تدهور الليرة التركية يؤجج الصراع على السلطة/ بكر صدقي
فيما سمي إعلامياً بـ«الثلاثاء الأسود» تدهورت قيمة الليرة التركية، بصورة حادة، أمام العملات الأجنبية، فبلغ سعر الصرف 13.5 ليرة للدولار الواحد. وفي حين يُجمع أهل الاختصاص، من أتراك وأجانب، على رد ذلك إلى قرار المصرف المركزي التركي بخفض الفائدة إلى 15٪، تعتبر السلطة ارتفاع أسعار صرف العملات نوعاً من الحرب على تركيا بهدف إضعافها. في كلمته التي أعقبت اجتماع الحكومة، يوم الاثنين، قال الرئيس أردوغان إن ما يجري هو «حرب الاستقلال الاقتصادي» معلناً عن مواصلة رفضه للوصفات «الانتدابية» لحل الأزمة.
وبلغ الأمر بإعلام الموالاة حد إقامة توازٍ بين انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية من جهة، واتساع الدور التركي خارج الحدود من جهة ثانية، فقال أحد المدافعين عن السياسة النقدية للحكومة إنه يمكن ببساطة خفض سعر صرف الدولار والعملات الصعبة الأخرى مقابل الليرة، باتباع سياسات خاضعة للإملاءات الغربية: سحب القوات التركية من ليبيا وأذربيجان وسوريا، التخلي عن حقوق تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، إرضاء اليونان، إطلاق سراح عثمان كافالا وصلاح الدين دمرتاش، وما إلى ذلك من ضروب الخضوع للإملاءات الغربية.
ويقول مؤيدو الحكومة أن تركيا تكبر كقوة دولية وازنة، وهذا ما يجلب عليها العداء من القوى العظمى بهدف تركيعها. ويضيفون إنهم مستعدون لجميع أنواع التضحيات من أجل رفعة الوطن.
الواقع أن الرئيس أردوغان غيّر وزير المالية ورئيس البنك المركزي ثلاث مرات خلال عام واحد، واتخذ المصرف المركزي قرارات متناقضة بشأن معدلات الفائدة مع كل تغيير من التغييرات المذكورة، خفضاً ورفعاً، ولم يصل إلى النتائج المرغوبة في وقف تدهور العملة المحلية ووقف تصاعد التضخم وارتفاع مستوى الأسعار في المواد الأساسية. ويعتبر نقاد الحكومة هذا التذبذب في القرارات النقدية، سبباً كافياً لفقدان الثقة من قبل المستثمرين المحليين والأجانب، الأمر الذي ينعكس سلباً على معدلات نمو الناتج القومي الإجمالي، وارتفاع البطالة واتساع رقعة الفقر.
بصورة طبيعية تستثمر أحزاب المعارضة سياسياً في اضطراب الأحوال الاقتصادية هذا، وتعتبر أن السبب الرئيسي في ذلك ليس فقر البلاد بالموارد، بل تفرد السلطة في اتخاذ القرارات، ليس كحكومة بل كرئيس جمع في يده كل السلطات التنفيذية. ولم تفوّت تلك الأحزاب فرصة «الثلاثاء الأسود» لليرة التركية، للتحرك بزخم متجدد، فطالب «تحالف الشعب» بقيادة كمال كلجدار أوغلو وميرال آكشنر، بعد «اجتماع عاجل» بينهما بانتخابات مبكرة هدفها التغيير.
وعموماً يتصرف رئيس حزب الشعب الجمهوري كلجدار أوغلو، منذ فترة، كما لو كان هو رئيس الدولة. فقام بدعوة بيروقراطيي الدولة إلى رفض الخضوع لأي املاءات من السياسيين تتعارض مع القانون والتشريعات النافذة، متوعداً إياهم بالمحاسبة، موحياً بذلك بأن تغيير السلطة بات وشيكاً. وللمرة الأولى في تاريخ حزب الشعب الجمهوري يصوت نوابه في البرلمان ضد تجديد السماح للحكومة بإرسال قوات عسكرية إلى سوريا والعراق. وفي مبادرة اعتبرت «تاريخية» أعلن كلجدار أوغلو أنه سيطالب الفئات الاجتماعية التي تعرضت إلى مظالم الدولة، في فترات مختلفة من تاريخ تركيا الحديث، بالمسامحة والعفو، سواء كان حزب الشعب الجمهوري هو المسؤول عن تلك المظالم أم لا.
مختصر القول أن كلجدار أوغلو يتوجه إلى الشعب التركي، بكل مكوناته وفئاته، ويسعى إلى منحه الثقة بالتغيير وبقدرة المعارضة على حل مشكلات الناس التي فشلت الحكومة في حلها. ومفتاح التغيير كما تُجمع أحزاب المعارضة إنما هو العودة إلى النظام البرلماني والتخلص من سلطة شخص واحد يجمع جميع السلطات في يده.
إلى أي حد يتجاوب الشعب مع حملات المعارضة هذه؟ من المبكر الجواب على هذا السؤال. صحيح أن نتائج استطلاعات الرأي الدورية تعبير عموماً عن انحدار كبير ومطرد في شعبية حزب العدالة والتنمية، لكن هذا الانحدار لا ينعكس صعوداً بالنسبة نفسها في شعبية أحزاب المعارضة، وإن كانت نتائج بعض هذه الاستطلاعات تشير إلى تقدم في نسبة التصويت للتحالف المعارض، لكن المعطى الأبرز هو اتساع نسبة المتحيرين الذين لا يمنحون ثقتهم لا للسلطة ولا للمعارضة.
إلى جانب استطلاعات الرأي المذكورة، هناك المقابلات مع الناس في الشارع التي كثر ظهورها في وسائل الإعلام، وفيها ما ينبغي أن يقلق السلطة من احتمال فقدان الدعم الشعبي الذي أبقى العدالة والتنمية في السلطة عشرين عاماً إلى الآن.
ومن أسباب القلق الإضافي ما وصفه الصحافي والنائب عن حزب العدالة والتنمية في البرلمان شامل طيار بـ«الفخ» الذي نصب للسلطة، وتمثل في شرط حصول المرشح لرئاسة الجمهورية على نسبة 50٪ زائد صوت واحد على الأقل، ليصبح رئيساً للجمهورية في النظام الجديد الرئاسي.
وفي المستوى السياسي، أعلن أردوغان صراحةً قلقه بشأن هذا الشرط، وأحال التعامل معه إلى البرلمان. في حين أن شريكه في «تحالف الجمهور» دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية أعلن بوضوح تمسكه بشرط الخمسين في المئة زائد واحد، معتبراً إياه مسند شرعية النظام الرئاسي. وجرى اجتماع مفاجئ بين الشريكين أردوغان وبهجلي في اعقاب هذا التصريح.
وبهجلي الذي يخشى فقدان تمثيل حزبه في البرلماني، بسبب حاجز العشرة في المئة في قانون الانتخابات، متمسك بتحالفه مع العدالة والتنمية، لكنه بدا بسبب إصراره في الدفاع عن الشرط المذكور بشأن الانتخابات الرئاسية كما لو كان يتخلى عن حليفه أردوغان في ظرف من أصعب الظروف التي مر بها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة في العام 2002.
كاتب سوري
القدس العربي