تقنية

عالم “ميتافيرس”: أزياء تصمم وتباع في فضاء افتراضي

إذا كانت “فيسبوك” جعلت “ميتافيرس” أولويتها الاستراتيجية، فإن هذا العالم الموازي فتح شهية الكثير من الجهات الأخرى، كشركات ألعاب الفيديو، مثل “روبلوكس” و”فورتنايت”، وعدد من المؤسسات الناشئة المتخصصة، وأخيراً عالم التصميم والأزياء.

ويشكل عالم “ميتافيرس” ما يشبه نسخة رقمية عن عالمنا المحسوس يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت. وبفضل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، من المفترض أن يتيح هذا العالم الموازي زيادة التفاعلات البشرية بدرجة كبيرة، عبر تحريرها من القيود المادية.

وأطلقت مجموعات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، وفي طليعتها “فيسبوك”، مشاريع ضخمة في هذا المجال. وتهدف مجموعة مارك زوكربيرغ، الذي غيّر اسمها أخيراً إلى “ميتا”، إلى ترسيخ مكانتها كمنشئ لمساحة رقمية عالمية معيارية، مثل متجر التطبيقات من “آبل” أو محرك بحث “غوغل”.

وحالياً، تعمل المنصات الإلكترونية التي تعتبر ممهِّدة لرؤية “ميتافيرس” لمستقبل الإنترنت كمشاغل عمل، تطوّر منتجات مخصصة للبيع في الحياة الواقعية. ويتقلّص الحاجز بين العالمين الرقمي والمادي، بدءاً بأحذية رياضية مصممة في العالم الافتراضي ومصنوعة في العالم الحقيقي، وصولاً إلى المصممين الذين يجربون ملابس على شخصيات رقمية رمزية (أفاتار) قبل صنعها.

ويقول مصمم الأزياء الفرنسي جوليان فورني الذي يدير داره الخاص للأزياء: “في الحياة الواقعية، تكلّف صناعة المنتجات الكثير”، معتبراً أنّ الإنترنت “مكان مفتوح لاختبار الأشياء افتراضياً، وإعادة إنشاء صلة وصل وثيقة مع التجربة في الحياة الواقعية”.

ويأتي الصخب حول السلع الافتراضية وسط توقعات بأنّ عالم “ميتافيرس”، وهو نسخة من الواقع الافتراضي للإنترنت، سيحل مكان الإنترنت الحالي.

في الأشهر الأخيرة، حاول عدد متزايد من العلامات التجارية تأسيس وجود في منصات رقمية يتحدّث عنها الجميع، خوفاً من تفويت أي تحوّل تكنولوجي واجتماعي مهم. ومسألة تفاعل المستخدمين مع السلع عبر الإنترنت، وماذا يختارون أو يتجاهلون، تشكّل فرصةً منخفضة الأخطار والكلفة لدى الشركات في عملية تطوير منتجاتها.

ويقول الشريك في شركة “ماكينزي أند كومباني” للاستشارات، أخيم بيرغ، لوكالة “فرانس برس”، إنّ هذا الأمر يُعتبر جزءاً من اتجاه أساسي للاستفادة من البيانات التي جُمعت عبر الإنترنت، “لتطوير مجموعات أفضل، ولوضع توقعات أفضل”. ويضيف أنّ جائحة “كوفيد-19” ساهمت في تقليص المسافة بين الواقعين الافتراضي والحقيقي، عبر دفع عدد كبير من المصممين إلى ابتكار تصاميم ثلاثية الأبعاد، لعدم القدرة على لقاء العملاء شخصياً.

نهاية فبراير/شباط 2021، أطلقت شركة RTFKT، بالتعاون مع الفنان FEWOCiOUS، مجموعة محدودة الإصدار تضم 621 زوجاً من الأحذية الرياضية الافتراضية عبر “الرموز غير القابلة للاستبدال” (إن إف تي)، وهي منتجات رقمية يمكن شراؤها وبيعها باستخدام تقنية “بلوكتشين” (سلسلة الكتل). وتمثّلت إحدى جوانب العملية بمطابقة كل زوج رقمي بيع في ذلك اليوم بأحذية ملموسة، ويمكن لكل مشترٍ الحصول عليها بعد ستة أسابيع.

ويقول بونوا باغوتو، وهو واحد من مؤسسي RTFKT التي استحوذت عليها شركة “نايكي” العملاقة في ديسمبر/كانون الأول، لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “نعتقد أنّ العلاقة العاطفية تجاه الأشياء الملموسة لا تزال مهمّة، ويمكن أن تزيد الارتباط” بالمنتجات الرقمية.

وأنشأ تطبيق Aglet، الذي يمزج بين الأحذية الرياضية الافتراضية والواقع المعزز، حذاء “تيلغ” الخاص به، على غرار أحذية “أديداس” و”ريبوك”.

ويقول الرئيس التنفيذي للشركة، راين ديفيد مولينز، إنّ شركته تخطط حالياً لصنع أحذية رياضية حقيقية، مشيراً إلى أنّ الدفعة الأولى التي تضمّ 500 حذاء بيعت حتى قبل بدء الإنتاج. ويضيف “بمجرد تمكننا من تحديد حجم الطلب في هذه المنصات، يصبح من الأسهل بناء قناة نحو العالم الحقيقي لتصنيع المنتجات”.

وبدأ التطبيق التعاون مع مصممين شباب قد تكون كلفة إطلاق علامتهم التجارية المادية باهظة بعض الشيء. ويرى مولينز أنّ “المباشرة في تصميم المنتجات افتراضياً أسهل بكثير”. وتعتبر منصة Farfetch للأزياء الراقية مثالاً آخر على ازدهار هذا المجال. وأطلقت في أغسطس/آب صيغةً تسمح بالطلب المسبق لمنتجات “بالنسياغا” أو “أوف ـ وايت” أو “دولتشه أند غابانا” الرقمية فقط.

وتتعاون المنصة مع شركة “دريس إكس” الذي يصمم ملابس افتراضية، للتوصّل إلى إصدارات مقنعة قدر الإمكان. وتُصنّع القطع بعد ذلك في المشاغل، بحسب الطلبات المسبقة فقط، وهي طريقة جذابة خصوصاً للعلامات التجارية الراقية بدلاً من شركات الملابس الجاهزة الضخمة.

وقد تساعد هذه الطريقة في العمل على تجنّب الإفراط في الإنتاج والسلع غير المباعة التي أصبحت مصدر قلق للتكاليف المرتبطة بها.

ومع ذلك، لم يقتنع الجميع بفكرة تحويل ما هو رقمي إلى ملموس.

وتعتبر دار الأزياء الافتراضية “ذا فابريكنت” أنّه “يمكن ارتداء القطع الرقمية وجمعها والمتاجرة بها في عالم ميتافيرس، من دون الحاجة إذاً إلى جهات في العالم الواقعي”. لا تزال الشركة الهولندية ترى أن النفاذية بين العالمين أمر جيد عندما يختار الأشخاص “إدخال جمالية العالم الافتراضي في حياتهم المادية”.

ويقول بيرغ “في النهاية، يتعلق الأمر بالاستحسان”، مضيفاً “إذا كان شيء ما مرغوباً في هذا الفضاء (الافتراضي)، فلم لا يكون مستحسناً في فضاء آخر؟”.

(فرانس برس، العربي الجديد)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى