هل كان 2021 عامًا أدبيًا ورديًا للقارة السمراء؟/ سناء عبد العزيز
لم يسجل هذا العام الذي يشارف على الانتهاء اختلافًا يذكر عما سبقه في ما يتعلق بالأجواء الكابوسية التي خيمت على المشهد العالمي جراء التتابع المستمر لموجات كوفيد ـ 19، ولكن القارة السمراء استطاعت أن تسجل انتصارات مدهشة على مستوى الجوائز المرموقة في عالم الأدب، بدءًا من فوز الرواية الثانية لديفيد ديوب “في الليل كل الدماء سوداء”، بجائزة البوكر الدولية للرواية المترجمة، في يونيو/ حزيران 2021، مرورًا بمنح جائزة نوبل للآداب إلى عبد الرزاق قرنة، الروائي المولود في زنجبار، لينتهي العام 2021 بتتويج كل من الكاتب السنغالي، محمد مبوغار سار، بجائزة غونكور الفرنسية، عن روايته “ذكريات الرجال الأكثر سرية”، والجنوب أفريقي ديمون جالغوت بالبوكر العالمية عن روايته متعددة الطبقات “الوعد”، وتدور عن عائلة أفريكانية تعيش وسط الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي أعقبت نهاية الفصل العنصري.
في هذا الصدد، تصف إيلا واكاتاما، رئيسة جائزة آكو كين للكتابة الأفريقية، انتصارات هذا العام قائلة: “هذه اللحظة لم تأتِ فجأة، بل جاءت بالأحرى نتيجة لكثير من الأعمال التي أسهمت في تحقيقها. ولن تنتهي حتى نصل إلى المرحلة التي ينشر فيها الكتاب على نحو كافٍ يمكنها من المنافسة على الجوائز المرموقة، كجزء من ثقافتنا، وليس كشيء غريب وفريد من نوعه”.
السادس من أفريقيا
لم يفز بنوبل منذ انطلاقها عام 1901، حتى لحظتنا هذه، سوى خمسة كتاب من أفريقيا. نسبة يصعب مقارنتها بالحاصلين عليها من الأوروبيين والأميركيين الشماليين، والتي تزيد بالفعل على 80 في المئة.
وفد قرنة إلى بريطانيا بعد ثورة بلاده في عام 1968، وعلى مدار 10 روايات، استطاع أن يستكشف القضايا الناجمة عن التهجير والشتات. واكتسبت أعماله، بما في ذلك “الفردوس”، “بجانب البحر”، “بعد الحياة”، احترامًا نقديًا لبراعتها في فحص ما يسميه “الخراب المأساوي” الذي أثر على كثيرين في فترة ما بعد الاستعمار. الآن في وسع صوت قرنة أن يصل إلى ملايين القراء عبر العالم. وبعد فوزه بنوبل يراوده الأمل بأن تتسع المساحة لتشمل جميع القصص التي طالما أهملت من قبل. في تحقيق نشرته صحيفة الغارديان البريطانية مع الفائزين من أفريقيا بجوائز مرموقة هذا العام، يعتقد قرنة أن فوزه يرجع إلى أشياء كثيرة حدثت مؤخرًا. ربما يكون هناك شعور أكبر بما يحدث في أماكن أخرى، وليس فقط ما يرد في الصحف: “أعتقد أن هنالك نوعًا من السرد المضاد يحدث أيضًا؛ لا يعتمد كثيرًا على القصص الراسخة، كما كانت، أو القصص المعتمدة”. يشير قرنة إلى الردود على الأحداث في العراق، وسورية، وليبيا – البلدان التي شهدت تدخلات كثيرة من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة: “كل هؤلاء أظهروا مدى قبح السياسات الغربية والقسوة التي تُلحق بالحكومات الضعيفة. أعتقد أيضًا أن حركة “حياة السود مهمة”، والأعمال التي حدثت في بريطانيا خلال الأشهر القليلة الماضية، والحروب الثقافية، والتماثيل، وما إلى ذلك… من المحتمل أن كل هذه الأشياء أسهمت في إفراز نوع من الوعي الأكثر عمقًا، وإن كنت أشك كثيرًا في أنها هي التي قادت إلى الجوائز الأدبية. أود أن أعتقد أن سبب منح هذه الجوائز يتعلق إلى حد كبير بالعمل الذي أنتجه هؤلاء الكتاب”.
الأدب ليس هواية للنخبة فقط
مثل العديد من الكتاب، يؤكد جالغوت، كما سبق أن أكد في خطاب فوزه بالبوكر، على ضرورة دعم وتعزيز الثقافة الأدبية من خلال ممارسات ملموسة، منها إيجاد حلول لسعر تكلفة الكتاب بإلغاء ضريبة القيمة المضافة؛ الحملة التي انطلقت في جنوب أفريقيا منذ عدة سنوات. وعلى الرغم من أنها قد تبدو نقطة فنية، فهي أمر أساسي لتعزيز القراءة والكتابة، ولضمان ألا يُنظر إلى الأدب على أنه هواية للنخبة – والتي، كما يستكشف في “الوعد”، تساوي غالبًا السكان البيض. جاء في كلمة جالغوت أثناء تسلمه الجائزة: “يسعدني أن أقبل الجائزة نيابة عن جميع القصص التي رويت والتي لم تروَ بعد، نيابة عن الكتّاب الذين حظوا بآذان صاغية، والذين لم يسمع عنهم من القارة الرائعة التي جئت منها”. ما قاله ليس بمبالغة. لقد جاء فوزه بالبوكر في نهاية العام الذي حصد فيه كتّاب من أصول إفريقية العديد من الجوائز الكبرى في العالم الأدبي بالفعل.
طرق جديدة للتعامل مع العرق أو الهوية
لدى تيموثي أوجين، الشاعر والأكاديمي والمؤلف الذي نشأ في نيجيريا، ويعيش الآن في الولايات المتحدة، رأي آخر. روايته الساخرة القادمة “الأرجوحة” هي قصة روائي نيجيري غامض وفاشل سطا عليه أميركي أبيض غني، ووجهت له دعوة إلى بوسطن “لتمثيل” بلده. مثل جالغوت، يدرك أوجين تمامًا الثروة والامتيازات المتأصلة في البيئة الأدبية الغربية، من النشر والتوزيع إلى تمويل الجوائز. يقول إن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو ما الذي يشكل الكتابة الأفريقية: “كان لدينا تعريف ضيق للغاية، يعود إلى الخمسينيات والستينيات عندما بدأ تشينوا أتشيبيو، وسوينكا، في الظهور… أنت تعرف، الوطني المناهض للاستعمار؛ أصبحت هذه الاتجاهات ما نراه الآن على أنه أدب أفريقي. لكنها بدأت في التغيير، على ما أعتقد. كثير من الكتاب المعاصرين الذين بدأوا في استكشاف خيوط مختلفة من الأفكار، كيف تكون أفريقيًا، ينظرون إلى نظريات المعرفة المختلفة. العنصر الأساسي للإبداع هو الفاعلية. والفاعلية تشمل القدرة والقوة لمقاومة التوقعات والقيود الخارجية”. بالنسبة إلى أوجين، الذي يقول إنه يحاول الذهاب إلى “الأماكن التي لا يتردد عليها عادةً الكتاب الأفارقة”، وبالتالي تنفتح أمامه “طرق جديدة للتعامل مع العرق، أو الهوية، أو أن يكون أفريقيًّا في العالم”، فإن التحدي يكمن في ثنائيات الهروب. لقد حان الوقت للبدء في تجاوز ذلك، والعثور على روابط ليست أيديولوجية وسياسية فحسب.
فضاء فرانكوفوني للناطقين بالفرنسية
تركز رواية محمد مبوغار سار، “أكثر ذكريات الرجال سرية”، على الكاتب “المنسي” الملقب بـ “رمبو الأسود”، والذي اكتشفه بعد سنوات روائي سنغالي شاب، وهو سرد مدعم بـ”الاستقبال الغامض للأفارقة من الكتاب في الوسط الأدبي الغربي”. ومن اللافت للنظر أن روايته مبنية على قصة كاتب حقيقي، يامبو أوولوجويم، روائي من مالي، بعد أن تم تكريمه، اتُهم بالسرقة الأدبية ثم ابتعد عن الأنظار، مثيرًا أسئلة رائعة عن التأليف والسلطة. بالنسبة لسار، تسلط روايته الأخيرة الضوء على “الشذوذ” الظاهر في كونه أول كاتب من أفريقيا جنوب الصحراء يفوز بجائزة غونكور منذ إنشائها في عام 1903. إنه استبعاد يثير “أسئلة بنيوية وقضايا في علم الاجتماع الأدبي مرتبطة بالسيطرة الاستعمارية وعواقبها (عنصرية، ازدراء، جهل، قلة اهتمام الوسط الأدبي والجمهور الفرنسي بمخرجات الروايات القادمة من العالمية.
فضاء فرانكوفوني للكتاب الناطقين بالفرنسية، وخاصة الأفارقة)”. وعلى الرغم من أن فوزه يعد بمثابة “تصحيح” هذه الحالة الشاذة بهذه الجائزة الأخيرة، فهو يقول: “أعتقد أنه سيكون من الخطأ تفسيرها على أنها تكريم نادر وثمين. إذا كان يُنظر إليه على أنه استثناء للقاعدة، فهذا يعني أن شيئًا لم يتغير، وأن هذه الجائزة هي إعفاء بسيط من القواعد، وسنعود قريبًا إلى النظام القديم”. التعددية ومعرفة الآخر من سمات روايات هذا العام الحائزة على جوائز. ولا يتمثل الدافع الأساسي للمستقبل في الحفاظ على المساحات المفتوحة فقط، بل في التوسع أيضًا. يقول سار: “جائزة غونكور محفز كبير لي وللكتاب الأفارقة، وبخاصة الشباب. المستقبل لهم… وفوق كل شيء، لا أريد أن أكون استثناءً. لا يجب أن أكون كذلك. أنا لست استثناءً”!
إلى جانب الفائزين السابقين بجوائز مرموقة هذا العام، أدرجت الروائية كارين جينينغز، من جنوب أفريقيا، في قائمة البوكر الطويلة عن روايتها “جزيرة”. وكما هو الحال مع الجميع، كان لظهورها في قائمة البوكر تأثير ملحوظ على امتداد نطاق قرائها بشكل جذري. فبعد أن صدرت الرواية في 500 نسخة فقط، أعيد طبعها في آلاف أخرى. كما أدرجت الكاتبة الصومالية، ناديفا محمد، في القائمة القصيرة للبوكر عن روايتها “رجال الحظ”، ليصبح عام 2021، برغم أجوائه الكابوسية، عامًا ورديًا للقارة السمراء.
ضفة ثالثة