عن أزمة المعارضة السورية -مقالات مختارة-
————————–
بعد 100 عام: توحيد المعارضة السورية/ عمر قدور
حسن عبدالعظيم وسالم المسلط يجتمعان في إسطنبول، في ضيافة ائتلاف المعارضة؛ الجهة الداعية للاجتماع من أجل حل الخلافات بين الائتلاف وهيئة التنسيق الوطنية. وكي لا يذهب الظن بعيداً، الخلاف الرئيسي المعلن بين الطرفين هو اقتسام “تعيين” المستقلين في الهيئة العليا للتفاوض، وعمر الخلاف سنتان فقط! والبشرى السارة أن اجتماعات يومين أسفرت عن تشكيل لجنة من الجانبين، ويُفترض باللجنة الذهاب إلى الرياض للتفاوض أيضاً مع الدولة الراعية التي قد يكون لها تصورات مختلفة للحل، إذا صمد الاتفاق بين الائتلاف والهيئة حتى وصولها إلى هناك.
بيان الائتلاف، الذي واكب بدء الاجتماعات بين الجانبين قبل أسبوع، تجاهل الخلاف على ثمانية مقاعد في هيئة التفاوض لينصرف للتركيز على الرؤى السياسية المشتركة، ومنها تمسكهما بالقرارين الدوليين 2118 و2254. يُفهم أيضاً من البيان تخوفهما من محاولات تعويم الأسد، ما يوجب على المعارضة التوحد لمواجهته، وها هي تفعل ذلك غير متأخرة إطلاقاً!
إذا كان هناك وجه للطرافة السوداء يدفع الملل في ما سبق فهو مجيء الاجتماعات لتذكّر بالائتلاف والهيئة وخلافاتهما، ولتذكّر أيضاً بمطلب تراكمت فوقه أطنان من الغبار هو وحدة المعارضة السورية، وكان المقصود بها الاتفاق على رؤية سياسية للتغيير في سوريا، والدخول بها في المفاوضات مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية. لم يكن التفاوض في جنيف مطروحاً عندما أطلق ناشطون على واحد من أيام جمع التظاهر اسم “جمعة وحدة المعارضة”، كان ذلك في الثالث والعشرين من أيلول2011 ، وها هما الطرفان الرئيسيان “اللذان لم يتغيرا في الجوهر إذ ورث الائتلاف المجلسَ الوطني” يسعيان لتحقيق الهدف بعد ما يزيد عن العشر سنوات بشهرين ليس إلا.
ما يوحد المعارَضتين أكثر من أي شيء آخر هو عدم الإحساس “ثم عدم الاعتراف” بتأخرهما لأكثر من عقد، وبأن ما كان مطلوباً من قبل لم يعد مطلوباً الآن. الحق أن ما كان مطلوباً قبل سنوات قليلة يمكن تلخيصه بتنحي هذه المعارضة على خلفية اليأس منها، ولم تكن حينها إعادة تدوير الأسد مطروحة بقوة كما هي الآن، وكان الاعتراف بالفشل والتنحي مطلوبين على أمل أن يؤديا إلى تظهير بديل لا يرث سيئات الأطراف الأساسية في المعارضة كما برزت منذ عام2011. اليوم حتى هذا المطلب توارى بداعي اليأس، اليأس المتولد أولاً من تفاقم عدم الثقة بالتشكيلات السياسية المعارضة، ثم عدم الثقة برعاتها الدوليين والإقليميين.
خلال أكثر من عقد تعيشت المعارضة على أنها الخيار الموجود، والمعتمد خارجياً، أي أن وجودها واستمرارها كانا بمعزل عما تنجزه “بالأحرى عما لا تنجزه”، وعن المحاسبة المرتبطة بما لا يُنجز. لسان حال المعارضة: من لا يعجبه أداؤنا فلينشئ هيئة معارضة أخرى. هذه العبارة، صراحة أو مواربة، خَبِرها السوريون من مختلف التشكيلات والهيئات والفصائل العسكرية وحتى جمعيات الـ”إن جي أوز”. في أحسن الأحوال، الإنجازات لدى هؤلاء جميعاً ممتنعة بسبب الظروف القاهرة التي يمر بها الوضع السوري، وبسبب تخاذل الخارج أو تآمره، بما يذكّر بمعزوفة إعلام الأسد المفضّلة خلال عقود.
لا يُعرف بدقة ما دار في غرفة الاجتماعات، إلا أن رئيسي الائتلاف وهيئة التنسيق ظهرا معاً في برنامج تلفزيوني قبل يومين، في برنامج “منتدى دمشق” على تلفزيون سوريا، أدارت الحوار نور الهدى مراد. أبرز ما سعى إليه الاثنان في الرد على الأسئلة هو إظهار الروح الإيجابية المتبادلة، إنما من خلال الكلام في العموميات، وتحاشي الرد بدقة على بعض الأسئلة الذي يذهب إلى مواضع الخلاف المعروفة، وهذا ليس دلالة على التفاهم بينهما على قاعدة الاتفاق أو الاختلاف. رئيس الائتلاف كان الأكثر إصراراً على نجاح المفاوضات، بل قال أنهما أصبحا طرفاً واحداً، لكن يمكن بسهولة خلافاً لتفاؤله “وبناء على وقائع معروفة” تخيُّل عودته رفقة نظيره بعد 100 عام لتكرار الحديث نفسه.
لم يبخل الاثنان في ظهورهما التلفزيوني ببعض المفاجآت، فرئيس الائتلاف نفى وجود تغيير في السياسة الأمريكية بعد استلام إدارة بايدن بالقول: ما سمعناه منهم “أي الأمريكان” يختلف عما ينشر في الإعلام. وهو أشار إلى وجود تواصل مع موسكو، إنما بواسطة واشنطن! المنسق العام لهيئة التنسيق كشف عن تراجع الاتصالات بين هيئته والروس، بعدما كانت منتظمة بلقاء أسبوعي مع القائم بأعمال السفارة الروسية في دمشق، لأن السفير الجديد “المفوَّض باسم الرئيس بوتين” يبتعد عن التنسيق مع الهيئة تهرباً من جديتها في العملية السياسية.
يثني منسق الهيئة على المعارضة بالقول أنها بذلت جهوداً جبارة ولا تزال، ليرمي المسؤولية على تدخلات الخارج، ويلاقيه رئيس الائتلاف بنفي أن تكون المعارَضات مرتهنة، كل منها لجهة خارجية، بل هي ذات قرار مستقل. ورداً على أحد الأسئلة يقول المنسق: نحن قادرون على تحريك الشارع “ضد الأسد” لكنه سيُقابَل بالرصاص الحي. وكأن معارضته والأسد يتقاسمان البلد، للأولى الشارع، وللثاني المخابرات والشبيحة والجيش، بينما يأخذ الائتلاف حصته بادعاء تمثيل السوريين في الخارج وفي بعض مناطق الداخل الخارجة عن سيطرة الأسد.
بكل ثقة، ومن دون إبداء أدنى أسف على أداء المعارضة ولو لرفع العتب، يتمنى رئيس الائتلاف على السوريين أن يثقوا بمن يمثلهم. ربما ينبغي على أحد ما إخبار رئيس الائتلاف ومنسق الهيئة بأن أقصى اهتمام يناله اجتماعهما سينصب على البحث عن دلالات الاجتماع لجهة وجود توجيهات لهما، أو تشجيعهما إذا كانت الكلمة السابقة تثير الحساسية، من أجل الاجتماع والإيحاء بوحدة المعارضة. حتى توافق الدول التي تتقاسم النفوذ على المعارضة لم يعد أمنية لدى السوريين، حاله حال العديد من المطالب التي فات أوانها. هذا ليس من باب العدمية السياسية، فما يحدث أن جثة السنوات العشر الأخيرة تتعفن، أما الجديد فلم يولد بعد.
المدن
——————————-
المعارضة السورية تعد العصي/ بشير البكر
مخاوف في أوساط المعارضة السورية من تخفيف العقوبات الأميركية على النظام، من خلال قرار واشنطن توسيع الاستثناءات الممنوحة للمنظمات غير الحكومية، من أجل العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. وأثار هذا القرار جدلا واسعا في أوساط المعارضة، التي اعتبرت أن هذا القرار يشكل أكبر خطوة معلنة من جانب أميركا على طريق فك العزلة عن النظام.
هذا التشخيص ليس دقيقا، فقد سبقته خطوات أخرى أكثر خطورة. وكانت الإدارة الأميركية قد سارت في هذا الطريق منذ حزيران الماضي، حينما رفعت العقوبات المفروضة على عدد من رجال الأعمال المرتبطين بشبكة رئيس النظام بشار الأسد وإيران المالية، وأزالت الخزانة الأميركية، في العاشر من حزيران الماضي، شركتين تتبعان لرجل الأعمال السوري سامر فوز، المعروف بقربه من النظام، من قوائم العقوبات. وتلاها رفع واشنطن جزءاً من العقوبات الاقتصادية، لتسهيل صفقة استجرار الطاقة إلى لبنان عبر مصر والأردن، أو ما يسمى مشروع الغاز، والتي من شأنها أن توفر لنظام الأسد شريان حياة ماليا وسياسيا، ومن أجل تسهيل هذه الصفقة، تدخل منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك لدى السلطات المصرية لبيع الغاز إلى لبنان، عبر خط أنابيب يمتد في الأراضي السورية.
وليس سرا أن القمة التي جمعت الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في السادس عشر من حزيران الماضي، دخلت في مساومات، تعهدت بموجبها واشنطن تخفيف عقوبات “قيصر” على النظام، مقابل عدم عرقلة موسكو تجديد آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا لمدة عام. وهذه مقايضة غير إخلاقية، بل ترقى في نهاية المطاف إلى مكافئة بوتين على تجويع السوريين، وهي في كل الأحوال عمل شنيع، يتجاوز التنازل من جانب واشنطن إلى السقوط في الحضيض الروسي.
هذا في الوقت الذي لم تول الإدارة الأميركية الملف السوري الاهتمام الكافي حتى الآن، ولا يبدو أنها ستغير من طريقة تعاطيها مع القضية السورية. وما تقوم به في الوقت الحالي يبدو أنه أقصى ما يمكن أن يصدر عنها، وهو يمثل الحد الأدنى الذي يقف عند الشأن الإنساني. أما فيما يخص العقوبات، فإن الإدارة لم تفرض أي عقوبات على النظام بحسب “قانون قيصر” منذ وصولها حتى الآن، وذلك على غير ما درجت عليه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي كانت صارمة، ولها يعود الفضل في سن “قانون قيصر” ومتابعة تطبيقه، ولذلك تدخلت عدة مرات كي تردع محاولات التطبيع، ومنعت شركات إماراتية من الانفتاح على النظام، ثم إن زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق مؤخرا، ما كانت ستتم في عهد إدارة ترامب.
ومن المؤكد، أن ما تقوم به إدارة بايدن ليست خطوات بلا دراسة وتخطيط، وإنما هي في سياق منهج الانفتاح التدريجي على النظام بوسائل ملتوية، وسيزداد الموقف سوءا في حال تم توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وأفرجت واشنطن عن جزء من الأموال الإيرانية، والتي ستمول نظام الأسد من جديد. وحينذاك سيستكمل كل حروبه التي تعاني بسبب شح الموارد المالية.
المعارضة ليس لها سوى إبداء المخاوف والقلق والحديث بصوت خافت، بعد أن صارت هامشية وموزعة الولاءات وبلا تأثير، بل هناك من بين فروعها من يبيع السوريين الأوهام. ففي الوقت الذي تنازلت الإدارة الأميركية عن العقوبات على النظام، تتحدث المعارضة عكس ذلك. وطبعا هي قادرة على التأثير في الموقف الأميركي لو تحركت وعملت ضمن الهوامش المتاحة وهي واسعة، ومثال ذلك في آذار الماضي، حثّ أكثر من 100 عضو في “الكونغرس” من كلا الحزبين إدارة بايدن على استخدام نفوذها للضغط على إيران التي تبسط يدها العسكرية في سوريا. وكان في وسع المعارضة أن تستفيد من هذا الزخم، وتوظفه، وفي وسعها أن تعتمد على الهيئات السورية في الولايات المتحدة من أجل عدم تخفيف العقوبات الأميركية على النظام.
تلفزيون سوريا
———————————
وأد الثورة السورية/ عمار جلو
مرّ قرابة العقد على جلوس الشيخ أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على المقعد المخصص للحكومة السورية في اجتماع الجامعة العربية، المنعقد في آذار/ مارس 2013، فيما تتزايد اليوم الأحاديث عن عودة سوريا إلى صفوف الجامعة بعد عقد من القطيعة، كأحد ثمار مشروع إمداد لبنان بالطاقة عبر الأراضي السورية وما أتبعه من زيارات متبادلة بين الجانبين السوري والأردني، بالإضافة للزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق مؤخراً، وهو ما يسلّط الضوء على مسيرة الفشل التي سارت بها المعارضة السورية وما زالت مع إنكارها لهذا الفشل.
لا يمكن الحديث عن انتصار النظام في الحرب المفتوحة على شعبه المطالب بالحرية والتغيير الديمقراطي، والتي وضعت الأسد بين خيارين، التنحي أو الحرب الدموية، التي آثرها سفاح دمشق ودعّمها بالإطار الطائفي، مما أدّى لتمزيق المجتمع مع فشل الدولة وانهيارها غير المعلن.
كذلك لا يمكن الحديث عن فشل الثورة في إحداث التغيير الديمقراطي دون الحديث عن فشل المعارضة في قيادة هذه الثورة والعبور بها لأهدافها المرجوة، فقد عجزت المعارضة عن تقديم خطاب واعٍ ومطمئن للشعب السوري على اختلاف مشاربه كمحصلة لانقسامها، الفكري والسياسي، الداخلي والخارجي، السياسي والعسكري، وقد ذهبت الجهود والضغوط الدولية الرامية إلى توحيد المعارضة أدراج الرياح، فقد تم ركل الاتفاق (الميثاق الوطني لسوريا الجديدة) الذي توصّل له طرفا المعارضة، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، عام 2012 في اليوم الثاني لتوقيعه، كذلك فشلت المعارضة في تسويق نفسها كطرف ينبذ الاستبداد ويسعى للديمقراطية ودولة المؤسسات، إذ مارست الاستبداد والتفرّد بالرأي ضمن صفوفها، وهو ما ولّد انشقاقات زادت من شرذمتها وخروجها عن الخط الوطني، حيث تم الاستقواء بالدول نتيجة رفض المعارضة لتيارات خارجة عن رؤيتها.
لم تدرك المعارضة السورية طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقها ولا طبيعة العلاقات الدولية للنظام العالمي، إذ فضلت السير خلف الشارع الثائر بدلاً عن قيادته، فالبطولة والشجاعة التي تحلّى بها العمل الثوري باب من أبواب الوصول لأهداف الثورة، التي تتطلب إدراك المطبات والألاعيب السياسية ومجابهتها أو بالعمل السياسي وفنونه، وهو عنصر غائب عن الشارع الثوري نتيجة انعدام التجارب لدى الأغلبية.
أما ما يتعلّق بالعلاقات الدولية، فقد أحجمت المعارضة عن قبول الحلول السياسية، والتي دخلتها مرغمة بدايةً، ثم نادت بها لاحقاً بعد تدرّج الموقف الدولي نزولاً عنها، كبيان جنيف، الذي نصّ على ”هيئة حكم مؤقتة بصلاحيات تنفيذية كاملة وبموافقة الطرفين”، حيث عزّز النص المذكور من تصلّب موقف المعارضة تحت تأثير الفيتو الممنوح لها بموجب نص البيان، وأدى لرفع سقف مطالبها إلى التغيير الشامل للنظام، فقضت بهذا الطلب على محاولات الانشقاق المؤثرة في البنية الصلبة للنظام، أو ما يُعرف في العلوم السياسية بخلق القوة الثالثة، ثم عادت للمطالبة ببيان جنيف بعد تراجع الموقف الدولي عن صيغة جنيف بموجب القرار 2254 لعام 2015، كذلك ركنت المعارضة للوعود اللفظية دون تقليبها وتمحيص جديتها في ضوء الأحداث وقراءتها.
لم تقدّم المعارضة مشروعاً حقيقياً لسوريا ما بعد الأسد، وهو ما لا تقبله السياسة الدولية التي تُبنى المواقف فيها بالاستناد إلى مواقف والتزامات واضحة، مقنعة وموضوعية، ولعل ما ناله الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من اعتراف الكثير من الدول به كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، مثّل بالون اختبار لهذه المعارضة، لدراسة سلوكياتها على ضوئه قبل تنفيذها لمترتباته القانونية من طرد البعثات الدبلوماسية للأسد وتسليم مقارّها للمعارضة، فالدول تبني مواقفها بالتدرّج التصاعدي غالباً، إلا أنّ فشل المعارضة بالاختبار أبقى الاعتراف المذكور معلّقاً في الهواء.
أن تكون على حق شيء، وأن تصل لهذا الحق شيء آخر، فقد استندت المعارضة على المظلومية وممارسة اللطم السياسية بدل تقديم خطاب مطمئن للدول الفاعلة يكون رافعة لحسم موقفها تجاه طرفي المعادلة السورية، فحتى روسيا وإيران، كانت مطابخهما السياسية تتداول آراء ومقترحات لسوريا بدون الأسد، غير أنّ المعارضة قد مارست العكس، من تأييدها للتنظيمات الإرهابية على لسان رئيس ومسؤولي الائتلاف والمعارضة إلى العمل وفق أجندة أيدولوجية ومشاريع إقليمية.
خفف الانقسام بين جناحي الثورة، السياسي والعسكري، من وزن المعارضة المدنية والسياسية، فمع تعنّت الجيش الحر والفصائل المحسوبة عليه عن الانضواء تحت القرار السياسي، لم يبقَ للمعارضة من هامش للعمل السياسي أو لمأسسة العسكرة التي اختارت البقاء منفلتة في قرارها باحثة عن السلطة في مناطق سيطرتها، وفي سبيل ذلك عملت على الوصول إلى منابع تمويل مستقلة لتكريس استقلاليتها، مما أورث الجغرافيا السورية كانتونات متفرقة تبني سياستها وفق متطلبات البقاء في السلطة على الجغرافيا الخاصة بها وزيادتها بمعزل عن الهم الثوري العام، مارست تلك الفصائل لاحقاً علميات بيع شركائها الثوريين في البازار الجهادي المتمدد.
لم يكن التسلّح خياراً للثورة، بحسب البعض، ويخالفهم البعض الآخر، إلا أن الانحراف الذي انزلقت له الفصائل بمواجهة الدولة بدل مواجهة لسلطة رفع أكلاف الثورة ومدّ أمدها، ضاعفت الفصائل هذه الأكلاف بسعيها لتثوير المدن عن طريق الدخول المسلح إليها، مما أدخل الثورة والمعارضة في دوامة تتجاوز إمكانياتها المادية والتقنية، ومع بروز داعش ونشأة التحالف الدولي لمحاربتها، تم دفن آخر آمال الثورة، بعد إحجام الفصائل الثورية عن محاربة داعش والانضواء تحت مظلة التحالف كقوات رديفة على الأرض، وهو موقف تشاركت فيه الغالبية العسكرية والسياسية، التي لم يبخل أعتى علمانييها بكيل المديح لتنظيمات الجهاد الأسود على الأرض السورية، تلك التنظيمات التي فرّغت الثورة السورية من قيمها، وهو ما ننكره حتى الآن.
بالغ الثوار المسلحون بالشتائم والتطاول على المعارضة السياسية بحجة عم تعليتها لقيم الثورة وتضحياتها، مقسمين الثوار إلى ثوار الداخل وثوار الخارج وثوار الخنادق وثوار الفنادق، وما إن فتحت أستانا أبوابها حتى تدافعوا إليها، متسابقين فيما بينهم على الارتزاق والتنازل المجاني عن الثورة والوطن.
——————————-
«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية لمفاوضات سورية ـ كردية/ إبراهيم حميدي
تتناول مستقبل «قسد» و«الإدارة الذاتية» والثروات الاستراتيجية
تشجيع الحوار بين دمشق والقامشلي، نقطة ثانية يتوافق عليها الأميركيون والروس، إضافة إلى بند إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ما يرجح عقد جولة تفاوضية جديدة بين الأكراد والحكومة السورية، بعد زيارة وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية» الكردي – العربي برئاسة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، وبعد لقاء مبعوثي الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف في 10 من الشهر الجاري.
هذه الجولة، التي تجري بـ«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية وسط توقعات مختلفة من دمشق والقامشلي وموسكو إزاء مستقبل الوجود العسكري الأميركي، يتوقع أن تتناول قضايا كبرى مثل مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية»، وأخرى عملياتية تخص المساعدات والخدمات، والانتشار العسكري لـ«ردع» بشأن توغل تركي جديد.
خلفية المفاوضات
جرت جولات تفاوضية عدة بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووفود كردية، بينها وفد سياسي برئاسة إلهام أحمد وعضوية سيهانوك ديبو، ووفد عسكري ضم قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أو قائد «وحدات حماية الشعب» سيبان حمو، في نهاية 2016 و2017، وفي 26 يوليو (تموز) 2018 و8 أغسطس (آب) 2018، وأكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبعد قرار الرئيس دونالد ترمب سحب قواته من قسم شرق الفرات، وتوغل تركيا بين رأس العين وتل أبيض، زار حمو القاعدة الروسية في حميميم، ثم دمشق، والتقى بحضور قادة في الجيش الروسي مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع العماد علي أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما زار حمو العاصمة الروسية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتقى وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ورئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان سيرغي رودسكوي.
وسلم الوفد الكردي الجانب الروسي مبادرة تضمنت 11 بنداً، 6 منها تلبي مطالب دمشق، وهي أن «سوريا دولة موحدة، والاعتراف بحدودها الدولية وأنها دولة مركزية وعاصمتها دمشق»، وأن «الرئيس المنتخب، أي الرئيس بشار الأسد، هو رئيس كل السوريين»، وأن «الثروات الطبيعية هي ثروة وطنية لكل السوريين». وتناول البند الرابع الاعتراف بـ«السياسة العامة للبلاد المسجلة في الدستور»، والخامس الاعتراف بـ«علم واحد» للبلاد، وهو العلم الرسمي للجمهورية العربية السورية بموجب الأمم المتحدة، إضافة إلى بند سادس يقر بـوجود «جيش واحد» للدولة.
كما تضمنت المبادرة 5 بنود «تلبي مطالب الجانب الكردي»، أولها إلغاء «قانون الطوارئ» بموجب تعديل الدستور، وإصلاح دستوري يؤدي إلى دستور توافقي، وقانون أحزاب وقضاء نزيه ومستقل، و«الاعتراف بالإدارة الذاتية» شمال شرقي البلاد، و«إلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكردي»، وتجاوز «الإجراءات الظالمة»، وبينها الإحصاء الاستثنائي للعام 1962 وحرمان آلاف من الجنسية، إضافة إلى إلغاء «الضغط الأمني» ضد الأكراد. وتضمن البند الرابع «اعتراف الدولة المركزية بالأكراد مكوناً رئيسياً من مكونات الشعب السوري» مثل باقي المكونات، إضافة إلى بند خامس نص على «تحديد المالية – الموازنة لكل المناطق، بما فيها المناطق الكردية».
واستند الموقف الكردي إلى «أدوات ضغط»، بينها وجود الجيش الأميركي، وسيطرة حوالي مائة ألف مقاتل من «قوات سوريا الديقراطية» على ثلث البلاد (المساحة الإجمالية 185 ألف كلم مربع) ومعظم الثروات الاستراتيجية من نفط وغاز ومياه وزراعة شرق الفرات، إضافة إلى دعم روسي ظهرت معالمه في تسليم وزارة الدفاع مسودة دستور للأطراف السورية في 2017، نصت على «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان، فيما اعتبر قبولاً للإدارة الذاتية واللامركزية في سوريا.
يضاف إلى ذلك أنه بعد قرار ترمب في نهاية 2019، وقع عبدي وسبان ومملوك مذكرة تفاهم تضمنت نشر قوات من الجيش وحرس الحدود في مناطق عدة على الحدود وشرق الفرات، وهي المنطقة التي تقلصت حصة الأكراد وأميركا فيها لصالح توسع حصص دمشق وأنقرة وموسكو.
فجوة عميقة
أظهرت المفاوضات الكردية – السورية عمق الفجوة بين الطرفين. ذلك أن دمشق ترفض ضم «قوات سوريا الديمقراطية» ككتلة عسكرية في الجيش، وتقترح حلها وذوبانها في الجيش، كما أنها تتمسك برفع العلم الرسمي في كل أنحاء البلاد، وبأن الأسد هو الرئيس السوري، إضافة إلى رفض «تقديم تنازلات دستورية» للأكراد أو الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، مع استعداد لقبول مبدأ الإدارات المحلية بموجب القانون 107 وتخصيص حصص مدرسية للغة الكردية.
أما بالنسبة إلى الثروات الاستراتيجية الموجودة شرق الفرات، فإن دمشق تريد أن يكون قرارها مركزياً، مع إعطاء حصة أكبر من عائداتها للمنطقة. يضاف ضمناً إلى ذلك أن دمشق تريد أن يكون الحوار مع الجانب الكردي باعتباره طرفاً وليس الطرف الوحيد الذي يمثل الأكراد.
وإزاء التشدد السياسي الاستراتيجي، هناك مرونة في دمشق في الوصول إلى صفقات عملياتية، إذ لم تمنع التوصل إلى اتفاقات وصفقات مثل تمرير نفط خام إلى مصفاة حمص أو بانياس لتكريره وإعادة جزء منه، أو تشغيل سدود للطاقة وللمياه، واتفاقات اقتصادية تخص المحاصيل الرئيسية.
من جهتها، بقيت «الإدارة الذاتية» تراهن على الجانب الروسي. وفي صيف العام الماضي، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين «مجلس سوريا الديمقراطية»، برئاسة إلهام أحمد و«حزب الإرادة الشعبية»، بقيادة قدري جميل. وفسر مراقبون أكراد المذكرة بأنها تضمنت الاعتراف بـ«وحدة سوريا أرضاً وشعباً»، وأن «الإدارة الذاتية جزء من النظام الإداري»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» جزء من جيش سوريا الوطني.
وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أبدى «استعداد بلاده لمواصلة العمل من أجل تهيئة ظروف ملائمة للتعايش المنسجم والتقدم لكل المكونات الدينية والعرقية في المجتمع السوري». كما أكد أن «الوثيقة» التي لم تكن روسيا «طرفاً فيها»، ووقعت في موسكو «أكدت الالتزام بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية». لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفضها، وقال رداً على هذه المذكرة إن «أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري لا ندعمه». وكانت دمشق رفضت «مسودة روسية» للدستور تضمنت تأسيس «جمعية مناطق» يشارك فيها الأكراد.
جولة جديدة
منذ لقاء القمة بين بوتين وبايدن في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الماضي، عقدت ثلاث جولات غير علنية بين مبعوثي الرئيسين في سويسرا. وتمثل الهدف الرئيسي في الاتفاق على تمديد قرار دولي للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط» في بداية يوليو الماضي. لكن، في هذه المنصة ومنصات أخرى، كان بينها زيارات بواسطة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، تجددت الدعوات إلى استئناف الحوار بين دمشق والقامشلي. وأظهرت هذه المناقشات أن هناك رغبة روسية – أميركية باستئناف الحوار السوري – الكردي، بحيث تشجع واشنطن الأكراد على ذلك بـ«رعاية» روسية. وهناك قناعة واسعة بأن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك من أكثر المتحمسين لذلك.
وهناك مستويان للجولة الجديدة من المفاوضات بين دمشق والقامشلي:
– مستوى عملياتي، مثل تشغيل معبر اليعربية على حدود العراق، بإدارة سورية – كردية، لإيصال المساعدات الإنسانية، وتنسيق ميداني عسكري بما يحول دون توغل تركي إضافي، باعتبار أن عدم حصول ذلك هو نقطة تفاهم أميركية – روسية حالياً، إضافة إلى صفقات خدمية واقتصادية لصالح الطرفين.
– مستوى سياسي، يخص نقاطاً رئيسية تتعلق بمستقبل «الإدارة الذاتية» وعلاقتها مع الدولة المركزية، و«قوات سوريا الديمقراطية» ودورها في الجيش، والقومية الكردية حيث لاتزال الفجوة كبيرة حولها، مع جسر الفجوة إزاء قضايا أخرى مثل وجود العلم السوري والرئيس السوري والموقف من الأكراد عموماً.
ولا شك أن النظرة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي من جهة والتفاهمات الأميركية – الروسية من جهة ثانية والتفاهمات التركية – الروسية – الأميركية، تخيم على الموقف التفاوضي لكل من دمشق والقامشلي.
الشرق الأوسط
—————————–
تعديل عقوبات “قيصر”..جزء من صفقة أميركية مع روسيا/ مصطفى محمد
دفع التعديل الأخير لقانون “قيصر” وتوسيع الاستثناءات الممنوحة من قبل وزارة الخزانة الأميركية للمنظمات غير الحكومية في سوريا، والسماح لها بالتعامل مع شخصيات ومؤسسات في النظام، إلى حراك في صفوف المنظمات السورية العاملة في الولايات المتحدة.
ورغم استخدام الخزانة الأميركية للاعتبارات “الإنسانية” مسوغاً لقرار منح الإعفاءات، يعتقد طيف من السوريين أن الخطوة الأميركية تنذر بتحولات غير مسبوقة، عنوانها اتباع واشنطن لسياسة إرخاء الحبل اقتصادياً للنظام السوري.
ونظراً لذلك، فإن هذه “التحولات” تتطلب متابعة حثيثة من المنظمات التي لديها قنوات مع الإدارة الأميركية، وعن ذلك أكد المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية (منظمة أميركية غير حكومية)، معاذ مصطفى، أن المنظمة حذرت وزارة الخزانة من أن يستخدم النظام الإعفاء لصالحه “رغم أهمية الخطوة وضرورتها لعمل المنظمات الإغاثية داخل سوريا”.
وحول طبيعة الرد الأميركي على التحذيرات، وصف مصطفى في حديثه ل”المدن”، الرد الذي تلقته المنظمة من الخزانة والكونغرس ب”الإيجابي” وخصوصاً أن قرار الخزانة أكد على استمرار الإدارة في تركيزها على ردع الأنشطة الخبيثة للنظام، لكنه قال: “مع ذلك يجب العمل مع الأصدقاء في الكونغرس، لمنع ما يبدو تراخياً في تطبيق العقوبات مع بداية العام الجديد 2022”.
وما يثير مخاوفه بشكل محدود، هو عدم وضوح موقف بعض أعضاء فريق إدارة بايدين في “مجلس الأمن القومي” الأميركي، ومنهم منسق الشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، ومديرة ملف سوريا والعراق زهرة بيل، من مستقبل العقوبات على النظام السوري.
وكانت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة أندريا جاكي قد أكدت أن الحكومة الأميركية تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، بهدف التخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي لا يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا. وتابعت أن “الولايات المتحدة تواصل التركيز على ردع الأنشطة الخبيثة لبشار الأسد ونظامه وأعوانه وداعميه الأجانب”.
وعلى الصعيد ذاته، وضع أيمن عبد النور مدير منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، المنظمة التي شاركت في تأسيس “التحالف الأميركي من أجل سوريا” في تشرين الثاني/أكتوبر 2021، قرار وزارة الخزانة الأخير، في إطار تنفيذ الالتزامات التي تم التوافق عليها أميركياً مع روسيا قبل تمديد آلية إدخال المساعدات لسوريا عبر الحدود، في تموز/يوليو الماضي.
وأشار في حديث ل”المدن”، إلى اقتراب موعد نقاش تجديد آلية إدخال المساعدات (6 شهور)، ويقول: “لذلك سمحت واشنطن للمنظمات غير الربحية (منظمات المجتمع المدني) بالعمل مع جهات تابعة للنظام في بعض القضايا المتعلقة بالثقافة والعمل الإنساني”.
ممثل الائتلاف في واشنطن قتيبة إدلبي قال ل”المدن”، إن الغرض الرئيسي من التعديل الأخير، هو تسهيل عمل المنظمات الإغاثية، بحيث يتم دحض ادعاء أن العقوبات الأميركية تمنع تلك المنظمات من عملها. وأضاف أن التوسيع ضمن للمنظمات أن تعمل بأريحية في كافة المناطق السورية، وخصوصاً في مجال التعاملات المالية مع البنوك والحوالات المالية من المنظمات.
وأكد إدلبي أن القرار الأخير كان محط توافق لتسهيل العمل الإنساني، وهذه الخطوة جاءت نتيجة نقاش دائر حول العقوبات منذ تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بادين للبيت الأبيض.
وتسمح الإعفاءات الجديدة للمنظمات غير الحكومية بشراء المنتجات البترولية المكررة ذات المنشأ السوري لاستخدامها في سوريا، وبعض المعاملات مع عناصر من حكومة النظام، وسبقها بأيام السماح من وزارة الخزانة كذلك لمنظمات المجتمع المدني بإجراء أنشطة ومعاملات تتعلق بالاستقرار والتعافي المبكر في سوريا.
وفي حزيران/يونيو 2021، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية أيضاً إعفاءات من العقوبات للنظام السوري لمواجهة فيروس “كورونا” شملت شركتين سوريتين، وأعطت كذلك الضوء الأخضر لممارسة الأنشطة المتعلقة بالتصدير أو إعادة التصدير أو البيع أو الاستيراد، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سوريا، للخدمات التي تتعلق بالوقاية أو التشخيص أو علاج الفيروس”.
—————–
في تعامل الروس مع القوى الكردية/ عمر كوش
يدرك الساسة الروس الموقف الضعيف لحزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والمدنية، ممثلة بوحدات حماية الشعب عماد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة الذاتية ومعها مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وغيره، وذلك بالنظر إلى المستجدات والتطورات التي حصلت مؤخراً مع تزايد الحديث عن انسحاب عسكري أميركي محتمل من سوريا، وتهديدات تركيا المتكررة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، فضلاً عن نظام الأسد الذي يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على المنطقة، وعن النقمة المتزايدة للعشائر العربية على سلطة الأمر الواقع في مناطق الجزيرة السورية، التي باتت تعرف باسم مناطق شرق الفرات.
وعلى أساس الموقف الضعيف والخيارات المحدودة يجري الساسة الروس اتصالاتهم ومفاوضاتهم مع الإدارة الذاتية، التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منذ عدة سنوات في مناطق شمال شرقي سوريا، بمشاركة رمزية لبعض الحلفاء المحليين من عشائر عربية وقوى سريانية وآشورية وسواها من القوى التي لا وزن لها ولا تأثير على الأرض.
وعلى أساس الموقف نفسه تعامل الروس مع وفد الإدارة الذاتية الذي زار موسكو مؤخراً، ومع جميع مخرجات قوى الأمر الواقع الكردية في مناطق شرق الفرات، وذلك من أجل إيجاد تسوية أو “مصالحة” يعيدون فيها ترتيب علاقة تلك القوى مع نظام الأسد، وفي إطار ما يردده قادة الكرملين عن “ضرورة المحافظة على وحدة واستقلال سوريا، أرضاً وشعباً”، التي يرفعونها شعاراً أو يافطة بوجه القوى المتدخلة الأخرى في القضية السورية، كي يحافظوا على كونهم القوة الوحيدة التي لها حق التدخل في كل ما يعني سوريا، أرضاً وشعباً، بوصفهم يمثلون قوة الاحتلال الأقوى فيها.
ويجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه، اليوم، مضطراً للتحاور مع النظام برعاية روسية، ومتخلياً عن شعاراته وطموحاته السابقة، التي أوهم بها الأكراد السوريين، وكانت مجسدة في أطروحات مثل إقليم روج آفا وشعب غرب كردستان والفيدرالية، وبات يتودد نظام الأسد، ويكتفي في القبول بتشكيل لجنة لدراسة قانون الإدارة المحلية، والنظر في مصير ميليشياته المسلحة التي يسميها “وحدات حماية الشعب” وسوى ذلك.
ولا يتردد المسؤولون الروس عن الكشف أن مسؤولين أكراداً، في حزب الاتحاد الديمقراطي وسواه، هم من طلبوا منهم المساعدة والتوسط في إقامة جسور مع نظام الأسد، وأن تواصلهم مع جميع الهياكل الكردية، يهدف إلى اطلاعها على مواقف موسكو، والطلب منها بأن تبدي استقلاليتها عن أجندة ومواقف الولايات المتحدة في سوريا، واستعدادها للانخراط في حل كل المسائل والقضايا العالقة مع نظام الأسد، والذي يرونه في الاتفاق والتفاهم مع النظام على تشكيل لجنة خاصة، لمناقشة قانون الإدارة المحلية، والهيكلية الإدارية في المناطق الشمالية والشرقية، “وإعادة تأهيل اقتصادها ومجالها الاجتماعي وعودة اللاجئين والنازحين وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها”.
ولم تنقطع علاقات واتصالات حزب الاتحاد الديمقراطي، ومعه الإدارة الذاتية، مع نظام الأسد خلال السنوات الماضية، كما أن النظام لم يتوقف عن مطالبة هذا الحزب ومخرجاته العسكرية والمدنية بإرجاع الدين الذي قدمه لهم من قبل، لذلك لا يعترف بالإدارة الذاتية بوصفها كياناً منفصلاً عنه، ولا يتقبل واقع التغيير الذي حصل في كامل الأرض السورية بعد عام 2011، وما يزال يتمسك بالعقلية نفسها التي أدت إلى تغيير الأوضاع بشكل كارثي بالبلاد، الأمر الذي يفسر عدم محاورة النظام بشكل جدي مع أي من الأطراف السورية، وليس فقط الإدارة الذاتية.
وبالرغم من خوض القوى السياسية والعسكرية الكردية، الحاكمة في شرق الفرات، حوارات مع نظام الأسد، فضلاً عن حفاظها لوجود عسكري وأمني وإداري له في القامشلي والحسكة، إلا أن النظام ما يزال يصر على إعادة الأمور إلى سابق عهدها قبل الثورة السورية، بالرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والسياسية وقفت ضد الثورة وناسها، ولاحقت ناشطيها، ومالت إلى مواقف النظام، لكن كل ذلك لم يشفع لها عند النظام الأسدي.
ويبدو أن تلك القوى الكردية المسيطرة تتوهم بأنها يمكن أن تلعب على وتر وجود فروقات وتباينات بين مواقف نظام الأسد ومواقف الروس الذين أكدوا مراراً على استعدادهم لمواصلة الجهود كي يساعدوا، حسبما كرره بيان الخارجية الروسية مؤخراً، “في توصل السوريين إلى اتفاقات بمختلف الصيغ من أجل استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا بالكامل بأسرع ما يمكن، وضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية والدينية في البلاد”.
ولا شك في أن التركيز على استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا، يعني أن ذلك لا يتم، بالنسبة إلى الروس، إلا عبر عقد مصالحة في مناطق سيطرة القوى الكردية على غرار مصالحة درعا والمنطقة الجنوبية التي جرت مؤخراً، والتي أفضت إلى عودتها لحضن نظام الأسد. كما أن وحدة الأرض السورية يريدها الساسة الروس أن تكون كاملة تحت نير حكم النظام، أما الحديث عن ضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية في سوريا، فالأمر لا يتعدى في قناعتهم عن جملة من الحقوق الثقافية واللغوية، وربما الإدارية، لكن لن يصل إلى الحقوق القومية والسياسية، التي يطرحها قادة القوى السياسية الكردية المسيطرة على مناطق في شرق الفرات في شعاراتهم.
وتظهر النوايا الروسية حيال مناطق شرق الفرات من خلال طرحهم المتكرر لمقترح يقضي بدخول عناصر من الشرطة الروسية و3 آلاف من جنود وضباط قوات النظام إلى عين العرب/ كوباني، والذريعة هي “حمايتها من خطر الغزو التركي الذي لا يزال قائماً وداهماً”. وهو أمر يدرك الجميع بأنه لو تحقق سيفضي إلى تكرار سيناريو مصالحات مناطق درعا وسواها.
والمفترض أنه لا يخفى على القوى الكردية أن استراتيجية روسيا في مناطق شرق الفرات، لا تخدم مصلحة السوريين بتاتاً، لا كردهم ولا عربهم ولا أي مكون آخر، كونها لا تخرج عن مقتضيات الصراع على الشمال السوري، وتنطلق من السعي إلى توسيع نفوذها في كامل الأرض السورية، وحثّ تلك القوى ومخرجاتها على التحاور مع النظام بغية التوصل معه إلى اتفاق مصالحة أو تسوية، تفضي إلى عودة أجهزته الأمنية إلى المنطقة وانتشار قواته على الحدود مع تركيا، إلى جانب عودة جميع المنشآت النفطية والمرافق الإدارية والحيوية الأخرى إلى سيطرته، وبناء تفاهمات معه حول مستقبل الإدارة الذاتية كإدارة محلية، ودمج مقاتلي سوريا الديمقراطية في جيش النظام أو فيلق روسي جديد.
تلفزيون سوريا
—————————–
هيئة التنسيق تفشل في الاتفاق مع الائتلاف.. حتى على البيان!/ عقيل حسين
على مدار ثلاثة أيام التقى ممثلون عن “هيئة التنسيق الوطنية” مع المسؤولين في الائتلاف الوطني السوري، من أجل التفاوض حول عدد من الملفات، وعلى رأسها الخلافات حول هيئة التفاوض المعارضة.
وكان وفد من “هيئة التنسيق” قد وصل إلى مدينة إسطنبول التركية يوم الأربعاء الماضي، يقوده رئيس الهيئة حسن عبد العظيم، في زيارة هي الأولى إلى تركيا.
وتعتبر “هيئة التنسيق” الكتلة الأكبر في هيئة التفاوض بعد كتلة الائتلاف، وتمثّل معارضة الداخل، على الرغم من وجود عدد غير قليل من المعارضين المقيمين في الخارج بصفوفها.
جدول أعمال الزيارة
وشكّل وصول وفد الهيئة إلى إسطنبول إشارة لافتة، خاصة أن معظم أعضاء الوفد قَدِموا من دمشق، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول موقف النظام من هذه الزيارة.
كما يرى البعض في الخطوة تطوراً غير مباشر في موقف هيئة التنسيق من تركيا، إذ لم يسبق للهيئة أن تواصلت مع أنقرة من قبل، بينما ظلت باستمرار منفتحة على دول أخرى فاعلة في المسألة السورية، مثل السعودية ومصر بالإضافة إلى روسيا والصين.
مصادر مطلعة أبلغت “أورينت” أن الوفد سيلتقي خلال الزيارة مع مسؤولين في الحكومة التركية في أنقرة “لبحث مستقبل العملية السياسية في سوريا” قبل العودة إلى دمشق.
المصادر قالت إن الهدف الأساسي من الزيارة، والذي تم إبلاغ النظام به لدى مغادرة العاصمة السورية، هو اللقاء مع بعض كوادر هيئة التنسيق المقيمين في تركيا أو الذين وصلوا إليها مؤخراً، من أجل تبادل وجهات النظر، بالأضافة إلى الاجتماع مع مبادرة دعم الاستقرار في سوريا.
لكن شخصيات في المعارضة السورية أكدت لـ”أورينت” أنه ما كان يمكن للنظام أن يوافق على هذه الزيارة لولا الاطلاعُ المسبقُ على جدول أعمالها، وأن هيئة التنسيق لا يمكن أن تعقد أي لقاء مع المسؤولين الأتراك أو ممثلي الائتلاف دون موافقة النظام.
مشكلة المستقلّين في هيئة التفاوض
ويمثّل ملف المشاكل العالقة في هيئة التفاوض، الأولوية الرئيسية في المباحثات التي عُقدت بين وفد “التنسيق” والائتلاف، خاصة أن الخلافات قد أثرت بشكل كبير في أداء الهيئة طيلة السنوات الثلاث الماضية.
وكانت الخلافات قد تفجّرت داخل الهيئة نهاية العام 2019 بسبب قضية الأعضاء المستقلّين فيها، وعددهم ثمانية، حيث تعتبر هيئة التنسيق وحلفاؤها من منصتي موسكو والقاهرة أن مدة عضويتهم قد انتهت، بينما يرفض الائتلاف وحلفاؤه في كتلة العسكر الأعضاء البدلاء الذين تم اختيارهم كبديل.
وبينما يقول الائتلاف إن المستقلين الذين تمت تسميتُهم لشَغل مواقع الأعضاء المنتهية ولايتهم في الرياض عام 2019 محسوبون بشكل كامل على الطرف الآخر، وإن انتخابهم جرى بطريقة غير قانونية، تقول هيئة التنسيق وحلفاؤها إن المستقلين الحاليين تابعون بشكل شبه كامل للائتلاف.
وكان رئيس هيئة التفاوض السابق نصر الحريري، قد رفض نتائج اجتماع الرياض الذي عُقِد في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وأفضى إلى اختيار ممثلين جدد عن فئة المستقلين، حيث اعتبر أن الاجتماع يخالف النظام الداخلي، وأنه جرى بغياب أكثر أعضائها، كما وجّه الحريري رسالة إلى السعودية، تم الكشف عنها في آذار/مارس الماضي، تعترض على الطريقة التي عُقِد بها الاجتماع وما نتج عنه.
ورغم محاولات تقريب وجهات النظر بين الطرفين على مدار الأشهر التي تلت تفجُّر الأزمة، إلا أن كتل هيئة التفاوض لم تصل إلى اتفاق، الأمر الذي دفع بالسعودية إلى قطع علاقاتها بالهيئة، وإغلاق مكتبها في المملكة ووقف الدعم المالي الذي كانت تقدّمه كرواتب ومصاريف.
لا نتائج ولا اتفاق
هذا الملف كان على طاولة المباحثات بين وفد هيئة التنسيق وممثلي الائتلاف، وعلى مدار ثلاثة أيام فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق حوله.
وعلمت “أورينت” أن هيئة التنسيق قدّمت مقترحاً يقضي بانتخاب ستة مستقلين جدد مقابل بقاء اثنين من القدامى يسميهم الائتلاف، لكن الأخير رفض.
وحسب المصادر، فإن الائتلاف كان ينتظر أن يكون في جعبة الوفد الزائر عرضاً مدعوماً من السعودية يُنهي قطيعة الرياض مع هيئة التفاوض، لكن تبيّن أن ممثلي هيئة التنسيق حضروا إلى إسطنبول دون تشاور مسبق مع الرياض، ما جعل الائتلاف يتمسّك بموقفه ويرفض المقترح مع غياب “المقابل المُجدي”.
بالمقابل، طلب الائتلاف من هيئة التنسيق الحصول على موقف إيجابي من السعودية حيال أي مقترح لحل ملف المستقلين، حيث تم التوافق على أن تتواصل “التنسيق” مع الرياض لترتيب زيارة يقوم بها وفد مشترك من الطرفين لمناقشة الحلول.
لكن عضواً في الهيئة السياسية للائتلاف قال:”إنه لا يوجد معطيات على أن هذه الزيارة متاحة في الوقت الحالي، إذ لم تُبدِ السعودية حتى الآن أي مؤشرات على استئناف انخراطها القوي في الملف السوري، رغم تمسكها برفض التطبيع مع النظام أو عودته لجامعة الدول العربية”.
وأضاف العضو، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “هيئة التنسيق، ومن خلال النقاش تبين أنها تريد العودة إلى هيئة التفاوض بعد اقتناعها بأن تعليق المشاركة فيها لم تؤدِّ إلى شيء، وأن الائتلاف تمكن من تسيير أعمالها على الأقل في الحد الأدنى”.
وفي حزيران 2020 جرى انتخاب أنس العبدة رئيساً جديداً للهيئة، بغياب ثلاثة من مكوناتها، وهي هيئة التنسيق الوطني ومنصتا القاهرة وموسكو، بالإضافة إلى العضوين بسمة قضماني وإبراهيم الجباوي، بينما تأجل انتخاب نائب الرئيس وأمين السر، وهما مقعدان مخصصان لهيئة التنسيق ومنصة القاهرة.
وبينما اعتَبر المتغيّبون أن هذا الاجتماع وما نجم عنه “غير شرعي”، أكدت الكتل الأخرى قانونيته، خاصة أن عدد الحضور كان 22 عضواً، بينما النظام الداخلي ينص على حضور 19 من الأعضاء كحد أدنى.
فشل ممثلو الائتلاف وهيئة التنسيق مرة أخرى في حل مشكلة المستقلين في هيئة التفاوض، وأمام ذلك اقترح الطرفان إصدار بيان مشترك يتضمن التأكيد على توصلهما لاتفاق حول تنسيق الموقف السياسي، خاصة فيما يتعلق بمحاولات بعض الدول إعادة تعويم النظام، إلا أن هذا البيان الذي كان مقرراً صدوره يوم الجمعة تأجل إلى السبت، لكنه لم يرَ النور رغم ذلك حتى لحظة إعداد هذ التقرير، الأمر الذي يؤكد أن الخلافات في المواقف لا تزال واسعة بين الطرفين.
——————————
حمادة يتسلم وزارة ميتة وفصائل مشتتة.. فهل تنقذه “عزم”؟/ خالد الخطيب
أعلن الائتلاف الوطني السوري انتخاب العميد حسن حمادة وزيراً للدفاع في الحكومة المؤقتة. وحصل حمادة على غالبية أصوات أعضاء الهيئة العامة للائتلاف والتي اجتمعت في دورتها العادية الرقم 59 في إسطنبول.
وفي بداية شهر أيلول/سبتمبر، استقال اللواء سليم إدريس من منصبه كوزير للدفاع ورئيس لأركان الجيش الوطني السوري. بدا إدريس حينها، يائساً من إنعاش المؤسسة العسكرية الرسمية للمعارضة بسبب تشتت الفصائل وتهربها من الالتزام بدعم مشروع وزارة الدفاع.
وشغل العميد حمادة منصب نائب وزير الدفاع في المؤقتة منذ العام 2017، وكان قد انشق عن قوات النظام في 21 حزيران/يونيو 2012 بعدما انطلق بطائرته الحربية من مطار خلخلة العسكري في السويداء متجهاً نحو الأردن التي حط في أحد مطاراتها العسكرية.
وزارة ميتة
وتأسست وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بداية العام 2017 بالتزامن مع تأسيس الجيش الوطني، وتسلّم وزارة الدفاع حينها جواد أبو حطب، الذي كان يشغل أيضاً منصب رئاسة الحكومة. وفي بداية العام 2019 ترأس اللواء إدريس الوزارة التي بقيت مؤسسة شكلية لا وزن لها في مناطق المعارضة، مثلها مثل مؤسسة الجيش الوطني التي لم يكن لها أي سلطة على الفصائل.
ومن المفترض أن يتسلم العميد حمادة وزارة شبه ميتة، وأقل فاعلية ووزناً من السابق بعد ظهور تحالفات جديدة للفصائل في النصف الثاني من العام الحالي 2021، لا سيما تحالفا الجبهة السورية للتحرير وغرفة القيادة الموحدة (عزم). تحالفان ألغيا مسمى الجيش الوطني وكانا بمثابة بديل عنه بعدما فشل في جمع الفصائل تحت مظلته.
ويرى الباحث في الشأن السوري، محمد السكري، أن مشكلة الجيش الوطني لم تكن في الشخصيات التي تسلمت قيادته أو شغلت وزارة الدفاع، وإنما المشكلة هي أكبر وأعمق، وتتجسد في فشل العمل المؤسساتي العسكري، والذي يشوبه الكثير من الأخطاء الكارثية.
ويضيف السكري لـ”المدن”، أنه “لا ضوابط تمنع أو تسمح للفصائل من الدخول أو الخروج من التشكيلات والغرف العسكرية، ولا وجود في الأصل لما يعيق تشكيل غرف موازية أو مضادة لفكرة المؤسسة الواحدة”، لافتاً إلى أن “فصيل سليمان شاه، أحد تشكيلات الجيش الوطني، تنقل مرات عديدة بين عزم والجبهة السورية وحركة ثائرون، من دون رادع”.
وتابع السكري: “هناك 4 تكتلات خارج منظومة الجيش الوطني، رغم الإشارة الرمزية من قبل تلك التكتلات إلى أنّها جزء من المؤسسة، وهي الجبهة الوطنية للتحرير والجبهة السورية للتحرير وحركة ثائرون وعزم، وهذا ما يثير تساؤلات عديدة حول موقع الجيش الوطني من هذه التحالفات وبتعبير أدق مستقبله كمؤسسة، وهل يستطيع منع هذه المشاريع أو على الأقل ضبطها وتنظيمها تحت قيادته. والإجابة: بالطبع لا، بسبب غياب المرجعية والقرار”.
ويعتقد السكري أن “الفشل في تمكين المؤسسات العسكرية المعارضة الناشئة هو ما دفع الوزير إدريس إلى الاستقالة، بعدما فقد الأمل من إمكانية الاصلاح، فالجيش الوطني مؤسسة من الماضي ولا يمكن إصلاحها، وهي في الأساس لم يكن لها وجود إلا شكلياً، إذ إن النزاع داخل الفيالق كان واضحاً وكبيراً”. ويرى أنه “يمكن التعويل على غرفة عمليات عزم في استنهاض الحالة المؤسساتية في تدعيم كتلة الجيش الوطني، وهذا في العموم يحتاج إلى طريقة جديدة غير تقليدية في التعامل مع الحالة العسكرية للمعارضة وفق منهجيات وأدوات عملية وجديدة”.
توحيد الفصائل تحت راية “عزم”
ويبدو أن “عزم” متمسكة بمؤسسات المعارضة، وبالأخص وزارة الدفاع والجيش الوطني، وهذا ما أكده قائدها أبو أحمد نور خلال لقائه مجموعة من الإعلاميين والناشطين في ريف حلب، قبل أسابيع، مؤكداً أن توجهات “عزم” تدعم تحركات الائتلاف الوطني في الداخل وتتبناه وتعتبره ممثلاً سياسياً.
وترفض “عزم” وجود مكاتب سياسية تمثل التشكيلات والتحالفات العسكرية خارج الائتلاف، هذا على الأقل ما رشح عن المفاوضات بينها وبين الجبهة السورية مؤخراً، والتي تهدف إلى ضم الجبهة إلى صفوف “عزم”.
ويبدو أن “عزم” اقتربت كثيراً من تحقيق هدفها الكبير والغير معلن، وهو دمج الفصائل وصهرها في تشكيل واحد والقضاء على كل المظاهر الفصائلية تمهيداً لمرحلة جديدة وتحقيقاً لمطلب طال انتظار تحوله الى واقع عملي، أي خلق مؤسسة عسكرية منظمة وذات قيادة فاعلة متمكنة من مفاصل العمل المسلح، وبالتالي فإن توجهات “عزم” خلال الفترة المقبلة قد تدعم وزارة الدفاع التي يتزعمها العميد حمادة المعيّن حديثاً.
نجاح “عزم” في جمع الفصائل المعارضة تحت مظلتها مرتبط بنجاح المفاوضات مع الجبهة السورية التي تضم فصيلين كبيرين، هما فرقة المعتصم وفرقة الحمزة. وفي حال اتفق الطرفان، يمكن القول بأن مشروع المؤسسة العسكرية التابعة للائتلاف والمؤقتة، بات واقعاً للمرة الأولى منذ تأسيس الجيش الحر في العام 2012، وستكون المؤسسة المفترضة مشروعاً منافساً وبجدارة لمشروع “هيئة تحرير الشام” في إدلب.
المدن
—————————–
هيئة التنسيق والائتلاف الوطني.. اجتماعات طارئة وتخوفات من المجهول/ محمد السكري
عشية الإعلان عن زيارة وفد إماراتي برئاسة وزير الخارجية ابن زايد لدمشق واللقاء مع رئيس النظام السوري، يبدو أنَّ المعارضة السورية استشعرت حرج الحالة الراهنة وما قد يتبعها من تطورات كارثية على صعيد إعادة تعويم النظام، ولا سيما في حال خسارة الموقف السعودي الذي ستكون تداعياته خطيرة على مؤسسات المعارضة السورية في إطار هيئة التفاوض.
لذلك، تداعت الأطراف لبحث إمكانية أن يكون هناك حوار فيما بينها من خلال دعوة الائتلاف لهيئة التنسيق في 9 و 10 كانون الثاني، لاجتماعات مشتركة لبحث الملفات العالقة وعلى رأسها خلاف المستقلين المستمر منذ العام 2019.
حل للخلافات أم دفعها للأمام:
أعطى لقاء عُرض عبر تلفزيون سوريا وجمع بشكل استثنائي بين حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق، وسالم المسلط رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، انطباعاً بأنَّ خلافات المعارضة البينية بسيطة جداً للغاية، ولكن الواقع مختلف، وكما عودتنا المعارضة السورية لا شفافية مع الشارع السوري المحبط من سيرورة التطبيع العربي.
في الحقيقة، كانت نتائج الاجتماع الأخير مخيبة للآمال فوفق مصادر خاصة لتلفزيون سوريا فشلت الأطراف بعد لقاءات على مدار يومين في التوصل لأيّ نتيجة مهمة قد تحدث نقلة نوعية في ملف المستقلين، بل وحتى لم يستطع كلا التكتلين من استصدار بيان مشترك مطمئن حول اللقاءات التي جرت على مدار يومين لحد هذه اللحظة، وهذا بطبيعة الحال يثير شكوكاً حول مصداقية ما تناولته الأطراف في اللقاء التلفزيوني الذي كان واضحاً فيه محاولات دبلوماسية لدفع الحوار وتركيزه حول العملية السياسية والموقف العربي أكثر بكثير عن ماهية اللقاء.
قد يبدو حرص الطرفين في هذا التوقيت الحساس على إنجاح أو التوصل لصيغة حل مشتركة من خلال 3 أطروحات قدمت في إطار خلاف المستقلين ولكن هيئة التنسيق بقيت متمسكة بقرارها الذي يتمحور حول 6+2 بمعنى يتم الإبقاء على 6 مستقلين ويضاف لهم 2 جدد ولكن هذا ما رفضه الائتلاف الذي يبدو أنَّه مصر على خيار 4+4.
إنَّ عدم التوافق بين الأطراف دفعهما لتشكيل لجنة مشتركة للنظر في الأمر، اللجنة التي من المرجح أنَّها الإنجاز الذي ستقوم الأطراف بالاحتفاء به طالما أنَّ النتائج العملية لا وجود لها.
بالمقابل، توافقوا على التركيز في إقناع السعودية بإعادة دعمها لهيئة التفاوض وافتتاح المكاتب وهذا ما طلبه الائتلاف من الهيئة كشرط مسبق وذلك بحسب مصادر لتلفزيون سوريا، فيما يبدو عرضاً للتنازل أو الحل مقابل تفعيل مؤسسة المعارضة المجمدة.
ترى الأطراف في هيئة التفاوض ورقة سياسية دسمة للمناورة وقطع الطريق أمام إعادة تعويم النظام عربياً كذلك هذا يجعل الموقف السعودي تجاه التراخي مع النظام أكثر صلابةً من ذي قبل.
تخوفات من خسارة الموقف السعودي:
في الأصل يبدو أنَّ تعويل المعارضة على ضمان الموقف السعودي من خلال هيئة التفاوض يشوبه بعض العقبات من حيث التوقيت والظرف الإقليمي والدولي الذي أصبح فيه الموقف الأميركي ضعيفاً حيال التطبيع مع النظام، وربما غير صارم. كذلك، مع إعادة الحسابات الأردنية والإماراتية السياسية لصالح إعادة العلاقات مع النظام السوري.
بكل تأكيد، هذا القرار السياسي الذي أقدمت عليه بعض دول المنطقة لم تكن متهورة وبدون دراسة مصالح “الطرف والمركز” بل تعبر عن مصالح المركز العربي ككل، ليس فقط دولة بعينها، بالتالي لا يمكن القول إنّها أتت بدون موافقة أو مشاورة مع الرياض على العكس تماماً.
في الواقع، لا يمكن تخيل مدى إمكانية مراهنة المعارضة السورية في هذه المرحلة الحرجة على الموقف السعودي الضبابي على الأقل بالوقوف في وجه مسار عربي يرجح النظام على معارضة ضعيفة وغير متماسكة.
مع هذه تبقى هذه الخطوة وإن أتت متأخرة جيدة في حال نجاح طرفي المعارضة في حل خلاف المستقلين على الأقل في كبح جماح النظام في آمال التعويم وقطع الطريق عليه من خلال هذه المناورة السياسية المهمة والتي كان من المفترض أن تقوم بها المعارضة قبل عام أو عامين من الآن.
لكن، مع ذلك وفق مصادر خاصة في الائتلاف لحد هذه اللحظة لم يحصل توافق بين الطرفين، وهذا ما أكده مصدر آخر في هيئة التنسيق من دمشق الذي قال لتلفزيون سوريا، إنّ الخلافات أعمق بكثير من هيئة التفاوض والمستقلين بيننا ولها جذور تاريخية لا يمكن القفز عليها أو تخطيها.
وهذا يدفعنا للسؤال التالي؛ في حال فشلت المعارضة بمختلف أجسامها بمثل هذه اللحظة الحساسة في تبني موقف موحد تجاه قضية ما فمتى إذاً ستنجح بعد تعويم النظام؟!
تلفزيون سوريا
———————————–
خلافات هيئة التفاوض بين هيئة التنسيق والائتلاف برمجة نحو التفاوض/ ماهر إسماعيل
يعتقد الكثير من السياسيين أنّ الفعل السياسي الحقيقي تحكمه الرغبات والأماني والأحلام، وليس العلم السياسي والمعطيات الحقيقية في الواقع، وأحياناً العديد من الهيئات والمكونات السياسية تنساق وراء العواطف الداخلية الدفينة التي تنظر إلى المصلحة السورية من بوابة إمكانية إيجاد حل (سياسي)، أو حل أي خلاف فقط بالحوار دون النظر إلى المصالح الحقيقية للتموضعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأطراف الحوار، وحتى مكان الإقامة يلعب دوراً حقيقياً في الكثير من الحوارات والنقاش والجدل حول الإمكانية والدور.
وساد وهم في المعارضة السياسية أن “الواجهات” هم أصحاب القرار الحقيقي، وكلنا يذكر كيف وظّف حزب الإخوان المسلمين الأكاديمي السوري “برهان غليون”، أو الشيوعي “جورج صبرا”، أو الصناعي “رياض سيف”، وهم حقيقة لا يملكون موازين قوى في واقع المجلس الوطني أو الائتلاف لكي تصبح رؤيتهم السياسية هي الفاعلة.
وفي الواقع السياسي والميداني للائتلاف أنّ العصا التركية الغليظة هي المتحكمة من خلال حزب الإخوان المسلمين أو عبر الأدوات الأمنية للدولة التركية العميقة.
ويبدو أن هيئة التنسيق الوطنية بسبب الرغبة الوطنية الحقيقية الصادقة دفعتها لكي تطرح أسلوب حلّ الخلافات في هيئة التفاوض بعيداً عن دور الدول المؤثرة معتقدة أنّ الرغبات والأماني والآمال في كلا الطرفين هي حل الخلاف دون مراعاة أدوار وسياسات الدولتين التركية والسعودية.
إنّ الظروف السياسية الموضوعية في العالم والمنطقة بعد انتخابات الرئيس الأمريكي جو بايدن فرض إيقاع النهج الديمقراطي الأمريكي الذي يركّز على الاتفاق النووي الإيراني والعودة إليه، والخارجية الأمريكية مع فريق عملها المكلّف بإدارة الملف السوري يعتمد مقاربة جديدة اتفق عليها مع الروس حول سياسة المحفزات للنظام السوري فجاءت رؤية الملك عبد الله الأردني حول خط الغاز المصري للبنان على أن يستفيد النظام بحصته خاصة له من الغاز الذي سيعبر الأراضي السورية، وكلما تقدّمت العملية الدستورية والتفاوضية خطوة سيعفى النظام من شيء من قانون قيصر.
إن النهج السيادي للدول الخليجية سوف يتقدم خطوة في فلك الحصار السياسي والدبلوماسي عن النظام السوري باتجاه عودة العلاقات معها على أمل الابتعاد عن إيران.
أمام هذه المعطيات والضغط التركي لاحتياج مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سوريا، جاءت مبادرة الحوار مع الائتلاف نحو تفعيل هيئة التفاوض بعيداً عن الاستشارة السعودية التي كان يعوّل عليها الائتلاف لفك الاشتباك التنظيمي السياسي حول المستقلين الجدد، والسطوة التركية على الملف التفاوضي السوري.
وجاءت نقاط المبادرة فيما بحث في جلسات النقاش والحوار في إسطنبول بتاريخ (10/11 تشرين الثاني 2021)، أن عملية عودة هيئة التفاوض السورية لوحدتها ودورها في مواجهة التحديات التي تواجه الشعب السوري وقوى المعارضة الوطنية والثورة بمعالجة الإشكاليات التالية:
1- حل فعلي لمشكلة المستقلين على قاعدة استبدالهم بالمستقلين الذين تم اختيارهم في مؤتمر الرياض في نهاية العام 2019، مع احتفاظ أي من أربعة من المستقلين القدامى، وأربعة من المستقلين الجدد، واعتبرت هيئة التنسيق هذه معطل ولا إمكانية لفرضه على الجانب السعودي الذي رتب مؤتمر المستقلين الجدد لذلك تم تشكيل لجنة مشتركة لاستمرار البحث في هذه النقطة، رغم أن التطمينات التي كانت مقدمة من رئيس الائتلاف الشيخ سالم المسلط تسير باتجاه التوافق على المستقلين وفق رؤية هيئة التنسيق، وتم التراجع عن ذلك حيث تمسكت الهيئة السياسية للائتلاف برؤيتها. ولم يتم التقدم في بحث آلية التصويت في هيئة المفاوضات باتجاه التوافق فوق نسبة (60 بالمئة)، وإنما بقيت قضية التصويت معلقة.
2- اعتبار القرارات التي صدرت في غياب ممثلي هيئة التنسيق الوطنية ومنصة موسكو وأعضاء آخرين تضامنوا معهم، لاغية.
3- عودة مهند دليقان، ممثل منصّة موسكو إلى عضوية اللجنة الدستورية المصغرة وهناك تشبث الائتلاف بقراره، رغم أنّ عملية فصل دليقان جرت خارج الاجتماعات الرسمية لهيئة التفاوض، ووعد ببحث الأمر في هيئة السياسية.
4- تشكيل وفد مشترك من الائتلاف وهيئة التنسيق والتوجه إلى السعودية، بعد طلب ذلك من الخارجية السعودية والمسؤولين عن الملف السوري فيها، وهذا يحتاج إلى تواصل مع الخارجية السعودية إذ كانت تقبل في استقبال هكذا وفد في زمن تحسب القضايا من بوابة المصالح الخاص لكل طرف متدخل في القضية السورية، وهل سينظر لها تقدم خطوة للطرف التركي أم سيتم عزل القضية السورية عن مصالح الدول المتدخلة؟
هذه النقاط بقيت عالقة برسم كلا الطرفين في هيئة المفاوضات من أجل البحث في المستقبل القريب الذي نتمنى ألا يطول، بينما اتفق الجانبان على:
1- تشكيل وفود مشتركة من هيئة التنسيق والائتلاف الوطني للقيام بزيارات مشتركة للعواصم الفاعلة (لندن، باريس، برلين، موسكو، واشنطن، بروكسل، القاهرة، الدوحة.. وغيرها).
2- بحث الموقف من استمرار تعطيل اللجنة الدستورية من قبل وفد النظام السوري، هل هناك إمكانية لبحث آلية لرد على تعطيل النظام، وعدم اعترافه حتى بوفده أو تفويضه بصلاحيات واسعة، وعدم اعتماد المرجعيات الأمنية للوفود، والدور الروسي المطلوب لدفع اللجنة الدستورية خطوات للأمام لإنجاز ما هو مطلوب منها على العكس مما جرى في الجولات الست السابقة؟
3- جرى نقاش جاد لإمكانية تحريك العملية السياسية عبر فتح (سلّة الحكم) بالتوازي مع مسار اللجنة الدستورية، وذلك بالتنسيق مع مسؤولي الملف السوري في الخارجية الروسية.
إن ردود فعل الائتلاف جاءت مخيبة للآمال السورية، خصيصاً أن رئيس هيئة التفاوض (أنس العبدة) الذي لم تعترف به هيئة التنسيق رسمياً رئيساً للهيئة قال: “إنهاء الخلاف الحاصل من جانبين مهمين، الأول: الخلاف من الحاصل داخل هيئة التفاوض، ليس خلافاً على التوجه السياسي أو مبادئ وثوابت التفاوض، الخلاف هو خلاف تنظيمي داخل الهيئة، وجهود جميع مكونات الهيئة متضافرة، لإيجاد حلّ لهذا الخلاف.
أما الجانب الثاني: كل الممثلين للكتل في هيئة التفاوض يعملون في اللجان التي هم فيها، يجتمعون معاً، ويعملون سوياً في كل اللقاءات بمهمة لجانهم، لا يوجد تعطيل لأي مهمة من مهام هيئة التفاوض السورية”.
وأضاف: “إن دلّ هذا على شيء فهو أن مكونات هيئة التفاوض السورية على وعي تام بأهمية مهمتها في خدمة الشعب السوري وتطلعاته، كما هو دليل على أن الخلاف الحاصل لن يعرقل جهود ومهمة هيئة التفاوض في الوصول إلى سياسي عادل، لصالح تطلعات وأهداف الشعب السوري وثورته”.
ما تقدم يعني أن إمكانية الاتفاق على نقاط الخلاف ما زالت بعيدة، حيث اعتبر الائتلاف أن الزيارة الأولى لوفد من هيئة التنسيق لتركيا هي بمثابة زيارة استطلاعية، خصيصاً أن وفد هيئة التنسيق لم يحمل أي عرض من جانب الخارجية السعودية التي يعول الائتلاف على وساطة بينه وبينها من قبل هيئة التنسيق، وهذا لم يحصل إلى الآن، ولعل طرح زيارة مشتركة من الائتلاف والهيئة قد تضع نقاط الخلاف نحو حل الاستعصاء الحاصل في هيئة التفاوض، خصيصاً أن الائتلاف لم يبلغ من الخارجية الأمريكية ومسؤول الملف السوري فيها في أي تغيير بالمواقف السعودية من الائتلاف.
ويعد الكثير من المراقبين زيارة وفد هيئة التنسيق إلى تركيا تغير بالموقف من تركيا التي تصف الوجود التركي في إدلب احتلالاً للأراضي السورية. لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، فالموقف من الاحتلال التركي للشمال السوري ما زال قائماً.
أخيراً.. إن هذه اللقاءات المشتركة للمعارضة الرسمية السورية هي بمثابة جس نبض للعودة إلى هيئة التفاوض كممثل رسمي للمعارضة السورية بمواجهة النظام السوري ووفده في اللجنة الدستورية المصغرة، هذا ما يفرض وجوب العمل المشترك لقوى المعارضة السورية لتحقيق الانتقال السياسي الذي يتطلع إليه الشعب السوري وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وفي مقدمتها بيان جنيف والقرارات 2118 و2254.
ليفانت – ماهر إسماعيل
————————–
هل يستطيع السوريون العمل معاً؟/ حسان الأسود
تشهد الساحة السورية، منذ عشرة أعوامٍ ونيّف، حراكاً سياسياً مستمراً، تكثّف أخيراً بعدما أيقن الثائرون على النظام والمعارضون له أنّهم خسروا المعركة العسكرية، ولم يبق لديهم سوى السياسة للعمل من خلالها أملاً في تحقيق انتقالٍ سياسيٍ ينهي المأساة السورية. ترافق هذا كله مع حراك دولي مكثّف من جولات ولقاءات ومباحثات وتفاهمات. كان اللافت ضمن هذا السياق التناقض بين ما اعتبره بعضهم تراجعاً أميركياً عن نهج الحصار المفروض على نظام الأسد، عبر مفاهيم التعافي المبكّر، وإعادة مبدأ عدم الإفلات من العقاب إلى الواجهة، من خلال طرح قضية الجرائم المرتكبة في سورية مجدداً أمام مجلس الأمن، والتي شارك فيها سوريون بكلمات تتهم الأسد ونظامه بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية.
تقوم الجالية السورية (المعارضة للنظام) في أميركا بدورٍ سياسي كبير لمنع انزلاق إدارة الرئيس بايدن بعيداً في سياستها تجاه النظام، وتقوم استراتيجيتها على وجوب اعتبار القضية السورية لا حزبية في السياسة الأميركية، أي أنّ الجالية تعمل مع الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في هذا الشأن، فلا تقطع صلاتها مع أيٍّ منهما، سواء أكان في الحكم أم لا. وقد حققت الجالية نجاحاً جيداً خلال السنوات العشر الماضية، كما أنها طوّرت من آليات عملها بشكل ملحوظ. لقد بات في وسع السوريين الأميركيين الحديث عن قواعد مشتركة للعمل السوري الجماعي، وتمظهر هذا بالاتفاق أخيرا بين عدد من منظمات المجتمع المدني السوري الأميركي الذي ينظم أدوار كل منها بشكل أكثر فاعلية وجدوى.
يحضّر السوريون الأميركيون لعقد لقاء وطني سوري في 18 مارس/ آذار المقبل، يهدف إلى جمع القوى السياسية والمدنية السورية الثائرة على النظام والمعارضة له تحت سقف واحد. ينظر هؤلاء إلى اللقاء مقدّمة للقاءات وطنية سورية في باقي بلدان الشتات السوري، وفي الأماكن الخارجة عن سيطرة النظام من سورية، والتي يمكن عقد مثل هذه اللقاءات فيها. ويهدفون إلى تجميع مُخرجات هذه اللقاءات الوطنية في بوتقة واحدة، علّهم يستطيعون عقد مؤتمر وطني سوري عام في النهاية، يكون تأسيسياً جامعاً للقوى الوطنية، بما فيها التي وقفت على الحياد أو حتى التي اصطفّت مع النظام في موقفه من الثورة. تستثني اللقاءات والمؤتمر العتيد الذي يُفترض أن ينجم عنها من تلوّثت أيديهم بالدماء، ومن جميع الأطراف.
تحاول الجاليات السورية في أوروبا القيام بالشيء نفسه. وبالفعل، يلاحظ المراقبون وجود حراك ثقافي وسياسي نشط ضمن أوساط النخبة السورية هناك. يهدف الحراك هذا، من حيث النتيجة، إلى الاستفادة مما أنجزه السوريون الأميركيون قبلهم. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في تسهيل مهامهم. يبقى أن يحاول السوريون في تركيا والسوريون في مناطق شمال شرقي سورية وشمال غربيها القيام بواجبهم الوطني هذا. صحيحٌ أنّ الظروف الموضوعية التي يعمل ضمنها هؤلاء لا تساعد كثيراً على ذلك، خصوصا في ما يتعلّق باللقاء بين قوى الأمر الواقع، شمال شرق وشمال غرب، لكن يتوجّب القيام بالجهد الكافي الذي يُطلق عليه في القانون مصطلح “عناية الإنسان المُعتاد”، أي الجهد الذي يبذله الإنسان العادي لإنجاز مهامه، من دون إفراطٍ أو تفريط.
وضع عمانويل كانط قانونه الأخلاقي الذي ينظّم سلوك الأفراد، ويطلب فيه من الفرد التصرّف بحيث تصلح القاعدة التي يستند إليها في سلوكه، أن تكون قاعدة عامة. هذا ما يحتاجه السوريون في عملهم السياسي، كي يبدأوا بالخطوة الأولى في طريق التفوّق على نظام الأسد الديكتاتوري. يجب أن يصل السوريون إلى حل المعادلة الأخلاقية الناظمة لسلوكهم، والتي تقلب ما اعتبره جان جاك روسّو قاعدة سلوكية جماعية في رسالته إلى ديمونت، حيث كتب: “الجميع يتظاهر بأنه يُضحّي من أجل مصلحة المجموع والجميع يكذب.. لأنه لا أحد يرتأي الخير العام إلا إذا كان يتلاءم مع مصلحته، ويجب أن يتحوّل هذا التوجه إلى موضوع السياسة الصحيحة الباحثة عن سعادة البشر”.
عشر سنوات وأكثر من المراوحة في المكان، إن لم نقل بجسارة من التراجع والانحسار إلى الخلف، كفيلة بإجبار السوريين على التفاهم وفق قاعدة المشتركات الوطنية، فلا يمكن الانتظار أكثر، حتى يقتنعوا بأخطائهم السابقة في الفهم والعمل. على ما يبدو أنّه، حتى لو كان الكثير منهم يدرك عدالة القضية، فذلك لم يكن كافياً لإقناعهم بالحاجة إلى القيام بما يجب القيام به من عمل مشترك. وهذا يجعل من الواجب الانتقال إلى التعامل بلغة المصالح، لا بلغة العقل والمنطق. أي باختصار شديد، على السوريين إثبات التناسق والتوافق ما بين مصالحهم الشخصية بالتغيير والمصلحة الوطنية العامة التي تقتضي ذلك. من هنا، يمكن لهم تحقيق مصالحهم الخاصة عبر تحقيق المصلحة العامة، أو هكذا يجب أن تكون الحسابات، على الأقل بحدّيها، المنطقي والواقعي. من يمكنه أن يعمل في بيئةٍ خاليةٍ من الاستبداد والفساد بشكل شخصي، بحيث يحقق مصالحه الفردية والخاصة، هو صاحب المصلحة في الانتقال والتغيير، أي هو المدافع الحقيقي عن تضمين المصالح الخاصة ضمن المصلحة الوطنية العامة. أمّا من يعطّل التغيير والانتقال، فهو من لا يستطيع العمل إلا ضمن أجواءِ غياب منظومة الحكم الرشيد وأسس الحوكمة القائمة على التشاركية والشفافية وسيادة القانون.
آن الأوان ليبدأ السوريون من جديد، والطريق لا بدّ من سلوكه رغم وعورته، وهو سيزداد وعورة وخطورة في كل يوم يتأخرون فيه عن بدء المسير، فلا بدّ مما لا بد منه، وعليهم أن يبنوا أسس العمل الوطني المشترك من الصفر هذه المرّة، وإلا عليهم توقّع استدامة مأساتهم إلى أجل غير مسمّى.
العربي الجديد
————————–
=======================