الخياران المرّان قد يدفعان موسكو في المرحلة الحالية نحو التقليل من اندفاعها في إدلب في سبيل امتصاص الغضب التركي مما جرى في مارع .
إن التصعيد الإعلامي والمتصاحب مع لغة التهديد من قبل المسؤولين الأتراك تعيد للأذهان ما جرى من تمهيد ما قبل عمليات نبع السلام وغصن الزيتون، قد تكون تركيا بحاجة ماسة لتقليل أعداد اللاجئين السوريين في الداخل التركي من خلال السيطرة على مناطق جديدة إلا أن هذه الرغبة تتصادم مع مشهد سياسي مختلف تماماً سواء في موسكو أو واشنطن لما كان عليه الحال عام 2019 ، فروسيا أصبحت أقل مرونة للمناورات التركية في ظل انحسار مناطق سيطرة المعارضة السورية لتصبح ذات تأثير عسكري منخفض، وعلى الجانب الأمريكي يقف الديمقراطيون بانتظار أي خطأ لأردوغان وإدارته للانقضاض على اقتصاده المتعب سلفاً في سبيل تقليل حظوظ حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.
في المحصلة قد يكون خيار الضربات الجوية لنقاط تمركز ميليشيات وحدات حماية الشعب دون تغيير في مناطق السيطرة الخيار الأسلم لتركيا مع البحث عن مكاسب لا تشمل الجغرافيا السورية.
محللة سياسية يونانية مختصة في شؤون الشرق الأوسط
القدس العربي
——————————
أسئلة البحث عن استقرار المنطقة!/ أكرم البني
في الماضي، كان سهلاً القول إن الصراع العربي – الإسرائيلي، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني هما السبب الرئيسي وراء الاضطراب في منطقتنا، وإن استقرارها لن يتقدم بزخم وثبات ما دام المجتمع الدولي يأنف عن حل هذا الصراع، وفرض تسوية عادلة للمسألة الفلسطينية، بينما تثير التطورات والوقائع اليوم، بضعة أسئلة لا بد أن يجيب عنها كل من يبحث عن إنهاء حالة عدم الاستقرار والاضطراب التي يعيشها الإقليم، وتخميد نار الصراعات المزمنة التي تشتعل فيه منذ عقود.
أليس أمراً بدهياً أن ننظر إلى استقرار المنطقة، من قناة التداعيات السلبية التي خلفتها أزمة «كورونا» على الاقتصاد العالمي، وخاصة لجهة رسم سياسة أميركية جديدة تجاه الشرق الأوسط، خصصت الأولوية لمواجهة صعود الصين، وما تملكه من إمكانات هائلة، ودفعت الأهمية الاستراتيجية للإقليم إلى مرتبة متأخرة؟ وألم يدشن الانسحاب العسكري من أفغانستان مرحلة جديدة تجاه المنطقة تختلف عما عرفناه في العقود المنصرمة، حيث كانت واشنطن هي القوة المحركة والمؤثرة في توجهات دول الإقليم وتفاعلاتها؟ وألم يغدُ عدم الاستقرار الإقليمي وما عرف بسياسة الفوضى الخلاقة، من الصفحات المنسية، وقد ثبت عجز واشنطن عن السيطرة على تداعياتها والتحكم في ما خلفته من نتائج سلبية وأضرار؟ ثم كيف سنتخفف من عدم اليقين والخلل في توازن حفظ الأمن والسلام مع وضوح ميل واشنطن للعب دور إشرافي والإدارة من بُعد، وتبدل وسائل حماية مصالحها المتشعبة في المنطقة، والتي كانت تتضمن قواعد عسكرية، وتعاقدات أمنية، واتفاقات تجارية واقتصادية هائلة، مكنتها من إبقاء غالبية الخيوط التي تحرك الأحداث في يدها؟ وأخيراً، ألا يحتمل أن نشهد في مستقبل قريب موقفاً أميركياً، كما تشير التقديرات، يسلم فيه البيت الأبيض مفاتيح المنطقة للاعبين محليين، ويترك لهم، الكل بحسب قدراته وإمكاناته، أدواراً في رسم مستقبلهم وعلاقاتهم، مع ما قد يخلفه ذلك من خلافات ونزاعات، بما في ذلك فسح المجال لدخول أطراف خارجية كروسيا وتركيا وإيران بفاعلية إلى مناطق الأزمات، وأوضح الأمثلة ما يحصل في العراق وسوريا وليبيا ولبنان؟
في المقابل لا تغفل على أحد حقيقة النظام الإيراني وميوله إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتوسله النزاع المذهبي وتصدير الثورة لتعزيز النفوذ الإقليمي وتالياً تسلطه داخلياً ودعائم استمراره، ما يشجع على السؤال، هل ثمة جدوى من الحديث عن تغيير هذا النهج التدخلي لحكام طهران، أو بالحد الأدنى، هل ثمة فرصة جدية لتغيير سلوكهم، كأحد الرهانات على تهدئة صراعات المنطقة وتمكين عوامل الاستقرار فيها؟ أم أن هذا الحديث هو ضرب من الخيال كونه محكوماً بنهج عتيق للسلطة الإيرانية وبنيتها الآيديولوجية والسياسية العصية على التغيير؟ ثم هل بالإمكان معالجة قضايا الاضطراب الإقليمي بشكل ناجع من خلال الحوار المباشر مع إيران؟ هل ثمة أمل كي تتنازل طهران عن دعمها لوكلائها الإقليميين وكف يدها عن لبنان أو العراق أو اليمن أو إخراجها من سوريا؟ ثم ألا يدرك كل عاقل التأثيرات الخطيرة على التوترات في المنطقة حين يتم إحياء الاتفاق النووي مع طهران من دون اشتراطات تحد من نزعتها التوسعية؟ واستدراكاً، هل يصح الرهان على تعايش متوسط الأمد مع إيران بوضعها الحالي وبما تحمله من مشروع للسيطرة والنفوذ، أم نحتاج أولاً إلى مستوى من التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول الإقليم والعالم يضعف دوافع الوجود الإيراني، بشكليه، العسكري والميليشياوي، خاصة في الساحات الخاضعة لسيطرته حالياً، العراق وسوريا ولبنان، وبدرجة مختلفة اليمن؟
وفي هذا السياق، نسأل، هل فكر الداعون إلى تعويم النظام السوري القائم والتطبيع معه، بالمخاطر التي سوف تتركها اندفاعاتهم لإعادة تأهيله، على استقرار المنطقة؟ وألا يصح الاستنتاج بأن ما يبدونه من مرونة سوف يستغلها حكام دمشق كما هي عادتهم ليس فقط للخروج من مأزقهم الحالي، وإنما أيضاً لعودة حليمة لعادتها القديمة، ولممارسة الأذى والتدخل في شؤون الآخرين وتأجيج الخلافات ليعودوا إلى المنازعة على النفوذ الإقليمي؟ وبكلام آخر، ألا يرى أصحاب هذه الفكرة كم هو حجم الضرر على الاستقرار الإقليمي حين يتم التوافق على التطبيع مع النظام السوري، وإيجاد مكان له في المعادلات الإقليمية، ما يمكنه الإفلات من المحاسبة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها، وخاصة استخدام السلاح الكيماوي، ويشجعه على مزيد من العنف ضد المدنيين، وتالياً تشجيعه وتشجيع حلفائه، للتهرب من تنفيذ القرارات الدولية وتحديداً القرار (2254) عدا عن أن تقدم مسار التطبيع الغربي أو العربي مع هذا النظام، بدون انتقال وتغيير سياسي من شأنه تضييع فرصة إجباره على تقديم التنازلات، وأولها في الملفات الإنسانية المؤلمة، وكذلك تضييع الفرصة لتوفير مناخ صحي لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتخفيف انعكاس أوضاعهم ومعاناتهم في استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة؟
صحيح أن فرص التغيير السياسي التي أثارتها موجات الربيع العربي في العقد الأخير سببت مناخاً من عدم الاستقرار، وطالت بتأثيراتها وتداعياتها جميع الدول العربية، بدرجاتٍ مختلفة، ثم بلدان الجوار، إيران وتركيا وإسرائيل، كما شجعت الدول الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، على الانخراط فيها والتأثير في مجرياتها ونتائجها، وصحيح أنه لم يعد من إمكانية كبيرة، في ظل توازنات القوى القائمة، لإنعاش قوى التغيير، ولإحداث تبدلات مهمة في المعادلات السياسية، وقد نجحت قوى الأمر الواقع والثورة المضادة في إعادة إنتاج سيطرتها وفرض منطقها، وتمكنت من تدمير النسيج الوطني وهتك البنى الاجتماعية وتفكيكها، كما الفتك والتنكيل، قتلاً وسجناً وتهجيراً، بالنخب السياسية والثقافية والكفاءات العلمية، لكن الصحيح أيضاً أنه يفترض بجميع الفاعلين الداخليين والخارجيين، الذين يتطلعون إلى استقرار راسخ للأمن والسلام في الإقليم رفض الاعتراف بهذه النتائج أو التعاطي معها والبناء عليها، فمثل هذا الاستقرار يبقى مؤقتاً وخادعاً، وكأنه نار تحت رماد أو أشبه بقنبلة موقوتة لا يعرف أحد متى تنفجر، ما دامت الشعوب المظلومة لا تزال محرومة من حقوقها البسيطة، وما دام ما تعرضت له من أشكال السحق والتمييز والاضطهاد، لا يزال يعتمل في نفوسها ويترسخ، يوماً تلو آخر، في ذاكرتها الجمعية.
الشرق الأوسط
———————————————————-
بين الرهان والرهينة.. سوريا وعودة الطاغية الأسد/ أحمد بغدادي
بعد أن أغلقت دول عربية ومنها دول مجلس التعاون الخليجي سفاراتها في دمشق بسبب جرائم نظام الأسد وانتهاكاته ضد السوريين، عقب اندلاع الثورة السورية في عام 2011، تتهافت الآن تلك الدول لإعادة “تدوير” النظام وشرعنة وجود بشار الأسد في السلطة. إذ إن دولاً عربية باستثناء الجزائر والعراق ومصر والأردن وعمان، انسحبت من التمثيل الدبلوماسي في دمشق ووجّهت خطاباً قاسياً إلى نظام الأسد، وذلك على خلفية مقتل “بضعة آلاف” من السوريين في بداية الحراك السلمي، علاوة على مقاطعة شبه كاملة، ترجمها السوريون أنها خطوة مهمّة تفضي إلى إيقاف القتل والتدمير والاعتقالات، وتضعف من موقف نظام الأسد السياسي في الساحة العربية والدولية. بالتزامن مع هذه القرارات العربية والخليجية، بعيداً عن موقف دول الغرب آنذاك تجاه بشار الأسد ونظامه، الذي كان خجولاً وغير واضح، أو بالأحرى غير صارم، لمحسوبيات كلنا عرفناها لاحقاً، قرر السوريون مواجهة النظام للدفاع عن أنفسهم، وبدأت الانشقاقات في الجيش، وتشكيل غرف عسكرية أدّت إلى خلق جسم عسكري معارض حرر كثيراً من الأراضي السورية بلا دعم عسكري حقيقي _خارجي_ سرعان ما رأت فيه أميركا ودول الغرب، والخليجيون خطراً قد يغيّر ميزان القوى الاستراتيجية في سوريا والمنطقة، ويُحفّز شعوباً أخرى على المطالبة بالتغيير، وخاصةً في دول الخليج؛ عندئذ، تم إنهاك وإضعاف الجيش الحر (الممثل العسكري للثورة) واختراقه، وأسلَمَة صفوفه عبر قيادات راديكالية تحمل فكراً أيديولوجياً متشدداً، حتى ظهر تنظيم ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، الذي شُكل لمحاربته تحالفاً دولياً تقوده واشنطن، وتغاضى الجميع عن المقتلة السورية وجرائم “الأسد” والإيرانيين، والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية، فضلاً عن القتلة المأجورين التابعين لغرف المخابرات السورية!
كان الجميع يغض الطرف عن مجازر نظام الأسد وإيران، وذراعها “حزب الله” اللبناني بحق السوريين، واكتفوا فقط بالتنديد والاستنكار، ولم يشاهدوا سوى فصائل الثورة “الجيش الحر”، على أنها خطر ضمني يهدد استقرار سوريا، وهم في باطن الأمر، وكنهه، لا يريدون رحيل الأسد، لاعتبارات استراتيجية في المنطقة، وتقاطع مصالح، إضافةً إلى اصطدام بعض الدول التي طالبت وقتذاك بوقف العنف أو تقديم مساعدات إنسانية للسوريين بالفيتو المزدوج “الروسي والصيني” في مجلس الأمن! طبعاً، كان للوجود الإيراني ثقل كبير، وعائق صلب أمام أي إجراءات كانت لتحصل وتصبّ في مصلحة السوريين.
وعليه؛ لا بدّ أن نذكر زيارة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن وفد زعماء الخليج في قمة كامب ديفيد 2015 التي قادها الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما”، وتمحورت حول التهديد الإيراني لدول الخليج، وأنشطة إيران في المنطقة، ودعم مجلس التعاون “عسكرياً”. حيث سُرّبت معلومات مفادها أن بن سلمان قال لأوباما إن السعودية ليس لديها مشكلة مع نظام الأسد، بل إن التخوّف الحقيقي من إيران وميليشياتها. وعقب ذلك، بمدة قصيرة، خلال حزيران 2015، قام بن سلمان بزيارة إلى روسيا، وفي “سان بطرسبورغ” التقى مع بوتين، لإنهاء عقود صفقات أسلحة وملفات أخرى؛ وقتئذ دعا بن سلمان الرئيس الروسي بوتين إلى دخول سوريا، وفقاً لصحيفة الغارديان
، وسعد الجبري المستشار الأمني في وزارة الداخلية السعودية، الذي هرب خارج المملكة في عام 2017 إلى كندا، وقدّم تصريحات عديدة في الإعلام الغربي، تخص تورط محمد بن سلمان بمحاولة اغتياله في كندا، وتنسيقه مع الروس في ملفات خطيرة، منها دعم التدخل الروسي في سوريا.
إذن، كما ذكرنا في مطلع الحديث، أن دولاً عديدة بدأت بإعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، منها البحرين والإمارات، ومنذ مدة وجيزة أعاد الأردن علاقاته مع دمشق، ونرى الآن، أن السعودية تسير في الطريق ذاته، لكن بخطىً حذرة وغير معلنة بشكل واضح، إلا أنّ ما قد يشجّع الرياض إلى إعلان إعادة العلاقات مع نظام الأسد وبشكل غير مجزوء، وبلا إملاءات على الأسد، ليس الضوء الأخضر الأميركي المتمثل في إهمال الملف السوري لصالح دول أخرى أصبحت فاعلة فيه، ولا حتى تسابق شقيقاتها العواصم الخليجية إلى دمشق، بل إن الأمر المحض في عودة العلاقات بين الرياض ودمشق، هو استعادة نظام الأسد إلى الحظيرة العربية، وإلغاء تبعيّته للمدّ الإيراني (الفارسي)، الذي يراه الخليجيون خطراً داهماً، أو ثوراً هائجاً قد يقتحم أسوارهم؛ ومن الأمور المهمة في إعادة العلاقات مع الأسد، هي إرضاء روسيا، الحليفة الشرسة لنظام الأسد، والتي تنسق بدورها مع “إسرائيل” التي تلتقي مع الخليجيين في الهدف ذاته، وهو تحجيم الوجود الإيراني في سوريا، وعدم السماح بخلق تنظيمات تشبه حزب الله في سوريا، مع ضرب العمود الفقري للتنظيمات المتشددة والميليشيات، المتوزعة بين العراق وسوريا واليمن ولبنان، مخافة من تهديداتها المستقبلية.
أما الروس، فهم ينساقون كما نشاهد إلى مناجزة الأميركان، بكسب أطراف عربية وإقليمية، على حساب أطراف أخرى كانت حليفة لواشنطن، لذا، واشنطن تراقب، وتعي ذلك، وتمهد حالياً لحلف قوي دولي في المحيطين الهادي والهندي، لإضعاف الصين، وروسيا، وإلهاء المعسكر الشرقي بمشكلات داخلية وخارجية؛ إذ إنها سمحت لروسيا بإنقاذ نظام الأسد سياسياً وعسكرياً، ولإيران بالتغلغل داخل سوريا منذ بداية الثورة.. وهذي السياسة، لم تكن من أجل التراخي، بل لإنهاك الأطراف، وإن واشنطن على المدى البعيد في الملف السوري، لعبت دور إدارة الأزمات، وتوجيهها، وعدم التدخّل فيها إلا بأوقات مناسبة!
وكما قال هنري كيسنجر “لا حرب من دون مصر، ولا سلام بلا سوريا في الشرق الأوسط”. وهنا، إن صحّ التعبير، والمقصد في الشأن السوري، يعود إلى موقع سوريا الجيوسياسي، ومدى تأثير الجغرافيا السورية على السياسات والقرارات في المنطقة، وخاصةً وجود ما تسمى “إسرائيل” إلى غربها، وتركيا من الشمال، حيث تعدّ الأخيرة بوابةً تطل على أوروبا، والتي تعمل أميركا مع بعض دول أوروبا لإخضاعها، والتأثير في سياساتها واقتصادها. وعلى ما ذكر أعلاه، فإن مقصد كيسنجر لم يكن هو أن رؤساء سوريا هم من يصنعون السلام، فنحن عهدنا نظامي الأسد والابن الوريث، طوال خمسة عقود، لم نرَ منهما سوى القتل والقمع والتدمير، ولم يكن السلام عنواناً لديهما، وهذا أن سوريا رهينة قرارات دولية وأنظمة شمولية استبدادية، وعلى الشعب السوري أجمع، أن يوحّد صفوفه كي يكون باستطاعتنا اقتلاع نظام الأسد، والتحرر من التدخلات والإملاءات الخارجية، والانعتاق من ظاهرة الرئيس الواحد للأبد.
تلفزيون سوريا
————————-
أربع جبهات محتملة للمعارك شمال شرقي سوريا
مقاتلو «قسد» يقولون إنهم «مستعدون للمواجهة»
القامشلي: كمال شيخو
على مشارف بلدة تل تمر بريف محافظة الحسكة الشمالي، تمزق زخات قذائف المدفعية الثقيلة سكون الليل وصمت النهار منذ أيام، ويراقب مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مدججين بأسلحتهم وبذاتهم العسكرية يرابطون منذ أسابيع في منازل مهجورة بقرى خاوية؛ الحركة النشطة على خطوط التماس الفاصلة مع الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية لها، ولا تغيب عن سماء المنطقة تحليق طائرة استطلاع «درون» تركية تنشر بأزيزها الذعر؛ قبل أن توجه ضربة خاطفة على موقع عسكري أو سيارة تقل قياديا.
و«جبهة» تل تمر بالحسكة واحدة من بين أربع جبهات عسكرية ساخنة معرضة لهجوم وتوغل تركي جديد على غرار العمليات العسكرية (نبع السلام 2019 وغصن الزيتون 2018)، التي نفذتها ضد مناطق سيطرة قوات «قسد» المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن، والمجال الجوي لهذه المنطقة منقسمة بين الطيران الحربي الأميركي التي توجد في قاعدة «القسرك» المجاورة لتل تمر شرقاً نحو 25 كيلومتراً، والقوات الروسية المتمركزة في قاعدة القامشلي ولديها قاعدة ثانية داخل تل تمر تقع بجهتها الغربية لحماية جنودها، والطيران التركي المسير الذي وجهت ضربات جوية موجعة استهدفت قيادات كردية بارزة.
وتشهد هذه الجبهة قصفا متبادلا عنيفا بين قوات «قسد» من جهة، وفصائل «الجيش الوطني السوري» والجيش التركي من جهة ثانية، حيث تطالب تركيا بتنفيذ كامل بنود اتفاق «سوتشي» بين موسكو وأنقرة القاضي بانسحاب القوات الكردية من منطقة حدودية مع تركيا بعمق 30 كيلومتراً وطول 440 كيلومتراً، على أن تحل مكانها القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بضمانة ومراقبة الجيش الروسي، ومنذ توقيع الاتفاق في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 سيرت الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التركي أكثر من 50 دورية عسكرية على طول الحدود، للتأكد من تطبيق الاتفاق شملت مدن وبلدات القامشلي وعامودا والدرباسية وأبو راسين بالحسكة، إضافة لمدينة عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي.
وانسحب القصف التركي إلى جبهة عين عيسى وهي «الجبهة الثانية» بريف مدينة الرقة الشمالي، وهذه المنطقة تشكل حلقة وصل وعقدة مواصلات تربط مناطق الإدارة الذاتية في الرقة والجزيرة السورية وريف دير الزور الشرقي، بمدينة حلب الصناعية التي يمثل سقوطها ضربة قاسمة لنجاح مشروع الإدارة وعزل مناطقها جغرافياً.
وتنتشر في عين عيسى القوات النظامية والجيش الروسي إلى جانب قوات «قسد» والأخيرة تديرها مدنياً، ومجالها الجوي يخضع لتفاهم روسي تركي وتوجد قاعدتان للقوات الروسية إحداها داخل البلدة وثانية في منطقة تل سمن، أما القوات النظامية لديها 3 نقاط وقواعد عسكرية ويقدر عدد قواتها بنحو ألف جندي، في وقت يتمركز الجيش التركي في 20 قاعدة عسكرية محاذية للطريق الدولي السريع (إم 4) في محيط بلدتي تل تمر وعين عيسى.
ويقدر خبراء ومحللون عدد القوات العسكرية الخاضعة لنفوذ «قسد» المنتشرة بالقرب من الحدود التركية بنحو 35 ألفاً من بين 110 آلاف مقاتل عدد القوات، وبحسب تصريحات سابقة لقائد القوات مظلوم عبدي كشف بأنهم شكلوا قوات حرس الحدود المؤلفة من 30 ألفاً، إلى جانب 5 آلاف مقاتل من القوات الخاصة، موزعين على الأفواج والمجالس العسكرية وعددها 15 مجلساً تنتشر على طول الحدود التركية، وكشفت صحف تركية قيام أنقرة بتجهز أكثر من 35 ألف عسكري سوري من المحتمل المشاركة في عملية عسكرية شمال شرقي البلاد.
أما «الجبهة الثالثة» الساخنة تقع في ريف حلب الشرقي وتضم مدينة عين العرب (كوباني) ذات الغالبية الكردية، ومدينة منبج وقرية العريمة العربيتين وهذه المناطق متداخلة وتشكل نقطة التقاء الجهات المحلية المتحاربة وحلفائها الداعمين الإقليميين والدوليين، ويتمركز الجيش الروسي في قاعدة بالعريمة، أما الجيش السوري ينتشر على طول خط الساجور في ريف منبج الغربي ولا يعرف عدد قواتها هناك.
وتعد جبهة تل رفعت «الجبهة الرابعة» وتقع بريف حلب الشمالي وتضم بلدات فافين وأحرص وكفر نايا إلى جانب قرى حربل وشيخ عيسى وكفر ناصح، إضافة إلى جزء من ريف ناحية شيراوا التابعة لمدينة عفرين الكردية، وتبعد 35 كيلومتراً عن مركز حلب، وتنتشر القوات الموالية للأسد في جميع أنحاء الجيب لكن إدارتها المدنية خاضعة لـ«قسد» ويقع على الطريق الرئيسي الذي كان يوصل مدينة حلب السورية بمدينة غازي عنتاب التركية، وتسعى أنقرة وموسكو لفتح هذا الطريق للاستفادة من عوائده المالية وتنشيط حركة الترانزيت بين دمشق والمدن التركية.
الشرق الأوسط
———————————
حكومة من 8 وزراء وبقاء الأسد.. ادعاءات لنصر الحريري عن طرح مقدم للمعارضة/ سامر العاني
قال رئيس الائتلاف السابق “نصر الحريري” خلال اجتماع الهيئة السياسية أمس الخميس، إنّ ثلاث دول تواصلوا معه وقالوا إنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تنظر بجدّية لإسقاط بشار الأسد وأنّ الحل لديهم هو تشكيل حكومة وحدة وطنية من ثمانية وزراء مناصفة بين المعارضة والنظام السوري، على أن يكون رئيس الحكومة من المعارضة السورية في حين يبقى بشار الأسد رئيساً للجمهورية بصلاحيات محدودة.
وأضاف خلال الاجتماع الذي يحضره للمرة الثانية منذ انتهاء دورته في رئاسة الائتلاف قبل نحو ثلاثة أشهر، أنّ هذا الأمر يجب أن يناقش بجدّية وواقعية سياسية، فالمزاج الدولي لم يعد في صالح المعارضة السورية.
ردود أفعال
تباينت ردود الفعل داخل الهيئة السياسية بين متشجّع لمناقشة هذا الطرح والنظر إليه بواقعية، ورافض لتداوله أو النظر إليه بجدية أو حتّى تداوله، معتبرين أن الحل في سوريا ينطلق من بيان جنيف والقرار 2254.
وقال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني ورئيس مكتب العلاقات الخارجية في هيئة التفاوض السورية “بدر جاموس” إنهم لم يسمعوا هذا الكلام بالمباشر لا من الأميركان ولا من غيرهم رغم أن الظروف الدولية “غير مريحة”.
وأضاف خلال حديث خاص لتلفزيون سوريا: “الائتلاف وهيئته السياسية وهيئة التفاوض أيضاً لديها موقف واضح وضوح الشمس، فالعملية السياسية بالنسبة لنا هي تحقيق الانتقال السياسي وتطبيق القرار 2254 من هيئة حكم انتقالي ودستور جديد وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وليس بضع مناصب في حكومة وحدة وطنية تعيد إحياء النظام السابق وإعطاءه شرعية من جديد، وتلك هي المواقف الثابتة والمبدئية للائتلاف الوطني”.
الموقف المعارض وغايات نصر الحريري من هذه الادعاءات
لا يروق هذا الطرح لأحد بعد قرب مرور 11 عاماً على انطلاق الثورة السورية، لا سيما أنّه لم يكن مقبولاً منذ انطلاق الثورة السورية، وذلك بناء على إيمان راسخ بفكرة أن النظام السوري لن يغيّر من سلوكه مادام بشار الأسد على رأس هرم السلطة.
ويقول الكاتب في الشأن السياسي درويش خليفة لموقع تلفزيون سوريا إنّ المثير للدهشة، بعد عشر سنوات على انطلاق الحراك الشعبي في سوريا، نرى الفشل في إنتاج مشروع سياسي بمرجعية وطنية واستراتيجية مرنة تعتمد على المعطيات والأدوات المتوفرة، التي تزيد وتنقص بين الحين والآخر، انطلاقا من المواقف الصلبة للدول الداعمة للمعارضة السورية.
وأضاف : “الأغرب من ذلك أن أحد المعارضين الذي اندمج في الكيانات الرسمية للمعارضة منذ دخوله الائتلاف وتولى منصب الأمين العام 2014، ثم رئيس الوفد الاستشاري لوفد الهيئة العليا للمفاوضات 2016، ورئيسا لوفد الهيئة ذاتها في محادثة جنيف 2017، ورئيس هيئة المفاوضات، مختتماً كل هذا الرصيد بعودته كرئيس للائتلاف الوطني المعارض، بطرح موضوع أثار دهشة واستغراب الحاضرين لاجتماع الائتلاف الأخير، على أن 3 دول تواصلت معه لمناقشة موضوع الحل السياسي وفق الرؤية الروسية التي تنص على مشاركة النظام في الحكم، من خلال منح المعارضة عددا من الوزارات، بالإضافة إلى رئاسة الحكومة، وبقاء بشار الأسد رئيساً بصلاحيات أقل مما كانت عليه في السابق.
وأشار “خليفة” إلى أنّه من الواضح أن عرض الحريري للموضوع بهذا الشكل، هو مناورة لإعادة تذكير المجتمعين في الائتلاف، بقوته السياسية وحضوره الإقليمي، مما يوحي بأنّ دبلوماسيي الدول الفاعلة بالشأن السوري ما زالوا يعتمدون عليه في تسويق مشاريعهم، خصوصاً بعد الفشل الذي اعترى عمل اللجنة الدستورية وتقصد النظام عرقلة تقدمها، لأسباب عديدة؛ مثل الضغط على الدول الغربية لرفع العقوبات وفك الحصار الاقتصادي المفروض على النظام في دمشق.
وختم بالقول: “كل ما تم تسريبه عن اجتماع الائتلاف يوحي بأن الحريري قد يكون جزءا من هذه العملية المقترحة، فيما لو تعاطت معها بعض الدول الحليفة، والأهم من ذلك كله، موافقة بعض ممثلي القوى السياسية من خلال صمتهم على طرح الحريري الذي يتناقض مع ما خرجت من أجله ثورة الحرية والكرامة وقداسة دماء شهدائها في مراحل لاحقة”.
يذكر أنّ عدة طروحات قدّمت للمعارضة السورية من أجل مسار الحل السياسي، إلا أنّها لم تكن بتلك الخطورة ولم تتطرق لبقاء الأسد في السلطة، إلا أنّ الظروف المحيطة بفشل الجولة السادسة من اللجنة الدستورية هيّأ أرضية لطرح أي رؤية للحل انطلاقا من شعور المعارضة بالانكسار والخذلان، بحسب مراقبين.
——————–
أوباما وصناعة الكارثة السوريّة/ عبد العزيز مطر
طيلة أعوام الكارثة السورية التي أفضت إلى هذا الدمار الكبير للبيئة السورية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والوطني السيادي، هذه الكارثة التي تقع مسؤوليتها الجرمية على نظام بشار الأسد وحلفائه، ويتحمّل المجتمع الدولي جزءاً كبيراً من المسؤولية الأخلاقية في هذه الكارثة بسبب طريقة التعاطي مع مأساة السوريين.
هذا التعاطي اللامسؤول تتحمّل الولايات المتّحدة جزءاً كبيراً منه كونها تقع في واجهة المجتمع الدولي، وهي مركز ثقل القوة الدولية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وبالتالي يقع على عاتق استراتيجية الولايات المتحدة مع الوضع السوري الجزء الأكبر من المسؤولية بسبب السياسة التي اختطّها السيد أوباما وإدارته الديمقراطية وتابعها حرفياً حتى الآن نائبه السابق ورئيس الولايات المتحدة الأمريكي الحالي السيد جو بايدن.
المشهد اليوم، أنّ بشار الأسد الذي كان منبوذاً على الصعيد الدولي يستعدّ للعودة إلى المسرح الدولي بعد أن كان خلال العقد الماضي يسعى للبقاء في كرسي الحكم خلال انتفاضة الشعب السوري، مستفيداً من الظروف الدوليّة والاستراتيجية الأمريكية الحالية ليقف على ركام دولة وشعب قام بتدميره مستنداً على حليفيه الرئيسين الروسي والإيراني، الذين قدما كل أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لوأد ثورة الشعب السوري، واستطاع عبر حلفائه استعادة أجزاء كبيرة من الأرض السورية التي خرجت عن سيطرته.
هذا المشهد وهذه السياسة الأمريكية أدّت بطبيعة الحال لسعي دول عربية لاستشعار هذا الخطر، وبدأت بالتفكير جداً في محاولة تشكيل تحالف للضغط على الوجود الإيراني في سوريا، من خلال محاولات لخرق وفك عرى الترابط بين النظام السوري ونظام الملالي، من خلال إعادة علاقات جزئية مع النظام لا توحي إلى الرغبة بالتطبيع بقدر إيحائها بمشروع مضاد وتحالف في وجه تمدّد نظام الملالي في سوريا، بعد قطيعة دامت لعشر سنوات بسبب ما حدث في سوريا والضغط الشعبي في تلك البلدان.
هذا المشهد وهذه السياسة الأمريكية تشير لحجم النفاق السياسي الكبير الذي يسوّقه الإعلام الأمريكي من خلال رفض الولايات المتحدة للتطبيع مع الأسد لتحويل الأنظار باتجاه الأنظمة العربية التي تحاول الدفاع عن أمنها الوطني في وجه الخطر القادم الإيراني. كل هذا المشهد صنع مغالطات تاريخية كبيرة لابد من ذكرها، وهي أنّ إيران وروسيا من أبقتا الأسد وأنّ الأسد قوي بما يكفي ليبقى في سدّة الحكم وأنّ سياسة الولايات المتحدة الحالية تسعى لإسقاطه أو تعارض لبقائه، وأنّ حلفاء واشنطن هم من يطبّعون مع الأسد رغماً عن إدارة واشنطن.
كل هذا الكم الكبير من المغالطات التي يتم تسويقها حالياً يعلم الجميع أنّها منافية للحقيقة تماماً، فالضوء الأخضر الذي أعطي للروس لدعم الأسد وغضّ الطرف عن التدخل الإيراني وحزب الله منذ اليوم الأول من الثورة السورية والسعي لإفراغ قانون قيصر، كل هذا من فعل الاستراتيجية السياسية للإدارتين الديمقراطيتين السابقة والحالية لأمريكا. بالتأكيد إنّ هذه البروبغندا الإعلامية الأمريكية أصبحت قديمة ومكشوفة وواضحة ولن يكون لها مكان في صفحات الحقيقة وما تروّج له في الموضوع السوري.
إنّ مسؤولية اطّلاع السوريين على مسببات هذه الكارثة واطّلاعهم على حقيقة المتسببين بإطالة أمدها وبقاء هذا المستبدّ المجرم في سدّة الحكم هي مسؤولية تاريخية وأخلاقية، هذه المسؤولية ستولّد حافزاً لدى السوريين الراغبين بالتغيير وبالديمقراطية، ومما لا شك ولا لبس فيه أنّ إدارة السيد أوباما السابقة تتحمل وزراً كبيراً وخطأ تاريخياً في بقاء الأسد في الحكم حتى هذه الساعة بالرغم من أنها لم تكن في واجهة دعم النظام، وإنما عبر أدواتها ونفوذها في مجلس الأمن وإفساح المجال للروس والإيرانيين في التعاطي العنيف الإجرامي مع الشعب السوري، وتعاطيها مع مسائل جريمة الكيماوي وقتل السوريين وغيرها من جرائم اقترفت بحق السوريين.
إنّ الحديث الإعلامي الأمريكي عن التدخل الإيراني في سوريا واستخدام الروس لأعلى مستويات القوة العسكرية في سوريا ما هو إلا ذرّ الرماد في العيون، وكل هذا حدث برضى أمريكي أو بغضّ الطرف من قبل إدارة أوباما ومتابعة من إدارة السيد جو بايدن على نفس النهج.
جميعنا يعرف أنّ سياسة التراخي والاحتواء الإيجابي لإيران في المنطقة التي انتهجها السيد أوباما هي من مكّن إيران من إرسال عشرات الآلاف من المرتزقة لسوريا لتدمير سوريا بالكامل وارتكاب أبشع مجازر العصر من أجل تحقيق نصر مزعوم للسيد أوباما في مجال الاتفاق النووي يسجل في تاريخه وتاريخ الإدارة الديمقراطية متناسين أنه بهذه الاستراتيجية خلّد التاريخ هذه الإدارة كشريك بشكل أو بآخر بما حدث في سوريا. ولم تكتفِ إدارة السيد أوباما بهذا، بل حاولت ومنعت كل مشروع أو عمل لمعاقبة المجرم الأسد على جرائمه وتجاوزت في ذلك كل الخطوط الحمراء التي رسمتها لنفسها وللأسد عبر تجاوزها مسألة وجريمة استخدام النظام للسلاح الكيماوي ووقوفها ضد أي عمل عسكري لمعاقبة النظام واكتفائها بلجان تفتيش لن تنهي عملها ونتائجها قبل عقود من الزمن.
هذه السياسة سمحت لإدارة أوباما بالتفاوض مع دول حليفة للأسد، كالروس والإيرانيين، على ملفات أخرى على حساب دماء الشعب السوري، كالملف النووي والقرم والوجود الأمريكي في العراق وغيرها، وبفعل هذه السياسات وتغوّل حلفاء الأسد، الروس والإيرانيين، تحوّلت سوريا بأكملها لإرث دموي للسيد أوباما وإدارته، فازداد التطرّف نتيجة هذا التخاذل الدولي وهذه السياسة.
وبالنسبة لإدارة السيد بايدن، فكل المؤشرات تدلّ أنّه يسير بخطى ثابتة بسياسته على خطا السيد أوباما، حيث يظهر المجرم الإيراني ونظام الملالي في طهران في دائرة التقارب والاهتمام بالنسبة لإدارة السيد بايدن، كما قامت سابقاً إدارة أوباما، فخلال الأشهر الماضية قدمت هذه الإدارة وسياستها جملة من التنازلات لنظام الملالي، وهذه التنازلات أعادت لنظام الملالي قوّته وقوة أذرعه في سوريا ولبنان والعراق، وما حدث في لبنان مؤخراً يظهر هذا بشكل واضح.
وبدت هذه التنازلات باعتراض إدارة بايدن على قيام دول عربية بإعادة علاقتها الدبلوماسية مع ذراع إيران في سوريا المتمثّل بنظام الأسد، مع علمها ومعرفتها بدوافع هذه الخطوة العربية والإقليمية، فإدارة السيد بايدن لم تدع لحلفائها الإقليميين أي مجال للمناورة بعد تنازلاتها في الملف النووي، مما أدى لقيام هذه المجموعة بالسعي لتشكيل جبهة مضادة للحلف الإيراني والسعي لخرقه عبر إعادة العلاقات الجزئية للحد من النفوذ الإيراني بدمشق ولبنان والعراق، وهذا مشروع، بسبب حق هذه الدول المشروع للحفاظ على أمنها الإقليمي والوطني، وجميعنا يدرك الالتفاف الكبير الذي تقوم به الإدارة الأمريكية حول قانون قيصر والسعي لإفراغه بغض النظر عن اتفاقيه الغاز المصري التي لا تمثّل إلا جزرة تلوّح بها الدول الإقليمية لنظام الأسد لفك ارتباطه مع النظام الإيراني ولن يكون هذا المشروع إنقاذاً للأسد بقدر كونه تحفيزاً لنظام الأسد لفك تحالفه مع نظام الملالي.
جميعنا يدرك أن حجم الكارثة كبير وأن ما يزيد من ألمها هو السياسة الأمريكية الحالية التي تريد أن تعود لحضورها القوي في المنطقة عبر تقديم تنازلات لإيران في المنطقة لتحقيق نصر سياسي حزبي للديمقراطيين وابتزاز حلفائها الإقليمين من خلال التلويح بالأزعر الإيراني كل فترة.
لا شك أن الساسة الأمريكيين سيدركون لاحقاً فداحة الخطر والخطأ والذي ارتكبوه بحق السوريين وشعوب المنطقة من خلال التغاضي عن خطورة المشروع الإيراني الذي سيكون الخنجر الذي سيدمي قلوب شعوب المنطقة، وسيتعدّى هذا الشر منطقة الشرق الأوسط ليصل إلى أماكن أكثر بحيث يتحسّس الجميع في مناطق أخرى نتيجة هذه السياسة الأمريكية.
———————-
العقوبات الأميركية و”الضحك ع الدقون”!/ عالية منصور
عندما يتوقف قلب الإنسان بشكل مفاجئ، فإن التدخل الطبي العاجل والفوري حاسم لإنقاذ حياته، وهذا يكون عادة بإرسال صدمة كهربائية لإنعاش القلب العليل واستعادة نبضه.
هذه المعلومة تصلح في الطب وباتت تصلح أكثر في السياسة، فالأسد مات عام 2012 عندما فقد أطرافه بفقدان أغلب مناطق سوريا خارج العاصمة، لكن تدخل إيران العاجل والكثيف عبر جزارها قاسم سليماني وأذنابه في لبنان والعراق، ساهم في إنعاش الأسد وإبقائه على قيد الحياة إلى عام 2013 عندما قدم باراك اوباما قبلة الحياة له عبر تفاهم الكيماوي.
الأسد يعاني الآن في قلب المنطقة التي يسيطر عليها، وبات الخطر الأكبر عليه ليس من معارضته بل من مواليه وحاضنته التي باتت تئن تحت وطأة الفقر ونقصان الموارد، الأمر الذي يهدد بانقلاب المنطقة التي يسيطر عليها إلى حالة كاملة من الفوضى بدأت ملامحها تظهر عبر تحول الميليشيا والشبيحة الذين قاتلوا من أجل الأسد إلى عصابات سلب ونهب وخطف تحت بصر الأسد العاجز والمشلول، وبايدن الذي كان نائبا لأوباما عندما تم إنقاذ الأسد عام 2013، يبدو أنه بات يعشق دور المسعف، فها هو الآن يقدم للأسد الكهرباء لإنعاش قلب الأسد، وهنا الكهرباء ليست مجازية بل حقيقية من خلال السماح للأردن بتزويد لبنان بكهرباء تمر عبر الأسد، هذا القرار الأميركي الذي تجاوز قانون “قيصر” يعتبر طوق نجاة للأسد، ليس بسبب مردوده الاقتصادي أو المالي كما يظن البعض وهو مردود قليل بكل الأحوال، بل إن نجاة الأسد تكمن عبر إيصال رسالة لمؤيديه وحاضنته التي تتململ، بأن أميركا راضية عن الأسد وأنها مستعدة لاحقا للتعامل معه وهي سمحت بفتح الأبواب العربية أمامه.
وبايدن لا يكتفي بأخذ دور الطبيب الجاد والمسعف الحازم للأسد بل هو أيضا قادر على إضحاكنا عبر قرارات “مهضومة”، وفعلا لم أجد مصطلحا أكثر تعبيرا عن قرارات الادارة الأميركية التي تناقض بعضها البعض بشكل مضحك وغير “مهضومة”.
ففي الوقت الذي أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض “ان الأميركيين أعطوا الضوء الأخضر لمشروع نقل الكهرباء إلى لبنان”.
وبعدما جاءت الموافقة الأميركية على استجرار الكهرباء الى لبنان من سوريا متغاضين ومتجاهلين قانون قيصر، والعقوبات التي فرضوها هم على نظام بشار الاسد بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، في الوقت عينه، أعلنت الولايات المتحدة عينها فرض عقوبات على سياسيين ورجال اعمال لبنانيين بتهم الفساد او التعامل مع حزب الله، نعم بتهمة التعامل مع حزب الله الذي يقاتل من أجل بقاء الأسد.
نعم ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن “مهضومة”، تتغاضى عن العقوبات عن القاتل بشار الاسد وتفاوض وتقدم التنازلات للجمهورية الاسلامية في ايران وتفرض عقوبات على شخصيات لها علاقة مع حزب الله، او شخصيات “استفادت من تفشي الفساد والمحسوبية في لبنان”. وفق ما نقِل عن الخزانة الاميركية التي فرضت العقوبات على النائب جميل السيد ورجلي الأعمال اللبنانيين جهاد العرب وداني خوري.
وذكرت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الوزارة ان “وزارة الخزانة لن تتردد في استخدام أدواتها لمعالجة الإفلات من العقاب في لبنان”. كذلك، ذكرت تفاصيل العقوبات على كل من الشخصيات المذكورة، فمثلا جهاد العرب “حصل عام 2016 على 288 مليون دولار بدل عقد مع مجلس الإنماء والإعمار لتأهيل مكب للنفايات لكن أزمة النفايات عادت منذ العام 2019″، وطبعا ذكرت المسؤولة الاميركية تفاصيل اعمال العرب غير المشروعة والمحسوبيات التي استفاد منها في زيادة ثروته”. أما النائب اللواء جميل السيد فوفقا للمسؤولة فقد تمت مساعدته “من قبل مسؤول رفيع في الحكومة على تحويل ١٢٠ مليون دولار أميركي خارج لبنان لاستثمارها لكي يغتني هو وشركاؤه”. وعن خوري، لفتت الى انه مقرب من النائب جبران باسيل “وحصل على عقود كبيرة في مجال الخدمات العامة نتيجة علاقته القريبة بباسيل والتي تسببت في هدر ملايين الدولارات نظرا لعدم التزامه بشروط العقود”.
بكل تأكيد يستحقون العقوبات بل والمحاسبة والملاحقة والسجن ايضا، لكن “في اهضم” ممن يحاسب فاسدا ومرتشيا ويتغاضى عن قاتل؟ هل هو انفصام اخلاقي تعاني منه ادارة بايدن، أم ان الشعبوية التي اعتدناها من دول مثل كوبا وكوريا الشمالية عرفت طريقها الى البيت الابيض؟ نعم لمحاكمة جهاد العرب بسبب ملف النفايات، ونعم لعدم تطبيق العقوبات على بشار الاسد الذي قتل آلاف السوريين بالسلاح الكيماوي. نعم لفرض عقوبات على جميل السيد بسبب تحويل اموال الى الخارج (وبكل تأكيد يستحقها لأسباب غير التي تم ذكرها في القرار الاميركي)، وفي الوقت عينه نعم للتغاضي عمن قتل عشرات آلاف البشر تحت التعذيب في سجونه. هل يعلم بايدن لماذا سمي القانون بقانون قيصر؟ ام ان ذاكرته الهرمة كما يقال لم تعد تسعفه؟
فليذكّره أحد أنه يوما ما كانت الولايات المتحدة قوة عظمى ليس لأنها كانت تلاحق ملف نفايات أو تحويل أموال. وشخصيا لست ضد ملاحقة أي فاسد، ولكن ما تقوم به إدارة بايدن أقل ما يقال عنه “ضحك ع الدقون”.
———————————-
نُذر الحرب في الشمال السوري/ رياض نعسان آغا
يبدو الوضع في الشمال السوري الآن مقلقاً، فثمة تهديدات بمعارك عنيفة يتم التمهيد لها كل يوم بقصف وضحايا، وثمة خوف من اندلاع الحرب على مدى واسع، ومن تحولها إلى صراعات دولية تزيد الوضع السوري قسوةً. وهناك في الشمال السوري، شرقه وغربه، أكثر من خمسة ملايين من سكان المنطقة ومن النازحين إليها، وهؤلاء لن يجدوا ملاذاً آمناً يلجؤون إليه حين تشتد المعارك، فالأتراك يعلنون أنهم لن يستقبلوا المزيد من اللاجئين، وستواجه أوروبا موجات جديدة وضخمة من الهاربين إليها بمغامرات في شتاء البحر، وسيكون هناك عشرات الآلاف من الضحايا (لا سمح الله)، وهذا ما يدعو إلى مطالبة أصدقاء الشعب السوري بأن يسعوا إلى إيقاف الانزلاق نحو المواجهة العسكرية، وإلى إيجاد حلول سياسية تنهي مسببات الحرب.
وأنا شخصياً أدرك أهمية الحاجة إلى تغيير جذري في الشمال، فالتنظيمات المسيطرة في المناطق الشرقية والغربية لا تعبّر عن أهداف الشعب السوري، ولا تملك القدرةَ على الاستمرار، وليس مقبولاً أن تظهر دويلات أو كانتونات، وكذلك لن يقبل الشعب هناك تسليم نفسه لمن يهدده بالقتل والاعتقال.. وهذا ما يتطلب رؤية جديدة عادلة. والمؤسف أنَّ توجُّه العالم إلى اعتبار اللجنة الدستورية مفتاحَ الحل، وصل إلى ما سماه المبعوث الدولي بيدرسون «خيبة الأمل» وهو يعلن فشل الجولة السادسة من جولات اللجنة الدستورية. وقد شهدت ولادة هذه اللجنة استعصاءً شديداً على مدى عامين، ولم يكن طرفاً الأزمة (الحكومة والمعارضة المسلحة) راغبين بها، لكنهما وافقا بدفع روسي للحكومة السورية، أما المعارضة فوجدت في هذه اللجنة (كما يبدو) خياراً وحيداً متاحاً لبقاء قضيتها قيد الاهتمام والتداول الدوليين، وقد تبنَّتها الأمم المتحدة واعتبرتها مفتاحَ تنفيذ القرار الأممي 2254، متجاهلةً تراتبية هذا القرار الذي وضع سيناريو التنفيذ وجعل تشكيل هيئة حكم انتقالي البداية والمنطلق.
وكانت مفاوضات الحل السياسي قد توقفت منذ أن كان ديمستورا مبعوثاً أممياً لتسيير التفاوض بين طرفي الأزمة، وللأسف لم يسع إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، بل قام بتفتيت القضية السورية إلى أربع سلال، وجعل هيئة الحكم سلّةً توازي سلة الدستور، وسلة الانتخابات، وأعطى أولوية لسلة مكافحة الإرهاب، وحاول أن يشغل هيئة التفاوض بسلة الدستور، إلا أن الهيئة بقيت تصر على أولوية البحث في ملف الانتقال السياسي، دون أن ترفض بحث السلال الأخرى. وإزاء الضغوط الدولية وافقت الهيئة على تشكيل لجان (استشارية) غير ملزمة بقراراتها، لبحث تلك الملفات بعيداً عن مقر التفاوض الرئيسي في جنيف.
وكانت الأحداث الساخنة تعيق تقدم المفاوضات، وأهمها الحصار والحاجة الماسة للمساعدات، فضلاً عن القصف الذي تصاعد منذ أواخر عام 2015، مما شغل المفاوضات بمطالبات حثيثة صارت لها الأولوية الراهنة الكبرى كوقف إطلاق النار وفك الحصار، والسماح بالمساعدات.. وهكذا وجد المفاوضون أنفسهم يبحثون فيما جعله القرار الدولي فوق التفاوض ومقدمةً له وسماه «حسن النوايا وبناء الثقة»، وأصرت روسيا على أن تفرد لهذه القضايا مساراً في آستانة.
ونذكر أن الروس وضعوا على طاولات التفاوض في آستانة مشروع دستور مقترح أمام المشاركين في جولة آستانا الأولى، فرفضوا البحث فيه لأنه ليس من اختصاص لجنتهم، وقد تركز الاهتمام بمسار آستانة مع إهمال مسار جنيف، وكانت هيئة التفاوض تصر على أن يناقش القرار الدولي في جنيف، وأن تبقى الأولوية لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وقد أعدت الهيئة رؤية شاملة ومحكمة لمستقبل سوريا، لكنها لم تلق اهتماماً دولياً.
والمفارقة أن السوريين على الضفتين باتوا خارج مسارات التفاوض الذي بات بين الدول المتدخلة بالقضية السورية وحدها (روسيا وإيران وتركيا)، والواضح أن هذه الدول لم تصل بعد إلى رؤية مشتركة للحل، وهذا ما يجعل الصدام العسكري محتملاً ومريعاً.
وزير الثقافة السوري السابق
الاتحاد
————————
هل كان من الممكن إنقاذ سوريا؟ ضابط أمريكي يجيب عن هذا السؤال في رواية راجعتها الاستخبارات
راجعت وكالة المخابرات المركزية هذه الرواية قبل أن تصدر، حتى لا تكشف عن مصادرها أو معلومات أخطر من أن تذاع، إذ تبدو قيمة رواية “محطة دمشق” أكبر من كونها رواية جاسوسية مثيرة، إنها نافذة من الخيال تطل على الواقع المركب والمتناقض لعالم المخابرات.
“احمِ عميلك. هذا كل ما يهم”، هذا ما ذكّر به بطل الرواية سام جوزيف نفسه وسط عاصفة عاتية من الأزمات الشخصية والمهنية فيما يعرّض التهديد الذي يلوح في الأفق حياة الآلاف من الأبرياء للخطر، ولكن هذا الالتزام تجاه عميله يمثل خطيئة كبرى من وجهة نظره رؤسائه.
تصور رواية الجاسوسية المثيرة محطة دمشق “Damascus Station” التي ألفها محلل وكالة المخابرات المركزية السابق ديفيد مكلوسكي، شخصية ضابط مخابرات أمريكي بطلها جوزيف بوضوح كما لو كان شخصاً حقيقياً.
يواجه البطل مشاعره الشخصية، والعراقيل الإدارية الحكومية التي شقت طريقها حتى إلى عالم الجاسوسية، والأشرار المتعددين الذين يحاولون تعقبه والإمساك به، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
رواية محطة دمشق محاولة لنسج تاريخ المنطقة من وجهة نظر استخباراتية
نسج مكلوسكي خيوط ثقافة المنطقة وتاريخها ليجعل العاصمة السورية شخصية بحد ذاتها. إذ يقدم مكلوسكي للقراء مشاهد وروائح وأذواق وروح دمشق التي هي واحدة من أقدم مدن العالم. وأما الخط الزمني فربما تركه غامضاً عن عمد، منذ ضربت موجة الربيع العربي سوريا لأول مرة في مارس/آذار عام 2011. والعنف والاضطراب الذي تبعها دفعا السفارة الأمريكية في دمشق إلى إغلاق أبوابها في فبراير/شباط عام 2012، والعنف المتصاعد بين الحكومة وقوات المعارضة الذي يؤطر الرواية يشتد بعد ذلك في وقت من الأوقات.
وبغض النظر عن الدقة الزمنية، يتمكن مكلوسكي من رسم هذه الأحداث وغيرها من الأحداث الحقيقية، مثل اختطاف وتعذيب ومقتل رئيس مركز وكالة المخابرات المركزية في بيروت وليام باكلي على يد حزب الله عام 1984، وهي عملية كانت تهدف لجمع معلومات استخباراتية وإرسال رسالة مفادها أن القواعد تغيرت. ويُلمّح الكتاب أيضاً إلى اختفاء الصحفي الأمريكي المستقل أوستن تايس، الذي اُختطف في ضواحي دمشق في 13 أغسطس/آب عام 2012، على أيدي القوات الموالية للحكومة على الأرجح.
وبالمثل، يشير مكلوسكي إلى عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق يوم 12 فبراير/شباط عام 2008، وهو رئيس عمليات حزب الله الشهير والمسؤول عن مقتل مئات الأمريكيين والإسرائيليين، بتصوير أن عملية أمريكية قانونية لاغتيال “إرهابي”.
وتتوافق تفاصيل العملية مع روايات الصحافة الأمريكية التي تزعم أن الموساد، ووكالة المخابرات المركزية كانا متواطئين في مقتل مغنية، وكيف نفذا عمليتهما بتفجير سيارة مفخخة في ضاحية سكنية بدمشق.
وصحيح أن مكلوسكي يدمج العديد من أشرار روايته بدرجة معقولة مع شخصية الرجل السيئ النموذجية الهوليوودية أحادية البعد التي تعتبر ضرورية لأحداث التشويق التي ينسجها ببراعة، لكنه بالمثل يصور الأبطال الرئيسيين الآخرين في هذه القصة، مثل بطل الرواية وشخصيات أخرى في المخابرات الأمريكية، بالإضافة إلى خصمه السوري الرئيسي بصورة حية أشد تعقيداً.
فشخصياته قادرة على ارتكاب فظائع وحشية في وظائفها أو لحماية أحبائها وزملائها، لكنها أيضاً تحب أقرباءها ولديها فلسفة في الحياة بل أحياناً تأتي بتصرفات أخلاقية، حسب المجلة الأمريكية.
الأسد شخصية أساسية في حياة الشعب السوري
استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للأسلحة الكيماوية على شعبه في جوهر الرواية. فالأسد، الذي هو أيضاً شخصية في القصة، وإن لم يكن ظاهراً بدرجة كبيرة، موصوف باقتدار. والأكثر دقة تصوير الكاتب لقوة ارتباط الأسد بحياة جميع السوريين، سواء تقيدهم به وبنظامه القمعي للنجاة بحياتهم، بغض النظر عن بوصلاتهم الأخلاقية، أو قتالهم معه حتى الموت سعياً لإزاحته.
ولأنها عمل أدبي خيالي، تقدم رواية مكلوسكي بديلاً لتخلي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن “الخط الأحمر” الذي حددته الولايات المتحدة، والذي كان يهدد باستخدام القوة العسكرية إذا استخدم الأسد أسلحة كيماوية.
وسبف أن قال رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أمام الأمم المتحدة، في يونيو/حزيران 2021، إن نظام بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً فيما لا يقل عن 17 مرة خلال الحرب الأهلية في سوريا.
وقال فرناندو آرياس، المدير العام للمنظمة، إن الخبراء حققوا في 77 ادعاء وخرجوا بنتائج أكدت تلك “الحقيقة المزعجة” التي تأتي على الرغم من انضمام سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013.
من يأملون في أخذ نظرة أكثر واقعية على الطريقة التي يعمل بها جواسيس وكالة المخابرات المركزية، فلن تخيب رواية محطة دمشق أملهم .
صحيح أنك ربما تجد عدداً من الأوصاف المصطنعة أو غير الدقيقة أو غير الواقعية، فستشعر بالامتنان لقدرة مكلوسكي على دمج ما يكفي من الأحداث الواقعية. ومن باب الإنصاف، يشرح المؤلف حرصه على حماية المصادر والأساليب فضلاً عن مراجعة وكالة المخابرات المركزية التي تضمن عدم الكشف عن معلومات أكثر مما ينبغي.
رجال الاستخبارات مدمنون للكحول
وما ينجح مكلوسكي في نقله بدقة- وربما ما هو أهم من طريقة تصويره لآليات تنفيذ اجتماع سري- هو المشاعر. فضباط الحالة في رواية ماكلوسكي متحمسون ومندفعون، وفي بعض الحالات، مهووسون بمهمتهم ومهارتهم. فهي ليست مهمة وإنما حياة. ولا تتوقف حين تذهب إلى المنزل، لا سيما في بيئة ميدانية أجنبية، حيث يكون كل ما تفعله محسوباً ومخططاً بدقة لتقدم الشخصية ونمط الحياة المطلوبين لأداء مهمة التجسس كما ينبغي.
فبافتراض أن شخصاً ما، في مكان ما، لا يتوقف عن مراقبة تحركاتك أو تتبعها، تغيب “أيام راحة”. ولكن رغم هذه التحديات والأعباء- ونعم، الزيجات الفاشلة، وإدمان الكحول في بعض الأحيان، وغيرها من المخاطر المهنية الشخصية- يراودك شعور مذهل بالقوة. فتسير في طريق لاكتشاف أي مراقبة وتختفي دون أن يعرف أحد. وأنت فريد في هدفك، وتعمل بمفردك وتسير على حبل مشدود دون شبكة إنقاذ أو مهرب، ناهيك عن أي إرشادات لطريق نجاة. لكنك تملك الليل والشوارع، ولتوفير الوقت اللازم لسرقة أثمن أسرار خصومك من تحت أنوفهم، لا تترك لهم أي أدلة ليعرفوا. وعميلك بأمان، وينقل إليك الأسرار، وأنت قناة المعرفة التي قد تغير التاريخ.
لا تقع في حب عميلك
لكن بطل رواية Damascus Station، مثله مثل خصومه، بشر. والبشر، حتى ضباط الحالة البارعين المدربين تدريباً عالياً، يرتكبون أخطاء. وشعار المخابرات الأمريكية الشهير “لا تقع في حب عميلك” هو في الغالب تذكير بالحفاظ على الموضوعية بل التشكيك في دوافع عميلك ومعلوماته لتقييم مدى صدقه وتعاونه وتحرره من سيطرة الأعداء أو النوايا الخادعة باستمرار. ولا بد من تجديد تقييم العميل وتجنيده في كل اجتماع لأن الحياة متقلبة.
يفترض ضباط الحالة، على مسؤوليتهم، أن العميل لم يفقد وظيفته، أو غير رأيه، أو تم القبض عليه، وتهديده، وتحوّل منذ آخر مرة التقيا فيها. إن الحياة المزدوجة للعميل موحشة ومخيفة. ولكن ثمة درجة من الانفصال مطلوبة من ضابط الحالة رغم ما يتوجب عليه إظهاره دوماً للعميل: بأنه مركز الكون بالنسبة له وصديق عزيز. ويبرع مكلوسكي في تصوير جوزيف بالجاسوس الواثق الخبير، وبالتالي، الإنسان الضعيف الحقيقي الذي يتعين عليه في نهاية المطاف اتخاذ القرار الصحيح.
إن رواية Damascus Station رواية مشوقة مؤلفة ببراعة وتجمع بين الغموض والرومانسية وأعمال الجاسوسية والأحداث التاريخية فيما يخص سوريا والربيع العربي. وأي عنصر من هذه العناصر بمفرده يجعلها جديرة بالقراءة؛ والمزج بينها يدفعك دفعاً لقراءتها.
——————-
==================
تحديث 04 تشرين الثاني 2021
————————————-
إدلب ضحية “الدستورية” السادسة/ سميرة المسالمة
ينقسم السوريون بين معارض ومؤيد لوضع التغيير الدستوري أو تعديله على سلّم الأولويات للمعارضة، بالرغم من أن الدستور في أي بلدٍ يحدد طبيعة العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وهو يعاير بدقة وظائف السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية والحدود الفاصلة بينها، وبطبيعة الحال هو صورة هوية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لكنه في سورية -منذ الاستقلال حتى اليوم- لم يأخذ مكانته الراسخة فوق السلطات، وكان معظم الوقت في خدمة السلطة التنفيذية، على حساب استقلالية “التشريعية والقضائية”، وغالبًا ما عطّلته الانقلابات العسكرية أو المراسيم الرئاسية التي كانت انعكاسًا لإرادة السلطة العسكرية والأمنية في فترات كثيرة من حكم سورية، وتعاظمت سلطتها مع عهد الأسدين الأب والابن.
ومع افتراض حسن النية بأن النظام ذاهب إلى الجولة الجديدة للعمل على الدستور، فإن طبيعة واقع عمل اللجنة تدفع نسبة كبيرة من السوريين إلى اليأس مما يمكن أن تحدثه اجتماعات اللجنة الدستورية، بشكلها ونظامها التصويتي الحالي، سواء لجهة إقرار تغييرات دستورية (حسب مقترح النظام السوري)، أو صياغة دستور جديد لسورية (حسب مطالب المعارضة)، بالتوافق بين أعضاء اللجنة الدستورية، بسبب انقسامها بين ثلاث وجهات نظر، شكليًا وليس فعليًا، لأن طريقة اختيار الوفد الثالث تسببت في ضياع ملامح استقلالية وفد المجتمع المدني، وذلك لانقسام مرجعيته وتعييناته بين النظام والمعارضة، وبالتالي عدم قدرته على تشكيل كتلة وازنة متساوية مع كتلتي المعارضة والنظام في الرأي والفعل، ما يعني غياب الرؤية الجامعة، وحضور وفد المجتمع المدني كأفراد، تحضر خلافاتهم أكثر من توافقاتهم، ويتحوّل دورهم من شركاء فاعلين إلى أصوات ترجيحية يراهن عليها بين الفاعلين الأساسيين.
لم تأت الجولة المنتهية بجديد على واقع فشل الجولات السابقة، وتبادل الاتهامات بين النظام والمعارضة عن أدوارهم في تعطيل أعمال الاجتماعات، وإنما أكدت ارتباطها بالملفّ العسكري، كما غيرها من الجولات، وتزامنت مع تصعيد عسكري يلوح في الأفق، وتستعد له الأطراف المتواجهة (المعارضة والنظام)، كما تحشد الأطراف المتحالفة في آستانا (روسيا وإيران وتركيا) قواتها له، ولكن في مواجهة بعضهما، ما يعني أن تفشيل الجولة لم يكن بسبب نقاشات حول الدستور والمبادئ فقط، بقدر ما هو بسبب خلافات مرجعيات الوفدين الدولية، فحيث تأمل روسيا استعادة إدلب وطرقها كافة، قبل الشروع في أي حل جدي، ترى تركيا أن استرجاع النظام لإدلب، قبل البت في خارطة حدودية جديدة لتموضع الكرد والنظام وحصتها في الملف السوري عمومًا، هو نقض لاتفاقات سابقة جرت مع روسيا في سوتشي، وبدأت من تنازل تركيا عن حلب لروسيا عام 2016، مقابل توغلها في الأراضي التي تطالب بها اليوم روسيا.
في كل مرة، تتزامن الجولات مع عمليات عسكرية يشنها النظام على مناطق خارجة عن سيطرته، وقد حقق انتصارات عدّة، برعاية روسية-إيرانية، كان آخرها استعادة بسط سيطرته على حوران مهد الثورة السورية، عقب عملية عسكرية استهدفت البشر والحجر، وسعت إلى أكبر عملية تهجير كان يمكن أن تشهدها سورية، عقد بعدها تسوية أعادت أجهزته الأمنية إلى ممارسة أدوارها داخل درعا وأحيائها، في آذار/ مارس 2021، وكانت بمنزلة إعلان انتهاء تسوية سابقة تمت في 2018، عقدها أهالي درعا مع روسيا برعاية أميركية وإقليمية (الأردن وإسرائيل)، أبعدت من خلال بنودها تدخل النظام المباشر في حكم المنطقة.
وهذا يماثل ما حدث في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019، حيث استعاد النظام عشرات القرى والبلدات في إدلب، بعد التوصل إلى اتفاق تشكيل اللجنة الدستورية في 23 أيلول/ سبتمبر 2019، قبل الذهاب إلى الجولة الثانية، بعد فشل جولتها الأولى في تحقيق أي تفاهم حول آلية العمل داخل الاجتماعات المشتركة بين الوفود الثلاثة المشكلة للجنة الدستورية. ما يعني أننا أمام سيناريو يتكرر، حيث يستعد النظام لعملية عسكرية في إدلب، واتفاق تسوية على الجزيرة العربية، أو ما يسمى مناطق الحكم الذاتي التي تسيطر عليها قوات (قسد)، يستعيد بموجبها مساحات جديدة قبل الموافقة على عقد جلسة جديدة تحت الرقم “سبعة”.
وعلى ذلك، فإن ما يجب أن يشغلنا ليس فشل جولة اللجنة الدستورية، وإنما ما يعقب هذا من أعمال عسكرية، ستكون هدفها إدلب، وبتيسير من روسيا وإيران، في مواجهة تركيا التي تدافع عن مصالحها الحيوية في ملف الصراع السوري، وحماية حدودها في وجه التمدد الكردي الذي تدعي أنه يهدد أمنها، وليس دفاعًا عن حلفائها من المعارضة، ولهذا تحاول تركيا أن تبقي على فاعليتها من خلال إحكام سيطرتها على قرار وفد المعارضة السياسي، وتحكمها في القرار الفصائلي المسلح، والإبقاء على قواتها التركية في أهبة الاستعداد لأي خيارات عسكرية محتملة.
ما يعني أن تفشيل الجولات هو مصلحة لداعمي طرفي اللجنة الدستورية (روسيا وإيران من جانب، وتركيا من جانب آخر)، في وقتٍ لم تُحسم فيه بعد الصراعات العسكرية، ولم توزع الغنائم المرجوة بما يرضي كل الأطراف، وعلى رأسهم صاحبة اليد الطولى في تقرير مصير كل الأحداث: الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك المفتاح السري لإنهاء مخاوف تركيا من الكرد، كما يعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتراهن عليها أنقرة في الوقوف معها مرة جديدة لمنع اجتياح روسيا لإدلب، بينما تبقى إيران تناور على توسيع دورها في سورية، من خلال طاولة مفاوضات فيينا مع الجانب الأميركي حول السلاح النووي.
إننا أمام واقع يجعل الوصول إلى أي تعديل حقيقي في بنية الدستور مستحيلًا إلا مع فرصة أن يتراجع أحد الطرفين عن مطالبه، وحيث لا يجد النظام “المنتصر” عسكريًا أي دوافع لتخليه عن موقفه المساند لدستور 2012 في نحو 99 بالمئة من بنوده، فيما تكمن مصلحته في تغييرات بسيطة يريدها لاستمراره، يجد وفد المعارضة نفسه مرغمًا على التعاطي مع طروحات النظام، التي تأتي في وقتٍ تخلى فيه المجتمع الدولي عن دوره في بناء السلام وتحقيق الديمقراطية، وفق القرارات الأممية الخاصة بسورية، ومنها 2254، ما يوجب علينا أن نُشفق على وفد المعارضة لا أن نرجمه.
مركز حرمون
—————————
واقع “الدستورية”… بين عقلانية رفضها وضرورة مراجعة نتاجها/ بشار علي الحاج علي
يتصاعد الهجوم على اللجنة الدستورية، مع كلّ جلسة، ويعود ليخبو بعدها ضمن حالة الانسداد في الأفق السياسي، ولعلّ الحديث هذه المرة كان أوسع والهجوم أكبر، وربما يعود ذلك للخيبة المعلنة، على لسان المبعوث الأممي السيد بيدرسون، في ختام الجولة السادسة التي انعقدت الشهر الحالي تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
وللحديث عن اللجنة الدستورية ودورها وأهميتها، بين رفض وقبول ومراوحة في المكان؛ من الضروري أن تتم الإضاءة على مكانة اللجنة، وعلى ما تملك من صلاحيات، وعلى موقعها في الفاعلية بين المؤسسات الرسمية الممثلة لقوى الثورة والمعارضة، وعلى طبيعة وظيفتها بالنسبة إلى قضية الحلّ السياسي الذي يتوافق تحت عنوانه جميع القوى الخارجية، من دول ومنظمات دولية وقوى وطنية سياسية واجتماعية.
أولًا: لا بدّ من إعطائها مكانها وحجمها الطبيعي في أدوات الحل السياسي وموقعها في اتخاذ القرارات السياسية التي يمكن أن تتخذها الأجسام الرسمية الممثلة لقوى الثورة والمعارضة.
1- هي لجنة فنية تتبع لهيئة التفاوض، مهمتها ووظيفتها العمل على صياغة مسوّدة دستور أو إعلان دستوري أو دستور مؤقت أو وثيقة دستورية، بالتشارك مع الأطراف الأخرى.
2- هي غير مخولة بالتوقيع على أي حلول سياسية أو تسويات، وهي ليست مخوّلة بنقاش أي سلة من سلال الحل السياسي التي تندرج تحت آليات تطبيق القرارات الأممية.
3- هي ليست بديلة عن هيئة التفاوض، ولا تؤدي دورها، وإنما تمارس التفاوض من خلال صياغة مسودات المضامين الدستورية.
4- لا يمكن للجنة أن تقرّ أو تنتج شيئًا ملزمًا سوى ما يتعلق بمسودة دستورية (غير ملزمة) أيًا كان نوعها، ولا تقرّ إلا باستفتاء شعبي وفي ظل (بيئة آمنة ومحايدة).
5- لا تعدّ اللجنة بديلًا عن الحل السياسي، ولا عن تنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة (2254، 2118).
6- لا تخالف اللجنة بيان جنيف ولا تناقض مضمونه.
ثانيًا: بغض النظر عن عدم إحراز نتيجة تُذكر من تأسيسها وانطلاق جولاتها حتى الجولة السادسة الأخيرة، لا بد من إيضاح بعض النقاط المفيدة للقضية السورية بشكل عام، من الجانب السياسي، وهي:
1- إبقاء المسار السياسي حيًا في ظلّ انسداد أفق وطني وعجز أو تخاذل دولي.
2- تسليط الضوء على القضية السورية ومعاناة الشعب السوري، من خلال المنظومة الدولية في جنيف.
3- منع إلغاء مسار جنيف للحل السياسي الذي يستند إلى القرارات الأممية ذات السقف المقبول وطنيًا.
4- تحجيم التدخل الإقليمي الذي قد ينتهي بتسويات لا تخدم الشعب السوري.
5- إثبات المثبت من مراوغة السلطة الحاكمة المغتصبة للدولة في سورية، وعدم اكتراثها بالشعب أو الوطن.
6- تأكيد ارتهان الوفد الممثل لسلطة النظام وعدم امتلاكه الإرادة الحرة، والجمود عند الطروحات الجدية.
7- فشل الدعوات لتغيير سلوك النظام أو سياسة الخطوة بخطوة التي ظهرت أخيرًا مع محاولات بعض الأنظمة لتسويق تطبيع ما.
8- استغلال هذه الجولات كمنصة إعلامية لإبقاء المأساة السورية في دائرة الضوء والاهتمام.
9- تفاعل شعبي وحراك سياسي وطني ودولي، يمكن الاستفادة من زخمه لإعادة تفعيل أدوات أخرى لإنجاز حلّ سياسي ومرحلة انتقالية.
ثالثًا: في نقض احتكار سلطة الأمر الواقع في دمشق الشرعية، داخليًا وخارجيًا.
1- يعدّ تشكيل اللجنة الدستورية أوّل اتفاق سياسي موقع وموثق رسميًا، لدى الأمين العام للأمم المتحدة، بين قوى الثورة والمعارضة ممثلة بهيئة التفاوض، وحكومة النظام (حكومة الجمهورية العربية السورية)، ووقّعها وزير الخارجية آنذاك، في حين يكذب النظام، ويتهرب دائمًا من الاعتراف بوجود قوى معارضة، وقد وقّع مرغمًا.
2- قرار تشكيل اللجنة الدستورية التي أعلنها الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، الذي ينص على أنها تتألف من ثلاثة أقسام: ثلث للأعضاء الذين تسميهم هيئة التفاوض، وثلث للذين تسميهم حكومة (النظام)، وثلث للمجتمع المدني.
يعني مساواة قوى الثورة والمعارضة للنظام الذي ما زال يحتكر الشرعية الدولية، من خلال استمراره في شغل مقعد الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة ولجانها ومكاتبها، ومنازعته هذه الشرعية، سياسيًا وقانونيًا.
3- نقض شرعيته داخليًا، ووفقًا للدستور (دستور 2012) الذي فصّله النظام على مقاسه، من خلال الموافقة على المشاركة في لجنة لصياغة دستور خارج سلطته وخارج مؤسساته “الدستورية “.
ختامًا، ورغم عدم إحرازها أي نتائج، تبقى نقطة في ميدان سياسي، ليس من الحكمة الابتعاد عنه، ولا يجوز أيضًا تجاهل الكثير مما يمكننا فعله غير الاتكاء عليها، ابتداءً من مؤسسات وهيئات قوى الثورة والمعارضة المعترف بها دوليًا، التي يجب عليها المبادرة والقيام بجهود حثيثة لتفعيل تطبيق القرارات الأممية، بالتواصل مع الدول الفاعلة والصديقة. وأيضًا على القوى السياسية والتنظيمات والأحزاب وقوى المجتمع المدني تنسيق الجهود وصناعة موقف ورأي عام ضاغط، يضع سقفًا لا يمكن لأي جهة النزول تحته، فالقضية السورية ليست فقط قضية سياسية، بل هي قضية حقوق الإنسان وقضية معاناة المعتقلين والمهجرين والمرتهنين تحت سلطات الأمر الواقع، سواء في دمشق أو في المناطق الأخرى.
———————–
===================
تحديث 05 تشرين الثاني 2021
———————-
خيارات قسد في ظل الموت القادم من الشمال/ العقيد عبد الجبار العكيدي
في ظل تزايد التهديدات التركية وإصرار أنقرة على القيام بعملية عسكرية في شمال سوريا تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على غرار عملية غصن الزيتون أو استكمالاً لعملية نبع السلام التي توقفت بناء على اتفاقيات مع روسيا والولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وفي ظل المناخ الذي يشي بانسحاب أميركي من المنطقة على غرار ما حصل في أفغانستان، وجدت قسد نفسها بين مطرقة التهديدات التركية وسندان إملاءات روسيا وشريكها نظام الاسد.
استشعرت قسد هذا الخطر وعاشت هاجس الانسحاب الأميركي منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وتعززت هذه المخاوف بل ربما تفاقمت بمجيء إدارة حو بايدن التي ادارت ظهرها للملف السوري.
وجدت قيادات قسد، التي راهنت على جميع الأحصنة لتحقيق مشروعها في إقامة كيانها الانفصالي وحلمها المزعوم في إقامة دولة كردية، نفسها وحيدة في محيط من الأعداء، فأصبحت تحاول البحث عن مخارج وتحالفات لحمايتها من عملية اجتياح تستهدف وجودها وتجتثها من المناطق التي تحتلها شرق الفرات أو غربه، والتفكير بإيجاد مظلات حماية بديلة، في ظل تقلص خياراتها التي انحصرت بمجموعة قليلة أبرزها:
الأول: التعويل على بقاء الغطاء والدعم الأميركي لفترة أخرى من الزمن وعدم إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لأنقرة للقيام بأي عمل عسكري يستهدفها، ممنين النفس بالتصريحات الأميركية الأخيرة بعد لقاء وبايدن بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة العشرين في روما، وتصريحات المبعوث الأميركي السابق الى سوريا جيمس جيفري بأن بايدن لم يمنح اردوغان ضوءاً اخضر لشن هجوم جديد على شمال وشرق سوريا.
جيفري أوضح أن واشنطن لن تتخلى عن الشراكة مع قسد، وقال في تصريح لقناة الحرة، إن “هناك تعاوناً مستمراً على الأرض بين القوات الأميركية وقسد”. وذهب في تصريحاته أبعد من ذلك عندما أكد أن “أي حركة في شمال شرق سوريا سواء شرق أو غرب المنطقة الموجودة فيها تركيا الآن، سيدفع القوات التركية إلى الاشتباك مع القوات الأميركية، وليس هذا فقط، بل مع القوات الروسية الموجودة شرق وغرب القوات التركية الموجودة هناك وهذا يمثل تعقيداً اخر”.
ولكن قيادات قسد تعلم أن التعويل على هذا الخيار أني في ظل التردد الأميركي وعدم وضوح موقفها بشأن الانسحاب من المنطقة.
الخيار الثاني: المقاومة والتصدي لأي هجوم تقوم به القوات التركية وحليفها المحلي (الجيش الوطني السوري)، وهذا ما تردده قيادات التنظيم التي تتحدث عن مقدرتها على خوض المعركة بمفردها في حال تخلي الحلفاء عنها، مؤكدين من خلال ارتباطهم الوثيق مع حزب العمال الكردستاني وذراعه العسكري “بي كا كا”، أنهم سيقاتلون حتى آخر لحظة.
هذا الخيار من الناحية العسكرية والفرق الكبير في موازين القوى بينهم وبين القوة الثانية في حلف الناتو، سيكون بمثابة الانتحار العسكري والسياسي، وسيكون الجيش التركي قادراً على سحقهم خلال ساعات، ومن خلال معرفتنا بتركيبة هذه القوات التي أغلب عناصرها في المناطق التي تحتلها من أبناء العشائر العربية والسريان والأشور، ففي حال اتخاذ قرار المواجهة مع تركيا سينشقون عن التنظيم ويتركون قوات وحدات حماية الشعب تواجه مصيرها المحتوم، بل حتى قياداتها القنديلين سيفرون هاربين إلى مقراتهم في تلك الجبال.
الخيار الثالث: العودة إلى حضن نظام الأسد حيث كان المنشأ والمنبت، والذي سلّحهم ودعمهم وسلّمهم أغلب المناطق الكردية برسم الأمانة، والذي سبق ووفّر الملاذ الآمن ومعسكرات التدريب لقيادات حزب العمال الكردستاني وزعيمهم عبد الله اوجلان.
العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي ودمشق تجددت منذ العام 2012، وللحزب مكتب تمثيل في دمشق وآخر في قاعدة حميميم الروسية، ولكن رغم التعاون الكبير إلا أن العلاقة بينهما لم تخلُ من بؤر التنافس أو الصدام المؤجل، ونظام دمشق خلال العامين الفائتين 2019- 2020، لم يقدم لقسد أي شيء لإغرائها بالتفاوض، فهو يريد ابتلاعها بشكل كامل دون أي مقابل.
وعلى الرغم من مغازلة القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي ألدار خليل لنظام الأسد قبل أيام، وتأكيده على وجوب التفاوض مع نظام دمشق باعتباره “الحكومة الشرعية” وأن الطريق الوحيد للحل هو الحوار مع هذه الحكومة، داعياً الى نقل الحوار المتعلق بقرار مجلس الامن 2254 من جنيف الى العاصمة دمشق، إلا أن قيادات التنظيم تعلم يقيناً أن النظام لو فرغ من احتواء الثورة والمعارضة سيكون مصيرهم الفناء. فلطالما وجّه النظام تهديدات مبطنة الى القيادات الكردية، فالنظام لا يفهم ولا يتعامل بمنطق الحلفاء أو منطق تقاسم النفوذ، فالقوة هي الشرعية الوحيدة، والتهديد باستخدامها هي وسيلة التفاهم والإقناع لدى الأسد.
الخيار الرابع: ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بعلاقات قديمة مع روسيا تمتد جذورها الى زمن الاتحاد السوفياتي، من خلال قيادات حزب العمال الكردستاني ذي التوجه اللينيني الماركسي، يجعل من احتمالية ارتمائه اليوم بالحضن الروسي أقرب للواقع، والخيار الأقل ضرراً عليهم، مدركين أن روسيا اليوم دولة عظمى وصاحبة نفوذ كبير في سوريا، بل صاحبة القرار الأول فيها بعد أن أصبح دور النظام هامشياً، وبالتالي يمكن أن تشكل بالنسبة لقسد عامل توازن في المنطقة، قادرة على حمايتها من تركيا التي تتحين الفرصة للانقضاض عليها.
روسيا تستثمر الإهمال الأميركي والتهديدات التركية، وتقوم ببعض المناورات العسكرية في الشمال السوري في محاولة لإيهام قسد بهجوم تركي وشيك، والمبالغة بالخطر التركي من خلال ترويج اعلامها لعملية عسكرية تركية مرتقبة، للضغط عليها لكي تلجأ إليها، وربما يكون الهدف الأول للروس هو إزاحة قسد عن البساط الأميركي وتقريبها من المظلة الروسية، وقد يكون هذا السلوك الروسي جاء نتيجة تفاهمات أميركية-روسية، كمخرج أميركي للتنصل من عبء قسد ودفعهم بشكل غير مباشر باتجاه روسيا في حال انسحابها من المنطقة.
ولا ننسى أن روسيا التي تمكنت من وضع قدم لها في مناطق شمال شرق سوريا في تشرين الأول 2019، هي من تدخلت لإيقاف عملية نبع السلام حيث اتفقت مع تركيا على إخراج قسد من المنطقة وتسيير دوريات مشتركة في أرياف الرقة والحسكة وحلب.
تسعى موسكو من خلال التحالف مع قسد لتحقيق حلمها بالسيطرة على شرق الفرات بكل الأساليب، وإبرام تفاهمات سياسية وعسكرية معها في منطقة الجزيرة السورية، لتمكين النظام من استعادة تلك المناطق الغنية بالبترول والمياه والزراعة، وتطبيق الحل السياسي وفق الرؤية الروسية.
ثمة مؤشرات على أن خيار قسد الأخير على الأرجح سيكون اللجوء الى التنين الروسي، وأبرز هذه المؤشرات كانت تصريحات رئيس حزب العمال الكردستاني جميل باييك في مقابلة مع جريدة “النهار” اللبنانية، أن ” لا شيء يمكن أن يكون أكثر طبيعية من وجود علاقة مع روسيا”، بالإضافة الى إنشاء مركز تنسيق عسكري بين القوات الروسية وقوات النظام وقسد في مدينة القامشلي.
وجات الخطوة العملية على الأرض قبل أيام من خلال حماية قسد للرتل العسكري الروسي وتمكينه من الدخول عبر معبر الصالحية البري الفاصل بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة قسد في محافظة دير الزور باتجاه محافظة الرقة، لتؤكد هذا التوجه.
ويبقى الخيار الأسلم والأفضل لقسد والتي ما زالت تماطل في تطبيقه هو تنفيذ الاتفاق الأميركي-التركي-الروسي في شهر تشرين الأول عام 2019، الذي أفضى الى تعليق عملية نبع السلام، والذي نص على احتفاظ تركيا بالسيطرة على منطقة بعمق 32 كيلومتراً في سوريا، استولت عليها خلال عملية “نبع السلام”.
وينص الاتفاق على أن “الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيعملان على تسهيل إزالة المقاتلين الأكراد مع أسلحتهم، من منطقة بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود التركية السورية”.
فهل ستأخذ قسد التهديدات التركية على محمل الجد وتتخلى عن عنادها وتبتعد عن الحدود التركية تاركةً مواقعها لقوات النظام من حرس الحدود والشرطة العسكرية الروسية، ومجنبةً نفسها هزيمة جديدة تضاف إلى خسارتها عفرين، ورأس العين، وتل أبيض، أم أنها ستعتمد إحدى الخيارات الأخرى وكلها مرة؟
————————–
الخيط الرابط بين أوكرانيا وسوريا.. حديث روسي عن حرب عالمية ثالثة/سامر إلياس
يكاد لا يمر يوم دون صدور تصريح روسي، من المستويات الرسمية السياسية والعسكرية العليا، عن التصعيد المتواتر مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعواقب التي تترتب عليه، والتحذير من احتكاكات بين الطرفين في أحد بؤر التوتر، يمكن أن تضع الطرفين على حافة مواجهة عسكرية واسعة.
ويترافق ذلك مع إعلانات شبه يومية عن مناورات عسكرية لرفع جاهزية القوات الروسية وتدريبات بالذخيرة الحية، ضد أهداف لعدو افتراضي، تشمل إطلاق صواريخ (كالبير) المجنحة وصواريخ (إسكندر)، وصواريخ منظومات دفاع جوي، ومنظومات “بال” و”أوتيوس” الصاروخية الساحلية المضادة للسفن، أو تحليق قاذفات استراتيجية روسية (تو- 160) في عمليات دورية في منطقة القطب الشمالي والمحيط الهادئ وبحري بارنتس والنرويج، ومراقبة نشاط قطع بحرية وقاذفات استراتيجية أطلسية، واستحداث تشكيلات جديدة في الجيش الروسي، ودخول صنوف أسلحة مطورة للخدمة، ومنها إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائه مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي قوات الفضاء الجوي يوم الإثنين، أن الجيش الروسي سيحصل قريباً على أول نماذج منظومة الصواريخ “إس-500”. في استعراض للقوة أشبه ما يكون بدق طبول الحرب.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد في مؤتمر صحفي، عقده في روما يوم الأحد الماضي، أن روسيا لا تتوافر لديها معلومات “حول ما ينوي الناتو فعله”، وأضاف “نحن نعتمد على الحقائق وهي تتمثل في أن الناتو لا يريد أي تعاون معنا”. وطالب لافروف بعقد اجتماع لمجلس روسيا-الناتو لبحث ملف أوكرانيا.
وأشار لافروف، في مقابلة مع قناة “روسيا 24″، إلى الجدل الدائر حول استخدام الجيش الأوكراني لطائرات “بيرقدار” التركية المسيرة في قصف أهداف للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة “دونباس” شرقي البلاد، محذراً من أن هذا التصرف يُعد خرقاً لـ “اتفاقية مينسك”، التي تحظر حسب قوله تحليق الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة على طول خط التماس بكامله.
وتخشى موسكو من أن يكون هذا التطور مقدمة لتسخين الوضع في “دونباس”، وربما يشجع الجيش الأوكراني على شن معركة للسيطرة على منطقتي “دونيتسك” و”لوغانسك”، اللتين أعلن الانفصاليون تأسيس جمهوريتين شعبيتين فيهما، مع تقديرات بأن القوات الانفصالية لن تستطيع أن تصمد وحدها طويلاً دون دعم عسكري روسي مباشر، تفرض تداعياته المحتملة حسابات معقدة على موسكو، أصعب بكثير من حسابات سيطرتها على شبه جزيرة القرم عام 2014 أو التدخل العسكري في جورجيا عام 2008 إلى جانب الانفصاليين في مقاطعتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
فرغم الخلل الساحق في ميزان القوى عسكرياً لصالح روسيا، إلا أن على روسيا أن تراعي في حساباتها هذه المرَّة احتمال تقديم حلف (الناتو) دعما مباشرا للقوات الأوكرانية، وأن يعجل تدخل روسيا من تدهور العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي ودول الأطلسي بشكل غير مسبوق. ولم يتردد المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف في التساؤل عما إذا كان استخدام الجيش الأوكراني لمسيرة “بيرقدار” التركية سيشكل سبباً لاندلاع حرب عالمية ثالثة، على خلفية تسخين الوضع في “دونباس”. وأضاف: “أوكرانيا الآن في المركز الثاني بعد تايوان، حيث يمكن أن تندلع شرارة الحرب العالمية الثالثة”.
بالطبع الحديث عن حرب عالمية ثالثة ليس بهذه البساطة، بل ومبالغ به كثيراً، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن مصاعب كبيرة باتت تعاني منها موسكو في سياستها إزاء الملف الأوكراني، فالوضع المستجد لن يبقي الحال على ما كان عليه منذ عام 2014، فخلال السنوات الماضية استطاعت روسيا أن تردع كييف عن محاولة إعادة سيطرتها على “دونباس”، وآخرها في الربيع الماضي عندما حركت موسكو قوات كبيرة باتجاه الحدود مع أوكرانيا. بينما يبدو الكرملين اليوم حذراً في التلويح بالقوة الغاشمة في وجه الحكومة الأوكرانية، لأن الحسابات أبعد من ميزان القوى مع أوكرانيا، وهو ما تدركه الأخيرة أيضاً، غير أنها تعوَّل على الدعم الأوروبي والأطلسي.
وأخذت موسكو على محمل الجد تصريحات لوزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب كارينباور، قالت فيها “يجب أن نقدم لروسيا بوضوح أن الدول الغربية مستعدة لاستخدام كل الوسائل”، وذلك في معرض رد الوزيرة على سؤال، في 21 من تشرين الأول الماضي، حول إمكانية استخدام حلف (الناتو) أسلحة نووية لردع روسيا في منطقتي البلطيق والبحر الأسود.
كما اهتم معلقون وخبراء عسكريون روس بمقالة نشرت مجلة “فوربس” الأميركية، قال فيها الكاتب ديفيد إكس إن القاذفات الاستراتيجية الأميركية (B-1B Lancer) يمكنها التعامل بسرعة مع مجموعة سفن الأسطول الروسي في البحر الأسود وتدميرها.
وكما هو الحال في أوكرانيا تواجه روسيا معضلة مركبة في سوريا، في طريقة التعامل مع تركيا التي تلوح بعملية عسكرية ضخمة في شرقي الفرات ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والولايات المتحدة الموجودة على الأرض والرافضة لتسليم سوريا للجانب الروسي من دون مقابل.
ومن الواضح أن روسيا تتخوف من أن تواجه القوات الروسية في سوريا وضعاً غير مريح في الأشهر، وربما الأسابيع، المقبلة بعد خروج مظاهرات بريف دير الزور رافضة للوجود الروسي، ومنع رتل عسكري روسي من المرور باتجاه الرقة، ورفع بعض المتظاهرين شعارات تدعو لمقاومة ما وصفوه بـ “الاحتلال الروسي”. ونظراً لطبيعة المنطقة ليس مستبعداً أن تنطلق أعمال مقاومة ضد القوات الروسية تشجع على عمليات مماثلة في مناطق أخرى، وقد تجد دعماً غربياً بشكل أو آخر، إذا تأزمت الخلافات بين موسكو والاتحاد الأوروبي ودول (الناتو) حول الملف الأوكراني. مما قد يشكل تحولاً مفصلياً ينهي ما يصفه كثيرون بـ “التدخل العسكري غير المكلف لروسيا في سوريا” خلال السنوات الست الماضية، وفي حال صحّ هذا التقدير سينتقل التدخل العسكري الروسي إلى مرحلة “يوجد ثمن”، وما زالت ذاكرة الروس مثخنة بما آل إليه التدخل السوفييتي في أفغانستان وما نتج عنه من خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الأحمر.
وعليه؛ فإن مأزق روسيا ليس في ضعفها عسكرياً، بل فيما أظهرته من فائض قوة في الملفين الأوكراني والسوري، والعديد من الملفات الإقليمية الأخرى وخاصة في أفريقيا، وأول الأثمان التي تدفعها اليوم الانزلاق في سباق تسلح غير متكافئ مع الغرب، كان من أهم عوامل انهيار الاتحاد السوفييتي نظراً لنتائجه الوخيمة على الاقتصاد. وهذا من شأنه أن ينهي المواجهة بالنقاط لصالح الغرب، وليس بحرب عالمية ثالثة، يبقى التلويح بها أو التخويف منها محاولة لتوحيد الرأي العام الروسي أولاً، والضغط على حلف (الناتو) الذي بدأ يشدد مؤخراً على ما يسميه مسؤولو الحلف ضرورة ردع روسيا واحتوائها.
كاتب وصحفي مطلع على الشأن الروسي
تلفزيون سوريا
———————————
بايدن .. أسد بلا أنياب/ وائل السواح
كانت فترة حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، كارثة للأميركيين والعالم، فقد خفّض الضرائب عن الأغنياء، وألغى بنودا في سياسة التأمين الصحي المعروفة بـ “أوباما كير”، ما أدّى إلى زيادة العبء على الأميركيين الفقراء، وكذب فيما يتعلّق بوباء كوفيد 19، ما زاد في أعداد الإصابات والوفيات، وحاول أن يعزل أميركا عن جيرانها والعالم، واستسلم للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كان له عليه دالّة كبيرة، وانسحب من معاهدة باريس للمناخ، وروّج نظريات المؤامرة، وتغاضى عن العنصريين البيض، وغضّ الطرف عن جرائم فردية وجماعية، يندى لها الجبين في شتّى أصقاع الأرض، ومنع المسلمين من دخول بلاده، وأساء للمرأة والملونين، وحارب المثليين والمشرّدين والمستضعفين في الأرض. ولكن كان يتمتع بميزة واحدة: كان مسلياً.
خلفه، جو بايدن، يفتقد هذه الميزة. تغلّب على ترامب بفارق سبعة ملايين صوت، فحصد أكثر من 81 مليون صوت مقابل 74 مليون صوت لترامب. وبذلك حصل على أعلى عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات الأميركية قاطبة. وفاز حزبه الديمقراطي بأغلبية مجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ، وكان كلّ شيء مهيأ لشهر عسل، يفترض أن يمتد سنتين على الأقل، حتى الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. ومع ذلك، لم نرَ هذا الوهج الذي كان من المفترض أن يصحب رئاسة بايدن، لا في الولايات المتحدة ولا في العالم الواسع. في الداخل، جاء متحوّل دلتا ليعيد الوباء إلى المربع الأول، وشنّ المحافظون حربا لا هوادة فيها على سياسات بايدن حيال الوباء، رافضين التلقيح الإلزامي وارتداء الكمامات في المدارس والجامعات، مسيّسين بذلك مسألةً يجب أن تكون صحية في الأساس، أودت حتى الآن بحياة أكثر من 740 ألف أميركي.
وجاءت الضربة الثانية لسياسة بايدن في سقوط أفغانستان خلال أسابيع قليلة من انسحاب القوات الأميركية منها وعودة حركة طالبان للاستيلاء على مقدّرات الأمور في البلاد، ما يعني أن عشرين سنة من الحرب الأميركية هناك قد انتهت بفشل ذريع.
ثم أتى التضخم المتسارع وغير المسبوق والارتفاع الكبير للأسعار وفقدان بعض المواد في السوق الأميركية بسبب سلسلة التوريد، ليزيد من تعاسة الرئيس بايدن، ويقلل من تأييده بين الأميركيين. وهوت شعبية الرئيس في أحدث استطلاع لشبكة إن بي سي من 53% في شهر إبريل/نيسان إلى 42% فقط أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
ولم يستطع الرئيس بايدن توحيد صفوف حزبه الديمقراطي لتمرير موازنة خطّة البنية التحتية المادية (جسور وشوارع) والإنسانية (تعليم وصحة ورعاية أطفال ومسنين). ولا يزال اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين يختطفان قرار الحزب والكونغرس، السيناتوران جو مانشين وكرستين سينما، اللذان يستمتعان بمقدرتهما على تعطيل المسار التشريعي. يخشى مانشين أن يفقد مقعده في الانتخابات المقبلة في ولايته (ويست فرجينيا) المحافظة، إن هو صوّت لصالح حزمة ليبرالية واضحة المعالم. أما سينما فلا أحد يعرف بالضبط لماذا تعارض الحزمة، فهي ببساطة لم تفصح عن ذلك.
باتت مقاومة الاثنين تغييرا كبيرا وحقيقيا عقبة كأداء في وجه سياسة الرئيس بايدن، الذي وعد بإنهاء الانقسام داخل حزبه قبل سفره إلى روما وغلاسكو لحضور قمتي العشرين والعالم للمناخ، ولكنه سافر قبل أن ينجز وعده. حدّدت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، موعدا نهائيا في 31 أكتوبر/تشرين الأول لمجلس النواب، لتمرير مشروع قانون كبير للإنفاق على البنية التحتية، بعد أسبوع من المفاوضات المتبقية، قبل أن يطوي النسيان خطة الإصلاح الشامل للسياسة الاجتماعية والبيئية للرئيس بايدن. ولكن الديمقراطيين التقدّميين في مجلس النواب رفضوا التصويت على مشاريع قوانين البنية التحتية، قبل التوصل إلى اتفاق في مجلس الشيوخ بشأن مشروع قانون منفصل، يتضمن إنفاقا ضخما على قضايا زيادة رعاية الأطفال، والمساعدة في الرسوم الدراسية الجامعية، والإجراءات الرئيسية بشأن تغير المناخ.
دولياً، تمّ استقبال الرئيس بايدن بترحابٍ حار، وتنفّس العالم الصعداء بعد رحيل سلفه الكاريكاتوري. ورحبت أوروبا وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأفريقي ومعظم دول آسيا بفوز بايدن، وبقراراته الأولية في العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتبرّع بمئات ملايين الجرعات من لقاح كوفيد للدول الفقيرة، وإعادة ملف حقوق الإنسان إلى أولويات الإدارة الجديدة، والرغبة في بدء محادثاتٍ مع إيران. دول قليلة لم تُبدِ سعادة تذكر: روسيا التي فقدت حظوتها لدى ترامب؛ والصين التي استشعرت أنها ستكون في مقدمة أولويات بايدن؛ والسعودية التي تعرف أن الرجل يعارض سلوكها في تصفية أعدائها وخصوصا جمال خاشقجي؛ وإسرائيل التي عاشت أيامها الذهبية في ظل ترامب الذي نقل سفارته إلى القدس المحتلة، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وغضّ الطرف عن استشراء المستوطنات كالسرطان في الأراضي الفلسطينية، والتي لا تحب كثيرا عودة بايدن إلى طرح حلّ الدولتين. ولكن الترحاب الحار بدأ يخفت، وقد راح العالم يدرك أن جو بايدن قد يكون مليئا بالنيات الحسنة، ولكنه رئيس بلا أنياب، ليطبق النيات على الأرض.
يشترك القادة الناجحون في عدة أمور. إنهم يبنون حياتهم المهنية العامة حول فكرة أساسية، مثل رؤية توماس جيفرسون للجمهورية الزراعية، أو إيمان فرانكلين روزفلت بحكومة وطنية قوية ورحيمة. يستخدمون الخطاب لحشد الجمهور وراءهم، حتى لا يكون هناك أي لبس أو خطأ فيما ستأتي به نتائج الانتخابات. وهم متسقون في متابعة أهدافهم، حتى لو كانت التفاصيل النهائية خاضعة للتفاوض. ولو نظرنا إلى الرؤساء الذين غيروا وجه الولايات المتحدة: جيفرسون، لينكولن، روزفلت، رونالد ريغان، لوجدنا أنهم يشتركون جميعا في الخصائص ذاتها. ليس بايدن مثل هؤلاء. كان في المشهد السياسي ما يقرب من 50 عامًا، ولا يمكن للمرء ببساطة أن يربط به مبدأ أساسيا واحدا. بدلاً من ذلك، يتنقل الرجل من مدّ إلى جزر ومن موقف إلى موقف، حسب سياق المرحلة. ولعل ذلك أن يكون أمرا مناسبا في مجلس الشيوخ، حين كان الرجل عضوا فيه، حيث كان قادرا على مدّ الجسور بين الحزبين، وبين المعتدلين والليبراليين في حزبه، ولكنه بالتأكيد أمرٌ مرفوض في سدّة السلطة التنفيذية.
الفجوة بين دوري السناتور والرئيس سبب عدم فاعلية بايدن. لم يقم الرئيس بحملته على أساس هدف شامل أو فكرة أساسية. بل قدّم نفسه بدلاً من ذلك أنه يمثّل عودة الاستقرار والحالة الطبيعية بعد أربع سنوات مضطربة من دونالد ترامب. في 1932، انتخب الأميركيون الديمقراطي فرانكلين روزفلت، لأنهم عرفوا أنه يؤمن بأن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات طارئة للخروج من الركود العظيم أكبر من الألعاب السياسية. تماما كما عرفوا في عام 1980 أن الجمهوري ريغان يريد ضرائب أقل وميزانيات دفاع أكبر. أما بايدن فينتقل من الجناح المعتدل في حزبه (جو مانشين) إلى الجناح التقدّمي (بيرني ساندرز) كما ينتقل من الكنبة إلى الكرسي، من دون أن يرضي أيا منهما. ليس هذا السلوك قيادةً، ولا بدّ أن يكون لمثل هذا الالتفاف العسير تكاليفه. وينظر المستقلون إلى بايدن نظرة سلبية بشكل متزايد، ويزداد التمرّد في الحزب الديمقراطي قوة، فلا المعتدلون يريدون التنازل عن مواقفهم الأكثر محافظة، ولا الليبراليون راضون بالتنازل عن مواقفهم التقدّمية، ما سيجعل الحزب بأكمله يواجه مشكلة محتملة في انتخابات التجديد النصفي للعام المقبل.
في السياسة، الضعف يولّد الضعف: يعرف السياسيون الأذكياء متى تغرق السفينة وكيف يستطيعون التملّص منها. بايدن ذكي، ولكن تقدّمه في العمر ورغبته في أن يكون رجل تسوية بين الأفكار والتكتلات السياسية، إضافة إلى فجور الوباء وقضايا المناخ وأفغانستان، ذلك كله يكبّل يديه ويمنعه من استخدام ذكائه بما يخدم الأمة والعالم، ويخدمه شخصيا.
باختصار، جو بايدن ليس فرانكلين روزفلت بشجاعته، وليس كينيدي بحماسته وتوقّده، وليس ريغان بخبثه وتصميمه على إطلاق يد الاحتكارات، وليس كلينتون بسحر شخصيته ونفاذ بصيرته. إنه مجرّد رئيس ديمقراطي عجوز، خَلَف ثعلبا مراوغا، فصار أشبه ما يكون بأسدٍ بلا أنياب.
العربي الجديد
======================
تحديث 08 تشرين الثاني 2021
———————–
أكراد سورية بين حدّ الحرب والاستسلام/ سميرة المسالمة
تقدّم تصريحات مسؤولين أكراد خدمات مجانية لطرفين متخاصمين (النظام السوري وتركيا)، من دون أي رسالة إلى الداخل الكردي بشكل خاص، والسوري بشكل عام، توحي بقرب حل شامل للصراع في سورية، أو حتى في مناطقهم على أقل تقدير، فالأكراد إما تحت عبء الحرب، أو الاستسلام للنظام السوري، فمن حديثين على مستويين مختلفين، أحدهما للقيادي المؤسس في حزب العمال الكردستاني، جميل بايق، في “النهار العربي” نهاية الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، والآخر مع قناة روسيا اليوم، بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، لعضو الهيئة الرئاسية المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، ألدار خليل، يمكن استخلاص أنهما يعبران عن تطابق الرأي بينهما، سواء لجهة الانفتاح وعمق العلاقة مع النظام، أو لجهة الحل للمسألة الكردية من بوابة الحكم الذاتي الذي طالب به الأول، وشرحه الثاني مفصلاً.
وتأتي التصريحات في موقع جيد للنظام السوري، فهي نداء له أنه حان الوقت أن يستعيد مكانته، ويرفع علمه في مناطق الإدارة الذاتية، لأنّه الوحيد القادر على حمايتها من أي تهديدٍ خارجي، وهو اعترافٌ ضمني يقدم للنظام بأنّ الرهان على الحماية الأميركية للقوات الكردية الحليفة لهم مشكوكٌ به حالياً ومستقبلاً. وهي تخدم تركيا، لأنها تصادق على كل ما تتهم به القوات الكردية في سورية من تبعيتها لأجندة حزب العمال الكردستاني المصنف “إرهابياً” ومصالحه، وبالتالي مشروعية حربها وتدخلها واقتحام قواتها لعمق الأراضي السورية، وفق ما تنص عليه اتفاقية أضنة الأمنية السرية الموقعة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، عام 1998، حماية لأمنها ومصالحها.
والحديث عن شروط استباقية من خليل للحوار مع نظام الأسد يأتي من باب إنعاش التفاعل الإعلامي ليس أكثر، لأنه حديث يستبق موافقة النظام على حوارهم بوصفهم طرفاً ثالثاً في عملية حلّ الصراع في سورية، في وقتٍ ينكر فيه النظام وجود طرف ثانٍ معارض له، على الرغم من القرارات الأممية التي تمنح وفد هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية هذه الصفة، وقد أرغم على الجلوس معها طرفاً مساوياً له في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، أي أنّ النظام الذي يرفض التعاطي مع قضايا دستورية تحدّد شكل الدولة تحت الضغط الدولي لن تعنيه تصريحات ورغبات في الحوار معه مقترنة بشروط ليعلن موافقته عليها.
وعلى الرغم من تدعيم الشروط بمغريات حيوية للنظام بفض الاتفاقات الموقعة مع القوى الغربية بشكل تدريجي، وهو ما يمكن أن يحقق مطالب وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، التي أعلنها في 3 يوليو/ تموز الماضي “في إبداء استقلالية الأكراد وبدء الحوار مع دمشق” مع شرط يوضح ما قاله بايق، وهو مستمد من قوانين النظام (القانون 107) الموجود فعلياً، وتطوير بسيط يرقيه من قانون الإدارة المحلية إلى قانون اللامركزية يقرّ ضمناً الحكم الذاتي لمناطقهم، إلّا أنّ النظام لا يمكن أن يفهمها غير كونها رسائل تستعجل الحل الاستسلامي له، مقابل الحرب التي تلوّح بها تركيا، والتي تخوّف منها الأكراد، وهي مخاوف مشروعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” بالقياس مع تجاربها السابقة، لكنّ اللجوء إلى تخويف النظام منها أسلوب مكشوف ومحفوف بالمخاطر، لم يحدُث أن تعامل معه في عفرين 2018 و في رأس العين (سري كانيه في التسمية) 2019.
لم تنفع نداءات القادة الأكراد سابقاً للنظام السوري إلى أن يكون طرفاً في حرب مع القوات التركية بشكل مباشر، ومن المفيد التذكير لمن يراهن على النظام حليفاً له ضد تركيا أنّ “الخارجية التركية أعلنت أنّها أبلغت دمشق ببيان خطي عن تفاصيل عمليتها في عفرين قبل الشروع بها”، ولم يغير نفي دمشق آنذاك هذا الأمر أي نتيجةٍ على الأرض، أي لم يجعل النظام يدافع عن مدينة سورية تتعرّض لهجوم خارجي كما يدّعي، ولا أن يقف مع حلفائه من الأكراد، فخضعت فعلياً عفرين للسيطرة التركية، وبعدها سري كانيه على الطريقة ذاتها، ومن دون أن ننسى أن تآكل حصة القوات الكردية في دير الزور كان نتيجة العملية التي نفذها النظام مع القوات الروسية غرب الفرات، أي أن الدروس السابقة التي لقنها نظام الأسد للقيادات الكردية لم تعلمهم أنّ النظام لن ينفع معه أي استدراج عاطفي له، سواء كانت النداءات من غير شروط أو معها.
اختيار جبهات المعارك للنظام السوري لا يخضع لمنطق العواطف أو الحسابات السورية، هو عملية ممنهجة تديرها قوى دولية وإقليمية، وتخضع لتوازنات المصالح المرحلية والمستقبلية لكلّ القوى المتصارعة على الأرض، إضافة إلى النظام، كما أن شن تركيا أي عملية عسكرية مرهونٌ أيضاً بحسابات دقيقة لمزاج الداخل التركي وصورة النظام الحاكم، وواقع انزياحات جماهيريته (مع أو ضد) من جهة، ومن جهة مقابلة لطبيعة التوافقات التركية – الأميركية، وكذلك التركية – الروسية، وأيضاً الروسية – الأميركية، حيث تثبت سنوات الصراع أن كل معركةٍ جرت في الداخل السوري كان حاصلها محسوماً مسبقاً وفق اتفاقات وتفاهمات دولية فوق سورية.
من المفيد تذكير أحد قادة أكراد حزب العمال الكردستاني للنظام السوري بعمق علاقاتهما ودفئها، في محاولة لإيقاظ نوازع الأخير لحماية مناطق حكم أكراد سوريين من ضربة عسكرية تركية يتوقعونها، لكن هذه العلاقة الوثيقة تطرح، في المقابل، أسئلة على الشارع الكردي الذي عانى، عقوداً طويلة، من تهميش حقوقه المواطنية في سورية، من النظام “الصديق!”، حول أسباب عدم تدخل هذه العلاقة الوثيقة في رفع المظلومية عنهم، من إعادة النظر بعملية التغيير الديمغرافي والتجريد من الجنسية، حتى منع اللغة الكردية من التداول، إلى منع الاحتفالات بعيد نيروز، أي أننا أمام علاقة تحمل طابع مصالح شخصية للداخلين فيها من القيادات على حساب مصالح الأكراد بصفتهم مواطنين، وليست في خدمة الأكراد على الأقل الذين عانوا من “المظلوميات”.
يمكن الإقرار من خلال الطروحات التي تقدّمها شخصيات كردية، ذات مكانة متقدّمة في مناصبها، بأن الخلاف بين “قوات سوريا الديمقراطية”، ومعظم المعارضة السورية، بشكلها المسلح أو السياسي، أعمق من الخلاف مع النظام السوري عموماً. وهذا تتحمّل مسؤوليته، إلى حد كبير، المعارضة التي التحقت بأجندة تركيا، من دون التفكير بأهمية وضع القضية الكردية ضمن قضية الصراع مع النظام أنها قضية حرية لكل مكونات الشعب السوري، كما تتحمّل انقسامات الأكراد وخلافاتهم الحزبية مسؤولية عدم صياغة مشروع حل واحد لقضيتهم، يدافعون عنه من داخل مكونات المعارضة وخارجها. لكن في المحصلة، هذه الطروحات الكردية مع تشابهها مع ما تطرحه قوى معارضة، لا تجعل منهم أقرب إلى تحقيق مكاسب من النظام لم يقبل تقديمها لكل السوريين منذ عام 2011، وهو اليوم يرفض القبول بالفكرة ذاتها على طاولة اللجنة الدستورية في جنيف، والتي تعقد برعاية أممية وباحتضان داعميه وحلفائه؟
العربي الجديد
————————–
شرق الفرات: صفقة «حزب العمال الكردستاني» مع النظام السوري/ عبد الباسط سيدا
في بدايات الثورة السورية أخبر بشار الأسد أركان نظامه في الدائرة الضيقة قائلاً ما معناه: الدولة تمر في حالة ضعف، لذلك سنسلم المناطق التي فيها غالبية كردية إلى «حزب العمال الكردستاني» الذي استثمرنا فيه كثيراً. وحينما نتجاوز هذا الوضع سنسترد هذه المناطق.
هذا ما سمعته شخصياً أكثر من مرة من الأخ رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الذي انشق عن النظام صيف 2012. وباعتبار أن الرجل قد أدلى بشهادته هذه لاحقاً بصورة علنية في مقابلة تلفزيونية، فلا يُعد ذكر هذا الكلام الآن افشاء لأسرار المجالس التي ينبغي أن تُحفظ؛ فالمجالس أمانات كما يُقال.
وقد جاءت هذه الشهادة في حينها، لتؤكد صحة المعلومات التي كنا قد حصلنا عليها من مصادر شتى، بخصوص صفقة التسليم والاستلام التي تمت بين نظام بشار الأسد و«حزب العمال الكردستاني» عبر واجهته السورية «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي سُلّمت إليه المناطق الكردية، وتلقى الدعم المادي والسلاح من النظام مباشرة. كما كان هناك نوع من توزيع العمل والأدوار بين إدارة ذلك الحزب لتلك المناطق، وأجهزة النظام الإدارية والأمنية التي استمرت، وما زالت مستمرة، في عملها ضمن المناطق المعنية؛ ولكن بصيغ وأشكال تتناسب مع قواعد اللعبة وأهدافها.
مناسبة الحديث في هذا الموضوع هي المقابلة التي أجراها قبل أيام الصحافي سركيس قصارجيان مع جميل بايك، الرجل الأول فعلياً في قيادة «حزب العمال الكردستاني»، وهي مقابلة طويلة، نُشر الجزء الأول منها قبل أيام في صحيفة «النهار».
ما يهمنا في هذه المقابلة هو ما صرح به بايك بخصوص طبيعة العلاقة الودية القائمة بين حزبه وعائلة الأسد؛ وتأكيده مجدداً حقيقة العلاقة التي لم تنقطع في يوم ما بين الحزب المعني ونظام آل الأسد، وهي حقيقة كنا نعرفها، وأعلنا عن ذلك في أكثر من مناسبة؛ هذا بينما كان أنصار الحزب ودراويشه والمستفيدون منه ينكرونها من دون أي سند.
ويؤكد بايك في مقابلته أنهم في الحزب يتفهمون موقف النظام، ولكنه يتمنى عليه أن يتفهم هو الآخر من جانبه وضعهم. ويشير في هذا السياق إلى فضل الحزب، تماماً كما فعل حسن نصر الله قبله، على النظام حينما منع خروج منطقة الجزيرة عن سلطته، الأمر الذي كان سيؤدي في حال حدوثه إلى سقوط حلب ودمشق بيد المعارضة، وهذا فحواه سقوط النظام نفسه.
والأغرب من كل هذا أو ذلك، أنه يقول إن العلاقة بين حزبه و«الاتحاد الديمقراطي» ليست عضوية، مدعياّ أن الأخير حزب كردي سوري التزم فلسفة وأيديولوجية عبدالله أوجلان، ومن دون أن يفصح عن طبيعة وماهية هذه «الفلسفة أو الأيديولوجية» التي أصبحت وفق كلامه، محط اهتمام الحركات الاشتراكية الديمقراطية والبيئية والنسائية في العالم أجمع.
هذا في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو الفرع السوري لحزب «العمال الكردستاني» تم تشكيله عام 2003، وهي المرحلة التي تلت اعتقال أوجلان عام 1999. وأن قيادات هذا الحزب، كانوا، وما زالوا أعضاء في حزب العمال؛ وأن الإدارة الذاتية التي أنشأها هذا الحزب، ويتحدث عنها بايك من موقع» حيادي» في مقابلته هي الإدارة التي يتحكم فيها كوادر حزب بايك نفسه غير السوريين من وراء الستار. وأن عمليات الخطف والتهديد والاعتقال ورفع شعارات حزب «العمال الكردستاني» وصور أوجلان في مختلف المناطق الكردية من حين إلى آخر، هي عمليات تجري بناء على أوامر، وتحت إشراف عناصر حزب بايك والأجهزة الأمنية التابعة مباشرة للحزب نفسه.
أجوبة جميل بايك عن أسئلة الصحافي اللبناني تستوجب التمعن، وقراءة ما بين السطور؛ فالرجل يدعو صراحة إلى استمرارية العلاقة والحوار بين فرعه السوري عبر واجهة الإدارة الذاتية، ونظام بشار الأسد، وذلك على أمل اعتماد النظام اللامركزية والاعتراف بالحقوق الثقافية الكردية. وهذه الطلبات من جانب بايك هي مجرد دغدغة للعواطف، يمارس من خلالها لعبة التعمية، وذلك للتغطية على دور حزبه في مساندة النظام، وذلك بناء على الدور الوظيفي الذي كُلّف به هذا الحزب من نظام حافظ الأسد منذ أوائل الثمانينات. ولم يقتصر ذلك الدور على سوريا وحدها، بل توسع ليشمل كردستان العراق، وكردستان إيران، وذلك بعد أن نسج حزب بايك العلاقات مع النظام الإيراني عبر الأسد في بدايات الثمانينات.
ما يدعونا إلى تأكيد أهمية كلام جميل بايك هو أنه يبين بوضوح توجه الأوضاع في منطقة شرق الفرات. فيبدو أن القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري ميدانياً وسياسياً قد اقتربت من مرحلة التوافق على عودة النظام إلى المنطقة المعنية بدعم وكفالة روسية، وبموافقة ضمنية أمريكية وإسرائيلية.
فروسيا تعمل منذ سنوات على دفع الأمور في هذا الاتجاه عبر الترويج لصيغة من التفاهمات بين «الإدارة الذاتية» ونظام بشار؛ وهي تفاهمات قائمة أصلاً. إنما الموضوع يتعلق بكيفية إخراجها بعد أن أدّى الحزب المعني دوره. والجانب الأمريكي بناء على حساباته الجديدة، على استعداد بالتفاهم مع الجانب الإسرائيلي على ترك الساحة السورية لنفوذ روسي يضمن الشروط الإسرائيلية.
أما بالنسبة إلى الحكومة التركية، فهي تحاول أن تظهر أمام شعبها، خاصة وهي على أبواب الانتخابات، بأنها قد أفشلت خطط حزب «العمال الكردستاني» وتهديداته الإرهابية «الانفصالية»؛ ويمكن العودة مجدداً إلى بنود اتفاقية أضنة الأمنية التي وقعتها تركيا مع نظام حافظ الأسد عام 1998، مع شيء من التعديل يتناسب مع المتغيرات الجديدة.
وما يُستنتج من التحركات والتصريحات المتعددة من جانب مختلف الأطراف، ومن التهديدات التركية بهجوم وشيك على المناطق التي تسيطر عليها «قسد»؛ والمناورات التي تجري بين «قسد»، أي حزب «العمال الكردستاني» والروس، والتنسيق الميداني بين «قسد» والنظام من جهة أخرى؛ هذا إلى جانب تصريحات بعض المسؤولين في «الإدارة الذاتية»، هو أن طبخة ما تحضر في الشمال السوري، بغربه وشرقه. وهي طبخة محورها «ضمانات روسية»، وتشمل تسوية أوضاع المقاتلين، عبر دمجهم مع وحدات عسكرية تابعة للجيش، وأخرى للشرطة؛ وإخراج العناصر غير السورية، بعد أن يتم التفاهم بين مختلف الأطراف حول ذلك.
قد تأخذ الأمور في منطقة إدلب والشمال الغربي وقتاً أطول، ولكن يبدو أن هناك منحى تسارعيا بخصوص المنطقة الشرقية التي يبدو أن التوافقات قد تمت من أجل الانتقال إلى الفصل الأخير من الاتفاقية التي دخل بموجبها حزب «العمال الكردستاني». ونعني بذلك أن يعود النظام، بناء على وعود فضفاضة غير ملزمة، تشبه إلى حد كبير تلك التي منحها الروس لأهالي منطقة درعا، وغيرها من مناطق «المصالحات» التي تمت سواء في أم مناطق الغوطة وحمص وغيرها.
والتصريحات التي أدلى بها آلدار خليل القيادي في «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«حزب العمال الكردستاني» مؤخراً حول أهمية وضرورة العودة إلى الحوار مع نظام بشار في دمشق، وليس في جنيف، تخالف تلك التي صرح بها مسؤولون آخرون سواء في «قسد» أو «مسد»، أو حتى «الإدارة الذاتية»، وهي جميعها واجهات يقف وراءها حزب «العمال الكردستاني». هذه التصريحات تؤكد أن التوجه الفعلي هو نحو العودة إلى النظام، فآلدار خليل هو من أكثر الملتزمين بما يقوله جميل بايك، بل الناطق باسمه. أما التصريحات التي صدرت، أو تصدر، عن الآخرين فهي للتعمية والتضليل ليس إلا، وذلك ضمن إطار سياسة التقية والمراوغة التي اعتمدها، ويعتمدها حزب «العمال الكردستاني» باستمرار.
الخاسر الأكبر في الصفقة المرتبقة هم السوريون، والكرد السوريون على وجه التحديد، فهؤلاء خسروا عشرات الآلاف من أبنائهم وبناتهم في مغامرات الحزب المذكور الوظيفية؛ كما هاجر منهم نحو مليون إنسان نتيجة الإجراءات التعسفية، والانتهاكات التي ارتكبها الحزب المذكور بحقهم. ويُشار هنا إلى التجنيد الإجباري غير الشرعي، وأدلجة التعليم غير المعترف به أصلاً، والاستنزاف الاقتصادي، هذا فضلاً عن الاغتيالات والاعتقالات والتغييب، وحالات خطف القاصرين والقاصرات، ومنع حرية التعبير.
فتصريحات بايك هي التي ينبغي أن تعتمد لاستشفاف توجهات حزب «العمال الكردستاني» في الملف السوري، وهي تصريحات تمهد للإعلان عن الفصل الأخير من الاتفاقية التي وقعها بنفسه مع مسؤولي نظام بشار الأمنيين في الأيام الأولى للثورة السورية. ومن الواضح أنها تتكامل بهذه الصيغة أو تلك مع خطوات التطبيع العربي الرسمي مع النظام، كما تنسجم مع التصريحات الأمريكية التي تعبر عن عدم الرغبة في تغيير النظام، وتتطابق مع المساعي الروسية الحثيثة في هذا الاتجاه، هذا إلى جانب تناغمها مع المتغيرات التي يشهدها الموقف التركي. كل ذلك يجري والمعارضة الرسمية بمنصاتها المختلفة، قد تحولت بكل أسف إلى مجرد امتداد تابع لما تستوجبه أولويات الآخرين لا السوريين.
*كاتب وأكاديمي سوري
القدس العربي
———————————
شرق الفرات.. “سوريا الحرجة”/ عبدالناصر العايد
يحشد نظام الأسد قواه ومؤسساته للانقضاض على موارد شمال شرقي سوريا، بعدما أذعن الأكراد للضغوط وانخرطوا معه في تسوية شبيهة بتلك التي نُفذت بالفعل في حوران؛ لكن “سوريا الغنية” التي يشيع النظام أنها ستكون الترياق لكل مشاكل وآلام “سوريا المفيدة”، هي في الواقع، وبعد عشر سنوات من الخروج العنيف عن السيطرة، ليست سوى “سوريا الحرجة”، التي يمكن أن تتحول إلى مُنطلَق وبؤرة ثورة جديدة.
تشمل منطقة شمال شرقي سوريا، محافظات دير الزور والرقة والحسكة، وجزءاً من أرياف حلب، وتزيد مساحتها على 40% من مساحة سوريا، وتقطنها حسب إحصاءات النظام للعام 2011، حوالة خمسة ملايين نسمة، مكوّنين من العرب والأكراد والسريان والآشوريين والأرمن والتركمان والأزيديين.
وقبيل الثورة، كانت هذه المنطقة ترفد البلاد بنحو نصف مواردها، فهي تضم 42% من المساحة القابلة للزارعة، وتنتج 58% من إجمالي القمح، و78% من إنتاج القطن و72% من محصول الذرة الصفراء، وتضم نحو 41% من عدد رؤوس الماشية نسبة إلى كامل القطيع السوري، وتنتج آبار النفط فيها 360 برميلاً يومياً، أي نحو 95% من كامل الإنتاج السوري”.
لكن، ووفقاً لتقرير الفقر في سوريا 1996-2004 (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، فإن “المناطق الشمالية الشرقية، سواء كانت ريفية أو حضريّة، شهدت أعلى معدلات الفقر، سواء من حيث انتشاره أو من حيث شدته أو عمقه”. و”الفقر المدقع يزداد في الإقليم الشمالي الشرق أربع مرات عن الإقليم الساحلي”.
وأطلقت المنطقة، في العقد الأول من الألفية الثالثة، أوضح إنذارين على وصول الوضع في البلاد إلى حافة الانفجار. الأول هو الانتفاضة الكرديّة في القامشلي العام 2004، والتي قمعها النظام بالعنف الأمني والعسكري مستعيناً بالقبائل العربية، لكن أبناء تلك القبائل ما لبثوا أن أطلقوا إنذاراً بدورهم بعد سنوات قليلة، عندما هَجَر بين عامي 2005 و2010، نحو مليون شخص من العرب مناطق الشمال الشرقي بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وسكنوا في مخيمات بائسة على أطراف المدن الداخلية طلباً للرزق، وهو إنذارٌ بذَلَ النظام قصارى جهده لإبقائه صامتاً.
على هذه الخلفية التي تتضمن مشاعر عالية من التهميش النسبي، أصبحت كل من محافظتي دير الزور والحسكة، مركزان بارزان للاحتجاج ما أن تفجرت الثورة، وقادت الحراك في الحسكة التنظيمات الكردية المتمرسة، فيما تصدت عشائر دير الزور للعمل شبه المنظم وفق شبكات قبلية واسعة النطاق. وسرعان ما انزلق المكوِّنان إلى العمل المسلح، فظهرت الكتائب المقاتلة في دير الزور وسيطرت على معظم أرجاء المحافظة، فيما توافد كوادر ومقاتلو حزب العمال الكردستاني إلى محافظة الحسكة وشكلوا وحدات حماية الشعب. ومع ظهور الجهاديين في المنطقة العربية، تزايد حضور الأكراد المتشددين في الجزيرة العليا. وسرعان ما غُيّبت الأصوات التي تصوب في اتجاه الهدف الرئيسي، وهو إسقاط النظام، فوجّه كل من الطرفين اهتمامه للآخر، وغذّى النظام هذه النزعة بتسليم مقاتلي حزب العمال الكردستاني حقول النفط في الحسكة، وتسليم حقول دير الزور للتنظيمات الجهادية. فنمَت القوتان، وتضخمت آمالهما، حتى أصبح من المستحيل إيجاد صيغة للتفاهم بين من يعتقدون أن دولة كردية باتت قاب قوسين أو أدنى، وبين أولئك الذين أعلنوا عودة الخلافة الإسلامية.
وعندما بدأ التحالف الدولي عمله ضد تنظيم داعش العام 2015، رفض الجيش الحر الانخراط في العمل إلى جانب الأكراد لعدم منحهم الشرعيّة، ومن نافل القول إن أصابع تركيا القلقة من الورم الكردي على خاصرتها الجنوبية كانت حاضرة بقوة. وتفاقم الوضع أكثر عندما رفضت المعارضة الرسمية السورية المرتبطة بأنقرة، إشراك الوحدات الكردية التي أصبح اسمها قوات سوريا الديموقراطية، في هيئتها للتفاوض مع النظام، ومنع “قسد” لأي نشاط لتلك المعارضة في مناطق سيطرتها.
على خلفية هذه المعطيات من التناحر الداخلي وإفناء القوى الذاتي، كان من الطبيعي أن تكون الكلمة العليا في الجزيرة للقوى الخارجية، وهيمن الأميركيون طوال فترة وجودهم النشط. لكن، مع انتهاء الحرب على داعش، وبروز رغبة واشنطن في الانسحاب، بدأت المنطقة بالتفتت بين روسيا وتركيا وايران، والأطراف الثلاثة يدعمون عودة سيطرة نظام الأسد، إذ تستهدف إيران التغلغل بين القبائل العربية السنيّة، وتتطلع روسيا إلى حقول الغاز والنفط التي أجرت اتفاقيات مسبقة مع النظام لاستثمارها، أما تركيا فلن تقبل بأقل من تفكيك مشروع الحكم الكردي مرة وإلى الأبد، وهي المهمة التي تريد تجنيد نظام الأسد لها، مقابل التخلي عن أوراقها في شمال غربي البلاد.
ولأن سلوك نظام الأسد سهل التنبؤ، فإننا نكاد نجزم بأنه سيسارع إلى تشغيل آليات النهب القصوى لخيرات الجزيرة السورية، فيما سيُبقي على مناطق معينة وبعض الموارد تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، لتكون قاعدة تدريب وتجهيز لمقاتليه بشرط أن تتوجه حرابهم نحو الدولة التركية. بدورها، تركيا التي تستضيف ما لا يقل عن مليون ونصف المليون من أبناء الجزيرة، تنتظم نخبهم في كيانات عسكرية وسياسية وعشائرية، ستضغط من خلالهم على النظام والأكراد معاً، لتصبح الجزيرة قطب رحى لصراع جديد يجعل مجتمعاتها أكثر تشتتاً، واقتصادها أكثر فقراً وتدهوراً. ولن يكون أمام سكان المنطقة سوى الرحيل والهجرة بشكل جماعي، كما فعلوا في العقد السابق على الثورة، وهي عملية بدأت فعلاً، وتكاد المنطقة تخلو من الجيل الشاب، باستثناء حملة السلاح.
تجنيب الجزيرة السورية هذا المصير الأسود، يقتضي بلورة خبرة نصف قرن مع نظام الاستبداد، في عملية سياسية بعيدة المدى والنظر، تقودها النخب التي أفرزتها تجارب السنوات العشر الماضية من كافة المكونات، وترتكز على تطلعات خمسة ملايين ساكن سيعمد النظام إلى الانتقام منهم، وسيثورون عليه مجدداً بلا شك، عندما تصل آليات النهب إلى آخر رغيف خبز بين أيديهم.
المدن
——————————
روسيا وإيران هل انتهى “زواج المصلحة” وبدأت معركة “كسر العظام” في سوريا؟/ سامر إلياس
تكشف تطورات الشهور الأخيرة عن اتساع هوة الخلاف بين روسيا وإيران في الملف السوري. وفي ظل تسريبات إسرائيلية عن “ضوء أخضر” روسي لمواصلة ضرب الأهداف الإيرانية ضمن تفاهمات جديدة توصل إليها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمتهما الأخيرة في سوتشي في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يبدو أن الأمور تسير إلى صراع حتمي ينهي “زواج مصلحة” استمر أكثر من ست سنوات، سعى خلاله الطرفان إلى التغطية على أن تحالفهما يحمل طابعا تكتيكيا مؤقتا وضعيفا يشبه نظرا لتضارب مصالحهما وأهدافهما في سورية ومنطقة الشرق الأوسط عموما.
وذهبت تسريبات في السنوات الأخيرة إلى أن القائد السابق لما يسمى “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، التقى بوتين سراً في صيف 2015 أي قبل أشهر من أول تدخل روسي خارج دائرة الاتحاد السوفييتي السابق، وطلب منه التدخل في وقت كان يفقد فيه نظام بشار الأسد وحليفه الإيراني زمام المبادرة، وظهرت حينها مؤشرات جدية ومتسارعة عن قرب انهيار النظام. وبعيداً عن صحة هذه التسريبات، فالواضح أن موسكو انتهزت ضعف النظام والإيرانيين ورأت في ذلك فرصة سانحة للإمساك بالملف السوري، ما سمح بشكل أو آخر لروسيا بأن تُقْدم دون عوائق جدية على التدخل العسكري في سوريا بشكل مباشر ومعلن، بعد أن تدخلت منذ بداية الأزمة من خلال دعم دبلوماسي للنظام واستخدام الفيتو لمنع معاقبته، إضافة إلى إرسال مرتزقة “فاغنر”.
انعطافه وتغيرات جذرية
مثَّل التدخل العسكري الروسي نقطة انعطاف حاسمة في مسار الأزمة السورية، غيَّرت من علاقات موسكو مع البلدان العربية والقوى الإقليمية المحورية، وفتحت الباب أمام تغيرات جذرية في العلاقات الروسية الإيرانية، جمعت البلدين تحت هدف إنقاذ النظام، وزادت من تنسيقهما على المستويات السياسية والعسكرية في الملف السوري ككل بشكل لافت. وكانت محفزا لتعميق العلاقات في مجالات أخرى، بعضها غير مرتبط مباشرة بالصراع السوري.
واستطاع الطرفان تحقيق “مكاسب” كبيرة على الأرض باستعادة النظام مناطق واسعة كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وانتزاع مكاسب اقتصادية ولوجستية، وتعطيل أي حلول سياسية للأزمة السورية على أساس القرارات الدولية ذات الصلة، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254. كما أفرغت روسيا وإيران جهود الأمم المتحدة من مضمونها، وكرَّستا مسار “صيغة أستانا” كبديل لها، ومارستا شتى أنواع الألاعيب لكسب الوقت ومحاولة إعادة تسويق نظام بشار الأسد.
ويتفق الطرفان على تشجيع النظام للدخول في عملية سياسية مجتزأة، لا يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي يرضي الشعب السوري، ويطمحان إلى حل يضمن بقاء النظام الحالي مع إصلاحات أدنى بكثير من مطالب السوريين.
إلا أنه، ورغم حرص الطرفين بشكل دائم على نفي وجود خلافات جوهرية بينهما في إدارة الأزمة، شكَّلت التطورات اللاحقة واستحقاقاتها اختبارا جدياً لعلاقات البلدين وتنسيقهما المشترك، ما يكشف عن زيادة عوامل الصراع بينهما في ملف إدارة الأزمة السورية.
هوة الخلافات تتسع
رغم التوقعات في السنوات الماضية بحتمية الصراع بين الطرفين في سوريا تواصل التنسيق بينهما ولم يحصل الأسوأ، ولكن من المؤكد أن الحديث عن شراكة استراتيجية بين الطرفين في سوريا غير قائم. وثمة العديد من العقبات تمنع نشوء مثل هكذا شراكة، وإضافة إلى التنافس للسيطرة على مقدرات سوريا الاقتصادية فإن الأهم هو عدم تطابق نظرتهما لمستقبل سوريا نظرا لعوامل تاريخية وسياسية وجغرافية وثقافية، ناهيك عن مصالح كل منهما وشبكة تحالفاتهما الإقليمية وأهدافهما في نطاق أوسع.
وهناك بالفعل قائمة طويلة من الخلافات بين روسيا وإيران حول الملف السوري آخذة بالاتساع، ومرشحة لنشوب معركة “كسر عظم” بينهما أمام أي مؤشر جدي أو استحقاق يفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية.
في عداد تلك القائمة، خلافات حول إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية ودورهما في المستقبل. وفي حين تفضل إيران وجود ميليشيات قوية تابعة لها في تكرار لتجارب لبنان والعراق واليمن، فإن روسيا مع بناء جيش وطني قوي يضم جميع المكونات بما فيها الكرد.
وتبدو موسكو أكثر قناعة بأن مرحلة العمليات العسكرية الكبرى انتهت، وأن التركيز يجب أن ينصب على التسوية السياسية. وفي المقابل، رغم إدراك إيران لصعوبة الدخول في معارك عسكرية مع تركيا في إدلب، نظرا لأن أي تقدم للنظام والميليشيات التابعة له يتجاوز آخر خطوط أنقرة الحمراء في هذه المنطقة فإنها تدعم النظام بين حين وآخر لتصعيد “محسوب” العواقب لعدة أهداف منها: رصّ صفوف الحاضنة الشعبية للنظام حول هدف محاربة المعارضة والتهويل من خطرها، وبالتالي عدم التركيز على القضايا المعيشية والاقتصادية السيئة التي تشهدها مناطق النظام، وتنذر بحراك تحت شعارات معيشية وضد الفساد وربما ينتقل لطرح شعارات سياسية.
ويمكن أن تمارس روسيا ضغوطا إضافية على النظام لإنجاز الدستور في أسرع وقت، ومن جهة أخرى فإنها أكثر قابلية لمناقشة مصير الأسد في حال الحصول على ضمانات للمحافظة على مصالحها الاقتصادية والجيوستراتيجية في سوريا.
وعموما، تنطلق روسيا من أن الملف السوري واحد من ملفات أخرى في المنطقة يسمح لها ببناء علاقات مع الأطراف الاقليمية، في حين تنظر إيران إلى سوريا كـ ” ضلع رئيسي في محور المقاومة”. وبعثت موسكو إشارات تفيد بأنها منفتحة على التعاون مع السعودية والإمارات في سوريا، وتوجيه هذا التعاون وفق مصالحها وأولوياتها في إعادة الاعمار، وإنعاش الاقتصاد.
ومن المؤكد أن بلدان الخليج على عكس إيران قادرة على ضخ استثمارات في سوريا وتمويل بعض عمليات إعادة الإعمار بالتنسيق مع الروس والنظام، ما يجعل العلاقة معها مهمة جدا في الفترة المقبلة وهو ما يثير غضب إيران الساعية إلى ضبط أي حضور سعودي أو إماراتي دون مستوى تهديد نفوذها في سوريا والمنطقة، والمحافظة على وجود لها في الصراع العربي الإسرائيلي، كخط مواجهة أول يمكن أن تستخدم فيه وكلاءها المحليين.
ويقرّ الجانبان الروسي والإيراني بوجود “مشكلة كردية” في سوريا، ويحذران من “كيان انفصالي” بدعم من واشنطن. لكن طهران تعتبر القضية الكردية “وجودية” بالنسبة لها نظرا لوجود مناطق ذات غالبية كردية فيها، أما بالنسبة لموسكو فهي ورقة “تكتيكية” تستغلها من جهة لإظهار أنها على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية في سوريا وتسعى إلى حوار شامل بين مختلف القوى للوصول إلى تسوية مرضية، ومهاجمة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة واتهامها بالتشجيع على “نزعات انفصالية” من جهة أخرى.
إسرائيل على الخط
ويعد الموقف من إسرائيل ودورها في سوريا أكثر الخلافات تعقيداً وحساسية في العلاقات بين موسكو وطهران، ويمكن أن تتعمق أكثر في حال قررت إيران القيام بردّ مؤثر على الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع ميليشياتها، ما يحول سورية إلى ساحة حرب بالوكالة لا تريدها روسيا في الوقت الراهن، نظرا لتأثيرات اشتعال الحرب المدمرة على جهود موسكو لتأمين الاستقرار وهندسة تسوية سياسية على مقاس مصالحها.
ومن المؤكد أن روسيا استطاعت عبر تكتيكات صعبة ومعقدة المحافظة على علاقات متميزة مع الأطراف الإقليمية المنخرطة والمستثمرة في الأزمة السورية، ولكن الواضح أن ضرورات المرحلة المقبلة سوف تضعها أمام خيارات صعبة، وربما يكون العامل الإسرائيلي “برميل بارود”، من شأنه أن يجر الجانبين الروسي والإيراني إلى معركة “كسر عظم” في سوريا، بدأت تلوح مع تجديد موسكو الضوء الأخضر لإسرائيل باستمرار مهاجمة القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سوريا، في لعبة مزدوجة تحاول فيها روسيا التفرد بالملف السوري على طاولة أي مفاوضات مستقبلاً، وترغيب الولايات المتحدة وإسرائيل والعواصم العربية المطبعة والممولة بفتح الباب أمام تسوية سياسية وإعادة الإعمار، تبدأ بالتجاوب مع عمليات تسويق نظام بشار الأسد، وهنا فإن إيران تعد “الحلقة الأضعف” التي يجب على روسيا الاستمرار من دونها قبل مواصلة تجهيز مسرح التسوية.
تلفزيون سوريا
————————–
انقسام داخل “قسد” كشفته رغبة النظام وروسيا بالتمدد شرقي الفرات/ تيم الحاج
تتعرض البنية الداخلية لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لهزة تأتي ارتدادا لبركان تركي جديد قد يثور في مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” التي تعد “قسد” ذراعها العسكرية.
ويعود أصل هذا التطور داخل القوة العسكرية المسيطرة على أجزاء واسعة من شمال شرقي سوريا إلى وقوعها في مركز ضغوط تمارسها عليها عدة أطراف جعلت -الضغوط- توسع التصدعات في جدار “قسد”، ما دفع مراقبين لتلمّس مؤشرات حقيقية على انقسام فيها.
فضحت أختها ولاءً لـ”pkk” وتتربع على عرش سلطة “مسد”.. إلهام أحمد امرأة في الأخبار
“PKK”: أول الضاغطين وأهمهم
لا يخفى على كثير من السوريين وخاصة القاطنين في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة أن “وحدات حماية الشعب الكردية” وهي الفرع السوري لـ “حزب العمال الكردستاني” كانت وما زالت النواة الأساسية لـ “قسد” منذ أن تشكلت في تشرين الأول 2015، وعليه فإنه من الطبيعي أن تكون خاضعة للأوامر القادمة من جبال قنديل.
لكن ولأن “قسد” تتلقى دعما أميركيا كان لزاما عليها إنكار تبعيتها لـ “PKK” بين الحين والآخر، بحكم أن واشنطن تصنف هذا الحزب ضمن قوائم الإرهاب لديها، ورغم ذلك لم ينف كبار قيادات “الإدارة الذاتية” كـ إلهام أحمد علاقتهم بـ “PKK” ودوره في توسعة رقعة سيطرة الإدارة شمال شرقي سوريا.
بالعودة إلى البركان التركي الذي تؤججه تصريحات المسؤولين في أنقرة، فقد ظهرت مؤشرات واضحة على ظهور تيارين داخل القوة السياسية والعسكرية شمال شرقي سوريا، الأول واضح كالشمس وهو العامل باسم “PKK”، وقد بات يكثر مؤخرا من التصريح بضرورة إتاحة الفرصة لنظام الأسد وروسيا للتوغل أكثر في دير الزور والرقة والحسكة، وحتى مغازلتهما بنصيب من النفط السوري، كما قال عضو الهيئة الرئاسية لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” في سوريا، آلدار خليل.
أما الثاني فهو الجناح الساعي لتنفيذ الرغبات الأميركية، وهذا التيار ليس معادياً بالضرورة لروسيا ونظام الأسد لكنه بالتأكيد لا يسعى لإغضاب واشنطن، وأبرز شخصياته قد يكون قائد “قوات سوريا الديمقراطية” الحالي، مظلوم عبدي الذي أراد سابقا كف يد “PKK” قليلا عن المشهد شمال شرقي سوريا.
كيف يخدم مشروع “الإدارة الذاتية” نظام الأسد؟
وفي أيلول الماضي أفاد مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا عن إنشاء جهاز أمني جديد تحت اسم “الأمن القومي”، مهمته الحد من توغل “PKK” في مناطق شمال شرقي سوريا، ويتألف هذا الجهاز بمعظمه من أكراد سوريا، يترأسه عبدي ويساعده كل من المتحدث السابق باسم “قسد” ريدور خليل، ومسؤول الدفاع السابق في “الإدارة الذاتية” ريزان كلو، وشخصيات أخرى تنتشر في مناطق شمال شرقي سوريا لكنها غير معروفة من قبل ضمن مؤسسات “قسد” العسكرية والأمنية، وجاء هذا التشكيل في أعقاب تكثيف الجيش التركي استخدام المسيرات ضد قيادات من “قسد” و”PKK”، ومطالبة أميركية لقادة “قسد” بإخلاء شمال شرقي سوريا من عناصر “حزب العمال الكردستاني”، محذّرة من أن وجودهم مرتبط باستمرار عمليات الاستهداف الجوي التركي لمناطق سيطرة “قسد”، وفق المصدر ذاته الذي أكد أن مسؤولين أميركيين اجتمعوا بقادة من “قسد” حينئذ لساعات في مقر عسكري وسط “الفرقة 17” شمالي مدينة الرقة.
مؤشرات الانقسام.. تغيير قيادات وتلميع للأسد
في هذا السياق، يجري الحديث بشكل كبير عن إزاحة مظلوم عبدي، عن منصبه وتسليمه مهمة أخرى، وإسناد قيادة “قسد” إلى قائد “وحدات حماية الشعب الكردية” في عفرين محمود رش المعروف بمحمود برخودان والذي يحمل اسما مستعارا هو “الأسود”.
وحاول موقع تلفزيون سوريا التحقق من هذه المعلومات من مصادر مطلعة على شؤون “قسد” و”PKK”، وأكدت المصادر أن الأمور حاليا في “قسد” على ما هي عليه، دون أي تغيير.
لكنها -المصادر- أكدت أيضا على أن “قسد” مقبلة على تغييرات وأنها ستطول رأس الهرم فيها أي عبدي، الذي سيغادر منصبه، مشيرة إلى أن القيادي الذي سيتسلم مكان عبدي غير معروف بعد.
وبالعودة إلى محمود برخودان فإن المعلومات حوله تؤكد قربه من المخابرات الإيرانية، وأن له علاقة وثيقة مع جميل بايك وهو القيادي البارز في “PKK”، الذي أخذ نحو عام من التفكير حتى حسم أمره في تسليم برخودان قيادة “قسد” بدل عبدي الذي سيتم تسليمه مهمة التنسيق مع التحالف الدولي.
ويعني تسليم برخودان زيادة نفوذ الموالين لنظام الأسد وإيران وروسيا في شمال شرقي سوريا، وسبق أن كشف القيادي البارز في حزب “PKK”، جميل بايك، الذي يعتبر الشخص الثاني في الحزب بعد زعيمه المعتقل لدى تركيا عبد الله أوجلان أن علاقتهم مع حافظ الأسد وعائلته كانت و”ثيقة ودافئة”، وقال “لا يمكننا أن نكون مناهضين لسوريا أو ضد الأسد”، وأكد أن الحزب لم يقطع علاقته بدمشق قط.
وإلى جانب ذلك، فقد عكست رغبة روسيا الجامحة بالتموضع في ريف دير الزور الغربي، وجود خلل في “قسد”، ووفق ما رصده موقع تلفزيون سوريا فإن تصريحا لـ “المجلس العسكري بدير الزور” أشار بوضوح إلى عدم وجود رأي موحد من التحرك الروسي، ما يعني أنه ليس جميع قادة “قسد” يشتركون بالموقف من هذا التمدد خاصة المكون العربي وقد رأينا المظاهرات المنددة بدخول الروس في قرى ريف دير الزور الغربي والشمالي خلال تشرين الأول الماضي.
ولقائد “مجلس دير الزور العسكري” أحمد الخبيل ورئيس “مجلس دير الزور المدني” غسان اليوسف علاقة جيدة مع الأميركيين وقد كان الأخير في واشنطن في أيلول الماضي، ويعني ذلك أن السماح للروس بالدخول إلى مناطقهم الخروج من العباءة الأميركية وهذا ما لا يستطيعون عليه صبرا.
وسبق للخبيل الذي تقدر عدد قواته بـ 15 ألف مقاتل أن أبدى استعداده لطرد الميليشيات الإيرانية من دير الزور إذا أراد التحالف منهم ذلك وفق تصريح سابق له.
روسيا ونظام الأسد يستثمران بالتهديد التركي لـ “قسد”
وجدت القوات الروسية في تلويح تركيا بعمل عسكري جديد ضد “قسد” فرصة لدفع الأخيرة لتقديم تنازلات لصالح نظام الأسد، فسارعت في وسائل إعلامها إلى ضخ شائعات عن قرب موعد الهجوم التركي.
وزادت روسيا في الاستثمار عبر إعلانها توسعة قاعدتها في مطار القامشلي فاستقدمت مقاتلات حديثة إلى هناك، وأقامت مناورات جوية واسعة في منطقة تل تمر بريف الحسكة. من جانبه، أرسل نظام الأسد تعزيزات عسكرية إلى ريف حلب وريف الرقة، ودفع هذا الجو “قسد” للدخول في غرفة عمليات مشتركة مع النظام وروسيا للتنسيق حيال التهديدات التركية. وقد جرى حديث عن إبرام الأطراف الثلاثة اتفاقا يفضي إلى انسحاب “قسد” من بعض المناطق المحاذية للوجود التركي داخل سوريا وعلى الحدود مع تركيا.
ومما أكد هذا الاتفاق بيان صادر عن مركز المصالحة الروسي بدير الزور، تحدث عن تفاهمات بين “الإدارة الذاتية” ونظام الأسد وروسيا، لإعادة انتشار قوات النظام في مناطق سيطرتها بمنطقة الجزيرة.
ولم يكتف النظام وروسيا بالاستفادة عسكريا من واقع “قسد” المتلعثم خشية الهجوم التركي، فالبازارات السياسية فتحت، إذ كشفت صحيفة موالية للنظام نهاية تشرين الأول الماضي، عن مسودة وثيقة لحل الخلافات الموجودة بين “الإدارة الذاتية” ونظام الأسد، وتتضمن الوثيقة بنودا تشير إلى اعتماد النظام اللامركزي في حكم البلاد، كما تتضمن ضرورة تطبيق قانون الإدارة المحلية رقم 107.
تلفزيون سوريا
—————————
تغيير سلوك نظام الأسد/ بشار الحاج علي
من المعلوم أن هذه السلطة الحاكمة غير قادرة على تغيير سلوكها وأسلوبها القمعي في تثبيت قبضتها وهيمنتها على الدولة السورية، وأي تغيير حقيقي في سلوكها يعني بالضرورة نهايتها الحتمية فهي لا تمتلك أدوات التغيير على افتراض الإرادة فيه.
وفي الآونة الأخيرة ازداد الحديث عن مفهوم أو لنقل تعبير (تغيير سلوك النظام) يقصد فيه العصابة الحاكمة في دمشق، استخدمته الإدارة الأميركية في تعاطيها مع القضية السورية وخاصة فيما يتعلق بإسقاط السلطة الحاكمة المغتصبة للدولة السورية، ومن خلال تصريحات متكررة على لسان مسؤولين أميركيين بما في ذلك الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن، حيث كان لها أثر سلبي لدى الكثير من السوريين الذين يعولون على الموقف الأميركي من هذه السلطة الحاكمة، بل ليس فقط لدى السوريين بل تعدى ذلك للقوى المنخرطة بشكل مباشر في القضية السورية أو التي تتأثر بها بشكل أو بآخر، بل ربما أبعد من ذلك، حيث فهمت بعض الأنظمة أنه قد يكون ضوء أخضر لعودة علاقات من نوع ما مع من يسكن قصر المهاجرين.
ولفهم مرامي وأبعاد استخدام هذا التعبير لابد من تسليط الضوء على معنى ذلك في سياق الصراع الدولي الإقليمي والتناقض في المصالح الذي طبع المواجهة في سوريا، وأدى إلى الجمود والتعثر في إيجاد حل سياسي أو حتى تطبيق القرارات الأممية التي صدرت دون اعتراض “فيتو” من أي دولة عضو دائم في مجلس الأمن، وهنا أركز على الدولتين الأكثر حضورًا وتأثيرًا دوليًا، وهي روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية.
فبعد اتهام روسيا لأميركا بأنها تسعى لإسقاط الأنظمة بالقوة وتغييرها وخاصة بعد الفوضى التي ماتزال ماثلة أمام الجميع في العراق وأفغانستان حرصت الإدارات الأميركية على التأكيد أنها تدعم الشعب السوري وأنها لا تسعى لتغيير النظام بالقوة وإنما إلى إيجاد حل سياسي يتفق عليه السوريون، هذا من جهة ومن جهة ثانية انتهجت الدول الفاعلة سياسية إدارة الأزمة السورية والمصالح المتناقضة من خلال آليات عمل المنظومة الدولية ممثلة بالأمم المتحدة شكلاً والعمل على تثبيت قواعد لإدارة الصراع ميدانياً، دون المواجهة المباشرة حفاظًا على هذه المنظومة التي تلبي مصالحها العالمية دون التأثير عليها بما يؤدي إلى انهيارها وخاصة مع عدم تبلور نظام دولي جديد -وهذا سبب رئيس في تعثر الوصول إلى تسوية أو اتفاق يوقف المأساة الإنسانية التي هي في آخر اهتمامات هذه القوى على الرغم من استخدامها في الصراع وتبرير التدخلات الخارجية من منطلق إنساني في بعض الأحيان-.
مالذي تقصده الإدارة الأمريكية بتغيير سلوك النظام؟
من السهل ملاحظة ومعرفة ما تقصده الإدارات الأميركية المتعاقبة في تعبيرها الملتبس من خلال بعض المؤشرات، فبعد استخدام النظام الأسلحة الكيماوية والتي أثبتت التحقيقات استخدامها مرات متكررة ليس فقط في غوطة دمشق والتي راح ضحيتها قرابة ألف وخمسمئة ضحية، بل في أكثر من منطقة خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وكما هو معلوم لدى المجتمع الدولي فإن هذه الأسلحة المحرمة دوليًا ضد القوات العسكرية المعادية فكيف إذا تم استخدامها ضد المدنيين والعزل؟
كان تغيير سلوك النظام بالنسبة لواشنطن يعني تسليم السلاح الكيماوي حماية للكيان الإسرائيلي، ورخصة لإجرام النظام من خلال استمرار القتل بأسلحة أخرى خاصة بعد تراجع أي تهديد بالمحاسبة أو القيام بعمل جدي لحل سياسي أو حتى إقامة منطقة آمنة تحمي المدنيين الهاربين من الآلة العسكرية الوحشية! وهذا ما فسره النظام وحلفاؤه برخصة للاستمرار بنهج التهجير والقتل!
ومن الواضح هنا أن المقصود بتغيير سلوك النظام لا علاقة له بتعامله مع أفراد الشعب السوري على اختلاف مواقعهم السياسية، ولا باحترامه لإنسانيته، بل المقصود تغيير سلوك النظام خارج هذه الإطار الإنساني واستغلال الجرائم التي ارتكبها لانتزاع تنازلات خارجية متعلقة بالمصالح الأميركية واستراتيجيتها المتبعة في المنطقة والعالم.
والبعد الآخر في انتهاج سياسة تغيير السلوك المعلنة هي تعميق لسياسية الإغراق المتبعة للحلفاء وللخصوم لاسيما وأن العديد من الدول الإقليمية والعالمية انخرطت بشكل مباشر في الصراع على سوريا وفوق أراضيها، مما ترك الجميع يخمّن ويحاول تحقيق مكاسب في ظل تراجع ميداني أميركي في المنطقة، كل هذا جعل هذه القوى تحاول ملء هذا الفراغ والذي هو باعتقادي تقليص للتكاليف السياسية والبشرية والمالية للإدارة الأميركية لأسباب داخلية واقتصادية، دون أن يترك ذلك فراغًا فعليًا، فهي ما تزال تحتفظ وتملك القدرة على التحرك نظرًا للتفوق التكنولوجي والعسكري وامتلاكها أدوات وأسلحة غير عسكرية قد تكون أكثر فاعلية، خاصة مع الهيمنة على النظام المالي ونظام الاتصالات وأهما الإنترنت، ومن خلال العقوبات التي يمكن تطبيقها بشكل منفرد بعيداً عن المنظومة الدولية والفيتو أو الحاجة للتوافق أو المقايضات مع القوى الدولية الفاعلة.
وضمن هذه القدرة تركت الولايات المتحدة الأميركية وجوداً عسكرياً رمزياً لكن لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو يتجاهله في أي حل سياسي، وهي ماتزال تستنزف كل المنافسين وتمنع أي حل مهما كان نوعه دون العودة لمسار جنيف كميدان يؤكد أنه لا حل دون موافقتها ودون أخد مصالحها بعين الاعتبار.
أما في ما يتعلق بتغيير سلوك النظام في مواجهة شعبه فلا يمكنني الجزم أن الأميركيين وخاصة إدارة بايدن موافقون بشكل ضمني على هذا الإجرام، خاصة أن هذه الإدارة ذات مرجعية تميل لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يمكن لها تحمل تكاليف إعادة تعويمه أخلاقيًا، ويمكن قراءة ذلك من موقف الإدارة الواضح في قضية التطبيع مع النظام حيث أكد وزير الخارجية بلينكن “نحن لن نطبع مع نظام الأسد ولا نشجع على ذلك”.
تلفزيون سوريا
—————————————-
أبعد من معركة شرق الفرات/ سمير صالحة
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إن بلاده قد تشن عملية عسكرية ضد الميليشيات الإرهابية في سوريا إذا اقتضى الأمر”، مؤكدا أن “العملية قد تنفذ عند الضرورة ولا يمكن التراجع عنها”. أنقرة متمسكة بما رددته أكثر من مرة حول ضرورة إبعاد خطر مجموعات “قسد” عن حدودها باعتبارها امتدادا لـ “حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب عالميا، وأنها سبق وفعلت ذلك أكثر من مرة في السنوات الأخيرة ولن تتأخر في مواصلة حربها على هذه العناصر التي تهدد أمنها القومي وأمن سوريا ووحدتها.
التعبئة العامة التي أعلنتها تركيا في شمال سوريا بالتنسيق مع وحدات الجيش الوطني السوري استعدادا لسيناريو شرق الفرات، قد تشمل منطقة إدلب إذا ما قرر النظام تفجير الوضع هناك دعما لـ “وحدات الحماية” وعناصر حزب العمال في إطار صفقة روسية – أميركية لتوحيد الجبهات ضد تركيا بمشاركة الميليشيات الإيرانية التي بدأت تصل إلى المنطقة. السلاح الأميركي بيد “مسد” وبمشاركة دمشق والوحدات القادمة من بيروت وبغداد بتخطيط إيراني. فهل تقود موسكو تركيبة من هذا النوع في مواجهة الجيش التركي وشركائه في فصائل المعارضة السورية؟
ما الذي كان يقصده وزير خارجية النظام فيصل المقداد وهو يقول “إن وحدات حماية الشعب في شرق الفرات تعرف الطريق إلى دمشق وما هو المطلوب منها”؟ هل كانت دعوة موجهة لمجموعات “قسد” كي تقطع علاقاتها بأميركا ومن بقي ناشطا في التحالف الدولي وتلتحق بدمشق؟ أم هو يعلن أن الأسد سيكون متسامحا معها إذا ما وضعت السلاح الأميركي تحت تصرفه؟ أو ربما يمني النفس أن تتوسط هذه الوحدات بين النظام وواشنطن مستغلا فرصة تدهور العلاقات التركية الأميركية وهي خلطة تفاهمات قد ترضي الكرملين أيضا؟ ما نوقش بين قيادات الأركان الأميركية والروسية في هلسنكي ولساعات طويلة؟ هذا ما يقلق أنقرة أيضا.
لم تحسم 4 عمليات عسكرية تركية بالتنسيق مع الفصائل السورية جرت بين عامي 2016 و2020، والعديد من التفاهمات واللقاءات على خط أستانة – سوتشي الوضع الميداني في شمال شرق سوريا فهل قررت أنقرة إسقاط هذه الورقة من يد بعض الذين يحاولون مرة أخرى لعبها ضدها؟
حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظام الأسد قبل أسابيع من محاولة استهداف القوات التركية وهو يعلن أن ساحة العمليات ستكون “في مناطق حساسة”. تقديرات إعلامية تركية تتوقع أن تتمدد حدود العملية التركية المرتقبة إلى مساحة 500 كلم وبعمق 50 كلم في بعض المناطق لحسم مسألة المنطقة الآمنة وتسهيل عودة مئات الآلاف من السوريين إلى أرضهم. فلمن ستكون الغلبة لمشروع إيصال النظام إلى مناطق الحدود التركية مجددا أم لإنشاء المنطقة الآمنة لتكون مقدمة لتفاهمات سياسية إقليمية حول سوريا؟
هناك حديث عن بروتوكول تركي – روسي جديد في إدلب. إذا افترضنا أن الأولوية لن تكون في التصعيد العسكري على هذه الجبهة فمن الذي سيحارب تركيا في شرق الفرات؟ الإجابة ستساعدنا كثيرا على قراءة تطورات المشهد الميداني والسياسي في سوريا. تكرر الأصوات الواردة من البيت الأبيض والخارجية الأميركية أن لا تبدل في مواقف واشنطن حول نظام الأسد فكيف ستوافق أميركا على تجمع كل هذه التناقضات تحت سقف واحد في مواجهة القوات التركية في شرق الفرات؟
هل تكون المواجهة بين السيناريو التركي الذي بات معروفا وبين سيناريو آخر نوقش في تموز المنصرم بين العاهل الأردني والرئيس الأميركي بايدن خلال زيارته لواشنطن خصوصا وأن الملك عبد الله دعا من هناك لنكون واقعيين في سوريا “هل نبحث عن تغيير الأسد أم تغيير السلوك؟”. هل حدث التفاهم الأميركي الروسي على إسقاط ورقة اللعب على التناقضات من يد أنقرة أم أن الحراك التركي والأردني يلتقي في مكان واحد؟
مسرح العمليات العسكرية المتوقع سيكون مختلفا عن بقية المناطق التي نفذت فيها القوات التركية والفصائل 4 عمليات مشتركة منذ العام 2016 وحتى اليوم. هنا الأميركي والروسي وقسد والنظام والميليشيات الإيرانية التي جاءت لإنقاذ مصالح إيران تحت المظلة الروسية وبلباس وحدات النظام. وهنا أيضا المسافات الفاصلة بين الخنادق والمتاريس التي لا تتجاوز مئات الأمتار في بعض الأحيان، إلى جانب حركة الطيران الحربي النشطة أميركيا وروسيا وتركيا والتي ترصد بعضها البعض.
أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي قبل أيام، أن واشنطن تتمسك بإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع موسكو في سوريا لتجنب وقوع أحداث غير مرغوبة بين الطرفين هناك. هل ينطبق ذلك على سيناريو مواجهة تركية روسية أو تركية أميركية في المنطقة إذا ما قرر أحدهم التدخل لحماية الحلفاء المحليين في مواجهة القوات التركية؟
بعد أيام قليلة على انعقاد القمة التركية الأميركية في روما بين الرئيسين أردوغان وبايدن تحدثت وسائل الإعلام عن دخول 50 شاحنة محملة بالسلاح والذخيرة والدعم اللوجستي الذي تقدمه أميركا إلى مجموعات “قسد” حليفها المحلي في شرق الفرات عبر أراضي شمالي العراق ومعبر الوليد الحدودي. إما أن تفاهما تركيا أميركيا حول مسألة شرق الفرات واحتمالات العملية العسكرية التركية لم يتم. وإما أن واشنطن قلقة من تفاهمات تركية روسية على حسابها هناك، تفتح الطريق أمام انسحاب هذه المجموعات من مناطق متداخلة على مقربة من الحدود التركية السورية وهي التي دفعتها للحوار المباشر مع موسكو عبر “قسد” لقطع الطريق على العملية التركية وتبعاتها العسكرية والميدانية والسياسية على مصالح واشنطن السورية. وسائل إعلام عديدة تتناقل أنباء عرض روسي بانسحاب الوحدات الكردية إلى عمق 32 كلم جنوب الطريق الدولي إم – 4 مقابل إقناع روسيا لتركيا بالتخلي عن عمليتها العسكرية. لصالح من ستكون عملية تغيير الخارطة هناك؟ انتشار وحدات النظام أم تفاهمات تركية روسية على توفير الحماية والضمانة المطلوبة لتسهيل عودة حوالي 200 ألف سوري إلى تلك المناطق؟
تزايد عدد التحليلات الإعلامية والسياسية التي تتوقع اقتراب موعد العملية العسكرية التركية في شرق الفرات، لكن هناك من يعتبر أن المفاجأة ستكون عند تحرك القوات التركية وحليفها الجيش الوطني السوري على جبهتين في آن واحد في شمال سوريا.
حصول أنقرة على ضوء أخضر أميركي وروسي أو موافقة أحد الطرفين على الأقل مهم بالنسبة لتركيا. لكن ذلك لا يعني أن قرار القيادة التركية سيكون تحت رحمة الموافقة أو القبول الأميركي والروسي، حتى ولو كانت أنقرة تعرف أن عمليتها هذه المرة ستكون مختلفة عن العمليات التي نفذتها مع حلفائها السوريين حتى الآن. فالاصطفافات مختلفة والجغرافيا مغايرة وتداخل المصالح والحسابات تعقد الأمور أكثر فأكثر. كما أن البعض سيحاول فتح جبهات ومحاور جديدة لإرباك القوات التركية لكن القيادة التركية نفسها قد توسع رقعة الجبهات لتوسيع رقعة المنطقة الآمنة التي تريد تفعيلها في إطار تفاهمات جديدة مع واشنطن وموسكو وتجمع مناطق من إدلب وتل رفعت ومنبج وعين عيسى وعين العرب مصحوبة بتمدد جنوب كوباني وتسويات جديدة حول مصير مدينة القامشلي.
قال أردوغان “توصلنا مع الولايات المتحدة، حليفتنا في الناتو، إلى تفاهم بشأن العمل المشترك حول مسألة قسد ولم نلمس منهم أي موقف سلبي”. هل يشمل ذلك احتمال وجود تفاهمات جديدة تتعلق بفتح الطريق أمام تمويل المنطقة الآمنة التي تتحدث عنها تركيا باستخدام إيرادات النفط في شرق الفرات وعندها سندخل في نقاشات صفقة ثلاثية تركية أميركية روسية جديدة تكون الخطة التركية في الشمال جزءا منها في إطار دفع تفاهمات المرحلة الانتقالية في سوريا نحو مسار جديد؟
كشف وزير البناء والإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين، الذي تولى عملية الترجمة في لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت في سوتشي قبل أسبوعين تقريبا، أنهما تفاهما على العمل معا لإخراج إيران من سوريا. هل هناك علاقة بين هذا اللقاء والتصريحات المعلنة وبين سيناريوهات مرتقبة عسكرية وسياسية في المشهد السوري ككل؟ أم أن الاحتمال الذي يردد له البعض في الإعلام العربي حول تحريك واشنطن لمجموعات التحالف الدولي ضد “داعش” في شمال شرقي سوريا، هدفه قطع الطريق على كلا التحركات التركية والإيرانية في المنطقة هو الأقرب للتطبيق؟
موافقة البرلمان التركي على تمديد الصلاحية الممنوحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عامين إضافيين، لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق، وما أعقبها من تطورات ميدانية وعسكرية على الجبهات تدفع بالإبرة نحو احتمال اقتراب موعد العملية العسكرية التركية. ورسائل التودد من قبل قيادات في “قسد” و”مسد” باتجاه النظام تحت عنوان “من يحكم في دمشق هو من يمثل سوريا في المحافل الدولية”، لن تنقذها من براثن الأسد حتى ولو اكتملت المصالحة بينهما وأصبحا مثل السمن على العسل.
تلفزيون سوريا
—————————
“الإدارة الذاتية” تناور مع نظام الأسد: لا يوجد حوار ولم ولن نسلّم
تتباين تصريحات مسؤولي “الإدارة الذاتية” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرق سورية بشأن العلاقة الحالية والمستقبلية مع نظام الأسد، وبينما يبدي البعض استعدادهم للحوار، يعلن آخرون عدم نيتهم “تسليم أي منطقة”.
وفي مؤتمر صحفي له، اليوم الاثنين نفى المتحدث باسم “الإدارة الذاتية”، لقمان أحمي وجود أي حوار مع النظام السوري في الوقت الحالي.
وقال أحمي: “لم ولن يتم تسليم أي منطقة ضمن الإدارة الذاتية لقوات النظام السوري”.
وأضاف: “كل مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لا تزال على حالها، وجميع مؤسسات الإدارة مازالت على رأس عملها، وستبقى كذلك أيضاً”.
وجدد أحمي نفيه بالقول: “لا يوجد حوار، وما يشاع يدخل ضمن الحرب الخاصة”.
ويأتي حديث الناطق باسم “الإدارة الذاتية” بعد تصريحات لمسؤولي “حزب الاتحاد الديمقراطي” (pyd)، حيث أبدوا فيها رغبتهم بالحوار مع النظام السوري، وذلك بالتزامن مع مواصلة تركيا لتهديداتها فيما يتعلق بشن عملية عسكرية.
وقبل أيام قال القيادي في “pyd”، ألدار خليل: “لا بد من الحوار (مع نظام الأسد) للاتفاق على مجمل الأمور العامة في سورية، بحيث يكون ملف النفط جزء من عملية الحوار النهائية مع دمشق”.
بينما انتقد الناطق باسم “وحدات حماية الشعب” (ypg)، نوري محمود المناورات العسكرية التي تجريها روسيا في مناطق شمال وشرق سورية، معتبراً أنها “بلا جدوى”.
وقال محمود في تصريحات صحفية: “من المخجل أن تتجه القوى العظمى الموجودة في الساحة السورية إلى الخيار العسكري بدلاً عن إيجاد حل ديمقراطي وسياسي”، في إشارة منه إلى روسيا.
وحتى الآن لم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري أو روسيا بشأن ما تشهده مناطق شمال وشرق سورية من تطورات عسكرية في الميدان.
ولم يعلقوا أيضاً على الرسائل التي وجهها مسؤولي “الوحدات” و”الإدارة الذاتية” بشأن إمكانية فتح قنوات حوار.
ويرفض النظام شروطاً قدمها مسؤولو “الإدارة الذاتية” في دمشق، في وقت سابق، وتتلخص في التوصل لصيغة فيها شكلٌ من الحكم الذاتي في شمال وشرق سورية.
وكان قد هدد مراراً بعملية عسكرية للسيطرة على الأراضي الواقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية”، وتُقدّر مساحتها بنحو 27% من مساحة سورية.
—————————-
تباين مواقف الأحزاب الكردية من وساطة روسية مع دمشق التهديدات التركية توحد الجهات السياسية شرق الفرات/ كمال شيخو
تباينت مواقف الأحزاب الكردية والجهات السياسية حول دور القوات الروسية بالتوسط لدى دمشق، ففي الوقت الذي تطابقت فيه دعوات حزب كردي وقيادي من «مجلس سوريا الديمقراطية»، لقيام موسكو بوساطة مع حكومة النظام للدخول في مفاوضات مباشرة، ولعب دور الضامن وإقناع حلفائها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وتغليب الحلول السياسية على الخيارات العسكرية، صرح مسؤول كردي بارز بالإدارة الذاتية، بأن موسكو ليست جادة بالضغط على النظام لتفعيل الحوار مع الإدارة.
طالب «الحزب الديمقراطي التقدمي» الكردي في سوريا، عبر بيان نشر على موقعه الرسمي، أمس، روسيا، إلى لعب دور الوسيط بين الحركة الكردية والحكومة السورية للتوصل إلى صيغة تفاهم بين الطرفين، «لدرء المخاطر والتهديدات التركية لاحتلال أجزاء ثانية من الأراضي السورية لا سيما المناطق الكردية، والتي تهدد وجود الشعب الكردي في المنطقة».
وقال أحمد سليمان عضو المكتب السياسي للحزب التقدمي لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الدعوة مردها «ما يحصل على الأرض من تطورات ميدانية، ولأن سوريا باتت منطقة نفوذ روسية بموافقة أميركية، أما باقي الدول فستنسحب من سوريا عاجلاً أم آجلاً». وفي حال توفرت تفاهمات داخل البيت الكردي «يمكن إقناع الروس بجدوى الحل السياسي، خصوصاً أن الإدارة الأميركية الحالية، تشجع الكرد والإدارة الذاتية على الحوار مع دمشق». وطالب أحزاب الحركة الكردية، التوصل لاتفاقيات أولية، «بهدف تحديد خياراتها والتي ستحقق لها حماية مناطقها وضمان حقوقها المشروعة في صيغة الحل السياسي للأزمة السورية».
وهو ما ذهب إليه رياض درار رئيس «مجلس سوريا الديمقراطية»، الذي كشف عن وجود وساطة روسية بين دمشق والإدارة الذاتية، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن التقدم الروسي داخل المناطق التي تسيطر عليها (قسد) المدعومة من واشنطن، «مؤشر على أن الروس قد يكونون أكثر جدية في دعم الحوار هذه المرة». ودعا مجلس «مسد» وقوات «قسد» للتصرف بواقعية، بالقول: «نحن بكامل الجهوزية والاستعداد للحوار إن رغبت دمشق بذلك، للوصول إلى صيغة حل سياسي لكامل القضايا في سوريا».
يذكر، أن ممثلين من «مجلس سوريا الديمقراطية»، عقدوا في الماضي، ثلاثة اجتماعات مع مسؤولين أمنيين من النظام السوري، من خلال محادثات غير رسمية عقدت الأولى منتصف 2018، والثانية 2020 والثالثة بداية العام الحالي، غير أن د. عبد الكريم عمر، رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، اتهم روسيا بعدم جديتها في ممارسة الضغوط على النظام السوري لتفعيل الحوار مع الإدارة الذاتية. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، بعدم وجود أي حوارات مع النظام، قائلاً، إن «موسكو ليست جادة في الضغط على النظام للانخراط في حوار بناء. ومنذ تشكيل محور (أستانا)، غيرت أولوياتها لتعزيز علاقاتها مع تركيا، وتعميق أزمة أنقرة في حلف شمال الأطلسي خدمة لأجنداتها». وشدد على أن «الحوار مع حكومة دمشق متوقف كلياً، لأن النظام غير جدي وما زال متمسكاً بعقلية ما قبل عام 2011، ويعتقد أنه قادر على السيطرة عسكرياً على كامل سوريا وهذا غير ممكن».
من جهته، أعرب السياسي الكردي أحمد سليمان، عن اعتقاده، بأن التهديدات التركية جدية وتتحين الفرصة المناسبة لتنفيذها. وأن الحركة السياسية السورية عموماً والكردية خصوصاً، في مأزق حقيقي لما تعيشه من خلافات وتناقضات، مشدداً على أن «هذه الحالة تفسح الطريق أمام تنفيذ التهديدات التركية الخطيرة التي تهدد الوجود الكردي في المنطقة، لافتاً إلى أن تجربة احتلال عفرين ورأس العين، لم تدفع بالحركة لإعادة النظر وتقييم أسباب الفشل الذاتي». وأضاف أن انقسام الحركة شكل نقطة ضعف أساسية «وبغير التفاهم على صيغة مشتركة، يصعب إقناع القوى المؤثرة في الوضع السوري بالتفكير جدياً بمساندة حق الشعب الكردي في إطار الحل السياسي للأزمة السورية».
وأشار القيادي رياض درار، إلى أن كل من يدعو لضرورة التفاوض بين الحكومة السورية وقوات «قسد» ومكونات الإدارة «مُحق، على أن يقود ذلك إلى الصلح لا المصالحة»، فالمصالحة برأيه لا تُقدم ولا تؤخر ولا تؤسس لحل حقيقي، بينما الصلح فهو بناء على أساسات متينة وعليه يمكن أن يقام أي حل سياسي.
وعن تصاعد التهديدات التركية بشن هجوم ضد مناطق نفوذ «قسد» والإدارة شمال شرقي سوريا، شدد درار في تصريحاته، على أن «عندما يكون هناك عدوان فكل السوريين مسؤولون عن الدفاع عن وطنهم، وهناك إمكانية طلب المساعدة من الجيش السوري لصد أي عدوان تركي».
في المقابل، حذر المسؤول عبد الكريم عمر، من تدخل تركي والسيطرة على المزيد من المناطق السورية التي ستؤدي إلى موجات نزوح، وستفاقم الوضع الداخلي وتزيد من تعقيدات المشهد الميداني «كما سيخلق الاجتياح فرصة لتنظيم (داعش) كي يستعيد نشاطه، ما يهدد استقرار وأمن المنطقة»، وناشد الدول الضامنة الضغط لكبح التهديدات التركية ومنع تنفيذها، وتعهد التزام الإدارة الذاتية ومكوناتها السياسية والعسكرية «بتطبيق كافة الاتفاقيات التي تنص على وقف إطلاق النار وخفض التصعيد».
الشرق الاوسط
————————
تركيا تواصل الحشد ضد «سوريا الديمقراطية» رغم الاستنفار الروسي ـ الأميركي
أنقرة: سعيد عبد الرازق
واصلت القوات التركية قصفها لمواقع تابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» شرق الفرات شمال سوريا، فيما دفعت بتعزيزات جديدة إلى ريف حلب وسط تراجع ملحوظ في التصريحات الصادرة عن المسؤولين في أنقرة بشأن عملية عسكرية محتملة ضد «قسد» أدت إلى استنفار روسي – أميركي لثني تركيا عن القيام بها.
وفي الوقت ذاته، قالت تركيا إن أزمة الحكومة في لبنان أدت إلى تأجيل خطة إعادة طوعية للاجئين سوريين.
ميدانياً، قصفت المدفعية التركية في ساعة مبكرة من صباح أمس (السبت) قريتي الدردارة والمجيبرة في ريف تل تمر الشمالي في محافظة الحسكة (شمال شرقي سوريا)، وسط تحليق مكثف للطائرات المسيّرة التركية فوق المنطقة.
وطال القصف التركي عدداً من المنازل في المنطقة التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، التي أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قبل أيام، أن جميع مواقعها في شمال سوريا باتت أهدافاً للقوات التركية.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القصف التركي ألحق أضراراً مادية في الممتلكات. وكان القوات التركية قصفت المنطقة ذاتها أول من أمس بالتزامن مع تسيير القوات الأميركية دورية مؤلفة من 7 عربات عسكرية في بلدة تل تمر، وتحليق لمروحيات روسية في أجواء المنطقة وقرب خطوط التماس التي تفصل بين مناطق سيطرة «سوريا الديمقراطية» (قسد) ومناطق سيطرة القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة.
في غضون ذلك، واصل الجيش التركي الدفع بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى شمال سوريا، ودخل رتل تركي إلى مدينة الباب ضمن منطقة «درع الفرات» بريف حلب الشمالي الشرقي. وضم الرتل دبابات ومدفعية ثقيلة وناقلات جند مجنزرة وعربات مدرعة، وذلك بالتزامن مع استقدام القوات التركية والفصائل الموالية لها تعزيزات عسكرية إلى مناطق «نبع السلام» في شرق الفرات، وإلى الحدود التركية – السورية مقابل مدينة عين العرب (كوباني).
وتشهد نقاط التماس بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات «قسد» هدوءاً حذراً منذ يومين، عقب اشتباكات على محور قرية أناب بريف عفرين، شمال غربي حلب، الجمعة الماضي.
في سياق آخر، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده اتفقت مع 4 دول مجاورة على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين «بشكل طوعي» إلى بلدهم، إلا أن أزمة الحكومة في لبنان أجّلت هذا الاتفاق، مؤكداً: «(أننا) ما زلنا بصدد تنفيذه».
وأضاف جاويش أوغلو، أثناء مناقشة الميزانية الجديدة لوزارته بالبرلمان التركي ليل الجمعة – السبت: «نجحنا في وضع قضية العودة الطوعية للسوريين على أجندة الرأي العام الدولي، وناقشنا الملف مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أثناء زيارته إلى بلادنا مؤخراً». وتابع: «تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، لكن لم يعد لديها الإمكانية لتحمّل المزيد من المسؤولية في هذا الشأن».
ويواجه اللاجئون السوريون في تركيا، الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون شخص، في الفترة الأخيرة حملات تطالب بترحيلهم بسبب بعض الحوادث التي وقعت في عدد من المدن التركية، كان أشدها مقتل شاب تركي وإصابة آخر على يد اثنين من السوريين، ما أدى إلى اشتعال أحداث عنف قام خلالها أتراك غاضبون بإشعال النار في ممتلكات السوريين ومحال عملهم. كما وقعت حوادث أخرى تدل على زيادة السخط ومدى تأثر المجتمع التركي بحملات المعارضة التركية، لا سيما من جانب حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، والأحزاب ذات التوجه القومي مثل حزبي «الجيد» و«النصر»، وآخرها الأزمة التي اندلعت بعد انتشار فيديو لامرأة تركية وزوجها يتناقشان مع مجموعة من السوريين حول عدم قدرة الرجل على شراء الموز، وعدم قدرة زوجته على الذهاب إلى الكوافير، بسبب سوء الأوضاع المعيشية في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في تركيا، بينما السوريون يشترون الموز بكميات كبيرة وتمتلئ بهم صالونات تصفيف الشعر والماكياج. وبعدها بدأت مجموعة من السوريين في نشر مقاطع فيديو ساخرة تُظهرهم وهم يأكلون الموز ويسخرون من الأتراك، إلى حد استبدال الهلال في العلم التركي بثمرة موز، ما دفع وزارة الداخلية التركية إلى التحرك واعتقال 7 سوريين، ونقلهم إلى مركز ترحيل في غازي عنتاب تمهيداً لترحيلهم إلى سوريا.
وأصدرت 16 منظمة حقوقية في تركيا بياناً أعلنت فيه رفضها تصريحات دائرة الهجرة العامة بشأن ترحيل اللاجئين الذين شاركوا مقاطع فيديو عن أكل الموز. وأكد البيان أن مشكلة اللاجئين ليست ناجمة عن أنهم جزء من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة لسنوات في تركيا، وإنما مرتبطة بالاستهداف المتزايد من السياسيين ووسائل الإعلام للاجئين.
————————-
==========================
تحديث 11 تشرين الثاني 2021
————————–
متى يدفن بايدن قانونَ قيصر؟/ عمر قدور
ما عاد السؤال: هل يتخلى بايدن نهائياً عن الملف السوري؟ صار السؤال: متى يحدث ذلك؟ وهو سؤال يتعلق بالمدى القريب، ربما تظهر إجابته في الأشهر القليلة المقبلة، وربما بعد أسابيع قليلة لا أكثر. تصريحات قياديين في منظومة حزب العمال الكردستاني مؤخراً توحي باقتراب عودتهم إلى كنف الأسد، وموسكو تنشط كوسيط على نحو يوحي بأنها تضع اللمسات التفصيلية الخاصة بعودتهم وعودة مناطق شرق الفرات إلى السيطرة.
التطور الأبرز “بالتأكيد” عودة المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، بالتوقيت الذي أرادته الأولى بينما تظهر إدارة بايدن كأنها تريد العودة إلى المفاوضات بأي ثمن. والأثمان التي تريدها طهران تتوزع بين العواصم الأربع التي سبق لمسؤوليها التفاخر بالسيطرة عليها، وهي تريد قبض بعضها على الأقل أثناء المفاوضات كتعبير عن “حسن نوايا واشنطن”، وكتأكيد على أن الاتفاق النووي لن تتبعه ضغوط ومفاوضات تتناول توسع إيران الإقليمي، إلا إذا كانت المفاوضات للإقرار به.
تحديداً الربط بين الملف السوري والمفاوضات مع إيران ليس بجديد، فهكذا كان الحال أيام إدارة أوباما، عندما راحت على وقع المفاوضات النووية “بجولاتها السرية أولاً” تنسحب منه لصالح إنقاذ بشار من السقوط. الربط حضر بقوة أيضاً أيام ترامب، ورغم أنه شخصياً كان يودّ سحب قواته لصالح موسكو إلا أنه عدل عن قراره لئلا يأتي الانسحاب لصالح طهران، وأتى إقرار قانون قيصر ليضع في يده أداة ثانية للضغط غير المكلف، وقد استخدمت إدارته القانون بنشاط وحماس، بخلاف إدارة بايدن التي تبدو مهتمة أكثر بالحدّ من مفاعيله.
جدير بالتنويه أن سياسة العقوبات الاقتصادية لا تسقط هذا النوع من الطغاة، ولا تدفعه إلى تقديم تنازلات، لذا كان القانون مُعدَّاً للضغط على شركاء الأسد كي يتولوا الضغط عليه من أجل مصالحهم. أيضاً، اكتسب القانون أهميته وفعاليته من الوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات، وبقاء الموارد النفطية والمائية والزراعية خارج سيطرة الأسد. بما يقل عن ألف عسكري أمريكي موجودين في سوريا وبقانون قيصر باتت واشنطن تطبق على خناق سلطة الأسد، وبأقل التكاليف، وتطلّ عسكرياً على طريق طهران-الضاحية الجنوبية.
ولئن كانت فعالية قانون قيصر القصوى تأتي من السيطرة على موارد شرق الفرات فإن الانسحاب من هناك يعني دفن فعالية العقوبات، لأن تلك الموارد “من دون مبالغة في حجمها” تنقذ اقتصاد الأسد المنهار، وتعفي طهران وموسكو من المساعدات الضرورية لإنقاذه. في الأثر المعنوي، سيُفهم الانسحاب من شرق الفرات كما هو حقاً، أي كدلالة على رمي واشنطن آخر أوراقها، ما يعني التخلي نهائياً عن عرقلة موسكو وطهران في سوريا. وسيكون من المرجح جداً عدم توسيع قائمة عقوبات قيصر لاحقاً، بمعنى تجميد القانون عند هذا الحد، لئلا تعطي الإدارة الأمريكية إشارة كاذبة قد تُفهم كاهتمام بالشأن السوري.
لقد شكا ترامب يوماً من أن إدارة أوباما، بتخليها عن سوريا، لم تترك له ما يفعله. وكان أن أعطاه الكونغرس سلاح العقوبات بإقرار قانون قيصر قبل نحو سنتين من الآن، وهو في أحد بنوده لا يجيز للرئيس تعليقه إلا وفق شروط وضوابط وأدلة على امتثال الأسد لها، والأهم أن له صفة القانون وإلغاؤه يعود إلى الكونغرس لا إلى الإدارة، وهي عملية تواكبها عادة نقاشات علنية، وتستلزم في النهاية وجود أغلبية مؤيدة للإلغاء.
بالمقارنة، تطالب طهران إدارة بايدن بضمانات بأن تكون العودة إلى الاتفاق النووي نهائية، أي بضمان ألا ينسحب الرئيس المقبل منه كما فعل ترامب. لا ألية قانونية أمريكية لمنح هذه الضمانات سوى مرور الاتفاق عبر مجلسي الكونغرس كمعاهدة يتم التصديق عليها، ومن شبه المؤكد أن إدارة بايدن لن تسلك هذا السبيل لعدم وجود أغلبية مؤيدة للاتفاق إذا أُنجز، ما يبقيه كاتفاق تنفيذي يمكن إلغاؤه من دون الرجوع إلى الكونغرس.
ما لا يستطيع بايدن إعطاءه على صعيد الضمانات لا يُستبعد أن يعوّضه بتقديم تنازلات لطهران في المجال الإقليمي، وهذه المرة بأقوى مما فعل أوباما وأكثر رسوخاً، بحيث يصعب على خلفه إذا كان جمهورياً استئناف سياسة ترامب أو سياسة شبيهة بها. هذا قد لا يلقى اعتراضاً ملحوظاً من وسطيي الحزب الديموقراطي، وفي الوقت نفسه يرضي تقدمييه الذين يأخذون على أوباما عدم المضي أبعد في سياسته وفرضها كأمر واقع على المدى البعيد. إنه بهذه الآلية “التنفيذية” يقوّض العراقيل القانونية الموضوعة أمامه، يساعده مزاج أمريكي سائد مؤيد بلا تمييز لسياسة عدم التدخل ما لم يُهدَّد الأمن القومي.
هكذا يستطيع بايدن دفن مفاعيل قانون قيصر بقرار يمتلكه، هو سحب قواته من سوريا، والذريعة جاهزة بتضاؤل خطر داعش الذي أتى بها. هذا لن يكون بالنسبة لإدارته ثمن يُعتد به ليقدّمه لطهران من تحت طاولة المفاوضات النووية، وموسكو جاهزة لإدارة تفاصيل هذه الخطوة، من إدارة خطوط الاشتباك فيها بين طهران وتل أبيب وصولاً إلى تدبير عودة منظومة حزب العمال إلى الأسد تقسيطاً.
لن تُضطر إدارة بايدن إلى اتخاذ قرار انسحاب على غرار الانسحاب من أفغانستان، وفي الأصل لا مقارنة بين حجم انخراطها هناك ووجودها في سوريا، ولا مقارنة بين الأهداف في الحالتين. أغلب الظن أن الانسحاب من سوريا سيكون تدريجياً، وقد يبدأ بتسليم مناطق فيها آبار النفط والغاز أولاً، وتسليم قوات الأسد مهام حراسة الحدود مع تركيا، الأمر الذي يرضي أنقرة أيضاً لجهة إبعاد مقاتلي قسد عن حدودها. قد يحضر سيناريو درعا معدَّلاً بعض الشيء، فيكون تخلي إدارة بايدن عن الإدارة الذاتية الكردية متمهلاً حتى تعقد الثانية تفاهماتها مع الأسد بموجب الوساطة الروسية، لتبدو الإدارة قد وافقت على ما وافق عليه أصحاب الشأن من الأكراد. لا يصعب التكهن بمصير التفاهمات مع الإدارة الذاتية وقواتها، سيناريو درعا الأخير جاهز في عقلية سلطة الأسد، وبيانات الإدارة الأمريكية التي تُعرب عن القلق من الأوضاع في سوريا، أو تدين “من دون شدّة” أفعال الأسد، جاهزة بدورها لتؤنس قانون قيصر المرمي في أدراجها.
المدن
——————————-
واشنطن – موسكو .. من الانخراط إلى الاحتواء/ علي العبدالله
مرّت العلاقات الأميركية الروسية بلحظات توافقٍ قصيرة، وبفترات خلاف مديدة على خلفية تمدد حلف شمال الأطلسي (ناتو) نحو الحدود الغربية لروسيا، ونشر أجزاء من الدرع الصاروخية الأميركية على أراضي رومانيا وتشيكيا وتركيا، وأجزاء أخرى محمولة على ناقلات متحرّكة بمحاذاة الحدود الروسية.
شهدت العلاقات بين الدولتين بُعيد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكّكه شهر عسل قصيرًا بانخراط الولايات المتحدة مع النظام الجديد الذي أسسه الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، ودعمته سياسيا، حيث اعتبرته الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي، بما له من حقوق وعليه من التزامات، خصوصا لجهة انفراده بوراثة الترسانة النووية السوفييتية الضخمة، 6500 رأس نووي، وتشجيعه على التحوّل نحو الليبرالية واقتصاد السوق وتقديم خبرات إدارية ولوجستية لدفع عملية التحوّل.
لم تستمر لحظة التوافق طويلا في ضوء بدء تحولات جيوسياسية عاصفة، شهدتها دول أوروبا الشرقية التي أعلنت انحيازها للنموذج الغربي وتوجهها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والالتحاق بحلف شمال الأطلسي، وتوجه دول “الاتحاد” و”الحلف” إلى الاستجابة لهذه الرغبات، بإيجاد صيغة وسيطة تحت اسم “الشراكة من أجل السلام”، مهدت لانضمام 11 دولة من أوروبا الشرقية لـ “الاتحاد” و”الحلف”، واقتراب “الناتو”، مستغلاً ضعف روسيا وارتباكها ودخولها في حالة انعدام وزن خلال أيام يلتسين الأخيرة في الحكم، من الحدود الروسية أكثر فأكثر؛ في تحوّل واضح من سياسة الانخراط إلى سياسة الاحتواء.
اعتبرت روسيا أن صيغة “الشراكة من أجل السلام” خدعة لتوسيع ساحة عمل “الناتو” وتطويقها عبر نقل بنية “الحلف” التحتية، القوات والقواعد والأسلحة النووية، إلى مواقع جديدة أكثر قربا من الأراضي الروسية. وهذا دفعها إلى رفض الصيغة، وإلى تبنّي استراتيجية مواجهة أساسها نزوع قومي روسي، هدفه إعادة الاعتبار لروسيا والثأر من مرحلة الضعف والاحتقار الغربي. رؤية قائمة على “قوة الدولة” و”ضمان ولاء الكنيسة الأرثوذكسية” و”التمسّك بالقيم الثقافية العريقة”، وخطّة حازمة للتخلص من العواقب الوخيمة الناتجة عن تراجع القوة الروسية، واستراتيجية هجومية بهدف فرض هيبتها ودورها الإقليمي والدولي، حيث عملت على تعزيز الوجود العسكري الروسي في الساحة السوفييتية السابقة، من خلال قواعد عسكرية في طاجيكستان وقرغيزيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأرمينيا، ومن خلال تقوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم ست دول، روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأرمينيا. ودعت إلى تشكيل اتحاد جمركي يضم دول الاتحاد السوفييتي السابق تحت اسم الاتحاد الأوراسي، كإطار موازٍ ومنافس للاتحاد الأوروبي، يمثل برأيها عالماً بديلاً قائما على رفض القيم الغربية، مبنيٍّا على تصوّر لا يسمح لأي دولة فيه بأن تصوغ سياساتها وتحدّد أطر مستقبلها منفردة، يقع تحت سيطرتها الكاملة. وأطلقت، مستفيدة من تحسّن سعر النفط والغاز، برامج اقتصادية وعسكرية لإعادة التوازن لوضعها الداخلي وزيادة قدرتها على التحرّكين، الإقليمي والدولي، عبر تطوير أسلحتها النووية، بما في ذلك صواريخ صوتية، وجوية، ومنظومات الدفاع الصاروخي. وهذا أجّج الخلافات مع الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة. وقد وصلت العلاقة إلى مستويات متدنية خلال الهجوم الروسي على جورجيا عام 2008 واحتلالها جزءا من أراضيها وإقامة جمهوريتين مستقلتين: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وغزوها منطقة “الدونباس” شرقي أوكرانيا عام 2014، وإقامة جمهوريتين شعبيتين، لوغانسك ودونيتسك، تحت حمايتها، وضم شبه جزيرة القرم. برّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استيلاءه على شبه الجزيرة بأنه ردّ ضروري على “نشر الناتو البنية التحتية العسكرية على حدودنا”.
وقد زادت العلاقات تأزّما على خلفية الكشف عن الهجمات الإلكترونية الروسية على الشركات والمؤسسات الأميركية وعلى مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 للتأثير على نتائجها وقطع الطريق على المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وقد ترتب على ذلك اعتبار وثائق الأمن القومي الأميركي المتتالية روسيا دولة عدوة تهدد المصالح الأميركية ولابد من ردعها واحتوائها، وتحوّل التعاون الأميركي الروسي، لا سيما في مجال الحد من التسلح، إلى شيء من الماضي.
يخضع التنافس القائم بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لآليات عمل القوة العظمى، حيث تسعى القوة العظمى إلى تحويل قوتها الاقتصادية إلى قوة عسكرية، والانخراط في تنافسٍ على الهيمنة والسيطرة وعدم السماح لأي قوة كبرى بأن تزداد قوة على حسابها، في لعبةٍ محصلتها صفرية، تدفعها إلى ذلك اعتباراتٌ بنيويةً راسخة، ما يعني استحالة تحاشي التدافع بسياسة ذكية. وقد برز التفوق الأميركي في أكثر من مجال، حيث عدد سكان الولايات المتحدة يفوق عدد سكان روسيا بضعفين ونصف الضعف، 336.898.000 مقابل 145.934.462، واقتصادها يفوق الاقتصاد الروسي بأكثر من عشرة أضعاف، 21.4 تريليون دولار في عام 2019 مقابل 1.687 تريليون دولار، وهما، السكان والثروة الوطنية، اللبنات الأساسية للقوة العسكرية، نقطة حرجة؛ وكعب آخيل، روسيا. ما دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تصعيد المشاعر القومية، أقوى محرّك سياسي في التاريخ، بتخويف الروس من الحصار والتطويق والتلويح باحتمال وقوع حربٍ عالميةٍ ثالثة لحشدهم حول سياسته؛ كي يتقبلوا تبعات التنافس وتخصيص مبالغ ضخمة للتسلّح على حساب احتياجاتهم المعيشية والخدمية، فالتكلفة المادية لسباق التسلّح باهظة، وتستدعي تضحياتٍ كبيرة، وإلى إجراء مناوراتٍ عسكرية لرفع جاهزية القوات الروسية، جديدها أخيرا مناورة بحرية على تدمير أهداف معادية في البحر الأسود يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وتدريبات بالذخيرة الحية، ضد أهدافٍ لعدو افتراضي، تشمل إطلاق صواريخ “كالبير” المجنّحة وصواريخ “إسكندر”، وصواريخ منظومات دفاع جوي، ومنظومات “بال” و”أوتيوس” الصاروخية الساحلية المضادّة للسفن، وتحليق قاذفات استراتيجية روسية (تو- 160) في دورياتٍ في منطقة القطب الشمالي والمحيط الهادئ وبحري بارنتس والنرويج، ومراقبة نشاط قطع بحرية وقاذفات استراتيجية أطلسية، واستحداث تشكيلاتٍ جديدةٍ في الجيش الروسي، ودخول صنوف أسلحة مطورة للخدمة، وإعادة توجيه صواريخ نووية نحو المدن الأوروبية والأميركية، والعمل على إضعاف الولايات المتحدة عبر تقويض الديمقراطية في العالم، والتحالف مع الأنظمة المناوئة لها مثل الصين وإيران، في استعراضٍ للقوة، وتوتير للمناخ الدولي لوضع التحالف الغربي تحت ضغطٍ دائمٍ لدفعه إلى القبول بطلباتٍ روسية تتعلق بدورها في النظام الدولي، وأخذ مصالحها بعين الاعتبار لدى معالجة المشكلات والملفات الساخنة وتقاسم النفوذ.
بالغ الرئيس الروسي في استعراض عضلاته وفائض قوته بانخراطه في ملفات ساخنة في سورية وليبيا وفنزويلا ودول أفريقية، مستخدما قوة هجينة، قوات نظامية وأخرى مرتزقة، مجموعة فاغنر، وضغطه المتواصل على دول البلطيق ورومانيا وبلغاريا للتأثير على سياساتها، والعمل على منع أوكرانيا وجورجيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ما رفع درجة سخونة التنافس والمواجهة مع دول التحالف الغربي، والدخول في عملية عض أصابع متصاعدة رد عليها الحلف، برفعه عدد مناوراته قرب الحدود الروسية في الأعوام الخمسة الأخيرة إلى 90 مناورة في العام الواحد، مع زيادة عدد القوات المشاركة فيها إلى مائة وستين ألف جندي، وإجراء مناورات بحرية في البحر الأسود على مقربةٍ من شبه جزيرة القرم بدءا من 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بمشاركة الأسطول السادس الأميركي، حيث بات البحر الأسود جزءاً من منطقة عمليات هذا الأسطول، مع توجّه أميركي إلى إقامة قواعد بحرية في رومانيا وبلغاريا عضوتي “الحلف” اللتين تمتلكان سواحل طويلة على شاطئ البحر الأسود الشمالية الغربية، جزءا من خطة تعطي البحر الأسود دورا خاصا في احتواء روسيا، وتشجيع أوكرانيا وجورجيا على الالتحاق بـ “الحلف”، فـ “الطريق إلى الناتو مفتوح دائماً أمام كييف وتبليسي”، كما صرح وزير الدفاع الأميركي، الجنرال لويد أوستن، وتلويح وزيرة الدفاع الألمانية، إنغريد كرامب كارينباور، بإمكانية استخدام أسلحة نووية لردع روسيا في منطقتي البلطيق والبحر الأسود، وقول الكاتب ديفيد إكس في مقالة له نشرتها مجلة فوربس، الأميركية، “إن القاذفات الاستراتيجية الأميركية، بي ـ 1 بي لانسر، يمكنها التعامل بسرعة مع مجموعة سفن الأسطول الروسي في البحر الأسود وتدميرها. وإطلاق حربٍ باردةٍ بين الطرفين أساسها سباق تسلح، وهي معركة خطرة على روسيا في ضوء تخلفها عن الولايات المتحدة في معظم مقاييس التطور العلمي والتقني، ورجحان قدرات التحالف الغربي، وانخراطها في تنافسٍ صامتٍ مع الصين، على الرغم مما يجمعهما من مشتركاتٍ ضد التحالف الغربي، وتبادلهما الدعم الفني والمادي لموازنة الضغط الغربي، وتركيز مواردهما على التنافس مع الولايات المتحدة، بدلاً من التنافس مع بعضهما بعضا، حيث تخشى روسيا أن تجد نفسها محاطةً بنفوذ صيني في آسيا وشرق وجنوب شرقي أوروبا والقطب الشمالي. ما دفع الرئيس الروسي إلى الشكوى من سعي الولايات المتحدة إلى احتواء روسيا وترك الصين، ما سيجعل احتواءها لاحقا أكثر خطورة.
يُبقي الغموض في خطط القوى العظمى، مصحوبا بغياب آلية متفق عليها لمنع التصعيد، الخيارات مفتوحة، وعدم استبعاد أي احتمال على الإطلاق، فالأوضاع بين الطرفين بعيدة عن الاستقرار، مع ترجيح احتمال زيادة التوتر، خصوصا إذا سعت القيادة الأوكرانية، بدعم من الولايات المتحدة، إلى استعادة منطقة “الدونباس” والقضاء على الجمهوريتين الانفصاليتين هناك.
العربي الجديد
——————————–
التحوّل بعيدًا عن أميركا/ مايكل يونغ
اتّهم أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن بأنها حجبت تقريرًا عن إمبراطورية حزب الله المالية. ويُعتبر هذا التقرير، الذي كُلِّفت بإعداده وزارتا الخارجية والدفاع، أحد المقتضيات التي نصّ عليها قانون تعديلات منع التمويل الدولي لحزب الله الصادر في العام 2008.
بحسب مقال نُشر على موقع Washington Free Beacon المحافِظ، يرتدي هذا التقرير أهمية شديدة للجمهوريين، “نظرًا إلى أن إدارة بايدن تدرس احتمال رفع العقوبات الاقتصادية عن لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله، فيما ترزح البلاد تحت وطأة أزمة نقدية هائلة”. وقال النائب الجمهوري بات فالون: “إذا تراجعت الإدارة الحالية ورفعت العقوبات المفروضة على لبنان، فستكون هذه خطوة مأخوذة من قاموس السياسة الخارجية التي انتهجها نيفيل تشامبرلين. حزب الله وحده يتحمّل مسؤولية الانهيار الاقتصادي في لبنان”.
ولّد تعليق فالون أسئلة مثيرة للاهتمام، إذ ما من مؤشّر على أن الولايات المتحدة قد فرضت فعليًا عقوبات على لبنان. الأكيد أنها فرضت عقوبات على سياسيين لبنانيين وعلى أعضاء في حزب الله وشركاء له، لكن لا شيء يشير إلى أنها ستعيق مثلًا خطة صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان. بل واقع الحال أن إدارة بايدن حاولت مؤخرًا مساعدة الجيش اللبناني، فيما زار وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي بيروت في أيلول/سبتمبر لدراسة سبل مساعدة البلاد.وصرّح أحد أعضاء الوفد، ريتشارد بلومنثال، قائلًا: “لا أستبعد خيار تطبيق مشروع مارشال مصغَّر من أجل لبنان، لأن مصالح الأمن القومي الأميركي تقتضي ذلك…”.
هذه ليست اللهجة التي تُستخدم في معرض الحديث عن دولة خاضعة للعقوبات. والأمر الأكثر دلالة ما نقلته مصادر في الكونغرس لموقع Washington Free Beacon عن أن “الكونغرس يدقّق بشكل متزايد” في رفض إدارة بايدن الإفراج عن تقرير وزارتَي الخارجية والدفاع، “وسط تقارير منفصلة عن استعدادها للموافقة على بعض الإعفاءات من العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاقية مع لبنان حول الطاقة”. وتنطوي هذه الاتفاقية على ضخّ الغاز المصري في خط أنابيب يمرّ عبر الأردن وسورية ووصولًا إلى لبنان لتزويد محطة دير عمار الواقعة بالقرب من طرابلس. يُشار إلى أن لبنان يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، في ظل نقص الأموال وشحّ الوقود. لذا، من شأن هذه الخطة أن تساعد على إنتاج الطاقة في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.
لكن تطبيق هذه الخطة يتطلّب من الولايات المتحدة استثناء لبنان والأردن من العقوبات الأميركية المفروضة في إطار قانون قيصر الذي صُمِّم لمعاقبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه. والمُلفت أن السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، هي من أعلن عن خطة الغاز في آب/أغسطس، ولكن الطلب الأولي بالسماح بها أتى على لسان العاهل الأردني الملك عبدالله أثناء زيارته إلى واشنطن في تموز/يوليو. وقد تطرّق رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى خطة الغاز بُعيد لقاءٍ جمعه مع مسؤولين مصريين في القاهرة في 16 تموز/يوليو. يشي كل ذلك إذًا بأن مصر والأردن متّفقان حيال لبنان، وأنهما نجحا على ما يبدو في إقناع إدارة بايدن بدعم مقاربتهما.
مع أن العناوين العريضة للخطة تركّز ببساطة على تزويد لبنان بالغاز في هذه المرحلة العصيبة التي يشهدها، يبقى الجوهر الحقيقي هو أن مصر والأردن يحاولان استخدام الأوضاع الراهنة في لبنان وسيلةً من أجل إعادة سورية إلى كنف الدول العربية. ويبدو بشكل متزايد أن مساعي إدارة بايدن التي يصوّرها البعض في واشنطن بأنها ميلٌ نحو إيران ونظام الأسد، تحمل دلالةً أكبر، تتمثّل في أنها مساعٍ عربية لاستخدام الانفتاح على سورية ولبنان لمواجهة النفوذ الإيراني في البلدين وتحويلهما إلى ساحة مساومات بين الدول العربية وطهران.
إذا كان ذلك صحيحًا، فهو يشير إلى حدوث تغييرات جذرية في المواقف العربية حيال الجمهورية الإسلامية. وحتى فترة ليست ببعيدة، كان أمل الكثير من الدول العربية هو أن تعمد الولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، إلى احتواء التوسع الإيراني في المنطقة. وقد شكّلت هذه السياسة الرامية إلى احتواء إيران ركنًا من أركان المقاربة الأميركية، إذ اقترحت إدارة كلينتون اتّباع استراتيجية “الاحتواء المزدوج” تجاه إيران والعراق في عهد صدام حسين قبل ثلاثة عقود.
بدت اتفاقات التطبيع التي أُبرمت العام الفائت بين دول الخليج وإسرائيل خطوة إضافية في هذا الاتجاه. فقد شكّلت نوعًا من ثقل موازن في وجه إيران، بعد أن أحجمت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب عن الردّ على الهجمات الإيرانية التي استهدفت سفنًا سعودية أو إماراتية في أيار/مايو من العام 2019، وبعد أن بدا واضحًا تردّد ترامب في التدخّل نيابةً عن حلفائه السعوديين عقب الهجوم الذي نفذّته طائرات إيرانية من دون طيار على منشأتين تابعتين لشركة أرامكو في مدينتَي بقيق وخُريص في أيلول/سبتمبر 2019.
مع ذلك، باءت محاولات الولايات المتحدة لاحتواء الجمهورية الإسلامية بالفشل. فقد اتّسعت رقعة نفوذ إيران في الشرق الأوسط على الرغم من خضوعها للعقوبات طيلة عقود. هي لا تقدّم مثالًا يُحتذى به، إلّا أنها استغلت الطبيعة المفكّكة والمتشرذمة للكثير من الدول العربية لتحقيق مصالحها الخاصة. ويبدو الآن أن بعض الدول العربية عمدت إلى تغيير تكتيكاتها بعد إدراكها هذا الواقع وتنبّهها أيضًا إلى أن إسرائيل، من دون دعم أميركي، ستفكّر مليًا قبل شنّ حرب ضدّ إيران من شأنها زعزعة استقرار المنطقة. وإن دلّت سياسات الدول العربية في سورية ولبنان على شيء فإنما تدلّ على أنها قررت التدخل في دولتين تمتلك فيهما إيران نفوذًا كبيرًا، على عكس السعودية التي أوقفت بشكل كامل دعمها للبنان ولحلفائها اللبنانيين منذ سنوات، معتبرةً البلاد حالةً ميؤوسًا منها.
يُعتبر النهج السعودي إلى حدّ كبير مجموعة من الفرص السياسية الضائعة. ففيما لجأ الإيرانيون إلى استخدام علاقاتهم مع حركة أنصار الله في اليمن لإقحام السعوديين في مأزق، توشك السعودية على سحب يدها كليًا من لبنان الذي يضم طائفة سنّية كبيرة يضاهي حجمها حجم الطائفة الشيعية، وتبحث عن راعٍ إقليمي من أجل التصدّي لحزب الله. لكن ما لا يدركه السعوديون تمامًا أن الكثير من السنّة غير مستعدّين لإطلاق شرارة حرب أهلية جديدة لتحقيق هذا الهدف.
أما المنحى السائد في أماكن أخرى من العالم العربي فيبدو مبتكرًا أكثر. ويشي سلوك مصر والأردن في لبنان، على غرار الإمارات العربية المتحدة وقطر، بأن الدول ذات الغالبية السنّية، إذا نجحت في حشد تحالفاتها وأنصارها في الشرق الأوسط، فهي تملك فرصة أفضل في إرغام إيران على مراعاة مصالح الدول العربية، مقارنةً مع الفرص التي يوفّرها اعتمادها على الأسلحة الأميركية أو الإسرائيلية. إن ما يحدث في العالم العربي إذًا هو عودة إلى اللعبة السياسية. ونظرًا إلى أن الكثير من الدول التي تهيمن فيها إيران، مثل سورية واليمن ولبنان والعراق، تُعتبر ذات غالبية سنًية أو تسكنها أقليات بارزة معادية لطهران، من المنطقي البحث عن فرص من شأنها دفع إيران إلى القبول بتسويات.
يعيد ذلك إلى الأذهان وضع الشرق الأوسط في خمسينيات القرن المنصرم، حين كانت دول المنطقة تشهد انقسامات داخلية مدفوعة بالتوجهات السياسية لسكانها، من ناصريين أو بعثيين أو شيوعيين أو هاشميين أو موالين للغرب. وتُعدّ المنطقة اليوم حلبة تتناحر فيها الجهات الإقليمية والدولية، على غرار إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا وفرنسا، فيما تحتفظ الولايات المتحدة أيضًا بنفوذ هناك، وبالتالي لا يمكن تجاهل الاحتمالات المتاحة لإحلال توازن مع جهات فاعلة أخرى.
في الواقع، يبدو أن إدارة بايدن، من خلال غضّ الطرف عن صفقة الغاز المصري مع لبنان، تتبنّى هذا المنطق. فقد كان هدف إدارة أوباما إرساء توازن قوى إقليمي قادر على إحداث تغيير من دون تدخلات خارجية بعد الانسحاب العسكري الأميركي، وهو ما يوافق عليه جو بايدن على الأرجح. وكان باراك أوباما قد صرّح لجيفري غولدبرغ من مجلة ذي أتلانتيك بأن “المنافسة القائمة بين السعوديين والإيرانيين، والتي ساهمت في تغذية الحروب بالوكالة وزرع الفوضى في سورية والعراق واليمن، تتطلّب منا أن نصارح أصدقاءنا، وكذلك الإيرانيين، بحقيقة أن عليهم التوصل إلى طريقة فعّالة لتشارك المنطقة وإحلال نوع من السلام البارد”.
تتردّد أصداء هذه الرسالة في العالم العربي اليوم. ففي ظل توقّف الولايات المتحدة عن تنظيم شؤون الشرق الأوسط، تعمد الدول العربية إلى جمع أوراقها لخوض لعبة نفوذ خاصة بها على المستوى الإقليمي. أما في واشنطن، فيبقى النقاش محدودًا، إذ يركّز على خطوات الإدارة الحالية وتأثيرها على الساحة الداخلية، لكن في الشرق الأوسط، تفرض الأنظمة قواعد جديدة للعبة النفوذ، تحضيرًا لرسم معالم منطقة تحوّلت بعيدًا عن أميركا.
مؤسسة كارنيغي للشرق الأوسط
——————————–
شرق الفرات.. “سوريا الحرجة”/ عبدالناصر العايد
يحشد نظام الأسد قواه ومؤسساته للانقضاض على موارد شمال شرقي سوريا، بعدما أذعن الأكراد للضغوط وانخرطوا معه في تسوية شبيهة بتلك التي نُفذت بالفعل في حوران؛ لكن “سوريا الغنية” التي يشيع النظام أنها ستكون الترياق لكل مشاكل وآلام “سوريا المفيدة”، هي في الواقع، وبعد عشر سنوات من الخروج العنيف عن السيطرة، ليست سوى “سوريا الحرجة”، التي يمكن أن تتحول إلى مُنطلَق وبؤرة ثورة جديدة.
تشمل منطقة شمال شرقي سوريا، محافظات دير الزور والرقة والحسكة، وجزءاً من أرياف حلب، وتزيد مساحتها على 40% من مساحة سوريا، وتقطنها حسب إحصاءات النظام للعام 2011، حوالة خمسة ملايين نسمة، مكوّنين من العرب والأكراد والسريان والآشوريين والأرمن والتركمان والأزيديين.
وقبيل الثورة، كانت هذه المنطقة ترفد البلاد بنحو نصف مواردها، فهي تضم 42% من المساحة القابلة للزارعة، وتنتج 58% من إجمالي القمح، و78% من إنتاج القطن و72% من محصول الذرة الصفراء، وتضم نحو 41% من عدد رؤوس الماشية نسبة إلى كامل القطيع السوري، وتنتج آبار النفط فيها 360 برميلاً يومياً، أي نحو 95% من كامل الإنتاج السوري”.
لكن، ووفقاً لتقرير الفقر في سوريا 1996-2004 (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، فإن “المناطق الشمالية الشرقية، سواء كانت ريفية أو حضريّة، شهدت أعلى معدلات الفقر، سواء من حيث انتشاره أو من حيث شدته أو عمقه”. و”الفقر المدقع يزداد في الإقليم الشمالي الشرق أربع مرات عن الإقليم الساحلي”.
وأطلقت المنطقة، في العقد الأول من الألفية الثالثة، أوضح إنذارين على وصول الوضع في البلاد إلى حافة الانفجار. الأول هو الانتفاضة الكرديّة في القامشلي العام 2004، والتي قمعها النظام بالعنف الأمني والعسكري مستعيناً بالقبائل العربية، لكن أبناء تلك القبائل ما لبثوا أن أطلقوا إنذاراً بدورهم بعد سنوات قليلة، عندما هَجَر بين عامي 2005 و2010، نحو مليون شخص من العرب مناطق الشمال الشرقي بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وسكنوا في مخيمات بائسة على أطراف المدن الداخلية طلباً للرزق، وهو إنذارٌ بذَلَ النظام قصارى جهده لإبقائه صامتاً.
على هذه الخلفية التي تتضمن مشاعر عالية من التهميش النسبي، أصبحت كل من محافظتي دير الزور والحسكة، مركزان بارزان للاحتجاج ما أن تفجرت الثورة، وقادت الحراك في الحسكة التنظيمات الكردية المتمرسة، فيما تصدت عشائر دير الزور للعمل شبه المنظم وفق شبكات قبلية واسعة النطاق. وسرعان ما انزلق المكوِّنان إلى العمل المسلح، فظهرت الكتائب المقاتلة في دير الزور وسيطرت على معظم أرجاء المحافظة، فيما توافد كوادر ومقاتلو حزب العمال الكردستاني إلى محافظة الحسكة وشكلوا وحدات حماية الشعب. ومع ظهور الجهاديين في المنطقة العربية، تزايد حضور الأكراد المتشددين في الجزيرة العليا. وسرعان ما غُيّبت الأصوات التي تصوب في اتجاه الهدف الرئيسي، وهو إسقاط النظام، فوجّه كل من الطرفين اهتمامه للآخر، وغذّى النظام هذه النزعة بتسليم مقاتلي حزب العمال الكردستاني حقول النفط في الحسكة، وتسليم حقول دير الزور للتنظيمات الجهادية. فنمَت القوتان، وتضخمت آمالهما، حتى أصبح من المستحيل إيجاد صيغة للتفاهم بين من يعتقدون أن دولة كردية باتت قاب قوسين أو أدنى، وبين أولئك الذين أعلنوا عودة الخلافة الإسلامية.
وعندما بدأ التحالف الدولي عمله ضد تنظيم داعش العام 2015، رفض الجيش الحر الانخراط في العمل إلى جانب الأكراد لعدم منحهم الشرعيّة، ومن نافل القول إن أصابع تركيا القلقة من الورم الكردي على خاصرتها الجنوبية كانت حاضرة بقوة. وتفاقم الوضع أكثر عندما رفضت المعارضة الرسمية السورية المرتبطة بأنقرة، إشراك الوحدات الكردية التي أصبح اسمها قوات سوريا الديموقراطية، في هيئتها للتفاوض مع النظام، ومنع “قسد” لأي نشاط لتلك المعارضة في مناطق سيطرتها.
على خلفية هذه المعطيات من التناحر الداخلي وإفناء القوى الذاتي، كان من الطبيعي أن تكون الكلمة العليا في الجزيرة للقوى الخارجية، وهيمن الأميركيون طوال فترة وجودهم النشط. لكن، مع انتهاء الحرب على داعش، وبروز رغبة واشنطن في الانسحاب، بدأت المنطقة بالتفتت بين روسيا وتركيا وايران، والأطراف الثلاثة يدعمون عودة سيطرة نظام الأسد، إذ تستهدف إيران التغلغل بين القبائل العربية السنيّة، وتتطلع روسيا إلى حقول الغاز والنفط التي أجرت اتفاقيات مسبقة مع النظام لاستثمارها، أما تركيا فلن تقبل بأقل من تفكيك مشروع الحكم الكردي مرة وإلى الأبد، وهي المهمة التي تريد تجنيد نظام الأسد لها، مقابل التخلي عن أوراقها في شمال غربي البلاد.
ولأن سلوك نظام الأسد سهل التنبؤ، فإننا نكاد نجزم بأنه سيسارع إلى تشغيل آليات النهب القصوى لخيرات الجزيرة السورية، فيما سيُبقي على مناطق معينة وبعض الموارد تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، لتكون قاعدة تدريب وتجهيز لمقاتليه بشرط أن تتوجه حرابهم نحو الدولة التركية. بدورها، تركيا التي تستضيف ما لا يقل عن مليون ونصف المليون من أبناء الجزيرة، تنتظم نخبهم في كيانات عسكرية وسياسية وعشائرية، ستضغط من خلالهم على النظام والأكراد معاً، لتصبح الجزيرة قطب رحى لصراع جديد يجعل مجتمعاتها أكثر تشتتاً، واقتصادها أكثر فقراً وتدهوراً. ولن يكون أمام سكان المنطقة سوى الرحيل والهجرة بشكل جماعي، كما فعلوا في العقد السابق على الثورة، وهي عملية بدأت فعلاً، وتكاد المنطقة تخلو من الجيل الشاب، باستثناء حملة السلاح.
تجنيب الجزيرة السورية هذا المصير الأسود، يقتضي بلورة خبرة نصف قرن مع نظام الاستبداد، في عملية سياسية بعيدة المدى والنظر، تقودها النخب التي أفرزتها تجارب السنوات العشر الماضية من كافة المكونات، وترتكز على تطلعات خمسة ملايين ساكن سيعمد النظام إلى الانتقام منهم، وسيثورون عليه مجدداً بلا شك، عندما تصل آليات النهب إلى آخر رغيف خبز بين أيديهم.
المدن
—————————————
نداءات سورية!/ فايز سارة
ما ميز النصف الأول من العام الحادي عشر على ثورة السوريين، تأكيد القوى المتدخلة في سوريا، أنه لا جديد عملياً بشأن حل القضية السورية، وطوال الأشهر الستة الأخيرة، كرر مسؤولون في القوى المتدخلة، أنه ينبغي حل القضية السورية، وأن الحل ينبغي أن يكون سياسياً مستنداً إلى القرار الأممي 2245، لكن أحداً من المتدخلين، لم يقدم فكرة أو مبادرة، ولم يقم بخطوة من شأنها التقدم نحو الحل، أو فتح بوابة يمكن أن تقود إلى هذا الاتجاه. الخطوة الوحيدة التي حدثت، كانت انعقاد الجولة السادسة في أعمال اللجنة الدستورية بجنيف، التي انتهت وفق مختلف الأطراف إلى فشل في تحقيق أي تقدم في أعمالها؛ مما عزز شكوك السوريين فيها وفي أهدافها، وبما يمكن أن يتمخض عن اجتماعاتها من نتائج؛ لأن أغلب السوريين يرون أن جوهر المشكلة في سوريا لا يتعلق بالدستور، إنما بمن سيطبق الدستور، حتى لو كان هو الذي وضع الدستور أساساً.
وفي ظل الواقع السياسي، وما يرافقه من إحباط، شهد الواقع الميداني تغييرات شديدة التردي بما فيها مناطق سيطرة النظام من احتجاجات الموالين إلى انفجارات دمشق، وقبلها كان الجنوب مسرحاً لجهود مشتركة قام بها حلف النظام مع الروس والإيرانيين، جرى في خلالها تغيير الواقع الميداني بإخضاع الجنوب لسيطرة النظام عبر إلغاء اتفاق التسوية الذي تم التوصل إليه عام 2018 برعاية دولية، شاركت فيها الولايات المتحدة وروسيا، ولم تتخلَ الدولتان عن ضمانتهما فقط، إنما تناست الأولى وسكتت، وتناست الثانية، وانتقلت لتصير طرفاً في إخضاع الجنوب لسيطرة الأسد، واكتفى الضامنون الآخرون بالصمت الكلي.
وشجع ما حدث في الجنوب الروس والنظام على التوجه شمالاً. فبدأ الاثنان ممارسة ضغوط على مجلس سوريا الديمقراطية، وقواته في شرق الفرات باستخدام سياسة العصا والجزرة، عبر التخويف باحتمال انسحاب روسي من شرق الفرات، يطلق يد الأتراك وحلفائهم من تنظيمات مسلحة في الهجوم على مناطق سيطرة «قسد»، ودفع بعض الموالين للنظام في المنطقة للقيام بتحركات احتجاجية ضد سياسات «قسد»، لجرها إلى عقد اتفاقات مصالح مع نظام الأسد، وشجعوها بعقد اتفاق لزيادة كميات النفط المقدمة للنظام. واتجه الروس والنظام إلى ضغوط سياسية – عسكرية في منطقة النفوذ التركي، بينها ضغوط روسيا على الحليف التركي، والحجة عدم الوفاء بالتزاماته في محاربة تطرف الجماعات المسلحة في وقت تتجاهل فيه روسيا نشاط جماعات متطرفة في مناطق سيطرة النظام و«قسد»، وزاد الروس على الضغوط السياسية، ضغطاً عسكرياً قاموا به بشكل مشترك مع قوات الأسد عبر هجمات بالطائرات والصواريخ على مناطق تجاوزت مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» الموصوفة باعتبارها جماعة إرهابية، والأمر في كل الأحوال، تبشير بقرب فتح معركة هدفها استعادة سيطرة النظام على إدلب وجوارها، أو على الأقل السيطرة على جزء جديد وفق سياسة القضم بالأجزاء، التي مارسها النظام لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته بدعم حلفائه، وسكوت العالم منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015.
وللحق، فإن الترديات السياسية والعسكرية – الأمنية، ترافقت مع تدهور شامل في أوضاع السوريين، ولا سيما الواقع المعيشي في الداخل السوري، كما في لبنان وتركيا وفيهما أكبر تجمعين للاجئين السوريين في الخارج. ففي الداخل، تزامنت ظواهر بينها انهيار قيمة العملة السورية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتزايد البطالة، وتعميم الفساد وسياسات ابتزاز السكان بكل الأساليب والطرق، وخلقت بيئة تقارب أوضاع السوريين في لبنان، في حين أدت تداعيات الأزمة الاقتصادية، وتصاعد النزعات العنصرية ضد السوريين في تركيا إلى تردي حياتهم، وتدهور مستويات عيش الأغلبية منهم في وقت لا يملكون فيه فرصة عودة آمنة إلى بلدهم، ولا فرص انتقال إلى أوروبا أو غيرها، ويعانون من ظروف شديدة الصعوبة.
وكما هو واضح، فإن ما يلحق بالسوريين وسوريا، يمثل كارثة بكل معنى الكلمة، وخطراً يتجاوز في تأثيراته ونتائجه الواقع الحالي إلى المستقبل، وإن استمرت تطورات ما يحصل على المستوى ذاته، فإنها تهدد وجود السوريين وكيانهم.
ولا يقتصر خطر ما يجري على السوريين وسوريا، بل هو مؤشر على خطر إقليمي ماثل، يمكن أن يصيب أغلب بلدان المنطقة، التي تتشارك أو هي قريبة من البنية السورية والبيئة المحيطة بها، وإن كان بعضها يكاد يتطابق مع ما كان عليه الحال السوري والبيئة المحيطة به قبل العام 2011.
لقد تكررت مرات كثيرة النداءات الخارجة من أتون الكارثة وتطوراتها في السنوات الماضية، وحذرت من احتمال تعميم ما يحصل في سوريا وانتقاله إلى دول المنطقة، لكن الردود على النداءات كانت ضعيفة، وبعض الذين ردوا قالوا: إحنا غير، والأغلبية لجأت إلى مزيد مما اعتبرته إجراءات وقاية وحماية، شملت تعزيز مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وإعطاءها مزيداً من الصلاحيات، وتشديد الإجراءات الأمنية والإدارية، وأضافت إلى ما سبق إعادة ترتيب علاقاتها، وخاصة تعزيز علاقاتها مع شركاء تقليديين وانفتاح ولو محدوداً على شركاء جدد.
ورغم أن في بعض الخطوات ما يستحق الاهتمام، فإن ما تم أقل بكثير مما ينبغي القيام به وفق ما بيّنته التجربة السورية، وخاصة لجهة إحداث تغيير جوهري وعميق في العقلية السائدة داخل الحكم وخارجه، وتطوير سلوكها وعلاقاتها، ودخولها في مسارات منطقية في تقييم الأمور وخاصة الأحداث المهمة ونتائجها.
إن تجنب دول المنطقة وشعوبها السير إلى المصير السوري، يتطلب أيضاً وعياً وإدراكاً عميقاً لما يجري في المنطقة وحولها، ورسم مسار من شأنه الذهاب إلى مستقبل مختلف، يوفر كرامة الشعوب والدول وتقدمها في المستويين الوطني والإقليمي. وتتركز مستويات هذا المسار في ثلاثة؛ أولها مسار المستوى الوطني، يقوم على نهج إصلاحي عبر تغييرات عميقة في بنية الدولة ونظام الحكم وعلاقاتهما مع المواطنين وسط تأكيد ثلاثية، تتضمن تكريس المشاركة، والقانون والحريات، والمسار الثاني رسم خط للتعاون الإقليمي، وتغيير العلاقات الحالية بوقف الصراعات وحالات الاقتتال، والتحريض والكراهية والعنصرية، التي جرى إطلاقها والانخراط فيها خلال العقود الماضية، واستبدال نهج يقوم على التعاون والتشارك والمصالح المشتركة الراهنة والمستقبلية بها، والمسار الثالث إعادة رسم سياسات دول المنطقة مع بقية دول العالم، ولا سيما الدول الكبرى وأولها الولايات المتحدة وروسيا والصين، وجعل هذه العلاقات تقوم على التعاون والسلام والمصالح المشتركة، لا على أساس التبعية والتدخلات في شؤون المنطقة وتعزيز سياسات الصراع وتصعيدها.
الشرق الأوسط
—————————————
الخيط الرابط بين أوكرانيا وسوريا.. حديث روسي عن حرب عالمية ثالثة/سامر إلياس
يكاد لا يمر يوم دون صدور تصريح روسي، من المستويات الرسمية السياسية والعسكرية العليا، عن التصعيد المتواتر مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعواقب التي تترتب عليه، والتحذير من احتكاكات بين الطرفين في أحد بؤر التوتر، يمكن أن تضع الطرفين على حافة مواجهة عسكرية واسعة.
ويترافق ذلك مع إعلانات شبه يومية عن مناورات عسكرية لرفع جاهزية القوات الروسية وتدريبات بالذخيرة الحية، ضد أهداف لعدو افتراضي، تشمل إطلاق صواريخ (كالبير) المجنحة وصواريخ (إسكندر)، وصواريخ منظومات دفاع جوي، ومنظومات “بال” و”أوتيوس” الصاروخية الساحلية المضادة للسفن، أو تحليق قاذفات استراتيجية روسية (تو- 160) في عمليات دورية في منطقة القطب الشمالي والمحيط الهادئ وبحري بارنتس والنرويج، ومراقبة نشاط قطع بحرية وقاذفات استراتيجية أطلسية، واستحداث تشكيلات جديدة في الجيش الروسي، ودخول صنوف أسلحة مطورة للخدمة، ومنها إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائه مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي قوات الفضاء الجوي يوم الإثنين، أن الجيش الروسي سيحصل قريباً على أول نماذج منظومة الصواريخ “إس-500”. في استعراض للقوة أشبه ما يكون بدق طبول الحرب.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد في مؤتمر صحفي، عقده في روما يوم الأحد الماضي، أن روسيا لا تتوافر لديها معلومات “حول ما ينوي الناتو فعله”، وأضاف “نحن نعتمد على الحقائق وهي تتمثل في أن الناتو لا يريد أي تعاون معنا”. وطالب لافروف بعقد اجتماع لمجلس روسيا-الناتو لبحث ملف أوكرانيا.
وأشار لافروف، في مقابلة مع قناة “روسيا 24″، إلى الجدل الدائر حول استخدام الجيش الأوكراني لطائرات “بيرقدار” التركية المسيرة في قصف أهداف للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة “دونباس” شرقي البلاد، محذراً من أن هذا التصرف يُعد خرقاً لـ “اتفاقية مينسك”، التي تحظر حسب قوله تحليق الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة على طول خط التماس بكامله.
وتخشى موسكو من أن يكون هذا التطور مقدمة لتسخين الوضع في “دونباس”، وربما يشجع الجيش الأوكراني على شن معركة للسيطرة على منطقتي “دونيتسك” و”لوغانسك”، اللتين أعلن الانفصاليون تأسيس جمهوريتين شعبيتين فيهما، مع تقديرات بأن القوات الانفصالية لن تستطيع أن تصمد وحدها طويلاً دون دعم عسكري روسي مباشر، تفرض تداعياته المحتملة حسابات معقدة على موسكو، أصعب بكثير من حسابات سيطرتها على شبه جزيرة القرم عام 2014 أو التدخل العسكري في جورجيا عام 2008 إلى جانب الانفصاليين في مقاطعتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
فرغم الخلل الساحق في ميزان القوى عسكرياً لصالح روسيا، إلا أن على روسيا أن تراعي في حساباتها هذه المرَّة احتمال تقديم حلف (الناتو) دعما مباشرا للقوات الأوكرانية، وأن يعجل تدخل روسيا من تدهور العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي ودول الأطلسي بشكل غير مسبوق. ولم يتردد المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف في التساؤل عما إذا كان استخدام الجيش الأوكراني لمسيرة “بيرقدار” التركية سيشكل سبباً لاندلاع حرب عالمية ثالثة، على خلفية تسخين الوضع في “دونباس”. وأضاف: “أوكرانيا الآن في المركز الثاني بعد تايوان، حيث يمكن أن تندلع شرارة الحرب العالمية الثالثة”.
بالطبع الحديث عن حرب عالمية ثالثة ليس بهذه البساطة، بل ومبالغ به كثيراً، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن مصاعب كبيرة باتت تعاني منها موسكو في سياستها إزاء الملف الأوكراني، فالوضع المستجد لن يبقي الحال على ما كان عليه منذ عام 2014، فخلال السنوات الماضية استطاعت روسيا أن تردع كييف عن محاولة إعادة سيطرتها على “دونباس”، وآخرها في الربيع الماضي عندما حركت موسكو قوات كبيرة باتجاه الحدود مع أوكرانيا. بينما يبدو الكرملين اليوم حذراً في التلويح بالقوة الغاشمة في وجه الحكومة الأوكرانية، لأن الحسابات أبعد من ميزان القوى مع أوكرانيا، وهو ما تدركه الأخيرة أيضاً، غير أنها تعوَّل على الدعم الأوروبي والأطلسي.
وأخذت موسكو على محمل الجد تصريحات لوزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب كارينباور، قالت فيها “يجب أن نقدم لروسيا بوضوح أن الدول الغربية مستعدة لاستخدام كل الوسائل”، وذلك في معرض رد الوزيرة على سؤال، في 21 من تشرين الأول الماضي، حول إمكانية استخدام حلف (الناتو) أسلحة نووية لردع روسيا في منطقتي البلطيق والبحر الأسود.
كما اهتم معلقون وخبراء عسكريون روس بمقالة نشرت مجلة “فوربس” الأميركية، قال فيها الكاتب ديفيد إكس إن القاذفات الاستراتيجية الأميركية (B-1B Lancer) يمكنها التعامل بسرعة مع مجموعة سفن الأسطول الروسي في البحر الأسود وتدميرها.
وكما هو الحال في أوكرانيا تواجه روسيا معضلة مركبة في سوريا، في طريقة التعامل مع تركيا التي تلوح بعملية عسكرية ضخمة في شرقي الفرات ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والولايات المتحدة الموجودة على الأرض والرافضة لتسليم سوريا للجانب الروسي من دون مقابل.
ومن الواضح أن روسيا تتخوف من أن تواجه القوات الروسية في سوريا وضعاً غير مريح في الأشهر، وربما الأسابيع، المقبلة بعد خروج مظاهرات بريف دير الزور رافضة للوجود الروسي، ومنع رتل عسكري روسي من المرور باتجاه الرقة، ورفع بعض المتظاهرين شعارات تدعو لمقاومة ما وصفوه بـ “الاحتلال الروسي”. ونظراً لطبيعة المنطقة ليس مستبعداً أن تنطلق أعمال مقاومة ضد القوات الروسية تشجع على عمليات مماثلة في مناطق أخرى، وقد تجد دعماً غربياً بشكل أو آخر، إذا تأزمت الخلافات بين موسكو والاتحاد الأوروبي ودول (الناتو) حول الملف الأوكراني. مما قد يشكل تحولاً مفصلياً ينهي ما يصفه كثيرون بـ “التدخل العسكري غير المكلف لروسيا في سوريا” خلال السنوات الست الماضية، وفي حال صحّ هذا التقدير سينتقل التدخل العسكري الروسي إلى مرحلة “يوجد ثمن”، وما زالت ذاكرة الروس مثخنة بما آل إليه التدخل السوفييتي في أفغانستان وما نتج عنه من خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الأحمر.
وعليه؛ فإن مأزق روسيا ليس في ضعفها عسكرياً، بل فيما أظهرته من فائض قوة في الملفين الأوكراني والسوري، والعديد من الملفات الإقليمية الأخرى وخاصة في أفريقيا، وأول الأثمان التي تدفعها اليوم الانزلاق في سباق تسلح غير متكافئ مع الغرب، كان من أهم عوامل انهيار الاتحاد السوفييتي نظراً لنتائجه الوخيمة على الاقتصاد. وهذا من شأنه أن ينهي المواجهة بالنقاط لصالح الغرب، وليس بحرب عالمية ثالثة، يبقى التلويح بها أو التخويف منها محاولة لتوحيد الرأي العام الروسي أولاً، والضغط على حلف (الناتو) الذي بدأ يشدد مؤخراً على ما يسميه مسؤولو الحلف ضرورة ردع روسيا واحتوائها.
كاتب وصحفي مطلع على الشأن الروسي
تلفزيون سوريا
————————–
قراءة إسرائيلية للموقف الروسي حيال الغارات في سورية: بين اللامبالاة والقبول الضمني لتحجيم إيران
اعتبر اثنان من محللي الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية، أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، أنّ شنّ ما لا يقل عن 7 هجمات إسرائيلية على مواقع في سورية، بعضها قريب من مواقع روسية، يشير إلى توافق روسي إسرائيلي، بل وحتى مع النظام السوري، لتحجيم القوة والدور الإيراني في سورية.
وقال يوسي يهوشواع، المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، في تحليل نشره، أمس الثلاثاء، تحت عنوان “أجواء سورية مفتوحة”، إنّ الهجمات الإسرائيلية في سورية تأتي كجزء من مخرجات اللقاء الأخير بين رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في سوتشي، في إشارة منه إلى حرية العمل المطلقة التي تتمتع بها إسرائيل في ضرب مواقع بسورية.
من جهته، اعتبر عاموس هرئيل، في صحيفة “هآرتس”، اليوم الأربعاء، أنّ إسرائيل توسع نطاق هجماتها وعددها في سورية، بينما تعتمد روسيا موقف “اللامبالاة” إزاء ما يحدث.
وقال هرئيل إنّ من الواضح أنّ إسرائيل تكثف حالياً من الهجمات في سورية كجزء مما يُسمى “المعركة بين الحروب” لتحقيق هدفين: أولاً إحباط نقل أسلحة من إيران عبر سورية، والثاني يتمثل في ضرب مصالح إيرانية في سورية.
واعتبر هرئيل، في تحليله، أنّ تكثيف الهجمات الإسرائيلية في سورية يرتبط على ما يبدو برغبة الجيش الإسرائيلي استغلال الأحوال الجوية، وتنفيذ أكبر عدد من الهجمات قبل حلول الشتاء، حيث تصعّب الأحوال الجوية وكثافة الغيوم شنّ الهجمات، فضلاً عن أنّ الهجومين الأخيرين في وضح النهار وساعات المساء الأولى كانا على ما يبدو بفعل وصول معلومات دقيقة عن موعد نقل شحنات السلاح.
وبحسب هرئيل، فإنه يبدو أنّ روسيا، بعد أسبوعين من لقاء القمة بين بينت وبوتين، غير قلقة على نحو خاص من ضرب إسرائيل لمواقع إيرانية في سورية.
ورأى لهرئيل، أنّ حقيقة أنّ بعض الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في سورية كانت على مواقع قريبة نسبياً من القواعد الروسية في محافظتي حمص وطرطوس، تشير إلى حرص إسرائيلي مسبق على عدم المسّ بالمواقع والجنود الروس.
وإن كانت إسرائيل تبالغ، بحسب هرئيل، في مسألة رغبة بشار الأسد في التحرر من “العناق الإيراني”، إلا أنّ هناك شكاً في أنّ هذه الهجمات تقلق نظامه.
العربي الجديد
———————
المبادرة الروسية لتفاهمات بين قسد والنظام السوري
تلقّت اللجنة الروسية بدمشق مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري رداً رسمياً من النظام السوري بعدم موافقته على المبادرة الروسية المتعلقة بمستقبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في منطقة شرق وشمال شرق سورية، وذلك بعد مشاورات خلال تشرين الأول/أكتوبر 2021 بين اللجنة الروسية ومسؤولين من قسد ومن الإدارة الذاتية انتهت بموافقة أولية من قسد وإدارتها على المبادرة الروسية دون شروط أو تحفظات.
المبادرة الروسية تقوم على احتواء القوات العسكرية لقسد ضمن قيادة الفيلق الخامس، واستمرار الإدارات المدنية بصلاحيات متفق عليها بشرط التزامها بقانون المجالس المحلية المعمول به في دمشق، والسماح لأحزاب مجلس سوريا الديمقراطي بالعمل السياسي في سورية بعد حصولها على التراخيص الإدارية والأمنية بحسب قانون الأحزاب المعمول به في حكومة النظام، مع ضمان تسهيلات هذه التراخيص من الجانب الروسي.
النظام السوري أكَّد في رده على اللجنة الروسية رفضه لمبدأ التسويات الجماعية، مرحباً بفتح باب التسوية الفردية وتسليم السلاح بشكل كامل، وإعادة تشكيل مجالس الإدارة المحلية بناء على ما هو معمول به في حكومة النظام، مع إمكانية مناقشة عمل الأحزاب السياسية بعد استيفاء تراخيصها اللازمة.
تأتي المبادرة الروسية في مرحلة الحصاد الروسي للضغوطات الكبيرة التي تعانيها قسد إثر التراجع الأمريكي سياسياً وعسكرياً في سورية، ومع تزايد التهديدات التركية وحصول انقسامات وخلافات كبيرة داخل بنية قسد وخاصة بعد تكرار الاستهدافات التركية لقيادات من حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق ضمن تفاهمات تركية أمريكية.
ونستطيع اعتبار موقف قسد من المبادرة الروسية هو موافقة مبدئية وليست نهائية، مع ملاحظة المرونة في المشاورات، لكن هناك أطراف داخل قسد وداخل الإدارة الذاتية محسوبة على حزب العمال غير موافقة على المبدأ.
كما أن رفض النظام هو الجواب الأول على هذه المبادرة، وهو رفض متأثر بأطراف داخل القصر الجمهوري وفي رئاسة أفرع الأمن المحسوبة على النفوذ الإيراني الذي لا يناسبه الحذر الروسي من تكرار تجربة التسوية في جنوب سورية.
وأمام المعطيات الحالية فمن الممكن استشراف العديد من السيناريوهات لمصير المبادرة الروسية وطبيعة العلاقة بين قسد والنظام:
1. سيناريو نجاح المبادرة: وذلك بضغط جاد من الجانب الروسي على القرار في دمشق، وإيجاد روسيا لآليات تنفيذ المبادرة بالاعتماد على مكتب الأمن الوطني والفيلق الخامس ونفوذها ضمن حكومة النظام، لكن قبل ذلك وجود مناخ إقليمي ودولي مساعد، وبالتحديد قبول الأطراف الدولية والإقليمية وفي مقدمتهم تركيا التي تملك الكثير من الأوراق في الملف السوري.
وصحيح أنَّ هذا السيناريو يفترض استمرار القبول المبدئي من قسد إلا أنَّه يوجد تحديات وتخوفات كبيرة ضمن قسد لا بد من اعتبارها.
2. سيناريو تعديلات المبادرة: حيث تضطر روسيا للاستجابة الجزئية لشروط النظام بما يناسب مصالح روسيا في شمال وشمال شرق سورية، وهذه الشروط ليس من السهل فرضها على قسد، وهنا تكبر خسارة قسد لصالح النظام، بينما تستفيد روسيا من تفاعل كافة الأطراف ضمن النظام مع تنفيذ المبادرة وبذلك تتحقق نسبة السيطرة التي أشار لها بوتين في لقائه الأخير من الأسد.
3. سيناريو عدم استجابة الأطراف: بحيث تكون التحديات داخل قسد كفيلة بانقسامات لا تمكِّنُها من تقديم تنازلات للنظام، خاصة في موضوع اللامركزية وحل التشكيلات وتسليم السلاح، وبذلك فالنظام يستمر في رفضه للتسوية الجماعية التي لا تتناسب مع بنية النظام القائمة على المركزية الشديدة وعدم التنازل في السيطرة الأمنية التامة، وتكون هناك فرصة مناسبة لروسيا في إيجاد مكاسب تفاوضية من تركيا في العديد من الملفات مقابل الموافقة الروسية على ما تلوح به تركيا من العمليات العسكرية ضد قسد، وهذا سيشكل ضغطاً جديداً وإضعافاً داخلياً لقسد يضطرها للرضوخ أكثر لروسيا وبالتالي للنظام، وقريباً من هذا السيناريو هو ما حصل سابقاً في عفرين.
والخلاصة فإنَّ الخاسر الأكبر في المستقبل هو مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو يدرك ذلك وبالتالي يبقى في تخبط مستمر وانقسامات تمنعه من تقديم تنازلات مجدية في وقتها، ثم تضطره التغيرات بعد ذلك لتنازلات كبيرة دون ثمن، والسبب وراء ذلك هو عقلية المشروع الانفصالي الذي تتمسك به كوادر الحزب، وهو أمر مرفوض على المستوى الدولي والإقليمي وكذلك مختلف عليه على المستوى الداخلي في صفوف قسد.
بينما النظام فهو غير قابل لأي تغييرات في طريقة فهمه للحكم وإدارته للموارد، وهذا ما يناسب المشروع الإيراني في المنطقة، بينما يُضطَر إلى الاستجابة للتغييرات الروسية بشكل محدود ومؤقت، وهي تغييرات مبنية على مصالح روسيا في المنطقة، ومع باقي الأطراف المحلية والإقليمية.
وحدة التحليل والتفكير – مركز جسور للدراسات
جسور
———————————
«حوار سري» أميركي ـ روسي حول سوريا لتجنب صدام عسكري… وإنساني
ماكغورك يلتقي فيرشينين ولافرنتييف في جنيف مع قرب انتهاء المدة الأولى لقرار المساعدات الإنسانية
لندن: إبراهيم حميدي
يعقد مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف، جلسة حوار رسمية عن سوريا في جنيف الأسبوع المقبل، على أمل وضع أرضية تجنب الطرفين صداماً دبلوماسياً، مع اقتراب موعد التمديد للقرار الدولي الخاص بالمساعدات الإنسانية بداية العام المقبل، وتشابك الوضع العسكري في شمال شرقي سوريا. وفي الطريق إلى الاستحقاق الدبلوماسي في مجلس الأمن بداية العام، تسعى واشنطن للتنسيق مع حلفائها، عبر قيادة اجتماع موسع لعدد من الدول الكبرى والإقليمية على هامش مؤتمر التحالف الدولي لمواجهة «داعش» في بروكسل في الثاني من الشهر المقبل، في تكرار لاجتماع روما في يونيو (حزيران) الماضي. كما قررت موسكو تنظيم مؤتمر لـ«ضامني آستانة»، بمشاركة وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، في منتصف الشهر المقبل، لتنسيق الموقف بين الدول الثلاث الموجودة عسكرياً في سوريا.
– كيف بدأ الحوار؟
منذ مجيء إدارة الرئيس جو بايدن، رهن فريقه أي حوار سياسي مع روسيا بموافقة الأخيرة على تمديد قرار المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» الذي انتهت مدته في يوليو (تموز) الماضي. وفي ضوء تفاهم بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، اجتمع ماكغورك وفيرشينين ولافرنتييف سراً في جنيف بداية يوليو (تموز)، واتفقوا على مسودة القرار الدولي الجديد الذي نزل من فوق على حلفاء واشنطن وموسكو في مجلس الأمن.
واشنطن قدمت تنازلات عدة لموسكو، عبر تخليها عن المطالبة بثلاثة معابر حدودية لإيصال المساعدات، والاكتفاء بمعبر باب الهوى بين إدلب وتركيا، وموافقتها على لغة جديدة في القرار، تضمنت مصطلحات مثل تمويل مشاريع «التعافي المبكر» و«الصمود»، ودعم المساعدات «عبر الخطوط». وعدت بعض الدول، بما فيها الحليفة لأميركا مثل فرنسا، تلك العبارات «اختراقاً روسياً بالالتفاف على الشروط الأوروبية» التي تتضمن 3 لاءات: لا للمساهمة بتمويل مشاريع الأعمار، لا لرفع العقوبات الغربية عن دمشق، لا للتطبيع مع دمشق، قبل حصول تقدم جوهري في عملية السلام، وتنفيذ القرار (2254).
ومقابل هذه التنازلات الأميركية، تعهدت موسكو شفوياً بالموافقة على التمديد لستة أشهر أخرى للقرار الدولي بعد الانتهاء في بداية العام من الأشهر الستة الأولى، إضافة إلى تحريك ملف عملية السلام وعمل اللجنة الدستورية، والحفاظ على وقف النار وثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث، والتزام اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين الأميركي والروسي شرق الفرات.
– أين نحن الآن؟
في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، عقد ماكغورك وفيرشينين ولافرنتييف جلسة ثانية من الحوار، عاتب فيها الجانب الروسي نظيره الأميركي بسبب عدم تقديم إعفاءات من عقوبات «قانون قيصر»، وعدم تخفيف الضغوطات على دمشق، وعدم استعجال منح موافقة للبنك الدولي لتمويل إصلاح خط الغاز العربي في الأراضي السورية الآتي من مصر والأردن إلى لبنان، إضافة إلى انتقاد بطء تقديم المساعدات «عبر الخطوط»، بل كان هناك عتب على صدور قائمة جديدة من العقوبات في نهاية يوليو (تموز) الماضي. وفي المقابل، جدد الجانب الأميركي المطالبة بتقديم المساعدات «عبر الحدود»، والحفاظ على وقف النار، ودفع عملية السلام وعمل اللجنة الدستورية. وتقويم عدد من الدبلوماسيين أن ماكغورك «كان مقتنعاً بأن الجانب الأميركي قام بكل ما يمكن القيام به خلال 10 سنوات لدفع موسكو لتقديم تنازلات، لكن الروس لا يريدون التحرك للضغط على دمشق، لذلك لن يقدم الأميركيون على أي مبادرة جديدة ما لم يتحرك الجانب الروسي». المفاجأة كانت هي الدعوة لعقد جولة ثالثة من الحوار في منتصف هذا الشهر. والتقويم الروسي حالياً هو عدم حصول أي تقدم بالنسبة للبنود الجديدة في القرار الدولي الخاص بالمساعدات، إذ إنه «فقط عبرت قافلتان الخطوط بين مناطق الحكومة والمعارضة في حلب وإدلب، وقامت دول أوروبية، خصوصاً فرنسا، بعرقلة تمويل مشاريع التعافي المبكر التي تخص مدارس أو مستشفيات، مع أن ألمانيا قدمت بعض التمويل، كما أنه لم تقر إلى الآن استراتيجية إطار العمل لبرنامج الأمم المتحدة في دمشق». وعليه، تعتقد موسكو أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن عن هذه الأمور بداية السنة المقبلة «سيكون خالياً من المعطيات، ما يسقط شرطاً أساسياً لضمان التمديد».
أما التقويم الأميركي، فيقوم على إدراك حصول «خطوة صغيرة» لدى عقد الجولة السادسة للجنة الدستورية بين 18 و22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنها لم تحقق التقدم المطلوب، بالانتقال إلى صوغ المبادئ الدستورية، إضافة إلى ضرورة بدء المبعوث الأممي بفتح ملفات أخرى في القرار (2254)، تخص وقف النار والمعتقلين وعودة اللاجئين والنازحين. يضاف إلى ذلك أن الجانب الأميركي قدم إلى مصر والأردن ولبنان ورقة الضمانات التي تدعم مشروع «الغاز العربي»، وتؤكد استثناءه من «قانون قيصر»، حسب الرغبة الروسية. كما أن الجانب الأميركي اتخذ موقفاً حيادياً من خطوات عربية للتطبيع مع دمشق. ويقول موقفه، لكن لا يفرضه على أحد، ويذكر بعقوبات «قيصر» بصفته قانوناً.
– تشابك وصفقة
قناة ماكغورك – فيرشينين هي سياسية، بل أصبحت «إنسانية» أكثر، وتركز على قرار المساعدات «عبر الحدود» و«عبر الخطوط». صحيح أن رئيسي هيئة الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، والأميركي مارك ميلي، قد اجتمعا قرب هلسنكي قبل أسابيع للحفاظ على اتفاق «منع الصدام» في سوريا، لكن الأيام الأخيرة شهدت زيادة في حجم وطبيعة الانتشار الروسي شرق الفرات، قرب القوات الأميركية، سواء لجهة نشر طائرات حربية في القامشلي والرقة أو توسيع نشر الدوريات والمراكز الروسية بهدف «ردع» تركيا من توغل جديد يضرب بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، حليفة واشنطن. ولا يمانع ماكغورك في ردع تركيا، لكنه يدرك أيضاً أن هذا الانتشار الروسي يزيد الضغط على القوات الأميركية لمغادرة الأراضي السورية بعد التجربة الأفغانية.
وتطلب زيادة الحشود تفعيل وتكثيف الاتصالات اليومية الأميركية – الروسية، لكن أيضاً تطلب تنشيط المساعي السياسية، بحيث تشجع واشنطن «قوات سوريا الديمقراطية»، وجناحها السياسي في «مجلس سوريا الديمقراطية»، للحوار مع دمشق، في حين تشجع موسكو الحكومة السورية على مرونة سياسية مع الأكراد. وفي ضوء أن المسؤولة الكردية إلهام أحمد كانت في واشنطن وموسكو، ولافرنتييف كان في دمشق، فقد يشكل الحوار الروسي – الأميركي بعد أيام مناسبة لاختبار احتمالات الدفع لحوار سياسي بين القامشلي ودمشق، بناء على الإشارات التي صدرت من قياديين أكراد فيما يتعلق بالاعتراف بالرئيس بشار الأسد، والاستعداد لتسليم الموارد النفطية والاستراتيجية إلى دمشق.
وأمام الاختلاف في قراءة نتائج تنفيذ القرار الدولي الخاص بالمساعدات، وقلة المعطيات في تقرير غوتيريش، فأغلب الظن أن موسكو لن توجه ضربة للمساعدات التي تستفيد منها مناطق الحكومة، بل يرجح أن يشكل لقاء ماكغورك وفيرشينين مناسبة لتفاوض جديد للوصول إلى صفقة جديدة تضمن تقديم الجانب الأميركي ضمانات بالعمل خلال الأشهر الستة المقبلة على تنفيذ البنود المتعلقة بـ«التعافي المبكر» والمساعدات «عبر الخطوط»، مقابل موافقة روسية على تمديد إضافي للقرار الدولي. وهذا «التنازل» كان قد سبق أن تعهد به فيرشينين لماكغورك في يوليو (تموز) الماضي.
الشرق الأوسط
—————————–
التايمز: الحرب في سوريا تفاقم أزمة المياه.. أنهار تجف وآبار جوفية تتلوث وسدود تتوقف عن العمل/ إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسلها ريتشارد سبنسر من سوريا قال فيه إن نهر الخابور كان مليئا بمياه الفيضانات قبل بضع سنوات فقط، لدرجة أنه كان بمثابة خط أمامي لا يمكن اختراقه في الحرب بين تنظيم “الدولة” وأعدائهم الأكراد والمسيحيين. ولكنه اختفى الآن وبدا قاعه البني مغبرا في شمس الخريف. ولم يعد السكان المحليون الذين فروا خلال الحرب لزراعة الأرض، والصحراء تتوسع في وجه الجفاف المدمر في جميع أنحاء سوريا.
ويقول سبنسر إن هناك العديد من الأسباب لهذه الكارثة الجديدة، بالإضافة إلى العديد من الأسباب في هذا البلد المنكوب. ويدعم تقرير نشرته منظمة السلام الهولندية “باكس” هذا الأسبوع مزاعم السكان المحليين المتبقين بأن الخابور جف بعد أن قامت القوات المدعومة من تركيا بغزو شمال سوريا قبل عامين وبنوا عليه سدا. ومع ذلك، فإن الصراع المحلي ليس سوى واحدا من أسباب أزمة المياه. وينعكس مصير الخابور، أحد روافد نهر الفرات، عبر العراق وسوريا، على الأرض التي كانت تعرف سابقا باسم بلاد الرافدين، مهد الحضارات. لقد دمرت سهول نهري الفرات ودجلة وروافدهما التي كانت خصبة في يوم من الأيام بمزيج من الحرب وتغير المناخ والسياسات البيئية السيئة.
وقالت الصحيفة إن المزارعين يغادرون الأرض مع تراجع الغلال. ودخلت حياة من بقوا في حلقة مفرغة، حيث يستخدمون مضخات الديزل للعثور على المياه الجوفية التي باتت أعمق من أي وقت مضى تحت الأرض، مما يؤدي إلى تعرية الخزانات وتلويث الأرض والهواء بالأبخرة والمخلفات.
وقال جاسم محمد، مزارع من دير الزور في الجنوب، “فشلنا في زراعة أي قمح هذا العام.. هذه كارثة، لا قمح ولا خبز”. وأضاف أنه تمكن من ري مزرعته، على بعد ميلين من نهر الفرات، مرة واحدة فقط حتى الآن هذا العام وكان يعتمد الآن على ضخ المياه الجوفية، لكن الجودة كانت سيئة للغاية بالنسبة لمحاصيله. “إنها تزداد سوءا كل يوم. إذا أتيت إلى هنا، فسترى أطفالا ينامون بالقرب من المخابز حتى يتمكنوا من الوقوف في طوابير في الصباح الباكر، لأن الخبز أصبح نادرا جدا”.
وذكر تقرير صادر عن تحالف من وكالات الإغاثة في آب/ أغسطس أن خمسة ملايين شخص في سوريا وسبعة ملايين في العراق “يفقدون الوصول” إلى المياه. في كلا البلدين. ينهار إنتاج القمح، وهو جوهر الزراعة بالنسبة للسكان الذين يشكل الخبز غذاءهم الأساسي. وحذرت الوكالات من أن مغادرة المزارعين لأراضيهم سيؤدي في النهاية إلى أزمة لاجئين جديدة، حيث يبحث السكان عن فرص في أماكن أخرى، ليصبحوا أمثلة حية للهجرة الناتجة عن تغير المناخ.
وبحسب كارستن هانسن، المدير الإقليمي لمجلس اللاجئين النرويجي: “مع استمرار نزوح مئات الآلاف من العراقيين وما زال الكثيرون يفرون للنجاة بحياتهم من سوريا، ستصبح أزمة المياه التي تتكشف قريبا كارثة غير مسبوقة تدفع المزيد من النزوح”.
كانت الظروف بالتأكيد متطرفة، حيث وصلت درجات الحرارة في بلاد الرافدين بانتظام إلى 50 درجة مئوية لأيام متتالية في الصيف في السنوات القليلة الماضية. وهناك اختلافات كبيرة في هطول الأمطار، حيث انخفض من 430 ملم في شمال شرق سوريا في عام 2019 إلى 217 ملم في عام 2020. وكان هذا العام جافا أيضا.
كما وتساعد الحروب في سوريا والعراق، مع تضرر البنية التحتية الحيوية مثل محطات الضخ على تفاقم الأزمة. اتهمت القوات المدعومة من تركيا في شمال سوريا بعرقلة عمليات الضخ في محطة علوك التي تزود معظم محافظة الحسكة بمياه الشرب. تركيا نفسها متهمة بتقليص تدفق نهري دجلة والفرات عبر السدود المقامة على أراضيها. ويعود الاستخدام المفرط للمياه الجوفية من قبل المزارعين السوريين إلى عقود منصرمة، عندما حاول حافظ الأسد، والد رئيس النظام السوري بشار الأسد، تعزيز الإنتاج الزراعي من خلال تشجيع الري الجماعي من خلال مضخات المياه باستخدام الوقود المدعوم. انخفض منسوب المياه الجوفية بما يصل إلى 100 متر في بعض الأماكن.
وبحسب منظمة ميرسي كوربس، وهي منظمة إغاثة أخرى، فإن نقص مياه الشرب النظيفة أدى إلى عشرات الآلاف من حالات الإسهال الحاد هذا الصيف. كما سجلت سبع وفيات جراء الغرق بين من سقطوا في قنوات الري أثناء محاولتهم العثور على المياه. وقال مدير مشروع للمنظمة رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: “الكثير من مضخات المياه خارج الخدمة ولا يوجد مصدر موثوق للمياه”. وفقد ما يقرب من نصف مليون شخص في المنطقة إمكانية الوصول المنتظم إلى المياه النظيفة.
ويتوقع حدوث الأسوأ من ذلك: هناك مخاوف من أن الطبقة وتشرين، السدان اللذان يشغلان محطتا توليد الطاقة الكهرومائية اللتان توفران كل كهرباء شرق سوريا تقريبا، سيتوقفان عن العمل، مما يتسبب في انهيار أوسع للبنية التحتية.
هناك القليل من المؤشرات على حل سياسي شامل يمكنه تنفيذ سياسات لتخفيف الأزمة. أقامت قوات سوريا الديمقراطية سلسلة من المجالس المحلية، لكن شمال شرق سوريا ككل ليس لديه حكومة معترف بها دوليا. فصيلها السياسي المسيطر، حزب الاتحاد الديمقراطي، هو فرع من حزب العمال الكردستاني، جماعة حرب العصابات المتمركزة في تركيا والمحظور في الغرب باعتباره منظمة إرهابية. وتتعاون أمريكا وبريطانيا عسكريا مع قوات سوريا الديمقراطية. لكن ليس لديهم ولا أي شخص آخر فكرة كبيرة عن الشكل السياسي الذي ستتخذه المنطقة في نهاية المطاف. ما إذا كان سيتم دمجها مع ما تبقى من أجزاء سوريا التي لا تزال تحت سيطرة نظام الأسد، أو ستبقى كيانا منفصلا، مثل الحكومة الإقليمية الكردية في العراق. وقلة من الشركات أو الحكومات مستعدة للاستثمار على المدى الطويل على مثل هذا الأساس المهتز.
ودعت منظمة باكس المجتمع الدولي إلى إيجاد حلول “عبر الحدود”. لكن في ظل مواجهة تركيا والنظام السوري وروسيا وأمريكا وإيران ومجموعة كاملة من الميليشيات المحلية ضد بعضها البعض داخل البلاد – ناهيك عن الحدود – فإن هذه الحلول تبدو بعيدة المنال كما كانت دائما.
القدس العربي
——————————
قسد:واشنطن وموسكو ترفضان العملية التركية..والأسد ليس مستعداً للتفاوض
قال قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي إن الولايات المتحدة أعطت قسد تأكيدات على أنها لن تقبل أي هجوم تركي على شمال شرق سوريا، مشيراً إلى أنه “لا يهمنا بقاء بشار الأسد أو رحيله”، واوضح ان”الأسد ليس مستعداً للتفاوض”.
وأشار مظلوم في حديث لموقع “المونيتور” الأميركي، إلى وجود اتفاقيات وقعتها تركيا مع كل من روسيا في سوتشي عام 2018، والولايات المتحدة في أنقرة عام 2019، موضحاً أن “هذه الاتفاقيات ملزمة بين تركيا والمجتمع الدولي”، مضيفاً أنه “ما لم تحصل تركيا على موافقة روسيا أو الولايات المتحدة، فلن تستطيع اتخاذ مثل هذه الخطوة”.
وتابع عبدي أن الولايات المتحدة أعطت قسد تأكيدات على أنها تعارض ولن تقبل أي هجوم من جانب تركيا، كان آخرها عقب اجتماع الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، قبل أسبوعين.
وقال إن روسيا أبلغتهم أنها لم تبرم أي صفقات مع تركيا، لكنها أشارت إلى أن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، قد يشن هجمات ضد قوات قسد بدلاً من الجيش التركي، لافتاً إلى أن “الموعد الذي أبلغت به روسيا كان في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، لكن لم يحدث شيء”.
وعن العلاقة مع روسيا، أشار عبدي إلى أن علاقة قسد مع روسيا “علاقة جيدة، وخلال العامين الماضيين تعاونا على الأرض ضمن إطار اتفاقية سوتشي، ولا يمكن التوصل إلى حل في سوريا من دون روسيا”، مضيفاً “أعتقد أن على روسيا أن تكون أكثر استباقية، وتمارس المزيد من الضغط على النظام”.
ونفى عبدي ذهاب أي من أعضاء “مجلس الرئاسة المشتركة” إلى دمشق لإجراء أي نوع من المفاوضات مع النظام السوري، مؤكداً أنه “حتى الآن ليس هناك أي مفاوضات جادة مع النظام”. وأضاف أن نظام الأسد ليس مستعداً للتفاوض.
وأشار إلى أن النظام “لم يضع شرطاً سابقاً بقطع العلاقات مع واشنطن، وشرطهم الأساسي هو وحدة سوريا غير القابلة للتجزئة، حفظ علمها وحدودها ورئيسها وسيادة النظام عليها”، مضيفاً “نحن على استعداد لتقديم ضمانات على كل هذه النقاط، لكن يجب أن يكونوا مستعدين للتفاوض معنا بهدف استقلاليتنا”.
وقال عبدي إنه “لا يهمنا ما إذا كان الأسد سيبقى أو يرحل، ما يهمنا هو أن يكون هناك حل لمنطقتنا ولسوريا”، مضيفاً “نحن على استعداد للجلوس مع من هو مستعد للحل”، مشيراً إلى انه “يجب الاستفادة من عقوبات الولايات المتحدة الحالية على سوريا من أجل حل المشكلة السورية”.
مفاوضات الاكراد
وعن المفاوضات الكردية- الكردية، أوضح عبدي أنه “كان لدينا بعض المشكلات الفنية، ثم ظهرت مشكلات بين حزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني في كردستان العراق، واندلعت اشتباكات بينهما، ما أثر على مناطق شمال شرقي سوريا”، متهماً تركيا بعرقلة المحادثات بين الأطراف الكردية.
وفي هذا الوقت، عقدت رئاسة المجلس الوطني الكردي، اجتماعاً افتراضياً مع المبعوث الأميركي الخاص إلى شمال شرقي سوريا ديفيد براونشتاين، حيث جرى “بحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك”، وفي مقدمتها استئناف الحوار الكردي الكردي.
وقال المجلس في بيان الأربعاء، إن براونشتاين أكد التزام بلاده برعاية المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية وأكبرها حزب الاتحاد الديمقراطي و”الالتزام بوثيقة الضمانات التي وقعها مع عبدي وضرورة تنفيذ مضمونها، ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات”.
وأضاف البيان أن الجانب الأميركي أكد موقف بلاده في الاستمرار بالوجود العسكري في شمال شرقي سوريا لمنع عودة داعش”، مؤكداً “على أهمية تأمين الاستقرار في هذه المنطقة ودعمهم للحل السياسي في سوريا وفق القرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية”.
المدن
———————————-
================
تحديث 12 تشرين الثاني 2021
———————-
حروب مكلفة ومؤجلة في سوريا/ أكرم البني
الحديث عن اقتراب معركة واسعة يُحضّر لها لحسم مصير إدلب، في ظل تواتر غارات الطيران الروسي، وقصف مدفعي سوري، وأنباء عن وصول تعزيزات لقوات النظام إلى المحاور الشرقية للمدينة… تزايد المؤشرات حول إطلاق عملية عسكرية تركية في الشمال السوري ضد الوجود الكردي، ربطاً بقصف مدفعي متبادل وبدء الحشود العسكرية على أكثر من محور… استمرار الغارات التي تشنها الطائرات الإسرائيلية ضد مواقع متقدمة لنظام دمشق وتمركزات الميليشيا الإيرانية ومخازن أسلحتها….
كل ما سبق يشي نظرياً باحتمال نشوب حرب في سوريا على إحدى تلك الجبهات، لكن عملياً تبدو حرباً مؤجلة، إنْ لعدم قدرة الأطراف المتحاربة على تحمل تكلفتها، وإنْ تحسباً من تعقيدات مسارها وغموض ما يمكن أن يترتب عليها من نتائج.
صحيح أن احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وما يسمى محور الممانعة، وضع مرات عديدة على نار حامية، مع احتقان نفوس أطراف هذا المحور من الأذى الذي تلحقه ضربات الطيران الإسرائيلي لمواقعهم، وإصرار تل أبيب على الذهاب بعيداً لمنع نقل أسلحة متطورة لـ«حزب الله» ولإجهاض خطط «الحرس الثوري» الإيراني في خلق ركائز عسكرية من الميليشيا التابعة له بالقرب من حدودها، لكن الصحيح أن الطرفين يدركان وطأة الثمن المتوجب دفعه لقاء هذه الحرب، فلا قدرة لحكام طهران على فتح باب الحرب مع إسرائيل، بينما تستنزفهم صراعات النفوذ الإقليمي، الذي من أجله لديهم كامل الاستعداد لإغراق مجتمعات سوريا ولبنان والعراق واليمن بالدم والخراب، كما يتحسبون من أن تكلفهم تلك الحرب، استقرار منظومة تسلطهم، وربما تفكيك تحالفاتهم، وتراجع قبضتهم وعزم سيطرتهم، بينما لا شيء يضير إسرائيل من الاستمرار في لعبة القصف من بُعد، ما دام يمكّنها من تحجيم الوجود العسكري لإيران وميليشياتها في المنطقة، ومن استثمار بقاياه، لشل الحياة السياسية في بلدان المشرق وتدمير فرص تطورها، ولإشغال الأطراف العربية ومحاصرتها.
وصحيح أيضاً، أن الحياد الغربي والانكفاء الأميركي وما ترتب على الانسحاب العسكري من أفغانستان، شكلت حافزاً كي تتحرك مختلف الأطراف المؤثرة بالوضع السوري لإعادة ترتيب أوراقها وحصصها، حتى لو فُرض خيار الحرب، وصحيح أن الوضع السوري في ظل اهترائه الاقتصادي والاجتماعي لم يعد صالحاً لتنفيذ رؤية موسكو ومراميها، ويتطلب التغيير، ربما بافتعال حرب تكسر إصرار أنقرة على الاحتفاظ بمواقعها ونفوذها في سوريا، وتبدل الواقع الميداني المجمد في مدينة إدلب منذ اتفاقات مارس (آذار) العام الماضي بين روسيا وتركيا، لكن الأرجح أن دوائر صنع القرار في موسكو لا ترغب في خوض حرب قد تكلفها كثيراً، وهي تدرك أن أي هجوم واسع على إدلب سيقوض اتفاقات آستانة، التي تعتبرها مساراً وحيداً للتسوية السورية، في مواجهة مسار جنيف وقرارات الأمم المتحدة، كما تدرك أن خيار الحرب يهدد العلاقات الاقتصادية المتنوعة مع أنقرة، بما في ذلك خطوط نقل الغاز، فكيف الحال إذا كانت موسكو تشكك في قدرة النظام السوري والميليشيا الإيرانية على بسط سيطرتهما السريعة على المنطقة وضمان استقرارها، وتتحسب من تداعيات رد فعل الاتحاد الأوروبي الذي سيواجه موجات لجوء كبيرة، مع اكتظاظ محافظة إدلب بملايين النازحين؟! وكيف الحال حين يكون الدور التركي في الملف السوري، مطلوباً عند موسكو كي يحد من تنامي دور طهران، الذي تزداد مثالبه وإشكالياته مع تصاعد الصراع المستتر بين قيادة الكرملين وحكام إيران حول الامتيازات والمنافع ومواقع النفوذ في سوريا؟
على الرغم مما تعلنه تركيا حول ضرورة الحرب التي تهدد بشنها في شمال وشرق البلاد، للحد من مخاطر الوجود العسكري الكردي، يبدو من المستبعد إقدامها، بما يصح اعتباره مغامرة، على احتلال مدن وبلدات في سوريا خضعت لسنوات للإدارة الذاتية الكردية، بما يعنيه ذلك من تسعير عداء الأكراد عموماً لها، ووضع جيشها في أتون حرب عصابات تتقنها القوات الكردية جيداً، ويرجح أن تهتك سمعتها وتكبدها خسائر بشرية فادحة قد تنعكس على شعبية حزب العدالة والتنمية مع اقتراب الانتخابات النيابية، كما أن هذا الخيار يصطدم بداهة ليس فقط بموقف الولايات المتحدة الرافض لأي عملية عسكرية واسعة ضد حلفائها الأكراد، بل بموقف روسي يبدو أكثر تشدداً لما قد تخلفه هذه الحرب من إعادة رسم المشهد السوري بصورة لن ترضي موسكو وتتعارض مع حساباتها وطموحاتها، من دون أن نغفل أن مثل هذه الحرب ستدفع الإدارة الذاتية الكردية للإسراع في توثيق علاقتها مع القوات الروسية والسلطة السورية، كما قد تنعكس بتسويغ تشدد موسكو في جبهة إدلب وما قد يترتب على ذلك من تطورات قد تضع حكومة أنقرة في حرب مفتوحة على أكثر من جبهة سورية.
فهل يصح الاستنتاج بأن تركيا إنما تحاول عبر التهديد بالحرب توظيف هذه الورقة للجم الاندفاعة الروسية في إدلب، وربما لإعاقة حصول أي توافق لا يراعي مصالحها الأمنية بين موسكو وواشنطن في حال قررت الأخيرة سحب قواتها من سوريا؟ أم أن غرضها هو الضغط كي تكون موسكو هي الضامن لاحتواء وتطويع القوات الكردية وإبعاد أذاها عن الحدود التركية، وللعودة إلى اتفاقية أضنة عام 1998 في حال أعاد نظام دمشق سيطرته على المناطق الكردية؟ ثم ألا يصح أن ننظر من هذه القناة لمحاولة أنقرة استمالة موسكو وإرضاءها عبر الضغط على الجماعات الإسلاموية في مدينة إدلب لطرد المسلحين الأجانب، وأوضح مؤشراته الحملة التي شنتها، مؤخراً، هيئة تحرير الشام ضدهم في ريف اللاذقية، واعتقلت خلالها أبو موسى الشيشاني، شقيق قائد فصيل «جنود الشام» مسلم الشيشاني، ومعه عبد الله البنكيسي الشيشاني، وأبو العبد الله الشيشاني، أثناء محاولتهم الهروب إلى تركيا.
الكل يهدد ويتوعد بالحرب، والكل يحرص عملياً على تجنبها ويتحسب من تكلفتها وتداعياتها، بينما يذهب الوضع السوري نحو المزيد من التفكك والاهتراء، ما يرجح، واستناداً إلى تجارب السنوات المنصرمة، أن هذه الحرب تبقى ضعيفة الاحتمال أو مؤجلة، من دون أن يعني ذلك استبعاد ارتفاع حدة التصعيد والقصف والاغتيالات بين الفينة والأخرى، أو حصول بعض المعارك هنا وهناك، لكن تبقى محدودة وذات طابع تكتيكي، وغالباً لتحسين الموقع وكسب النقاط.
الشرق الأوسط
————————-
حروب مؤجلـة/ رياض نعسان أغا
فشلت السياسة على مدى السنوات الماضية في إيجاد حلول للقضايا الملتهبة في شرقنا العربي، وتحولت انتفاضات إلى معارك دموية من دون جدوى، وبدل أن تحقق الانتفاضات تقدماً للبلاد تحولت إلى خراب ودمار.
ومع أن النظام العربي فقد هيبته جزئياً في بعض البلدان العربية التي انفجرت أوضاعها، فإن القوى المنتفضة لم تستطع إحداث التغيير الذي تريده. أما البلدان العربية التي كانت بمنأى عن هذا الطوفان الكاسح، فهي التي ظلت توفر لسكانها حياة كريمة، وقد تجاوزت مجتمعاتها البحث عن الكفاية إلى البحث عن الرخاء، فضلاً عن توفير قضاء عادل وتنمية مستدامة صاعدة، وهذا ما لم تتمكن «دول الانتفاضات» من استلهامه، مع أنها تملك الإمكانات لتحقيقه. واخترعت بعض الحكومات قبيل انهيارها سرديات لتجهيل الأسباب الحقيقية للانفجار، ودعمت ظهور حركات إرهابية كان هدفها توجيه البوصلة بعيداً عن القراءة العميقة للحدث، ومن ذلك ظهور «داعش» التي تمت دعوتها لغرض معروف، كما ظهرت عشرات الميليشيات الطائفية التي تتستر بالإسلام وترفع رايات الدين، وهي تماثل «داعش» أيديولوجياً، على غرار «حزب الله» اللبناني الذي انكشفت حقيقة أهدافه وكونه يتبنى مشروعاً للسيطرة على الأمة العربية.
والأمر ذاته حدث في اليمن حين ظهر الحوثيون بعمائم إيرانية، ليحولوا الصراع ضد الفساد إلى صراعات مذهبية لمنع انتصار الحلول السياسية العقلانية التي استعادت مفاهيم الشرعية بجهد سياسي خليجي بالأساس يحفظ مستقبل اليمن وينجيه من تداعيات الحرب والفوضى.
أما في لبنان فتمكّن «حزب الله» هناك من السيطرة الكاملة على الدولة والشعب، وحوّل لبنان من بلد يصدِّر الثقافةَ والفن وآفاق الحرية إلى بلد يصدّر المخدرات، ويغزو بها عقول وصحة الشباب العرب في المنطقة. ويزعم هذا الحزب أنه يقاوم إسرائيل، مع أن كل ممارساته توضح أنه يقاوم العروبة لصالح مشروع خارجي.
والمفجع أن الحروب الداخلية التي تلت الانفجار استدعت تدخلات دولية، تضاربت فيها مصالح الدول، وهي اليوم تهدد المنطقة وتعطل مساعي الحلول السياسية، بل بات متوقعاً أن تندلع شرارة الحرب في الشمال السوري بسبب تدخلات دول تحشد قواتها وتستعد للمواجهة، مع أن الحلول السياسية قادرة على منع ويلات حروب سيكون الشعب السوري ضحيتها ولا مهرب له منها، ولا فائدة يجنيها كائناً من كان المنتصر.. فكل ما يحتاجه الحل السياسي هو عقد اجتماعي جديد وبنْية رسمت رؤيتها قرارات الأمم المتحدة، وما تزال كل الدول تعتمدها، وهي القادرة على فرض الاستقرار في سوريا وفي محيطها كله. وغياب القدرة على الوصول إلى تحقيق الحلول السياسية يجعل الحروب المؤجلة قيد الانفجار مجدداً.
ولتفادي هذا الانفجار المؤجل يتعين السعي السياسي الدولي لمنع مشروعات التوسع الخارجية في المنطقة، والخروج من الحقد التاريخي على العرب. ومن المعيب أن تتصارع أمم المنطقة في القرن الحادي والعشرين بدوافع وحيثيات من القرن السابع الميلادي. لقد آن الأوان للبحث عن المشتركات مع دول الجوار، وعن المصالح المشتركة.
—————————
أربعة محددات للعملية العسكرية التركية المرتقبة في سوريا
غازي عنتاب – عبد الوهاب عاصي وعلاء الدين أيوب
تبدو تركيا أكثر إصراراً على شنّ عملية عسكرية جديدة في سوريا، بعد المناورات المشتركة التي أجرتها مؤخراً مع الجيش الوطني السوري قرب خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية في أكثر من محور؛ والتي تهدف للتأكد من الجاهزية القتالية والاستعداد لأي هجوم محتمل.
ومع ذلك، فإن قرار تركيا شنّ عملية عسكرية خامسة في سوريا بعد عمليات درع الفرات (2016) وغصن الزيتون (2018) ونبع السلام (2019) ودرع الربيع (2020) سيكون أكثر صعوبة ومرتبطاً بعدد من المحددات أبرزها القرار السياسي، ومنع الاشتباك، ومكافحة الإرهاب، والمنطقة الآمنة.
والجبهات المحتملة للعملية العسكرية هي تل رفعت، ومنبج، وعين العرب، وعين عيسى، وتل تمر. وقد لا يقتصر الهجوم على منطقة واحدة؛ لا سيما إذا كانت تركيا على استعداد لمواجهة أو احتواء التحديات السياسية والعسكرية.
القرار السياسي
عندما أطلقت تركيا عملية نبع السلام في 9 تشرين الأول 2019 كانت قد ضمنت عدم اعتراض الولايات المتحدة عليها؛ فإعلان البيت الأبيض حينذاك بعدم دعم العملية أو المشاركة فيها أو الوجود في المنطقة التي تجري فيها، لا يعني رفضاً لها، بل إخلاء للمسؤولية، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشكل أوضح بعدما جدد النية للانسحاب من سوريا مع ضرورة إيجاد تركيا والأكراد وبقية القوى الحلول للموقف.
ولم تكن تركيا لتطلق عملية غصن الزيتون في 20 كانون الثاني 2018 قبل أن تضمن عدم اعتراض روسيا التي أجرت معها مباحثات على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الاستخبارات منتصف الشهر نفسه من أجل استخدام المجال الجوي وانسحاب القوات الروسية من المنطقة.
ومع نية تركيا شنّ عملية عسكرية جديدة في سوريا، بدأت العمل على ضمان موافقة أو عدم اعتراض موسكو وواشنطن أو كلاهما معاً، إذ لم يفوّت الرئيس رجب طيب أردوغان الفرصة خلال اللقاء الذي جمعه مع نظيره جو بايدن في 12 تشرين الأول 2021 على هامش قمة العشرين للتعبير عن أسف بلاده حيال الدعم الذي تتلقاه وحدات الحماية الكردية من الولايات المتحدة.
كما أن تركيا تجري ومنذ نهاية تشرين الأوّل مباحثات غير معلنة مع روسيا
لإتاحة المجال أمامها من أجل شنّ عملية عسكرية جديدة في سوريا.
من غير الواضح مدى قدرة تركيا على التوصل لاتفاق مع روسيا والولايات المتحدة، وبدون ضمان الحصول على موقف سياسي إيجابي أو غير سلبي من أحدهما أو كلاهما فلن تكون قادرة على شنّ عملية جديدة، لأنها لن تكون مستعدة لتحمّل التكاليف المترتبة على أي قرار مستقل سواء بما يخص تأثيره على التعاون الثنائي مع روسيا في سوريا أو العلاقة مع الولايات المتحدة.
لذلك، بمجرد توصل تركيا إلى قرار سياسي مع إحدى القوّتين فلن تفوّت فرصة الهجوم على مناطق العمليات الخمس المحتملة، مع العمل على احتواء موقف القوة الأخرى سياسياً وعسكرياً.
لكن ذلك لا يبدو بهذه السهولة؛ حيث تغيّرت الظروف السياسية والعسكرية. فعلى سبيل المثال، كان تعاون روسيا مع تركيا في عملية غصن الزيتون نتيجة الاستياء من عدم استجابة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لمطالبها بتسليم عفرين إلى النظام السوري مع استمرار دعم الولايات المتحدة له. إضافة إلى ضرورة التوصل مع تركيا لاتفاق جديد حول وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد لضمان عدم استرداد فصائل المعارضة المناطق التي خسرتها على حساب النظام السوري في أرياف إدلب وحلب وحماة.
منع الاشتباك
لم تكن تركيا لتتوغل في الحدود الشمالية لمحافظتي الحسكة والرقة في أثناء انطلاق عملية نبع السلام من دون ضمان عدم الاشتباك بالقوات الأميركية التي سرعان ما انسحبت من نقاطها قرب رأس العين وتل أبيض، إضافة لإخلاء 6 نقاط أخرى في محافظتي حلب والرقة.
وكذلك، عندما شنّت تركيا عملية غصن الزيتون كانت قد ضمنت عدم الاشتباك مع القوات الروسية التي انسحبت من معسكر كفر جنة الذي كانت تتخذه كقاعدة عسكرية لقواتها.
بالمقابل، اضطرت تركيا لوقف توغّل فصائل المعارضة السورية نحو مدينة منبج في عام 2017 بعدما ثبتت الولايات المتحدة نقطتين عسكريتين في قريتي السعيدية وعون الدادات، منعاً لوقوع اشتباك مع القوات الأميركية.
لذلك، إذا ما اتخذت تركيا قرار شنّ عملية عسكرية جديدة في سوريا فعليها أن تضمن عدم الاشتباك مع القوات الروسية والأميركية؛ وهذا لا يقتصر على الانتشار العسكري البري، بل يشمل المجال الجوي.
روسيا
روسيا تتطلع لتوسيع نفوذها وتعزيزه شرق الفرات
فمنذ 20 تشرين الأول 2015 وقعت روسيا والولايات المتحدة اتفاقاً لمنع الاشتباك والتصادم بين القوات الجوية في سوريا ليتم بعدها تقاسم الأجواء بين غربي وشرقي الفرات. وعليه، فإن تركيا بحاجة للتنسيق مع الولايات المتحدة في الضفة اليمنى للنهر منعاً للتصادم بين القوات الجوية، وللتنسيق مع روسيا للحيلولة دون اشتباك القوات البرية والجوية على حدّ سواء.
ومع ذلك، لدى تركيا قدرة – قد تبدو محدودة – على معالجة هذا التحدي، بضمان التنسيق مع إحدى القوتين دون الأخرى مع استخدام عنصر المبادرة والجرأة دون إغفال حسابات الربح والخسارة بما يخص فارق القوّة، من قبيل استحضار أساليب تحييد القواعد العسكرية مثلما فعلت روسيا في إدلب، وعزل المدن، والاكتفاء باستخدام سلاح الجو المسير بدل الحربي، وتوسيع عدد الجبهات لتشمل أكثر من هدف وغير ذلك.
مكافحة الإرهاب
منذ مطلع عام 2021 تعرّضت حدود تركيا الجنوبية لهجومين مصدرهما مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في عين العرب وتل رفعت بمحافظة حلب؛ ولم تُساهم التفاهمات مع روسيا والولايات المتحدة في منع أنشطة حزب العمال الكردستاني و”وحدات حماية الشعب”، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في 13 تشرين الأول.
في الأصل، يقوم تدخّل تركيا في سوريا على مهمة مكافحة الإرهاب المتمثل بحزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش. مؤخراً، في 26 تشرين الأوّل منح البرلمان التفويض للرئاسة من أجل الإبقاء على القوات التركية في سوريا والعراق لمدة عامين.
قوبل قرار تمديد التفويض بالاعتراض من قبل حزبي الشعب الجمهوري CHP والشعوب الديمقراطي HDP وهو موقف غير مسبوق مقارنة مع المذكرات السابقة التي بدأت منذ 2 تشرين الأول 2014، بما يجعل من مهام التدخل خارج الحدود ومكافحة الإرهاب قضايا مرتبطة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمعة عام 2023.
وبالتالي، ستكون مكافحة الإرهاب ليست مجرّد مسؤولية بالنسبة لـ “تحالف الشعب” الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بل أحد المحددات الرئيسية في حسابات الربح والخسارة خلال مناقشة قرار العملية العسكرية الجديدة في سوريا.
المنطقة الآمنة
في الواقع، باتت تركيا أمام حاجة ماسّة لتوسيع مساحة المنطقة الآمنة التي أسستها في سوريا، بغرض التخفيف من حدّة الاستقطاب والتوظيف لقضية مكافحة الهجرة في انتخابات 2023 عبر إعادة قسم من اللاجئين السوريين لتوطينهم في المنطقة الآمنة.
وتوسيع المنطقة الآمنة بالنسبة لتركيا يعني تعزيز أمن الحدود وعدم تدفّق اللاجئين، وتهيئة الظروف أمام معالجة بيئة عدم الاستقرار، وفرصة ملائمة لدعم وتحسين موقف المعارضة السورية في العملية السياسية، التي تحرص تركيا على أن تخلص إلى تأسيس نموذج حكم في سوريا لا يتعارض مع سياساتها وأمنها على أقل تقدير.
ويُفترض أن تكون تركيا يقظة في أثناء أي مفاوضات مع روسيا حريصة على عدم رفع مسؤولية الحماية عن مناطق مقابل إتاحة المجال أمامها لإطلاق عملية عسكرية جديدة، أو حتى الانتباه إلى ضرورة عدم تقليل الاهتمام بالردع في مناطق على حساب الهجوم في أخرى، وإلا فإن مساحة المنطقة الآمنة ستتقلص وسيتضرر أمن الحدود وغير ذلك من الاعتبارات الأمنية.
ولا بدّ أن تكون تركيا حريصة أيضاً على عدم استخدام القوة المفرطة في حال شن عملية عسكرية جديدة، وعلى عدم استخدام روسيا أو قوات سوريا الديمقراطية بدعم منها سياسة الأرض المحروقة إذا ما تعثرت المفاوضات الثنائية، وإلا فإن الضرر سيلحق بالبنية التحتية بشكل كبير، بما قد يعيق جهود إعادة التوطين وإعادة الاستقرار.
تلفزيون سوريا
—————————
البنتاغون لن يدعم “قسد”..ضد أي عملية عسكرية تركية
قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي ليل الأربعاء، إن “شراكة الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية تقتصر فقط على مكافحة داعش”.
وأضاف كيربي خلال مؤتمر صحافي، أن هذه الشراكة مستمرة لأن تهديد داعش ما زال مستمراً، نافياً علمه بإعطاء واشنطن ضمانات لقوات سوريا الديمقراطية لدعمهم في أي عملية تركية محتملة في سوريا.
كما نفى إطلاعه على المقابلة التي أجراها قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي مع “موقع المونيتور” الأميركي، والتي أكد فيها أن الجانب الأميركي أعطى قسد تأكيدات على أنها لن تقبل بأي هجوم تركي على شمال شرق سوريا، إضافةً إلى رعاية واشنطن للمفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية. وأشار كيربي أنه يسمع للمرة الاولى بهذه المقابلة، مؤكداً عدم معرفته بها.
وقال عبدي في تصريح للموقع الأميركي: “لطالما سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحصول على دعم الجهات الفاعلة الدولية قبل الشروع في تدخل عسكري هنا”.
وأضاف “ومع ذلك فإن الوضع الحالي في شمال شرق سوريا مختلف، وما لم تحصل تركيا على موافقة روسيا أو الولايات المتحدة، لا يمكن لتركيا اتخاذ مثل هذه الخطوة، وعلى حد علمي لا توجد موافقة من هذا القبيل”.
وكان نائب المبعوث الأميركي إلى سوريا أعلن الأربعاء، نية بلاده إبقاء قواتها العسكرية في شمال شرق سوريا. وقال في اجتماع افتراضي مع وفد من المجلس الوطني الكردي، إن الولايات المتحدة تعتزم البقاء في شمال شرق سوريا لمنع عودة “داعش”، وتأمين الاستقرار في هذه المنطقة ودعم تحقيق الحل السياسي في سوريا وفق القرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية.
المدن
————————-
=====================
تحديث 13 تشرين الثاني 2021
————————-
5 أهداف أميركية في سوريا لا تشمل «إخراج إيران»/ إبراهيم حميدي
إدارة بايدن قدمت أولوياتها بعد الانتهاء من المراجعة السياسية
بعد مخاض، توصل فريق إدارة الرئيس جو بايدن إلى صيغة نهائية لـ«أولويات أميركا» في سوريا بعد مراجعة داخل المؤسسات في واشنطن منذ بداية العام، تتضمن خمسة أهداف رئيسية معلنة وملحقاً، لا تشمل «إخراج إيران من سوريا» كما كان الحال مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، بل دعم استقرار الدول المجاورة لسوريا، أي الأردن وإسرائيل وغيرهما.
وحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن الأولويات الأميركية التي تحدث عنها مسؤولون أميركيون في جلسات مغلقة في واشنطن قبل أيام، تشمل: «أولاً، البقاء في شمال شرقي سوريا واستمرار هزيمة داعش. ثانياً، المساعدات الإنسانية عبر الحدود. ثالثاً، الحفاظ على وقف إطلاق النار. رابعاً، دعم المحاسبة وحقوق الإنسان والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل. خامساً، دفع عملية السلام وفق القرار 2254». يضاف إلى ذلك حرص واشنطن على دعم الدول المجاورة لسوريا واستقرارها.
وتعتبر هذه الصيغة تطوراً للأولويات التي ذكرها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الاجتماع الوزاري على هامش مؤتمر التحالف ضد «داعش» في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إذ أنه تحدث وقتذاك عن ثلاث «أولويات»، هي: المساعدات الإنسانية، ومحاربة «داعش»، ووقف النار، على أمل دفع عملية السلام.
تطبيق الأولويات
وتفسر هذه الأولويات، التي أنجزت بعد الانتهاء من المراجعة الداخلية، سياسة فريق بايدن في سوريا ونقاط تركيزها الدبلوماسي خلال الأشهر العشرة الماضية، إذ أن قائد القوات الأميركية كينيث ماكينزي زار سراً شمال شرقي سوريا بعد فوضى الانسحاب من أفغانستان، لإبلاغ «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) أن أميركا باقية في شرق الفرات، ولن تكرر النموذج الأفغاني. كما ضغطت إدارة بايدن على الرئيس رجب طيب إردوغان كي لا يشن عملية عسكرية تؤثر على قتال «داعش» واستقرار «قسد». ويسود انطباع بأن القوات الأميركية باقية إلى نهاية ولاية بايدن.
وبالنسبة إلى ملف المساعدات الإنسانية، قاد فريق بايدن حواراً سرياً مع مبعوثي الرئيس فلاديمير بوتين في جنيف، لضمان تمديد القرار الدولي في يوليو (تموز) الماضي.
وعقد مسؤول الشرق الأوسط بريت ماكغورك ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشنين والمبعوث الرئاسي الكسندر لافرينييف، جولة ثالثة في جنيف يوم الأربعاء، لضمان تمديد القرار لستة أشهر أخرى في بداية العام المقبل، وتنفيذ أميركا التزاماتها فيما يتعلق بـدعم «التعافي المبكر» والمساعدات «عبر الخطوط». كما تقترب إدارة بايدن من تقديم دعم مالي للاستقرار في شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي.
دبلوماسياً، واصلت إدارة بايدن إصدار بيانات تدعم وقف إطلاق نار شامل في سوريا وتفعيل العملية السياسية والإصلاح الدستوري بموجب القرار 2254، وقيامها مع فرنسا وبريطانيا ودول غربية بتشجيع المعارضين السوريين لإثارة ملف المحاسبة والمساءلة وحقوق الإنسان. وفي نهاية يوليو (تموز) الماضي، أصدرت وزارة الخزانة قائمة عقوبات جديدة تخص انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب، وتشمل أطيافاً واسعة من الأطراف السورية، وليس فقط الحكومة والموالين لها، كما أن الوزارة أصدرت أو أكدت وجود استثناءات من «قانون قيصر»، وأبلغت مصر والأردن ولبنان أن «أنبوب الغاز العربي» الذي سيمر في سوريا لن يكون مشمولاً بقانون «قيصر»، شرط ألا يتضمن تقديم أموال لدمشق، ولا التعامل مع شخصيات أو كيانات مدرجة على قائمة العقوبات.
إيران… الحاضر الغائب
ويبدو أن المهم في هذه الأولويات هو الأمور غير الموجودة التي حذفت من قائمة ترمب، إذ أن بايدن لم يعين حتى الآن مبعوثاً للملف السوري من الطراز السياسي، كما كان الحال مع السفير جيمس جيفري وأسلافه، فبقي الملف ممسوكاً من قبل ماكغورك، مع إبعاد دور وزارتي الدفاع والخارجية، وسط تساؤلات عما إذا كانت الأمور ستتغير بعد تسلم باربارا ليف منصبها الرسمي الرفيع في الخارجية.
كما أن فريق بايدن لم يقم بقيادة حملة دبلوماسية وسياسية مع الدول العربية لمنع التطبيع مع دمشق، وإن كان دبلوماسيون أميركيون أبلغوا محاوريهم العرب بنقطتين: أميركا لا تشجع التطبيع ولن تقوم به، لكن يجب ألا يكون التطبيع مجانياً، مع تذكير بـ«قانون قيصر»، باعتباره تشريعاً من الكونغرس وليس قراراً تنفيذياً. ونُقل عن جيمس جيفري، الممثل الخاص لإدارة ترمب إلى سوريا، قوله في واشنطن: «لم يطلب من أي منهم» الامتناع عن الحديث إلى الرئيس بشار الأسد من قبل كبار المسؤولين الأميركيين. وعليه، «شعرت دول عربية أن لديها ضوءاً أخضر للتطبيع مع الأسد».
وليس هذا هو التغيير الوحيد، بل هناك أمور جيوسياسية أخرى تخص الموقف العلني من الوجود الإيراني، تعتبر نقلة كبيرة قياساً إلى سياسة ترمب، الذي وضعت إدارته «استراتيجية لسوريا»، صاغها وزير الخارجية مايك بومبيو، بدعم من جيفري ونائبه جويل روبرن، وتشمل: «أولاً، هزيمة داعش، ومنع عودته. ثانياً، دعم مسار الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي 2254. ثالثاً، إخراج إيران من سوريا. رابعاً، منع النظام من استعمال أسلحة الدمار الشامل والتخلص من السلاح الكيماوي. خامساً، الاستجابة للأزمة الإنسانية ورفع المعاناة عن الشعب السوري داخل البلاد وخارجها».
كما أن إدارة ترمب وضعت ستة شروط مسبقة لـ«التطبيع» مع دمشق، هي: «أولاً: وقف دعم الإرهاب. ثانياً: وقف دعم الحرس الإيراني و«حزب الله». ثالثاً: عدم تهديد دول الجوار. رابعاً: التخلي عن أسلحة الدمار الشامل. خامساً: العودة الطوعية للاجئين والنازحين. سادساً: مكافحة مجرمي الحرب».
وصاغ فريق ترمب «أدوات ضغط» لتحقيق ذلك وإبقاء دمشق في «صندوق العزلة» بالتنسيق مع حلفاء أميركا العرب والأوروبيين، تشمل: «الوجود الأميركي شرق الفرات وقاعدة التنف ومنع وصول دمشق للثروات الاستراتيجية، والتأثير الدبلوماسي عبر منصة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، العقوبات الاقتصادية و«قانون قيصر»، وعرقلة التطبيع العربي أو الأوروبي مع دمشق، ودعم استخباراتي ولوجيستي للغارات الإسرائيلية، ووجود تركيا شمال غربي سوريا، ووقف إعمار سوريا ومساهمة دول عربية وأوروبية قبل توفر شروط».
لكن ماكغورك لديه قناعة مختلفة تقوم على ضرورة أن تكون الأهداف الأميركية منسجمة مع أدواتها، وقدرتها على استخدام هذه الأدوات، ومدى استعداد موسكو للتعاطي مع هذه الضغوط. كما أن فريق بايدن حريص على عدم انهيار المفاوضات مع إيران لاستئناف العمل بالاتفاق النووي وعدم اتخاذ خطوات تصعيدية ضد إيران في سوريا، باستثناء الرد على استهداف أميركا ودعم غارات إسرائيل. وكتب ماكغورك في «فورين بوليسي» في 2019: «الدول العربية ستعاود التعاون مع دمشق. إن مقاومة واشنطن لهذا الاتجاه لن تؤدي إلا إلى إحباط الدول العربية وتشجيعها على ممارسة دبلوماسيتها من وراء ظهر واشنطن. لذا، فإن النهج الأفضل هو أن تعمل الولايات المتحدة مع شركائها العرب لصياغة أجندة واقعية للتعامل مع دمشق، مثل تشجيع الدول العربية على ربط علاقاتها المتجددة مع سوريا بإجراءات بناء الثقة من نظام الأسد».
ويتوقع أن يقدم فريق أميركي، الأهداف الأميركية الجديدة إلى حلفاء واشنطن خلال اجتماع يعقد على هامش مؤتمر التحالف ضد «داعش» في بروكسل في 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حيث سيعقد لقاء خاص بسوريا.
الشرق الأوسط
—————————-
في ثبات السيناريوهات في سورية/ عمار ديوب
تعلن تركيا في الأسابيع الأخيرة أنها ستقوم بعملية عسكرية في الأراضي السورية. لم تحدّد مكانها بدقة، هل في تل رفعت، أم منبج، أم كوباني؛ وحاول الرئيس أردوغان، في لقاءاته أخيرا مع رئيسي روسيا، بوتين، وأميركا بايدن، أن يقيم توافقاً بصدد العملية مع بوتين، الذي رفض ذلك، ومع بايدن الذي بدوره رفضها. الاستنتاج هنا أن روسيا وأميركا لا تريدان تغييراً في مناطق النفوذ، والتي أصبحت تركيا تعاني منها؛ فتركيا ترفض وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على حدودها الجنوبية، وتعتبره تهديداً لأمنها القومي، وروسيا تعزّز من وجودها في تل رفعت، وفي الشمال الشرقي وتجري مناورات عسكرية مع النظام، وتستهدف منها التدخل التركي في سورية، للقول إن النظام السوري باقٍ. وتتحالف “قسد” بدورها مع روسيا، والملاحظ أن أية عملية عسكرية تركية قد تؤدي إلى تصعيد خطير بين كل من روسيا وتركيا. ورسالة أميركا إلى تركيا في الإطار ذاته، وجاءت تصريحات المبعوث الأميركي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، بتحذير تركيا من التورّط في عملية عسكرية.
في الخلاف الإسرائيلي الإيراني، لم تتوقف دولة الاحتلال عن قصف المواقع العسكرية الإيرانية في سورية، وزادت حدّتها بعد لقاء رئيس الحكومة، بينت، وبوتين، بينما كان النظام وإيران يرغبان بإيقاف القصف، سيما أن إيران، ومع إحكام النظام سيطرته على درعا، راحت “تُبعد” قواتها من تلك المدينة. يبدو أن بوتين وبينت اتفقا على استمرار العمليات الإسرائيلية، وبغض النظر عن الاتفاق حول إرسال معلومات مسبقة إلى الجانب الروسي عنها، فهناك مسائل تخصّ التوافق الإسرائيلي الروسي، وتتعلق برسائل توصلها روسيا إلى أميركا وتخصّ قضايا كثيرة، ومنها ما يتعلق بسورية أو لبنان أو إيران وسواها كثير. إذاً لم تغيّر إسرائيل من سياساتها إزاء إيران، وربما هناك توافقاتٌ سريةٌ مع روسيا يخصّ كل الوجود الإيراني وضرورة إنهاء الجانب العسكري منه في سورية. إيران التي تقرأ المواقف الدولية الرافضة تمدّدها الإقليمي وفي سورية، والتي ترى ضغطاً دولياً من أجل عودتها إلى الاتفاق النووي. ويتفق الروس مع هذه الرؤية، تحاول ألا تغيّر من وجودها في سورية، وتعزّزه في مختلف المدن السورية، و”تحاول” فقط الابتعاد عن الحدود المباشرة مع إسرائيل، وطبعاً هذا لا يرضي الأخيرة. تعزّز إيران وجودها بصورة خاصة في حلب والمنطقة الشرقية، وأجرت، أخيرا، هجماتٍ خطيرة بالطائرات المسيرة على قاعدة التنف. وكان التعليق الأميركي بشأنها أنها ستردّ في الوقت والمكان المناسبين. الجدير ملاحظته هنا أن حدّة الخلافات بين الأميركان والإيرانيين تتصاعد، وإذا كانت إيران تحاول اختبار تلك “الحدّة”، عبر المسيّرات المذكورة، أو السيطرة على ناقلة النفط في بحر عُمان، أخيرا، أو التأخر بالموافقة على العودة إلى النووي، فإن أميركا “الديمقراطية” لا تستبعد أية خياراتٍ بالموقف من إيران، وإنْ كانت تحاول ضبط الموقف الإسرائيلي، الذي رَسم خياراته كما يبدو في التشدّد ضد إيران، ووضَعَ سيناريوهاتٍ لعمليات عسكرية في الداخل الإيراني، ولكنه ينتظر الموافقة الأميركية.
تتخوّف تركيا من سيناريو روسي جديد، قوامه أن تسلم تركيا بموجبه مناطق واسعة من إدلب لها، وأن تعطي أميركا لروسيا مناطق واسعة في شرق سورية. تؤكّد روسيا ضرورة أن يفتح الطريق إم 4، وهذا يستدعي إخراج هيئة تحرير الشام من أريحا وجسر الشغور، وربما جبل الزاوية بأكمله؛ وهذا سيعني طرد ملايين السوريين إلى الحدود التركية، وسيقلّص قوة تركيا في سورية. رفضت تركيا ذلك في لقاء بوتين أردوغان، أخيرا، وضغطت على هيئة تحرير الشام للتخلص من الجهاديين في الكبانة في ريف اللاذقية، حيث كان أبو مسلم الشيشاني، وجماعات أخرى متطرّفة، يسيطرون، وفعلاً سيطرت هيئة تحرير الشام. لا ترفض روسيا تلك الجماعات فقط، وإنما ترفض هيئة تحرير الشام أيضا. وعكس ذلك، تريد تركيا تسويقها، بينما الروس والأميركان لا يتقبلون ذلك. يمكن أن تضحي تركيا بالجولاني، ولكن حين تتوفر التوافقات الإقليمية على تسويةٍ تؤدي إلى الحل السياسي في سورية، وتأخذ فيها حصة كبيرة. لا يتفق السيناريو الروسي مع تركيا، بل يريد تهميش الوجود التركي أكثر فأكثر، وهذا ما فعلته روسيا منذ تدخلها، والبدء بمسار أستانة ومناطق خفض التصعيد، ووصلت الآن إلى توافقات مع “قسد”، وعزّزت أخيرا وجودها في تل رفعت وفي كل المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. وبالطبع، هذا يعبر عن توافق روسي أميركي حول ذلك. تدفع أميركا “قسد”، بصورة مستمرة، للتوافق مع روسيا. وبالتالي، وفي الوقت الذي تحمي فيه “قسد”، ونقصد أميركا، فهي تريد لروسيا أن توسع من سيطرتها على سورية، وعلى حساب تركيا وإيران، وبما يحفظ أمن إسرائيل.
تنامت في الأشهر الأخيرة أوهام النظام السوري، ومن خلفه إيران وربما روسيا، أن أميركا في طريقها إلى تعويم النظام السوري، وشكل الاتفاق حول خط الغاز وإمداد الكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية ذروة الأوهام تلك. حاول النظام تسويق الوهم، وربما استساغ ذلك في لقاءات وزير خارجيته، فيصل المقداد، على هامش الاجتماع العمومي لهيئة الأمم المتحدة، ولقاء هذا الوزير بعددٍ من الوزراء العرب. هذا الوهم سرعان ما بَهُتَ ألقه، فلم تعد سورية إلى جامعة الدول العربية، ولم تخفف أميركا من عقوباتها على النظام السوري، وهناك تسريباتٌ تؤكّد أن موسكو طلبت من نفتالي بينت التوسط لدى الإدارة الأميركية لتخفيف تلك العقوبات، وربما ستطلب منه تخفيف الضغوط الخليجية عن لبنان مع اشتداد أزمته الراهنة إثر تصريحات سابقة لوزير الإعلام، جورج قرداحي، والتسريبات الخاصة بوزير خارجية لبنان، عبدالله بوحبيب، والتي تؤيد السياسة الإيرانية في لبنان، وتقلّل من “هيبة” الدور الخليجي، وتحديداً السعودية، في لبنان أو اليمن. وقد انبنت أوهام النظام في سورية بصورة خاطئة على رسائل تتبادلها روسيا وأميركا، وصارت الأخيرة واضحةً فيها، حيث تتقدم بخطوة نحو حلحلة الوضع السوري، كي تبادلها روسيا بخطوةٍ مماثلة. إذاً السيناريو الأميركي هذا لا يُقصد به تعويم النظام إقليمياً أو دولياً، بل هدفه تدوير الزوايا مع روسيا، وحثّها على إيجاد تسويةٍ، تسيطر بها روسيا على سورية، وهذا جزء من السياسة الأميركية اتجاه روسيا في سورية والمنطقة، وبهدف إبعادها عن الصين وزرع الشقاق بينهما.
إذاً ليس من تغيير في السيناريوهات الإقليمية تجاه سورية، مع التأكيد أن روسيا وإسرائيل وأميركا تحاول تقليص النفوذين، التركي والإيراني، وبشكل متدرّج، ووصولاً إلى تسويةٍ للوضع السوري، وهذا ما تنتظره كل من أميركا وإسرائيل من روسيا.
العربي الجديد
————————-
في انتظار تداعي المصالح الأميركية أي مستقبل لحرب بوتين في سوريا؟
إيلاف من بيروت: في حين غالباً ما يعتقد المسؤولون الأميركيون أنهم بحاجة إلى حل المشاكل العالمية كالنزاع في سوريا، فإن بوتين ينظر إلى الأمور بمنظار مختلف. فهو سعيد بترك المشاكل على ما هي عليه إلى حين تداعي المصالح الأميركية.
في 4 نوفمبر، عقد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى منتدى سياسي افتراضي مع آنا بورشيفسكايا وليستر غراو ومايكل ماكفول، عن الموقف الروسي في سوريا حيث يبدو الرئيس فلاديمير بوتين سعيداً بالنزاع المجمد طالما أن أحداً لا يولي تلك البلاد اهتماماً جدياً . وبورشيفسكايا هي زميلة أقدم في المعهد ومؤلفة الكتاب الجديد “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أميركا”. وغراو هو مدير الأبحاث في مكتب الدراسات العسكرية الأجنبية في منشأة فورت ليفنوورث التابعة للجيش الأميركي بولاية كانساس، وأحد كبار خبراء الجيش الأميركي في شؤون روسيا. وماكفول مدير معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد وسفير الولايات المتحدة السابق في روسيا.
امتداد طبيعي
تقول بورشيفسكايا، وفق تقرير نشرع معهد واشنطن على موقعه الإلكتروني إن الانخراط الحالي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا يُعتبر جزئياً على الأقل امتداداً طبيعياً لمصلحة بلاده القائمة منذ قرون في الشرق الأوسط عموماً، وفي شرق البحر المتوسط على وجه التحديد.
وعبر التاريخ، لطالما ساور روسيا قلق كبير بشأن حدودها الجنوبية، معتبرةً إياها نقطة ضعفها الرخوة. وينفرد بوتين ببعض جوانب تدخّل موسكو في سوريا، بينما تقوم الجوانب الأخرى على التعاملات القصيرة الأجل، لكن المصالح الروسية في المنطقة أعمق بكثير من المشروع الخاص بالزعيم الحالي.
ولفهم هذه المصالح، يجب أن نقر بأن روسيا تمتلك رؤية لعالم متعدد المراكز، وأن هذه الرؤية تتعارض بطبيعتها مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ونتيجةً لذلك، ركزت موسكو منذ فترة طويلة على كبح النفوذ الأميركي في الخارج. وقد ورث بوتين وجهة النظر هذه وتصرّف على أساسها بطرق جديدة. فمنذ البداية، سعى إلى إعادة انخراط روسيا في الشرق الأوسط، وهو أكثر واقعية واستعداداً من أسلافه لتنمية العلاقات مع كافة الأطراف في المنطقة.
مع ذلك، فإن رؤيته المعادية للغرب دفعته إلى تعزيز أعمق العلاقات مع قادة ذوي التفكير المماثل من أمثال الرئيس السوري بشار الأسد. وبالتالي، فمنذ اندلاع الحرب السورية، كان بوتين مصمماً على منع سقوط الأسد. فلم يكن يريد أن يرى الولايات المتحدة تُطيح بقائد مستبد آخر، لذلك شرع في حماية الأسد بطرق متعددة حتى قبل التدخل العسكري الروسي في عام 2015.
التزام متناقص
اليوم، حقق هذا الهدف دون أن يتورط في أزمة أو يتكبد تكاليف باهظة. [ونتيجة لذلك] أخذت سائر المنطقة في الحسبان موقف روسيا المعزز في سوريا – ففي نظرها يتناقض التزام بوتين بحماية الأسد بشكل صارخ مع الموقف المتأرجح للدول الغربية.
وعلى الأرجح ستعود سوريا الآن إلى حالة النزاع المجمّد. وقد يكون ذلك مناسباً للغاية بالنسبة لروسيا التي تتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع مثل هذه النزاعات، وقادرة على الصمود في هذه البيئة. كما يمكن لموسكو أن تعمل كوسيط، والتحدث مع جهات فاعلة معيّنة لا يمكن للآخرين التفاوض معها. وإذا تمكّنت الأطراف من التوصل إلى حل فعلي في سوريا، فلن يحتاج أحد إلى بوتين، لكن الجميع سيكون بحاجة إليه إذا تم فقط إدارة النزاع.
وحالياً، لا يزال العالم أحادي القطب وتستمر الولايات المتحدة في تمتعها بالعديد من المزايا. لكنها قد تفقد هذه المزايا إذا أساءت التعامل مع الشرق الأوسط. وتولي واشنطن أولوية قصوى للصين، لكن لا يجب التعامل مع سوريا على أنها مجرد مصدر إلهاء. والسؤال الفعلي ليس ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة التصدي للنفوذ الروسي في سوريا، بل ما إذا كانت ستدرك الأهمية الاستراتيجية للنزاع وتستثمر الموارد الضرورية لتحقيق أهدافها هناك.
لن تكون سوريا ملفاً سهلاً للتعامل معه بغض النظر عن النهج الذي تتبعه واشنطن، لكن الأسد يُعتبر من أسوأ الديكتاتوريين في أيامنا هذه، لذا فإن اتخاذ موقف أقوى وأكثر صرامةً كان ضرورياً منذ البداية، ولا يزال كذلك حتى يومنا هذا.
ومن الناحية المثالية، ستعيد روسيا تأهيل نفسها يوماً ما وتغيّر سلوكها الحالي. ويقيناً، لا توجد سوابق كثيرة لمثل هذا التحوّل – على الرغم من أنه كان بالإمكان العثور على أصوات ليبرالية بين القيادة الروسية في وقت مبكر من فترة ولاية بوريس يلتسن خلال التسعينيات، لكن سرعان ما تم إبعادها، وأُغلقت نافذة الفرصة تلك. نأمل أن يُعاد فتحها في المستقبل.
أرض سبخة
قال ليستر غراو إنه بعيداً عن كون النزاع السوري أرضاً سبخة، أثبت أنه ساحة مثالية للجيش الروسي لشحذ قدراته واختبار أنظمة قتالية جديدة، وإجراء اختبارات جهد وإصلاح الأنظمة القديمة، وتوفير الخبرة القتالية لجميع عناصره. فالخسائر التي مُني بها كانت محدودة للغاية عموماً – والاستثناء الوحيد كان أسطول الإنزال البرمائي، الذي تم نشره على نطاق واسع لدعم الأسد، وأُصيب بأضرار جسيمة، ويتم الآن إعادة بنائه بتكلفة كبيرة.
استغلت القوات الروسية التدخل أيضاً من أجل تطوير بعض قدراتها. على سبيل المثال، كان نشرها لنظام جسر عائم جديد على طول نهر الفرات إنجازاً هندسياً مدهشاً. وحقق الجيش أهدافه الاستراتيجية المتمثلة بدعم الأسد مستفيداً في الوقت نفسه من جني المزيد من المزايا الفورية لفائدته.
واكتسبت “مجموعة فاغنر” وشركات عسكرية خاصة أخرى مرتبطة بالحكومة الروسية أيضاً خبرة قتالية قيّمة في سوريا. وقد مكّنت هذه المنظمات موسكو من الانخراط في عمليات ربما لم تكن ترغب في أن يرتبط اسمها بها بشكل مباشر، مما يوفر لها قدرة إنكار معقولة مع الاستمرار في الوقت نفسه في تعزيز أهداف الكرملين في سوريا.
ولم يخلُ التدخل الروسي من التحديات، كما أن التوترات المختلفة التي تغلي تحت السطح قد تطرح مشاكل في الفترة المقبلة. على سبيل المثال، يوجد في روسيا أقلية مسلمة كبيرة، وقد يؤدي التدخل في سوريا إلى تفاقم العلاقات المتوترة بين الحين والآخر بين هذه الجماعة والمجتمع المسيحي في البلاد. لكن خلاصة القول هي أن موسكو حققت هدفها الأساسي وهو بقاء نظام الأسد، دون الدخول في الأرض السبخة التي توقعها الكثيرون، ومع بعض الفوائد الإضافية لجيشها.
فشلنا فشلاً ذريعاً
وقال مايكل ماكفول إنه على الرغم من أن القوات الجوية الروسية لم تبدأ بقصف عناصر المعارضة في سوريا قبل عام 2015، إلا أن موسكو تتمتع بوجود دبلوماسي وعسكري قوي في البلاد منذ عقود. وخلال فترة تواجدي في الحكومة الأميركية كانت سوريا أبرز قضايا السياسة الخارجية على جدول الأعمال، والحقيقة أننا فشلنا فشلاً ذريعاً على هذا الصعيد. أعتقد أنه من الضروري أن نكون واضحين بشأن ذلك – فنهجنا لم ينجح.
بالتالي، فإن السؤال هو ما الذي كان بإمكاننا فعله بطريقة مختلفة؟
أعطى بوتين أهمية لدعم الديكتاتوريين في مواجهة الثورات المدعومة من الغرب. فهل ستتصرف روسيا دائماً بهذه الطريقة، أم هل يمكن أن تتغير طريقة التفكير هذه، ربما في عهد رئيس جديد؟ لقد كنت موجوداً في الغرفة في آذار/مارس 2011 عندما أذعن الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف لتدخل الأمم المتحدة ضد الدكتاتور الليبي معمر القذافي. ونعرف أن بوتين لم يستجب بشكل جيد إزاء ذلك. لذا، فإن استمرارية استراتيجية موسكو المعادية للغرب هي سؤال مفتوح.
وفي الوقت الحالي، حقق بوتين هدفه الرئيسي في سوريا، وهو إبقاء الأسد في السلطة. كما حقق بعض الفوائد الثانوية، لا سيما في اختبار وعرض أنواع جديدة من السلطة العسكرية. ومع ذلك، ثمة حدود لنجاحاته. فسوريا تبقى منطقة نزاع منقسمة إلى حد كبير. فهل هو مرتاح لهذا الترتيب؟ هل يهتم بتوحيد البلاد؟ من الضروري أن تعرف واشنطن وشركاؤها ما إذا كان بإمكانه التعايش مع هذا الوضع الراهن.
وحالياً، يبدو بوتين سعيداً بالنزاع المجمد طالما أن أحداً لا يولي اهتماماً جدياً بسوريا. ففي حين غالباً ما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنهم بحاجة إلى “حل” المشاكل العالمية مثل النزاع في سوريا، إلا أن بوتين ينظر إلى الأمور بمنظار مختلف. فهو سعيد بترك المشاكل على ما هي عليه إلى حين تداعي المصالح الأمريكية. فهو يتّبع استراتيجية عامة تتمثل بالانتظار والترقب.
وتشير بعض رسائل إدارة بايدن إلى أنها لا تمانع النزاع المجمّد، سواء في سوريا أو مع روسيا بشكل عام. ومع ذلك، لا تزال استراتيجية البيت الأبيض إزاء سوريا مربكة. ويبدو أن الإدارة الأمريكية مهتمة للغاية بالمسائل الصغيرة مثل المفاوضات بشأن المساعدات الإنسانية العابرة للحدود. فواقع أن واشنطن تُشغل وقت الرئيس الأمريكي بضغوط حول معبر حدودي واحد يُظهر أن ميزان القوى في سوريا قد تحوّل إلى حدّ كبير نحو مسار مواتٍ لروسيا.
———————-
أكراد سوريا يتمسكون بـ«الأوراق التفاوضية» مع دمشق
يملكون أكثر من 100 ألف مقاتل ومعظم ثروات البلاد
كمال شيخو
تواترت الأنباء حول بدء جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة السورية والأكراد برعية روسية، وسط نفي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي ورئيس «مجلس سوريا الديمقراطية» رياض درار ونائب الرئاسة التنفيذية لـ«الإدارة الذاتية» بدران جيا كرد.
وتبسط «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) سيطرتها على نحو 85 في المائة من الثروة النفطية إضافة إلى 45 في المائة من حقول الغاز الطبيعي. والى جانب حقول النفط والطاقة، تبسط قوات «قسد» على شبكة طرق مواصلات وعقدة استراتيجية تربط أربع محافظات سورية، تبدأ من مدينة حلب شمالاً والرقة ودير الزور شرقاً والحسكة شمال شرقي، وتسيطر نارياً على 275 كيلومترا من الطريق الدولي السريع تنقسم بين العريمة بريف حلب الشرقي حتى بلدة عين عيسى بريف الرقة الغربي وبطول 115 كيلومتراً، ومن بلدة تل تمر وحتى معبر اليعربية/الوليد مع الجانب العراقي بطول 160 كليومترا، فيما تتحكم بمعابر حدودية اثنان منها مع العراق وهما (اليعربية) و (سيمالكا)، و3 منافذ مع تركيا بينها القامشلي والدرباسية وعين العرب (كوباني)، إضافة إلى معبر رئيسي في مدينة منبج (عون الدادات) مع منطقة «درع الفرات» التابعة للنفوذ التركي وفصائل سورية معارضة.
كما تسيطر «قسد» وإدارتها الذاتية والجناح السياسية «مسد» على مركز محافظة الرقة ومعظم ريفها شرق الفرات وبلدة الطبقة جنوب النهر يديرها مجلس حكم مدني، وريف دير الزور الشرقي والغربي وسهل نهر الفرات وتشكلت مجالس مدنية وعسكرية هناك، ومدن وبلدات منبج وعين العرب والعريمة بريف حلب الشرقي ولديها مجالس عسكرية ومدنية، وأحياء الأشرفية والشيخ مقصود داخل مدينة حلب، وإقليم الشهباء بريفها الشمالي، وتنتشر في هذه المناطق أمنية وشرطة محلية وإدارات منظمة يعمل فيها نحو ربع مليون موظف وإداري يتقاضون أجورهم شهرياً والتي تبلغ قرابة 100 دولار أمريكي.
ويبلغ عدد القوات العسكرية 110 آلاف منها 30 ألفاً قوات حرس الحدود تنتشر على طول خطوط الجبهة ونقاط التماس، و20 ألفا يتبعون قوى الأمن الداخلي والتي تعرف باسم «الأسايش» موزعة على 7 إدارات محلية، و50 ألف عسكري مقاتل ينتشرون في 4 محافظات، وهي قوة عسكرية منضبطة لديها قيادة هرمية تتوزع على وحدات وأفواج وقطع عسكرية، اتبعت دورات الجيوش النظامية وتلقت تدريبات من خبراء ومختصين من الجيش الأمريكي، وضباط أمنيين من دول عربية بينها مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة وهذه الدول جزء من التحالف الدولي، وتمتلك أبنية ووحدات سكنية عسكرية شيدت وتم بناؤها بدعم من الجيش الأميركي وقوات التحالف المناهضة لتنظيم «داعش».
والى جانب هذه الأوراق من ثروات النفط والطاقة وشبكة الطرق والقوات العسكرية المنضبطة، يعيش في مناطق نفوذ «قسد» وإدارتها الذاتية قرابة 4 ملايين سوري متعددة الطوائف والأديان والأعراق، حيث يعيش فيها الأكراد والعرب والمسيحيون والتركمان والكلدو أشوريين والأرمن والإيزيديون جنباً إلى جنب، وهناك أكثر من 12 مخيما أكبرها مخيم الهول ويضم بحدود 60 ألفاً.
وتشكل هذه الأوراق وغيرها مجموعة سلال يمتلكها أكراد سوريا للتفاوض مع الحكومة السورية، ويطالب قادة الأكراد أن تكون الجولة القادمة من المفاوضات بمشاركة ورعاية الرئيس السوري بشار الأسد، وقال مسؤولون بارزون لموفد جريدة «الشرق الأوسط» إن الجولات الثلاث السابقة اقتصرت على لقاء اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري ومسؤولين من وزارات الحكومة.
الشرق الأوسط
———————–
توسع إيران في سوريا رسخه الإنفاق المالي والتعبئة الدينية/ وليد شقير
موسكو تلح على الخليجيين ملء الفراغ بدعم الاقتصاد لمواجهة نفوذ طهران
تتسارع خطوات “الحرس الثوري” الإيراني من أجل ترسيخ نفوذه في سوريا، وتسابق المساعي الروسية من أجل خفض قدرة طهران على التأثير في مركز القرار في دمشق، بموازاة إصرار الدول الغربية على أن تشمل جهود إحداث تقدم في الحل السياسي انسحاب القوات الإيرانية من بلاد الشام، كشرط من شروط التعاطي المختلف مع الوضع في سوريا.
إلا أن اشتراط الدول الغربية أن تتعاون روسيا معها في الضغط على إيران كي تسحب قواتها من الميدان السوري يصطدم في كل مرة بعدم قدرة موسكو على تحقيق ذلك، بسبب اتساع وعمق الوجود الإيراني على الأراضي السورية، في وقت يرى محللون سوريون أن الكرملين ليس في وارد الضغط على طهران في سوريا حتى إشعار آخر، لأنه يعتمد على وجودها على الأرض من أجل تثبيت رئيس النظام السوري بشار الأسد في الحكم، طالما لم يحصل اتفاق نهائي بينه وبين الإدارة الأميركية، سواء على سوريا أو على قضايا إقليمية ودولية جوهرية أخرى. ويرى هؤلاء أن موسكو تحاول تحسين موقعها على الأرض من وقت لآخر، في إطار تناقض المصالح.
تفوق إيراني عقاري وبالتعبئة الدينية
وعلى الرغم من التنافس المتواصل بين روسيا وإيران على النفوذ في دمشق، فإن بعض المراقبين السوريين يعتقدون أن طهران استطاعت في السنوات الأخيرة، بعمل دؤوب وخطط بعيدة المدى، أن تكسب وجوداً اقتصادياً وعقارياً في العديد من المناطق السورية، سواء في الجنوب أو في الشمال الشرقي، وصولاً إلى مدينة حلب عن طريق إنشاء الجمعيات وعمليات التشييع وشراء العقارات التي تنشئ بيئة اجتماعية يجري فيها زرع القواعد العسكرية من مقاتلي الميليشيات الذين استقدمتهم من العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان.
فالبيئات التي كسبت طهران ولاءها صارت بؤراً شعبية واجتماعية يسهل تغلغل الوجود العسكري الإيراني فيها.
وإذا كان محيط بعض المقدسات مثل مقام السيدة زينب في دمشق أحد الأمثلة على التوسع العقاري لهذا المعلم الديني الذي كان قبل الحرب السورية في عهدة عائلات سنية تخدم الحج إليه، ثم تحول بعدها إلى منطقة تحيط بها القواعد العسكرية الأخيرة الإيرانية والتابعة لـ”حزب الله”، فإن التقارير أخذت تتحدث في الآونة عن موجة شراء “الحرس الثوري” العديد من العقارات في محيط دمشق تمكنه من إحكام نفوذه في منطقتها الجنوبية الشرقية.
توسع البيئات الحاضنة للقواعد العسكرية
لكنه استطاع أيضاً إنشاء مواقع دينية أخرى في مناطق في وسط سوريا وفي الشمال الشرقي، سنية بمعظمها، مثل محيط مدينة حمص حيث أقيم مزار تحلقت من حوله منافع اقتصادية لما بقي من سكان فيها، حملتهم الضائقة الاقتصادية على تأجير أبنية أو بيع أراض، وعلى القبول بالتشيّع في بعض الأحيان، من أجل الإفادة المالية والتجارية الناجمة عن تمركز الميليشيات التي تستقر فيها. ويقول هؤلاء إن معظم المناطق التي تتكرر أسماؤها على أنها تعرضت للقصف الإسرائيلي الدوري (آخرها قبل 3 أيام في 8 نوفمبر “تشرين الثاني” على وسط وغرب سوريا ومطار الشعيرات جنوب غرب حمص) لاحتوائها على مستودعات أسلحة إيرانية، أو على قواعد للحرس الثوري و”حزب الله” ولميليشيا “فاطميون” و”زينبيون”، هي مناطق تعرضت لتغييرات ديموغرافية ودينية، فصارت حاضنة لمواقع عسكرية بطريقة أو بأخرى.
وهذا يشمل الشرق السوري حيث ازداد عدد الأفغان الهزارة (لا سيما بعد انتقال أعداد منهم إلى سوريا إثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان) ومطار “تي فور” ومحيطه، ومنطقة الميادين والبوكمال على الحدود العراقية السورية حيث يوجد مقاتلو “حزب الله” العراقي و”عصائب أهل الحق” ومجموعات من “الحشد الشعبي” العراقي، وتحولت تلك البقعة الحدودية إلى منطقة تبادل تجاري.
ويسجل المراقبون السوريون وجود بعض الميليشيات الموالية لإيران في جنوب غرب منطقة دير الزور، وفي بعض المواقع على المجرى الجنوبي لنهر الفرات بحيث يتم التحكم والقدرة على التدخل، على الطرقات إلى حلب، وتدمر وحمص.
استغلال الضائقة الاقتصادية خلافاً لروسيا
يختصر الذين يرصدون هذا التوسع عبر استئجار أو شراء الأراضي في هذه المناطق بالقول إن إهمال الدولة السورية السكان وتدهور معيشتهم في ظل الأزمة الاقتصادية جعل المنافع الاقتصادية التي يقدمها الجانب الإيراني وإغراءات التشيّع سبباً لهذا التوسع. وهو أمر سبق أن حصل في الجنوب السوري في محافظات درعا، حيث سعى الجانب الروسي خلال الصيف الماضي إلى الحد من توسع الانتشار الإيراني عبر الاتفاق الذي رعاه بين النظام والمجموعات المسلحة المعارضة له. هذا بالإضافة إلى محافظة السويداء التي تشهد غلياناً متواصلاً جراء التغلغل الإيراني ووجود مجموعات تابعة للنظام، والقنيطرة، حيث تمكن السخاء الإيراني بالإنفاق ليس فقط من إنشاء حاضنة محلية لتأسيس قواعد عسكرية، بل لإقامة جمعيات ومجموعات مسلحة موالية إما مباشرة أو حليفة، عبر دعم انخراط هذه المجموعات في “قوات الدفاع الوطني” التابعة للنظام السوري، التي لطهران تأثير عليها، فضلاً عن أنها أسهمت في تمويلها. وهذه المجموعات هي التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بين الفينة والأخرى لوجود مستودعات أسلحة بحمايتها، أو بحماية الفرقة الرابعة في الجيش السوري، التي يقودها شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد.
يتميز الوجود الإيراني عن الوجود الروسي في بعض المناطق بتوظيف الإنفاق المالي في دعم الحضور ذي الطابع الديني، لانتشار “الحرس الثوري”، خلافاً للقوات الروسية التي تعتمد على الدور العسكري والاستخباراتي لترسيخ النفوذ، بالعلاقة مع الجيش ومع الدولة السورية. المتابعون للفارق بين وجود الدولتين يشيرون إلى أن الجانب الروسي قام مثلاً بصرف موظفين من مصنع الفوسفات الذي حازت موسكو على عقد استثماره، ما تسبب بنقمة لدى عشرات العائلات. وهذا ما حصل أيضاً عند تسلم الجانب الروسي عملية تشغيل مرفأ طرطوس، بعد استبعاد إيران من التزام إدارته.
تسهيل النظام للتمدد الإيراني
وفي وقت يعمل الجانب الإيراني بنفس طويل وفق مخطط مدروس يوائم بين تنمية الحضور الديني والاستثمار المالي والتغيير الديموغرافي لمناطق عديدة لترسيخ الوجود العسكري، فإن كثراً من الذين رصدوا الأسلوب الذي يعتمده “الحرس الثوري” يرون أن الغياب العربي عن الساحة السورية في السنوات الماضية أفسح المجال أمام ملء طهران الفراغ. ولو وظفت الدول العربية المقتدرة المال لشراء الأراضي والمساحات المبنية من أصحابها الذين يعانون الضائقة الاقتصادية لكانت هذه الدول حالت دون استفراد طهران بسوق العقارات.
إلا أن هؤلاء يشيرون إلى أن النظام السوري سهَّل لطهران استحواذها على تلك المساحات، وتحويلها إلى ما يشبه بيئة الحزب في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، مقابل دورها في تثبيت الأسد في السلطة. فحاكم دمشق سبق أن سلم أوراقه بالكامل لإيران. ومن الأمثلة على ذلك ترخيص السلطة قبل أسابيع، لإقامة جمعية كشفية تحت عنوان الصداقة الإيرانية السورية تستقطب الشباب والفتية وفقاً للعقيدة الإسلامية الشيعية. ويلفت هؤلاء إلى أن رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد كان ألغى قبل سنوات من وفاته جمعية كشفية كانت تنشط تحت جناح ما سمي “طلائع البعث” التي كانت علمانية، أي إن الأسد سمح بهذا الترخيص الذي يسمح بتعبئة جيل من الأطفال بالفكر الديني.
الفريق الرئاسي الحاكم يرد على مطالبة بعض الدول العربية له بفك ارتباطه مع إيران بالقول إن الأخيرة دافعت عنه حين كان معظم الدول العربية إما يتفرج على محاولة إسقاطه، أو يمول المعارضة ضده. كما أن الأسد انحاز في نهاية المطاف إلى ما يريح إيران في سوريا، إزاء المطالبة الروسية له بمجاراة سعيها إلى الحلول السياسية، وفق القرار الدولي رقم 2254.
التشجيع الروسي على عودة العرب
لطالما سعت موسكو إلى إقناع دول عربية بالانفتاح على الأسد حتى لا تترك الساحة لإيران. وتعمل القيادة الروسية على عدم الاعتماد الضمني فقط على الاستهداف الإسرائيلي القواعد ومستودعات الأسلحة الإيرانية، بتشجيعها الدول العربية منذ سنوات على استعادة العلاقة مع نظام الأسد للتخفيف من ملء طهران الفراغ.
ويؤكد سياسيون سوريون ولبنانيون على صلة بالقيادة الروسية أنه كان لها مساهمة فاعلة في انفتاح دولة الإمارات العربية المتحدة على دمشق، بدءاً بفتحها سفارتها في العاصمة السورية في عام 2018 . فموسكو تلح على دول الخليج منذ سنوات أن توجد في سوريا إذا كانت تريد إبعاد النفوذ الإيراني. وهي تشجعها على الاستثمار الاقتصادي فيها في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها. وكذلك يفعل عدد من الفعاليات السورية منذ سنوات، التي تعتبر أنه بغض النظر عن الانفتاح على النظام أو عدمه، فإن الوجود العربي ولا سيما الخليجي يمكن أن يقطع الطريق على توسع النفوذ الإيراني عبر التوظيفات المالية في المجال العقاري، لأن السوريين يفضلون الخليجيين إذا احتاجوا إلى بيع عقاراتهم، على الإيرانيين. ويرى هؤلاء أن التعامل مع بعض المجموعات المسلحة غير الموالية للنظام وتمويلها لتحافظ على استقلاليتها المالية يحول دون اجتذابها بالمال من قبل “الحرس الثوري” و”حزب الله”، لأن من مغريات التقارب الإيراني معها وعدها بحمايتها من بطش النظام وتأمين المال لها. وفي المعلومات أن بعض الدول العربية استجاب لنصائح كهذه وأسهم في تمويل بعض التشكيلات التي قامت بالمصالحات مع النظام لا سيما في الجنوب السوري.
زيارة عبد الله بن زايد
واللافت في زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق في 9 نوفمبر الحالي، اصطحابه وفداً اقتصادياً والإعلان عن اتفاق على تمويل بناء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في ريف دمشق.
وفي سياق الدور الروسي في الانفتاح الخليجي تفيد المعلومات أن بعض الاجتماعات التي جرت بعيداً من الأضواء تمت برعاية روسية، إلى درجة أن طائرة روسية هي التي نقلت أحد المسؤولين الأمنيين السوريين إلى إحدى العواصم العربية للاجتماع إلى نظرائه فيها.
ويقول المطلعون على خلفية دور الجانب الروسي إنه أبلغ بعض المسؤولين العرب أن الحل السياسي في سوريا سيؤدي في نهاية المطاف إلى الانسحاب العسكري الإيراني، لكن قاعدة النفوذ الاقتصادي التي بنتها طهران تتطلب منافستها كي لا تلعب دوراً في ترسيخ نفوذها على سوريا ما بعد الحرب. كما أن إعمار ما هدمته الحرب يحتاج إلى استثمارات طائلة لا يمكن تأمينها من دون دول الخليج العربي، قياساً إلى إيران. وفي التعاون الروسي الخليجي من هذا المنظار فائدة لموسكو التي تطمح أن يكون لشركاتها دور رئيس في هذه المرحلة عندما يأتي أوانها، التي تحتاج إلى التمهيد لها منذ الآن. وإذا كانت دول الخليج قد ترددت في الانفتاح الاقتصادي سابقاً بسبب العقوبات التي يفرضها قانون “قيصر” الأميركي على التعامل مع النظام السوري، فإن الشركات الروسية لديها وسائلها للالتفاف على هذا القانون.
من يملأ فراغ الانسحابات؟
لا تقتصر أسباب تشجيع روسيا الدول الخليجية على الوجود في سوريا على الحاجة إلى ملء الفراغ الذي احتلته إيران حتى الآن، بل تتعداها إلى سعيها للاحتياط منذ الآن لاحتمال حصول انسحاب أميركي من شرق الفرات، تنوي إيران الإفادة منه لتوسيع نفوذها في تلك المنطقة الغنية بالنفط، ولتغييرات في الشمال السوري، حيث تتقاسم تركيا الميدان مع تحالف “قسد” بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وفصائل كردية أخرى حيث توجد قوات أميركية. وفي وقت تتهيأ إيران إلى ملء الفراغ هناك والتسلل إلى الشمال عبر حشد ميليشياتها في منطقة حلب فإن موسكو تعمل على تجنب العملية العسكرية التركية التي تنوي أنقرة القيام بها من أجل احتلال منطقة سيطرة “قسد”، عبر اتفاقات تعمل على صوغها في لقاءات تنظمها في موسكو مع قيادة الأخيرة، ومع قادة العشائر العربية لتقليص رقعة السيطرة الكردية، بحيث تتولى قوات روسية الحدود مع تركيا مع قوات من نظام الأسد، تحت رعايتها، لضمان أمن الحدود مع تركيا بحيث تستغني الأخيرة عن فكرة العملية العسكرية ضد المنطقة الكردية.
وبهذا المعنى فإن أحد أوجه الانفتاح الإماراتي على دمشق هو المخاوف من أن تملأ تركيا الفراغ الذي يمكن أن يتركه الانسحاب الأميركي من مناطق شمال سوريا.
————————————-
====================
تحديث 14 تشرين الثاني 2021
—————————————-
تجميد العملية العسكرية التركية في شمال سورية/ أمين العاصي
تتراجع المؤشرات بشأن نية تركيا تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق لدفع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بعيداً عن الحدود الجنوبية لتركيا. وكان الجيش التركي وفصائل سورية معارضة حشدوا أخيراً على طول خطوط التماس مع “قسد”، في غرب الفرات وشرقه، عقب حصول عمليات عدة ضد القوات التركية في ريف حلب الشمالي، انطلاقاً من مناطق واقعة تحت سيطرة “قسد”، أدت إلى مقتل جنود أتراك. وكانت المؤشرات تدل على أن عملية عسكرية واسعة على وشك البدء، إما في منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، غربي الفرات، أو باتجاه بلدتي عين عيسى وتل تمر، في شرقه. كما أظهرت معطيات ميدانية عدة، أن الجيش التركي ربما يعبر الحدود باتجاه مدينة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، ذات الغالبية الكردية من السكان. وفي الوقت نفسه كان من الواضح أن الجانب الروسي يرفض أي عملية عسكرية تركية ضد قوات “قسد”، منعاً لاتساع دائرة النفوذ التركي في منطقة بالغة الأهمية اقتصادياً، يسعى الروس إلى ترسيخ وجودهم فيها. وتجلّى الرفض الروسي بالقيام بمناورات في ريف الحسكة الشمالي الغربي، شرقي نهر الفرات مع قوات النظام و”قسد”، كل على حدة. وذهب الروس إلى حد إرسال طائرة “سوخوي” إلى مطار القامشلي في محافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، في موقع غير بعيد عن الحدود السورية التركية، في إشارة واضحة إلى عدم رضى موسكو عن قيام أنقرة بأي عملية عسكرية من دون موافقتها.
وتحدثت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة لـ”العربي الجديد”، عن العملية العسكرية التركية المرتقبة في مناطق جديدة بسورية ومؤشراتها، قائلة إن “الضغط الإعلامي التركي لا يزال متواصلاً لتنفيذ العمل العسكري في المنطقة، وإن الجيش التركي مستعد لتنفيذ ووضع الخطط حيال أي عمل عسكري مستقبلاً حسب المتطلبات الميدانية. ولكن ليس هناك حالياً أي احتمال لعمل عسكري مباشر، وأنقرة جمّدت العمليات في الوقت الحالي”. وعزت ذلك إلى استمرار الحوار التركي مع كل من روسيا والولايات المتحدة، ولم يتحقق حتى الآن أي توافق في هذا الإطار، في ظل عدم رغبة تركيا في تنفيذ أي عمل عسكري أحادي الجانب، بسبب تداعياته السلبية على علاقات أنقرة بواشنطن وموسكو وبالغرب”. وكشفت المصادر أن “هناك مؤشرات لدى أنقرة بأن واشنطن تضغط على قسد من أجل طرد العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني من مناطقها بالشكل الذي تطالب به تركيا، تنفيذاً للاتفاقيات الثنائية، مع السماح لتركيا بتنفيذ عمليات الاستهداف بالطائرات المسيرة لعناصر قسد المرتبطين بالكردستاني”.
وأضافت المصادر أن “تركيا تحاور بنفس الوقت روسيا، ومن المنتظر وصول وفد تقني إلى أنقرة في الأيام المقبلة من أجل بحث الملف السوري، وليس من المنتظر أن يحقق اختراقات كبرى بما يتعلق في العمليات العسكرية التي تطالب بها أنقرة في المنطقة. وتنتظر تركيا معرفة نتائج المباحثات الروسية الأميركية التي جرت في جنيف في الأيام الماضية لترتيبات المنطقة، وترقب قدوم مبعوث أميركي أيضاً في الأيام المقبلة. وتركيا مستعدة للتخلي عن خططها العسكرية في المنطقة، في حال انسحبت قوات قسد من المناطق التي تطالب بها، بإشراف روسي حتى لو دخل النظام لهذه المناطق”.
ولخصت المصادر الموقف التركي بأن “أنقرة حاليا تنتظر نتائج الحوارات واللقاءات مع الولايات المتحدة وروسيا، التي يبدو أنها بدأت تكسب زخماً وتهدف لترتيب منطقة شرقي الفرات. وبناء على نتائجها وعلى انسحاب قسد من المناطق التي تطالب تركيا بالانسحاب منها، يمكن تحديد هامش التحرك العسكري التركي المستقبلي في الشمال السوري، ومنها في المناطق الشرقية لمنطقة درع الفرات ومدينة الباب وبالقرب من مدينة منبج وشمال الرقة، وجنوب عين العرب. ولكن من المبكر الحديث عن أي عمل عسكري حالياً، في ظل ترقب نتائج اللقاءات”، التي لم يتم الكشف عن مواعيدها.
وذكرت مصادر مطلعة مقربة من “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الذراع السياسية لـ”قسد”، في حديث مع “العربي الجديد” أن موسكو “مارست، وما تزال، أقصى الضغوط على قوات قسد لتسليم مناطق تحت سيطرتها لقوات النظام، للحيلولة دون شن الجيش التركي عملا عسكريا ضد هذه القوات”. ولفتت إلى أن روسيا “تحاول استغلال الخوف الكردي من تقدم الجيش التركي للحصول على مكاسب للنظام على الأرض”. غير أن المصادر أكدت أنه “ليس في خطط قوات قسد تسليم أي مناطق تحت سيطرتها للنظام في المدى القريب على الأقل”. وأشارت إلى أن “الخطر التركي موجود بأي مكان تضمن فيه أنقرة صمت الروس والأميركيين”، مضيفة أن أنقرة لم تحصل على موافقة من موسكو وواشنطن لشن عمل عسكري جديد في شمال سورية.
وكان الجيش التركي قد شنّ ثلاث عمليات واسعة النطاق في شمال سورية. العملية الأولى كانت ضد تنظيم “داعش”، وبدأت في منتصف عام 2016 وانتهت مطلع عام 2017 بالسيطرة على مجمل ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي. والعملية الثانية كانت في مطلع عام 2018 ضد “الوحدات الكردية” في منطقة عفرين، في ريف حلب الشمالي الغربي، وانتهت بطرد “الوحدات” من المنطقة التي باتت تحت النفوذ التركي. وحصلت العملية الثالثة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد “قسد”، والتي انتهت سريعاً مع سيطرة الأتراك على شريط حدودي في شرق الفرات، بطول مائة كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً. ودفعت العملية الأخيرة “قسد” إلى إبرام اتفاق عسكري مع الجانب الروسي، للحيلولة دون توغل الجيش التركي بعيداً في شرق نهر الفرات، كان من شأنه إخراج هذه القوات من المشهد السوري. وبموجب الاتفاق، منحت “قسد” النظام السوري والجانب الروسي الحق في إدخال قوات إلى أماكن محددة في شرق نهر الفرات، وسمحت للروس بإنشاء أكثر من قاعدة عسكرية، ما جعل منهم لاعباً في المنطقة الغنية بالثروات.
وفي السياق، قال القيادي في مجلس منبج العسكري التابع لـ”قسد”، شرفان درويش، في حديث مع “العربي الجديد”، إن هناك “مركزاً للتنسيق” مع الجانب الروسي في الشمال السوري، لكنه أوضح أن “عملنا محصور بالاتفاق العسكري السابق”، مضيفاً: لا يوجد أي حديث بيننا (المجلس) وبين الجانب الروسي حول المواضيع المدنية والسياسية. وكانت القيادية في حزب “الاتحاد الديمقراطي”، إلهام أحمد، قد أجرت يوم الثلاثاء الماضي، مباحثات مع مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية في موسكو، حول الأوضاع في شمال سورية وشمال شرقها. ومن الواضح أن الحكومة التركية تراجعت خطوة إلى الوراء عن الوعيد بشن عمل عسكري في شمال سورية، لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية، إذ تشهد الليرة التركية تراجعاً مستمراً. وهو ما يؤكده المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث مع “العربي الجديد”. ويشير إلى أن الحكومة التركية “تريد حل الخلاف في ملف طائرات أف 35 مع الولايات المتحدة، واسترجاع 1.4 مليار دولار دفعتها أنقرة قبل أن تستبعدها واشنطن عن هذا البرنامج”. ويقول إن أنقرة تدرك أن أي عملية عسكرية في شمال سورية تدخل هذا الخلاف في طريق مسدود، وربما لا يعيد الأميركيون هذا المبلغ ويفرضون عقوبات جديدة على تركيا. ويضيف أن الاقتصاد التركي “يترنح حالياً، فالدولار تجاوز سقف الـ10 ليرات تركية في سوق الصرف”، معتبراً أن أي مغامرة غير محسوبة من الحكومة التركية في شمال سورية سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد التركي، لذلك لمسنا تراجعاً خلال الأيام الماضية من قبل وسائل الإعلام القريبة من الحكومة التركية عن الترويج لأي عمل عسكري في الشمال السوري.
—————————————–
هل بدأ العد العكسي لعودة النظام إلى شرق الفرات/ فؤاد عليكو
في واقع الأمر لم يكن النظام بعيداً يوماً عن المنطقة التي تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي(pyd) منذ بداية الثورة السورية، نتيجة التفاهمات التي حصلت بينهما آنذاك بتسليم المنطقة عسكرياً ل pyd ولم تنقطع الصلات والتنسيق بين الطرفين حتى الآن في العديد من المناطق، وخاصة في مدينتي الحسكة و القامشلي، وكذلك في منطقتي الشهباء ومنبج وبعض أحياء حلب.
كما أن حوار حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مع النظام لم يتوقف يوماً، رغم حصول بعض الحوادث العرضية التي كانت تحصل بين الطرفين هنا وهناك ، والتي غالباً ما كانت تعالج بودية وأحياناً بالاستعانة بالدخول الروسي على خط التهدئة.
لكن المشكلة كانت، ومازالت، تكمن في عدم استجابة النظام لمطالب pyd من حيث الاعتراف بالإدارة الذاتية القائمة منذ 2014، ولا يوجد لدى النظام استعداد أو تصور سوى الإصرار على تطبيق قانون الإدارة المحلية 107 وعودة المنطقة بكاملها لإدارة النظام، كما حصل في بقية المناطق السورية، و آخرها درعا.
الأمر الذي كان pyd يعلن رفضه له باستمرار، وهذا ما اعتبره النظام تنصلاً من اتفاقاته السابقة مع pyd في بداية الثورة السورية ورفع سقف مطالبه، مستقوياً بعلاقاته مع أمريكا منذ 2015.
اليوم، وبعد دخول عوامل جديدة على المشهد السوري، من بينها التهديدات التركية باجتياح بعض مناطق قسد عسكرياً على غرار ما حصل في عفرين وتل أبيض رأس العين/ سري كانييه ، وكذلك التصريحات الواضحة من قبل قائد حزب العمال الكردستاني pkk الفعلي “جميل بايق ” لجريدة النهار اللبنانية في 26/10 2021 وتأكيداته القوية على عمق العلاقة مع النظام السوري منذ ثمانينات القرن المنصرم وضرورة إزالة الاشكالات العالقة بين النظام وبين pyd ، وتدعمه في هذا التوجه روسيا، خاصة بعد لقاء رئيسة ” مسد إلهام أحمد مع القيادة الروسية مؤخراً في موسكو، والطلب منها بضرورة إجراء الحوار مع النظام، ونظراً لجدية التهديدات التركية واستغلال الروس لهذه الوضعية من أجل عودة النظام الى كامل منطقة سيطرة قسد.
و في ظل انتفاء الخيارات الأخرى ل pyd، لتجنب الدخول في حرب مع تركيا وسط صمت أمريكي واضح ، يفسر بأنه علامة الرضى في دعم هذا التوجه نحو التفاهم مع النظام، وبناءً عليه فإننا نجد تعالي تصريحات قادة الصف الأول من pyd بإبداء استعدادهم الكامل للحوار مع النظام دون شروط مسبقة، والاتفاق ليس في الجانب العسكري فقط وإنما الإداري والاقتصادي أيضاً، أي عودة النظام بالكامل إلى منطقة قسد كلها.
من الجدير ذكره لم يعتبر النظام يوماً هذه الجغرافية خارج سيطرته وكان يردد دوما بأن 90% من مساحة سوريا محررة، وهذا يعني شموله لمنطقة سيطرة قسد.
على ضوء ماتقدم نستطيع القول أن قسد في وضع لا يحسد عليه ويتحتم عليه، إما المواجهة مع تركيا أو الدخول في تفاهمات مع النظام، وهذا يعتبر الخيار المفضل لديهم حتى الآن، وإن أدى ذلك الى تقديم تنازلات كبيرة للنظام والقبول بعودة النظام “إداريا” على أن يكون هم المنفذون لقانون الإدارة المحلية 107 بدلا من البعثيين، كموظفين لدى النظام لا أكثر.
أما الروس فسوف يتعاملون مع قسد عسكرياً كما تعاملوا مع الفصائل العسكرية في درعا وغيرها لا أكثر (نموذج الفيلق الخامس) وهم بذلك العمل سوف يجنون مكاسب سياسية كبيرة على الصعيد الإقليمي والدولي من حيث تأهيل النظام وسيطرته على معظم الجغرافية السورية، وبالتالي سيصبح التصور الروسي لحل الأزمة السورية هو الحل الأمثل سواء في آستانا أو جنيف.
ولا أعتقد بأن امريكا غائبة عما يدور وما يحصل في الكواليس والعلن، لأن الاهتمام الأمريكي منصب منذ البداية على محاربة داعش وتحجيم دور إيران والحفاظ على أمن إسرائيل، وإذا ما قام الروس بهذه المهمات فإنها ستكون راضية في تسليم الملف السوري بالكامل لروسيا وسوف ينسحبون من سوريا بهدوء.
علماً أنهم لم يدخلوا يوما موضوع شرق الفرات وإدارة قسد أو pyd في صلب اهتمامتهم الاستراتيجية، ولم يعترفوا بالإدارة القائمة بقدر ما كان يتطلب ضرورة الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة أثناء تواجدهم ، وكان كلام الرئيس الأمريكي السابق ترامب 2019 واضحاً ومباشراً حين قال بأنهم يستخدمون قسد كجسم وظيفي لا أكثر في مقابل دعم مادي سخي ،ولم يلتزموا معهم بأي إتفاق من أجل حمايتهم.
——————————–
5 أسباب وراء القلق الإيراني/ شارل جبور
تتطوّر العلاقة الخليجية مع النظام السوري واستطراداً العربية، باتجاه التطبيع السياسي، في الوقت الذي تتدحرج فيه العلاقة بين الفريق الأول والنظام الإيراني وأذرعه باتجاه الأسوأ، فمن يجب ان يخشى على وضعه أكثر: القوى السيادية في لبنان أم «حزب الله»؟
نجحت طهران في إبقاء النظام السوري على قيد الحياة السياسية، من خلال انخراطها العسكري المباشر، دفاعاً عن استمراره في موقعه، حتى ولو خسر حكمه على مساحة الجغرافيا السورية، إنما الأساس كان الحؤول دون إسقاطه بالقوة، ولكنها فشلت طبعاً وغير قادرة حتماً على منحه شرعية عربية هو بأمسّ الحاجة إليها للعودة إلى الجامعة العربية، ولا شرعية دولية بطبيعة الحال تعيده إلى الأمم المتحدة.
فصحيح انّ النظام الإيراني حال دون سقوط النظام السوري، ولكن الأخير يريد الخروج من عزلته العربية والدولية، وخريطة طريق هذا الخروج خليجية بامتياز، وخلاف ذلك يبقى حاكماً على جزء من سوريا ومجرّداً من اي دور سياسي سوري وعربي ودولي، وليس بإمكانه ان يستمر خارج دائرة الدور والتأثير السياسيين.
والدور الإيراني في سوريا انتهى عملياً مع انتهاء العمليات العسكرية، واستمراره يندرج في سياق الحفاظ على نفوذه المباشر وليس بواسطة حليفه النظام السوري فقط، كما يندرج في إطار ربط تواجده العسكري بالتسوية السياسية التي يريد ان يكون جزءاً منها تجنّباً لأن يفقد لا فقط جهوده العسكرية والسياسية، إنما أيضاً سوريا كدولة استراتيجية له، تشكّل ممراً وجسراً لذراعه الأساسي في لبنان والمتمثِّل في «حزب الله» ودوره على خط الصراع العربي-الإسرائيلي.
وما حققته طهران، بالنسبة للنظام السوري، قد تحقّق من خلال استمراره في سدّة الحكم، ولكن دورها انتهى عند هذا الحدّ، ولم يعد باستطاعتها ان تقدِّم المزيد له، وهذا المزيد الذي يسعى إليه ويشكّل حاجة قصوى له، هو بيد أخصام طهران الخليجيين، وليس بإمكانه انتظار التسوية الدولية والأميركية تحديداً مع طهران لمعرفة مصيره واستعادة دوره، لأنّ مسار التسوية قد يطول وقد لا يصل أساساً إلى برّ الأمان، فضلاً عن خشيته من ان تتمّ اي تسوية على حسابه واستمراريته في موقعه، وبالتالي يريد الإسراع في ترتيب وضعه بمعزل عن مصير التسوية في المنطقة.
وبمعزل عن التحالف التاريخي بين النظامين الإيراني والسوري، وبمعزل عن المؤازرة الإيرانية العسكرية للنظام السوري التي أبقته في سدّة الحكم، إلّا انّ بشار الأسد يريد الخروج من ستاتيكو الحرب، لاستعادة شرعيته العربية أولاً والغربية لاحقاً، الأمر الذي لا يمكن ان يتحقّق لا عن طريق طهران ولا من خلال استمرار التصاقه بها، ما يعني انّ عليه الابتعاد عنها لإعادة تعويم وضعه السياسي.
واللافت انّ التطبيع الخليجي التدريجي مع النظام السوري يجري على وقع سخونة مع النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة، اي على قاعدة الفرز والتمييز بين الانفتاح على الأسد وإغلاق الأبواب أمام طهران، الأمر الذي يثير ريبة إيران وخشيتها للأسباب الآتية:
السبب الأول، كون الانفتاح على النظام السوري لا يتمّ عن طريقها ومن خلال التفاوض معها، خصوصاً انّها تعتبر انّه مع دورها بالحرب في سوريا أصبحت الورقة السورية في يدها على غرار ورقة «حزب الله» في لبنان والحوثي في اليمن وميليشياتها في العراق، وبالتالي لم تتوقّع ان تتجدّد المحاولات القديمة بإبعاد النظام السوري عنها.
السبب الثاني، كون التطبيع الخليجي مع النظام السوري سيجعله معطّلاً حتى إشعار آخر بالحدّ الأدنى، بفعل حاجته إلى هذا التطبيع، ومن دون إسقاط احتمال ان تفترق السياسات معه بالحدّ الأقصى، ويدخل في عملية تضييق على الجسر الممتد من طهران إلى بيروت، كأقساط عليه تسديدها إلى الدول الخليجية مقابل استعادته لشرعيته العربية.
السبب الثالث، كون الانفتاح الخليجي على النظام السوري يحصل في ذروة التصعيد معها ومع أذرعها في لبنان والعراق واليمن، وفي تصعيد يكاد يكون غير مسبوق وأشبه بحرب مفتوحة على شتى الاحتمالات ومن دون هوادة، في محاولة للحدّ من دورها بمعزل عن مفاوضاتها النووية.
السبب الرابع، كون التطبيع يحصل على وقع تنسيق ثلاثي روسي وإماراتي وإسرائيلي، وهنا بالذات مكمن الخطورة بالنسبة إلى طهران، باعتبار انّ دخول سوريا ضمن هذا المثلث يمكن ان يقودها او يجرّها إلى السلام مع إسرائيل، فيقع الفصل تماماً بينها وبين النظام السوري، ويُقطع جسرها مع بيروت، ويُصبح ذراعها في لبنان في حكم الساقط عسكرياً، ويضطر إلى الدخول في تسوية سياسية يسلِّم بموجبها سلاحه.
السبب الخامس، كون اي تطبيع محتمل يؤدي إلى خسارة إيران ورقة تفاوضية من أوراقها الأساسية، التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من أدوارها على مستوى المنطقة، فضلاً عن انعكاسات هذا التطبيع على أوراقها الأخرى، باعتبار انّ الجغرافيا السورية محورية لجهة الفصل مع لبنان من جهة، وضبط الحدود مع العراق من جهة أخرى. وفي اللحظة ذاتها التي يتراجع فيها النفوذ الإيراني في العراق، مقابل تقدُّم مشروع الدولة العراقية، وهذا ما أظهرته الانتخابات العراقية الأخيرة.
وإزاء كل ما تقدّم، فأنّ الخشية من التطبيع الخليجي مع النظام السوري هي إيرانية بامتياز، كونها تتمّ في لحظة صدام كبرى معها وبعيداً عن اي تفاوض او تنسيق بينها وبين العواصم الخليجية، ولا بل في ظلّ خطة واضحة هادفة إلى الفصل بين النظامين السوري والإيراني، والقطع بين بيروت وطهران.
وفي موازاة الجمود على خط التفاوض النووي الإيراني في ظل التشدُّد الأميركي معها، فإنّ المنطقة تتحرّك بوتيرة متسارعة، بدءاً من الأزمة اللبنانية التي أدخلت لبنان في شلل وجمود، من غير المعروف بعد كيفية تطوّر فصول التأزُّم وانعكاسه على الاستقرار، في ظل أزمة مالية مفتوحة على الأسوأ في ضوء غياب المعالجات الجدّية، بعدما عطّل «حزب الله» الحكومة، مروراً بالواقع العراقي على أثر محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وصولاً إلى التطبيع المحرج مع النظام السوري وانعكاسات تتويجه على واقع الدور الإيراني.
وكل هذه التطورات او الحراك الحاصل، وضع إيران في موقع الدفاع، بعدما كانت طويلاً في موقع الهجوم، وإذا بها تنتقل إلى تلقّي الضربات الواحدة تلو الأخرى، واستمرار هذا المسار يعني المزيد من التضييق عليها وانتزاع أوراق قوتها الواحدة تلو الأخرى أيضاً. وبالتالي، حيال هذا الحصار أو الإطباق الذي تتعرّض له في أكثر من جانب، فإنّ الأنظار تتركّز على ردّ فعلها وطبيعته، لأنّ استمرار الأمور على هذا المنوال يعني استمرارها في موقع الدفاع وتلقّي الضربات وعدّ الخسائر، الأمر الذي لا يمكنها تحمّله، كونه سيقود في نهاية المطاف إلى خسارة أوراقها والحدّ من دورها.
ولذلك، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستردّ عسكرياً وأمنياً، وأين، لأنّ ردودها السياسية التعطيلية انتفت ولم تعد تفعل فعلها، ولم يعد أمامها سوى استخدام العنف والقوة لفكّ الحصار عنها وعن أذرعها على امتداد المنطقة؟ وهل اللجوء إلى العنف أو الحرب يؤدي إلى إنقاذها وإعادة فتح المسارات أمامها، أم سيؤدي إلى مزيد من تعميق أزمتها؟
————————
الفساد وانتهاك السيادة.. تفاصيل الصدام بين الأسد وقائد فيلق القدس في سوريا
اعتبر المصدر أن هذا الإقصاء هو جزء من التوجه السلبي الذي يواجه التموضع الإيراني في سوريا وفي المنطقة بأكملها
علمت قناة “الحدث” من مصدر مطلع على التطورات والمستجدات في سوريا، أن مسؤولين رفيعي المستوى في النظام السوري، وعلى رأسهم بشار الأسد، كانوا وراء إقصاء قائد فيلق القدس في سوريا مصطفى جواد غفاري.
ووفق المصدر فإن قصر الرئاسة السورية لم يكن راضيًا عن تصرفات غفاري كممثل للقوات الإيرانية وميليشياتها في سوريا، بعد أشهر طويلة من خلافات حول نشاطات قائد الفيلق التي اعتبرت خرقا كبيرا للسيادة السورية على كافة المستويات.
تهريب البضائع
ويقول المصدر إن غفاري تجاوز الأعراف السورية وهرّب بضائع بهدف خلق “سوق سوداء”، ما يشكل تحديا ومنافسة للسوق السوري.
وأضاف المصدر لـ”الحدث” أن القوات الإيرانية في سوريا قامت مرارا باستغلال الموارد الطبيعية السورية من أجل مصالحها الشخصية، كما قامت بنهب مصادر اقتصادية والتهرب من دفع ضرائب للدولة السورية.
كما كشف المصدر أنه في أعقاب سلسلة من الأحداث وعلى خلفية الغارات المنسوبة لإسرائيل، اعترف غفاري بوجود عناصر وأسلحة إيرانية في المناطق التي حظر النظام السوري تموضعها فيها.
كما قام غفاري وخلافا للتعليمات بعدد من النشاطات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل كادت تؤدي إلى إدخال سوريا في حرب إقليمية غير مرغوب بها، من بينها مهاجمة أهداف أميركية في سوريا في العشرين من أكتوبر على يد ميليشيات مدعومة إيرانيًا.
واعتبر المصدر أن هذا الإقصاء هو جزء من التوجه السلبي الذي يواجه التموضع الإيراني في سوريا وفي المنطقة بأكملها.
واعتبر المصدر أن إقصاء مصطفى غفاري الذي يسير على خطى قاسم سليماني بإنشاء ميليشيا حزب الله السورية ضربة لرؤية وحلم سليماني في إقامة مجال بري بين إيران ولبنان.
————————–
وفد أميركي يلتقي “قسد” في سوريا: الأولوية لهزيمة لداعش
زار وفد من الخارجية الأميركية برئاسة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش، إلى جانب عدد من الدبلوماسيين والقادة العسكريين، مناطق في شمال شرقي سوريا، والتقى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.
وأكد الوفد الأميركي خلال الاجتماع الذي انعقد في مقر قيادة قسد في مدينة الحسكة السبت، “أهمية الحفاظ على اتفاقية خفض التصعيد ووقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا خصوصاً وسوريا بشكل عام، وكذلك “مواصلة الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش”، وفق بيان لقسد.
وأضاف البيان أن الطرفين بحثا “الصعوبات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها مناطق شمال وشرق سوريا وسبل زيادة تقديم الدعم الإنساني لها، بهدف تجاوز آثار الحرب وتمتين البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، بما يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار”.
وقالت وكالة “نورث برس” السورية إن الوفد الأميركي التقى عبدي وأيضاً رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد، والرئيسين المشتركين للمجلس التنفيذي ل”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا بيريفان خالد وعبد الحامد المهباش.
وأشارت الوكالة إلى أن الوفد أجرى اجتماعين منفصلين، الأول مع عبدي وأحمد، وناقشا ملفات عديدة حول العمل المشترك لمكافحة داعش والتهدئة وتثبيت الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى اتفاق خفض التصعيد واحترام وقف إطلاق النار. كما تباحثا في الانتهاكات التي تهدد الوضع الإنساني، وإعادة مواطني الدول التابعين للتنظيم وعائلاتهم الموجودة في شمال شرقي سوريا.
وأكد الوفد الأميركي لعبدي والمسؤولين، أولويات الرئيس الأميركي جو بايدن المتمثلة بالعمل على الملف السوري وخفض التصعيد والاهتمام بالجانب الإنساني في المنطقة.
وهذا أول ظهور لعبدي بعد انتشار شائعات عن تنحيته من منصبه، وتسليمه مهمة التنسيق سياسياً مع التحالف الدولي. وتأتي هذه الزيارة في وقت يجري فيه الحديث عن استعدادات تركيا لشن هجوم على مناطق قسد شمال شرقي سوريا.
وفي 10 تشرين الثاني/نوفمبر، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي إن شراكة الولايات المتحدة مع قسد تقتصر فقط على مكافحة تنظيم داعش. وأضاف خلال مؤتمر صحافي، أن هذه الشراكة مستمرة لأن هذا التهديد (داعش) ما زال مستمراً.
وجاءت تصريحات كيربي رداً على سؤال حول تصريحات مظلوم عبدي، خلال مقابلة أجراها مع موقع “المونيتور” الأميركي، بأن واشنطن أعطت ضمانات ضد عملية تركية محتملة في سوريا.
من جهة ثانية، كشفت الولايات المتحدة عن تقرير المفتش العام حول عملية “العزم الصلب”، التي يقوم بها التحالف الدولي ضد داعش في سوريا. وأشار التقرير إلى أن الأولوية هي لهزيمة التنظيم في شمال شرقي سوريا.
ويتضمن التقرير تفاصيل العمليات العسكرية التي تجريها واشنطن داخل سوريا بشكل منفرد أو مع شركائها المحليين، بالإضافة إلى عمليات “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”، المتعلقة بدعم عمليات التنمية ودعم الاستقرار في مناطق شمال شرقي سوريا. ويغطي التقرير الفترة بين 1 حزيران/أغسطس إلى 30 أيلول/سبتمبر عام 2021.
وقال التقرير إن الإدارة الأميركية واصلت إعطاء الأولوية للهزيمة الدائمة لداعش والحفاظ على وقف إطلاق النار، وتوفير المساعدات الإنسانية المنقذة لحياة المدنيين السوريين المحتاجين، وذلك بهدف تعزيز شروط الحل السياسي في سوريا، وفق قرارات الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن 2254.
وأوضح التقرير أنه لأغراض حماية عمليات “التحالف الدولي” في المنطقة، عملت الولايات المتحدة أيضاً على “مواجهة الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران ووكلاؤها وميليشياتها”.
وأشار التقرير إلى أن القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي واصلت العمل مع قسد، ومع قوات “مغاوير الثورة” في جنوب شرقي سوريا، قرب قاعدة التنف على الحدود السورية- العراقية والأردنية.
وقال التقرير إن عمليات العزم الصلب “واصلت دعم القوات السورية الشريكة من خلال توفير المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع، ودعم التكامل الاستخباراتي والعمليات المشتركة”، فضلاً عن “المساعدات المالية للجماعات والأفراد السوريين الذين تم فحصهم من خلال صندوق تدريب وتجهيز مكافحة تنظيم داعش”.
وذكر التقرير أن قوات التحالف الدولي لم تقُم بأي عمليات أحادية الجانب ضد داعش خلال الفترة التي غطاها التقرير، بل تمت جميع عمليات قوة المهام المشتركة في العزم الصلب بالشراكة مع الأطراف السورية الشريكة.
ونفذت قوة المهام المشتركة ثلاث غارات جوية في سوريا في شهر تموز/يوليو، ضد أهداف لداعش، بالتنسيق مع الأطراف الشريكة. وقامت قسد بتنفيذ 26 عملية، جميعها ضد أهداف داعش في سوريا، ركّزت على ضبط وسطاء بيع الأسلحة ومهربين يتبعون التنظيم.
—————————–
العاهل الأردني واللعب على الحبال الإقليميّة والدوليّة/ درويش خليفة
عمِل العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين خلال الأشهر القليلة الماضية على تحديث المنظومة السياسية لبلاده، بعد أن شكّل لجنة مؤلفة من 92 عضواً يمثّلون أطياف سياسية وفكرية مختلفة في خطوة إصلاحية لتطوير النظام المحلي وإعطاء الشباب والمرأة دور في إدارة البلاد.
لكن أن يفكر الملك الأردني بتحديث المنظومة العربية أو منطقة الهلال الخصيب، عبر إعادة تدوير رأس النظام السوري بشار الأسد، فإنّ هذا يتطلب إجماع غالبية السوريين، بما يتناسب مع مصالحهم وليس بحسب المصلحة الأردنية.
تمتدّ معاناة السوريين مع النظام حتى ما قبل 50 عاماً، تجرّعوا خلالها مرارة العيش في ظل حكم الأسد والطبقة المحيطة به، لكن العقد الماضي كان الأكثر دموية في تاريخ سوريا، إذ قتَل النظام وحلفاؤه ما لا يقلّ عن مليون شخص، وتسبب في إعاقات وإصابات لمئات الآلاف، وهجّر 13 مليوناً، مقسمين بين نازحين في الداخل ولاجئين في بلاد الشتات، وبالتالي؛ عندما تحضُر لغة الأرقام باللاشعور تتشكل عقبة أمام أي حل لا يتناسب مع حجم التضحيات السورية ولما خرج من أجله عموم السوريين.
في حقيقة الأمر، إنَّ الدول العربية تتصرّف كل منها وفق مصالحها، بعيداً عن آلية الدفاع المشترك، حيث يرى البعض أنَّ الأردن يغرّد خارج السرب بعد أن أمست إيران العدو الأول للعرب، وليس إسرائيل، كما كانت في العقود التي سبقت العقد الماضي.
ومن هذا المبدأ، نجد أنَّ الأردن أصبح محور القضية السورية، ويحاول لعب دور الوساطة بين قادة الدول والنظام السوري، في ظلّ الغياب الكامل للمعارضة السياسية السورية وبجميع أطيافها.
تساؤلات كثيرة تدور في أذهان شعوب المنطقة العربية، لاسيَّما بعد زيارة العاهل الأردني لواشنطن ولقائه بسيد البيت الأبيض، كأول زعيم عربي وشرق أوسطي، وأعقب ذلك بزيارة إلى موسكو لإبلاغ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بنتائج اجتماعه مع الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، إضافةً إلى ما حمله الملك الأردني في جعبته من مقترحات بشأن دول المنطقة المتعثرة نتيجة التدخل الإيراني في كلٍّ من العراق ولبنان وإظهار اهتمام أكبر بالقضية السورية، الأمر الذي أعاد منطقة الهلال الخصيب إلى عقود من التخلف والترهل الاقتصادي.
وفي مقابلته على قناة فرانس 24 أكّد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أنَّ الحل في سوريا سيكون سياسياً وفق قرار مجلس الأمن 2254، وبأنَّ المملكة الأردنية جزء من المجموعة العربية ولا يمكنها بمفردها اتخاذ قرار إعادة مقعد الجامعة العربية للنظام السوري. بيد أنَّ طرح الملك الأردني للوثيقة التي سربتها صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، مختلف تماماً عن طرح وزير خارجية بلاده.
وتقول الصحيفة إنّ الوثيقة المسماة “لا ورقة” تتضمن شرحاً للخطوات العربية للتطبيع مع النظام السوري وفق “خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011″، وتنصّ أيضاً على انسحاب القوات الأمريكية مع التحالف الدولي من شمال شرق سوريا، بما في ذلك قاعدة التنف، دون تحديد جدول زمني لإنجازها.
من يقرأ الوثيقة يتراءى له لوهلة، أنَّ الجزء الأول من الورقة أتى من موسكو، والجزء الثاني منها، كُتب بيد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.
كما يلاحِظ قارئ الوثيقة، مدى اهتمام الأردن اللامتناهي بـ”المصالح الشرعية لروسيا” كما نصّت في متنها.
في حقيقة الأمر، الوثيقة؛ عبارة عن استعراض للسنوات العشر الماضية وما شهدته من أحداث ومعاناة للشعب السوري، بالإضافة إلى ذكر أعداد اللاجئين والمصابين ونسبة السوريين الذي باتوا تحت خط الفقر، الأمر الذي يمكن لمبعوثٍ عربي أو أممي أنّ يقدمه وليس لدولة جارة ذاقت من الأسد جزءاً يسيراً مما ذاقه السوريون، عبر مرور حبوب الكبتاغون المخدرة من أراضيها باتجاه دول الخليج العربي وتهجير أهالي حوران الذين تربطهم صلة قرابة مع سكان المدن القريبة من الحدود السورية الأردنية.
ماذا يريد العاهل الأردني؟
من الواضح أنَّ الملك عبد لله يحاول أنّ يغطي على المشكلات الداخلية في بلاده، من خلال تبنّي حلّ لقضايا المنطقة، ولاسيَّما تلك التي تخصّ دول جواره وإشغال الأردنيين فيها، لصرف أنظارهم عن الاضطرابات داخل الأسرة الحاكمة حينما وضع الملك عبد الله أخاه غير الشقيق الأمير «حمزة بن الحسين» في الإقامة الجبرية، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، وعدم إيجاد بدائل لشح المياه ومواد الطاقة النظيفة، فضلاً عن الفضيحة المدوية بما يسمَّى “أوراق باندورا” التي كشفتها صحيفة ″واشنطن بوست″ المتعلّقة بالأرصدة البنكية وعقارات لحكام ومشاهير، بينهم الملك الأردني، الذي يملك عقارات تفوق قيمتها 100 مليون دولار، في وقتٍ يمر الأردن فيه بوضعٍ اقتصادي متهالك.
بشكل واضح، إنَّ الأردن ليس لديه رؤية متكاملة واستراتيجية لعلاقاته المستقبلية مع سوريا، بل إنَّ تحركاته الدبلوماسية تقتصر على ما يسمح به الضوء الأخضر الأمريكي، ثمَّ الدعم المادي العربي الذي يقيده قانون قيصر الصادر عن الكونغرس وبإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
قد يُعذر حلفاء النظام السوري على وقوفهم إلى جانبه، لأنهم قدموا الكثير في سبيل بقائه على رأس السلطة، من حيث المال والعتاد والأشخاص، لتحقيق مصالحهم على كافة الأصعدة، ولكن من غير المفهوم في الآونة الأخيرة؛ هو اصطفاف بعض القادة العرب مع بشار الأسد الذي لا يوفر فرصة للنّيل من هيبتهم وهو القاصر الذي لا يملك من أمره شيئاً.
—————————-
القوات الأمريكية “باقية”..أربعة مطالب لـ”مسد” خلال لقاء وفد أمريكي
عقد قياديون من “قوات سوريا الديمقراطية” ومسؤولون في “الإدارة الذاتية”، اجتماعين مع وفد من الخارجية الأمريكية، في ظل تطورات تشهدها مناطق شمال شرق سورية.
وترأس نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدني، إيثان غولديريتش، الوفد الأمريكي، الذي ضن عدداً من الدبلوماسيين والقادة العسكريين.
ولم تعلن “قسد” رسمياً عن مكان الاجتماع الذي عقد في مناطق شمال شرق سورية أمس، لكن يُعتقد أنه تم في إحدى القواعد الأمريكية.
وحسب الموقع الرسمي لـ”قسد” فإن الوفد الأمريكي عقد “اجتماعاً مطولاً” مع قائد “قسد”، مظلوم عبدي، وناقشا الأوضاع الأخيرة في المنطقة وسورية.
وأشار الموقع إلى أن “الوفد الأمريكي أكد على أهمية الحفاظ على اتفاقية خفض التصعيد، ووقف إطلاق النار في المنطقة وسورية بشكل عام”، إلى جانب المباحثات حول الصعوبات الأمنية والاقتصادية في شمال شرق سورية.
كما عقد الوفد الأمريكي اجتماعاً ثانياً مع رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، والرئيسين المشتركين للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بيريفان خالد وعبدالحامد المهباش.
وتقدم وفد “مسد” بعدة طلبات للوفد الأمريكي، حسب ما قالت بيريفان خالد لموقع “نورث برس”، كان أولها “مطالبة الولايات المتحدة بإبداء موقف تجاه التهديدات التركية ضد مناطق شمال شرقي سورية”.
وقالت خالد إن الوفد طالب “بتقديم الدعم والمساعدة لتجاوز الأزمات التي تمر بها المنطقة”، إلى جانب “نقص مخزون القمح وتأثيره على توفير مادة الخبز، وآلية جلب مستثمرين للمنطقة لإنعاشها اقتصادياً، وكيفية إعفائهم من عقوبات قيصر”.
كما طالب وفد “مسد” الوفد الأمريكي بالضغط من أجل “فتح معبر تل كوجر(اليعربية) مع العراق لضرورة وصول احتياجات السكان”، حسب قولها.
وتأتي زيارة الوفد الأمريكي في ظل ترقب تشهده المنطقة وسط تهديدات تركية متكررة بشن عملية عسكرية ضد “قسد” في المنطقة.
ولم يعرف بالتحديد المناطق التي قد تستهدفها العملية التركية المحتملة، لكن صحف مقربة من أنقرة كانت قد أشارت إلى أنها ستكون إن بدأت اتجاه اثنين من خمسة مواقع هي: “عين عيسى بريف الرقة، منبج بريف حلب، تل رفعت بريف حلب، عين العرب (كوباني)، تل تمر بريف الحسكة”.
من جهتها جددت الولايات المتحدة الأمريكية تأكيدها بإبقاء قواتها العسكرية في شرق سورية، بهدف محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفي منشور للسفارة الأمريكية في دمشق، عبر حسابها في “تويتر”، قالت إن “تنظيم داعش يشكل تهديداً مباشراً لكل من الشعب السوري ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”.
وأضافت “ستحافظ الولايات المتحدة على وجودها العسكري في سورية، لضمان القضاء على تهديد المجموعة الإرهابية. لا يستحق الشعب السوري والأمريكي أقل من ذلك”.
يشكل تنظيم داعش تهديداً مباشراً لكل من الشعب السوري ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. ستحافظ الولايات المتحدة على وجودنا العسكري في سوريا لضمان القضاء على تهديد المجموعة الإرهابية. لا يستحق الشعب السوري والأمريكي أقل من ذلك.
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) November 14, 2021
وتدعم واشنطن قوات “قسد” عسكرياً وتعتبرها شريكاً في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في حين تعتبرها تركيا امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة.
———————-
“كُرد سوريا” في “حضن الأسد”.. ماذا عن “الخيار البديل”؟/ إياد الجعفري
في الأسابيع القليلة الفائتة، أُسِيل الكثير من الحِبر في تحليل السيناريوهات والخيارات المتاحة أمام أكبر قوة كردية مهيمنة على المشهد بشمال شرق سوريا، ممثلةً بصورة رئيسية في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وسط تجدد الحديث عن مفاوضات مع النظام برعاية روسية، في ظل التلويح التركي بعملية عسكرية مرتقبة.
ومن بين جميع السيناريوهات والخيارات التي تناولها المحللون، يندر أن نجد من تطرق إلى خيار التفاهم مع “المجلس الوطني الكردي”، القوة الثانية الممثلة لكُرد سوريا، والتي تحظى بدعم من إقليم “كردستان العراق”، وتركيا، وتُعتبر شريكاً للمعارضة السورية عبر عضويتها في الائتلاف الوطني. كذلك يندر أن نجد من تطرق إلى خيار تعزيز الشراكة الكُردية – العربية في “شرق الفرات”، لتصبح أكثر تعبيراً عن مكونات المنطقة، بدلاً من حالة الهيمنة “الكُردية” التي تتسبّب بهشاشة المكوّن السياسي والإداري الذي يحكم المنطقة في مواجهة تحديات القوى الإقليمية المحيطة.
ويمكن فهم لماذا لا يتطرق معظم المحللين لهذين الخيارين، اللذين يمكن ضمهما في خيار واحد، يُختصر في تشكيل إدارة سياسية وعسكرية تمثّل جميع مكونات المنطقة، بصورة تجعلها أكثر قدرة على الحوار والتفاوض مع القوى الراغبة بالتهام وهضم “شرق الفرات”، وفي مقدمتها نظام الأسد، وروسيا وإيران.
إذ إنَّ تجربة أكثر من عامٍ ونصف من المفاوضات الشاقة المتقطعة بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والمجلس الوطني الكردي، آلت إلى الفشل الذريع، في الربيع الفائت. ويمكن إرجاع ذلك لسببين رئيسيين: الأول، رغبة المكوّن المهيمن في المنطقة – حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي- بالحفاظ على هيمنته؛ لذا رفض القبول بإدخال قوة “البيشمركة” المسلحة التابعة للـ “المجلس الوطني الكردي” إلى “شرق الفرات” لتشارك في حماية أمن المنطقة، رغم أن عناصر هذه القوة هم من أبناء المنطقة من الكُرد أساساً. أمَّا السبب الثاني: فيتعلق بهيمنة حزب العمال الكردستاني على قرار حزب الاتحاد الديمقراطي. وفيما ينفي قادة الاتحاد تبعيتهم لقادة حزب العمال القابعين في جبال قنديل بشمال العراق، تتوالى المؤشرات التي تؤكد بأن مصالح الكُرد غير السوريين تتقدم على مصالح نظرائهم السوريين في سياسات المكوّن المهيمن بشمال شرق سوريا.
وقد تكون مفاوضات التفاهم مع النظام أكبر الدلالات على ذلك. فالعداء لتركيا، والعلاقات التاريخية المميزة مع إيران وروسيا ونظام الأسد، التي ميّزت معظم سياسات حزب العمال الكردستاني، طوال عقود، تشكّل الإطار لاندفاع بعض قيادات “الاتحاد الديمقراطي” نحو خيار التفاهم مع النظام السوري، برعاية روسية، رغم أنهم يعلمون مخاطرَ هذا الخيار، وتداعياته المرجّحة على المدى البعيد، والتي تتمثل في خسارة جميع مكتسباتهم كقوة ذاتية مستقلة في شمال شرق سوريا، خصوصاً أنَّ تجربة التسويات في درعا ما تزال ماثلة للأذهان، تلك التجربة التي تمَّت برعاية روسية، وبضوء أخضر أمريكي، وقد آلت في نهاية المطاف إلى خسارة شبه تامة، لكلِّ مظاهر الإدارة الذاتية للشؤون المحلية في تلك المحافظة، لصالح هيمنة نظام الأسد التي تحمل طابعاً انتقامياً.
ورغم ذلك، نجد أبرز قياديي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، آلدار خليل، يغازل نظام الأسد ويغريه بالنفط، قبل أيام. فيما يتمنَّع النظام ويستمتع بلعبة ابتزاز الكُرد في مواجهة عمل عسكري تركي وشيك.
وفيما تتحدث مصادر إعلامية عن انقسام في أوساط قيادة “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، التي يشكّل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، عمودها الفقري، حيال كيفية التعامل مع التهديد العسكري التركي، بين تيارٍ يميل للنظام وإيران وروسيا، وآخر يميل للأمريكيين ولا يفضّل الارتماء في حضن الأسد، توحي المؤشرات الأولية الراهنة –إنْ صحَّت معلومات تلك المصادر- بأنَّ الغلبة هي للتيار الأول، الذي يمثّل فعليَّاً مصالح قيادات جبال قنديل –حزب العمال الكردستاني- أكثر ممَّا يمثل مصالح الكُرد السوريين. فأين مصلحة مختلف مكونات “شرق الفرات” من كُرد وعرب وآشوريين، في العودة إلى إدارة نظام الحكم الأسدي، الذي اختبرته تلك المكونات على مدى أربعة عقود، عانت خلالها من التهميش وتدني مستويات التنمية والاضطهاد العِرقي؟!
ومثلما حدث في ربيع عام 2019، حينما تكثفت المفاوضات بين “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، ونظام الأسد برعاية روسيَّة، بغية الوصول إلى تسويات بين الطرفين، وكانت في ظل مخاوف عند “الكُرد” من انسحاب أمريكي مفاجئ من سوريا في عهد إدارة دونالد ترامب، تتكرر التجربة اليوم. فحينما شعر “الاتحاد الديمقراطي الكردي” بأنّ الغطاء الأمريكي بات قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح لاغياً، كان خياره الأوحد، العودة إلى “حضن النظام”، مع رهانٍ على رعاية روسية قد تحميه من أشواك ذلك “الحضن”.
ورغم أنَّ الهامش الزمني المتاح سابقاً، وبرعاية أمريكية، للتفاوض مع باقي مكونات المنطقة، من عرب وكُرد، لتكوين قوة سياسية وعسكرية متينة، كان مطوّلاً، إلا أن “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، ماطل طوال أكثر من سنتين، ليجد نفسه مجدداً، قاب قوسين أو أدنى من خسارة الغطاء الأمريكي. فيما تريد واشنطن خروجاً لائقاً من سوريا يعفيها من تكرار المشهد الذي حدث في أفغانستان قبل بضعة أشهر، ويقيها من وصمة التخلي عن الحلفاء.
وبطبيعة الحال، قد يتجاوز “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، المحنة الحالية، عبر سيناريوهات من قبيل الابتعاد عن الحدود التركية لصالح نظام الأسد وروسيا، كما يُشاع، وينجو مؤقتاً من خسارة هيمنته على المنطقة. لكنَّ النهاية المحتملة بشدَّة لتجربة الحكم “الكُردي” في تلك المنطقة، ستكون بالاضمحلال لصالح نظام الأسد بضغط من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة هناك، في نهاية المطاف.
ما سبق يخلص بنا إلى نتيجة مفادها: حينما تكون النخبة الحاكمة قد وصلت إلى السلطة وفق مبدأ الغلبة، نجدها في ظل التحديات الكبرى مستعدة للتضحية بمصالح من يجب أن تمثلهم، لصالح مصالحها أو تحالفاتها التي كانت قد ساعدتها في الوصول إلى ما هي عليه. حتى لو كان ذلك يعني، في معظم الأحيان، المخاطرة بالذهاب بعيداً إلى خيار “انتحاري”، بدلاً من تقديم بعض التنازلات لصالح الشركاء في الوطن، في خيارٍ أكثر أمناً وديمومة. هذا ما يذهب باتجاهه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بدفعٍ من قيادته “القنديلية”، على المدى البعيد. على غرار ما قام به نظام الأسد حينما قرَّر رهن البلاد برمتها لخيار الخراب والتدمير وسيطرة القوى الخارجية، فقط، كي لا يُقدّم تنازلات لشركائه في الوطن.
————————————-
بينما يتم الحديث عن عملية تركية في سورية..هل تقوم روسيا بـ”العملية” الحقيقية؟/ سرهات إركمن
ما هو التصور الروسي المستقبلي بشأن “حزب الاتحاد الديمقراطي”؟ هل اتفقت روسيا والولايات المتحدة بهذا الخصوص؟ ما مدى اقتراب “حزب الاتحاد الديمقراطي” والنظام من الاتفاق؟ ما هو نطاق العملية العسكرية الجديدة التي يمكن أن تقوم بها تركيا في سورية؟
منذ أسابيع انتشر خبر على وسائل التواصل الاجتماعي حول بدء تركيا عملية عسكرية جديدة في سورية، حيث اعتمدت بعض التقارير والاخبار حول هذه العملية المتوقعة على “الجيش السوري الحر”، وبعضها يستند على التحركات التي قامت بها القوات المسلحة التركية عبر المناطق الحدودية أو داخل سورية، وبعضها يعتمد مصادر لم يتم ذكرها.
هنا يمكننا إجراء المقارنة التالية لهذه العملية:
عندما يتم عرض الاسلحة بشكل متكرر في فيلم ما، فستنفجر أو تستخدم هذه الأسلحة بالتأكيد، لكن ماركة البندقية أو قُطر الرصاصة لا تُحدد من سيقوم بإطلاق النار، أو على من وكيف، أو متى سيتم إطلاق النار، لهذا السبب، لا يمكن لعملية التعبئة التي لا يُعرف نطاقها، سواء أكانت الغاية منها إمداد أو تعزيزات، أن تُظهر ما هو المسار الأكثر احتمالاً للعملية وحتى تحديد توقيتها؛ عموماً، وانطلاقاً من أن الحرب هي فن المفاجأة، فإن المناطق التي تتركز فيها التحركات العسكرية لا تعكس بالضرورة أين ستكون ساحة المعركة بالكامل.
لذلك، من أجل فهم التطورات في شمال سورية، ولفهم توقيت ونطاق العملية العسكرية المحتملة، لابّد من فهم التوازنات العامة، والتي سألخصها في جملة واحدة:
“نعم؛ لقد ظهر في الأفق بوادر عملية عسكرية جديدة في سورية، لكن نطاق ونتائج هذه العملية قد لا يكون كما كنا نعتقد”. لذلك، لا يشير عنوان هذا المقال إلى التطورات اللحظية في الساحة، بل يشير إلى تغيير له الكثير من الأهمية.
التوازنات في شمال سورية:
التوازنات في شمال سورية أكثر تعقيدًا مما تبدو، وهناك اعتقاد عام بأنها تقوم على ركيزة ثلاثية الابعاد وهي: “إدارة روسية -إيرانية لدمشق؛ الولايات المتحدة وPYD/PKK؛ الجيش السوري الحر والجماعات الأخرى المناهضة للنظام التي تدعمها تركيا”، وذلك بالرغم من أن وجود إيران في سورية كان مستهدفاً من قبل جميع الجهات الفاعلة الأخرى لبعض الوقت، وكذلك ملف “الجيش السوري الحر” مليء بقصص الإنشقاق، وكما أنه لا تقتصر محاولات إدارة أو توجيه PYD/PKK على الولايات المتحدة وحدها، حتى أن تحركات روسيا وخاصة في الفترة الماضية كانت كالذي يرمي الحجارة على الولايات المتحدة، وعليه تعتمد العملية المحتملة في شمال سورية على الاخذ بعين الاعتبار كل هذه التوازنات، ومع ذلك، فإن العامل الأخير هو ما يحدد بشكل مباشر مجال العملية المحتملة، ويستحق البحث والتدقيق الشامل.
ماذا تريد روسيا من حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”؟
بالرغم من أن موقف روسيا من “حزب الاتحاد الديمقراطي” معقد للغاية، إلا أن موسكو تستخدم “حزب الاتحاد الديمقراطي” بشكل فعّال للغاية للحصول على ما تريد.
فحسب رؤية روسيا؛ السبيل إلى إنهاء وضع “بشار الأسد” المثير للجدل على الساحة الدولية هو إعادته إلى “المجتمع الدولي” كـ “قائد منتصر” ورئيس دولة “قمع تمرد”.
منذ “أكتوبر” 2015 أحرزت روسيا تقدماً كبيراً في سعيها لتحقيق هذا الهدف، فبعد أن كان “الأسد” يواجه صعوبات في السيطرة حتى على دمشق، فهو الآن يسيطر على ثُلثي البلاد، والثلث المتبقي بيد “الجيش السوري الحر”، والجماعات المتطرفة(الراديكالية)، وحزب الاتحاد الديمقراطي” PYD”.
منذ سنتين وروسيا تقوم بخطوات تهدف لضّم المنطقة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” إلى سيطرة النظام، لأنه إذا أضيفت المناطق التي يسيطر عليها “PYD”إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام سيتحقق ما يلي:
1- يسيطر “الأسد” على أكثر من 85 بالمائة من البلاد.
2- تعود الموارد النفطية اللازمة لإنعاش الاقتصاد السوري المنهك، والواقعة حالياً تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، لسيطرة النظام.
3- دمج القوى الكردية في النظام السوري، من خلال حل سياسي (حكم ذاتي) في سورية سيجعل النظام مقبولاً للدول الغربية.
4- سيكون النظام في وضع يسمح له باستخدام كل قوته ضد المعارضة، (في الواقع، لن يكون من الخطأ التفكير بأن حزب الاتحاد الديمقراطي يستطيع أن يلعب دوراً طوعياً في عملية عسكرية ضد المعارضة مقابل تنازلات معينة).
أدوات روسيا:
حسناً، كيف يمكن لروسيا أن تحقق هدفها المتمثل في ضم “حزب الاتحاد الديمقراطي” المنضوي تحت رعاية الولايات المتحدة إلى النظام؟
تستخدم موسكو أداتان أساسيتان لهذا الغرض:
الأولى: القوة العسكرية: تتقدم روسيا خطوة بخطوة شرق الفرات -الذي تعتبره الولايات المتحدة مجال نفوذها في سوري- حيث تعمل روسيا بقوتها العسكرية على سد الثغرات التي خلفتها الولايات المتحدة، منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019.
بدأت هذه الخطوات بتسيير دوريات روسية على الطريق السريع M4 شمال الرقة، وثم تم الحصول على مواقع لها بفضل نقاط التفتيش التي أقامها النظام على طريق M4 وحوله، وايضاً تم بناء قواعدها الخاصة في مناطق القواعد التي أخلتها الولايات المتحدة في أواخر عام 2019 ، وبذلك تمكنت روسيا من التقدم في المناطق التي أخلتها الولايات المتحدة في تلك المنطقة. ولكن، خلال الفترة الماضية لم تكن الجهود الروسية لدمج “حزب الاتحاد الديمقراطي” في النظام في الأساس تتم بخطوات عسكرية، بل كانت تتم بخطوات سياسية.
مفاوضات بين روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”:
وهذا يقودنا إلى الأداة الثانية: الدبلوماسية والمفاوضات السياسية:
من المعروف أن المحادثات بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” كانت تجري تحت إشراف روسيا منذ فترة طويلة، خاصة عندما بدأ يسود اعتقاد لدى جناح داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي” بأن حماية الولايات المتحدة الأمريكية غير كافية، ليقود هذا الجناح المفاوضات مع النظام، وخاصة قبل عملية “نبع السلام” التركية في عام 2019. ونتذكر ما حدث بعد ذلك، حين رفع “حزب الاتحاد الديمقراطي” أعلام النظام في بعض المناطق لوقف تقدم تركيا؛ وانسحبت عناصرهم من بعض المناطق، لتدخل قوات النظام إلى بعض المناطق شمال “منبج” و”الرقة” دون إطلاق رصاصة واحدة، ومنذ ذلك الوقت، تسارعت حدة التنافس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على “حزب الاتحاد الديمقراطي”.
ولكن، نقل روسيا لقوات “النظام السوري” إلى مناطق يُخليها “حزب الاتحاد الديمقراطي” ليس وضعاً جديداً، فنحن نتذكر، وجود دور كبير لروسيا في مناطق شمال سورية التي نفذت فيها تركيا وأنهت ثلاثة عمليات عسكرية.
فحينما تقدمت قوات “الجيش السوري الحر” المدعومة من تركيا إلى الشرق من “الباب” في عملية “درع الفرات”، أوقفت روسيا “الجيش السوري الحر” في “تادف” ثم أجبرته على الانسحاب، وأنشأت منطقة عازلة بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”الجيش السوري الحر”، وذلك بعدما تم إدخال قوات “النظام” هناك.
وفي حالة مماثلة ايضاً منعت روسيا الدخول الى “تل رفعت” في عملية “غصن الزيتون” وكررت نفس ما فعلته في عملية “درع الفرات”، ومنذ ذلك الحين، أصبحت “تل رفعت” تحت سيطرة روسيا والجماعات المدعومة من النظام وإيران، ولا تزال “وحدات حماية الشعب” موجودة في ظلها. وأخيراً، كانت روسيا هي التي حددت طريق M4، وأثرت على رسم الحدود النهائية في منطقة عملية “نبع السلام” ووضعت النظام عند تقاطعات “عين عيسى وتل تمر”.
لكن لماذا؟
تعرف روسيا بأن الهزيمة الكاملة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” على يدّ القوات المسلحة التركية ستؤدي إلى تقوية “الجيش السوري الحر” وقوات المعارضة الأخرى وبالتالي السيطرة على منطقة أكبر بكثير في شمال سورية، ولهذا السبب كانت روسيا تعمل دائماً على إضعاف “حزب الاتحاد الديمقراطي” لتجاوز ما يمنع خطوتها النهائية، فكان لابد من تآكل قوة “حزب الاتحاد الديمقراطي” حتى يمكن فصله عن الولايات المتحدة قدر الإمكان، ليصبح هيكلاً يُمكن أن يتصالح مع النظام.
وتم الوصول إلى هذا الهدف تقريباً.
جهود الولايات المتحدة الاميركية لإضفاء الطابع السوري على “حزب الاتحاد الديمقراطي”:
حسنًا، لماذا مازلنا نتحدث عن العلاقة بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” والولايات المتحدة الامريكية؟
دعونا نتعمق أكثر في المسألة، لا شك في أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” هو جزء من “حزب العمال الكردستاني”، حتى أن “جميل بايك” -وهو الزعيم الفعلي لمنظمة “حزب العمال الكردستاني الإرهابية”- قد قال مؤخراً، أن أعضاء “حزب العمال الكردستاني” لعبوا دوراً نشطاً للغاية في تأسيس “حزب الاتحاد الديمقراطي”.
ونتيجة الرفض التركي للهيكلية التي تحاول الولايات المتحدة الامريكية إقامتها في شرق الفرات، أُجبرتْ أمريكا على البدء في محاولات للعمل على ما يمكننا تسميته بـ ” سُورنة حزب الاتحاد الديمقراطي “، وعليه ذلك يعني انفصال “حزب الاتحاد الديمقراطي” عن “حزب العمال الكردستاني”.
لذا وكجزء من الخطة سيبقى المسلحون السوريون في “حزب الاتحاد الديمقراطي” ممن لم ينضموا إلى “حزب العمال الكردستاني”، وفي الجزء الآخر من الخطة ولأسباب تتعلق بالسياق العراقي، انطلق ما يسمى بـ”عملية تصفية الفريق القديم” القادم من العراق داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وذلك من خلال وضع مكافأة على رؤوس بعض قادة “حزب العمال الكردستاني”، مما قد يعني -بطريقة ما- أن الولايات المتحدة الامريكية أعلنت بأن الوقت قد حان لتصفية “حزب العمال الكردستاني القديم”.
بالإضافة لذلك، شرعت في عملية حوار تضم أحزاباً كردية سورية أخرى غير “حزب الاتحاد الديمقراطي”، لكنها فشلت في الوصل الى هدفها في الخطوتين كلاهما.
تم تقويض عملية الحوار بين الجماعات الكردية في شباط 2020 والتي تقودها الولايات المتحدة بقوة من قبل أحد أشهر ممثلي الجناح الذي تدعمه أمريكا في سورية داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وذلك عندما تم وصف الجناح الذي أرُيد تصفيته “روج بيشمركة” – المؤلف من أكراد سوريين من غير جماعة “حزب الاتحاد الديمقراطي” التي فرت إلى شمال العراق- بأنهم “مرتزقة”، فكان هناك خلاف كبير بين “الزعيم المزعوم” لـ”وحدات حماية الشعب”، “فرحات عبدي” (المعروف باسم مظلوم عبدي)، والأحزاب الأخرى المدعومة من “الحزب الديمقراطي الكردستاني”. لكن اتضح أنه؛ في اليوم الذي قيلت فيه الكلمات التي أثارت التوتر، تم عقد اجتماع بين وفد من “حزب الاتحاد الديمقراطي”- والذي تهيمن عليه المجموعة التي يراد تصفيتها- مع النظام في دمشق.
جهود تصفية حزب “الاتحاد الديمقراطي” وحزب العمال الكردستاني”:
ظهر الصراع بين قادة حزب “العمال الكردستاني” في قنديل والقيادة الجديدة التي تحاول البروز في سورية، وذلك بعدما تضافرت جهود الولايات المتحدة الامريكية ومحاولاتها استخلاص لاعب سياسي جديد من حزب “الاتحاد الديمقراطي” ودخول روسيا شرق الفرات.
فمثلاً انتقد قادة “التنظيم الإرهابي” في “قنديل” علناً زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي” في العام 2020، واستمرت الخلافات الداخلية تحت الرماد طوال عام 2021. ولكن، كان انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من أفغانستان نقطة تحول حاسمة لتبدأ روسيا في زيادة ثقلها مستغلة قلق حزب “الاتحاد الديمقراطي” الناجم عن هذا الانسحاب.
وفي بداية شهر أيلول (سبتمبر) 2021 أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستأنف عملية الحوار بين الأكراد، محاولة أن تُوحي بأنها لم تتخل عن سورية، ولكن ما حدث كانت المحطة الأولى لوفد حزب “الاتحاد الديمقراطي” هي موسكو، قبل التوجه إلى واشنطن في 15أيلول (سبتمبر).
بمعنى أخر، كان وفد “حزب الاتحاد الديمقراطي” يُجري محادثات في موسكو خلال الأيام التي قصفت فيها القوات الجوية الروسية إدلب أكثر من غيرها، بعدها ذهب الوفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومكث هناك لفترة طويلة. لكن مستوى الاستقبال هناك لم يقترب من مستوى الاستقبال في موسكو.
هل تغادر الولايات المتحدة الاميركية مناطق “حزب الاتحاد الديمقراطي” تدريجياً؟
في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر)، تغيّرت أجندتنا بشأن سورية فجأة، فبينما كان اهتمامنا منصباً على إدلب وعلى نتائج الاجتماع بين الرئيس “رجب طيب أردوغان” والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بدأ الحديث عن عملية تركيا ضد “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وليست العملية الروسية في إدلب في شمال سورية، بانتظار العملية التركية طوال شهر تشرين الأول (أكتوبر)، بعبارة ” هل حدثت، هل ستحدث …؟”، أعتقد أن التطور الحقيقي حدث بطريقة مختلفة تماماً.
بالنسبة للمهتمين بالموضوع، يرجى ملاحظة ما يلي: المقابلة التي أجراها “جميل بايك”، الزعيم الفعلي “للمنظمة الإرهابية”، مع وكالة أجنبية في 26 تشرين الأول/أكتوبر، تشير إلى أن فترة حرجة قد بدأت، لأنه قال في مقابلته تلك، إن “حزب العمال الكردستاني لا يمثل إشكالية تاريخية مع عائلة الأسد والإدارة السورية”، ويرى “بايك” أنه يمكن حل المشكلة في سورية من خلال نموذج إداري مستقل (استقلال ذاتي).
علاوة على ذلك، فإنه يحدد الاستقلال الذاتي فقط في القضايا الثقافية أو التعليمية.
هل لاحظتم مدى قرب مقترحات “بايك” من مقترحات النظام أو روسيا لحل القضية الكردية في سورية في السنوات القليلة الماضية؟.
كما هبطت 12 طائرة حربية روسية “الأكثر تقدماً” في مطار القامشلي، وذلك بعد يومين من تصريحات “بايك” العلنية بأنه يمكن للنظام و”حزب العمال الكردستاني” أن يتوصلا إلى اتفاق، وبأن “حزب الاتحاد الديمقراطي” سيقبل بالحكم الذاتي (28 تشرين الأول/ أكتوبر). ونحن نتناقش “هل هبطت الطائرات، أم هل بقيت هناك؟” في حين أعلن النظام أنه سيجري مناورة عسكرية مع روسيا في شمال الرقة في نفس اليوم، وبأن الطائرات وصلت هناك لهذا الغرض.
أين تتم المناورات؟ بين كتلة جبل “عبد العزيز” وقرية في جنوب “تل تمر”، أي أنها في المنطقة الواقعة بين طريق M4 والرقة. “حسناً، وما الخطأ في ذلك؟”. تستطيع أن تسألني. دعني أوضح لك ما هو، قيل إن المجال الجوي لشرق الفرات وخاصة هذه المنطقة كان تحت سيطرة الولايات المتحدة، وبذلك تفسّر هذا المناورة إما أن يكون هناك اتفاقاً ما بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الانتقال التدريجي للمنطقة، أو أن روسيا قد ضيقت نطاق نفوذ الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يبدو أن روسيا هي المحاور والفاعل الرئيسي لأي عملية عسكرية ليس فقط في غرب الفرات، بل وفي شرقه ايضاً.
بقي القليل، ولكن الأمر لم ينتهي بعد.
بعد أيام قليلة من المناورات، في 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، رئيس “حركة المجتمع الديمقراطي”(TEVDEM)..(على الرغم من أنها منظمة تبدو كمنظمة غير حكومية في المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، وأداة التأثير السياسي الرئيسية لحزب العمال الكردستاني في سورية)، قال إنه “لا داعي للذهاب إلى جنيف للتوصل إلى اتفاق مع النظام، وأن الحل يمكن أن يتحقق داخل سورية من خلال المحادثات المباشرة مع دمشق”. ولسبب ما، في نفس اليوم، أعلن السفير الروسي في العراق انهم غير موافقين على عملية عسكرية من قبل تركيا، مثير للإعجاب! اليس كذلك؟ وكأنه لا وجود لآلية مشتركة بين تركيا وروسيا فيما يتعلق بسورية، وننتظر سماع هذه الكلمات من السفير الروسي في العراق.
ما مدى اقتراب حزب الاتحاد الديمقراطي من عقد اتفاق مع النظام؟
لاحقاً، في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، ألقى أحد الرؤساء المشاركين المزعومين للنظام الإداري الذي أسسهُ “حزب الاتحاد الديمقراطي” في سورية كلمة تحدث فيها عن أهمية الاتفاق مع النظام. وفي اليوم نفسه أفادت وكالة أنباء في شمال العراق، أن “مظلوم عبدي” استقال من منصبه كرئيس لـ YPG واستُبدل بـ “محمود رش/MAHMUT “REŞ من فريق قنديل والمقرب من إيران.
في وقت من الاوقات، كان يُعتقد أن هذا الامر جديد، ولكني أعتقد أنه هنا تم تخطي تفاصيل مهمة للغاية. أولاً: كان “مظلوم عبدي” قال لأول مرة في ديسمبر 2020 بـ” إنه سيترك منصبه الحالي” حتى أنه كتب في تلك الأيام أن الاسم الذي سيحل محله هو “محمود رش”. وثانياً: لم يتم تأكيد هذا الخبر بعد، حتى أن “مظلوم عبدي” أعلن أنه مستمر في أداء واجباته.
في نهاية المطاف، الآن على الطاولة:
أرُسلت رسائل تقرب الى النظام ضمن أجندة أعلنها فريق “قنديل” داخل حزب “الاتحاد الديمقراطي”، حيث صرح زعيم “وحدات حماية الشعب” – والذي كان يُزعم بأن لديه مشكلة مع قنديل لفترة طويلة- بقوله “لقد انتهت الحرب؛ سأخلع زيي الرسمي وسأدخل السياسة وأتخلى عن واجباتي العسكرية”، يبدو أنه يفعل ذلك رغم إرادته ولم يعد قادراً على التحكم في الهيكلية، لأنه غير مدرك ماهي إرادة الولايات المتحدة الأمريكية.
سيناريو مستقبلي: ولكن هل ذلك حقيقي؟
أنا لا أعتقد ذلك. الأكثر قرباً من المنطق هو أن نرى انتشار شائعة مفادها أن “مظلوم عبدي” “سيخلع زيه العسكري ويدخل السياسة” كخطوة لقيادة “إدارة ذاتية” في سورية والتي سيتم إنشاؤها بالاتفاق بين “النظام” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”.
حتى يحصل كل طرف على ما يريد؛ النظام يسيطر على 85٪ من البلاد، القوى الكردية تندمج في النظام؛ تحوّل روسيا “وحدات حماية الشعب” إلى مجموعة “ميليشيا” مرتبطة بها مباشرةً كما فعلت مع بعض مجموعات “الجيش السوري الحر” السابقة في جنوب سورية؛ ويصبح الشخص الأقرب للولايات المتحدة الاميركية رئيس الإدارة الذاتية “بهويته السياسية”. وكل ذلك بينما نحن نناقش في أية قرية او مدينة ستجري عملية عسكرية.
علينا أن لا ننسى؛ أنه لطالما كان مصير جميع المناطق في شمال سورية مترابطاً ببعضه، فالتغيير سواء كان صغيراً او كبيراً في المناطق هناك يجلب معه تغييراً جديداً، عندما بدأت عملية “درع الفرات” في أغسطس 2016، خسرت المعارضة حلب في ديسمبر 2016، وانتهت عملية “درع الفرات” في فبراير 2017. بدأت عملية للنظام وروسيا ضد منطقة “أبو الظهور” والتي تعتبر أولى العمليات في إدلب منتصف كانون الأول 2017 وانتهت بفترة وجيزة. ثم بدأت عملية غصن الزيتون في كانون الثاني 2018، بينما بدأت عملية “نبع السلام” في تشرين الأول 2019م وانتهت في وقت قصير، ليتم بعدها الضغط على زر عملية “إدلب الكبرى” للنظام في تشرين الثاني 2019. وهنا أنا لا اقول أن هذه العمليات تمت بالاتفاق المتبادل، لكن الواقع يؤكد أن جميع العمليات التي تتم في تواريخ متتالية تُظهر بوضوح أن هناك علاقة بين هذه التحركات.
كما قلت في البداية. تقييم العملية التركية المحتملة في شمال سورية يجب أن يتم ضمن هذه التطورات والتوازنات. روسيا بدأت العمل بجدية لدمج “حزب الاتحاد الديمقراطي” في النظام، فإذا نجحت في تحقيق ذلك، فإن احتمال إجراء عملية عسكرية ما سيكون منخفضاً.
ومع ذلك، إذا فشلت تحركات روسيا في شمال سورية وفشلت محاولاتها تلك بطريقة ما، فإن الخطوة الوحيدة التي سيتم اتخاذها لمحاسبة “حزب الاتحاد الديمقراطي” على هذا الفشل هي إظهار أن تركيا لن توضع على دكة الاحتياط في عملية عسكرية.
ما سيحدث بعد ذلك يبقى موضوع منفصلاً للنقاش، وبناء على الأمثلة المذكورة أعلاه، التي تظهر كيف نُفذت كل العمليات بشكل تسلسلي، فمن المحتمل أن تُنفذ عملية في جنوب إدلب.
لربما أُسيء فهم ما يحدث تماماً، ولكن مع وجود كل هذه المعلومات، إن كان يوجد لدى احدكم تفسير منطقي أكثر، فأنا مستعد للاستماع.
– (نُشر هذا المقال لأول مرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. على موقع FİKİR TURU باللغة التركية)
– ترجمهُ لـ”السورية.نت”: نادر الخليل
المصدر
Fkir turu
سرهات إركمن
دكتور محاضر بقسم الأمن الدولي والإرهاب في أكاديمية قوات الدرك وخفر السواحل في تركيا. باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الأوروبية الآسيوية (ASAM)، ومركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط (ORSAM)
———————————-
=====================
تحديث 29 تشرين الثاني 2021
———————–
«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية لمفاوضات سورية ـ كردية/ إبراهيم حميدي
تتناول مستقبل «قسد» و«الإدارة الذاتية» والثروات الاستراتيجية
تشجيع الحوار بين دمشق والقامشلي، نقطة ثانية يتوافق عليها الأميركيون والروس، إضافة إلى بند إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ما يرجح عقد جولة تفاوضية جديدة بين الأكراد والحكومة السورية، بعد زيارة وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية» الكردي – العربي برئاسة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، وبعد لقاء مبعوثي الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف في 10 من الشهر الجاري.
هذه الجولة، التي تجري بـ«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية وسط توقعات مختلفة من دمشق والقامشلي وموسكو إزاء مستقبل الوجود العسكري الأميركي، يتوقع أن تتناول قضايا كبرى مثل مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية»، وأخرى عملياتية تخص المساعدات والخدمات، والانتشار العسكري لـ«ردع» بشأن توغل تركي جديد.
خلفية المفاوضات
جرت جولات تفاوضية عدة بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووفود كردية، بينها وفد سياسي برئاسة إلهام أحمد وعضوية سيهانوك ديبو، ووفد عسكري ضم قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أو قائد «وحدات حماية الشعب» سيبان حمو، في نهاية 2016 و2017، وفي 26 يوليو (تموز) 2018 و8 أغسطس (آب) 2018، وأكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبعد قرار الرئيس دونالد ترمب سحب قواته من قسم شرق الفرات، وتوغل تركيا بين رأس العين وتل أبيض، زار حمو القاعدة الروسية في حميميم، ثم دمشق، والتقى بحضور قادة في الجيش الروسي مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع العماد علي أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما زار حمو العاصمة الروسية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتقى وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ورئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان سيرغي رودسكوي.
وسلم الوفد الكردي الجانب الروسي مبادرة تضمنت 11 بنداً، 6 منها تلبي مطالب دمشق، وهي أن «سوريا دولة موحدة، والاعتراف بحدودها الدولية وأنها دولة مركزية وعاصمتها دمشق»، وأن «الرئيس المنتخب، أي الرئيس بشار الأسد، هو رئيس كل السوريين»، وأن «الثروات الطبيعية هي ثروة وطنية لكل السوريين». وتناول البند الرابع الاعتراف بـ«السياسة العامة للبلاد المسجلة في الدستور»، والخامس الاعتراف بـ«علم واحد» للبلاد، وهو العلم الرسمي للجمهورية العربية السورية بموجب الأمم المتحدة، إضافة إلى بند سادس يقر بـوجود «جيش واحد» للدولة.
كما تضمنت المبادرة 5 بنود «تلبي مطالب الجانب الكردي»، أولها إلغاء «قانون الطوارئ» بموجب تعديل الدستور، وإصلاح دستوري يؤدي إلى دستور توافقي، وقانون أحزاب وقضاء نزيه ومستقل، و«الاعتراف بالإدارة الذاتية» شمال شرقي البلاد، و«إلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكردي»، وتجاوز «الإجراءات الظالمة»، وبينها الإحصاء الاستثنائي للعام 1962 وحرمان آلاف من الجنسية، إضافة إلى إلغاء «الضغط الأمني» ضد الأكراد. وتضمن البند الرابع «اعتراف الدولة المركزية بالأكراد مكوناً رئيسياً من مكونات الشعب السوري» مثل باقي المكونات، إضافة إلى بند خامس نص على «تحديد المالية – الموازنة لكل المناطق، بما فيها المناطق الكردية».
واستند الموقف الكردي إلى «أدوات ضغط»، بينها وجود الجيش الأميركي، وسيطرة حوالي مائة ألف مقاتل من «قوات سوريا الديقراطية» على ثلث البلاد (المساحة الإجمالية 185 ألف كلم مربع) ومعظم الثروات الاستراتيجية من نفط وغاز ومياه وزراعة شرق الفرات، إضافة إلى دعم روسي ظهرت معالمه في تسليم وزارة الدفاع مسودة دستور للأطراف السورية في 2017، نصت على «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان، فيما اعتبر قبولاً للإدارة الذاتية واللامركزية في سوريا.
يضاف إلى ذلك أنه بعد قرار ترمب في نهاية 2019، وقع عبدي وسبان ومملوك مذكرة تفاهم تضمنت نشر قوات من الجيش وحرس الحدود في مناطق عدة على الحدود وشرق الفرات، وهي المنطقة التي تقلصت حصة الأكراد وأميركا فيها لصالح توسع حصص دمشق وأنقرة وموسكو.
فجوة عميقة
أظهرت المفاوضات الكردية – السورية عمق الفجوة بين الطرفين. ذلك أن دمشق ترفض ضم «قوات سوريا الديمقراطية» ككتلة عسكرية في الجيش، وتقترح حلها وذوبانها في الجيش، كما أنها تتمسك برفع العلم الرسمي في كل أنحاء البلاد، وبأن الأسد هو الرئيس السوري، إضافة إلى رفض «تقديم تنازلات دستورية» للأكراد أو الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، مع استعداد لقبول مبدأ الإدارات المحلية بموجب القانون 107 وتخصيص حصص مدرسية للغة الكردية.
أما بالنسبة إلى الثروات الاستراتيجية الموجودة شرق الفرات، فإن دمشق تريد أن يكون قرارها مركزياً، مع إعطاء حصة أكبر من عائداتها للمنطقة. يضاف ضمناً إلى ذلك أن دمشق تريد أن يكون الحوار مع الجانب الكردي باعتباره طرفاً وليس الطرف الوحيد الذي يمثل الأكراد.
وإزاء التشدد السياسي الاستراتيجي، هناك مرونة في دمشق في الوصول إلى صفقات عملياتية، إذ لم تمنع التوصل إلى اتفاقات وصفقات مثل تمرير نفط خام إلى مصفاة حمص أو بانياس لتكريره وإعادة جزء منه، أو تشغيل سدود للطاقة وللمياه، واتفاقات اقتصادية تخص المحاصيل الرئيسية.
من جهتها، بقيت «الإدارة الذاتية» تراهن على الجانب الروسي. وفي صيف العام الماضي، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين «مجلس سوريا الديمقراطية»، برئاسة إلهام أحمد و«حزب الإرادة الشعبية»، بقيادة قدري جميل. وفسر مراقبون أكراد المذكرة بأنها تضمنت الاعتراف بـ«وحدة سوريا أرضاً وشعباً»، وأن «الإدارة الذاتية جزء من النظام الإداري»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» جزء من جيش سوريا الوطني.
وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أبدى «استعداد بلاده لمواصلة العمل من أجل تهيئة ظروف ملائمة للتعايش المنسجم والتقدم لكل المكونات الدينية والعرقية في المجتمع السوري». كما أكد أن «الوثيقة» التي لم تكن روسيا «طرفاً فيها»، ووقعت في موسكو «أكدت الالتزام بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية». لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفضها، وقال رداً على هذه المذكرة إن «أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري لا ندعمه». وكانت دمشق رفضت «مسودة روسية» للدستور تضمنت تأسيس «جمعية مناطق» يشارك فيها الأكراد.
جولة جديدة
منذ لقاء القمة بين بوتين وبايدن في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الماضي، عقدت ثلاث جولات غير علنية بين مبعوثي الرئيسين في سويسرا. وتمثل الهدف الرئيسي في الاتفاق على تمديد قرار دولي للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط» في بداية يوليو الماضي. لكن، في هذه المنصة ومنصات أخرى، كان بينها زيارات بواسطة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، تجددت الدعوات إلى استئناف الحوار بين دمشق والقامشلي. وأظهرت هذه المناقشات أن هناك رغبة روسية – أميركية باستئناف الحوار السوري – الكردي، بحيث تشجع واشنطن الأكراد على ذلك بـ«رعاية» روسية. وهناك قناعة واسعة بأن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك من أكثر المتحمسين لذلك.
وهناك مستويان للجولة الجديدة من المفاوضات بين دمشق والقامشلي:
– مستوى عملياتي، مثل تشغيل معبر اليعربية على حدود العراق، بإدارة سورية – كردية، لإيصال المساعدات الإنسانية، وتنسيق ميداني عسكري بما يحول دون توغل تركي إضافي، باعتبار أن عدم حصول ذلك هو نقطة تفاهم أميركية – روسية حالياً، إضافة إلى صفقات خدمية واقتصادية لصالح الطرفين.
– مستوى سياسي، يخص نقاطاً رئيسية تتعلق بمستقبل «الإدارة الذاتية» وعلاقتها مع الدولة المركزية، و«قوات سوريا الديمقراطية» ودورها في الجيش، والقومية الكردية حيث لاتزال الفجوة كبيرة حولها، مع جسر الفجوة إزاء قضايا أخرى مثل وجود العلم السوري والرئيس السوري والموقف من الأكراد عموماً.
ولا شك أن النظرة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي من جهة والتفاهمات الأميركية – الروسية من جهة ثانية والتفاهمات التركية – الروسية – الأميركية، تخيم على الموقف التفاوضي لكل من دمشق والقامشلي.
الشرق الأوسط
—————————–
تعديل عقوبات “قيصر”..جزء من صفقة أميركية مع روسيا/ مصطفى محمد
دفع التعديل الأخير لقانون “قيصر” وتوسيع الاستثناءات الممنوحة من قبل وزارة الخزانة الأميركية للمنظمات غير الحكومية في سوريا، والسماح لها بالتعامل مع شخصيات ومؤسسات في النظام، إلى حراك في صفوف المنظمات السورية العاملة في الولايات المتحدة.
ورغم استخدام الخزانة الأميركية للاعتبارات “الإنسانية” مسوغاً لقرار منح الإعفاءات، يعتقد طيف من السوريين أن الخطوة الأميركية تنذر بتحولات غير مسبوقة، عنوانها اتباع واشنطن لسياسة إرخاء الحبل اقتصادياً للنظام السوري.
ونظراً لذلك، فإن هذه “التحولات” تتطلب متابعة حثيثة من المنظمات التي لديها قنوات مع الإدارة الأميركية، وعن ذلك أكد المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية (منظمة أميركية غير حكومية)، معاذ مصطفى، أن المنظمة حذرت وزارة الخزانة من أن يستخدم النظام الإعفاء لصالحه “رغم أهمية الخطوة وضرورتها لعمل المنظمات الإغاثية داخل سوريا”.
وحول طبيعة الرد الأميركي على التحذيرات، وصف مصطفى في حديثه ل”المدن”، الرد الذي تلقته المنظمة من الخزانة والكونغرس ب”الإيجابي” وخصوصاً أن قرار الخزانة أكد على استمرار الإدارة في تركيزها على ردع الأنشطة الخبيثة للنظام، لكنه قال: “مع ذلك يجب العمل مع الأصدقاء في الكونغرس، لمنع ما يبدو تراخياً في تطبيق العقوبات مع بداية العام الجديد 2022”.
وما يثير مخاوفه بشكل محدود، هو عدم وضوح موقف بعض أعضاء فريق إدارة بايدين في “مجلس الأمن القومي” الأميركي، ومنهم منسق الشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، ومديرة ملف سوريا والعراق زهرة بيل، من مستقبل العقوبات على النظام السوري.
وكانت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة أندريا جاكي قد أكدت أن الحكومة الأميركية تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، بهدف التخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي لا يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا. وتابعت أن “الولايات المتحدة تواصل التركيز على ردع الأنشطة الخبيثة لبشار الأسد ونظامه وأعوانه وداعميه الأجانب”.
وعلى الصعيد ذاته، وضع أيمن عبد النور مدير منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، المنظمة التي شاركت في تأسيس “التحالف الأميركي من أجل سوريا” في تشرين الثاني/أكتوبر 2021، قرار وزارة الخزانة الأخير، في إطار تنفيذ الالتزامات التي تم التوافق عليها أميركياً مع روسيا قبل تمديد آلية إدخال المساعدات لسوريا عبر الحدود، في تموز/يوليو الماضي.
وأشار في حديث ل”المدن”، إلى اقتراب موعد نقاش تجديد آلية إدخال المساعدات (6 شهور)، ويقول: “لذلك سمحت واشنطن للمنظمات غير الربحية (منظمات المجتمع المدني) بالعمل مع جهات تابعة للنظام في بعض القضايا المتعلقة بالثقافة والعمل الإنساني”.
ممثل الائتلاف في واشنطن قتيبة إدلبي قال ل”المدن”، إن الغرض الرئيسي من التعديل الأخير، هو تسهيل عمل المنظمات الإغاثية، بحيث يتم دحض ادعاء أن العقوبات الأميركية تمنع تلك المنظمات من عملها. وأضاف أن التوسيع ضمن للمنظمات أن تعمل بأريحية في كافة المناطق السورية، وخصوصاً في مجال التعاملات المالية مع البنوك والحوالات المالية من المنظمات.
وأكد إدلبي أن القرار الأخير كان محط توافق لتسهيل العمل الإنساني، وهذه الخطوة جاءت نتيجة نقاش دائر حول العقوبات منذ تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بادين للبيت الأبيض.
وتسمح الإعفاءات الجديدة للمنظمات غير الحكومية بشراء المنتجات البترولية المكررة ذات المنشأ السوري لاستخدامها في سوريا، وبعض المعاملات مع عناصر من حكومة النظام، وسبقها بأيام السماح من وزارة الخزانة كذلك لمنظمات المجتمع المدني بإجراء أنشطة ومعاملات تتعلق بالاستقرار والتعافي المبكر في سوريا.
وفي حزيران/يونيو 2021، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية أيضاً إعفاءات من العقوبات للنظام السوري لمواجهة فيروس “كورونا” شملت شركتين سوريتين، وأعطت كذلك الضوء الأخضر لممارسة الأنشطة المتعلقة بالتصدير أو إعادة التصدير أو البيع أو الاستيراد، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سوريا، للخدمات التي تتعلق بالوقاية أو التشخيص أو علاج الفيروس”.
—————–
في تعامل الروس مع القوى الكردية/ عمر كوش
يدرك الساسة الروس الموقف الضعيف لحزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والمدنية، ممثلة بوحدات حماية الشعب عماد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة الذاتية ومعها مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وغيره، وذلك بالنظر إلى المستجدات والتطورات التي حصلت مؤخراً مع تزايد الحديث عن انسحاب عسكري أميركي محتمل من سوريا، وتهديدات تركيا المتكررة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، فضلاً عن نظام الأسد الذي يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على المنطقة، وعن النقمة المتزايدة للعشائر العربية على سلطة الأمر الواقع في مناطق الجزيرة السورية، التي باتت تعرف باسم مناطق شرق الفرات.
وعلى أساس الموقف الضعيف والخيارات المحدودة يجري الساسة الروس اتصالاتهم ومفاوضاتهم مع الإدارة الذاتية، التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منذ عدة سنوات في مناطق شمال شرقي سوريا، بمشاركة رمزية لبعض الحلفاء المحليين من عشائر عربية وقوى سريانية وآشورية وسواها من القوى التي لا وزن لها ولا تأثير على الأرض.
وعلى أساس الموقف نفسه تعامل الروس مع وفد الإدارة الذاتية الذي زار موسكو مؤخراً، ومع جميع مخرجات قوى الأمر الواقع الكردية في مناطق شرق الفرات، وذلك من أجل إيجاد تسوية أو “مصالحة” يعيدون فيها ترتيب علاقة تلك القوى مع نظام الأسد، وفي إطار ما يردده قادة الكرملين عن “ضرورة المحافظة على وحدة واستقلال سوريا، أرضاً وشعباً”، التي يرفعونها شعاراً أو يافطة بوجه القوى المتدخلة الأخرى في القضية السورية، كي يحافظوا على كونهم القوة الوحيدة التي لها حق التدخل في كل ما يعني سوريا، أرضاً وشعباً، بوصفهم يمثلون قوة الاحتلال الأقوى فيها.
ويجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه، اليوم، مضطراً للتحاور مع النظام برعاية روسية، ومتخلياً عن شعاراته وطموحاته السابقة، التي أوهم بها الأكراد السوريين، وكانت مجسدة في أطروحات مثل إقليم روج آفا وشعب غرب كردستان والفيدرالية، وبات يتودد نظام الأسد، ويكتفي في القبول بتشكيل لجنة لدراسة قانون الإدارة المحلية، والنظر في مصير ميليشياته المسلحة التي يسميها “وحدات حماية الشعب” وسوى ذلك.
ولا يتردد المسؤولون الروس عن الكشف أن مسؤولين أكراداً، في حزب الاتحاد الديمقراطي وسواه، هم من طلبوا منهم المساعدة والتوسط في إقامة جسور مع نظام الأسد، وأن تواصلهم مع جميع الهياكل الكردية، يهدف إلى اطلاعها على مواقف موسكو، والطلب منها بأن تبدي استقلاليتها عن أجندة ومواقف الولايات المتحدة في سوريا، واستعدادها للانخراط في حل كل المسائل والقضايا العالقة مع نظام الأسد، والذي يرونه في الاتفاق والتفاهم مع النظام على تشكيل لجنة خاصة، لمناقشة قانون الإدارة المحلية، والهيكلية الإدارية في المناطق الشمالية والشرقية، “وإعادة تأهيل اقتصادها ومجالها الاجتماعي وعودة اللاجئين والنازحين وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها”.
ولم تنقطع علاقات واتصالات حزب الاتحاد الديمقراطي، ومعه الإدارة الذاتية، مع نظام الأسد خلال السنوات الماضية، كما أن النظام لم يتوقف عن مطالبة هذا الحزب ومخرجاته العسكرية والمدنية بإرجاع الدين الذي قدمه لهم من قبل، لذلك لا يعترف بالإدارة الذاتية بوصفها كياناً منفصلاً عنه، ولا يتقبل واقع التغيير الذي حصل في كامل الأرض السورية بعد عام 2011، وما يزال يتمسك بالعقلية نفسها التي أدت إلى تغيير الأوضاع بشكل كارثي بالبلاد، الأمر الذي يفسر عدم محاورة النظام بشكل جدي مع أي من الأطراف السورية، وليس فقط الإدارة الذاتية.
وبالرغم من خوض القوى السياسية والعسكرية الكردية، الحاكمة في شرق الفرات، حوارات مع نظام الأسد، فضلاً عن حفاظها لوجود عسكري وأمني وإداري له في القامشلي والحسكة، إلا أن النظام ما يزال يصر على إعادة الأمور إلى سابق عهدها قبل الثورة السورية، بالرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والسياسية وقفت ضد الثورة وناسها، ولاحقت ناشطيها، ومالت إلى مواقف النظام، لكن كل ذلك لم يشفع لها عند النظام الأسدي.
ويبدو أن تلك القوى الكردية المسيطرة تتوهم بأنها يمكن أن تلعب على وتر وجود فروقات وتباينات بين مواقف نظام الأسد ومواقف الروس الذين أكدوا مراراً على استعدادهم لمواصلة الجهود كي يساعدوا، حسبما كرره بيان الخارجية الروسية مؤخراً، “في توصل السوريين إلى اتفاقات بمختلف الصيغ من أجل استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا بالكامل بأسرع ما يمكن، وضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية والدينية في البلاد”.
ولا شك في أن التركيز على استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا، يعني أن ذلك لا يتم، بالنسبة إلى الروس، إلا عبر عقد مصالحة في مناطق سيطرة القوى الكردية على غرار مصالحة درعا والمنطقة الجنوبية التي جرت مؤخراً، والتي أفضت إلى عودتها لحضن نظام الأسد. كما أن وحدة الأرض السورية يريدها الساسة الروس أن تكون كاملة تحت نير حكم النظام، أما الحديث عن ضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية في سوريا، فالأمر لا يتعدى في قناعتهم عن جملة من الحقوق الثقافية واللغوية، وربما الإدارية، لكن لن يصل إلى الحقوق القومية والسياسية، التي يطرحها قادة القوى السياسية الكردية المسيطرة على مناطق في شرق الفرات في شعاراتهم.
وتظهر النوايا الروسية حيال مناطق شرق الفرات من خلال طرحهم المتكرر لمقترح يقضي بدخول عناصر من الشرطة الروسية و3 آلاف من جنود وضباط قوات النظام إلى عين العرب/ كوباني، والذريعة هي “حمايتها من خطر الغزو التركي الذي لا يزال قائماً وداهماً”. وهو أمر يدرك الجميع بأنه لو تحقق سيفضي إلى تكرار سيناريو مصالحات مناطق درعا وسواها.
والمفترض أنه لا يخفى على القوى الكردية أن استراتيجية روسيا في مناطق شرق الفرات، لا تخدم مصلحة السوريين بتاتاً، لا كردهم ولا عربهم ولا أي مكون آخر، كونها لا تخرج عن مقتضيات الصراع على الشمال السوري، وتنطلق من السعي إلى توسيع نفوذها في كامل الأرض السورية، وحثّ تلك القوى ومخرجاتها على التحاور مع النظام بغية التوصل معه إلى اتفاق مصالحة أو تسوية، تفضي إلى عودة أجهزته الأمنية إلى المنطقة وانتشار قواته على الحدود مع تركيا، إلى جانب عودة جميع المنشآت النفطية والمرافق الإدارية والحيوية الأخرى إلى سيطرته، وبناء تفاهمات معه حول مستقبل الإدارة الذاتية كإدارة محلية، ودمج مقاتلي سوريا الديمقراطية في جيش النظام أو فيلق روسي جديد.
تلفزيون سوريا
—————————–
=====================