من الحصاد الثقافي العربي في 2021.. فعاليات وكتب أدبيّة/ عماد الدين موسى
مع ابتكار اللقاح لفيروس كوفيد 19، خففت معظم الدول العربية إجراءات الحظر، وهو ما هيّأ الأجواء لإعادة إحياء النشاطات والفعاليات الثقافية التي بدأت تعود إلى حالتها شبه الطبيعيّة، من المهرجانات والأمسيات الأدبيّة والفنيّة، مرورًا بمعارض الكتب والفنون التي أقيمت على مدار السنة.حول أبرز الكتب التي صدرت خلال العام المنصرم 2021، وكذلك عن أبرز الفعاليات الثقافية، يتحدث لنا مجموعة من الكتّاب والمثقفين العرب من خلال التقرير التالي.
هنا الجزء الثاني والأخير:
احساين بنزبير (شاعر مغربي يقيم في فرنسا): “القناص السماوي“
كتابان استرعيا اهتمامي في القراءة سنة 2021، الأول للمفكر والكاتب الإيطالي، روبرتو كالاصو، تحت عنوان “القناص السماوي”، والثاني للشاعر الفرنسي المعاصر، جاك ليبر، الموسوم بـ”الشاعر تحت الدرج”.
بدأت مساء القراءة مع الكاتب الإيطالي “روبيرتو كالاصو”، الذي رأى النور في فلورانسا عام 1941، وفارق عالمنا سنة 2021. نفتح كتاب “القناص السماوي”، ثم نزهة معرفية صحبة الحيوان منذ اليونان القديمة/ القصية. حين الكاتب يصير قناصًا وهو يقتفي أثر الحيوان المرشد/ الدليل، ليحتفي بيد القناص/ الحابل والمفترس أيضًا. “كالاصو” يستنطق العالم عبر عهد التحول في ثنايا استعارات فكرية نادرة. اللامرئي يتكئ على المرئي متشبثًا بحيوانية الأثر الأدبي. حسب “كالاصو”، العمل الأدبي ينبثق من مكان الجريمة، حيث تم قتل الحيوان. الدب/ الغراب، مثلًا، في قالب ثاقب النظر (لا علاقة له بـ”كليلة ودمنة”!). عمومًا، إنه كتاب في هيئة شخصية “الغول”. “القناص السماوي” رحلة في المقدس والروحانية على طريقة جورج باتاي؛ لكن بشكل مخالف ومختلف جدًا: العمق التحليلي، حيث الآلهة ليست متمكنة من طريقة الكلام. كتاب عملاق بيد روبيرتو، وترجمة عملاقة أيضًا أنجزها المترجم جان ـ بول مانغانارو، المتخصص طبعًا، ترجم كل كتب كالاصو بجمالية حيوانية، أيضًا… “القناص السماوي” يمارس الفكر عبر تاريخ اليونان العتيقة، وسيرة الحيوان، كمركز في صيرورة الكتابة عمومًا. روبرتو يسافر بنا في دهاليز كتابة تقلق، حيث الحيوان يأخذ هيئة ذات تكتب. الكتاب الأخير للشاعر “جاك ليبر”، الذي صدر، مؤخرًا، عن دار النشر”Corti”، حيث نزهة ما تحت الأشجار تتشكل، تأخذ مكانها، ترتب هيكل بركان طري. في العائلة كما في المجتمع، تحت الدرج أحسن مكان للشاعر. نعبره ولا ننتبه (إليه).. ميثولوجيا الشاعر، تحت الدرج، الذي لم يلتق إلا بشمس واحدة تحت مطر ضوء نحيف. كتاب يرسم رغبة، حتى لا أقول لذة(!)، محاولًا الإنصات إلى عرائس البحر، أو إلى طائر/ سمكة تحت الدرج دائمًا، كما الشاعر. في هذا الكتاب الذي هو عبارة، كما ذكرت أعلاه، عن نزهة عبر مراسلات أو تطابقات لقراءات الشاعر الحميمية. في حقيقة الأمر، إنه نساخ، أو محرر، لما قرأ من كتب: من ريلكه، إلى جاكوتيه، من الرسام دو ستايل، إلى روبيرتو خواريس… يتم رسم فضاء صداقات القراءة والتحاب على ظهر غزالة. كتاب صغير في حجمه، وكبير في اختيارات جاك ليبر. إنه كتاب نثري عميق يدعونا إلى سقف مفتوح على سماء الكتب التي نحبها كقراء يقظين.
علي عبد الأمير عجام (شاعر وكاتب عراقي): قطار الباءات الثلاثة
توقفت مطولًا في العام 2021 عند كتاب “ضفاف أخرى”، الصادر عن “دار الرافدين”، وهو حوار طويل أجراه الكاتب العراقي علي محمود خضير مع الشاعر والصحافي اللبناني عيسى مخلوف، وذلك لاعتبارين: الكتاب ليس مجرد حوار مع مثقف جدير بالتمعن في سيرته الإنسانية والمعرفية مثل مخلوف، بل هو سيرة ثقافية عن النصف الثاني من القرن الماضي وما تلاه، كما أن المحاوِر (صاحب الكتاب) تجاوز الأفق التقليدي للحوار في الثقافة العربية عبر عدة نقدية واتصال فكري متعدد المشارب.
كذلك قرأت بكثير من المسرة والتمعن كتاب “السيرة الناقصة” الصادر عن “دار الجمل”، الذي جالت فيه مؤلفته الناقدة العراقية والعربية، فاطمة المحسن، بين محطات المصير الشخصي والفكري عبر عقود من الكتابة والهجرات والتأسي الواعي.
شخصيًا، انتهيت من مراجعة مسودة كتابي “الاغتراب الجميل- صور غير مرئية لبغداد”، ويتناول عرضًا نقديًا ومراجعة لا تخلو من توثيق لشخصيات عراقية فتحت أبواب الاتصال المبكر والعميق مع الحداثة الغربية على وجه الخصوص، ودفعت جراء ذلك أثمانًا باهظة، ليس أقلها معنى “الاغتراب” عن مجتمعها!
ولكوني مهتمًا، منذ أكثر من عقد، بالتاريخ الثقافي العراقي المعاصر، لذا قرأت عددًا من الكتب، وأغلبها بالإنكليزية، عن ذلك التاريخ وتحولاته العاصفة، ومنها كتاب “بغداد ـ برلين إكسبريس”، الذي يوثق دلالات قطار الباءات الثلاثة: برلين ـ بغداد ـ بصرة، الذي صار لاحقًا مؤشرًا على قيام دولة معاصرة تخرج من العزلة الطويلة إلى العالم.
ونتيجة لإقامتي العملية منذ عامين في إسطنبول، وانشغالي بهذه المدينة الأسطورية، فقد قرأت، وأعدت قراءة (بالعربية والانكليزية)، ما كتبه الروائي صاحب نوبل للآداب، أورهان باموك، عن تلك المدينة التي بدأت الاتصال بعمقها الثقافي والإنساني شيئًا فشيئًا.
وبسبب انغلاق العالم، جرّاء “كوفيد ـ 19” فقد ندرت التظاهرات الثقافية الرصينة، مما دفعني شخصيًا إلى التعويض عنها بالعروض السينمائية المدهشة التي توفرها منصات الأفلام الجديدة، ناهيك عن العودة إلى نبع معرفتي الروحية والفكرية: الموسيقى، لا في الاستماع وحسب، بل في الكتابة النقدية هذا العام، واتصلت فيها مع ثلاثة كتب كنت قد وضعتها سابقًا عن الموسيقى المعاصرة عراقيًا وعربيًا وعالميًا.
ريم نجمي (شاعرة مغربية تقيم في ألمانيا): “جسور مقاطعة ماديسون“
من أجمل الأعمال التي قرأتها هذه السنة رواية “جسور مقاطعة ماديسون”، للكاتب الأميركي روبرت جيمس والر، بترجمة الكاتب محمد عبد النبي، والصادرة عن دار الكرمة في مصر. الرواية رائعة، أخاذة، تمتد يد الكاتب إلى داخل الجسد لتحرك القلب، وتتسرب كلماتها وجملها عبر المسام كقصيدة شعرية طويلة: جمال اللغة، وجمال التفاصيل، وجمال السرد وتقنياته المتعددة بين التحقيق الصحافي والرسائل والمخطوطة والحوار الصحافي في الأخير… يتدفق السرد على الصفحات كمعزوفة ساكسفون تسمعها في مساء رائق. كتاب لافت يتقطر رقة وشاعرية ويغوص عميقًا في تصوير مشاعر حب وتضحية استثنائيين. تأثرت بمقاطع وجمل من الرواية حد البكاء. الترجمة جميلة وسلسة، وهذا ثاني عمل سردي أقرأه بترجمة محمد عبد النبي بعد “النورس جوناثان ليفنجستون”، أخرج منه بالتعليق نفسه: “يا له من عمل جميل كقصيدة شعر!”.
عربيًا، أحببت رواية “الاشتياق إلى الجارة”، الصادرة عن دار الآداب، وأحببت قدرة الكاتب التونسي الحبيب السالمي في كتابة رواية متماسكة مبنية على حكاية بسيطة عن قصة حب رجل متزوج امرأة متزوجة، كلاهما تونسيان يقيمان في باريس، لكن الحكاية رغم بساطتها تقطر بمشاعر متضاربة بين الاشتياق وتأنيب الضمير والغيرة والاشتهاء والشك وفقدان السيطرة على الأحاسيس، أو كما جاء في الرواية “هشاشة والتباس علاقة المرأة والرجل، وكيف يمكن لنظرة عابرة، أو حركة تلقائية، أو ضحكة، أو ابتسامة، أو حتى رائحة ما، أن تحول هذه العلاقة، فتتخذ منحى آخر لم يكن ليخطر على بالنا”. الرواية لفتت انتباهي على الخصوص كعربية مقيمة في ألمانيا، وأسئلة الاغتراب التي تطرحها. من الممكن والمشروع أن نقرأ الرواية ونحن نحاول فك رموزها باعتبار الحبيبة “التونسية” هي رمز للوطن تونس، واشتياق البطل لها هو اشتياق لوطنه، ولصورة أمه الراحلة التي يستحضرها في عدة مواقع من الرواية. كما يمكن من خلالها أيضًا تناول الهوة بين النخب الثقافية وعامة الناس، وكذا أسئلة الهوية والهجرة والاغتراب.
أما بالنسبة لأبرز الأحداث الثقافية في العالم العربي، فأرى أن إقامة معارض الكتب في ظل أزمة كورونا حدثا في حد ذاته، بعد إلغائها أو تأجيلها لمرات بسبب الوباء. كان للمعارض هذه السنة طعم آخر ومختلف.
محمد المطرود (شاعر وناقد سوري): “خربة الشيخ أحمد“
قد أكونُ ممتنًا للفترةِ الأولى من جائحةِ كورونا، لتلكَ العزلة، كانت كما لو هي الجديدُ الذي يجبُ اكتشافهُ، بما ينطوي عليه الاكتشافُ من متعةٍ، حالَ أسستُ مُخططًا للقراءة وللكتابة. أما ما يخصّ القراءات، فلم تذهب كلّها إلى ملاحقةِ ما يصدرُ حديثًا، أو ما يُسلطُ الضوء عليهِ إعلاميًا، وبقدر قليل نقديًا، بل في جزءٍ منها لاحقتُ ما قرأتهُ في ما مضى، ولم يُشكل في آنهِ صدمةً، أو وجدتني أحوجُ إليهِ في راهني. مثلًا، ذهبتُ إلى “الأخوة كارامازوف” لدوستويفسكي كعملٍ رئيس، وقرأتُ المتصوّفة، يتصدرهم أبو يزيد البسطامي في “المجموعة الصوفية الكاملة/ ويليها كتاب تأويل الشطح”، ومن ثمّ أعدتُ قراءة كتاب “ذاكرة النار” لإدواردو غاليانو، واستفدتُ منهُ في تتبعِ سيرةِ الأساطير، وكذلكَ في بناء كتابي الجديد “سلالة العجاج”.
أمّا لو سئلتُ ماذا في العام الذي أوشكنا على قضمِ نهاياتِ تفاحتهِ، سأقولُ حظيتُ بثلاثةِ كتبٍ هي: “الحيوان الحكّاء” لغوتشل، والثاني لباسكال كينيارد “الاسم على طرف اللسان”، والثالث “المكتبةُ في الليل” لإلبرتو مانغويل. وتكاد تشكلُ أثافي ثلاثة لوعي القراءة والكتابة والحكايةِ، وكيف يمكن للإنسان أن يكونَ نتاجَ تاريخ شفوي في البدء، ومن ثمّ مكتوب، وبالتالي وصفِ العمليتين القرائية والكتابية باعتبارهما كينونة بشرية لا بدّ منهما، لخلقِ مراكمة لعلّها اليوم هي الأسّ الداخلُ في سلوكياتنا واختراعاتنا تقنيًا، وكذلك في خلقِ منظوماتٍ عِبارية وخطابية.
ذهبت قراءاتي إلى الرواية لميلي إلى سردنةِ الحياة، ولعليّ قرأتُ من بابِ المحبةِ عيسى الشيخ حسن في روايته “خربة الشيخ أحمد”، لاشتغالها على موضوعات بكر في بيئة شفوية لم يحظَ منطوقها بالتدوين، وكانت القريةُ بطلةً بامتياز، فوجدتني أميلُ لها نقديًا أيضًا، لأصفها بالرواية المنافسة، ولربما من زاوية أخرى رأيت “دفاتر الورّاق” لجلال برجس، بتشويقها بكثافةِ قصصها وقصها، تشتغلُ في المدينة وتنتصرُ لشخصياتها. هنالك كثير يمكن الحديث عنه، غير أنني محكومُ بالمساحة.
جودت هوشيار (كاتب ومترجم عراقي): الأدب الروسي
لا يمكن لأحد من المهتمين بالثقافة أن يدعي أنه أطلع على كافة الإصدارات العربية الجديدة، فهذا أمر فوق قدرة أي شخص، مهما كان شغوفًا بالفكر والأدب. وبقدر تعلق الأمر بي، فإن وقتي في القراءة موزع على ثلاث لغات، هي العربية والروسية والإنكليزية. أقرأ بهذه اللغات ما يجذب انتباهي من كتب جادة. ومن مجموع ما قرأته خلال العام الماضي، من كتب، وما لفت نظري من فعاليات ثقافية، أذكر بعضها باختصار شديد: كتاب “تولستوي ودوستويفسكي ـ الحياة والإبداع” للكاتب والناقد الكلاسيكي الروسي دميتري ميريجكوفسكي، ترجمة د. تحسين رزاق عزيز. هذا الكتاب أثار عند صدوره في سنة 1900 عاصفة من الجدل بين النقّاد الروس. وقد قيل في ذلك الوقت إنه من أهم الكتب عن عملاقي الأدب الروسي. ومن مزايا هذا الكتاب، أن المؤلف يلقي الضوء على أعمال الكاتبين، ويحللها كنصوص أدبية، منفصلة عن حياتهما الشخصية، وبذلك سبق ميريجكوفسكي المذهب الأدبي الفرنسي الطليعي، الذي يؤمن بدراسة النص الأدبي على نحو مستقل عن سيرة صاحبه.
الكتاب الثاني هو مجموعة من الروايات القصيرة للكاتبة الروسية الكبيرة، لودميلا أوليتسكايا، تحت عنوان “عن جسد الروح” تتضمن ثيمات غالبة على الأدب الروسي الكلاسيكي، وهي البحث عن معنى الحياة والموت. وهذا النتاج اعتبرته الكاتبة ختام حياتها الإبداعية، وإن صدر لها بعد ذلك كتاب يضم عددًا من مقالاتها وخواطرها. وأوليتسكايا كانت مرشحة قوية للفوز بجائزة “نوبل” في الأدب طوال السنوات الست الماضية. أما الكتاب الثالث الذي أحببته كثيرًا، فهو بعنوان “سباحة في بركة تحت زخات المطر”، للكاتب الأميركي البارز، جورج ساوندرز، يتحدث فيه عن خلاصة تجربته في تدريس القصة القصيرة الروسية المترجمة في القرن التاسع عشر. كما يحلل بنظرة ثاقبة وعمق بالغ عددًا من قصص غوغول، وتورغينيف، وتولستوي وتشيخوف.
كانت سنة 2021 زاخرة بالفعاليات الثقافية في العالم العربي، رغم تدابير التباعد الاجتماعي، ولعل أهم هذه الفعاليات هي معارض الكتاب التي أقيمت في العواصم العربية، وشهدت إقبالًا جماهيريًا، يبعث الأمل في النفوس المحبة للفكر والأدب والفن.
رولا حسن (شاعرة سورية): روايات الحرب
عام 2021 كان عام القراءة بامتياز، فالكتب كثيرة ومتنوعة. هنا، سأذكر الروايات، أو عدد منها، على سبيل المثال لا الحصر، والتي تركت أثرًا على ذائقتي. شدني الكم الهائل من روايات الحرب السورية. أردت أن أقرأ كيف ينظر كل من مكانه إلى هذه الحرب، فكانت روايتا شهلا العجيلي “سماء قريبة من بيتنا”، و”صيف مع العدو”، لافتتين من ناحية الطرح، وطريقة تناول الحرب، ولا سيما أن مدينة الرقة تحضر بقوة كخلفية للأحداث، وكبطل جغرافي لا يستهان به. كذلك مدينة حلب في رواية السورية مها حسن “عمت صباحًا أيتها الحرب”، ورواية “الخائفون” لديمة ونوس، هذه الرواية ليست حديثة من ناحية الإصدار، لكنها مهمة جدًا من ناحية الطرح، فهي تسلط الضوء على الخوف والقلق الذي يعيشه السوري وقد جسدته ديمة ببراعة من خلال شخصيات وأوراق متشابكة شكلت عالم الخوف والبحث عن الذات وسط حرب التشرد والضياع.
كان تعرفي على الروائي الكردي، جان دوست، وقراءة أعماله، بسردها المتقن، حدثًا جميلًا، فلا يمكنني مثلًا نسيان روايته “ممر آمن”، التي مزج فيها التخييلي بالتسجيلي، ورسم أحداثها في جو سوداوي كابوسي عجائبي يشبه الحرب التي عشناها، مستحضرًا بعض النصوص العالمية، والأساطير، وقصص الأنبياء، ليتضح للقارئ أنه ما من ممر آمن في هذه الحرب إلا ممر الموت. كذلك رواية “دمشق ترتدي خوذة” للمخرج والمسرحي السوري، المهند حيدر، حيث روى لنا حكايا الحرب وهلوساتها من خلال سرد فاتن.
عربيًا، كانت رواية “دفاتر الوراق”، للأردني جلال برجس، التي حصلت على جائزة البوكر العربية تتويجًا لتجربة برجس الروائية. أما فوز التنزاني من أصول يمنية، عبد الرزاق قرنح، بنوبل، فقد فاجأ الوسط الثقافي، كونه اسمًا غير معروف، وأعتقد أن فوزه سيفتح الباب على شرق آسيا المتنوع ثقافيًا وغير المألوف في أنحاء أخرى من العالم. ننتظر بشوق ترجمة أعماله الى العربية ليتمكن كثير من عشاق الرواية من الاطلاع على هذه العوالم المتنوعة.
في السينما، كان فوز الفيلم المصري “ريش” بالجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد السينمائي الدولي، وأيضًا جائزة مهرجان التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج، شيئًا جميلًا على مستوى السينما المصرية التي عانت في الفترة الأخيرة من رداءة الطرح. الفيلم كان مميزًا من ناحية السرد، وتكوينات الصورة، والأهم من ذلك كله التعامل مع ممثلين لم يسبق لهم الوقوف أمام الكاميرا.
سامر إسماعيل (فنان تشكيلي سوري): أيام التشكيل السوري
ربما يكون الحديث في هذا الموضوع قليل الصعوبة، وذلك بسبب الظروف التي مر بها العالم كورونيًا، وكذلك بسبب الظرف القاسي المتعلق بالسوريين والحرب الطاحنة التي شهدتها سورية. كل هذا أدى بنا إلى قطيعة كاملة مع أي تظاهرة ثقافية خارجية، بل إن الأمر امتد لأكثر من ذلك، بحيث قلّت أسماء ونوعيات الصحف والمجلات والمطبوعات والكتب التي تدخل إلى سورية. لكنني على الأقل أستطيع الحديث فقط عن تجربتي ومشاهداتي الخاصة والشخصية في هذا المجال.
ما رأيته مؤخرًا هو عودة جميلة، وإن كانت خجولة في البداية، لأسماء تشكيلية بارزة ومميزة في المشهد التشكيلي السوري، كالفنان فادي يازجي، وإدوارد شهدا. وكذلك الانتشار المفرح لأيام التشكيل السوري، وهي الظاهرة التي بدأت بمبادرات فريدة، وكان استقبالها والتجاوب معها طيبًا، وهو ما أدى إلى انتقالها إلى عدد من المحافظات السورية. غير أن هذا الأمر تزامن مع تراجع وانحسار المهرجانات التشكيلية والإبداعية والثقافية. ربما يعود هذا إلى العامل الاقتصادي الذي حدّ من قدرة المهتمين على شراء واقتناء ما يحبون من كتب، أو أعمال فنية. ودليل الانحسار هو أن معرض الكتاب الشهير الذي اعتادت وزارة الثقافة أن تنظمه كل عام، قد اقتصر هذه السنة على دور النشر السورية من دون مشاركة عربية، في حين كان المهتمون ينتظرون دور النشر العربية الكبيرة والمعروفة لاقتناء بعض من أشهر عناوينها في شتى المجالات.
يمكنني هنا أيضًا الإشارة إلى فعاليات أهلية رائعة بدأت بفكرة وأصبحت علامة مشهدية بارزة في سورية، كمهرجان “دلبة مشتى الحلو”، الذي تشرفت بالعمل فيه كمنسق ومشارك. استمر هذا النشاط السنوي بقوة رغم الضغوطات الاقتصادية الهائلة، لكن الدعم الأهلي، والتجاوب الإعلامي، والحضور المميز لأسماء كبيرة، دفعه قدمًا نحو نجاحات إضافية، حيث شارك في المهرجان لدورة السنة الحالية شخصيات فنية ذات قيمة عالية، فكان هناك معرض للفنان المبدع، يوسف عبدلكي، شارك في المهرجان، أيضًا، كل من التشكيليين عمران يونس، وفادي يازجي. ورغم أنه لا يمكننا معرفة ما الذي ينتظرنا في مهرجان السنة المقبلة، نتيجة الغموض في الواقع السوري، إلا أن النوايا والجهود الأهلية والإبداعية تعتزم المحاولة لاستمرار هذه البقعة المشرقة من الضوء في هذا الحاضر السوداوي.
أحمد فضل شبلول (كاتب مصري): جائزة الدولة للمبدع الصغير
من أهم الكتب والروايات المصرية التي صدرت وقرأتها خلال هذا العام رواية “كل الشهور يوليو”، للروائي والإعلامي إبراهيم عيسى، التي تروي أحداث ثورة 23 يوليو 1952، من خلال رؤية درامية مكثفة، وليس من خلال رؤية تسجيلية. هذه الرؤية الدرامية أخضعت الوثائق التي رجع إليها الكاتب لمقتضيات الدراما والفن، لذا أرى أنها عمل روائي مهم، استمعت به كثيرًا. كذلك من الأعمال الرائعة التي عدتُ إلى قراءتها خلال عام 2021 رواية “عشرون ألف فرسخ تحت سطح البحر”، للكاتب الفرنسي جول فيرن، وهي تثبت أن الكتابة الجيدة والعمل الجيد لا يموت أبدًا مهما مرت عليه السنوات والعقود، فهي على الرغم من أنها صدرت عام 1869، فإن متعتها لا تنتهي، وتصلح لكل العصور، فهي عمل باق وخالد، وكأنها كتبت اليوم. وأستطيع أن أضيف روايتي “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ”، التي صدرت منذ أسابيع، وأحدثت صدى طيبًا، وأقيمت عدة ندوات لمناقشتها خلال تلك الأسابيع القليلة. أما الحدث الثقافي الذي أراه من الأعمال البارزة فهو تأسيس جائزة الدولة للمبدع الصغير في مصر، والتي تقدم لها حوالي 4500 طفل في جميع ميادين الإبداع، من شعر، وقصة، ورسم، وعزف، ورقص، وغناء، وكنت أحد المحكمين في مجال الشعر الذي يكتبه الأطفال الذين اكتشفنا فيهم مواهب حقيقية مبدعة وخلاقة نأمل أن تستمر وتتطور لتصبح من الأسماء الإبداعية الكبيرة في مستقبل الأيام.
أيضًا، افتتاح طريق الكباش بالأقصر كان من الأحداث الثقافية المهمة خلال 2021، وقد مشيتُ في هذا الطريق عندما كنتُ أزور الأقصر، وهو طريق موصل بين أهم معبدين؛ معبد الأقصر، ومعبد الكرنك، وكان طريقًا عشوائيًا مهملًا، ولكن بعد تجميله وتطويره أصبح من أهم الطرق الأثرية في العالم، وسيصبح له مردود ثقافي وأثري وسياحي كبير خلال الأعوام المقبلة.
ريم غنايم (كاتبة من فلسطين): الحياة في قلب الجائحة
تجارب كثيرة في الكتابة شكّلت بدائل احتاجها المشهد الأدبيّ في عام 2021، مع تواصل الحياة في قلب الجائحة. في المشهد الفلسطينيّ، وعلى الرّغم من صدورها في الثلث الأخير من عام 2020، إلا أنّها وصلتني في عام 2021، وهي “قابض الرّمل”، العمل الروائيّ الاستثنائيّ الأول للكاتب الفلسطينيّ، عمر خليفة، الرّواية التي تبتعد عن النّفس “التعبويّ” لمفهوم النكبة وتحديات الهويّة الفلسطينيّة. شكّلت الرّواية حجر زاوية في قدرتها على تشييد معماريّة سرديّة ناقدة ومضادّة للكتابة الفلسطينيّة والخطاب الفلسطينيّ في تناول الفقدان والضياع والخروج من بديهيّة القضيّة، إلى حيّز الأسئلة الكبرى القادمة من مستقبل معرفيّ منطقيّ يقوم على الحفر في الهمّ الفلسطيني ـ الفلسطينيّ من دون أن يوفّر على نفسه الجرأة في تفكيك بنية خطاب هذا الهمّ، وكسر حاجز القدسية، في تكتيكات سرديّة تركن إلى الحوارات والسرعة والدعابة، يسندها القلق والتوتّر من طرح الأسئلة والكشف، وتعريض الهالة المقدّسة لأسئلة الهوية للخطر بطرح سؤال “ثمّ ماذا بعد ذلك؟”.
في المستوى العربي، رواية أخرى برهنت حضورًا مميّزًا قادمة من المغرب، وهي رواية قصيرة للكاتب محمد سعيد احجيوج بعنوان “ليل طنجة: الرواية الأخيرة”، التي ترصد الرحلة النفسية لبطل يحاول أن يكتب رواية لا تكتمل، ومن خلالها ندخلُ عوالم كثيرة بين قلم التّسجيل والكتابة، مدارها أحداث عاديّة سرعان ما تتوه في ديستوبيا الأسئلة الواقعيّة، وتنتقلُ من حضور الأصوات الكثيرة إلى هيمنة الصّوت الواحد الذي يضخّ حياةً في معضلات الإنسان المغربي والعربيّ عبر حيرة الإنسان العاديّ في أبسطِ ممارساته.
في الشتات، يكتب الروائيّ الكرديّ جان دوست، يوميات الجائحة بعنوان “في قبضة الكابوس: ثلاثون يومًا من حصار كورونا”، وهي اليوميات التي ترسمُ بورتريهات لرُعب مواجهة العدوّ الذي يفتك بالعالَم، ويصحو معه “أعداء” آخرون يستفزّهم الكاتب الأقليّ القادم من عالم الفقدان المتواصل في مستويات شخصيّة، سياسيّة، يوميّة، تداخلت كلّها في عالم الكتابة الصعبة التي تسمّى باليوميات.
في الشّعر، كائنات ممنوعة من الصّرف، للشاعر العراقيّ المقيم في هولندا، ناجي رحيم، والذي يواصل فيه الشّاعر رسم العالَم العراقيّ الديستوبيّ المتشابك مع الذات الديستوبيّة في شعريّة ديستوبيّة تحاول هي الأخرى أن تستعيد الذات بصفتها وعيًا للمكان المفقود.
أما في المستوى العالَمي، فكانت رواية crossroads للكاتب الأميركيّ جونثان فرانزن، في جزئها الأول، في صدارة الرواية الأميركية، وفي الترجمة برزت منشورات الجمل في جديد ناصع.
ميسرة صلاح الدين (مترجم مصري): شكل الحياة الجديدة
عانت الأوساط الثقافية والفنية كثيرًا طوال عام 2020 وبداية عام 2021، بسبب الأجواء الاحترازية التي غيرت من شكل الحياة الطبيعية، وفرضت ظروف طبيعية جديدة أطلق عليها البعض New Normal””، في مصطلح يعبر عن شكل الحياة الجديدة ما بعد خروج الإنسان من العزلة، ويعبر عن الطريقة الجديدة للتعامل مع البيئة المحيطة، في كل ما يتعلق بالتنقل بين مكان وآخر، والسفر، والعمل، والتفاعل مع الآخرين، وتلقي الخدمات وتقديمها، بما في ذلك الفن والثقافة، كمنتج بشري خاضع في منطقه ـ الاقتصادي ـ للعرض والطلب.
وضح أثر ذلك كثيرًا في نمط كان سائدًا في العديد من الأعمال الأدبية العالمية التي صدرت 2021، وتصدرت قوائم النشر والمبيعات، ولاقت رواجًا كبيرًا على المستوى النقدي والمستوى الجماهيري.
وأقصد بذلك النمط السائد هو الروايات والأعمال الأدبية التي تتناول البيئة الرقمية والبرمجية التي صنعها الإنسان بيده، فصارت جزءًا رئيسيًا من حياته، لدرجة قد يعدها البعض مهددة لوجوده. ومن أبرز هذه الأعمال الأدبية “لا أحد يتكلم عن هذا”، لباتريشيا لوكوود، ورواية “حسابات زائفة”، للورين أويلر، والكتابان يدوران حول عالم الإنترنت، سواء برؤية فلسفية تحليلية، أو بنظرة روائية لا تخلو من التشويق والسخرية.
أما عن أبرز الأحداث الثقافية والفنية من وجهة نظري في عام 2021 فهو ذلك الموكب الملكي العظيم الذي خرج في شهر أبريل مخترقًا قلب القاهرة وصولًا إلى متحف الحضارة بالفسطاط، وسمي بموكب المومياوات الملكية. وقد شهد هذا الموكب بعثًا للحضارة المصرية القديمة، التي طالما أذهلت العالم، ومثلت أمامه لغزًا عظيمًا غير قابل للحل. وأهمية هذا الموكب تكمن في خلطة مدهشة جمعت بين التاريخ والحضارة، وبين التقنيات التكنولوجية، وأساليب التسويق الرقمية الجديدة، خلطة تدل على أن الحياة مهما تغيرت وتطورت أشكالها، فإن الماضي لا ينقطع، وأن لبصماته الساحرة على الحاضر أثر لا ينتهي، في دائرة من التأثير المتبادل تخلق واقع الإنسان وتشكل عالمه.
عبد الرحيم يوسف (كاتب ومترجم مصري): عودة معارض الكتب
لعلّ أهم الكتب التي قرأتها هذا العام من وجهة نظري، وكثير مما قرأته بالمناسبة لم يصدر هذا العام، لكني سأحاول الإشارة إلى كتب حديثة صدرت في عامنا هذا، أو عام 2020 بحد أقصى، أولها كتاب “جبل الرمل” لراندا شعث، وهو كتاب سيرة صدر عن دار الكرمة، ثم ديوان شعر العامية “كأني الساكن الأصلي”، للشاعر مدحت منير، وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكتاب المفكر عبد الفتاح كيليطو “في جو من الندم الفكري” الصادر عن منشورات المتوسط، والمجموعتان القصصيتان “موسم الأوقات العالية” لياسر عبد اللطيف عن دار الكتب خان، و”ما لا يمكن إصلاحه” لهيثم الورداني عن دار الكرمة. في شعر الفصحى، استمتعت بثلاثة دواوين: “ولكن قلبي… متنبي الألفية الثالثة” ليوسف رخا عن دار التنوير، و”والغريب إذا تكلم” لمنتصر عبد الموجود عن دار الآن، و”حين أردت أن أنقذ العالم” لجيهان عمر عن دار المرايا. في الرواية، استمتعت تمامًا بروايتي “إخضاع الكلب” لأحمد الفخراني عن دار الشروق، و”أم ميمي” لبلال فضل عن دار المدى. وفي مجال القصص المصورة، استمتعت بقوة بمجلد ضم القصص الكاملة لشخصيات “تنابلة الصبيان” للفنان الكبير الراحل حجازي، التي صدرت عن الفن التاسع. وأود أن أشير إلى الكتاب الممتع والمؤلم “33.. عن الفقد والرهاب” لمينا ناجي الصادر عن دار المرايا. هنالك كتاب قرأته بالإنكليزية، واستمتعت بقراءته وبترجمته إلى العربية، وستصدر ترجمته قريبًا عن مكتبة جليس بالكويت، اسم الكتاب بعد ترجمته “مدينة الظل.. جولات امرأة في كابول” للصحافية الهندية، تَرَن خان، وقد حصل هذا العام على جائزة في أدب الرحلات من بريطانيا.
بالنسبة للأحداث المهمة، أعتقد أن العام شهد أحداثًا ثقافية كثيرة أهمها في تقديري عودة معارض الكتب في المدن العربية والأجنبية.
مي عاشور (مترجمة وكاتبة مصرية): “قصص الصحراء“
عامان من العزلة، وتجنب الحياة الاجتماعية بقدر المستطاع، وتراكم كم من الأخبار الخانقة، أمر كئيب وقاسٍ. حتى لو بدت هنالك عودة للحياة، ظاهريًا، ففي مكان ما في داخلي، أتوق إلى العودة إلى تلك الأيام التي تسبق أيام الوباء. لكن لا مفر من عيش حقيقة أن للوباء تأثيرًا على حياتنا؛ فقد حدد مسارات، وأوجد بدائل، وأحدث تغييرات. ففي مختلف الفترات والمراحل، هناك لحظات من الركود، وإن طالت، أبدًا لا تعني أنها نقطة النهاية، بل تكون مجرد لحظات تَجَمُد قبل العودة للحياة مجددًا.
صارت معظم الفعاليات الثقافية عبر شبكة الإنترنت. ولكنني رغم كل شيء، سعيدة جدًا بالمشاركة في “برنامج الدراسات الصينية الجديدة”؛ والذي قدم سلسلة من الندوات الحوارية مع كتاب صينيين مختلفين، وتضمن البرنامج أنشطة أخرى، مثل كتابة مراجعة كتاب صيني أعجبني.
شاركت أيضًا في مسابقة كتابة مقال (باللغة العربية)، والتي نظمها المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، قدمت مقالًا ضم تجارب لقائي بعدد من الكتاب الصينيين في السنوات السابقة، وحصلت على المركز الأول. وشاركت في فعالية نظمها المركز الثقافي الصيني في الرباط، لإلقاء الشعر الصيني وترجمته إلى العربية.
اتسع حيز الوقت في سنوات الوباء، وصار مربكًا. ولكنه في الوقت نفسه وفر فرصًا أكثر للقراءة والكتابة والترجمة. استمتعت جدًا بقراءة كتاب صيني تحت عنوان “قصص الصحراء” للكاتبة التايوانية سان ماو، الذي ضم نصوصًا من واقع حياة الكاتبة في مدينة العيون المغربية. كتبت سان ماو عن العادات والتقاليد وطباع الناس هناك، وعن علاقتها بهم، وسردت مختلف المواقف التي تعرضت لها، ووصفت الأماكن والشوارع والأعراس. وأتمنى أن أنقل هذا الكتاب إلى القارئ العربي في أقرب وقت.
أما الكُتب العربية، فأعجبني جدًا: “آخر الأراضي”، و”حامل الوردة الأرجوانية” لأنطوان الدويهي، و”وحدها شجرة الرمان”، و”يا مريم”، لسنان أنطون، ووجدت جمالًا من نوع فريد في “رسائل إلى لا أحد” لإبراهيم عبد المجيد. واستمتعت بـ”أطياف كاميليا” لنورا ناجي، وتأثرت بقراءة “إلى أن قامت الحرب: نساء في الثورة السورية” لجولان حاجي، و”الموت عمل شاق” لخالد خليفة.
فتيحة النوحو (كاتبة وصحافية من المغرب): الثقافة باتت تُنتزع!
من الصعب تقييم السنة ثقافيًا وفنيًا في ظل هذا الطارئ الذي نخشى أن يتحول إلى دائم، والعالم يرزح تحت نير أوبئة تتناسل منها أوبئة أشد فتكًا بذواتنا الوجدانية والفكرية، بدأنا نشعر بأن الثقافة تنتزع من بين القواطع، لذا نجد ونحن نعيش تحت النظام الكوروني أن كل ما يعقد من أنشطة وفعاليات وتظاهرات ثقافية وفنية يُختلس من بين فكي سلطة الطوارئ كناية عن مكسب، أضف إليها الإصدارات التي تصدر من دور النشر المختلفة، والتي أتابع بعضها من خلال كوة النت، لذا لا مجال لنا للانتقاد، في ظل هذه الحياة المرتجلة، مدى نجاح، أو إخفاق، السنة الثقافية، فكل كتاب صدر، وكل نشاط ثقافي نظم، علينا أن نزهو به في ظل شروط تصادر الحق في التنفس الطبيعي، وما بالك بالمجازي.
نبيل مملوك (كاتب لبناني): “الحرافيش“
لعلّ الكتب التي لفتتني هي في أغلبها تنضوي تحت جناحي الأدب، لكن أيضًا خرجتُ عن حرفتي بغير إرادتي، وانسقت إلى فضاءات قرائيّة شاسعة ومختلفة، مثل قراءة كتاب ملهم لـ بول أردن يحمل عنوان “كيفما فكرت فكر العكس”.
لم أقرأ إلا إصدارات قليلة صدرت عام 2021. واكبت الجديد، وأنتظر كعادتي لأقرأ بهدوء وتريث بعيدًا من صخب الترويج والتسويق. على الصعيد الأدبي، وتحديدًا الروايات، شدتني رواية “الحرافيش” لنجيب محفوظ، نظرًا لقدرة عميد الرواية العربيّة على جعل ملحمته التي تجسد الصراع الدنيوي على المنصب واللذة والسلطة والقوة داخل البيت الواحد، صورة نموذجيّة للمجتمع العربي التي تتضخم فيه خصلة الطمع الفرديّ والرغبة الأنويّة الحارقة الموصلة إلى الموت. “الحرافيش” كانت النص الضخم الذي أظهر النتائج الاجتماعية لانشطار الفرد عن القيم والمثل. أما الرواية الثانية التي لفتتني فهي “مديح الكراهية” لخالد خليفة، وهي النص الذي ينضح بالدم نتيجة الصراع الأهلي في سبيل الحريّة والبقاء، ولجم القمع السلطوي، وتحطيم الديكتاتوريات، لا سيّما البعثيّة. وعلى الصعيد الشعري، أعترف أني ابتعدتُ في آخر هذه السنة عن القراءات الشعريّة، وكانت الرواية تغويني بصوتها العصري والواقعي، لكنني قرأت بحب لشعراء كثر أحببتهم، وزدتُ حبًّا لمن أحببتهم منذ زمن، فقرأت للراحل أمجد ناصر، وقرأت لعبّاس بيضون إصداره الجديد “الحياة تحت الصفر”، حيث التفوق على شرنقة الوحدة التي صارت لازمة ثقيلة في شعره على مدى غير إصدار (لا سيّما إصداراته الصادرة عن دار الساقي)، كما قرأت لشوقي بزيع، ولقمان ديركي، ويانيس ريتسوس، وجاك بريفير، وإيتيل عدنان، ووديع سعادة، وبول إيلوار، ومحمد ناصر الدين، لا سيما رائعته “فصل خامس للرحيل”، وما زلت في سوء تفاهم مع شعر بول فاليري، ورامبو، ربما الترجمة هي المشكلة، أو تطرفي للأدب العربي هو العقبة الذاتية.
ضفة ثالثة