روسيا الاتحادية – الولايات المتحدة الامريكية الجريمة والمجرمون-افتتاحية “الآن” الناطقة باسم حزب العمل الشيوعي في سوريا
ليس جديداً القول بأن الأوضاع السورية كارثية حقيقةً، فالوضع المعاشي أسوأ مما عرفته سوريا منذ قرون: غلاء فاحش ومتوحش، لا تكفي كل إيرادات المواطنين على تغطية عِشره في ظل تراجع قيمة صرف الليرة ثلاث وسبعين مرة خلال أحد عشر عاماً، فهم يقبضون بالليرة ويدفعون بأسعار الدولار!! وتأتي سوريا في أسفل قائمة الأمم المتحدة للدول التي يعيش مواطنوها تحت خط الفقر!! والمحروقات صليب تُعلق عليه مصالح الناس ووسائل النقل والورشات والمعامل، والغاز يقطّر للمواطنين تقطيراً وهو عصب الحياة المعاشية لجميع الأسر!! والكهرباء تُقطع لساعات في المناطق المحظوظة ولأيام بل ولأسابيع في بقية المناطق!! وحتى الخبز على رداءةِ صنعه بحيث لا يليق إلا علفاً للحيوانات فيباع بأضعاف سعره السابق، وخارج الأفران بأضعاف سعره الحالي. أما على المستوى السياسي فإن السيادة السورية أصبحت نكتة سمجة عند ذكرها، فلا كيان للدولة ولا سيطرة لها على 40% من أراضي بلدنا! وفي هذه الـ 40% يعمل الأجانب على إلغاء الدولة السورية كل يوم؛ فلا مؤسسات لها، ولا العملة المتداولة عملتها، ولا المدارس تدرس اللغة العربية والمنهاج السوري، ولا المصارف تعمل إلا بعملات المحتلين الأجانب، وسجلات الملكية تحوّل لتصبح سجلات وفق القوانين والأعراف الأجنبية! أما الجيش السوري فمنهك الى آخر حد بعد أحد عشر عاماً من الحرب، وأصبح أداة لفساد الضباط وتقديم الرشى لهم من قبل المجندين المحاصرين بالموت أو الخضوع للنهب، وأغلب الحواجز بين المناطق نقاط لبلص المسافرين ومراكمة الأموال لضباط الأمن!
أما على ضفة المواطنين فلا همّ لأغلبهم إلا التفكير بالهجرة أو جمع المال اللازم لها، وفئة الشباب هي الفئة الغالبة في هذا المسار، فماذا يفعل الشاب السوري بعد تخرجه من الجامعة والآفاق مسدودة أمامه إلا أفق الموت عند التحاقه بالجيش!!
2
– يتحمل – بالطبع – النظام السوري المسؤولية الأولى والأساسية عن هذا الخراب السياسي والمجتمعي الذي وصلت إليه سوريا. وهذا لا يعفي بقية الدول المنخرطة في الملف السوري من المسؤولية، فإجرام النظام ليس مبرراً لإجرامها بحق شعبنا، لكن الدول هي الدول، والمصالح هي المصالح، ولا يدخل في اعتباراتها شعب يجوع هنا وآخر يُذل هناك وثالث يموت كل يوم، وبعبارة مباشرة ليس فيها مكان للرأفة بمصير السوريين ولا شفقة على معاشهم خاصة إذا كان رب البيت بالدف مولعٌ!
معروف أنه منذ عامين وبعد انتهاء معارك إدلب أبلغ الروس النظام بأن «الحرب انتهت»، أي أنهم لن يساهموا في أية معركة جديدة وسيتركون النظام وحليفه الإيراني يقلعون شوكهم بأيديهم، وهو ما لا يستطيعوه في ظل موازين القوى الحالية، فالمجموعات المسلحة مدعومة ومسلحة مباشرة من تركيا، والمعركة معها تعني معركة مع تركيا، أما مناطق شرق الفرات المسيطر عليها من «قسد» المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية فليس وارداً مجرد التفكير باستعادتها عسكرياً، فذلك يعني الصدام مع القوات الأمريكية وهو ما يشكّل خطاً أحمر للنظام والإيرانيين والروس أيضاً، وحال هذه المنطقة حال المناطق المحتلة أمريكياً على الحدود الأردنية والعراقية (التنف)، والتي تشكل مناطق لجوء وحماية لفلول داعش وعائلاتهم حتى الآن!
3
في ظل هذه الأوضاع يعمل حلفاء النظام الروس على ترسيخ نفوذهم في سوريا عموماً وفي الجنوب على وجه الخصوص (قريباً من الحدود مع فلسطين المحتلة) يتم ذلك على حساب النفوذ الإيراني وبدرجة أقل على حساب نفوذ النظام الذي لا يخفي استيائه غير المعلن منهم، من غير أن يستطيع حيالهم شيئاً.. هذا لا يمنع التمدد الروسي في عموم مناطق النظام بل أيضاً في الشمال على الحدود مع تركيا، وفي عديد المواقع (رميلان)، بينما تعوّض القوات الإيرانية خسائرها في الجنوب بترسيخ قواعدها غرب الفرات في البوكمال والميادين. هذه الصراعات الثانوية ليست مقتصرة على حلفاء النظام، بل تمتد الى الحلف المقابل؛ «قسد» التي تجد نفسها في مأزق حقيقي، فالنظام يريد إلغاءها، والأتراك يتربصون بها، وتدخلهم العسكري موضوع على جدول أعمال أردوغان، وحلفائهم الأمريكان يرهنون – بشكل أو بآخر – بقائهم في شمال شرق سوريا بصفقة النووي مع إيران! هذا ناهيك عن تناقضات الأحزاب الكردية فيما بينها على النفوذ والسياسات. وهكذا فالتجاذبات وتنافرات النفوذ بين فرقاء الحلف الواحد تنخر في أوضاع الجميع.
4
وهنا لابد من الإشارة الى أن كل المعطيات منذ سنوات تشير الى أن مفاتيح الحل السياسي خرجت من أيدي السوريين، ولا يملك القدرة على الحل والربط إلا روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، وبدرجة أقل تركيا وإيران. النظام ممسوك من خنّاقة بحلفائه الروس والإيرانيين وهو غارق في الفساد ومراكمة الثروات مع تجار الحرب. أما المعارضة الخارجية ممثلة بالائتلاف الوطني فليست إلا طرفاً تابعاً إن لم نقل عميلاً للخارج الأمريكي والتركي والسعودي والقطري، وهي لا تملك أن تكش ذبابة إلا بأوامر أسيادها اللذين اغرقوها بالفساد والمال خلال أحد عشر عاماً، نستثني من ذلك عشرات التشكيلات السياسية وآلاف الأفراد الذين كثيراً ما تسيّرهم دوافعهم الوطنية، أو ميلهم للعب أدواراً في الوضع السياسي المتأزم. أما المعارضة الداخلية – رغم النهج الوطني لأغلبها – فحالها ضعيف – كما لا يخفى على أحد، وهي تضع بيضها كله في سلة الحل السياسي الروسي – الأمريكي، الذي لا مؤشرات على اقترابه… وربما على وجوده أصلاً! وليس انعدام النتائج في لقاءات جنيف المتكررة الى ما لا نهاية واللجنة الدستورية إلا خير دليل على ذلك. ولا يخفف من هذا المسار السوداوي التسريبات الصحفية منذ عدة سنوات عن اقتراب الحل السياسي، وأنه قاب قوسين أو أدنى!! وإنه حاصلٌ حتما في نهاية العام، بل خلال أشهر!! والذي أظهرت الأيام أنها كانت محض أوهام أو تسريبات إعلامية من بعض الجهات، وربما يدخل في هذا المضمار ما يشاع عن مخطط أردني اماراتي (امريكي) للحل، يستند القائلون بذلك الى صفقة الغاز للبنان وزيارة وزير الخارجية الاماراتي لدمشق!
أمام هذه الخارطة المأساوية، والتي لا يصب الزيت على النار فيها إلا الكارثة المعاشية التي تضرب المواطن السوري كل صباح تصبح مسؤولية القوى العظمى مسؤولية أولى على إنهاء هذه الكارثة وليس على استمراء المماطلة، واقتسام مناطق النفوذ مثلما هو حاصل اليوم وبخاصة منذ ثلاث سنوات.
مأساة الشعب السوري اليوم بين أيدي تلك القوى، وعدم التقدم بحل ينهي هذه المأساة ليس إلا جريمة موصوفة. الأوضاع جليّة، والمأساة أمامنا، والمجرمون المسؤولون الذين يوغلون في دم الشعب السوري ومعاشه ومستقبله واضحون أيضاً: روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الامريكية، ويبدو أن سماع الروس والامريكان كلمة جريمة ومجرمين وقتلة لا تساوي شيئاً بالنسبة لهم أمام مصالحهم الدنيئة.
افتتاحية “الآن” الناطقة باسم حزب العمل الشيوعي في سوريا
العدد 95 -تشرين الثاني
………………………………………………..
حزب العمل الشيوعي في سوريا