تقنية

ديستوبيا الميتافيرس والحياة الافتراضية المصطنعة/ سارة عابدين

لم يتوقف مستخدمو “فيسبوك” في الأسبوعين الماضيين عن التحدث عن معنى الميتافيرس منذ أن ظهر مارك زوكربرغ في بث مباشر على الموقع يقول إن الميتافيرس ربما يكون هو النقلة القادمة لعوالم الإنترنت الافتراضية.

فماذا يعني مصطلح ميتافيرس؟

يشير الميتافيرس، بمعناه الحالي، إلى مفهوم العالم الافتراضي حيث يجتمع الناس للتواصل الاجتماعي واللعب والعمل. ويعني الميتافيرس في اللغة المكان الخيالي. وقد صاغ المصطلح لأول مرة الروائي الأميركي نيل ستيفنسون، وأسس ما يشبه رؤية للكون الناتج عن الكمبيوتر في روايته “snow crash” عام 1992.

جعلت الطبيعة الجديدة وغير المألوفة للميتافيرس الفكرة غير مستقرة بعض الشيء. لكن يمكن استخدام المصطلح كمرادف للأكوان المتعددة، ما يعني نظريًا عددًا لا حصر له من الأكوان المتوازية أو الأكوان البديلة. وانحرف المصطلح مؤخرًا بعيدًا عن الخيال واتجه نحو العلم في إشارة إلى تجربة الواقع الافتراضي بطرق مختلفة.

على أرض الواقع التي لم نعد نعرف حدودها بالفعل، يمكن أن نفهم من الفيديو الخاص بزوكربرغ أن الخطوط الفاصلة بين التواجد الرقمي والمادي ستصبح غير واضحة للغاية. حيث كانت الخطوات نحو تجربة الواقع الموازي على “فيسبوك” قيد التنفيذ لبعض الوقت، عندما اشترى زوكربرغ بعض تقنيات الألعاب والاتصال التي تعمل من خلال سماعات الرأس. لكن الصفة المميزة للميتافيرس، كما يريده مؤسس “فيسبوك”، هو الشعور بالوجود “كما لو كنت هناك مع شخص آخر أو في مكان آخر”. ستكون قادرًا على التنقل الفوري كصورة ثلاثية الأبعاد، لتكون في حفل موسيقي أو في اجتماع عمل أو غرفة معيشة صديق بدون أن تنتقل من مكانك. من خلال تعريف الميتافيرس بشكله المتخيل، فهو مكان لا حدود له، حيث يمكن لكل شخص أن يعيش حياته من خلال الإنترنت إذا ما رغب في ذلك.

الحياة داخل الميتافيرس

تقوم الفكرة على مجموعة من التقنيات الرقمية المستقبلية التي تعمل على إنشاء مساحة ثلاثية الأبعاد، حيث يمكن للناس التفاعل في كون رقميّ. وفقًا لخبيرة الأمن السيبراني، كريستينا بودار، ستكون هذه المساحة ثابتة، لذلك يمكن التفكير فيها كعالم عبر الإنترنت يتضمن أبعاد العالم الحقيقي، الأماكن والأصوات ودرجات الحرارة، للحصول على تجربة حسية كاملة للمستخدم.

لكن يبقى التساؤل الملح حول مدى أمان تلك التجربة، لأن الأمر يبدو كما لو أنه أحد أفلام كيانو ريفز. حتى الآن يقول الخبراء إننا بحاجة إلى وقت طويل حتى نستطيع تقييم التجربة، ورؤية كل المخاطر المتعلقة بالخصوصية والأمان المرتبطة بالميتافيرس. سيتم تحديد وتعيين مستويات الراحة والأمان مع مرور الوقت، ولن يظهر ذلك بشكل واضح في البداية. سيحدث تمامًا كما حدث عندما تلمس العالم طريقه للمرة الأولى في شبكة الويب العالمية.

الميتافيرس بين الواقع والخيال

صاغ روائي الخيال العلمي نيل ستيفنسون مصطلح الميتافيرس لأول مرة في روايته “snow crash” عام 1992 لوصف العالم الافتراضي الذي يتواصل فيه البطل اجتماعيًا، ويتاجر ويهزم أعداءه في العالم الحقيقي من خلال صورته الافتراضية الرمزية. سبقت هذه الرواية رواية الكاتب الأميركي ويليام جيبسون “neuromancer” التي تدور حول أخطر سارق بيانات في الماتريكس.

أدخل جيبسون مصطلح “الفضاء الإلكتروني” في قصته القصيرة “الكروم المحترق” التي صدرت عام 1982 ثم استخدمه للمرة الثانية في روايته “neuromancer”. صك جيبسون أيضًا مصطلح “عصر المعلومات” قبل ظهور الإنترنت في تسعينيات القرن العشرين، كما كان له الفضل في إرساء المفاهيم الأساسية المرتبطة بالنمو السريع للبيئات الافتراضية مثل ألعاب الفيديو، والشبكة العنكبوتية العالمية.

شكّل كل من ستيفنسون وجيبسون مع مجموعة كتاب آخرين ما يطلق عليه “السايبربانك” أو “cyberpunk” وهو نوع فرعي من الخيال العلمي يتميز بعلوم وتكنولوجيا متقدمة، ويدور داخل العالم السفلي المظلم. ظهرت في البداية كحركة أدبية، لكن المصطلح تحول إلى كائن ثقافي يحاول إيجاد كنهه الخاص.

لكن بالعودة إلى تاريخ أقدم نجد أن جذور فكرة السايبربانك تمتد إلى كاتب الخيال العلمي الأميركي صمويل ديلاني، وكتابته لقصص الخيال العلمي منذ عام 1940، وغيره ممن اختاروا الكتابة عن الاغتراب في عالم مستقبلي من التكنولوجيا الفائقة. لكن مع رواية ويليام جيبسون انطلقت السايبربانك كحركة مستقلة ضمن الأنواع الأدبية والفيلمية الحديثة.

أعطى النمو الهائل لصناعة الكمبيوتر في التسعينيات، إحساسًا قويًا بأهمية كتابة السايبربانك، ولعبت الطبيعة المذهلة لموضوعات الخيال العلمي، دورًا قويًا في إبراز المزايا التقنية لهوليوود أمام السينما المنافسة في أوروبا واليابان ومومباي. في هذا الوقت أصبحت سلاسل أفلام مثل “terminator” و “alien” و”Jurassic park” تدر أرباحًا كبيرة في جميع أنحاء العالم.

الميتافيرس كتطور للإنترنت

يعد الميتافيرس حاليًا هو التطور الطبيعي لكل العوالم الافتراضية سواء في الألعاب أو وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه يمزج أيضًا العالم المادي مع العالم الافتراضي. ظهرت الألعاب التي رسخت لتلك الفكرة في الثمانينيات، مع ألعاب الكمبيوتر المبكرة مثل “might and magic” و”wilderness” وألعاب تعتمد على أكثر من لاعب مثل “everquest”. تحولت تلك الألعاب في الوقت الحالي من مجرد ألعاب إلى واقع يمكن معايشته، وتحويله إلى حياة رقمية، بصورة تمكن كل فرد من التحكم الفردي في المحتوى بطريقة تفاعلية.

ترى شركات مثل “غوغل” و”فيسبوك” أن المستقبل للميتافيرس، لذلك تخطط لمزج العالمين الحقيقي والافتراضي أكثر من أي وقت سابق. لذلك يتوقع أن يتحول “فيسبوك” من منصة اجتماعية إلى شركة تقدم خدمات الميتافيرس في المقام الأول.

يمكن التعامل مع الميتافيرس أيضًا كبديل للزووم، بعد أن زاد التعامل به خلال فترة ظهور فيروس كورونا، وظهرت له العديد من المساوئ أهمها: ملامسة العين للشاشة عن قرب لفترات طويلة، ورؤية الشخص لنفسه طوال مدة المحادثة، ما يسبب ما سمي بتشوه زووم، وهو تضخيم العيوب الشخصية بسبب الكاميرا الأمامية. بالإضافة إلى العبء المعنوي الكبير للظهور بصورة مناسبة خلال مدة المحادثة.

لذلك يعتبر الميتافيرس هو الحل المناسب، حيث يمكن استبدال الفيديو بأفاتار متقدم، يمثل المستخدم بشكل أفضل. كما هو الحال في ألعاب الإنترنت، ستكون لكل شخص صورته الشخصية في الميتافيرس. ستجرى الاتصالات من خلال هذه الصورة الرمزية مع صوت المستخدم فقط. ستكون هناك صورة رمزية تمثل كل شخص تتشارك تلقائيًا مع الآخرين، لكنها تحمل تعبيرات الوجه ولغة الجسد عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ديستوبيا الميتافيرس

يرى بعض الخبراء أن الميتافيرس في تطبيقه المتوقع سيسبب المزيد من الفوضى في العالم، بعد الفوضى التي أحدثها “فيسبوك” في العالم الحقيقي بمحاولته التقريب بين الناس. لا يوجد مستخدم إنترنت في العالم الحالي يريد المزيد من الإنترنت في حياته. لا أحد يريد أن يعيش حياته وهو يضع سماعة رأس ونظارة افتراضية على وجهه، ليتمكن من المشي بين عوالم افتراضية. ومثلما فشلت شركات التكنولوجيا في كثير من الأحيان حتى الآن في التفكير في الضرر الذي ألحقته منتجاتها في العالم الحقيقي، فإن عوالم الميتافيرس ربما تكون لها أضرار أيضًا. حيث يمكن لأي شخص أن يذهب ويفعل ما يريد. لا يوجد رجال شرطة، لا يمكن لشخص ما الدفاع عن نفسه. لا يمكن مطاردة الأشرار. بشكل ما يشبه الميتافيرس وسائل التواصل الاجتماعي الحالية، لكن مع المزيد من الصور الرمزية والأدوات الافتراضية التي تتيح المزيد من الأفعال غير المتوقعة.

من المحتمل أنه إذا تم ذلك بالطريقة التي تخيلها زوكربرغ، فإنه يمكن أن يتسبب في إلحاق ضرر حقيقي بالمستخدمين، كما أنه سيشوه الواقع أكثر مما يفعله مجرد موقع على الإنترنت. سيتسبب ذلك في ظهور مخاوف جديدة على الحياة الشخصية لمستخدميه، وكذلك أضرار غير متوقعة على شكل التواصل الاجتماعي.

يأمل خبراء علم الاجتماع ألا يتحول العالم إلى مكان افتراضي، لأن التواصل مع الناس والعالم من حولنا بشكل طبيعي وإنساني هو الأساس الذي ولد البشر لأجله، ولذلك يجب أن تحسن التكنولوجيا من التجربة الإنسانية، لا أن تطمسها وتحوّل الحياة إلى حياة افتراضية مصطنعة.

قد يذهب البعض إلى اختيار أكثر تطرفًا، ويقول بأننا يجب أن نتخلى عن التكنولوجيا تمامًا، لنعود إلى حياة أبسط، لكن لا يبدو أن هذا هو الاختيار المناسب؛ إذ أن التكنولوجيا لن تختفي، ولكن مع فوائدها فقد تسببت أيضًا في خسائر فادحة على مدى العقود السابقة، أهمها العزلة المتزايدة عن التجارب الإنسانية، واستبدالها بتجارب عبر الإنترنت، مثل التسوّق والألعاب والمقابلات، وهو ما يخشى أن يتم تعميقه أكثر بعد ظهور الميتافيرس.

مراجع:

Mark Zuckerberg is chasing metaverse dream but it’s a dystopia and not utopia

SF cinema and TV

The Metaverse is here, and even Facebook is getting on board

What is Cyberpunk?

ضفة ثالثة

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button