الناس

جرائم الحرب السورية التي تحاكَم في ألمانيا: هل تضيع العدالة في الترجمة؟/ شارلوت بايلي

ترجمة أحمد عيشة

في الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن يتلو قاض ألماني الحكم في محاكمة تاريخية: المحاكمة الأولى التي تسعى لإدانة أعضاء حكومة بشار الأسد بارتكابها جرائم حرب. لكن كثيرًا من المتفرجين/ المتطلعين سوف يستمعون لأكثر من مجرد عبا

رة “مذنب” أو “غير مذنب”. وسوف يلاحظون أيضًا الكلمات، أهي مترجمة إلى العربية أم لا، لذا فإن ملايين من السوريين الذين تأثروا بالصراع، وربما القلّة في قاعة المحكمة، يستطيعون استيعاب تأثير هذه اللحظة استيعابًا كاملًا.

من خلال التركيز على اللغة، فإن الناشطين والمحامين والصحفيين -وكذلك صانعو المحتوى (بودكاست) المسمى الفرع 251 الذي يبث تحديثات وتحليلات باللغتين الإنكليزية والعربية منذ بدء المحاكمة في نيسان/ أبريل 2020- يُبرزون مشكلة عانتها الإجراءات منذ فترة طويلة في جميع أنحاء العالم، من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) إلى محاكم مخصصة في أماكن مثل رواندا ويوغوسلافيا السابقة: وعندما تحدث العدالة بعيدًا عن المكان الذي ارتكبت فيه الجرائم، أو بلغة غير اللغة التي يتحدث بها الضحايا، فإنها كثيرًا ما تفشل في أن تشمل الأشخاص الذين يُفترض أنها تخدمهم.

في الجدل القانوني، يُسمى هذا “فجوة التواصل”، وهي ليست مجرد مفهوم تجريدي في قضايا مثل قضية أنور رسلان، ضابط الأمن السوري السابق الذي يُحاكم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في محكمة إقليمية صغيرة في بلدة كوبلنز، جنوب غرب ألمانيا. والواقع أن الخبراء يقولون إن فجوة أكبر مما ينبغي قد تخلّف عواقب مهمة على الحياة الحقيقية: فقد تمنع الشهود أو المتهمون الرئيسون من التقدم إلى الأمام، وقد يؤدي فراغ المعلومات إلى انتشار المعلومات المضللة، أو المعلومات المضللة المتعمدة، وهي سمة شبه دائمة من سمات الحرب السورية.

ولهذا السبب، شرعت بعض المحاكم، ومن ضمنها المحكمة الجنائية الدولية، في توسيع نطاق عملها باستخدام الترجمة والنشرات الصحفية، والمقاطع الهزلية والمسرح، والعمل مع الصحفيين المحليين. عندما يتم ذلك بشكل جيد، يقول المؤيدون إن هذا النوع من النهج يدمج ردود فعل المجتمع المحلي في عمل المحاكم، ويسمح للأشخاص المتضررين بأن يشعروا بأنهم جزءٌ من العملية.

لكنّ مهمة نقل المعلومات إلى الجمهور المتأثر مباشرة بالمحاكمات كثيرًا ما تُترَك لفئات المجتمع المدني. وفي حالة كوبلنز، من هذا الفئات مؤسسي بودكاست 251، المسمّى على اسم مركز الاعتقال سيئ السمعة، المتهم رسلان بإدارته خلال المدة (2011-2012).

قبل انشقاق رسلان للمعارضة، وهروبه في نهاية المطاف إلى ألمانيا، تقول لائحة الاتهام إن أربعة آلاف شخص تعرضوا “للتعذيب المنهجي والوحشي”، في الفرع 251. وقد أدين بالفعل متهم ثان، منشق ثانٍ، هو إياد غريب، وحوكم بتهمة مساعدة رسلان، وحكم عليه بالسجن لمدة أربعة أعوام ونصف.

لم يكن من الممكن إجراء محاكمة ترسي السوابق في كوبلنز -بدلًا من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أو في محكمة إقليمية في الشرق الأوسط- لأن ألمانيا تتبع مبدأ قانونيًا يُسمّى الولاية القضائية العالمية. ويذهب هذا إلى أن بعض الجرائم الخطيرة تُعدّ جرائم خطيرة جدًا ضد الإنسانية نفسها، وبذلك يمكن، نظريًا، مقاضاتها في أي مكان. وكان الاستخدام الأول (وما تزال مستمرة حتى الآن) للولاية القضائية العالمية هو اعتقال أوغستو بينوشيه، دكتاتور تشيلي، في لندن في عام 1998، الذي اتهمته محكمة إسبانية بارتكاب تجاوزات في بلده الأصلي.

ما هي الولاية القضائية العالمية؟

أصبحت الولاية القضائية العالمية السلاح المختار للجهود الرامية إلى تحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة في سورية، لأن إنشاء محكمة مخصصة مماثلة للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة يتطلب قرارًا من مجلس الأمن. وبما أنّ سورية ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية، فإنّ الإحالة إلى لاهاي سيتعين عليها أيضًا أن تمرّ عبر مجلس الأمن. وهذا ما لم يكن بسبب حليف الأسد، روسيا، العضو الدائم في المجلس.

وعلى الرغم من أن بينوشيه لم يُحاكم قط، فإن اعتقاله ما يزال أفضل استخدام معروف لهذا المبدأ. وحديثًا، في حزيران/ يونيو من هذا العام، حكمت محكمة سويسرية على قائد المتمردين الليبريين، أليو كوسياه، بالسجن 20 عامًا، بعد أن أدانته بارتكاب جرائم حرب خلال التسعينيات. وقد فرّ كوسياه إلى سويسرا قبل اعتقاله في عام 2014، وفي عام 2011، سنّت البلاد قانونًا جديدًا يسمح بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في أي مكان.

تتعاون الآن شبكة من الناشطين السوريين، والجماعات الحقوقية الدولية، والمدّعين العامين الوطنيين في مختلف أنحاء أوروبا، ومن ضمن ذلك فرنسا، وألمانيا، وهولندا، والنرويج، وإسبانيا، وسويسرا، لتعزيز الولاية القضائية العالمية في محاكمة أخطر مجرمي الصراع السوري.

توفر الولاية القضائية العالمية طريقة لمعالجة الإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة، عندما لا تفعل المحاكم الأخرى ذلك أو لا تستطيع ذلك، ويكتسب الضغط لاستخدامها في الجرائم المرتكبة في سورية -معظمها في المحاكم الأوروبية- قوة: في تموز/ يوليو، اتّهم المدعي الفيدرالي طبيبًا عسكريًا سوريًا يعيش الآن في ألمانيا، بتعذيب معارضي الأسد.

هذا يجعل الجهود لوصول السوريين إلى العدالة وإشراكهم فيها، بخصوص بلدهم، أكثر إلحاحًا. من وجهة نظر صانعي (بودكاست) في الفرع 251، فهم يقومون ببث المعلومات، ويغيرون أيضًا إجابة السؤال الذي يبرز باستمرار في المناقشات حول التواصل (أو عدم وجوده) في المحاكمات الدولية، التي يكون لها أحيانًا ميزانيات كبيرة، وغالبًا ما تكون دعاية باللغة الإنجليزية: لمن العدالة حقًا؟

تأمُل نور حمادة، أحد منتجي محتوى الفرع 251، التي تعيش في الولايات المتحدة، ولكن لديها عائلة في سورية، أن يمنح (بودكاست) السوريين شيئًا من التشارك في تجربة حول بلدهم، على الرغم من أنها تجري في محكمة أوروبية صغيرة، وفي الغالب بلغة أجنبية.

وقالت حمادة لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian): “المحكمة نفسها هي ألمانية محض، ولا تأخذ المحاكمة في الحسبان حقًا أنها جزء من السياق الأكبر [للحرب السورية]”، وتابعت: “إنها ضد المسؤولين السوريين، ولها تأثير أكبر بكثير خارج ألمانيا… ولكن يبدو أن المحكمة لا تستوعب ذلك حقًا. أعتقد أنه نتيجة لذلك، لا يشعر كثير من السوريين بالضرورة أن المحاكمة تخصّهم”.

لماذا الترجمة مهمّة

في حين أشاد الناشطون منذ فترة طويلة بمحاكمة كوبلنز، بكونها علامة بارزة في الحرب لأجل السوريين الذين تضرروا بسبب الحرب، فإن تأثيرها لم يكن بالضرورة بالقوة نفسها في سورية، أو بين (6,6) مليون سوري من اللاجئين أو طالبي اللجوء.

لاحظنا منذ البداية أنها مشكلة آسر خطاب، الصحفي السوري المقيم في باريس، الذي فرّ من بلاده منذ الأعوام الأولى من الحرب، والذي استضاف النسخة العربية من الفصل الثاني من الفرع 251.

“لقد أدهشني أنه في كل مرة أتحدث فيها إلى شخص داخل البلد -وغالبًا السوريون خارج البلد- لم يكن أي منهم تقريبًا يعرف أن هناك محاكمة تحدث في كوبلنز”.

هذه الفجوة هي بالضبط ما جعله يريد أن يكون جزءًا من (بودكاست). عندما سمع عنه، فكّر: “هذا عظيم، إنه مجاني، ويمكن الوصول إليه، وهو باللغة العربية”.

بودكاست الفرع 251، لم يؤسسه شخص سوري بل أسسه فريتز سترييف، وهو محام في قضايا حقوق الإنسان، يقيم في باريس، وهو مولع بـ (بودكاست) وصرّح بأهمية المحاكمة في وقت مبكر، وشعر بأن مزيدًا من الناس يجب أن يعرفوا عنه.

كان أول موسم له باللغة الإنجليزية فقط، يشغله بالمجان، ويموّل من قبل الجهات المانحة الخاصة. وبحلول الموسم الثاني، كان (بودكاست) قد حصل على تمويل من وزارة الخارجية الألمانية، التي قدمت ما يكفي من المال لتوظيف أشخاص مثل حماده وخطيب، ولإصدار نسخة منفصلة باللغة العربية. الموسم الثالث انطلق في أواخر آب/ أغسطس.

لكن (بودكاست) -الذي يضمّ ما يقرب من 70 ألف عملية تنزيل/ تحميل (downloads)، من ضمنها، على حدّ قول المنتجين، أقل من 200 عملية تحميل من داخل سورية فقط- لا يستطيع أن يفعل الكثير، وقد تعرضت محكمة كوبلنز للانتقاد، بسبب افتقارها إلى التواصل مع المجتمعات السورية، وخاصة فشلها في تقديم الترجمة العربية المنتظمة. وكما قال المؤسس، سترييف: “كنا نظن أننا سنكون جزءًا من التوعية والتواصل، ولم نكن نظن أننا سنكون كلّها”.

 وعندما بدأت المحاكمة (التي تجري بالألمانية) لم تكن الترجمة العربية المتزامنة متاحة إلا للمتهمين والمدعين عبر سماعات الرأس، وجميعهم سوريون. وفي أعقاب الدعوة من مختلف المجموعات، تسمح المحكمة الآن لبعض الصحفيين المعتمدين مسبقًا بتلقي الترجمة الفورية الخاصة بهم، ولكن عملية الاعتماد انتهت قبل بدء المحاكمة، وقلة من الصحفيين الناطقين بالعربية قد سجّلوا.

ومن الناحية النظرية، ينبغي للزوار الناطقين بالعربية في الصالة العامة أن يكونوا على الأقل قادرين على فهم الشهادة العربية. ولكنهم يشكون من أنه قد يكون من الصعب الاستماع من دون إمكانية الوصول إلى نظام الترجمة المتزامن، ولا سيّما عندما يتكلم الشهود بهدوء أو بصورة غير واضحة.

وعندما تكون الشهادة باللغة العربية، تترجم على التوالي إلى الألمانية، بواسطة مكبرات الصوت، لكل شخص في قاعة المحكمة.

البيانات الصحفية الرسمية الصادرة عن المحكمة هي أيضًا باللغة الألمانية، وفي حين أن منظمتين غير حكوميتين مختلفتين على الأقل (المركز السوري للعدالة والمساءلة، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان) تقدمان تقارير متعددة اللغات، لرصد الأحداث الجارية في المحاكمة، فهما ليستا بالضرورة مرتاحتين، لأن مسؤولية إيصال المعلومات الأساسية حول المحاكمة، إلى المتحدثين باللغة العربية، أُلقيت عليهم..

قال باتريك كروكر، وهو محامي حقوق الإنسان في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان: “يسعدنا أن نؤدي دورنا، لكن توفير معلومات المحكمة مهمة عامة”. ونشرت مجموعة ثالثة، هي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ملخصات باللغة العربية للعام الأول، أو نحو ذلك من المحاكمة، لكنها توقفت منذ ذلك الحين. قالت بلقيس جراح، المديرة المشاركة لبرنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: “يقوم المجتمع المدني بالكثير فعلًا. السلطات الآن بحاجة إلى أن تتقدم”.

وبالنسبة إلى كروكر، وهو أحد المحامين الذين يمثلون الضحايا في المحاكمة، يبدو الأمر وكأن روح النزعة الأممية التي حظيت بها ألمانيا على نطاق واسع في ملاحقة جرائم الحرب السورية لم تترجم (في كثير من الأحيان بشكل حرفي للغاية) العمليات اليومية في كوبلنز. وقال إن “المشكلة هنا هي أن لدينا محاكمة تستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، التي تقوم على فكرة أن بعض الجرائم هي ضد الإنسانية ككل. لكنها تُعامل كأي محاكمة جنائية أخرى في ألمانيا”.

وقد تجلى ذلك بقوة خلال الحكم الصادر، في شباط/ فبراير 2021، عن المُدّعى عليه المشارك في قضية رسلان، غريب. وعند إعلان ذلك، أشار القاضي إلى بثّ ترجمة عربية على مكبر للصوت.

في المحكمة، كانت الناشطة والكاتبة السورية، أمينة صوان، التي وصلت إلى ألمانيا في عام 2015 بعد هروبها من الحرب، والتي كانت تحضر جلسات الاستماع منذ البداية، والاستماع أيضًا إلى بعض حلقات الفرع 251، قد أعربت عن دهشتها وسعادتها لسماع لغتها في هذه اللحظة المهمة من المحاكمة، ولأول مرة شعرت بأن العملية تعنيها حقًا.

“هذا يعني شيئًا مهمًا حقًا. لقد أحدثت فرقًا كبيرًا”.. قالت صوان لصحيفة (الإنسانية الجديدة). وأضافت: “ما كنت لأشعر بالشعور نفسه، لو كنت هناك أستمع إلى شخص يقرأ الحكم لمدة ثلاث ساعات باللغة الألمانية. أنا في الواقع دونت ملاحظاتي الخاصة. كتبت 16 صفحة بالعربية حول ما كان يقال. وكنت فخورة جدًا بأن لدي ملاحظاتي الخاصة من هذا الموسم الاستثنائي جدًا بصدد هذا الحكم”. ولكن بعد صدور الحكم، عادت الإجراءات إلى اللغة الألمانية.

سجل إنجازات ضعيف

نظرًا لسجل الإنجازات الضعيف للعدالة الدولية في جعل الناس يشعرون بأنهم جزء من المحاكمات التي تتعامل مع مجتمعاتهم، ربما كان ينبغي أن يكون الوضع في كوبلنز أقل مفاجأة.

في عام 1993، عندما تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) للتعامل مع الجرائم التي ارتكبت في البلقان، كانت أول محكمة جرائم حرب أنشأتها الأمم المتحدة، وكان التركيز منصبًّا على ترتيب الأمور وإدارتها.

لم تنشئ المحكمة، حتى عام 1999، برنامجها للتوعية والتواصل، بهدف شرح كيفية عمل المحكمة للأشخاص المتأثرين في يوغوسلافيا السابقة، والرد على ردود فعلهم.

ولكن، ربما كان الوقت قد فات لتجنب انتشار ما أسماه نائب المدعي العام للمحكمة دافيد تولبرت: “التشوهات والتضليل الجسيم”، بخصوص المحكمة في المنطقة، حيث كان السياسيون يستخدمون عملها بالفعل مثل “كرة قدم سياسية”.

أليسون سميث، المستشارة القانونية ومديرة برنامج العدالة الجنائية الدولية في منظمة “لا سلام بلا عدالة”، وهي منظمة غير ربحية في إيطاليا، في الوقت الذي بدأت فيه المحكمة القيام ببعض التوعية والتواصل، قالت: “كانت معركة صعبة حقًا، لأن التوعية والتواصل لم يكونا مشمولين منذ البداية”.

ولفترة من الوقت، بدا أن هذه الدروس قد استُخلِصت. وتجربة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة تسترشد مباشرة بعمل المحكمة الخاصة لسيراليون. عندما افتُتِحت في عام 2002، تم بناء التوعية والتواصل منذ البداية: حيث بُثّت جلسات الاستماع في مختلف أنحاء البلاد، ووُزّعت الكتيبات والأفلام والبرامج الإذاعية حول عمل المحكمة على نطاق واسع، وكلّها توضّح ما قامت به بكلمات بسيطة.

وصفت مراجعة صدرت بتكليف من الأمم المتحدة لمحكمة سيراليون هذا البرنامج بأنه “فعّال جدًا” و”جوهرة التاج” للمحكمة، وأوصت بأن يكون نموذجًا للمحاكم الدولية المقبلة.

وقال سميث: “أود أن أقول إن سيراليون أبلغت كل ما جاء بعد ذلك من حيث التوعية والتواصل”. لكنها لم تكن نقطة التحول التي قد تمناها كثيرون.

على سبيل المثال، بدأت المحكمة الجنائية الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرًا لها، في العمل في عام 2002، لكنها لم تشكل وحدة توعية مخصصة بميزانية مستقلة حتى عام 2007، بعد ضغوط من جانب منظمات غير حكومية، وما زال كثير من الناس يقولون إن التمويل ما يزال غير كاف، الأمر الذي يحدّ من عملها.

لماذا التواصل والتوعية في الوقت المناسب مهمان: حالة جورجيا

في بداية عمل المحكمة الجنائية الدولية، كانت إحدى الحجج الرئيسة ضد التوعية والتواصل هي أنها ستتدخل في النهج غير البارز الذي يفضله مكتب المدعي العام. كان على المحكمة أن تعتمد على الشرطة الوطنية وقوات الأمن للحصول على المساعدة في الماضي، ولم تكن تريد أي شيء يفاقم تصورات التحيز.

لكن سميث قالت إن هناك سببًا آخر للتواصل المحدود للمحكمة الجنائية الدولية وهو أن التواصل ما يزال لا يُعدّ “عملًا حاسمًا” في بعض الأوساط، و “يُعدّ هذا نوعًا من الترف، ليس من قبل الجميع، بل من قبل بعض الأشخاص في المحكمة”. وأضافت أن التراجع الرئيس عن التواصل في المحكمة الجنائية الدولية يأتي من المدّعين ذوي الخبرة في أنظمة المحاكم الوطنية، الذين يعتقدون أن العمل على تحقيق العدالة يتحدث عن نفسه.

وتُعدّ الموارد المحدودة سببًا آخر للتواصل المحدود للمحكمة الجنائية الدولية، إذ لا تبدأ الوصول إلى المجتمعات إلا عندما يدخل الموقف في ما تسميه “مرحلة التحقيق”، وفي ذلك الوقت، يكون مسؤولو المحكمة موجودين بالفعل في بلدٍ ما، وينظرون في القضايا التي يتعين رفعها ضد الجرائم الخطيرة.

حتى عندما يُفتَح تحقيق أخيرًا، فغالبًا ما يكون هناك تأخير قبل بدء التوعية والتواصل.

ويقول المحللون إن الأوان قد فات، ويجب أن تبدأ المحاكم على الفور، قبل أن تسمح ندرة المعلومات بازدهار الدعاية.

على سبيل المثال، قال نيكا جيراناشفيلي، وهو ناشط حقوقي جورجي، ومدير في منظمة العدل الدولية في لاهاي، إنه كان يكافح بمفرده لشرح ما تفعله المحكمة الجنائية الدولية للأشخاص المتأثرين بالصراع في أوسيتيا الجنوبية في آب/ أغسطس 2008. ويصف عدم حصوله على أي دعم على الإطلاق منذ أن فتحت المحكمة تحقيقًا في الجرائم التي ارتُكِبت هناك قبل خمسة أعوام.

خلال انتخابات 2018 الرئاسية في جورجيا، اتهم السياسيون المحكمة الجنائية الدولية بالتحيز والانحياز في الانتخابات. وقال جيراناشفيلي لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian): “بدأت النخب الجورجية في الاستفادة من الجهل المنتشر بإجراءات المحكمة الجنائية الدولية واستخدامها لمصالحهم السياسية”. لم تكن المحكمة الجنائية الدولية معرضة لخطر نزع الشرعية فحسب، بل كانت تُستخدم أيضًا لتهديد استقرار البلد ككل. وقال: “كان الوضع متوترًا بشكل لا يُصدَّق”.

جيراناشفيلي، الذي عمل ليلًا نهارًا لمحاولة شرح عمل المحكمة الجنائية الدولية لوسائل الإعلام والمجتمع المدني، قال إن الأمر كان أكثر مما يستطيع أن يفعله بمفرده: “كنا ننتظر أن تأتي المحكمة وتقدم بعض المعلومات المحايدة والمحدثة حول عملها؛ لكنهم لم يأتوا البتة”.

وردًا على الانتقادات الموجهة ضدّ برامج التوعية التي تضطلع بها، قال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian) عن طريق البريد الإلكتروني: “إن أولوية التوعية التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية كانت دومًا هي الأوضاع مع الحالات النشطة، وركّزت على المجتمعات الأكثر تضررًا”.

تعقيد كوبلنز

بالنسبة إلى جميع الانتقادات التي وجهت إلى عملها، تعترف المحكمة الجنائية الدولية الآن بأن التوعية جزء مهم من مهمتها. ليست هذه هي الحالة في المحكمة في كوبلنز، التي تقول إنها تحتاج إلى أن تُدار بالطريقة نفسها التي تُدار بها أي محاكمة جنائية خطيرة أخرى في ألمانيا.

وقال متحدث باسم المحكمة لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian) بالبريد الإلكتروني، شارحًا الترجمة الدنيا إلى العربية: “ينصّ قانون أصول المحاكمات الألماني على أن المفاوضات في الدعاوى القضائية -من ضمن ذلك الدعاوى الجنائية- يجب أن تُجرَى باللغة الألمانية”.

هذا ليس جيدًا بما فيه الكفاية للبعض. وقال سترييف، مؤسس الفرع 251، إن المحكمة تتخذ “تفسيرًا حرفيًا جدًا للقانون واجب التطبيق، الذي يسمح لهم بالاختباء وراء الضوابط القانونية كوسيلة للدفاع عن استخدامهم الحصري للغة الألمانية”.

يجد سترييف وآخرون الأمر متعلقًا بأن المحاكمات التي تضع سوابق مثل تلك التي تحدث في كوبلنز تجري في حين أن كثيرًا من ضحايا الجرائم وأسرهم يعيشون بعيدًا، من دون فهم يذكر لما يجري.

يتعاطف البعض مع الموقف الذي تجد محكمة كوبلنز نفسها فيه.

فرانك بيتيت، المحرر في شبكة العدالة (JusticeInfo.net)، والرئيس السابق لبرنامج التوعية في الغرف الأفريقية الاستثنائية في السنغال، التي يعدها كثيرون نموذجًا لكيفية القيام بالتوعية، قال سيكون من غير المعتاد بالنسبة لمحكمة صغيرة في ألمانيا، وبالتمويل نفسه مثل أي محاكمة جنائية أخرى، أن تتواصل مع الناس في سورية بالطريقة نفسها التي يُتوقع أن تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية.

وقال بيتيت لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian): “حتى في المحاكم الدولية، [التواصل] هو آخر شيء يفكرون فيه، لكنهم يقبلون أن يفعلوا ذلك. وما يمكن أن نقوله هو أنهم يفكرون دائمًا في ذلك، على عكس المحاكم الوطنية”.

وتابع بيتيت القول إن عمل المزيد لغير المواطنين واللاجئين أكثر من العمل للمواطنين الألمان سيخلق أيضًا توترات، وبذلك فإن أغلب العمل في محاكمة كتلك التي جرت في كوبلنز سوف يُترَك حتمًا للأفراد ووسائل الإعلام المحلية، وللمنظمات غير الحكومية.

ما الذي يمكن أن يفشل/ يتعطل

تتناول حلقة مبكرة من الفرع 251 مسألة كيفية تصور المحاكمة بين السوريين، سواء في أوروبا أو في سورية. إنها حقيبة مختلطة، مع بعض الأمل حول إمكانية أن مزيدًا من الناس سيحاسبون يومًا ما على الفظائع، وآخرون يعتقدون أنها قضية خاسرة.

تعتقد صوان، الناشطة والكاتبة السورية التي تتابع المحاكمة عن كثب، أن معظم السوريين لا يولونها اهتمامًا، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يهتمون. تتحدث صوان الألمانية بطلاقة، ولكن قد يكون من الصعب بالنسبة إليها أن تفهم اللغة القانونية المعقدة.

احتُجِز كل من شقيق صوان وعمها في مراكز اعتقال في سورية. وعلى الرغم من عدم احتجازهم في الفرع 251 نفسه، فإن حقيقة أن محاكمة نظام الاعتقال والتعذيب في سورية تعني كثيرًا بالنسبة إليها.

تحدثت صوان إلى صحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian)، وقالت: “يُقال للسوريين إن هذه محاكمة كبيرة، لكنهم لا يفهمون السبب، فكلّ ما يرونه هو شخصان قليلا الأهمية نسبيًا في المحاكمة، على حين أن الفظائع مستمرة في سورية. وهم لا يعرفون حتى ما هي الولاية القضائية العالمية”.

إن الخطر المتمثل في ترك أصحاب المصلحة الأكثر أهمية -السوريون مثل صوان وأسرتها- أو الشعور بأنهم مستبعدون من العملية أمر مثير للقلق. ولكن هناك تخوف أعمق: فمع تقديم مزيد من لوائح الاتهام المتصلة بسورية في مختلف أنحاء أوروبا من دون توعية وقائية من جانب المحاكم، يخشى البعض أن تخضع المحاكمات لحملات إعلامية مضللة نشطة.

أشار ستيف كوستاس، وهو محام كبير في مبادرة العدالة في المجتمع المنفتحة، التي ساعدت في بناء قضية ضدّ المتهمين في كوبلنز، إلى أن معلومات كاذبة يجري تداولها بخصوص محاكمة رسلان وغريب. وقال لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian): نظرًا لأن كثيرًا من السوريين يتعرفون إلى المحاكمة من خلال شبكات غير رسمية مثل مجموعات (واتساب وفيسبوك)، فإن بعضًا من هذا هو “التشويش والأسئلة المشروعة المفهومة تمامًا” أكثر من المعلومات المضللة المتعمدة.

لكن إريك ويت، وهو المحامي البارز في مبادرة العدالة في المجتمع المنفتح، قال إن “الأخبار المزيفة” المتعمدة، أو الدعاية، يمكن أن تصبح مشكلة أكبر في قضايا الولاية القضائية العالمية في المستقبل.

قدّمت منظمة ويت -مع الضحايا السوريين والجماعات السورية- بضعة شكاوى ضد حكومة الأسد، لاستخدامها أسلحة كيمياوية ضدّ المدنيين. ولكن تلك الشكاوى لم تصل إلى أي مكان بعد، ونظرًا لحساسية هذا الموضوع، وحقيقة أن مختلف أطراف الصراع حاولت التلاعب بالأخبار خلال الهجمات وبعدها، فإن ويت يشعر بالقلق، وقد قال: “إذا وصلت تلك الملفات إلى المحاكمة، فسترون استهدافًا فعالًا جدًا [للمعلومات المضللة المعنية]”.

سميث، من منظمة (لا سلام بلا عدالة)، قال: هذه ليست الطريقة الوحيدة التي يقول بها الخبراء إن نقص التوعية قد يعرقل جهود العدالة. عندما لا يفهم الشهود المحتملين عملية العدالة، فهم أقل احتمالًا أن يتقدموا.

كروكر، المحامي في المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحريات، قال: “يُسهم التواصل والتوعية بالتأكيد في استعداد [السوريين] للتقدم. إنه يعلمهم بالإجراءات، ويمكنه أيضًا بناء الثقة”. لكنه أضاف أن هناك عوامل أخرى -مثل القلق على سلامة الشهود- لا يمكن معالجتها من خلال التواصل والتوعية.

توصل تقرير لمنظمة (هيومن رايتس ووتش) إلى أن اللاجئين السوريين في ألمانيا -وبعضهم يمكن أن يكونوا شهودًا محتملين في هذه المحاكمات وفي المستقبل- كانوا متحفظين على تبادل المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدة في قاعات المحكمة، لأنهم خائفون من الانتقام المحتمل من قبل حكومة الأسد، ضد أقاربهم في الوطن.

لا يوجد ضمان بأن أولئك الذين يستمعون إلى مبادرات مثل الفرع 251 سيكونون آمنين في منازلهم، وهو قَلَق لا تستطيع نور حمادة، المنتجة، أن تبعده من رأسها. وتحدثت عن هؤلاء الذين يستمعون من داخل سورية: “إنه شيء أتساءل عنه كثيرًا، وأتساءل هل الناس عند النظام يستمعون لمتابعة المسار… أو هل من الطبيعي أن يستمع السوريون العاديون؟ وهل يعرّضهم الاستماع للخطر؟ لو كنتُ في سورية، لكنت خائفة حتى من الاعتراف بوجود (بودكاست)”.

ماذا ينبغي أن يترَك للمجتمع المدني؟

كان الافتقار إلى التواصل المجتمعي بقيادة المحكمة من جانب كوبلنز مثل المفاجأة لفريق الفرع 251، الأمر الذي ترك لهم دورًا كبيرًا في نشر المعلومات، لم يتوقعوه البتة.

ولكنّ الخبراء يقولون إن من الشائع، بالنسبة إلى منظمات المجتمع المدني والناشطين المحليين (في هذه الحالة) أن يُحمّلوا مهمة شرح الإجراءات القضائية المعقدة، على الرغم من عدم توفر الأموال أو الموظفين أو الوقت الكافي للقيام بذلك على النحو اللائق.

وقد ثبت أن هذه الأنواع من المنظمات هم شركاء ممتازون للمحاكم، عند القيام بعملها على النحو الصحيح. وبالعمل معًا، تمكنوا من التأكد من أن المحكمة على تواصل مع الأشخاص الذين تحتاج إلى الوصول إليهم، ومن نشر رسائل مهمة.

اعتمد برنامج التوعية والتواصل الذي يديره بيتيت في الدوائر الأفريقية الاستثنائية في السنغال اعتمادًا كبيرًا على المجتمع المدني المحلي للتأكد من أن السكان المتضررين من الجرائم يفهمون العملية.

أُنشئِت هذه اللجنة بموجب اتفاق بين الاتحاد الأفريقي والسنغال لمحاكمة الجرائم الدولية المرتكبة، عندما كان حسين حبري رئيسًا. وبدأت المحاكمة في تموز/ يوليو 2015، وفي أيار/ مايو 2016، أُدين حبري بالاغتصاب والانتهاك الجنسي، وبالأمر بقتل (40) ألف شخص أثناء مدة ولايته، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة.

كان لدى بيتيت وآخرين في فريقه ميزة التعامل مع محاكمة سريعة، جرت على مقربة نسبيًا من مكان ارتكاب الجرائم، وتوفر الأموال في الميزانية للتوعية والتواصل منذ البداية.

نُقل جزء كبير من الميزانية إلى منظمات غير حكومية محلية تركّز على وسائط الإعلام، حيث شرحت العملية، واستجابت لردود أشخاص تأثروا بالعنف الذي حدث أثناء حكم حبري. غير أنه أشار إلى أنه لا يُتوقع من جماعات المجتمع المدني هذه أن تقيم علاقات عامة مع المحكمة. وقد مكنهم ذلك من التعامل بمزيد من الصراحة والأمانة مع الأشخاص الذين كانت لديهم أسئلة حول هذا الموضوع.

وفي بعض الأحيان، قامت المحكمة الجنائية الدولية بذلك أيضًا، حيث لاحظ كثير من الخبراء برنامج أوغندا للتوعية الذي تديره ماريا مابينتي كامارا التي يُنسب إليها أيضًا الفضل في التوعية والتواصل في المحكمة الخاصة بسيراليون.

عملت كامارا مع جماعات الضحايا، والزعماء الدينيين والثقافيين، ووسائل الإعلام، وممثلي الأوساط الأكاديمية والقانون، فضلًا عن عامة الناس في شمال أوغندا. وإجمالًا، قامت المحكمة الجنائية الدولية بتدريب (200) من الميسرين المحليين لمساعدة الناس على فهم ما يحدث في لاهاي أثناء مقاضاة قادة جيش الرب للمقاومة الذي يديره جوزيف كوني.

وقالت كامارا إن محكمة دولية كبيرة مثل المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع أن تنافس السكان المحليين الذين يفهمون البيئة التي يعيشون ويعملون فيها، ولن تمتلك المجموعات المحلية أبدًا موارد المحكمة الجنائية الدولية. المفتاح هو العمل معًا. وتوّج عمل كامارا في محاكمة أوغندا بما أسمته أهم لحظة في حياتها المهنية حتى الآن.

وخلال البيانات الختامية في آذار/ مارس من العام الماضي، أجرت المحكمة عرضًا حيًا في مدينة غولو في شمال أوغندا. وحين قال موظف في قاعة المحكمة في لاهاي، التي تبعد نحو (9,000) كيلومتر: “ليقف الجميع”، فإن الترجمة إلى لغة أشولي المحلية تفجّرت من خلال المتكلمين.

وقد وقف جميع الأشخاص البالغ عددهم (400) شخص بمهابة، في العرض الذي أُجري في غولو، غارقين في التجربة. وقالت كامارا لصحيفة (الإنسانية الجديدة The New Humanitarian): “كان العرض عجيبًا، يُمْكِنني أن أحزم حقائبي وأعود لبيتي، أردت أن أجعل هذه العملية ذات مغزى وذات صلة قدر الإمكان، وختمت هذه التظاهرة كلّ شيء بالنسبة إلي”.

كيف يمكن للأخبار المحلية أن تساعد

هذه الأمثلة للمحاكم التي تتعاون مع مجموعات محلية يمكن -كما يقول الخبراء- ويجب أن توضح كيف تقوم العدالة عبر الولاية القضائية الدولية بالتواصل من الآن فصاعدًا، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالعمل مع وسائل الإعلام المحلية.

من الواضح أن وصول الصحفيين المحليين إلى وسائل الإعلام يساعد على نشر الأخبار. فعلى سبيل المثال، أرسلت منظمة الأخبار غير الربحية “سرديات جديدة New Narratives ” في الآونة الأخيرة ثلاث صحافيين ليبيريين معروفين، ومصورًا، لتغطية محاكمة القائد السابق للمتمردين الليبيريين أليو كوسياه، الذي أُدين بارتكاب جرائم حرب في حزيران/ يونيو 2021 في محكمة سويسرية تستفيد من الولاية القضائية العالمية.

كان الصحافيون (أنطوني ستيفنز، وجيمس هاردينغ جياهي، ورودني سيه) وأحد المصورين (ليزلي لومه) معروفين وذوي ثقة، ونُشرت تقاريرهم في الصحف الكبرى في ليبيريا وسيراليون، وبثتها أكثر من 30 محطة تلفزيونية وإذاعية ليبيرية. كما بث ستيفنز عبر خدمة (مباشر فيسبوك).

برو كلارك، مؤسسة منظمة (سرديات جديدة)، التي تركز على بناء الصحافة في الجنوب العالمي، قالت: “لقد كانت المحكمة مفيدة جدًا”. وكما هو الحال في كوبلنز، لم تقدم الترجمة من الفرنسية إلى الإنكليزية، اللغة الأولى للصحفيين، لمحاكمة كوسياه. وهذا يعني أن الصحفيين اعتمدوا على ملخصات الأحداث التي قدمتها إحدى المنظمات غير الحكومية.

لكن المراسلين كان بوسعهم التواصل مع محامي الادعاء والدفاع طوال مدة المحاكمة، وكان بوسعهم أن يستمعوا ويفهموا شهادات المتهمين الناطقين باللغة الإنجليزية، كوسياه، والمدعين في القضية.

وتقول كلارك إن نموذجهم للاستثمار في الصحافة المحلية بخصوص العدالة هو نموذج “يمكن وينبغي تكراره في أماكن أخرى”.

وتساند السرديات الجديدة الليبيريين في تغطية محاكمة أخرى أيضًا، محاكمة تطعن في افتراض أن إجراءات الولاية القضائية العالمية سوف تكافح دومًا من أجل التواصل مع المجتمعات التي تركّز عليها. وفي تلك الحالة، تحاكم فنلندا قائدًا سابقًا للمتمردين، هو جبريل أيالوجيما ماساكوي، المشتبه في ارتكابه جرائم حرب خلال الحرب الأهلية في ليبيريا.

ومن الملاحظ أن المراسلين الليبيريين لا يضطرون إلى السفر بعيدًا للإبلاغ عن الإجراءات، فقد انتقلت المحكمة بالفعل إلى ليبيريا للاستماع إلى شهادات من (80) شاهدًا، ولزيارة المواقع التي يُزعَم أنه ارتكِبت فيها فظائع بموجب أوامر ماساكوي. سيبقى ماساكوي في فنلندا. إن الإبداع الاستباقي للمحكمة الفنلندية أثار إعجاب الجميع. وكما قال ويت، المحامي البارز في مبادرة العدالة في المجتمع المنفتح: “إنها استثنائية جدًا”.

وقالت الناشطة صوان، التي كانت تحضر الإجراءات كلما استطاعت: في كثير من الحالات، ومن ضمنها محاكمة كوبلنز، لا تشكل هذه الخطوة [نقل المحاكمة إلى سورية] خيارًا؛ فسورية لا تزال منطقة صراع، والحكومة المتهمة ما تزال في السلطة. وهذا يعني أن أي شيء يمكن أن تفعله المحكمة لإشراك السوريين في العملية سيكون موضع تقدير كبير.

إن إشراك أشخاص مثل صوان أمرٌ مهمّ، لأن القضية والقضايا المستقبلية هي أكثر من مجرد محاكمة أفراد. بعد أن تعرض أفراد عائلتها للتعذيب، قالت إن سماع الحكم الأول، بصوت عالٍ وباللغة العربية، كان له معنى كبير بالنسبة إليها وإلى التاريخ. وقالت صوان: “كان ذلك يعني أن تعذيب الدولة، والفظائع التي ارتكبها النظام السوري، تُتلى بصوت عالٍ في محكمة ألمانية عادلة. يتعلق الأمر بالحفاظ على السرديات”.

وفي الوقت نفسه، فإن منتجي الفرع 251 يحبّون مشاركة مزيد من الناس.

مؤسس (بودكاست)، سترييف، قال إن عملهم “يظهر أن هناك طرقًا إبداعية لمحاولة إيصال المسائل القانونية المعقدة والتقنية إلى المستمعين المهتمين، بما يتجاوز الأشكال الأكثر تقليدية… وأعتقد أن هناك كثيرًا من الإمكانيات، ليس مع بث (بودكاست) وحده بوصفه أداة، بل أيضًا في أشكال أخرى من التواصل الحديث مثل وسائل التواصل الاجتماعية”.

حتى إذا كان عدد المستمعين الرسميين داخل سورية قليلًا، فإن الفرع 251 يُعتقد بأنه يصل إلى السوريين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، ولديهم الكثير من ردود الفعل الإيجابية.

بينما تواصل نور حماده القلق بشأن سلامة كل من يقوم بتحميل الحلقات من داخل سورية، تشعر أن الوصول إليها يستحق كل هذا العناء. وقالت: “أنا سعيدة لأنهم يستمعون. إنه نوع من التأييد. إن ما نفعله مهم، ويهدف إلى الوصول إلى الجماهير. أجد [حقيقة أنهم يستمعون] شجاعة كبيرة “.

(*) – الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز

اسم المقال الأصلي         Syrian war crimes on trial in Germany: Will justice be lost in translation?

الكاتب   شارلوت بايلي، Charlotte Bailey

مكان النشر وتاريخه         الإنسانية الجديدة، The New Humanitarian، 21/10/2021

رابط المقال         https://bit.ly/2Zvqxh4

عدد الكلمات       4500

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى