عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 09 أذار 2025

متابعة للأحداث في الساحل السوري
كان انقلاباً فأُفشِل.. سوريا بمواجهة أحقاد الداخل وحسابات الخارج/ منير الربيع
الأحد 2025/03/09
هل ما جرى كان محاولة انقلاب؟ أم محاولة للسيطرة على الساحل السوري من قبل “عناصر النظام السابق” وإخراج عناصر السلطة الجديدة منه بالكامل؟ مهما كان الهدف أو الغاية لخوض هذه المعارك والتي شهدت جرائم فظيعة ضد المدنيين، وتجاوزات بحق الأسرى، إلا أنه لا شيء يبرر ما جرى، من ارتكابات، ومن مشاهد تشير بوضوح إلى دخول سوريا في مرحلة من الاحتراب الأهلي، مع خوف مستمر من تكرار هذه المشاهد وتوسع انتشارها نحو مناطق ومحافظات أخرى، ما لم تعمل السلطة الجديدة في سوريا على معالجة كل الأسباب سريعاً وذلك من خلال الدعوة إلى حوار وطني عام وشامل وموسع، والعمل بجدية للوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية. ما جرى أظهر الكثير من الأحقاد داخل المجتمع السوري، والتي كان النظام السابق قد عمل على تغذيتها.
ما جرى لم يكن حدثاً عابراً، ومعالجته لا يمكن أن تتحقق بالآلية العسكرية أو الأمنية، لا بل علاجها سياسي بداية، وفي السياسة وحدها يمكن سدّ كل المنافذ التي تسعى جهات كثيرة إلى التسلل منها، والرهان على صراعات الداخل والخلافات السياسية والمذهبية والطائفية لأجل إضعاف سوريا كدولة، وجعلها جزراً متناحرة وغارقة في الدم والاقتتال. صراعات الداخل، ومحاولات العزل والتهميش هي التي وجدت فيها جهات خارجية فرصة للتسلل إلى الداخل السوري، ولفرض وقائع جديدة على الإدارة الجديدة، أو ضرب المسار الجديد الذي يفترض أن تكون سوريا قد سلكته. تبقى الاستحقاقات الداخلية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، هي الاستحقاقات الأساسية التي تواجهها الإدارة الجديدة، ولكن أيضاً لا يمكن إغفال التحديات الخارجية، والمفروضة بحكم موقع سوريا، وسعي كل قوة إقليمية أو دولية إلى توسيع نفوذها انطلاقاً من الجغرافيا السورية.
استغلال إسرائيل
خطورة ما جرى أنه جاء بالتزامن مع مشروع إسرائيلي مكشوف عبر عنه مسؤولون إسرائيليون لحماية “الأقليات” في سوريا. وهي النغمة نفسها التي كان قد لعب عليها نظام الأسد في تقديم نفسه حامياً للأقليات في مواجهة الأكثرية السنية، بينما اليوم تتنامى نغمة حماية الأقليات في مواجهة التطرف الإسلامي، وهو ما يسعى الإسرائيليون لاستغلاله مع الدروز أو الأكراد، في محاولة لإضعاف السلطة الجديدة، وسوريا ككل، ودفعها إلى تقديم تنازلات عن مساحات واسعة من الجغرافيا السورية بالإضافة إلى تنازلات سياسية استراتيجية تقود إلى التطبيع وفق ما تمليه إسرائيل. تستخدم إسرائيل قوتها العسكرية، والخروقات التي تسجلها في صفوف بعض المجموعات في سوريا للضغط على سوريا وتحقيق مكاسب سياسية بعيدة المدى. وكان واضحاً التعبير الإسرائيلي عن حماية “منطقة للدروز” ومنطقة أخرى للأكراد، وهو ما يُفترض تلقائياً أن يؤثر على العلويين الذين سيتحركون في الإطار نفسه.
يأتي ذلك على وقع تضارب في المصالح والحسابات الإقليمية والدولية، وخصوصاً بين إسرائيل وتركيا من جهة، وتركيا وإيران من جهة أخرى، من دون إغفال حسابات روسيا التي تسعى إلى الاحتفاظ بقواعدها والحفاظ على مصالحها في الساحل السوري، كما أنها تسعى إلى تقديم نفسها كحامية للعلويين من جهة، وباعتبارها الطرف الأكثر قدرة على ضبط الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، الأمر الذي يفترض أن تستفيد منه السلطة الجديدة، على أن يكون الثمن ضمان مصالح روسيا وقواعدها، ودفع أحمد الشرع إلى الإقلاع عن أهداف ذات سقف مرتفع قد وضعها على الروس من بينها تسليم بشار الأسد، وإعادة مبالغ مالية طائلة وضعت في المصارف الروسية.
أهداف إسرائيل واضحة إذاً، وهي دب الفوضى في سوريا وإضعاف السلطة الجديدة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تسعىى إليها. أهداف روسيا واضحة أيضاً، وقد يلتقي الطرفان على تحجيم أو تقويض نفوذ تركيا الآخذ بالتوسع في المنطقة انطلاقاً من البوابة السورية. هنا لا يمكن إغفال أهداف إيران ومصالحها أيضاً، وهي التي لعبت سابقاً على وتر “حماية الأقليات” في مواجهة “التطرف السني” والتي تسعى إلى استعادة نفوذ قد خسرته مع هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، لذلك فإن إيران قد تجد طريقاً إلى الاستثمار في أي صراعات أو نزاعات طائفية ومذهبية لإعادة تثبيت وضعها في سوريا وفتح طرق إمداد محورها بين سوريا ولبنان ولا سبيل لذلك إلا الفوضى، خصوصاً أن الكثير من المسؤولين الإيرانيين كانوا قد تحدثوا بوضوح عن أن حكم الشرع لن يستقر.
ضباط الأسد ينشطون مجدداً
ما جرى لم يكن بالأمر البسيط، فبحسب المعلومات التي تكشفها “المدن” فإن السلطات الروسية سمحت قبل أيام قليلة لكبار ضباط نظام بشار الأسد بحرية الحركة، وخرج هؤلاء من الأماكن المخصصة لهم في موسكو والتي كانوا فيها خاضعين للإقامة الجبرية. وتؤكد المعلومات أن هؤلاء جميعهم يحتفظون بأرقام هواتفهم السورية نفسها، وجددوا التواصل مع كل المجموعات العسكرية التابعة لهم في الساحل السوري، تحضيراً لتنفيذ عملية عسكرية واسعة والسيطرة بشكل كامل على الساحل السوري، وبحسب المعلومات فإن الهجوم كان يُفترض أن يحصل بعد أسبوع من الآن، وقد بدأت اجتماعات تنسيقية من قبل “المجلس العسكري”. علمت الاستخبارات السورية بالأمر، واتجهت نحو منطقة “بيت عانا” التي حصلت فيها المواجهة الأولى، وعندها تحركت كل المجموعات في مختلف مناطق الساحل.
الشرع وسياسة التهدئة
منذ سقوط نظام بشار الأسد، انتهج أحمد الشرع سياسة التهدئة في الداخل والسعي إلى حصول اعتراف من الخارج، لذلك لم يخض أي معركة عسكرية ضد المحسوبين على النظام السابق، ولا ضد فصائل أخرى، وفتح المجال أمام التسويات. في الأيام الأولى لسقوط النظام أوفد الشرع أقرب المقربين إليه ومن بينهم مستشاره محمد الأحمد إلى الساحل السوري واللاذقية للقاء وجهاء المنطقة والتفاهم معهم وطمأنتهم. وفي حينها تم إرسال قوات عسكرية وأمنية شديدة الانضباط لضبط الوضع الأمني والعسكري ومنع حصول تجاوزات. طوال الأسابيع الماضية تمكنت هذه القوى من ضبط الوضع ولم تحصل تجاوزات أو تعديات. ولكن إثر اندلاع المعارك الأخيرة، دخلت جحافل كثيرة من مناطق متعددة ومختلفة، جزء كبير ارتكب المجازر ونفذ الاعدامات الجماعية ومارس الإذلال بحق الأسرى. علماً أن ذلك يمكنه أن يؤسس لتأبيد الصراعات، وتوالي المعارك.
كل ذلك لا يمكن للشرع أن يواجهه إلا بالحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة الفعلية، خصوصاً أن سوريا لا يمكن أن تُحكم من قبل طرف أوحد، وهو يحتاج إلى إشراك الجميع في العملية السياسية. لمواجهة أي صراعات طائفية ومذهبية ستتحول إلى صراع عسكري أو أمني تتداخل به جهات دولية وإقليمية كثيرة. خصوصاً أن تكرار هذه المشاهد والأحداث، سيؤدي إلى انقلاب عام في التعاطي الدولي مع سوريا، ومع السلطة الجديدة، فتتقلص الفرصة الممنوحة، ويضيق الأفق، ما يفسح في المجال أمام تجدد محاولات الإنقلاب على هذه السلطة في حال عدم النجاح بتحصين نفسها من الداخل وبالداخل ككل. خصوصاً أن عدم المعالجة السريعة والجدية، سينتج المزيد من المجازر وتغرق سوريا ببحر من الدماء، أو أنها ستتحول إلى مناطق نفوذ متوزعة على قوى متعددة لكل منها ارتباطها الخارجي.
المدن
————————————-
فلول الأسد: التجربة المرة/ فايز سارة
تحديث 09 أذار 2025
ثلاثة أسباب يمكن أن تفسر فورة العنف المسلح، التي ارتكبها في الساحل بعضٌ من فلول الأسد في الأيام القليلة الماضية. أول الأسباب يمثله تواصل عمليات تعقب مجرمي نظام الأسد من قبل الأجهزة الأمنية في إطار مهماتها، والتي ما زال قطاع من السوريين يصر على إكمالها، باعتبارها خطوةً في إطار العدالة المطلوبة ومعاقبة المجرمين على ما قاموا به، والسبب الثاني استغلالهم الصعوبات الحياتية، التي يعيشها السوريون بسبب التركة الفظيعة والمدمرة، التي تسبب فيها نظام الأسد في دمار سوريا والسوريين عبر أربعة عشر عاماً من حروب وملاحقات، دمرت قدرات وإمكانات وبنى الدولة والمجتمع في سوريا، وألحقت مصائب القتل والاعتقال والتهجير والإفقار وغيرها بحق السوريين، والأمر في الحالتين يمثل وضعاً من الصعب الخروج منه في حالة سوريا بإمكاناتها وقدراتها المحدودة، وبما يحيط مواطنيها من كوارث ومصائب، والسبب الثالث والأخير، سعي ما تبقى من ميليشيات مع بقايا نظام الأسد لتحرك يثير الفوضى، ويعممها على طريق حرب أهلية، تكون مقدمةً لاستعادة إيران نفوذها، سواء بالتعاون مع بشار الأسد أو بعض من بقاياه وفلوله، حسبما أمكن.
طوال الأشهر الثلاثة الماضية، راهن فلول الأسد على الانتظار لرؤية ما يمكن أن تتمخض عنه احتمالات العهد السوري الجديد، ووصوله إلى أزمة حادة، سواء بسبب تعارضات داخلية وتمردات وصراعات في مستوى الداخل، منها الصدام مع قوى الأمر الواقع الأخرى، خصوصاً مع الإدارة الذاتية، التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا، وخطر الصراع مع المحيطين الإقليمي والدولي بسبب خلفية سلطة العهد الجديد المصنفة في إطار جماعات التطرف الديني.
غير أن أياً من هذه الاحتمالات، لم يحصل، بل العكس حدث. إذ تطورت علاقات إيجابية غالباً، ورغبات في التواصل والتشاور على أمل حل المشكلات البينية في المستويات الداخلية والخارجية، مقرونة بتوجهات معلنة للسلطة الجديدة، خلاصتها السير نحو علاقات إيجابية لسوريا مع مختلف الأطراف.
والجانب الثاني من مراهنات الفلول يتعلق بمستقبل وجودهم في سوريا في ظل أمرين؛ الأول توجه الإدارة السورية إلى تعامل لين، أساسه دعوة الجميع إلى تسليم ما لديهم وفي عهدتهم من أسلحة وممتلكات حكومية للمراكز الأمنية، والحصول على وثيقة تنظم علاقاتهم المستقبلية، وبالتوازي مع هذا الخط في مستقبل شخصيات من الفلول، سعى قسم منهم إلى نجاة فردية بالانتقال إلى دول الجوار للإقامة فيها، وغالباً من أجل العبور إلى الأبعد منها، فعبر البعض وسط أخطار كبيرة بصورة غير شرعية إلى لبنان والعراق، وانكشفت حسب معلومات أمنية في الآونة الأخيرة عشرات الحالات في لبنان، وتم تسليم أصحابها للسلطات السورية، وبينهم ضباط كبار من جيش الأسد ومخابراته.
لقد بدت احتمالات مستقبل بقائهم غير آمنة، خصوصاً بعد ما أظهره سقوط النظام من تمايز في «حاضنة النظام» بين جهتين؛ واحدة كانت خاضعةً لنظام الأسد بالإكراه، وأظهرت تقرباً من العهد الجديد، وأخرى لها علاقات حذرة مع فلوله نتيجة مخاوف أو بسبب ارتباطات اجتماعية، أو للاثنتين معاً، وشكلت حالة التمايز حافزاً لبحث خيارات أخرى، وقد جاءت جهود ومساعٍ إيرانية لتفتح بوابة نحو خيار آخر للفلول وبعض حاضنتهم، يتضمن تحركاً سياسياً عسكرياً، بالتعاون مع خلايا نائمة وتنظيمات ميليشياوية، وعلاقات مستمرة مع بنى أهلية وشخصيات كانت جزءاً من نظام الأسد، ومما عزز هذا التوجه في أوساط الفلول أنهم يملكون وحاضنتهم أسلحة وذخائر تخصهم، إضافة لما تم الاستيلاء عليه في لحظات انهيار النظام تُضاف إلى مخزون مستودعات جبال الساحل، التي أقامها الجيش في السنوات الأخيرة، وقامت طائرات إسرائيل بتدمير بعضها في الأشهر الأخيرة، كما أن الفلول لا تنقصهم الأموال، وقد نهبوا أموال الدولة وعموم السوريين، وجمعوا كثيراً من أموال الفساد والرشوة والابتزاز، التي مارسوها علناً، وهم يملكون شبكة من علاقات وكماً هائلاً من المعلومات يمكن توظيفها جميعاً في التحركات السياسية والذهاب إلى تمردات مسلحة.
لقد اغتنم الفلول تراكم صعوبات سياسية واقتصادية مع التوترات الأمنية، التي أثاروها في الصنمين، قرب درعا، وفي جرمانا بمحيط دمشق، ليفجروا انفلاتهم المسلح والمنظم في اللاذقية وطرطوس، عبر قتل عشوائي يأخذ المدنيين رهائن، وفق ما اعتاد عليه نظام الأسد، مما فتح عليهم أبواب ردود سياسية وعسكرية – أمنية، تضع حداً حاسماً لجريمتهم، بل ولوجودهم أيضاً، ولو بثمن من دماء أبرياء وآخرين كانوا يقومون بواجبهم في مواجهة جرائم فلول نظام مضى، وتخلي إيران عن مساعدة أي من حلفائها.
الشرق الأوسط
————————–
كيف سيُسجّل اسم أحمد الشرع في التاريخ؟/ محمد أبو رمان
09 مارس 2025
لا يمثّل الهجوم ــ الكمين المباغت الذي شنته مجموعات في الساحل السوري، وصفها “النظام الجديد” بأنّها “فلول النظام السابق”، التحدّي الوحيد الذي سيواجه سورية في المرحلة الانتقالية، فهنالك جملة كبيرة من المنعرجات والتحدّيات لا تزال في الطريق. وإذا كان هذا الكمين ذا طابع عسكري، فهنالك كمائن سياسية واقتصادية وإقليمية ودولية أخطر منه بكثير.
الحال أنّ أكبر خطر يهدّد سورية اليوم “وحدة الأراضي السورية”، و”الوحدة الوطنية”، بخاصة أنّ إرث المرحلة السابقة للنظام السلطوي لا تزال حيّة وطريّة في الواقعين، السياسي والاجتماعي، وفي نفوس الناس. وإذا كانت هنالك حالة من الغضب استبدّت بغالبية السوريين من العمليات المسلحة التي قامت بها المجموعة المرتبطة بالنظام السابق، فإنّ هنالك حالة من القلق ساورت سوريين كثيرين، ومن الذين يرغبون فعلاً في تعافي بلدهم، للفيديوهات التي تسرّبت عن بعض تصرّفات القوات الموالية للحكومة السورية (المرتبطة بهيئة تحرير الشام)، التي بدت وكأنّها تستحضر مرحلة الحرب السابقة أو تصرّفات قوات الأسد نفسها ضد الشعب السوري، وهو سلوكٌ، أيّاً كانت دوافعه أو مبرّراته، يسيء إلى الصورة الجديدة التي تريد الحكومة الجديدة أن تقدّمها.
كان من المهم أن يوجّه أحمد الشرع خطابه للشعب السوري ليلة الجمعة، الذي تضمّن رسائل مهمّة، كالتشديد على وحدة أراضي سورية، وعدم الرغبة في الانتقام، ورفض أي تجاوزاتٍ حتى لو كانت ردود فعل باسم إعادة النظام، فهنالك تراثٌ من هذه الممارسات التي يريد الشعب أن يتجاوزها، ليشعر أنّ ما تقوم به الحكومة اليوم هو سلوك دولة وجيش وأمن منضبطين، وليس سلوك عصابة كما كانت عليه الحال خلال مرحلة الأسد. وهذه الصورة ربما هي التي يريد أن يستدرج خصوم سورية في الداخل والمنطقة إليها النظام الجديد لمحاولة تشويه صورته وتخويف الأقليات والطوائف المختلفة!
في المقابل، لا يكفي خطاب الشرع وحدَه لطمأنة الجميع، فهنالك شروط ومحدّدات مهمّة من الضروري أخذها بالاعتبار لحماية عملية الانتقال السياسي هناك. ومن الخطأ الكبير الحديث عن منتصرين ومنهزمين، أو فرض إرادة طرفٍ واحدٍ في أيّ عملية حوار سياسي تجري في سورية. من الضروري أن يتفطّن الشرع وفريقه إلى خطورة الأجندة الإسرائيلية بصورة خاصة، وما لها من امتداد، بخاصة من مؤيّدين في الأوساط الأميركية، وأن يتحدّث فوراً مع القيادات المهمّة والمؤثرة في الطائفتين الدرزية والعلوية، وأن ينزع فتيل الأزمة مع الأكراد، وأن يكون على مستوى اللحظة الخطيرة التي قد تأخذ سورية نحو حرب داخلية وتقسيم أو تحمي وحدتها. وفي مثل النموذج السوري، فإنّ الاحتمال الأضعف (في التجارب العالمية الأخرى) هو الوصول إلى نظام ديمقراطي، والأرجح هو، لا قدّر الله، الحرب الأهلية والتقسيم أو نظام سلطوي جديد، وبالتالي عملية الانتقال نحو نظام ديمقراطي لن تكون سهلة ولا سلسة كما يتوقع كثيرون.
ثمّة محدّدات وشروط تتحدث عنها أغلب نظريات الانتقال السياسي في حالة انهيار نظام سلطوي، أهمها الوحدة الوطنية (تحدّث عنها دنكوارت روستو)، ودور النخب السياسية في تأمين انتقال سلمي وتوافقي بين مختلف القوى السياسية (غيرمييو أدونيل وشميتر) ووجود دولة فعّالة وثقافة سياسية ديمقراطية ونخب ملتزمة بها واقتصاد فعّال ومجتمع مدني قوي (ألفريد ستيبان ولين)، وإرث النظام السلطوي ودور العوامل الخارجية في التأثير سلباً أو إيجاباً، وهي عوامل مؤثرة وخطيرة، وتسير في اتجاهات متضاربة، غالباً سلبية إذا أسقطناها على الحالة السورية اليوم.
نجحت هيئة تحرير الشام مع شركائها بتخليص سورية من نظام دموي مستبدّ مدعوم من الخارج، وهي معركة قاسية وصعبة، لكن ما هو أصعب، المرحلة المقبلة، لأنّها مرحلة البناء، وكلمات السرّ فيها هي الثقة المتبادلة بين القوى المؤثرة في المجتمع السوري والحكمة والعقلانية والتسامح والروح الوطنية وتغليب لغة الحوار والتفاهم على لغة المكاسرة والانتقام، وهي المرحلة التي تسجّل الشرع قائداً تاريخياً وسياسياً أنقذ سورية، أو على النقيض من ذلك تكون نهاية النظام البائد مقدمة لما هو أخطر.
العربي الجديد
————————-
“الجمعة السوداء”… وقع المحظور في سورية/ زياد حيدر
09 مارس 2025
.. وجاء اليوم المرير الذي كان يخشاه السوريون. يوم الجمعة الدموي، السابع من شهر رمضان، يوم لن يغادر الذاكرة السورية قريباً. جاء فيه ما فاخرت السلطة الجديدة بمنع حصوله، حين كرّرت أن انضباط مقاتلي عملية ردع العدوان حال دون “حمّامات دم”، كان يمكن أن تسيل في الساعات الأولى لسقوط النظام يوم 8 ديسمبر، معتبرةً عدم حصولها من أهم إنجازات “التحرير”، ولكن 7 مارس جاء وسط فوضى أمنية أحدثتها مواجهة بين قوات الأمن ومتمرّدين تابعين للنظام الساقط، فتخرج صور وفيديوهات مجازر، منها في قرية المختارية، حيث انتشرت صور ضحاياها الستين، وفق تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتلتها أخبار عن قرى أخرى، قد يتطلّب التدقيق في أعداد الضحايا فيها أياماً.
ما جعل الصورة أكثر قتامة الجرائم الطائفية بحقّ أفراد وعائلات في حي القصور في مدينة بانياس (طرطوس)، حيث انتشرت قوى الأمن، وفرضت حظر تجول تحت سلطتها المباشرة. وبحلول مساء الجمعة، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى برقيات تعزية وإعلانات وفاة لعائلات بأكملها، قتلها “مجهولون” أو “غرباء” في منازلها طعناً أو رصاصاً أو ذبحاً.
ويمكن أن تضاف إلى قتامة الصورة تبريراتٌ رسمية بدأت بتصريح مصدر أمني في وزارة الداخلية لوكالة الأنباء السورية (سانا) أن “حشوداً شعبية كبيرة غير منظّمة (توجهت) إلى الساحل، ما أدّى إلى بعض الانتهاكات الفردية، ونحن نعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري”. ولم يوضح المصدر كيف يمكن لتلك “الحشود الكبيرة” أن تحمل السلاح الآلي، بعدما أكّدت الدولة مراتٍ ضرورة حصر السلاح بيدها، ولا كيف تحرّكت تلك الحشود بحرية وسط ساحات المعارك، ولا كيف تجاوزت حظر التجوّل الساري في محافظتين، قبل أن تنفذ جرائمها التي وُضعت مرة أخرى في خانة “التصرّفات الفردية”. زادت على ذلك محاولة صفحة “إدارة العمليات العسكرية”، التي تُرافق عن كثب كل العمليات العسكرية لقوى الأمن (وقبل ذلك ردع العدوان)، إلقاء اللوم في تلك المجازر على “فلول النظام”، التي ارتكبتها، وفقاً لتصريحاتها، بسبب رفض الضحايا التطوع للقتال معها، رغم أن الضحايا شملوا أطفالاً ونساءً وعجائز.
ورغم ظهور أدلة قاطعة على وقوع المجازر، أعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني في “إكس” “نجاح السلطة”، وأن سورية “تشقّ طريقها نحو المستقبل بقوّة وثبات…”، في إشارة إلى رغبة السلطة في تجاوز ما حدث بسرعة، وربما إنكاره، ليأتي مساءً خطاب الرئيس أحمد الشرع، ويسمّي الدولة “ضامنة للسلم الأهلي”، ومطالباً “القوى التي التحقت بأماكن الاشتباك بالانصياع لأوامر القادة العسكريين”، ما قد يبدو إشارة إلى وجود قوىً عدّة بقيادات منفصلة في أحياء المدن، لا تخضع (أو لا تنصاع) لقيادة الجيش. وكانت وزارة الدفاع أكثر مباشرةً، حين أعلنت أنها “تتابع كل التجاوزات التي وقعت خلال العمليات العسكرية التي تخضع لرقابة مستمرّة”، وأكّدت “ضرورة احترام أرواح المدنيين وممتلكاتهم في جميع المناطق”، من دون اعتراف صريح، أو تحميل مسؤوليات.
أياً يكن، وقعت “الجمعة السوداء”، انفلاتاً للسعار الطائفي مع حصول أكثر من مقتلة، وهي الخوف الأكبر لكل من عايش الأزمة السورية منذ 2011. ويتخيّل المرء أن مراجعةً ستفرض نفسها على السلطة، فتعيد معاينة سياستها ومنظورها إلى ملف السلم الأهلي بكامله، ومن زوايا ووجهات نظر الجميع، وليس منظوراً واحداً اعتمدته، فالإدارة الجديدة، وهذا كلام جهات عدة، تُلام على اعتمادها فئة واحدة في الحكم، بل وممثلي منطقة محدّدة استلمت كل الإدارات منذ الأيام الأولى. كما تتحمّل مسـؤولية تسريح مئات آلاف من الموظفين، معظمهم من الساحل ومن أقليّة معروفة. كما سبق لهذه الإدارة أن أقصت كل العاملين في قوى الأمن الداخلي، بما في ذلك شرطة المرور، وحلّت الجيش ولاحقت عناصر وضباطاً فيه، تاركة إياهم من دون أي دخل، ومعرّضة عائلاتٍ ومجتمعات بأكملها للفاقة وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، واستقبلت دعاة خطاب طائفي في قصر الشعب. ولا يقل عن ذلك خطورة إبقاء عناصر أجنبية جهادية في مناطق الساحل، وحكم أشخاص هذه المناطق وهم لا يعرفون تقاليدها، ولا يحترمونها أساساً، فضلاً عن ممارستهم الاستفزاز المستمرّ، بوجوه متعدّدة. يضاف إلى هذا كله تقاعس السلطة عن تفكيك الفصائل فعلياً، وجمع سلاح الأفراد، والذي استُخدم في مجازر الجمعة، وبشكل جماعي.
تغاضت السلطة عن هذا كله، ولم تستمع إلى نصائح بتوسيع دائرة العفو، واعتماد خطاب المصالحة الوطنية، ومحاسبة مرتكبي الإساءات والجرائم أمام القضاء، بعد إعلان مسار قانوني واضح، في هذا الشأن، وتسمية المطلوبين من فلول النظام وحصرهم لتقليص الفوضى الأمنية والانتقام العشوائي. بل بدا واضحاً أن السلطة تتجنّب أي اشتباك، حتى لو كان معنوياً، مع حاضنتها الشعبية المتشدّدة أو مع قادة الفصائل العسكرية وعناصرها، وتفضّل الارتجال في الملفين الأمني والسلم الأهلي.
بعد أن وقع المحظور، ما هو التالي؟… يمكن للإدارة أن تتصرّف كما فعل بشّار الأسد، فتُلقي اللوم على “الفلول”، أو كما حال الأخير على “الجماعات الإرهابية المسلّحة”، والقوى الإقليمية المتربّصة وتسويق اتهام إيران، وأن تحاول استرضاء الناس بطرق فردية، تاركةً الجرح يتقيّح ويتعفّن، ومن ثم يغزو جسد البلاد بأكمله. أو يمكنها أن تفتح تحقيقاً شفافاً في المجازر، تُعلن خلاله يوم حداد، وتحاسب المسؤولين أمام القضاء والشعب، وتعلن نبذ الخطاب الطائفي وتجريمه، وتوسّع مشاركة السوريين جميعاً في الحكم، وتعيد قوى الأمن المحلية إلى عملها، وتباشر إجراءات ثقة تتقارب فيها مع الفئة الضحية هنا، وتؤكد بالعمل لا القول أن سورية فعلاً لكل السوريين. وسيكون ذلك تصرفاً حكيماً، إن حصل.
العربي الجديد
————————–
محاربة الفلول بعقلية الفزعة/ عبسي سميسم
09 مارس 2025
برزت مشكلة فلول النظام السابق، واحدةً من أبرز التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة، تحديداً لجهة القدرة على القضاء على هؤلاء الفلول، الذين يبدو واضحاً أنهم يعملون بشكل منظم، وبأعداد لا يستهان بها، وبدعم خارجي يرجح كثر أن إيران على الأقل هي من تقف وراءهم. لكن التحدي الأهم، الذي لم تنجح فيه السلطات، يتعلق بطريقة التعامل مع المدنيين من سكان المناطق التي يتخذها الفلول منطلقاً لهجماتهم. وعوض أن تتم حماية المدنيين وجدوا أنفسهم عرضة لحملات انتقام بحقهم.
أدى تراخي الإدارة الجديدة، منذ سقوط نظام بشار الأسد، في ضبط مجرمي الحرب ومرتكبي الانتهاكات بحق السوريين في عهد الأسد دوراً كبيراً في تمكين هؤلاء المجرمين من تجميع أنفسهم، خصوصاً أن الإدارة الجديدة لم تعمل جديّاً على سحب السلاح من أيدي عناصر النظام السابقين، ما مكنّهم من امتلاك أسلحة وذخائر لا يستهان بها. كما أن عمليات التسريح التعسفي التي طاولت أعداداً كبيرة من الموظفين وحولتهم إلى عاطلين عن العمل مكّنت تلك المجموعات من استقطاب عدد آخر للانضمام إليهم.
ومع اندلاع التمرد في الأيام الماضية، ورغم تمكن الإدارة الجديدة من استعادة السيطرة جغرافياً على معظم المناطق التي استولت عليها عصابات فلول الأسد، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في موضوع ضبط الانتهاكات بحق المدنيين، ما أدى إلى ارتكاب مجازر مروعة بحق مدنيين لا علاقة لهم بتلك العصابات. ويعود السبب إلى اعتماد مفهوم الفزعة الذي يبدو أنه سياسة تتبعها الإدارة، وهو ما ظهر في خطاب الرئيس أحمد الشرع الذي تباهى فيه بفزعة المحافظات الأخرى لنصرة الأمن العام في الساحل.
هذا المبدأ يتنافى مع أبسط مبادئ إدارة الدولة، إذ لا يجوز للدولة أن تستقوي بمنطقة على منطقة أخرى، بل عليها أن تقوم بدور الحامي للمدنيين من كل العصابات والمتمردين في كل المناطق. كما أن الفزعة لا تمكن الدولة من التحكم بشكل كاف بسير العمليات العسكرية وتعطي المجال لبعض المجموعات للقيام بعمليات انتقامية من قتل وسرقة بحق المواطنين الذين يقع على عاتق السلطة حمايتهم. وهذا ما حصل في عمليات القضاء على عصابات الفلول، التي كان يجب على الدولة أن تقوم هي بملاحقتهم من خلال جهاز استخباراتي من المفترض أن يكون لديه قوائم اسمية بمطلوبين، وجهاز أمني يقوم بملاحقتهم والقضاء على من يحمل السلاح وتحويله إلى القضاء، وتجنيب المدنيين ويلات هذه المجازر التي حصلت والتي قد يؤدي استمرارها إلى صراعات بين مكونات المجتمع، ونتائج كارثية على الدولة السورية ما لم تتداركها قبل فوات الأوان.
العربي الجديد
—————————-
النصر السوري آمال وهواجس/ عبد الباسط سيدا
تحديث 09 أذار 2025
مرت ثلاثة أشهر على سقوط سلطة آل الأسد (8-12-2024)، وهروب بشار بما خف وزنه وغلا ثمنه. هذه السلطة التي تحكّمت بالبلاد والعباد على مدى 54 عاماً. ورغم قصر هذه المدة في حسابات إعادة تأهيل المجتمعات التي انهكتها عقود من الاستبداد والفساد، وإعادة بناء العمران وتدوير عجلة الاقتصاد، وإصلاح مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة أجهزتها لتكون موائمة لتطلعات السوريين الذين ضحوا بما يتمرد على أي توصيف؛ لاسيما منذ انطلاقة الثورة السورية في ربيع عام 2011، إلا أنها مع ذلك كافية لأخذ فكرة عن طريقة تفكير الإدارة الجديدة التي شكلتها هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، وتوجهاتها المستقبلية، ولو بصورة أولية غير متكاملة.
فما يلاحظ قبل غيره هو انشغال الإدارة بملف العلاقات الخارجية، وحرصها على اكتساب الشرعية من خلال مد الجسور مع دول الجوار والدول الخليجية ومصر؛ هذا إلى جانب الدول الأجنبية، خاصة الأوروبية التي كانت حريصة على إرسال وفودها الاستطلاعية إلى دمشق للتعرف عن قرب على القيادة الجديدة فيها. ولم يقتصر هذا الأمر على أوروبا وحدها، بل شملت الولايات المتحدة أيضاً التي أرسلت هي الأخرى وفداً بيروقراطياً، إذا صح التعبير، حرص على عدم إضفاء الطابع الرسمي على زيارته.
وقد أجمعت الوفود الغربية بصورة عامة على ضرورة انتظار أفعال مسؤولي الإدارة للتأكد من مطابقتها للكلام المريح الذي سمعته في دمشق. ورغم الوعود، بل والإجراءات الأوروبية الخاصة بتخفيف العقوبات التي كانت قد فرضتها على سلطة بشار، إلا أن تلك الإجراءات تبقى محدودة التأثير ما دامت العقوبات الأمريكية الأساسية سارية المفعول رغم الإعلان عن رفع بعض القيود.
وبالتناغم مع هذا التوجه، تم الإعلان عن تنصيب أحمد الشرع ليكون رئيساً خلال المرحلة الانتقالية التي من المفروض أن تتوج بكتابة الدستور الدائم، وعرضه للاستفتاء الشعبي العام، ومن ثم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية (إذا ما تم اعتماد النظام الرئاسي في الدستور). وجاء هذا الإعلان من قبل اجتماع عام لقادة معظم الفصائل العسكرية، سمي بمؤتمر النصر.
وكان من اللافت عدم دعوة أي من المدنيين سواء من الشخصيات الوطنية والمجتمعية أو من قادة الأحزاب السياسية إلى الاجتماع المذكور. وهذه الخطوة كان في مقدور الإدارة الجديدة أن تقدم عليها بمفردها من دون أن تخاطر بمواجهة أي اعتراض، وذلك لقناعة غالبية السوريين بأن ما أنجزته يخولها للقيام بمهام إدارة الأمور في البلاد خلال المرحلة الانتقالية. ولكن يبدو أن الإدارة المعنية ارتأت في سياق جهودها الرامية إلى الحصول على الشرعية، اعطاء انطباع للخارج في المقام الأول مفاده أنها اشركت الفصائل في اتخاذ القرار، حتى لا تتهم بأنها سلطة أمر واقع.
وفي السياق ذاته كان انعقاد «مؤتمر الحوار الوطني» الذي جرى الحديث عنه في البداية تحت مسمى «المؤتمر الوطني»، ولكنه استبدل بمؤتمر الحوار، واعلن في الوقت ذاته أن قرارته لن تكون ملزمة، بل مجرد توصيات تستأنس بها القيادة. وبقيت التفصيلات الخاصة بالمؤتمر المذكور غامضة، وكانت قرارات اللجنة التحضيرية لا تراعي المدة الزمنية الكافية التي لا بد من توفيرها حتى تكون الحوارات مجدية، والنتائج مفيدة. ويُشار هنا إلى الاجتماعات التي عقدتها اللجنة المذكورة في المحافظات، وفي دمشق نفسها مع من تم الإعلان عنهم بأنهم يمثلون المحافظات التي لم تتمكن اللجنة من الوصول إليها؛ هذا مع غياب معايير محددة لاختيار الأشخاص الذين شاركوا في الاجتماعات المعنية.
ومرة أخرى فهم من الخطوة بأنها محاولة لاقناع المجتمع الدولي، عبر إضفاء قسط من الشرعية الوطنية، أو حتى القانونية على الإدارة الجديدة وحلفائها. وهو الأمر الذي فهمه السوريون على الفور وسكتوا عنه رغبة منهم في إعطاء الفرصة للإدارة التي تواجه تحديات كبرى على صعيد الداخل والخارج. ويُشار في هذا السياق إلى الأحداث الدامية التي شهدتها مؤخراً مدن عدة في منطقة الساحل، وهي أحداث تسببت فيها فلول سلطة آل الأسد، التي تحركت على الأغلب بتوجيهات وأوامر قوى خارجية متضررة من استعادة السوريين لدولتهم ووطنهم. هذا إلى جانب الصورة المتداخلة غير الواضحة في السويداء، وعدم التوصل إلى اتفاق مع قسد، وتحرك خلايا فلول النظام في بعض مناطق محافظة درعا؛ بالإضافة إلى التهديدات الإسرائيلية والإيرانية العلنية.
واليوم يتابع السوريون التصريحات والتسريبات الخاصة بموضوع الإعلان الدستوري، وذلك بعد أن شكّل رئيس الجمهورية لجنة لكتابته؛ هذا مع العلم أن العرف السائد في منطقتنا، هو أن يقوم رئيس السلطة الجديدة، أو مجلس يتحدث باسمها، بإصدار مثل هذا البيان، وذلك لسحب الثقة من السلطة السابقة، واضفاء قسط من الشرعنة على قرارات وإجراءات السلطة الجديدة. وعادة ما يتضمن مثل هذا الإعلان تصوراً، ولو أولياَ، لخريطة الطريق، تلقي الضوء على الخطوات والإجراءات التي ستتخذ خلال المرحلة الانتقالية، ريثما يتم الوصول إلى الوضع الدستوري المستقر.
إلى جانب ذلك، يتناول الإعلان الدستوري موضوع توزيع الصلاحيات بين مؤسسات الحكم الأساسية (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وذلك لقطع الطريق على التفرد بالحكم وسوء استغلال السلطة التي عادة تغري غير المحصن بامتيازاتها وبهرجتها. ولكن الرئيس الشرع آثر تكليف لجنة بهذا الأمر، ليقرر هو لاحقاً اختيار ما يراه مناسبا للمرحلة، لا سيما من جهة طمأنة المجتمع الدولي؛ وهذا كله يدخل في إطار المفهوم، ولكن الملاحظ مرة أخرى هنا هو تغييب التنوع السوري المجتمعي والسياسي في اللجنة، وهو الأمر الذي كان سيضفي، في حال وجوده، طابعا وطنياً عليها، ويسد المنافذ أمام القيل والقال، خاصة من جانب المتربصين في الداخل والخارج الذي لا يريدون أي خير للشعب السوري؛ بل يعملون في السر والعلن من أجل إعادة السوريين إلى حظيرة العبودية، بغض النظر عمّا فعلته وأنجزته الإدارة الجديدة لمصلحة السوريين في مرحلة انتقالية على غاية التعقيد من جهة المخاطر والتحديات وقلة الامكانيات.
ولعله من الأهمية بمكان في هذا السياق تأكيد ضرورة التمييز بين المحاصصة وبين اشراك السوريين بكل خلفياتهم المجتمعية والسياسية في صياغة إعلان دستوري، ومن ثم دستور دائم، يطمئن الجميع عبر تأمين الحقوق وعلى قاعدة وحدة الوطن والشعب. أما الخلط بين الأمرين فهو أمر يثير الكثير من التساؤلات التي تنم عن مشاعر غير مشجعة تجاه المستقبل.
ونحن لا نذيع سراً أن أحداث الساحل، والقلاقل المشار إليها تنذر بالمزيد والأخطر والتوسع، ما لم تكن هناك رؤية وطنية سياسية واضحة على الصعيد الداخلي تتكامل مع الجهود الأمنية، رؤية تتجاوز الخلافات الشاقولية التي تحاول الجهات المستفيدة الاستثمار فيها. فالمكونات السورية، بصرف النظر عن الأحجام والتسميات، ليست كتلاً متجانسة، وإنما تمثل ميداناً لتوجهات واتجاهات فكرية وسياسية مختلفة متبانية، وهي تباينات لا يمكن حصرها أو تقزيمها ضمن نطاق التسميات الطائفية أو العنصرية.
الموضوع السوري برمته في حاجة إلى مشروع سياسي يطمئن الجميع، مشروع لا يقفز فوق ضرورة تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، ولكنه في المقابل يشدد على المصالحة الأهلية الوطنية، وكل ذلك بإشراف حكومة وحدة وطنية تجمع طاقات سائر السوريين الذين ناهضوا سلطة آل الأسد المستبدة الفاسدة المفسدة، ودفعوا أثمانا باهظة لقاء المواقف المبدئية التي اتخذوها، وما زالوا محافظين على روحية تلك المواقف، وعلى اخلاصهم لسوريا وشعبها. وهذا يستوجب فتح المجال أمام القوى والأحزاب السياسية، ورفع القيود عن فعاليات واجتماعات الناشطين السوريين في المجالين السياسي والمدني، وتسليم أمر البت في شؤون النقابات ومنظمات المجتمع المدني لأصحاب الخبرة والتجربة والمواقف الوطنية المشهود لها.
بقي أن نقول: إن انجاز النصر كان رائعاً، أثلج قلوب السوريين؛ ولكن التحديات جسيمة، والهواجس مشروعة، لذلك لا بد من بذل كل الطاقات على الصعيد الداخلي من أجل المحافظة على النصر السوري ليصبح مستداماً، يؤسس لسوريا المستقبل التي ترتقي إلى مستوى تضحيات السوريين وتطلعاتهم.
*كاتب وأكاديمي سوري
القدس العربي
——————————
الصراع في سوريا… صراع على سوريا/ إياد أبو شقرا
9 مارس 2025 م
المحافظة على النصر أصعب، في كثير من الأحيان، من تحقيقه.
هذا أمر مفهوم، فكيف إذا كانت هناك أطراف حريصة على تغيير ما حصل في سوريا قبل بضعة أشهر؟
لقد بوغتت هذه الأطراف بسرعة التطورات، وعلى رأسها انهيار المنظومة الأمنية في كبريات المدن السورية مدينة بعد أخرى. إلا أن كل مَن يعرف طبيعة النسيج المجتمعي السوري كان يقرّ بأن غير جهة، داخلية أو خارجية، لم تقل كلمتها النهائية بعد!
ليست حالة عابرة… تركة 54 سنة من القبضة الأمنية، و«الدولة العميقة»، وغسل الأدمغة الممنهج، وبناء شبكات مصالح و«تقاطعات تخادمية» عابرة للحدود!
من جهة ثانية، سوريا – كما يتكرّر دائماً – ليست جزيرة نائية. إنها قلب الشرق الأوسط، الذي هو قلب العالم.
سوريا مهد تراكمات حضارية وثقافية ودينية، وعقدة طرق تجارية وعسكرية، ونافذة غربية على الشرق، وبوابة شرقية على الغرب.
صدّرت الحَرْف، وانطلقت منها الديانات لتنتشر في العالم، وخرج منها أباطرة وأطعمت خيرات أرضها الإمبراطوريات.
وتفاعلت مع معظم الأحداث الكبرى التي حدّدت مصير البشرية من الفتح الإسلامي فالحروب الصليبية فتتابع الدول المشرقية – وآخرها السلطنة العثمانية – ووصولاً إلى النظام العالمي المؤسّس بعد الحرب العالمية الأولى. لكن ذلك النظام أثمر في منطقتنا: واقع التجزئة (التقسيم) الذي كانت محطته الأولى «سايكس-بيكو»، ومحطته الثانية «إعلان بلفور». وكما نرى ما زلنا نعيش تداعيات هاتين المحطتين.
في هذه اللحظات المحمومة تعيش سوريا، بحدودها الحالية، تجربة صعبة كان كثيرون يتوقعونها.
بدايةً، تلاشى عنصر المباغتة الذي ساعد على إسقاط نظام الأسد وراعيه الإقليمي نظام «الولي الفقيه» الإيراني. وهكذا، التقطت طهران أنفاسها وعجّلت في الانتقام من التغيير السوري لجملة أسباب، أبرزها الإثبات أنها لا تزال لاعباً إقليمياً فاعلاً، بعد الضربة الإسرائيلية القاسية لها في لبنان. وهي ضربة جاءت بهدف «خفض سقف» الطمع الإيراني بهيمنة إقليمية تأتي على حساب «ضلعي المثلث» الكبيرين الآخرين: إسرائيل وتركيا.
وهنا لا بد من التذكير مجدداً أن لا مصلحة لا لتل أبيب ولا لواشنطن بالقضاء على نظام طهران، لأسباب معروفة، منها تدميره الوحدة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، وإفشاله «مشروع الدولة» في لبنان.
ثانياً، لم تنسَ إسرائيل في أي لحظة من اللحظات أولوياتها «الجيو-سياسية»، التي يبرز في مقدمها الحلم التوراتي القديم «من الفرات إلى النيل». ذلك الحلم الذي يطلق العنان لغلاة التوراتيين والعنصريين ودعاة «الترانسفير» كي يفرضوا مشيئتهم على منطقة مُنهكة ومرتبكة وضائعة.
في هذا السياق كان لا بد من استثمار الانقسام الفلسطيني الذي سهّله نظام طهران ورعاه، والتوجّه منه للمباشرة في تهجير فلسطينيي غزة ثم الضفة الغربية. ومَن يدري إذا كان «فلسطينيو 1948» سيظلون في منأىً عن التهجير… طالما كان في البيت الأبيض من هو على استعداد ليس فقط «للتوقيع على بياض»، بل الذهاب أبعد من ذلك، عبر تعيينات سياسية ودبلوماسية أميركية تسهّل تقسيم المنطقة وتفتيتها؟!
يضاف إلى ما سبق أن سوريا كانت دائماً في قلب الاعتبارات التوسّعية الإسرائيلية، وكانت الفسيفساء السورية عامل جذب لطالما راهن التوسعيون الإسرائيليون على استغلاله. ومنذ فترة غير قصيرة حرصت تل أبيب على استثمار كل الشكوك والمخاوف لإقناع ضِعاف النفوس في سوريا ولبنان بالحاجة إلى حمايتهم من شركائهم في الوطن والهوية والمصير.
وبالتالي، لئن كانت إيران – ذات العلاقة المتينة والطويلة مع نظام الأسد – قد قادت محاولة إجهاض التغيير السوري في منطقة الساحل (محافظتا اللاذقية وطرطوس) محرّكة المخاوف المذهبية العلوية، فإن إسرائيل تولّت المبادرة في منطقة الجنوب السوري (محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء) مستخدمة ورقة الموحّدين الدروز، منطلقة من العلاقات القديمة داخل مؤسستهم الدينية قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي عام 1948. وطبعاً، سهّل لإسرائيل مهمتها تذكيرها أزلامها بمجزرة «جبهة النصرة» في بلدة قلب لوزة بمحافظة إدلب عام 2015، ثم هجوم «داعش» على شرق محافظة السويداء عام 2018.
وأخيراً، هناك المشروع الانفصالي الكردي في محافظات شرق الفرات، حيث توجد مصالح نفطية وجيو-سياسية أميركية كبيرة، و«نكايات» تنافسية بين إيران وتركيا. وما لا شك فيه، أنه كلما ضعفت السلطة المركزية السورية ازدادت شهية الانفصاليين الأكراد الرافضين لعروبة سوريا ووحدتها، والمستعدين للتعاون حتى مع الشيطان من أجل تحقيق هذا الهدف…
كل ما ورد أعلاه، باعتقادي، تعي الإدارة السورية الحالية أبعاده الخطيرة. إلا أن الخطوات التي تحققت حتى الآن على الأرض – رغم النيات الطيبة غير المشكوك فيها – جاءت دون ما هو مطلوب.
لقد تأخر الانتقال الضروري جداً من منطق «النضال المسلح» إلى منطق «الدولة». وما زالت هيمنة اللون الواحد تطغى، للأسف، على الاعتبارات والتعيينات وتبرير الأخطاء.
ثم إنه بسبب بشاعة تركة السنوات الـ54 الأخيرة، فإن الحاضنة الشعبية السورية نفسها… تبدو أحياناً راضية بالسكوت عن التجاوزات، ومتحمسة للدفاع عمّا لا يجوز الدفاع عنه إنسانياً وسياسياً، ولا سيما أن الحكم السوري باقٍ تحت المجهر الدولي، ناهيك من كونه عرضة للتآمر الإقليمي.
إن ما حصل من تجاوزات في الساحل، وما يخشى منه البعض – ومنهم مشبوهون – في الجنوب، مرفوض لأنه يسوغ الفوضى ويبرّر التآمر، في حين أن المطلوب، وبإلحاح، «العدالة الانتقالية»… لا «العدالة الانتقامية»!
الشرق الأوسط»
———————–
عشرات المدنيين ضحايا العنف في الساحل.. ودعوات لتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات/ سامر القطريب
2025.03.08
تصاعدت التحذيرات من زيادة حدة الانتهاكات بحق المدنيين في سوريا، وسط عمليات تصفية ميدانية واختفاء قسري في مناطق الساحل، ما قد يفاقم التوترات ويهدد بإشعال موجات انتقامية جديدة. ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 125 مدنيا في عدة مناطق، بينما تتحدث مصادر عن استهداف عشوائي لمدنيين على خلفيات مناطقية وطائفية.
وفي ظل غياب المحاسبة، تتزايد الدعوات لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تكشف المسؤولين عن هذه الجرائم، لضمان المساءلة ومنع تفاقم دوامة العنف، ومنع انزلاق البلاد في موجة من الاحتقان الطائفي.
من يرتكب الانتهاكات؟
الكاتبة والناشطة السورية هنادي زحلوط خسرت ثلاثة من إخوتها في الأحداث الأخيرة، وتقول لموقع تلفزيون سوريا، إن ثلاثة من إخوتها “استشهدوا” على يد فصيل عسكري سوري معارض في بلدة الصنوبر بريف جبلة أمس الجمعة، مشيرة إلى أن الفصيل العسكري اختطف أيضا ثلاثة من أبناء أختها من دون معرفة وجهتهم، حيث أصبحوا مختفين قسريا، وأضافت أنها تواصلت مع إدارة الأمن العام الذين جمعوا المعلومات وعلموا اسم الفصيل المسؤول عن عملية التصفية، مشددة تحفظها على ذكر اسمه.
وأكدت أن إخوتها معلمون ولم يحملوا السلاح إطلاقا، وأضافت أنها لا تُحمّل طائفة بعينها مسؤولية الجريمة، لأن ذلك ما يسعى إليه النظام المخلوع وأذرعه، مؤكدة على ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين في المنطقة لإنهاء حالة الاحتقان.
وقالت الصحفية السورية إنهم وثقوا عشرات الأسماء لضحايا معظمهم مدنيون تمت تصفيتهم ميدانيا في الحي نفسه، وأكدت على أن العدالة الانتقالية تبدأ من خلال “محاسبة الضباط الكبار ومنع خلق مظلومية جديدة في سوريا وعبر الحديث عن الحقيقة وكشفها”.
ووجهت زحلوط نداء لعدم استخدام الخطاب التحريضي والطائفي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتأكيد على الهوية السورية الجامعة لبناء البلد بعد سنوات من الحرب.
وتشير مصادر متقاطعة إلى وقوع قتلى في بانياس وجبلة، هم معارضون ومعظمهم أكاديميون وأطباء ومثقفون، لافتة إلى أنه “لا يمكن الجزم بوجود استهداف ممنهج لهذه الشريحة”.
انتهاكات يقابلها تضامن مجتمعي
وفي جبلة أكدت مصادر محلية حدوث عمليات اقتحام للمنازل وسرقتها وتصفية العشرات من أهلها في قرية بسيسين مثل عائلة زريقة، وقالت المصادر إن أهالي المنطقة من العائلات “السنية” ساعدت العائلات “العلوية” وحمتها، ولفتت إلى وجود جثث مرمية في الشوارع.
وتحدثت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا عن وقوع انتهاكات اليوم في مدينة بانياس الساحلية، وأشارت مصادر عدة إلى وجود جماعات مسلحة غير معروفة، لا تنتمي إلى الأمن العام أو إلى الجيش السوري.
وأضافت أن الشيخ المعروف أنس عيروط يحاول تهدئة الأوضاع وحماية المدنيين بجميع طوائفهم في بانياس، وتؤكد المصادر أن الأهالي “علويون وسنة” لا اقتتال طائفيا بينهم وهم متعايشون، ومن يقوم بارتكاب عمليات القتل جهات غير معروفة.
وأضافت المصادر أنه مع دخول قوات الأمن العام إلى جبلة وعلى رأسها ساجد لله الديك القيادي في الأمن العام، بدأت الأمور تهدأ تدريجيا، بعد عمليات قتل وسرقة عمت المنطقة.
وقال مصدر في وزارة الدفاع السورية لوسائل إعلام رسمية إنه جرى إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل وذلك لضبط “المخالفات ومنع التجاوزات” وعودة الاستقرار تدريجيا إلى المنطقة.
وأضاف “نؤكد أن وزارة الدفاع شكلت سابقا لجنة طارئة لرصد المخالفات، وإحالة من تجاوز تعليمات القيادة خلال العملية العسكرية والأمنية الأخيرة إلى المحكمة العسكرية”.
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطاب بثه التلفزيون في وقت متأخر من أمس الجمعة، إنه في حين يؤيد الحملة الأمنية، فإنه ينبغي على قوات الأمن “عدم السماح لأحد بالتجاوز والمبالغة برد الفعل… ما يميزنا عن عدونا هو التزامنا بمبادئنا”.
وأضاف “في اللحظة التي نتنازل فيها عن أخلاقنا نصبح على نفس المستوى معهم”، مضيفا أنه ينبغي عدم إساءة معاملة المدنيين والأسرى.
تشكيل لجنة تحقيق أصبح ضرورة
من جهته قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لموقع تلفزيون سوريا، إنه يرفض تسمية (الفلول)، مشيرا إلى أنها “عصابات مسلحة هاجمت قوات الأمن العام البارحة واليوم وقتلت نحو 100 عنصر من الأمن العام، وهو رقم مرعب عبر كمائن وأعتقد أنها هجمات منظمة، وقتلت 15 مدنيا في جبلة وبالتالي تحرك الأمن العام للرد وكان الإعلان عن ملاحقة فلول النظام وأكرر أنني أسميهم العصابات التابعة للنظام، ولكن وقع كم كبير من الانتهاكات خلال العملية بحق المدنيين، المدني إذا حمل سلاحا لمدة دقيقة واحدة يصبح مسلحا، ولكن نحن نتكلم عن تصفية مدنيين لم يحملوا السلاح، وهذا بحاجة لإجراء تحقيق وتشكيل لجنة”.
وأضاف “إدارة العمليات العسكرية عبر العمليات التي جرت في سوريا فترة التحرير لم تقتل مدنيا واحدا وقد كانت العناصر شديدة الانضباط، لكن الآن نتيجة حل جهاز الأمن والشرطة بشكل كامل تقريبا استجلبت عناصر من فصائل الشمال وأجرت دورات تدريبية لضم عناصر غير مدربة، بالتالي هؤلاء بشكل أساسي من ارتكب الانتهاكات، إضافة لأشخاص حملوا السلاح وتوجهوا لمساعدة الأمن العام بدافع أنه قتل من أهلهم وأصدقائهم على يد نظام الأسد وقواته أو بسب عمليات التحشيد والتأجيج التي حصلت”.
مقتل عشرات المدنيين في حصيلة أولية
ويوضح عبد الغني أنه بالحصيلة الأولية فقد وثقت الشبكة السورية “مقتل 125 مدنيا في قرية المختارية والحفة والفندارة بريف حماة الغربي وفي أرزة وفي قمحانة وفي حي القصور بمدينة بانياس”.
وأوضح أن “الجثث تركت في مكانها مطالبا وزارة الداخلية وإدارة الأمن العام بفتح تحقيقات جدية لمحاسبة من ارتكبوا هذه الجرائم والانتهاكات والاعتذار عنها وإذا لم يتم الأمر فسيفتح الباب أمام عمليات انتقامية ويؤسس لدوامة عنف طائفي، لأن هذه العصابات أعدادهم محدودة وغالبية الطائفة العلوية ضدهم وهم لا يتجاوزون 1500 شخص، ولكن إذا لم تتم المحاسبة سيزداد التحشيد والتحريض وسيزداد عددهم وبالتالي قد تدخل البلاد في صراع طائفي لا تحمد عقباه”.
وأضاف أنه بعد خطاب الرئيس السوري، جرى تطور مهم بناء بدأ يطبق على الأرض من قبل وزارة الداخلية التي أعلنت اعتقال عناصر غير منضبطة، ويتابع “هذا إقرار بالانتهاكات وبوجود عناصر ارتكبت هذه الجرائم ولم ينكروا ذلك”.
التحريض والأخبار المزيفة على وسائل التواصل
ويشير عبد الغني إلى “الكم الهائل” من إنكار الهجوم وعمليات القتل على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم توثيقها من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويعلق على ذلك “هناك تساؤل عن منهجية عملنا طبعا لدينا منهجية نحن نعمل بالتوثيق منذ 14 عاما وهناك معايير نتبعها للتأكد من حصيلة الضحايا وما هو تصنيفهم مدنيين مقاتلين إلخ.. ومنهجيتنا منشورة على الموقع وهذه ليست أول حالة نوثقها، ليقول لنا البعض ربما خدعتم بفيديو.. ليس من السهولة أن يتم خداع فريقنا نحن متأكدون من الإحصائيات التي أصدرناها.. هناك معلومات عن استهداف سيارات لمجرد أنها تحمل لوحة إدلب.. ومن قتل بداخلها مدنيون وليسوا من الأمن العام وأيضا الأمن العام والفصائل العسكرية التي جاءت من الشمال والمسلحون الأفراد ارتكبوا انتهاكات وسجلنا مقتل 125 مدنيا كحصيلة أولية بينهم 9 نساء و7 أطفال وسننشر التفاصيل في تقرير لاحقا”.
ونشر مستخدمون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا موقع فيس بوك، منشورات تتحدّث عن قتل مدنيين من أفراد عائلات وأصدقائهم ينتمون إلى الطائفة العلوية في المنطقة، وبينهم عائلات معارضة سياسيا للنظام المخلوع، في ظل غياب معلومات رسمية مفصلة من الإدارة السورية الجديدة، وسط انتظار التحقق من المعلومات بشكل مستقل من قبل الشبكات الحقوقية.
تلفزيون سوريا
—————————————
لا خوف على سورية الجديدة/ خليل ساكير
08 مارس 2025
عندما كانت ابنتي في الثالثة من العمر، أخبرتنا معلّمتها في الروضة بأنّ ابنتنا تخاف من الألعاب المخصّصة للهالوين، تلك التي تكون مخيفة بعض الشيء. وطلبت منا لحل هذه المشكلة أن نشتري لها لعبة مشابهة ونلعب معها في المنزل، لكي تكسر حاجز الخوف وكي يتحوّل الأمر إلى لعب وتسلية. وبالفعل، كان هذا الحل ناجعاً.
لطالما حاول النظام السوري تخويف السوريين بعضهم من بعض طيلة فترة حكمه، وفق مبدأ “فرّق تسد”، إذ عمل على نشر الطائفية والكره والبغضاء بين مختلف الطوائف والديانات والمكوّنات. تارةً يُخيف الأكراد من العرب، وتارةً يُخيف العرب من الأكراد، وأخرى يُخيف السنة من الشيعة والشيعة من السنة، وكذلك الحال بالنسبة للدروز والمسيحيين. وهكذا، أصبح الجميع يخشى الجميع، وتقوقعت المكوّنات نوعًا ما على نفسها لتعيش في حالة خوف دائم.
لكن منذ عام 2011، بدأ السوريون بتحطيم هذا الحاجز، وتعرّفوا بعضهم إلى بعض أكثر. وعلى مدار ثلاثة عشر عاماً، تمكّنوا من استيعاب التنوّع المجتمعي، وتفكيك المخاوف التي سعى النظام إلى غرسها فيهم.
ما يحدث في سورية اليوم، بعد هروب الطاغية، من تجاذبات وخلافات، هو حالة صحية بامتياز. إنها محاولة لكسر حاجز الخوف من الطائفية عبر مواجهتها، فهمها، واستيعابها، وصولاً إلى إيجاد أرضية توافقية تجمع الجميع في المستقبل.
قبل استيلاء حزب البعث على الحكم، كانت سورية دولة متنوّعة سياسياً ودينياً، تنبض بالحياة السياسية وتتمتّع بهامش من الحريات. لكن مع وصول البعث إلى السلطة، جرى قمع كلّ أشكال التعدّدية السياسية، وخُنقت الحياة الديمقراطية.
يمكن تشبيه ما حدث في سورية بوضع شعبٍ كامل في سجن مدّة خمسين عاماً، ثم فجأة تُفتح أبواب السجن. من الطبيعي أن تنشأ اختلافات عميقة بين مكوّنات هذا المجتمع، بل وحتى داخل العائلة الواحدة، وهذا أمر متوقّع. لكن الأهم هو أن نظل مخلصين لفكرة الوطن الجامع مهما بلغت خلافاتنا، وألّا نتحوّل إلى أدوات لتنفيذ أجندات الآخرين.
ما كان يدعو للقلق أكثر هو لو أنّ المجتمع السوري لم يُبدِ أي ردّة فعل بعد سقوط الطاغية، لأن ذلك كان سيعني أحد أمرين: إما أن المجتمع في حالة موت سريري، أو أن هناك انفجاراً قادماً لا يمكن التنبؤ بتبعاته.
كما أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع يكرّس معظم وقته لبناء نواة الدولة وترسيخ أركانها، لا سيما الجيش والاستخبارات، فإنّ المجتمع السوري ينضج سياسياً شيئاً فشيئاً.
نأمل أن تشكّل هذه الأحداث درساً للمستقبل، بحيث يتمكّن الشعب السوري من استخلاص العِبر، وتجريم مثيري النعرات، وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش، لترسيخ أسس وطن يسع الجميع.
نطمح لأن تكون سورية المستقبل نموذجاً في التعايش السلمي، بحيث تُعالج مخاوف جميع الأقليات، ليعيش الجميع تحت سقف القانون، قانون يضمن كرامة الإنسان ويخضع الجميع له من دون استثناء.
———————-
الساحل السوري… ضحية أم فتيل؟/ سالي علي
08 مارس 2025
لا شيء أكثر مرارةً من أن تعيش الحرب مرتين، مرّة حين تندلع، ومرّة حين ترفض أن تنتهي! ما يحدث اليوم في الساحل السوري ليس مجرّد اضطرابات عابرة أو اشتباكات متفرقة، بل هو امتداد لصراعٍ طويلٍ بين من يريد طي صفحة الماضي، ومن لا يزال متمسّكًا بها، حتى لو احترقت البلد.
في يومي السادس والسابع من مارس/ آذار الجاري، كان المدنيون في طرطوس، بانياس، واللاذقية شهودًا على فصلٍ جديد من الفوضى. ولكن، في هذه المرّة، لم يكن الصراع بين طرفين متعارضين بوضوح، بل بين أشلاء نظام قديم يُقاتل لاستعادة نفوذه، وحكومة انتقالية لم تستكمل بعد بناء شرعيتها، وبينهما شعبٌ مُنهك يدفع الثمن.
ما الذي حدث في الساحل السوري فعلًا؟
في 6 مارس/ آذار، شهدت قرى اللاذقية على الساحل السوري مواجهات مسلحة بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة مرتبطة بفلول النظام السابق، أسفرت عن عشرات القتلى والمصابين، وهذه ليست مجرّد اشتباكات، بل هي علامة على أنّ هناك من يرفض الاعتراف بأنّ الزمن قد تغيّر، وأنّ الشعب السوري بكلّ مكوّناته يريد الخروج من هذه الدوامة الدموية، ثم جاءت استجابة الحكومة الانتقالية بقوّة، وسط تصاعد الدعوات لتسليح السكان لحماية أنفسهم.
وفي خلفية المشهد، أُعلن عن تشكيل لواء بقيادة عسكرية من النظام السابق، بهدف محاربة الحكومة الجديدة واستعادة السيطرة على المنطقة. وهذا اللواء لا يمثّل سوى محاولة أخرى لإبقاء الساحل السوري رهينة لمعادلات القوّة القديمة، متجاهلًا أنّ أهله لم يعودوا يطمحون سوى إلى حياةٍ آمنة، بعيدًا عن صراعٍ لم يعد يعنيهم.
معاناة لا تحتاج إلى أسماء
عندما نقرأ الأخبار، قد تبدو الأرقام مجرّد إحصائيات، لكن خلف كلّ قتيل عائلة، وخلف كلّ اشتباك هناك منزلٌ يُهدم، وطفلٌ يخسر أمانه، الحرب ليست مجرّد معارك، بل هي ندوبٌ تتركها في النفوس قبل الجدران.
ما الذي يربحه هؤلاء الذين يرفعون السلاح باسم “استعادة الحقوق” أو “التصدي للنفوذ الجديد”؟ هل سيعيدون القتلى إلى الحياة؟ هل سيمنحون الأطفال مستقبلًا أكثر أمانًا؟ أم أنّهم، كغيرهم ممن سبقوهم، سيتركون المدينة جرحًا مفتوحًا لا يندم؟
هل من مخرج؟
إنّ المعركة الحقيقية ليست بين “المنتصرين” و”الخاسرين”، بل بين من يريدون أن يخرجوا من هذه الدوامة، ومن يصرّون على جرّ الجميع إلى قاعها. الساحل السوري ليس بحاجة إلى مزيدٍ من المليشيات أو الخطابات النارية، بل يحتاج إلى أصواتٍ عاقلة ومجموعة لها تأثيرها، تقول: كفى تعبنا.. ليس هناك سلامٌ يأتي بلا تنازلات، لكّن التمسّك بالماضي لن يُعيده، والاستمرار في عقلية الانتقام لن يُعيد الضحايا.
اليوم، لدى السوريين فرصة أخيرة لرسمِ مسار جديد، فإمّا أن يختاروا البناء على ما تبقى مع وجود عدالة انتقالية، أو أن يتركوا التاريخ يعيدُ نفسه بحلقة جديدة من الموت والدمار، لذا سيبقى السؤال: متى سندرك أنّ قيام الحرب ليسَ كخروجها؟
———————————
سوريا: هجمات منظمة يقودها ضباط الفرقة الرابعة وفلول النظام/ منهل باريش
تحديث 09 أذار 2025
انفجر الوضع الأمني في الساحل السوري صباح الخميس، إثر حادثتين أمنيتين منفصلتين شمال اللاذقية وريف جبلة الشرقي. وسبق ذلك عدة هجمات وكمائن على حواجز الأمن العام في المنطقة.
أطلعت «القدس العربي» على تسجيلات صوتية لقائد في التمرد العسكري الذي شنه فلول النظام المخلوع، يعطي من خلالها تعليمات إلى آخرين بنقل الجرحى إلى القاعدة الروسية في حميميم في حال الضرورة، إضافة إلى إقراره باطلاع القوات الروسية بشكل كامل على مجريات التمرد الحاصل و«وجود غرفة عمليات وتنسيق داخل القاعدة». وألمح إلى أن موسكو ستتدخل لمصلحة المجلس في حال «فرض واقعا عسكريا لمدة 24 ساعة». ويدير العمليات الميدانية عدد من الضابط الأمراء والقادة في جيش الأسد المخلوع، على رأسهم العميد غياث دلا والعميد ياسر سلهب.
في منطقة القدموس، أوضح مصدر محلي في حديث مع «القدس العربي» أن أبناء المنطقة رصدوا نشاطا لعناصر مخابرات النظام المخلوع زادت كثافته خلال شهر شباط (فبراير)، حيث انتظم هؤلاء العناصر بمجموعات تضم بين 30-40 عنصرا، بدأت تتحرك بشكل مريب.
وحول طبيعة العناصر قال المصدر إن أغلبهم من العناصر الأمنيين، كالمخابرات الجوية والأمن العسكري وجلهم معروف بإجرامه وسمعته السيئة سابقا.
وزاد المصدر أن ضابطا سابقا في جيش النظام «كان يزور المنطقة بشكل متكرر، هو الذي يزود المجموعات برواتبهم والكتل المالية للنشاط والعمليات». وتوقع أن الخطة كانت «تحرك كل المجموعات مع بعضها إضافة إلى بعض مجموعات المساندة في آن معا».
كُشفت أولى تلك المجموعات صدفة أثناء جريمة قتل، وحصل اشتباك وجرى تجاوز الأمر، ويضيف أنه في منطقة القدموس كانت تنشط نحو سبع مجموعات. ويشكو المصدر من قلة خبرة الأمن العام في المدينة ـ حيث قدم النشطاء المحليون معلومات إلى الأمن العام تتعلق بنشاط فلول النظام وتجمعهم وخطتهم بالسيطرة على المنطقة.
هجمات وكمائن
انفجر الوضع الأمني في الساحل السوري صباح الخميس، إثر حادثتين أمنيتين منفصلتين في حي الدعتور شمال اللاذقية وأخرى في بيت عانا بريف جبلة الشرقي. وسبق ذلك عدة هجمات وكمائن على حواجز الأمن العام في مناطق مختلفة من الساحل السوري.
الجدير بالذكر أن ساعة الصفر لدى «المجلس العسكري لتحرير سوريا» بدأت بشكل منسق ومركز، فقد قسمت فلول النظام المنضوية في ذلك «المجلس» قواتها إلى ثلاث جماعات هي «درع الأسد» و«لواء الجبل» و«درع الساحل». وأعلن العميد الركن غياث دلا قائد أركان الفرقة الرابعة – دبابات والرجل المقرب من اللواء ماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع، تشكيل المجلس العسكري عقب تمكن عناصره من السيطرة على قواعد عسكرية وقطع طرق الساحل بين طرطوس واللاذقية.
ويوم الخميس تحركت المجموعات بهدف السيطرة على القدموس، إلا أن عددا كبيرا من الأهالي والوجهاء تدخل لتجنب اراقة الدماء وانسحبت عناصر الأمن العام من المخفر باتجاه مدينة مصياف شرقا مقابل عدم دخول قوات «درع الأسد» الذين شكلوا غالبية العناصر وعدد أقل من «درع الساحل»، ووصف المصدر العناصر بأنهم مقنعون ويضعون شارة على جبينهم مكتوب عليها «درع الأسد».
ولفت المصدر إلى أن فلول النظام «كانوا يرتدون لباسا موحدا ويمتلكون كل صنوف الأسلحة والعتاد بما فيها الثقيلة وعربات النقل وأجهزة اتصال لا سلكية (توكي ووكي)».
انتهى الخميس الأسود – كما يفضل الكثير وصفه – بعد ان بدأت تتواتر الأنباء عن فشل التمرد في مدينة اللاذقية وجبلة، وبعد ظهر ذلك اليوم بدأ هؤلاء العناصر بالانسحاب وخلع زيهم العسكري والهرب إلى الأحراش لتخبئة أسلحتهم وتواروا عن الأنظار بشكل نهائي ولم يعد لهم أثر في منطقة القدموس. ويختم المصدر «ننتظر وصول الأمن العام وقوات وزارة الدفاع كي تقوم بحملة تمشيط واسعة بحثا عن مستودعات السلاح والذخائر المخبأة في الغابات والأحراش».
انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان
وفي سياق متصل، أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمقتل قرابة 125 مدنيا على يد قوات الأمن في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة، حسب إحصائية غير نهائية ليل الجمعة، وأشار فضل عبد الغني مدير الشبكة في اتصال مع «القدس العربي» إلى أن عصابات موالية لنظام الأسد المخلوع «قتلت 100 من قوات الأمن و 15 مدنيا»، وشدد على وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خلال العمليات العسكرية في المحافظتين الساحليتين بينها «عمليات إعدام ميدانية».
من جهة أخرى، قال المقدم حسين عبد الغني، الجمعة إن وزارة الدفاع بدأت بإرسال تعزيزات لدعم قوى الأمن العام في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وذكر أن الهدف من العملية العسكرية هو «التعامل الدقيق مع مصادر النيران وفرض السيطرة الميدانية ومساندة الأمن العام على العناصر الإجرامية» وحذر أنه لا تهاون مع من «يحاول العبث بسوريا ويهدد سلامة أمنها».
في سياق منفصل وصف مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي الهجوم على القوات الأمنية بانه «هجوم مدروس ومعد مسبقا»، ولفت إلى أن مجموعات عدة من فلول ميليشيات الأسد «هاجمت نقاطنا وحواجزنا، واستهدفت العديد من دورياتنا في منطقة جبلة وريفها، مما نتج عنه سقوط العديد من الشهداء والمصابين في صفوف قواتنا» من دون تحديد العدد. في حين أشارت مصادر إعلامية مرافقة لقوات وزارة الدفاع والأمن العام والفصائل المساندة لها أن عدد قتلى القوات الحكومية ارتفع إلى 130 قتيلا، بينهم 70 من إدلب.
تعزيزات عسكرية ضخمة
وأرسلت وزارة الدفاع السورية، «تعزيزات عسكرية ضخمة» إلى منطقة جبلة وريفها «لمؤازرة قوات الأمن العام وإعادة الاستقرار للمنطقة»، وفق وكالة الأنباء الرسمية «سانا».
وأعربت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن قلقها وحزنها إزاء التصعيد العسكري المتزايد في الساحل السوري بين «سلطات دمشق» وجماعات عسكرية أخرى، محذرةً من تداعيات هذا التصعيد على مستقبل البلاد واستقرارها.
وشددت على أن «إطلاق حوار وطني حقيقي»، يشكل السبيل الوحيد لحل الخلافات العالقة بين مختلف القوى السورية، وصولا إلى «سوريا ديمقراطية تعكس آمال وتطلعات جميع مكوناتها».
كما حذرت من محاولات جر البلاد إلى حرب أهلية، داعية أبناء الشعب السوري إلى «عدم الانسياق وراء الأجندات التي تسعى إلى تأجيج الصراع»، مؤكدة أن «الخاسر الوحيد» في هذه المعركة سيكون الشعب السوري، بينما سيستغل الأعداء هذه الفوضى لتحقيق مصالحهم.
على الصعيد الدولي، أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، عن بالغ قلقه إزاء التقارير الواردة بشأن اشتباكات عنيفة وحالات قتل في المناطق الساحلية، بما في ذلك بين قوات سلطات تصريف الأعمال وعناصر موالية للنظام السابق، مع ورود تقارير مقلقة للغاية عن وقوع ضحايا مدنيين.
وفي ظل استمرار تطورات الأوضاع وسعينا إلى التأكد من الحقائق بشكل دقيق، فإن «هناك حاجة فورية لضبط النفس من جميع الأطراف، وضمان الاحترام الكامل لحماية المدنيين وفقًا للقانون الدولي».
وفي إطار التصحريات الدولية، أعرب المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شينك عن شعوره بـ«صدمة بالغة» إزاء الضحايا الكثيرة في المناطق الغربية من سوريا، كما دعا الجميع إلى السعي إلى إيجاد «حلول سلمية ووحدة وطنية وحوار سياسي شامل وعدالة انتقالية». وتمسك بضرورة السعي من أجل الخروج من «دوامة العنف والكراهية».
على الصعيد العربي، أدانت دول السعودية والإمارات والأردن وقطر الهجوم على القوات الأمنية. ودانت الخارجية القطرية بأشد العبارات الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، مؤكدة على تضامنها مع الحكومة السورية ودعمها لكل ما تتخذه من إجراءات لتوطيد السلم الأهلي وحفظ الأمن والاستقرار في البلاد.
من الواضح أن الإدارة السورية الجديدة قد فشلت في إدارة ملف جيش النظام السابق منذ اليوم الأول لسقوط النظام، ورغم سقوط الأسد قبل ثلاثة شهور، لم تتمكن الإدارة من اعتقال أي من رؤوساء الفروع الأمنية أو قادة الفرق والفيالق.
ومما لاشك فيه ان الإدارة أخفقت على الصعيد الأمني بسبب حداثة عمر الجهاز الأمني وافتقاره الخبرة الأمنية والمعلوماتية، كما أن القطيعة بين الإدارة الجديدة وكامل العناصر الأمنيين المرتبطين بها في دول العالم أو أولئك العاملين في السفارات والقنصليات، يجعل الجهاز يفتقر لمقدرة الحصول على المعلومة الخاصة ويعتمد على مساعدة الأجهزة الأمنية في كل من السعودية وقطر وتركيا وما تشاركه معها.
يضاف إلى ما تقدم سوء تقدير الإدارة الجديدة لكيفية حل «المعضلة العلوية»، ورغم كل ما نشر على وسائل الإعلام من انتهاكات جنود وزارة الدفاع، تجنبت الإدارة الإعلان عن محاسبة العناصر المتورطة بشكل مباشر في الانتهاكات وقتل المدنيين. وفي الوقت الذي فيه سوريا في أشد الحاجة للحديث عن السلم الأهلي ومنع أي احتكاك أهلي، فإن مساندة المحافظات الأخرى تعتبر نصرا وعزة.
القدس العربي
——————————
جرائم ضد المدنيين في الساحل السوري: تحذير من إعادة إنتاج ممارسات نظام الأسد/ ضياء الصحناوي و جلنار العلي
09 مارس 2025
ترافقت المعارك مع جرائم عدة ارتكبت بحق مدنيين عزل ترقى إلى مجازر
مرصد حقوقي: عدد القتلى الإجمالي حتى مساء السبت بلغ 1018 شخصاً
“العربي الجديد” يوثق روايات عدد من ذوي الضحايا
ترافقت المعارك بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة مساندة لها وبين فلول النظام في الساحل السوري والتي بلغت ذروتها أول من أمس الجمعة، مع جرائم عدة ارتكبت بحق مدنيين عزل ترقى إلى مجازر. وفيما ساد الصمت الرسمي لساعات طويلة يوم الجمعة إزاء الجرائم، بدأ الموقف بالتحول تدريجياً مساء، مع إقرار الإدارة السورية بحدوث تجاوزات وانتهاكات وعمليات نهب وسرقة في مدن الساحل السوري أثناء التصدي لمحاولة تمرد قام بها فلول للنظام المخلوع.
كما تطرق الرئيس السوري أحمد الشرع، في كلمة له مساء أول من أمس الجمعة، إلى أحداث الساحل السوري مشيراً إلى أن الدولة، في معركتها، تسعى لحماية جميع المواطنين، مؤكداً أن الهدف ليس إراقة الدماء، بل الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها. لكن الإقرار بالانتهاكات، وإن مع محاولة ربطها بمجموعات غير مضبطة، لن يكون بنظر كثر كافياً، ما لم يترافق ليس فقط مع إجراءات رادعة تجاه الذين ارتكبوا الجرائم ومحاسبتهم، بل أيضاً مع تبني نهج واضح يحدث قطيعة مع ممارسات نظام الأسد وعدم استنساخها، إلى جانب تبني خطاب رسمي واضح لا يقلل من الجرائم أو يحاول تبريرها تحت ذرائع شتى على غرار ما جرى من بعض المسؤولين في الإدارة.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حتى مساء الجمعة مقتل قرابة 140 مدنياً على يد فلول النظام والقوات الحكومية ضمن الحملة العسكرية في الساحل السوري. كما أكدت ذات الشبكة مقتل ما لا يقل عن 100 عنصر من قوات الأمن الداخلي نتيجة هجمات نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بفلول نظام الأسد في محافظتي اللاذقية وطرطوس خلال الخميس والجمعة الماضيين، قبل أن تشير الأمس إلى ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين إلى 164. كما أشارت إلى فلول النظام قتلوا على مدى يومين 26 مدنياً.
جرائم في الساحل السوري
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء أمس السبت، إلى ارتفاع “حصيلة الخسائر البشرية التي تتسارع أرقامها بالتزايد منذ دخول المسلحين لمؤازرة قوى الأمن وتشكيلات وزارة الدفاع”، موضحاً أن “عدد القتلى الإجمالي حتى مساء السبت بلغ 1018 شخصاً، هم: 745 مدنياً جرت تصفيتهم وقتلهم بدم بارد في مجازر طائفية، و125 من الأمن العام وعناصر وزارة الدفاع وقوات رديفة، من ضمنهم 93 سورياً على الأقل، و148 مسلحاً من فلول النظام السابق المتمردين والموالين لهم من أبناء الساحل”.
وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لمشاهد توثق عمليات إعدام ميداني لمدنيين، بالإضافة لعمليات تعذيب وإذلال لأسرى بلباس مدني يُجبرون على الزحف، ومنهم من تتم تصفيته أثناء عملية تعذيبه. كما انتشرت فيديوهات تظهر عمليات سرقة وتخريب لمنازل ومحال تجارية وحرق سيارات.
وحصل “العربي الجديد” على روايات عدد من ذويي الضحايا الذين قتلوا الجمعة. وقتلت طبيبة الأسنان ربا الشيخ إلى جانب زوجها الطبيب البيطري بسام صبح وابنيهما؛ الشاب حيدرة وهو طالب في السنة الخامسة بكلية طب الأسنان، والطفل ورد صبح، أول من أمس الجمعة، في منزلهم الكائن في حي القصور بمدينة بانياس في طرطوس. وقالت الصحافية حلا منصور، ابنة أخت الزوجة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن “مجموعة من الأمن العام قدمت صباح يوم الجمعة لتفتيش المنزل، وعرّفوا أنفسهم أمام عناصر المجموعة، وقد كان الزوج أحد الأشخاص الذين عملوا بالمصالحة خلال السنوات الماضية في بانياس، وأجرى اتصالات عديدة مع مدير المنطقة خلال اليومين اللذين سبقا وفاته لتهدئة الأمور، لتقوم المجموعة بتفتيش المنزل، فيما أطلق أحد العناصر النار داخله، كما دُمّرت سيارة الزوجة عند خروجهم”، لافتة إلى أن “هذه المعلومات تأتي نقلاً عن خالتها التي اتصلت بها بعد خروج العناصر الذين كان من بينهم أشخاص أجانب”، وأضافت: “عند حوالي الساعة الثانية ظهراً، فُقد التواصل مع العائلة بشكل كامل، ليجرى فيما بعد التواصل مع أحد الجيران الذي أخبرها بدخول مجموعة أخرى إلى منزل خالتها وإطلاق النار على جميع من في المنزل”، لافتةً إلى أن “جثامين العائلة ما تزال في المنزل، ولم يتمكن أحد من نقلها إلى المشفى للقيام بإجراءات الدفن”.
أما الشاب زين نيوف الذي فقد يوم الجمعة والده وأمه وشقيقه المتزوج قتلاً في منزلهم بمنطقة بانياس أيضاً، فقال، لـ”العربي الجديد”، إنه “تواصل مع أهله قبل حادثة القتل، ليخبروه بأنهم يختبئون في حمام المنزل، خوفاً من أي رصاص طائش، ليحاول فيما بعد هو وأخواته التواصل مع العائلة، لكن من دون أي رد، وبعد حوالي ساعة تواصل الجيران معه وأخبروه بما حدث، إذ دخلت مجموعة مسلحة إلى المنزل لتفتيشه، لتقوم في ما بعد بإطلاق النار على الأب والأم والابن، أما زوجة الابن التي كانت تحمل طفلها فقد رجت المسلحين ألّا يؤذوها وابنها فتركوها تذهب إلى منزل جيرانهم”.
وعقب توارد أنباء الجرائم بحق المدنيين والردود الغاضبة التي أثارتها، اعتقل الأمن العام في وزارة الداخلية السورية، أمس السبت، ما قال إنها “مجموعة عسكرية غير منضبطة ارتكبت انتهاكات بحق مدنيين عزل”، في الساحل السوري، وفق وكالة “سانا” الرسمية، والتي أشارت إلى أن “الجيش يقوم بإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل وإعادة الأشخاص غير المكلفين بمهام عسكرية”، مؤكدة أن “الأمن العام يسير أرتالاً إضافية لحماية أهالي الساحل من أي تجاوزات”. وفي السياق، أمرت وزارة الدفاع السورية وجهاز الأمن العام، أمس السبت، بـ”القبض على كل متجاوز ارتكب جرماً بحق المدنيين في الساحل السوري خلال العملية العسكرية”، لإحالتهم إلى المحكمة العسكرية والقضاء. كما أعلنت إدارة الأمن العام، في بيان أمس السبت، مصادرة أكثر من 200 آلية سرقها اللصوص في مدينة جبلة، مشيرة إلى أن “ضعاف نفوس استغلوا حالة عدم الاستقرار بسبب أفعال فلول النظام المخلوع”، مؤكدة اعتقال عدد كبير من اللصوص، مضيفة أن الآليات ستعاد إلى أصحابها وفق الأصول. بموازاة ذلك، قالت إدارة الأمن العام في اللاذقية إنها نشرت أمس عناصرها في مختلف أنحاء المدينة، وأقامت نقاطاً مؤقتة بهدف ضبط الأمن ومنع التجاوزات الحاصلة من قبل بعض المدنيين في المنطقة.
استهداف المدنيين جرائم حرب
من جانبه، رأى المحامي غزوان قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “ما جرى في الساحل السوري من عمليات استهداف لمدنيين يمكن وصفه بجرائم حرب”، مضيفاً: بعضها يرقى إلى جرائم إبادة جماعية من وجهة نظر محايدة أو قانونية. وتابع: “بعض الجرائم تم ارتكابها من قوات الأمن العام أو المجموعات التابعة لها، لذا على الدولة فتح تحقيق لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بمحاكمات علنية لبث الطمأنينة في نفوس الشعب، وتوجيه رسالة أن لا أحد فوق سقف القانون”. وطالب قرنفل الإدارة السورية الجديدة بالتركيز على ضبط الأمن والاستقرار في البلاد، ولكن “بالطرق والأدوات القانونية”، مضيفاً: على القوى التابعة للأمن العام ووزارة الدفاع التصرف كقوى تابعة للدولة وليس كمليشيات خارجها. وتابع: يجب ضمان أمن وسلامة المجتمع بكل أطيافه الدينية والعرقية والمذهبية، وعدم تحميل الطائفة العلوية وزر ما يرتكبه بعض أبنائها بحق السوريين أو بحق الدولة.
ودعا قرنفل الحكومة السورية إلى حوار مع قيادات ورموز مجتمعية لها وزنها في المجتمع وفعاليات دينية وعلمية من كل الطوائف السورية من أجل “تأسيس دولة يتشارك بها الجميع من دون تهميش أو إقصاء أي مكون من مكونات الشعب السوري”، مضيفاً: من غير المعقول والمقبول أن تحاول السلطة الحالية إعادة إنتاج نموذج مغاير في الشكل ومطابق في المضمون لنموذج ممارسات نظام الأسد متابعاً: إشراك الجميع يفكك خطاب الإقصاء الذي يتكلم فيه الآخرون، وبنفس الوقت يحدث اختراقاً حقيقياً في جدار العقوبات ويسمح بالاعتراف القانوني بالسلطة الحالية، بحيث نستطيع تعيين دبلوماسيين جدد بدلاً من دبلوماسيي الأسد وإصدار وثائق تعترف بها الدول.
وقال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، لـ”العربي الجديد”، أول من أمس، إن “العصابات، وأرفض تسميتها بالفلول، هي مجموعات مسلحة خارج الدولة، هاجمت قوات الأمن العام وقتلت نحو 100 شخص منهم، وهو رقم مرعب. كما نفذت كمائن وهجمات منظمة أسفرت عن مقتل 15 مدنياً في جبلة”. وأضاف عبد الغني: “تحركت قوات الأمن العام للرد، لكن مع الأسف وقعت أعداد كبيرة من الانتهاكات بحق مدنيين، وليس بحق العصابات المسلحة. فالمدني الذي يحمل السلاح حتى لو لدقيقة واحدة يصبح هدفاً مشروعاً، لكننا نتحدث عن تصفية مدنيين لم يحملوا السلاح”. وأشار إلى أن “إدارة العمليات العسكرية في سورية لم تقم بقتل مدنيين سابقاً، ولكن نتيجة حل جهاز الأمن والشرطة، تم جلب عناصر غير مدربة من فصائل الشمال السوري، وهم من ارتكبوا هذه الانتهاكات، إلى جانب مدنيين حملوا السلاح بدافع الانتقام”.
وكشف عبد الغني أن “الحصيلة الأولية تشير إلى مقتل 125 مدنياً في قرى المختارية، والحفة، والفندارة، وريف حماة الغربي، بالإضافة إلى أرزة، وقمحانة، وحي القصور في بانياس. وقد تُركت الجثث في المكان، مما يستوجب تحقيقاً رسمياً لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات”. وحذر من أن “عدم المحاسبة سيؤدي إلى تصاعد العنف وانتقام متبادل، خاصة أن هذه العصابات لا يتجاوز عددها 1500 شخص، وفي حال لم يتم التعامل معها بحكمة، قد تنضم إليها أعداد أكبر، مما يفتح الباب أمام دوامة من الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي”.
من جهته، أمِل الباحث السياسي محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، تشكيل لجنة تحقيق قضائية شاملة “ذات ولاية بالحوادث التي وقعت في الساحل”، مشيراً إلى أن “بعض الفيديوهات تظهر عمليات إعدام وقتل خارج القانون وتقديم من قام بذلك للعدالة واجب على الدولة”. كما دعا صبرا، وهو المختص بالقانون، وزارة العدل إلى إصدار قوائم اسمية بمجرمي الحرب من الذين كانوا مع نظام الأسد المخلوع وتحريك الدعوى العامة بحق هؤلاء وإصدار مذكرات توقيف. وتابع: عدم ملاحقة هؤلاء قانونياً سمح لهم بإعادة تنظيم أنفسهم وإنشاء مجموعات تنسق فيما بينها لارتكاب عمليات هدفها ضرب الأمن والاستقرار.
وأشار صبرا إلى أن “العدد الكبير للشهداء في صفوف الأمن العام والجيش والمدنيين يظهر خطورة هذه المجموعات”، مضيفاً: الحوادث التي جرت في الساحل أظهرت فشلاً استخبارياً ذريعاً لدى جهاز الاستخبارات العامة. وأضاف: “ملاحقة هذه العصابات المسلحة المُشكلة من مجرمي الحرب يجب أن تقوم على مبدأ التمييز بين المدنيين وبين هؤلاء المجرمين، لمنع ارتكاب أي انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء تنفيذ الدولة واجباتها في محاربة الجريمة وحماية الأمن العام. كذلك فإن الحوادث كشفت عن ضرورة الإسراع في سحب السلاح من يد كل الأطراف وحصره بيد الدولة وضرورة الإسراع ببناء الجيش والمؤسسات الأمنية، لأن الضامن الوحيد لأمن واستقرار المواطن والوطن هو القوى العسكرية النظامية، ويجب الخروج من الفصائلية وعقلية الفزعات التي كانت مسؤولة عن عدد كبير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأدت لارتكاب جرائم بحق مدنيين، وهذا أمر يجب معالجته بحزم وسرعة”. وقال: “نحن نريد بناء دولة القانون والعدل، ولذلك لا بد من الإسراع بتشكيل الهيئة العليا للعدالة، والتي يجب أن تبدأ عملها في محاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب الفارين، لأن هذه المحاسبة هي التي تؤمن الاستقرار وتحمي السلام الأهلي”.
وكان العشرات من أفراد الجيش السوري والأمن العام قد قُتلوا أثناء التصدي لعملية التمرد الواسعة والتي هددت السلم الأهلي في الساحل السوري وكادت أن تطيح الاستقرار الهش في البلاد. وفي هذا الصدد، أشار الباحث السياسي بسام سليمان، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “ما حصل في اللاذقية كان اعتداء على قوات الأمن، بطريقة مخططة”، مضيفاً: سجلنا مقتل نحو 100 فرد منهم، و15 مدنياً على يد العصابات المتمردة. وقال سليمان: “حدثت انتهاكات من كل الأطراف، وعمليات تمثيل بالجثث”، موضحاً أن “مجموعات فلول النظام ارتكبوا مجازر بحق عناصر الشرطة وبعض المدنيين بهدف تأجيج الطائفية في البلاد”. وبين أنه عندما حدثت عملية التمرد ضد الدولة “اتجهت عدة مجموعات من عدة مناطق سورية لمساعدة الجيش والأمن العام، وهو ما خلق فوضى أدت إلى وقوع انتهاكات”، مضيفاً: لا يمكن وصفها بالفردية والمحدودة لأن عدد الذين مارسوا الانتهاكات كبير، إلا أنها لم تكن ممنهجة.
العربي الجديد
———————————–
“بنت الثورة” السورية تنعى أشقاءها الثلاثة باللاذقية..وتشيد بـ”الأمن العام“
الأحد 2025/03/09
أعلنت الكاتبة والناشطة الحقوقية المعارضة لنظام الأسد، هنادي زحلوط، المعروفة بلقب “بنت الثورة”، عن مقتل إخوتها الثلاثة، أحمد وعبد المحسن وعلي زحلوط، إلى جانب عدد من الرجال الآخرين في قرية “صنوبر” في ريف اللاذقية، وذلك بعد أن تم اقتيادهم من منازلهم وإعدامهم ميدانياً.
وطالبت زحلوط في رسالة مؤثرة بحماية من تبقى من النساء والأطفال، والسماح لهم بدفن ذويهم، مشيرةً إلى أن الجثث لا تزال في العراء وسط مخاوف من حرقها من قبل الفصيل المسلح المسؤول عن المجزرة.
فصيل “العمشات”
وظهرت “بنت الثورة” في مقابلة على قناة “سوريا” استهلتها بتقديم التعزية بكل السوريين الذين “سقطوا بكمائن لفلول النظام”، كما عزت أهالي قريتها التي “قتل جميع الرجال فيها، بينهم ثلاثة من اخوتي”. مؤكدةً أن جميع رجال القرية قتلوا، واتهمت بشكل مباشر فصيل “العمشات” بارتكاب المجزرة، مؤكدةً أن عناصره اقتحموا المنازل وكسروا الأبواب واستولوا على الهواتف ونهبوا الممتلكات.
وأضافت أن هذا الفصيل المسلح جاء إلى منطقة الساحل السوري بعد إعلان النفير العام، وارتكب انتهاكات جسيمة، مطالبة بفتح تحقيق فوري في الجرائم المرتكبة. كما وجهت رسالة إلى محافظ اللاذقية، محذّرة من استمرار عمليات القتل والنهب في القرى المجاورة، وسط حالة من الرعب الحقيقي يعيشها السكان.
بشار الأسد والأقليات
في حديثها، قالت زحلوط أن بشار الأسد الذي طالما كان يقول بأنه حامي الأقليات، لابد أنه سعيد الآن بعد هذه المجزرة، التي جاءت لتعزز روايته التي استخدمها طوال عقود لإخضاع العلويين وباقي الأقليات في سوريا، كما شددت على أن المحاسبة هي السبيل الوحيد لتحقيق حلم السوريين في بناء سوريا جديدة، مطالبة بمعاقبة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم، سواء الفصائل المسلحة أو فلول النظام الذين قتلوا رجال الأمن.
ضمانة الأمن العام
وعلى الرغم من المأساة التي حلت بعائلتها، وجهت زحلوط شكرها لإدارة الأمن العام، التي رأت أنها تصرفت بمسؤولية مقارنة بالفصائل المسلحة. وأكدت على ضرورة بناء قوى الأمن الداخلي والأمن العام بشكل صحيح، لضمان حماية المدنيين واستعادة ثقة الناس بالدولة، خصوصاً في ظل استمرار التوتر في بعض المناطق.
وأشارت إلى أن عمليات النهب التي نفذتها الفصائل المسلحة زادت من مخاوف الأهالي، ودعت إلى اتخاذ خطوات جادة لوقف الانتهاكات وإعادة الاستقرار، قائلةً :”أتمنى أن تكون المجزرة التي حدثت في قرية صنوبر هي الأخيرة.”وأشارت زحلوط أن هذه المجازر لم تستهدف العلويين فقط، بل طالت أيضًا أبناء طوائف أخرى، مشددةً على ضرورة إيقاف دوامة العنف، ودعت السوريين إلى وضع حد لهذه المذابح والعمل على تضميد جراح البلاد، مؤكدةً أن الحل يبدأ بمحاسبة القتلة، وحماية المدنيين، وإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والكرامة.
الشرع
وألقى الرئيس السوري أحمد الشرع خطاباً دعا فيه إلى ضبط النفس، كما ظهر في خطبة بعد صلاة الفجر الأحد، في أحد مساجد المزة، مؤكداً أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
ونشرت صفحة السلم الأهلي في حمص قائمة بأسماء الضحايا المدنيين الذين قُتلوا في اللاذقية وطرطوس وحمص، وأفادت بأن عددهم بلغ 717 شخصاً، بينما وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 568 مدنياً، وسط غياب أي أرقام رسمية حتى الآن.
——————————
نحو تجنّب “عرقنة” سوريا/ إياد الجعفري
الأحد 2025/03/09
قد لا يعجب الكثيرين هذا الإسقاط الذي سنجريه على المشهد السوري اليوم. لكن أوجه الشبه في الخلفية والمدخلات الراهنة ستقودنا إلى نتائج مشابهة لتلك التي عاشها العراق خلال عقدين بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
أما في الخلفية، فالنواة الضيقة لحكم صدام حسين كان يقوم على “أقلية سُنيّة” مطعّمة بأيديولوجية قومية- بعثية، تحكم أكثرية “شيعية”، و”أقلية” أخرى “كردية”. ومن الصعب الاتفاق على نسب التوزّع العِرقي والطائفي في العراق، لكن التقديرات الأكثر موضوعية تشير إلى نحو 60% من العرب الشيعة، ونحو 20% من العرب السنة، ونحو 15% من الأكراد، و5% من مكونات عرقية ودينية أخرى، هم قوام الديمغرافيا العراقية.
ومع انهيار نظام صدام حسين بغزو أميركي عام 2003، تصدّرت المشهد قوى شيعية- إسلامية، مدعومة إيرانياً بصورة أساسية. وهي التي هندست “حواراً” مع القوى الممثلة للمكوّن الكردي، مع تهميش كبير للعرب السُنة. وانتهى ذلك إلى تشكيل منظومة حكم أقصت المكوّن السني بصورة مباشرة. ومن اشترك من ممثلي هذا المكوّن في اللعبة السياسية بعد العام 2005، كان في حالة أقرب للتبعية للقوى الشيعية الكبرى التي حكمت البلاد فعلياً، باستثناء إقليم كردستان العراق.
تلك الخلفية -حكم أقلوي مطعّم بنكهة آيدلوجية قومية- والمدخلات -حوار “وطني” منقوص التمثيل وإقصاء لمكوّن رئيسي- كانت مخرجاته دولة يختلف العراقيون في توصيفها بين “الفاشلة” و”الهشة”، كانت أبرز معالمها: اقتتال أهلي- مذهبي، تكرّر بصورة دامية في موجتين كبيرتين بين عامي 2006 – 2008، وبعد 2014، سيطرة للفصائل الميليشيوية وممثليها السياسيين على الحياة السياسية، والفساد المستشري الناجم عن ذلك. موجات تطرّف لا تهدأ إلا لتبدأ مجدداً، بنية تحتية متهالكة، وقطاع طاقة ضعيف، واقتصاد عاجز عن أن يوفّر للعراقيين حياة متناسبة مع الإيرادات الضخمة من تصدير النفط التي تتراوح ما بين 8 إلى 11 مليار دولار شهرياً.
في تحليل نشره مركز “مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط”، قبل نحو عقدٍ من الزمن، بعنوان: “الأزمة الطائفية في العراق: إرث من الإقصاء”، يشير الكاتب حارث حسين إلى ضرورة معالجة مشاعر الاغتراب والنفور لدى السنّة حيال نظام الحكم، بوصفه أمراً بالغ الأهمية، لمعالجة معضلات العراق. ويضيف أنه لكي يتم بناء الشرعية والاستقرار، تحتاج الدولة التي يهيمن عليها الشيعة إلى إطلاق خطة جادّة للمصالحة.
ومن النقاط الملفتة التي تناولها في إشكالية استقرار العراق، افتقاره إلى سردية وطنية حقيقية قادرة على تسوية الانقسامات الطائفية. ويقول الكاتب: “لدى شرائح مختلفة من المجتمع ذكريات وسرديّات تاريخية مختلفة حول ماهيّة العراق أو ما ينبغي أن يكون عليه. كما أن فشل القيادة في جمع هذه الخيوط ضمن مبدأ وطني واحد وشامل يعزّز الانقسامات الطائفية والحدود بين الطوائف”.
بعد نحو عقد على نشر المقال المشار إليه، لم يتغير الكثير في حال العراق. هناك مؤشرات استقرار نسبي أفضل من السابق، لكن معايير الفشل الاقتصادي والخدماتي في أداء “الدولة”، ومدى تمثيلها لمختلف المكونات، لا تزال قائمة بشكل واضح. كما أن المستقبل يشي بمخاوف جدّية حيال استقرار منظومة الحكم الراهنة، المرتبطة بالمحور الإيراني المتضرر بشدة من التطورات في لبنان وسوريا، خلال الثلث الأخير من العام المنصرم. وحتى في أكثر أجزاء العراق استقراراً، بكردستان العراق، نجد أن المكوّن الكردي فشل في تحقيق الاستقلال بعد استفتاء رُفض على نطاق واسع، إقليمياً ودولياً، عام 2017. وبقي الإقليم مرتبطاً بالعاصمة بغداد، بصورة هشة ومتوترة، لها أضرارها الملحوظة على مساعي النهوض الاقتصادي والتنمية في هذا الإقليم.
أبرز الدروس المستفادة من التجربة العراقية تلك، أن المدخلات الخاطئة لعملية تأسيس الدولة الوليدة بعيد 2003، أدت إلى النتائج المريرة التي ما زال العراق يعيش في أتونها حتى اليوم. جميع المكوّنات العراقية الرئيسية (شيعة، سنة، أكراد)، متضررون على الصعيد الشعبي، من هذا الواقع. الرابح الوحيد هو قيادة القوى السياسية والميلشياوية المهيمنة على السلطة، والتي تحرص على إبقاء تركيبة الحكم الراهنة على حالها، رغم اهترائها الكبير.
الخلاصة التي يجب أن نتعلمها في سوريا، أن لا استقرار مستداماً يمكن له أن يوفّر فرص التعافي الاقتصادي، في ظل إقصاء مكوّنات رئيسية من تركيبة الحكم، وفي أجواء من التغوّل الفصائلي على مقدّرات الدولة. وأن جميع مكوّنات سوريا، ستتضرر من ذلك. فاغتراب “أقليات” الطيف السوري من دروز وعلويين وأكراد عن “الدولة” الوليدة، يعني استنساخاً مقيتاً للتجربة العراقية بعد 2003. والأخطر من ذلك، أنه في الحالة السورية، علينا توقّع اهتراء مجتمعي أكبر بمرات من الحالة العراقية، لأنه لا ثروة نفطية قادرة على تغطية العورات الفاضحة لحالة العجز في الخزينة الحكومية، ناهيك عن أثر العقوبات الخارجية التي ستعود لتطل برأسها مجدداً بشدة أكبر، إن تكررت المشاهد الدامية التي عاشها الساحل السوري في اليومين الماضيين.
لا تزال الفرصة متاحة لدى القيادة السورية الراهنة، لتجنّب “عرقنة” سوريا. وهي من يتحمّل مسؤولية ذلك بالدرجة الأولى، لأنها من يملك “الشرعية” والموارد اللازمة. وينقصها فقط إرادة صادقة بإشراك مختلف مكونات الطيف السوري في حوار وطني جدّي، يجنّب البلاد منزلقاً خطراً جديداً. ولا يعفي ذلك المؤثّرين السياسيين والمجتمعيين في المكوّنات السورية المختلفة، من المسؤولية. فالانجرار نحو منطق الثأر استناداً إلى مظلومية السنوات 14 المنصرمة، من جهة أولى، والمغامرة بعمل أرعن لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لمن خسر امتيازات أكبر من وزنه الديمغرافي، من جهة ثانية، والرهان على مظلة حماية ودعم خارجي للاستقواء على الشركاء في الوطن، من جهة ثالثة، كلها مقامرات قصيرة الأفق تطال حيوات الحواضن الاجتماعية لأولئك الفاعلين، وتسبب ضرراً كبيراً للمصالح الاقتصادية والمعيشية لتلك الحواضن. أما في الدرجة الثالثة، فتتحمّل شريحة رجال الدين، من مختلف المكوّنات، مسؤولية كبيرة في لجم التجييش الطائفي المُعتمل في اللحظة الراهنة. خصوصاً وأن بعض المحسوبين على هذه الشريحة كانوا أحد أبرز مصادر هذا التجييش.
المدن
————————————-
السوريون الأعداء.. من تأليه بشار إلى ثقافة العواء
الأحد 2025/03/09
في سن السادسة، تلاحقك تماثيل حافظ الأسد وصوره أينما ذهبت ــ شرقاً، غرباً، شمالاً، وجنوباً. تنتشر في الساحات، على الجدران، وحتى على دفترك المدرسي، لتصبح جزءاً من رؤيتك البصرية، بل ومن ذاكرتك ذاتها. تتساءل بعفوية: من هذا الرجل ولماذا كل هذا التقديس؟
يأتيك الجواب سريعاً: “إنه الأب القائد الخالد الذي لا يموت”. لكن في زوايا الحديث، تتردد همسات خافتة عن التعذيب والاعتقالات، تحذّر من الأسئلة، وتُلقنك أوّل درس في الخوف: “الحيطان إلها آذان”. بعفوية الطفولة، تستغرب كيف يمكن للجدران أن تسمع، لكنك تدرك لاحقاً أن هذه العبارة ليست إلا مفتاحاً لصمت طويل.
تحت التراب
تسمع همساً عن مجزرة حماة في الثمانينات، حيث أُبيدت عائلات بأكملها، ثلاثة أجيال تحت التراب، لكن يُطلب منك ألا تذكر ذلك حتى لأقرب أصدقائك. هكذا تنمو في بيئة مشبعة بالخوف، تغذّيها الرقابة والرقابة الذاتية، ليُزرع في داخلك خياران لا ثالث لهما: إما أن تدفن رأسك في الرمال، أو أن ينتهي بك الأمر في سجن صيدنايا.
تكبر في طفولة تائهة، محاطاً بمآزق لا تنتهي. ترتدي البدلة العسكرية منذ الصغر، تردد يومياً “أمّة عربية واحدة” و”حماة الديار”، بينما يُغرس فيك الخضوع بلا وعي، ليصبح الانبطاح عقيدة.
تُدفع إلى معسكر “الصاعقة”، حيث تتشكل ملامحك تحت أنظار نظام يرفع شعار العلمانية، لكنه يستثمر في الطائفة، يعزّز الولاءات، ويخنق أي تمرد. فحتى أبناء طائفته لم يسلموا من بطشه، وإن تجرأ أحدهم على المعارضة، انتعشت السجون، ازدهرت أجهزة القمع، وازداد عدد زوار أقبية المخابرات.
هناك فقط، يصبح للحيطان آذان، في إنجاز استثنائي يُضاف إلى سجل “القائد الخالد”. حين يموت الأسد الأب، تصطدم بواقع لم يخطر لك يوماً: كيف يموت من قيل لنا إنه خالد؟ تتجلى الصدمة الأولى، ويُساق الجميع إلى مسيرات الحزن، حيث لا مفر حتى لو اختبأت في الخزانة. كل سوريا، بعلوييها وسنّييها ومسيحييها، مطالبة بإعلان الحداد.. فالبلاد توقفت، وكأنها فقدت إلهاً.
السلطة لا تموت
لكن السلطة لا تموت، بل تُعيد تدوير نفسها. يخضع الدستور لغسل دماغ سريع، يُعدَّل لمصلحة “الوطن”، ليُفتح الطريق أمام الوريث. يظهر الأسد الابن، متقمصاً خطاباً علمانياً، ومظهراً حضارياً لم يألفه الناس في حكم والده. ينزل إلى الشوارع التي لم تطأها قدما أبيه يوماً، يتجول في المطاعم بين الناس، ويُصبح التعامل معه أشبه بصدمة ثانية: كيف نتخطى عقيدة التأليه، ونتعامل معه كإنسان من لحم ودم؟
لكن الانتقال لم يكن عشوائياً، فالوريث أحاط نفسه بالسنة قبل العلويين، مستثمراً في مخاوف الطائفة العلوية التي عانت من مجازر تاريخية، كما استمال المثقفين الذين كرسوا فلسفة السلطة، والتجّار الذين أدركوا أن الولاء هو مفتاح الاستمرارية. كل ذلك في ترتيب مدروس، استعداداً لما كان يعرفه جيداً: الانتفاضة قادمة لا محالة.
تنتفض البلاد بعد سنوات طويلة من القمع. يتجرأ البعض على التمثال الذي ارعبنا جميعاً لمجرد النظر إليه ليكون بالفعل هذا “الشبل من ذاك الاسد”، ويبدأ نهر الدم يسيل في الشوارع السورية وسجونها، وتنتشر مقاطع وحشية في مناطق الثورة، يُطلب بها من الثوار أن ينطقوا بأن بشار هو ربهم الأعلى، يفعلون ذلك ويُقتلون بعدها بدم بارد، ويجلس القتلة على جثثهم يُدخّنون السجائر، ويتفاخرون وتسمع أصوات البراميل المتفجرة لكنك تصم أذنيك … لتعيش البلاد في دوامة الحرب الطاحنة 12 سنة وتطمس الثورة والجرائم التي ارتكبت بحقها، ثمّ نمضي كسوريين اعداء في طريقنا والطائفية تنهشنا من الداخل حتى لو تبادلنا القبل والسلام ويصفنا الرئيس “بالجراثيم”.
خادم لا حاكم
يسقط الأسد فجأة، ويُعلن أحمد الشرع رئيساً في دمشق التي تستقبل العهد الجديد بترحيب واسع. الشوارع تضج بالحشود، الساحات تمتلئ بأول نفس حر بعد عقود من القمع، والهتاف هذه المرة ليس لمن يدّعي الألوهية، بل لمن وعد أن يكون خادماً لا حاكماً.
لكن ما هي إلا أسابيع حتى تذبل فرحة التحرر، لتبدأ مرارة العيش. بلدٌ منهك، لا رواتب، لا كهرباء، مشهدٌ مألوف للسوريين. غير أن تمرّد الساحل، حيث بدأت “فلول النظام” – كما أسماهم الرئيس الجديد – تقلب المعادلة، يدفع بالأحداث إلى منحى مظلم.
تعود المجازر بالوحشية ذاتها، بدم بارد لا يفرّق بين من ثار على النظام البائد ومن لم يفعل. تُسفَك الدماء، وتُدنّس أجساد القتلى بإذلال ممنهج. يُجبر الضحايا على العواء قبل إعدامهم، وتُفرش موائد رمضان على جثثهم.. مشهد كابوسي يعيد إلى الأذهان فظائع النظام الساقط، لكن بوجوه جديدة.
حين تطول الحرب، يصبح الخطر الأكبر ليس هزيمة العدو، بل أن تتحول إلى نسخته الأخرى.
نعم، نحن السوريون الأعداء الذين تحدث عنهم الروائي العظيم فواز حداد في روايته، نُباد منذ الأزل، لا بالسلاح فقط، بل بالإقصاء والتهميش، إبادة مادية، بيولوجية، ثقافية، واقتصادية تمتد عبر الأجيال.
نحن الذين لم نحب بعضنا يوماً، لم نعرف كيف نصنع وطناً يحتوينا جميعاً، نقاتل بعضنا أكثر مما نقاتل الطغاة، ونغرق في أحقادنا قبل أن نغرق في دمائنا.
كُتبت هذه المادة بينما لا يزال الساحل السوري مسرحاً لمجازر مروعة مستمرة منذ ثلاثة أيام، حيث قُتل الأبرياء وعناصر من الدفاع، وأُغرقت المنطقة في الظلام بعد قطع الكهرباء والماء، وصودرت الهواتف، ليبقى الموت وحده شاهداً على مجزرة تُرتكب بصمت، بعيدًا عن أعين العالم.
المدن
——————————
دلالات توقيت أحداث الساحل السوري وفق الحساب الإيرانية/ فراس فحام
الأحد 2025/03/09
امتازت الساحة السورية دائماً بسيولة الأحداث نظراً إلى التأثير البالغ للفاعلين الإقليميين والدوليين في المشهد، وبالتالي لا يمكن قراءة الأحداث الأخيرة التي عصفت بالساحل السوري في الأيام الماضية والاشتباكات التي تجددت بين القوات الحكومية وفلول النظام السابق بمعزل عن التأثير الخارجي، وإن كانت العوامل الداخلية حاضرة.
توالت المؤشرات التي تدل على ضلوع إيران في الأحداث الأخيرة، وأبرزها التصريحات التي صدرت عن علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قبل يوم واحد من المواجهات، والتي حذر فيها من احتمالية اندلاع حرب أهلية على الرغم من حالة الهدوء التي كانت سائدة باستثناء الاشتباكات على جبهة “قسد”.
يتم تداول معلومات في الأروقة الأمنية السورية حول ضلوع أذرع إيران في المنطقة بتمويل وتسليح فلول نظام بشار الأسد، التي تتنقل بين الساحل ومحافظة حمص، ولديها القدرة على التحرك باتجاه شرق سوريا بحكم هشاشة الوضع الأمني، وهذا يدفع للتخوف من موجات عنف جديدة.
استعادة إيران للزخم الإقليمي
لإيران مصلحة بتحركات على الساحة السورية تؤكد قدرتها على استعادة الزخم الإقليمي، بل قد تكون هذه الخطوة ضرورية للغاية بعد أن تراجعت ثقة الحلفاء بها، وانتقلت النقاشات إلى الساحة العراقية حول جدوى الاستمرار بالاعتماد على العلاقة مع إيران، ما يرفع مؤشرات الخطر لدى طهران نظراً إلى ما تمثله الساحة العراقية من أهمية وقاعدة ارتكاز لنفوذ إيران الإقليمي.
حالة الهدوء التي سادت في الساحة السورية، وما أظهرته الإدارة الجديدة خلال أشهر حكمها الأولى من انفتاح على مختلف مكونات الشعب السوري رغم خلفيتها الفكرية، لا يبدو أنها مريحة بالنسبة إلى إيران وحلفائها خصوصاً في العراق، حيث لم يعد لديها مبررات للحشد والتعبئة، والاحتفاظ بالسلاح، وهذا ما زاد من المطالبات الدولية والعراقية المحلية بنزع سلاح الفصائل التي تنشط خارج إطار المؤسسات الرسمية، وبالتالي فإن تجدد الصراعات الطائفية سيحافظ على مبرر الاحتفاظ بالسلاح، واستمرار حالة التعبئة والتحشيد.
استثمار إسرائيلي
لم تعد تخفي إسرائيل رغبتها في تقويض الدولة السورية الناشئة، وترجمت خطابها تجاه الدولة السورية ميدانياً، منذ اليوم التالي لمؤتمر الحوار الوطني السوري الذي انعقد في شباط/ فبراير وكان بمثابة تفويض مدني للإدارة الحالية لاستكمال بناء مؤسسات الدولة، إذ بادر سلاح الجو الإسرائيلي إلى شنّ هجمات واسعة على أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، مع التأكيد على جدية تل أبيب في منع القوات الحكومية من التمركز في الجنوب السوري.
حالة الإرباك التي شكلها التصعيد الإسرائيلي تجاه سوريا فيما يبدو أعطى الفرصة لإيران المتربصة بالساحة السورية، والتي أظهرت تصريحات مسؤوليها بعد سقوط بشار الأسد عدم رغبتها بالاعتراف بخسارة سوريا، ما فتح المجال أمام تدخلات إقليمية أخرى من بوابة الساحل السوري، من خلال الإعلان من قبل وسائل إعلام إيرانية شبه رسمية أولاً عن “المقاومة الإسلامية في سوريا”، ثم ظهور قيادي سابق في صفوف الفرقة الرابعة التابعة للأسد والمقربة من إيران ويدعى غياث دلة على رأس تمرد واسع في الساحل السوري.
استعراض القوة
حراك فلول الأسد في الساحل السوري أتى بعد يومين فقط من الكشف عن إرسال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسالة إلى إيران بخصوص التفاوض على الاتفاق النووي، ما يعني أن طهران تجنح إلى استعراض القوة، وتأكيد عدم فقدانها للقدرة على تحريك الساحة القريبة من إسرائيل.
وفي 8 آذار/ مارس الحالي، أكد خامنئي أن بلاده لن تدخل المفاوضات مع الولايات المتحدة تحت وطأة “البلطجة والضغط”، وبالتالي قد ترغب طهران في تحسين أوراقها التفاوضية قبيل الانخراط في محادثات مع واشنطن.
وقبل يوم واحد من تصريحات خامنئي، أوضح ترامب أن بلاده على وشك اتخاذ “قرار ما” بخصوص إيران، مؤكداً عدم السماح لها بامتلاك سلاح نووي، مشيراً في الوقت نفسه، إلى تفضيله عقد اتفاق سلام على الخيار الآخر.
وربما تشجعت إيران على خطواتها الجديدة في سوريا، في ظل ما تلمسه من رغبة أميركية بفتح باب المفاوضات، وظنها أن هناك هوامش متاحة للتحرك الإقليمي.
المدن
—————————–
رضوان زيادة لـ”المدن”: تمرد الساحل مدعوم إيرانياً
أنيس المهنا
الأحد 2025/03/09
أكد الباحث والكاتب الدكتور رضوان زيادة، لـ”المدن”، أن إيران متهمة بالتحضير لتمرد طويل المدى، من قبل “فلول النظام”، معتبراً أنه يجب على الحكومة الحالية أن تبادر إلى تشكيل لجنة سورية مستقلة لتقصي الحقائق، لترفع هذه اللجنة، تقريرها إلى الرئيس أحمد الشرع.
وأضاف زيادة أن الشرع يجب أن يتخذ الخطوات المناسبة بناءً على توصيات التقرير النهائي من إحالة إلى القضاء للمحاكمة العادلة، أو توقيف عن العمل أو حتى تطبيق العقوبة الأقسى لمن قام بهذه الانتهاكات.
وكان زيادة قد حذر قبل يومين، من أن هناك تنسيقاً غير بريء بين كل الحوادث التي جرت من جرمانا إلى طرطوس.
وشهد الساحل السوري أمس السبت، هدوءاً حذراً بعد الاشتباكات التي بدأت الخميس، بين القوات الحكومية السورية ومجموعات مسلحة من أنصار الرئيس المخلوع بشار الأسد، في مناطق الساحل، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات.
لجنة تقصٍ للحقائق
واعتبر زيادة أن “تشكيل هذه اللجنة مهم جداً لقطع الطريق على التدخلات الدولية وإظهار دور الدولة في حماية مواطنيها بغض النظر عن معتقدهم المذهبي أو الطائفي، فهذه الدولة التي دفعت الثورة السورية دماءً كثيرة من أجل بنائها”.
وأضاف “كنا اعتقدنا أن دورة العنف قد انتهت وأصبحت من الماضي مع زوال الأسد. لكن خاب ظننا”. وأبدى أسفه لكون “فلول الأسد ما زالت تعتقد أن عودة الساعة للوراء هي الأفضل لهم ولسوريا، وهو ما لا يشاركهم به كل السوريين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي أو العرقي.”
وأضاف زيادة “لا يجب التشكيك أبدا بالعائلات التي لجأت إلى مطار حميميم، ففي كل مواطن الصراع المسلح بالعالم يهرب المدنيون بحثاً عن اللجوء الآمن، أو ما يعتقدون أنه آمن ويمتلك حصانة دولية ما. وقال: “لن ننسى سكان جسر الشغور فهم أول من عبر الحدود لجوءاً إلى تركيا هرباً من نظام الأسد في عام 2011، كذلك وجدنا سكان غزة المسلمون يلجأون للكنائس الغربية هرباً من القصف الإسرائيلي”.
البراميل الغبية..الوصفة الأسدية
ويقول زيادة: “لقد خرجت صور وفيديوهات للكثير من المدنيين الأبرياء العزل، للذين قتلوا ميدانياً خارج نطاق القضاء والقانون، وظهرت في فيديوهات آخرى عمليات تعذيب غير مبررة بأي شكل من الأشكال، كما جرى استخدام البراميل المتفجرة الغبية، تلك نفسها التي كان الأسد يسقطها على المدنيين العزل في إدلب، وحمص، ودوما، وحلب، وداريا، ودير الزور، وفيديوهات آخرى لشخص مسلح يقتل مسناً أعزل في منزله، هذه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لا يمكن القبول بها أبداً في سوريا الجديدة التي نحلم بها”، “لكن بنفس الوقت يجب أن لا نتسرع ونطلق الاتهامات”.
وأكد زيادة أن الرئيس الشرع تحدث أمس بنفسه عن هذه الانتهاكات واعتبر أنها تصرفات غير منضبطة وحثّ على حسن التعامل مع الأسرى.
وأضاف أن حماية المدنيين مبدأ رئيسي في القانون الإنساني الدولي وهو مبدأ أساسي فيما يسمى قانون الحرب.
إيران حضّرت تمرداً
وكشف زيادة أن ما سماهم فلول الأسد كانوا يحضرون لتمرد عسكري طويل الأمد، مدعوماً سياسياً وإعلامياً من إيران، بهدف ضرب الاستقرار وإدخال سوريا في فوضى تُفشل المرحلة الانتقالية.
لكن بالمقابل يقول زيادة: “جاء الدعم الشعبي لقوات الأمن رائعاً وعفوياً ةصادقاً وحقيقياً كرسالة واضحة للايرانيين بأن سوريا عادت لأهلها، ولن يسمحوا لنظام البراميل والكيماوي وسجن صيدنايا بالعودة”.
وشدد على ضرورة “إبقاء المسار السياسي قائماً برغم الضغوطات الأمنية، من تشكيل للمجلس التشريعي وإعلان دستوري وتشكيل حكومة جديدة شاملة فيما بعد، فالحلّ الأمني دوماً يجب أن يرفده مسار سياسي يعطيه الشرعية ويدعمه”.
وبنفس الوقت، اعتبر زيادة أنه يجب بناء سيناريوهات أمنية بعيدة المدى إذا ما استمر هذا التمرد لشهور طويلة”، ونصح “السلطات في دمشق ببناء استراتيجيات استخباراتية على طريقة مكافحة الإرهاب”.
وكان زيادة قد حذر قبل يومين على منصة “إكس”، من أن استهداف الأمن العام كرمز للإدارة الجديدة في عدة مدن سورية، بدأ يتصاعد بوتيرة مخيفة، معتبراً أنه “يجب على أجهزة الاستخبارات السورية أن تكشف إذا ما كان هناك تنسيق بين كل هذه الحوادث في مدن حماة وحمص واللاذقية وجرمانا وطرطوس، أم أنها حوادث فردية منفصلة”.
المدن
————————————
دلامة علي عضو منظمة الاستجابة الطارئة:
لحد الآن أكثر من ٣٠٠ شهيد من جهاز الأمن والجيش واطباء وممرضين ومسافرين مدنيين بعمليات غدر من فلول النظام المجرم من يتحمل المسؤولية !!!؟
بإختصار عملت الدولة منذ اليوم الأول لسقوط النظام على العفو العام عن أبناء الطائفة العلوية بالجيش وباقي الطوائف
ثم أجرت تسوية في طرطوس واللاذقية وجبلة لكل العساكر والضباط وأعطتهن أوراق تسوية. ثم أجرت اكثر من ١٥٠ جلسة حوارية مع شيوخ الطائفة العلوية
ثم تم دعوتهن للمؤتمر الوطني للحوار
كل هذا يا أخوة ولم تطلب الدولة من شيوخ الطائفة الا تسليمهن بعض المجرمين الخطيرين جدآ
ولم تستجب شيوخ الطائفة العلوية لهذا الأمر ولا بتسليم مجرم واحد ولا بمساعدة الدولة لضبط الأمن والأمان
لكن
كل الوجهاء أكدوا على أن سوريا موحدة وسنعيش ك علوية مع باقي الطوائف والاديان بكل محبة ومودة
باسل خطيب وجه من اوجه الطائفة تعهد قبل اسبوع بجلسة مع المخفر بمساعدة الدولة لإحلال السلم الأهلي والأمن المجتمعي ويوجد ورقة موقعة منه بخصوص السلم
ماحصل ياكرام قبل ساعة التمرد الغبي هو خروج مظاهرات من آلاف المدنيين بالطائفة لأسباب تافهة لم نكن نعلم خطورة مايفعلونه بإتفاقهم جميعآ متظاهرين وعملاء من خلفهم
ثم ضربوا مركز المحافظة بالرصاص
ثم باسل خطيب كتب بوست حي على الكرامة
ثم كتب شيوخ الطائفة العلوية بيان للاستنفار العام لكل الطائفة
ثم قطع شيوخ الطائفة العلوية تواصلهن معنا
وبدأ التمرد بخروج مئات العناصر من البيوت وليس من الجبال
(قصة الجبال للتشويش على الأمن)
قامت العناصر المتمردة بقتل كل الاخوة الامن المتواجدين بالساحل وعناصر الشرطة بالمخافر وقتل كل حراس المشافي والبنوك وقتلوا جميع العسكر المتواجدين بالساحل بالطرقات
وأسروا أكثر من ٢٠٠ عنصر من قوات الامن وحرس المنشآت وعملوا على تصفيتهم تدريجيآ
كيف ؟؟؟؟
كل العناصر المتمردة خرجت من البيوت بلباس مدني ومعهم سلاح يكفي ١٠٠ سنة قتال وملثمين
يقاتل مساءً بلباس مدني ولثام
وبعد ساعة يمشي بالمدينة ك مدني طبيعي معه ورقة تسوية من الدولة
تم قتل الكثير من الفلول وُجد بحوزتهن ورقة تسوية
تبين لنا فيما بعد أن جميع المتمردين أجروا تسوية للحصول على هذه الورقة لتمكنهم من السفر والتواصل وتأمين السلاح ..
اليوم وصلت مناشدة من بانياس لتجاوز يحصل
ارسلوا الاخوة سيارة امن مباشرة لموقع المحدد
تم قتل الاخوة من خلال كمين للفلول
اغلب الشهداء بسبب كمائن موضوعة يأماكن يجب على الأمن أن يدخل ويحمي المنطقة
البارحة مدني من الطائفة العلوية صعد الى بناء مقابل مشفى اللاذقية وضرب على المشفى وقتل ٣ اخوة من الجيش
وحين هرب مشى بلباس مدني من جانب الاخوة ومعه ورقة تسوية كما جميعهم ولم يستطيعوا القبض عليه
اليوم عدة قتلة في طرطوس وبعد الوصول لمكان اطلاق النار الجميع مدنية
للآن لايوجد اي عنصر فلول تم قتله بلباس عسكري
خطتهن تعتمد على القتال ك مدني بأرضه ..
أما بخصوص التجاوزات التي حصلت فهي بسبب تسونامي من الناس من ادلب وكل سوريا بأكثر من نصف مليون مسلح هجموا على الساحل من عشرين ممر وطريق
بسبب أن أولادهم عادوا بصناديق الى ادلب
كل يوم يرجع لإدلب ٦٠ تابوت من اولادهم الي تم فرزهم لحماية المنشآت بالساحل
وبلحظة كتابة هذا البوست الفلول تقتل اي شخص يحمي منشأة
ولهذه اللحظة شيوخ الطائفة العلوية علموا بخسارة المعركة وبدأوا بالتفاوض مع الدولة
وباسل الخطيب بدأ بالتراجع
وعادوا ليتكلموا بالسلم الاهلي والامن المجتمعي
وسيعودوا بعد شهرين ليقتلوا مننا ٣٠٠ عنصر امن وجيش ويحرقوهم أحياء
بلباس مدني بحت
وسأذكركم بهذا واوجدوا حل معهم ان استطعتوا
لاتقولوا حاوروهم.
حاورنا كل سوريا من بداية التحرير لليوم وركزنا عليهم
لكن تنسيقهم مع نائب ماهر الاسد وحزب اللات وايران ومقداد الولد على اعلى مستوى من اكثر من شهرين
كل حوارهن معنا ك شيوخ كان تضييع للوقت لحين تجهز خطتهن لهذا التمرد الي فشل بعد اطلاقه بثواني
لكن للان هم مجرمين وعميمزقوا النسيج المجتمعي السوري
مقداد يشد حاله شوي مابيترك مرأة الا وبرملها بالساحل بغباءه وجنونه
وشيوخ الطايفة ساكتين..
دلامة عماد علي – Dulama Imad Ali
عضو منظمة الاستجابة الطارئة..
—————————
سوريا… عمل خارجي لا فلول/ طارق الحميد
9 مارس 2025 م
لا يمكن نسب العمليات العسكرية الإجرامية التي تمت بمناطق الساحل السوري الخميس الماضي لفلول نظام الأسد فقط. فمن لم يقاتل حين كان المجرم الأسد في القصر بدمشق فلن يقاتل الآن وبشار في موسكو.
ولا يمكن القول أيضاً إن ما تم هو عملية انفصالية مخطط لها داخلياً، لأنه ليست هناك حاضنة شعبية حقيقية لذلك بمناطق الساحل، بل إن مناطق الساحل، وبما فيها معقل أسرة الأسد، كانت من أوائل من هلل لسقوط النظام.
وعليه، فما نحن بصدده هو عملية خارجية نفذت على يد عصابات موالية لدول وجماعات، مثل «حزب الله». وقبل شهر من الآن رصد استخباراتياً، بحسب ما سمعت من مصادر مطلعة بالمنطقة، اجتماعات تنسيقية للقيام بأعمال تخريبية في سوريا.
وجرت تلك الاجتماعات بدول مجاورة لسوريا، وبتنسيق مع عناصر من فلول النظام، وقيادات دولة إقليمية، وأعضاء من «حزب الله». وما يشير لذلك هي التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، والتي تسببت في تراشق إيراني تركي إعلامي.
حيث قال فيدان إن «طهران دفعت ثمناً باهظاً للحفاظ على نفوذها في العراق وسوريا، وإن التكلفة التي تكبدتها كانت أكبر بكثير مما حققته». مضيفاً أن «سياسة إيران الخارجية المرتبطة بوكلائها في المنطقة تنطوي على مخاطر كبيرة».
داعياً طهران إلى التخلي عن «سياسة الاستحواذ في منطقة الشرق الأوسط». وردت طهران بوصف تصريحات فيدان بالـ«وقحة» واتهام تركيا بالتعامي «عن الأيادي الأميركية والإسرائيلية السرية والخفية في تطورات المنطقة»، قائلة إن كلام فيدان «خطأ كبير».
فهل أخطأ الوزير التركي؟ بالقطع لا. ويقول لي دبلوماسي مرموق بالمنطقة إن تركيا «استشعرت خطورة المخطط الإيراني والإسرائيلي لاستهداف سوريا، ولذلك علقت الجرس من خلال تصريحات الوزير فيدان».
ولذا؛ فإن ما حدث بالساحل السوري هو مخطط خارجي المراد منه هو تحقيق أحد الأهداف التالية. الأول، في حال نجاح الخطة، وعزل الساحل عسكرياً، فإن ذلك يعني نجاح تفكيك سوريا الجديدة، وتحويل الساحل إلى منطقة اشتعال.
والهدف من ذلك هو زعزعة استقرار سوريا الجديدة، واستهدافها، وفرض أمر واقع عبر تشكيل فصيل على غرار «حزب الله»، وهناك حديث يتردد في أوساط ضيقة عن نية تشكيل «حزب الله» علوي في الساحل.
الأمر الثاني، وفي حال فشل الخطة، هو اللجوء إلى حملة «مظلومية» جديدة بحجة الحفاظ على الأقليات بسوريا الجديدة، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل، ومن ثمّ تعطيل عملية رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ حكم المجرم الأسد.
وكلا الأمرين يعني تعطيل مسار سوريا الجديدة، ومن هنا لابد من دعم عربي حقيقي لسوريا اليوم، ولا بد من وعي لدى صناع القرار في دمشق من أجل تفويت هذه الفرصة، وذلك من خلال بسط هيبة الدولة عبر الأنظمة والقوانين، وليس الانتقام والثأر.
ومن أجل فعل كل ذلك فإن سوريا اليوم بحاجة ليس لحكومة كفاءات وحسب، بل لدولة كفاءات في كل القطاعات من أجل إسراع وتيرة الإصلاح، والاستقرار، ودعم عربي، مع حكمة في الصبر من قبل السوريين.
الشرق الأوسط
——————————-
سوريا والتحديات الماثلة/ عبدالله بن بجاد العتيبي
9 مارس 2025 م
كان سقوط نظام الأسد الذي مثّل «الأقليات المتوحشة» والذي حوّل فكرة «البعث العربي» إلى «العائلة»؛ سقوطاً مدوياً بعد نصف قرنٍ من الزمان، كان فيه بالفعل من أسوأ الأنظمة السياسية، وتوالى نشر فضائحه وفظائعه بعد سقوطه، واستبشر المستبشرون، وفرح المستعجلون، وقدّم البعض نقداً واقعياً وتاريخياً وعلمياً للمشهد جديد التشكل.
خروج سوريا من المحور الإيراني نصرٌ دون شكٍ لسوريا وشعبها وللدول العربية القائدة والرائدة، ولكن هذا لا يعني إمكانية الانجرار إلى محورٍ آخر، وهو ما طرحه الناقدون، وكما جرى فيما كان يُعرف بـ«الربيع العربي»، فقد استبشر البعض، وفرح المستعجلون، وقدّمت القلة من الكتّاب نقداً واقعياً وتاريخياً وعلمياً، ثبت لاحقاً أنه نقدٌ محقٌ، وما جرى ويجري في سوريا خلال بضعة أشهرٍ لم يكن عصياً على الفهم ولا مستحيلاً على الوعي.
صراعات الأفكار هي القائد لصراعات السياسة، ودونها لا يتحقق شيءٌ في الواقع، وفي القرن الماضي خير شاهدٍ على أن الاستثمار في الأفكار قد يكون أنجع من الاستثمار في التأثير المباشر، وقبل ذلك ففي التراث الإسلامي كان الصراع طويلاً ومتشعّباً بين آيديولوجيتَيْن: الأولى، آيديولوجيا الدولة وهي «السمع والطاعة»، والثانية آيديولوجيا «الولاء والبراء»، وفي العصر الحديث خلال عام 1917 قامت الثورة البلشفية الشيوعية على أنقاض روسيا، وتمكّنت من تحويل أفكار الفيلسوف كارل ماركس حول «الاشتراكية» إلى واقعٍ بنت عليه أحد أكبر أقطاب القوة في العالم، وهو «الاتحاد السوفياتي» الذي وقف في وجه «النازية» الألمانية التي بُنيت على أفكار الفيلسوف نيتشه بتأويل معين، وكانت «الليبرالية» الرأسمالية الغربية تتكئ في ذلك الصراع على فلاسفة كثر.
لأكثر من قرنٍ من الزمان ظلّت منطقة الشرق الأوسط مرتعاً خصباً للصراعات السياسية المبنية على أفكارٍ مختلفة ومتعددة وربما متناقضة، ومحاولة تحليل المواقف والتوجهات السياسية دون تناول عمقها الفكري هي سياسة لحظية معرّضة دائماً للخطأ، لأنها لا تُحسن الغوص في التاريخ ولا تُتقن التنبّؤ بالمستقبل.
المحاور السياسية المعادية للعرب في المنطقة قد تتبادل الأدوار، فيحل محورٌ مكان محورٍ، ولا تتم الصفقات الكبرى إلا بمثل هذا التبادل للأدوار، ومع توافق دولي بمستوى معين تخرج الصفقة للعلن واقعاً غريباً مستعصياً على التحليل المنطقي والعقلاني والواقعي، ويتم التعامل مع آثار تلك الصفقة دون فهمها.
منذ سقط نظام بشار الأسد عبر اتحاد بعض الفصائل المسلحة ذات الآيديولوجيا المعروفة ظلّت الأسئلة أكثر من الأجوبة، وظل المسؤولون الجدد يحاولون تجنّب الحديث عن مسائل غاية في الحساسية والخطورة مثل «الطائفية»، ومحاولة القول بأنها جزء من طبيعة الشعب السوري هي حكاية للواقع وليست موقفاً سياسياً، ولن تطمئن الطوائف والأقليات إلا عندما يوضح الحكم الجديد في سوريا موقفاً واضحاً عن كيف ستتعامل «الدولة» مع هذه الأقليات؟
يعلمنا التاريخ بأن إهالة التراب على الجمر لا تعني نهايته، والتغافل عن المشكلات المعقّدة لا يعني تلاشيها، والمخاوف التي يغذّيها التاريخ القريب والبعيد لا يمكن أن تختفي بكلام منمّقٍ ووعودٍ جميلة، بل تحتاج إلى صراحة ووضوح تام.
قِيل بعد سقوط نظام الأسد إن سوريا ستقدّم نموذجاً ليس له مثيل في التاريخ، بحيث لا يعقب سقوط النظام أو نجاح الثورة، حسب التعبيرات المُستخدمة، أي مشكلاتٍ أو اضطراباتٍ أو عنفٍ، وجادل كاتب هذه السطور وغيره حينها أن هذا أمرٌ مستحيلٌ، وهو يعاكس منطق التاريخ وطبيعة الدول والشعوب، والتاريخ أقوى من الأماني والعلم أوثق من الآمال.
الأحداث المسلحة على الساحل السوري تُثير قلقاً حقيقياً، لا من حيث فكرة فلول النظام السابق ولا عودته، بل من حيث فكرة الأقليات وطمأنتها، وهذا هو الخطر الحقيقي على واقع سوريا ومستقبلها، فدون إجاباتٍ عميقة ومقنعةٍ ومفصّلة عن موقف الدولة الجديدة من الأقليات، دينياً وطائفياً ومذهبياً وإثنياً، فسيبقى الجمر تحت الرماد.
السياسة السعودية ثابتة في دعمها لاستقرار الدول في المنطقة، وفضلاً عن دعمها التاريخي للشعب السوري وعلاقاتها الوطيدة معه، فإنها وقفت مع سوريا الدولة والشعب منذ سقوط نظام الأسد، وسيكون على النخبة الحاكمة الجديدة في دمشق أن تستفيد من هذا الدعم السياسي الكبير، وأن تتحلّى بالمسؤولية في مواجهات التحديات الداخلية.
أخيراً، فعندما تصبح الدولة دولةً للجميع فإن وجود الميليشيات يفقد معناه، والطائفية فتنةٌ، و«الفتنة نائمةٌ، لعن الله من أيقظها»، كما في الحديث الشريف.
الشرق الأوسط
————————-
فيدان يحذر طهران.. معركة تركيا وإيران في سوريا/ سمير العركي
9/3/2025
“تهدف علاقاتنا الثنائية مع إيران إلى أن تتطور على أساس مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل وحسن الجوار”، هكذا حددت وزارة الخارجية التركية – على موقعها الرسمي- الأهداف المصممة من قبل أنقرة لعلاقتها مع طهران.
هذا الإطار جاء متسقًا مع مبادئ معاهدة الصداقة التي تم توقيعها بين البلدين، في أبريل/نيسان 1926، والتي شملت مبادئ أساسية تحكم العلاقات الثنائية، وهي؛ الصداقة والحياد، والابتعاد عن مسببات الحروب. كما نصت المعاهدة على إمكانية العمل المشترك للقضاء على أي تهديدات انفصالية داخل أراضي البلدين.
وما بين التنافس والتعاون، مضت علاقة الدولتين، عبر عقود من الزمان، كانت تستبطن من طرف خفي سنوات الصراع المرير بين العثمانيين والصفويين، والتي انتهت بتوقيع معاهدة “قصر شيرين” في مايو/ أيار 1639، التي أنهت زهاء قرن ونصفٍ من القتال بين الطرفين، كما رسمت حدود إيران الحالية مع كل من تركيا والعراق.
وقد شهد العقدان الماضيان، اشتداد حدة الصراع الجيو-إستراتيجي، والجيو-سياسي، بين الدولتين، إثر اتساع النفوذ الإيراني في العراق، عقب سقوط نظام صدام حسين والبعث العراقي 2003، ثم تمدد طهران الواسع في سوريا عقب ثورة 2011، إضافة إلى ازدياد الحضور الإيراني المكثف في لبنان، وفي اليمن.
كل هذا كان يمثل خصمًا من الرصيد الجيو-إستراتيجي لتركيا، قبل أن تتبدل الأوضاع مجددًا، مع إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في موازاة تراجع النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله اللبناني.
هذه التطورات قلبت الموازين مجددًا، ومنحت تركيا مزايا إستراتيجية هائلة على حساب إيران، أفضت إلى شعور طهران بالهزيمة أمام أنقرة للمرة الثانية خلال سنوات قليلة، كما سنوضح لاحقًا.
من هنا فإن التوتر الحاصل بين الطرفين خلال الأيام الماضية على إثر تحذيرات أطلقها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لم يكن إلا كاشفًا عن الغضب المكتوم لدى الطرفين.
تحذيرات فيدان
في مقابلة مع قناة الجزيرة، انتقد وزير الخارجية التركي، سياسة إيران الخارجية المرتبطة بأذرعها المسلحة وقال: إنها تنطوي على “مخاطر كبيرة رغم بعض المكاسب التي حققتها”، مؤكدًا أن طهران “تكبدت تكلفة أكبر مقابل الحفاظ عليها”.
وفي رده على سؤال بشأن احتمال دعم إيران قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أو وحدات الحماية الكردية “YPG” ضد تركيا، حذّر فيدان إيران من ذلك، قائلًا: “يجب ألا ترمي الحجارة إذا كنت تعيش في بيت من زجاج”، وأردف: “إذا كنت تسعى إلى إثارة بلد ما من خلال دعم مجموعة معينة هناك، فقد تواجه موقفًا حيث يمكن للبلد المذكور أن يزعجك من خلال دعم مجموعة أخرى في بلدك”.
في أعقاب هذه التحذيرات تبادلت وزارتا الخارجية في البلدين استدعاء السفير التركي في طهران، والقائم بالأعمال الإيراني في أنقرة، للتعبير عن الاستياء المتبادل.
الغضب المكتوم
لا يمكن فصل تحذيرات فيدان، عن الغضب المتراكم لدى تركيا خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب عبث إيران بأمنها القومي، وعدم احترامها معاهدة الصداقة المبرمة بين البلدين.
هذا العبث الإيراني اتخذ عدة تمظهرات، أبرزها السعي لإحداث تغيير ديمغرافي ومذهبي واسع في سوريا، التي تمثل العمق الإستراتيجي لتركيا، وذلك عبر إفراغها من المكون العربي السني، وإحلال المكونين الشيعي والكردي مكانه.
كما تعمدت إيران انتهاك اتفاقية خفض التصعيد الموقعة عام 2017، وذلك بقصف المناطق المشمولة بالحماية عبر التنظيمات المسلحة المرتبطة بها، وبالتناوب مع روسيا وقوات نظام بشار الأسد.
أيضًا اتهمت تركيا إيران بدعم ومساندة حزب العمال الكردستاني “PKK”، ففي مايو/ أيار 2023، كشف وزير الداخلية السابق، سليمان صويلو عن نقل الحزب، معسكره الرئيسي من جبال قنديل في شمال العراق إلى منطقة ماكو في إيران بالقرب من الحدود التركية، وقال: “إنّه بالرغم من نفي إيران وجود المعسكر لكن تركيا تعرف وجوده وما يدور فيه”.
وفي مايو/ أيار من العام 2024، جدد وزير الدفاع، يشار غولر، التبرم قائلًا: إنَّ «نهج الإيرانيين ليس لطيفًا، نتحدَّث إليهم ونقدم معلومات (عن حزب العمال)، فيردون علينا: لا شيء، لا يوجد أحد». وأضاف: «من دون شك، نحن منزعجون».
ومع سقوط نظام بشار الأسد، بدا واضحًا أن تركيا لن تسمح بعدم استقرار الأوضاع في سوريا مرة أخرى، بعد أن باتت على بُعد خطوات من إغلاق ملف تهديد حزب العمال إلى الأبد.
كما أن العبث بالأمن القومي السوري، يتردد صداه على الفور في أنقرة، كما أبانت سنوات الفوضى التي ضربت سوريا لحوالي 13 عامًا.
سوريا.. هل كان ثمة انقلاب؟
لم يمر على تصريحات فيدان سوى أيام قليلة، حتى اندلعت مواجهات عنيفة في منطقة الساحل، إثر هجوم واسع شنته مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق، وتتلقى دعمًا من قوى خارجية، كما صرّح بذلك مصدر مسؤول بالحكومة السورية.
الهجوم استهدف قوى الأمن العام، وخلف عشرات القتلى، كما أدى إلى سيطرة هذه المجموعات على أجزاء واسعة من محافظتي طرطوس واللاذقية.
الهبة الشعبية الواسعة، والتحرك الفعال لقوات الأمن العام ووزارة الدفاع، ساهما في التصدي للهجوم المباغت الذي وصف بأنه كان محاولة انقلاب تم ترتيبها بمساعدة جهات خارجية، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى إيران.
اللافت للنظر هو التحرك التركي السريع لدعم ومساندة القوات السورية في مواجهة تمرد الساحل.
إذ نفذت الطائرات الحربية التركية غارات على مواقع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لمنعها من القيام بأي عمليات متزامنة في ريف حلب الشرقي، وربما في المدينة نفسها.
كما شنت المسيرات التركية غارات على مواقع وحدات الحماية الكردية، في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب. فيما دفع الجيش التركي بتعزيزات كبيرة لتغطية تقدم مقاتلي الجيش السوري باتجاه منطقة الساحل.
التحركات التركية المنسقة والسريعة، أعادت إلى الواجهة تحذيرات فيدان، ونبهت على طبيعة تحركات الدولتين في سوريا.
الصراع التركي الإيراني في سوريا
لا تزال إيران تتجرع تداعيات الهزيمة الجيو-إستراتيجية التي منيت بها في القوقاز، إذ استطاعت القوات الأذرية – بدعم ومساندة تركيا – عام 2020 إلحاق الهزيمة بالقوات الأرمينية، واستعادة السيطرة على إقليم ناغورني قره باغ، ثم بسطت سيطرتها تمامًا عليه عام 2023.
هذا الانتصار منح تركيا ميزات إستراتيجية واسعة في منطقة القوقاز، ومهد لربطها بريًا من جديد بتلك المناطق، إضافة إلى مناطق آسيا الوسطى، خاصة مع استكمال إنشاء ممر زنغزور الإستراتيجي، الذي سيعيد ترتيب الأوضاع جنوب القوقاز، على حساب النفوذ التقليدي الذي كان متوفرًا لإيران، والذي سيتراجع بشدة.
وفي المحطة التالية، تعرضت إيران لخسارة إستراتيجية كبيرة، بسقوط نظام بشار الأسد، لحساب منافستها التقليدية تركيا، التي أعادت تموضعها الإستراتيجي بانتصار الثورة السورية.
فالتعاون بين إيران، منذ انتصار ثورتها عام 1979، وبين نظام البعث السوري، منحها تفوقًا إستراتيجيًا في مواجهة تركيا، إذ حرم الأخيرة من مجالها الحيوي في الشام، والذي تحول لاحقًا إلى مصدر خطر أمني منذ تأسيس حزب العمال الكردستاني برعاية حافظ الأسد.
كما وفّر لإيران ممرًا إلى البحر المتوسط، وأتاح لها تأسيس قواعد متقدمة للدفاع عنها في لبنان بواسطة حزب الله.
لذا لم يكن من المنتظر أن تستسلم إيران لخسارة سوريا، وخروجها منها خالية الوفاض، وهذا ما تدركه تركيا جيدًا وتتحسب له.
وفي هذا السياق المضطرب، يمكن فهم تحذيرات فيدان، وكذلك التحرك السريع والمنظم لقوات الجيش التركي، لدعم نظيره السوري في مواجهة التمرد “الانقلاب” في منطقة الساحل.
فهذا التبدل الحادث في موازين القوة الإقليمية، جاء موازيًا لتعزيز الحضور التركي دوليًا، إذ تتعاظم الحاجة الأوروبية إليها في بناء بنيتها الأمنية الجديدة، وتدور المفاوضات الآن حول كيفية هذه المساهمة وما يمكن أن تمنحه القارة العجوز لأنقرة في المقابل.
إضافة إلى دورها المرتقب في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا.
هذه الأوراق التي تتجمع في يد أنقرة، ستعمل على توظيفها لتعزيز حضورها الإقليمي خاصة في الملف السوري.
على العكس من إيران التي تعيش أيامًا صعبة مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي ألمح مؤخرًا إلى إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل معها، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا العالقة.
هذا التهديد يأتي في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها إيران؛ بسبب العقوبات الأميركية الضاغطة، والمرشحة للتصاعد خلال الفترة المقبلة.
لهذا من الصعوبة بمكان صمود إيران طويلًا في لعبة “عضّ الأصابع” مع تركيا، خاصة في ظل الحاجة إليها لمواجهة تقلبات المرحلة المقبلة.
الأمر الذي قد يدفع طهران إلى القبول بسياسة الأمر الواقع، والاعتراف بالمسار الجديد في سوريا، ومن ثم الكفّ عن أي تدخلات ستضعها مباشرة في مواجهة مع تركيا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث في الشؤون التركية
الجزيرة
———————-
الدولة السورية الجديدة بين نارين: “الفلول” والمتطرفين/ طارق علي و سنا الشامي
مئات القتلى في الساحل السوري ومحاولات احتواء الموقف جارية على قدم وساق
الأحد 9 مارس 2025
دخلت فصائل مسلحة إلى مدينة اللاذقية بعد بدء المواجهات بين الأمن العام وفلول النظام السابق، ووردت تقارير ونداءات عن انتهاكات ضد المدنيين شملت إعدامات وسرقة البيوت ونهب الممتلكات فيما وردت شهادات أخرى من سكان الساحل السوري تؤكد أن بعضهم احترم وراعى حرمات البيوت وطرح بعض الأسئلة وخرج.
القصة التي بدأت بمطاردة عمليات منظمة استهدفت أجهزة الدولة من قبل عصابات تتبع لفلول النظام المخلوع سرعان ما رافقت انتهاكات ضد المدنيين، بخاصة أن نداءات غير نظامية كثيرة وردت للتوجه إلى الساحل السوري. ذلك القتال غير المنظم الذي طغت عليه الحالة “الانتقامية والثأرية” مثلما يصفها سكان الساحل وضع قوى الأمن العام ووزارة الدفاع تحت ضغط كبير لناحية متابعة فلول النظام من جهة، وإيقاف التفلت والانتهاكات الطائفية من جهة أخرى.
ولعل خير ما يستدل به على ذلك المواجهة الأمنية من قبل القوات النظامية عشية أمس السبت مع مجموعات لا تحمل مهام رسمية حاولت الدخول إلى حي “دمسرخو” في اللاذقية.
مصادر أهلية ومنظمات غير حكومية رجحت لـ”اندبندنت عربية” أن يكون رقم الضحايا مضاعفاً عما ذكره المرصد السوري، مبدين في الوقت ذاته استحالة ايجاد إحصاء دقيق في هذه الأحوال في ظل استمرار الأزمة. ووردت بيانات من جهات إقليمية ودولية مستنكرين فيه واقع الحال الذي يصفه البعض بـ”التطهير العرقي” وطاول عائلات وأشخاصاً مسيحيين وسنيين، ولو بأعداد قليلةـ مع التركيز نحو الحاضنة العلوية معزولة السلاح في مناطق لم تشهد هجمات على قوى الأمن الذي يدرك تماماً تلك المعطيات فيعمل وفق توجيهات القيادة على ضبط الفلتان ما أمكن، وهي مهمة تبدو صعبة بسبب نداءات التوجه نحو الساحل وتحديداً جبلة وبانياس واللاذقية وقُراهم التي اجتاحتها أرتال من المسلحين.
محاولة لوقف الانتهاكات ضد المدنيين
يمكن القول إن القصة معقدة للغاية، فقد بدأت بمنطق القانون لإيقاف تعديات فلول نظمت نفسها من جديد لتثير القلائل دون وجود حاضنة شعبية فعلية لها في الساحل، لتتفلت الأمور وسط سقوط ضحايا بالعشرات من الأمن العام، ويهبُّ المقاتلون غير المخولين أو المطلوب منهم مساندة أجهزة الدولة الرسمية، لكن تلك الهبَّة لم تكن ضرورية كما بينت الإدارة السورية عبر حديث مسؤوليها عن توقف مؤقت لعمليات الساحل ريثما يتم إخراج الأشخاص الذين قدموا للمؤازرة ولا يحملون مهام رسمية من الداخلية أو الدفاع.
نداءات للاستغاثة والحماية
يرفع أهل الساحل بما ضجَّت به وسائل التواصل الاجتماعي في كل تحديث نداءاتهم لقوات الأمن العام لحمايتهم، وتجد الإدارة الجديدة نفسها أمام اختبار في الحفاظ على السلم الأهلي بعد وقوع مئات الانتهاكات في الساحل السوري، فيما أن شريحة من أبناء هذه المناطق حاولت أن تخلع عنها التهم المرتبطة بالرئيس الفار، مبينة في غير مكان عن الفرق الشاسع بين الطائفة العلوية والطائفة الأسدية، لكن ذلك لم يمنع قتل مدنيين في بانياس واللاذقية بعدما تدخلت عناصر منفلتة غير منظمة عسكرياً على خط الصراع معيدةً سيرة الدم الأول في الحرب السورية. في حين تبدو طرطوس حتى الآن، وعلى رغم الانتشار المكثف لعناصر الأمن آمنة وسط مخاوف أن تتوسع رقعة عمليات الانتهاكات.
والقصة التي بدأت بمطاردة فلول نظام تحولت الى خلق مظلوميات جديدة ودماء سالت في الشوارع، وأصبح مطلوباً من الإدارة الجديدة موقف حاسم يحمي الأهالي ويؤسس لنواة دولة جامعة.
تحريض غير مسبوق
لا يمكن بأية طريقة قياس حجم التحريض الواقع على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا وضعه في سياقه الطبيعي، ولا إحصاء كمية التنافر التي طفت إلى السطح بين المكونات السورية غداة 14 عاماً من حرب تمرَّس الأسد من خلالها في قتل السوريين وضرب سبل التعايش ما بينهم، وهو ما يدفع ثمنه أبرياء سوريا اليوم.
ومقابل كل ذلك كان لا بد أن يكون من أصوات عاقلة تظهر من الساحل نفسه لتحاول التدخل ولو بأبسط صورة ممكنة، وهو التدخل الذي جاء من قبل المكون السني في جبلة وبانياس في محاولة لحماية من بقي على قيد الحياة في أحياء كاملة وقرى مجاورة، فقاموا بمحاولة تأمين ممرات آمنة واستيعاب العلويين ما أمكن في منازلهم وحمايتهم، لكن ذلك لم يمنع أن أعداداً كبيرةً أخرى باتت ليلتها الماضية في أحراش القرى وبساتينها هرباً من الموت الذي يحمله متطرفون يقتلون دون أن يرفَّ لهم جفن بحسب شهادات ناجين من المقتلة.
شهادات حول الانتهاكات
فؤاد سليماني المتحدر من مدينة بانياس يخبر “اندبندنت عربية” كيف قُتلت عائلة خالته بأفرادها السبعة في رمشة عين وتُركوا في المنزل ممنوع على أحد التوجه بهم إلى المستشفيات وسط حالة غير مفهومة حتى الآن حول السبيل الذي سيدفن به هؤلاء الناس.
ويكمل فؤاد، “منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة وقف الساحل بأكمله خلفها ودعمها وفرح بالتخلص من حكم آل الأسد، وعليه سلم عشرات الآلاف من الجنود السابقين أسلحتهم وأجروا تسويات، الآن عمليات القتل لم تطُل فقط هؤلاء الجنود الذين لم يشاركوا في الأعمال العسكرية الأخيرة، بل قُتلت عائلاتهم، وعائلات أخرى مدنية بالكامل بمن فيها من أطفال وفتيات ونساء، الوضع في الساحل فاق كل التوقعات لما يمكن أن يحصل في حملة أمنية، ولا يزال الناس يعقدون الآمال على الأمن العام في التدخل السريع لحماية ما أمكن ممن تبقى بعد إبادة حي القصور وأحياء أخرى في بانياس”.
هائمين على وجوههم في البساتين والغابات يقطع بعض أهالي قرى اللاذقية وبانياس وجبلة مسافات لا وجهة لهم سوى السير هرباً ممن قتلوا أحباءهم وأهلهم وجيرانهم، ومحاولة لتجنب أن يلتقوا ممن هربوا منهم فيتعرضون للقتل… هذا ما حدث مع إحدى السيدات التي روى المدير العام للمرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن القصة التي شهدها مباشرة من خلال مكالمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقال “الناس منتشرون في البساتين والأراضي هرباً من الفصائل المسلحة التي دهمت بيوتهم وقتلت من قتلت، وأثناء حديثي مع سيدة في مكالمة فيديو شاهدت عملية قتل مباشر في المكان الموجودة هي فيه”.
أنور، الموجود في كندا، لكن عائلته في إحدى قرى اللاذقية هائمة على وجهها في البساتين تحدث لـ”اندبندنت عربية”، فقال “تبعد قرية أختي المتزوجة عن قرية أهلي بضعة كيلومترات، وقد وصلت إليهم الفصائل بداية وأخذت رجال القرية وتركت النساء والأطفال، فاستطاع زوجها الاختباء، لكنهم عادوا اليوم فقتلوا زوجها وأهله وهربت هي مع أولادها الصغار في البساتين ولزمن محدد انقطع الاتصال معها”.
تواصل أنور مع أخته ووالدته السبعينية التي تعرضت منذ أسابيع لطعنات بالسلاح الأبيض أثناء وقوفها أمام أحد مراكز الحوالات المالية لقبض ما أرسله إليها أنور، فنقلت إلى المستشفى، وهي كانت حتى اليوم تتماثل للشفاء، ولكن حتى هذه السبعينية المنكوبة والمكلومة مرات عدة اضطرت وابنتها إلى الهرب كذلك في البساتين ولا يعلم عنهما أنور شيئاً حتى وقت إعداد هذه المادة.
في جبلة هرب الشاب عامر الذي كان معارضاً خلال حكم بشار الأسد وتعرضت عائلته للابتزاز بسبب ذلك، وضيقت السلطات السابقة عليهم ولم يشفع له ذلك، وهو الآن بين نارين أن “ينفد بجلده” أو ينتظر خبراً من أبيه وأمه في المدينة التي دخلها مسلحون وقتلوا كثيراً من أهلها وهم يمشطون البيوت. وعن هذا تقول شقيقته مارينا التي تعيش خارج البلاد، “أريدهم أن يصلوا إلى منزل أهلي لأعرف ماذا سيفعلون؟ هذا الانتظار أضنى روحي”.
وتكررت قصص شبيهة بهذه، وكان هدفها “السرقة والسطو وإهانة الناس وتخريب ممتلكاتهم”، بحسب ما أفاد الأهالي، فقد أجمع عديد منهم على أن طلبهم الأول كان الذهب والأموال، لكن في الوقت نفسه دخل عدد من الأمن العام إلى منازل عدد من أهالي اللاذقية، وخصوصاً الأحياء العلوية بكل احترام بحسب ما ذكر الأهالي. وتقول ميساء، “دخلوا إلى منزلنا، وطرحوا علينا بضعة أسئلة، وأبرزها هل يوجد سلاح؟ وعندما انتبهوا لبكاء ابنتي وخوفها خرجوا كما دخلوا بهدوء”.
بعد انتشار الفيديوهات التي توثق الجرائم والانتهاكات التي حدثت سارع أهل البلد الواحد إلى حماية بعضهم بعضاً، فعمد البعض من أبناء الطائفة السنية إلى فتح بيوتهم ومساجدهم وأحيائهم في بانياس وجبلة للعلويين ونشروا أرقام هواتف وإعلانات عاجلة على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة بهم.
ونشر شاب يقول، “منزلنا في منتصف بانياس القديمة وسوقها التجارية، لم يميزوا بين محال وبيوت أحد، لكن الأمن العام تصدى مع شيوخ بانياس لهم، وهم يعملون على حماية العلويين، حيث تم جمعهم ووضعهم في مدرسة”.
وفي هذا السياق دعت بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس جميع السوريين المدنيين من كل الطوائف للاحتماء بأقرب كنيسة أو دير يجدونه في الساحل السوري.
تضامن شعبي
“لم يقصر شرفاء بانياس، لكن سبق السيف العذل”. يقول أحد الناجين من مجازر بانياس أمس السبت، والذي تمكن من الفرار نحو مساكن المصفاة في المدينة خلال حديثه مع “اندبندنت عربية”، موضحاً أن ما مرَّ على مدينتهم بتمام إكمال السلطة شهرها الثالث في الحكم يندى له الجبين، وفي الوقت الذي لا يحمل فيه قوى الأمن العام ووزارة الداخلية مسؤولية ارتكاب المجازر، لكنه يلومها لأنها الدرع التي يقع على عاتقها حماية كل سوري في منزله. ويضيف، “لم ندرِ كيف وصلت هذه الأرتال من المحافظات الأخرى إلى مدينتنا فجأةً، لكننا اليوم ندرك أننا في مأتم جماعي لم تتعرض له البلاد منذ قرون، نحن لسنا دُعاة ثأر، ولكننا نريد المحاسبة، الآن يجب أن يتطور مفهوم العدالة الانتقالية لأنه لم يعد يخص مظلوميات سابقة، بل تخطاها ليشمل مظلوميات كبرى في عصرٍ حديث، وعلى كل من أطلق رصاصة في سنوات الحرب أو في الأيام الماضية أن ينال عقابه، ولعل هذا يشفي الصدور”.
لا حاضنة للفلول
يبدي علويون تحدث معهم “اندبندنت عربية” في اللاذقية وبانياس وطرطوس وجبلة وقرى متفرقة نقمتهم على أسماء بعينها، ومن بينهم الضابط السابق سهيل الحسن الملقب بالنمر، والعميد بالفرقة الرابعة غياث دلا، وقائد إحدى ميليشيات الأسد مقداد فتحية، وآخرون، في جرِّ الساحل إلى مواجهات لم يكن يريدها أهلها، وهي التي أودت لما آلت إليه الأمور بعدما راح العشرات من عناصر القوى الأمنية الرسمية في مكامن متفرقة.
ذلك الغضب لا يخفيه الناس، ولا يختلف عاقلان عليه، وإن كان الجميع متفقاً على أن رد الفعل كان أقوى من الفعل بعشرات المرات، بخاصة مع مقتل الشيخ شعبان منصور التسعيني مع ولده، والذي يعد من كبائر المراجع المتبقية عند الطائفة العلوية، والذي حورب لسنوات طويلة من قبل نظام الأسد لئلا يكون مرجعاً، إضافة لمقتل عائلات بأكملها كانت معارضة لحكم الأسد، ومنهم من قضى سنوات عمره في سجونه، ليظهر أن الانتقام كان سيد الموقف.
الفرصة للدولة
في الأثناء ظلت مدينة طرطوس آمنة مع انتشار مكثف لعناصر الأمن العام في الطرقات والشوارع على رغم خروج تظاهرة قبل يومين نادت بإسقاط أحمد الشرع، فإن الأمور لم تتطور لصراع مسلح داخل المدينة حتى الآن، وتعمل القيادة في دمشق تعمل على احتواء الموقف وتطويقه من كل الاتجاهات.
وفي هذا السياق يرى الأكاديمي في العلوم العسكرية منصور زيدان أنه لا مطالب بالتقسيم رُفعت أو نُودي بها، مستبعداً أن تكون المنطقة على شفى حرب أهلية لأن موازين القوى من الأساس غير متكافئة، داعياً الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها كاملة بحماية المدنيين من مختلف المكونات والحفاظ على السلم الأهلي والتنبه لقسوة البيان الفرنسي والانتباه إلى أن عائلات لا مقدار لتعدادها لجأت إلى قاعدة حميميم الروسية لتبيت بها محتمية بالروس الذين أكدوا أنهم ليس لديهم ضلوع بما حدث على الأرض أو علم بماهيته. ويختتم كلامه بالقول، “قبل مناشدة المجتمع الدولي للتحرك، هناك فرصة جدية لحكومة دمشق بالتحرك وتدارك الوضع وإرسال الرسائل في مختلف الاتجاهات أنها قادرة على احتواء الموقف المتصاعد، بخاصة مع بوادر حسن النية التي أبدتها بتفرغ قسم من القوى الأمنية لمصادرة المسروقات من سيارات وغيرها، والتي حصلت خلال أعمال الشغب والعنف وإعادتها لأصحابها أصولاً، وبالمنطق نفسه يمكن تجريم مرتكبي الجرائم وتعريتهم لأنهم لا يمثلون الصورة التي يريدها الرئيس الجديد للبلاد، والذي أوضح في خطابه الأخير حول الأحداث ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي”.
لجنة حكومية لرصد الانتهاكات
وأعلن المرصد السوري لحقوق الانسان في حصيلة جديدة أن “745 مدنياً علوياً قتلوا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة” منذ الخميس. وبذلك ترتفع حصيلة أعمال العنف إلى أكثر من 1018 قتيلاً بينهم 273 عنصراً من قوات الأمن ومسلحين موالين للأسد، وفق المصدر نفسه.
وتحدث المرصد عن “عمليات تصفية على أساس طائفي ومناطقي” و”عمليات إعدام ميدانية” ترافقت مع “عمليات نهب للمنازل والممتلكات”.
وأعلنت وزارة الدفاع السورية أنها شكلت لجنة طارئة لرصد المخالفات وإحالة المتجاوزين لتعليمات القيادة خلال العملية العسكرية والأمنية الأخيرة في منطقة الساحل السوري إلى المحكمة العسكرية، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السورية “سانا”.
وأعلنت وزارة الدفاع بالتنسيق مع إدارة الأمن العام إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل السوري، “لضبط المخالفات ومنع التجاوزات وعودة الاستقرار تدريجاً” إلى المنطقة، بحسب المصدر.
وأظهرت صور نشرتها الوكالة الرسمية انتشار قوات الأمن العام في الشوارع والساحات العامة في محافظة طرطوس للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المدنيين.
—————————
تمرد “الفلول” في الساحل السوري… ما دور روسيا وإيران؟/ فراس كرم
09 مارس 2025
أثناء عملية التمشيط وقعت عمليات سلب ونهب
إدلب- تعيش سوريا منذ ليلة الخميس 6 مارس/آذار أحداثا متسارعة وتحديات ومخاطر غير مسبوقة، حيث تعرّض عدد من المراكز الأمنية الحكومية في مناطق الساحل السوري غربي البلاد، لسلسلة من الهجمات المنظمة والكمائن استهدفت دوريات الأمن السوري الجديد، من قبل مسلحين من “فلول النظام” السوري السابق، ما أسفر عن مقتل عشرات من القوات الأمنية والعسكريين.
وتحول المشهد إلى مواجهات عنيفة بعد استقدام الدولة السورية تعزيزات عسكرية ضخمة شملت أربع مناطق ساحلية سورية، هي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس. وأسفرت المواجهات عن وقوع آلاف القتلى من الطرفين وعدد كبير من المدنيين بينهم شخصيات محسوبة ضد نظام الأسد وأقارب لها.
ويعد الساحل السوري والذي يمتد على طول 180 كيلومترا بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، من أهم المناطق الجغرافية والاستراتيجية في سوريا، فضلا عن أنه المعقل الرئيس للطائفة العلوية التي ينتمى لها أيضا رأس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، وقد ساند في قمع ثورة السوريين منذ بداياتها في مطلع العام 2011 بعد تجنيد أعداد كبيرة من أبنائه في ميليشيات، ما أكسبه أيضا عزلا عن الصراع والدمار والعنف الذي طال معظم المدن السورية خلال سنوات الحرب على مدار 14 عاما.
كيف بدأت الأحداث؟
بدأت الأحداث من قرية بيت عانا في ريف محافظة اللاذقية، بعد منع مسلحين مجهولين دوريات تابعة للأمن العام السوري الجديد من القبض على متهمين بجرائم وإطلاق النار على عناصر الأمن ومقتل أحدهم.
وتكتسب القرية أهمية خاصة، إذ تعتبر مسقط رأس اللواء سهيل الحسن، الذي عرف بـ”النمر”، قائد “الفرقة 25” سابقا، الذي كان من أبرز قادة قوات النظام، وتتهمه منظمات حقوقية، بارتكاب سلسلة من المجازر بحق السوريين، وأبرزها مجازر الغوطة الشرقية بريف دمشق وحمص.
مقتل عنصر الأمن السوري عند بوابة قرية بيت عانا بريف اللاذقية بإطلاق نار من مجهولين في القرية، دفع قوات الأمن إلى إرسال تعزيزات عسكرية رافقتها عربات مدرعة وطائرات مروحية، للسيطرة على الوضع، وسرعان ما شنت مجموعات أخرى يعتقد أنها من “فلول النظام” هجمات منتظمة ومنسقة ضد عشرات المواقع الأمنية والعسكرية وأهمها مقر القيادة البحرية في اللاذقية، إضافة إلى السيطرة ومحاصرة عدد من المراكز الطبية في طرطوس وبانياس الساحليتين في وقت واحد.
ومع تفاقم الوضع الميداني وتصاعد التوتر والمواجهات، بين فلول النظام والقوات الأمنية، تعرضت الأخيرة لسلسلة الهجمات والكمائن على الطرق الرئيسة بريف منطقة جبلة القريبة من اللاذقية في توقيت واحد، ما أدى إلى مقتل 13 عنصرا من القوات الأمنية السورية وجرح آخرين، وحرق وتخريب عدد من الآليات.
أمام هذا التصعيد، أصدرت وزارة الدفاع السورية أوامر بالاستنفار الكامل لكافة الوحدات والثكنات العسكرية في إدلب وحلب وحماة وحمص، وإرسال أرتال عسكرية نحو مناطق المواجهات في الساحل السوري، بعضها تعرض لكمائن منظمة من قبل “الفلول”، وأوقع خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الجيش السوري الجديد وأجبر أخرى على التراجع وتغيير مساراتها باتجاه مناطق المواجهات، ما دفع وزارة الدفاع السورية إلى إرسال طائرات “الشاهين” المسيرة لرصد تحركات الفلول، وتسهيل تقدم القوات السورية نحو أهدافها.
احتقان شعبي واستنفار
مع تصاعد التوتر في المناطق الساحلية بين “الفلول” والقوات الحكومية، ووصول عشرات الجثامين لقتلى من القوات الحكومية إلى مناطقهم، تعالت أصوات الموالين الداعمة للحكومة السورية والجيش السوري الجديد، ودعت إلى “حمل السلاح ومؤازرة القوات الحكومية في مواجهتها مع الفلول”. وخرجت مسيرات مؤيدة للجيش السوري في معظم المحافظات السورية، قابلتها مظاهرات حاشدة للعلويين في اللاذقية وطرطوس وجبلة تأييدا للعمليات العسكرية للفلول ضد القوات الحكومية، وسط هتافات طائفية وتحريض على حمل السلاح في وجه الدولة السورية ورفض حكم أحمد الشرع لسوريا، ما دفع بالسلطات الأمنية إلى فرض الحظر.
ومع استمرار هجمات الفلول حتى مساء يوم الخميس، على حواجز القوات الأمنية في داخل اللاذقية وطرطوس ومقتل عناصر في طرطوس، ووصول تعزيزات عسكرية ضخمة للدولة السورية إلى مناطق الاشتباكات، تصاعدت حدة المواجهات يوم الجمعة، وانتهت بالسيطرة الكاملة على مدن اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة، وانتقال المواجهات إلى القرى المحيطة بالمدن.
تسجيلات وفيديوهات
ودارت مواجهات عنيفة فجر الجمعة بين “الفلول” والقوات الحكومية في قرية المختارية ومحيط منطقة القرداحة بريف اللاذقية، قتل خلالها نحو 230 شخصا من الطرفين. وفي الأثناء بثت صفحات موالية لـ”الفلول” على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلات مصورة لقتلى مدنيين، قالت إنها “إعدامات ميدانية نفذتها القوات الحكومية”، فيما نفت الأخيرة تلك الأخبار وألقت بالتهمة على ميليشيات مقداد فتيحة الذي يقود جانبا من المواجهات، لرفضهم الانضمام إلى مجموعاته المناهضة للدولة السورية.
وأثناء عملية تمشيط مدينة جبلة واللاذقية وطرطوس من “الفلول”، وقعت عمليات سلب ونهب للأملاك، قام بها أشخاص مجهولون قالوا إنهم “قوات أمنية حكومية”.
ومن جهتها، لاحقت إدارة الأمن العام، المجهولين وصادرت المسروقات وأعلنت عنها على وسائل التواصل للتعرف عليها من قبل أصحابها واستلامها أصولا.
وقال مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي: “سوف نحاسب كل من يثبت تورطه في الاعتداءات سواء من فلول النظام أو من اللصوص والعابثين بالأمن وسنتخذ كافة الإجراءات القانونية بحقهم”.
لجوء إلى قاعدة حميميم الروسية
تصاعدت حدة المواجهات بين الفلول والقوات الحكومية ما دفع أعدادا كبيرة من المدنيين للجوء إلى القاعدة العسكرية الروسية في حميميم بريف اللاذقية، وزارهم وفد من الحكومة السورية ضم إدارة منطقة جبلة وإدارة الأمن العام لطمأنتهم وإعادتهم لقراهم وتأمينهم من أي أذى.
وكان نشطاء آخرون قد أشاروا إلى احتمال وجود علاقة لضباط روس بالتطورات، خصوصا أن القاعدة تضم ضباطا من الأمن والجيش كانوا في النظام السابق. ونشروا تسجيلات صوتية تظهر دورا لضباط سوريين سابقين لهم علاقة بالقاعدة الروسية.
من يقف وراء “الفلول”؟
الحكومة السورية تؤكد بروز أسماء مرتبطة بالنظام كالعميد غياث دلا، أحد قادة “الفرقة الرابعة” التي كان يقودها اللواء ماهر شقيق بشار الأسد، واللواء إبراهيم حويجة أحد قادة المخابرات الجوية الذي اعتقل خلال العمليات، وياسر الحجل، ومحمد محرز، ومقداد فتيحة، وتصدرهم قيادة العمليات المسلحة المعادية للدولة، والإعلان عن “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، انطلاقا من مناطق الساحل السوري غربي البلاد، وتلقيهم دعما ماليا ولوجستيا من أطراف خارجية مثل إيران، وأخرى محلية.
وعرف عن دلا علاقته من خلال “الفرقة الرابعة” مع إيران و”حزب الله” خلال 14 سنة من الحرب، وكان يقود قوة عسكرية تسمى “قوات الغيث” في “الفرقة الرابعة” وقامت بعمليات عسكرية كثيرة في ريف دمشق باندماج كامل مع “حزب الله”.
وقالت مصادر لـ”المجلة”: “إن كل ما جرى في المنطقة كان محضرا ومخططا له بإحكام، والهدف منه إرباك وعرقلة الحكم السوري الحالي، مع عدم منحه الوقت لتثبيت الحكم، مع النظر إلى أن تعم هذه الحالة من التمرد في الساحل السوري إلى مناطق أخرى في سوريا كالشمال الشرقي السوري الذي تحكمه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والخلاف الإداري والسياسي بين الدروز والدولة السورية في جنوب سوريا”.
وأشارت المصادر إلى أن تقديرات بأن حوالي أربعة آلاف شخص كانوا مجهزين للانخراط في “التمرد مع الفلول”، وأنهم حصلوا على دعم مالي وعسكري.
تمرد متزامن في 4 مناطق سورية
وفقا للمعطيات الميدانية المتوفرة لـ”المجلة” من مصادر مطلعة، أثناء العمليات الهجومية لفلول النظام السابق، التي انطلقت في حوالي الساعة الخامسة من يوم الخميس الماضي، ضد عدد من المواقع الحكومية والسيطرة عليها بما في ذلك المشافي والمراكز الأمنية في كل من اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس والقرداحة والدالية، فإن ثمة تحركا عسكريا شهدته مناطق “سد تشرين” وأرياف الرقة مع وصول تعزيزات عسكرية لها إلى هذه المناطق، وتزامن ذلك مع استهداف مواقع عسكرية وقيادية لـ”قسد” داخل حي الأشرفية في حلب بغارات جوية من طائرات مسيرة تركية، ما يشير، حسب قول مسؤول كبير، إلى تحضير مشابه للمشهد في مناطق الساحل السوري وحالة التمرد ضد الدولة السورية، كما وقعت اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية السورية من جهة وميليشيات تابعة لـ”حزب الله” اللبناني عند الحدود السورية- اللبنانية من جهة القصير غربي حمص.
كما نشر “جيش سوريا الحرة” من مقره في قاعدة التنف الأميركية، قوات عسكرية مدججة بأسلحة ضخمة عند الحدود السورية-العراقية، بعد رصد تحركات عسكرية لميليشيات عراقية بالقرب من الحدود السورية، مما يشير أيضا إلى احتمال اختراق الحدود السورية والتقدم نحو مناطق دير الزور شرقي سوريا.
وتابع المسؤول أن حالة التمرد والتحرك للفلول في مناطق الساحل السوري كان “مخططا ومنسقا لها مع أطراف خارجية وداخلية بهدف السيطرة على أكثر من نصف سوريا وإحداث حالة من الفوضى ستشمل كلا من اللاذقية وطرطوس ودير الزور وحلب وحمص وربما مناطق الجنوب السوري وبخاصة السويداء”.
إشارات خطيرة سبقت “التمرد”
وأكد أكثر من مصدر سياسي وإعلامي قبل فترة قصيرة على تشكيل ميليشيات محلية معادية للدولة السورية في الساحل، وهذا ما أكده مقداد فتيحة الذي يتزعم مجموعات من “الفلول”، إذ ظهر في أكثر من تسجيل مصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحدث عن سعيه تشكيل مجموعات معادية للدولة السورية وملاحقة عناصرها في مناطق العلويين غربي سوريا، وأعقبه الإعلان عن تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا” والذي يتزعمه العميد غياث دلا والمعروف بارتباطه الوثيق مع إيران.
وتزامن ذلك مع أحداث منطقة جرمانا بريف دمشق، عندما حاولت الحكومة السورية فرض السيطرة على المنطقة، الأمر الذي رفضته مجموعات درزية، ووقعت إثر ذلك اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل عدد من العناصر الأمنية السورية، في وقت قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يريد حماية الدروز في جنوب سوريا بما فيها منطقة جرمانا القريبة من العاصمة السورية دمشق.
وقالت مصادر في الجنوب السوري إن أحد أقرباء الزعيم الديني الدرزي حكمت الهجري في السويداء، التي تعتبر مركز الدروز في البلاد، اجتمع بمسؤولين أميركيين في شهر فبراير/شباط الماضي، وعرض خلاله خطة تنفيذ تمرد مسلح على الحكومة السورية الحالية، بمشاركة من “قوات سوريا الديمقراطية” ومجموعات علوية من الساحل السوري، وبدعم إسرائيلي، دون معرفة تفاصيل أخرى دارت خلال الاجتماع.
وخلال صدامات الساحل، أصدر الهجري بيانا دعا فيه إلى وقف العمليات العسكرية في الساحل السوري. وأعلن الهجري رفضه “القتل الممنهج”، وطالب “كل الجهات المختصة بوقف فوري لهذه العمليات العسكرية غير المبررة على المدنيين الأبرياء”. وناشد “الجميع بالاحتكام إلى القانون والأصول الدينية التي تمنع قتل الأبرياء والمدنيين”، مشيرا إلى أن “المذنب يحاسب تحت مظلة القانون والقضاء والعدل، بعيدا عن لغة العنف والانتقام”.
أما في ما يتعلق بالإشارات الدولية والإقليمية، فهناك اشتباك دبلوماسي وإعلامي مؤخرا بين تركيا وإيران إثر تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، عن سعي إيراني لـ”إحداث فوضى” في سوريا، وهو ما عزته صحيفة “آرمان امروز” الإصلاحية إلى خسارة طهران لإحدى ركائزها الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والتوترات بين الجانبين في الجزء الكردي من شمال شرقي سوريا.
وفي المقابل، أكدت السعودية والإمارات والأردن وقطر وجامعة الدول العربية، دعم الدولة السورية في جهودها لفرض الأمن، ودانت أي “تدخل خارجي” في سوريا.
المجلة
————————-
وبدأت الألغام تتفجر/ عالية منصور
الإسراع بالعملية الانتقالية مطلوب للوصول لدولة المواطنة
09 مارس 2025
قبل أسبوع كتبت على صفحات “المجلة” عن حقل الألغام في سوريا. ولم أظن أن هذه الألغام ستبدأ بالانفجار بهذه السرعة. ولكن يبدو أن لأعداء سوريا رأيا آخر وحسابات أخرى.
ثلاثة شهور بالتمام والكمال على سقوط نظام الأسدين بعد 54 عاما من قهر السوريين وتعذيبهم وإفقار سوريا وتدميرها، ثلاثة شهور على هروب بشار الأسد إلى موسكو، وثلاثة شهور على انكسار مشروع إيران الذي عملت عليه طيلة 45 عاما، وواهم من يظن أن إيران ستقبل الهزيمة بروح رياضية.
في السادس من مارس/آذار كان هجوم بقايا نظام الأسد، عمليات مدروسة ومنسقة استهدفت بكمائن قوى الأمن العام للسيطرة على الطرق ومراكز المدن في الساحل السوري، من اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس وصولا إلى القاعدة الروسية في حميميم.
عشرات الشهداء من قوى الأمن، ومئات المحاصرين من قبل عصابات الأسد ومحوره، محاولة تمرد عسكري وبيانات من ضباط في جيش الأسد تهدد وحدة سوريا وأمنها وتجربتها الوليدة. سارعت حاضنة الثورة السورية في كل المدن والقرى لدعم قوى الأمن والدولة، ولرفض الانقلاب أو التمرد على ما أنجزته الثورة السورية.
كان الخيار العسكري هو الخيار الوحيد الممكن، ولكن الجيش السوري الجديد لم يولد كمؤسسة وطنية بعد، فجرت الاستعانة بفصائل اندمجت مؤخرا بوزارة الدفاع، هب الناس وحملوا السلاح، وبدل أن ننقذ الدولة، تورط البعض بجرائم طائفية ضد مدنيين كل تهمتهم انتماؤهم للطائفة العلوية.
جرائم مدانة ومستنكرة، وكما سارعت الحاضنة الثورية لحماية منطق الدولة ضد التمرد، سارعت هذه الحاضنة نفسها لاستنكار ما ارتكب من جرائم وانتهاكات ونهب بحق سوريين.
اليوم بدأت الأمور تعود تحت سيطرة الدولة، ولكن الأمر لم يستتب بعد، وعلى السلطة الموجودة في دمشق قراءة ما حدث بتفاصيله وحيثياته بتأنٍ، ومراجعة الكثير من سياساتها.
يقول الكثيرون إن فترة 3 شهور على وجودهم في السلطة ليست كافية، فنرد: نحن لا نملك ترف الوقت. المتربصون بالتجربة السورية كثر، وأعداء الثورة السورية وأعداء انتصارها في الداخل والخارج كثر.
عمليات من يسمون بـ”الفلول” ضد قوى الأمن لم تتوقف، مئات الشهداء من القوى الأمنية ولكن أيضا هناك مئات الشهداء من المدنيين. وكما هو المطلوب كسر هذا التمرد وأي محاولة للمساس بوحدة سوريا ومحاسبة كل من يقف خلف ذلك، المطلوب أيضا محاسبة كل من تورط في دم المدنيين.
لقد ناضل السوريون على مدى 14 عاما وعانوا ما عانوه من ويلات، قتل نظام الأسد منهم مئات الآلاف، واعتقل وعذب وحاصر مئات الآلاف، وهجر الملايين. لم يستسلم السوريون ولم يتعبوا وهم يطالبون بدولة عادلة يحكمها القانون، دولة تحفظ كرامة مواطنيها وأمنهم. ارتكب بشار الأسد ونظامه جرائم ضد الإنسانية، جرائم ترقى لجريمة حرب إبادة ضد السوريين وشاركته إيران وميليشياتها وروسيا ومرتزقتها في حربه، وكل ما يطلبه السوريون اليوم هو العدالة.
قلنا من اليوم الأول إن العدالة هي ضمانة السلم الأهلي، وكررنا مرارا أن مسار العدالة يجب أن ينطلق كي لا ننزلق نحو الثأر، كل الذرائع لعدم انطلاق مسار العدالة لم تقنع الكثيرين، ومنطق “اذهبوا أنتم الطلقاء” لا يُقال لمن شارك في ذبح مئات آلاف السوريين. واليوم المطلوب العدالة لجميع الضحايا، من سقطوا على يد نظام الأسد ومن معه، ومن سقطوا أيضا بالأمس على يد الفصائل المنضوية تحت وزارة الدفاع، وكل من يثبت تورطه في الدم السوري.
ليس الهدف أن نقول قلنا ولم تسمعوا، اليوم سوريا أمام مفترق خطير، فإن كان لغم الفلول أو تمرد الساحل قد انتهى (وهو لم ينته بعد)، فهناك كثير من الألغام القابلة للانفجار في أي لحظة.
وتفكيك هذه الألغام أول ما يحتاجه هو حماية وحدتنا الداخلية، الخطوة الأولى للوصول لدولة المواطنة التي تحدث عنها الرئيس أحمد الشرع أكثر من مرة، المطلوب الإسراع بالعملية الانتقالية، وتشكيل هيئة تشريعية وحكومة من الخبراء وأصحاب الاختصاص تمثل جميع أطياف الشعب السوري، وبأطياف الشعب السوري لا أقصد المذهبية والعرقية فحسب، بل السياسية أيضا.
المطلوب والواجب هو الاستفادة من خبرات السوريين، والشعب السوري اكتسب الكثير من الخبرات خلال سنوات الثورة. المطلوب بناء مؤسسة جيش وطني تحمي جميع السوريين، وهنا لا بد من الاستفادة من خبرات المنشقين وحتى غير المرتكبين، فالجيش علم ولا يمكن لكل من حمل السلاح أن يدعي أنه يمتلك هذا العلم.
المطلوب الشفافية ومصارحة السوريين بحقيقة ما يحصل، ثلاثة شهور والجميع يطالب بإعلام وطني ذي مصداقية، ولكن حتى اللحظة ما زلنا نبحث عن المعلومة بين حسابات على منصة “إكس” و”تليغرام” ومجموعات “واتساب”، ونحاول التأكد من كل خبر بشتى الوسائل.
منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الأسد والمرشد في طهران يحرض على سوريا والسوريين، وها هو الإعلام الإيراني يتعاطى مع تمرد الساحل بلغة العارف والمتنبئ، فهل تحركت السلطة في دمشق ضد ما يحاك؟ هل تواصلت مع السلطات اللبنانية للمساعدة في ضبط الحدود وعدم السماح لميليشيا “حزب الله” بالتدخل في سوريا؟ هل تقدمت بشكوى إلى جامعة الدول العربية ضد ما يُحاك في العراق وبأيدٍ إيرانية ضد سوريا؟
سوريا اليوم مسؤوليتنا جميعا، ولكن المسؤولية الأولى تقع على عاتق السلطة في دمشق، وعلى السلطة في دمشق أن تسمع وتتواضع، وأن تطلب المساعدة من الأصدقاء إن اقتضى الأمر، فمن يهدد وحدة سوريا وسلمها يهدد المنطقة برمتها.
المجلة
————————-
معركة رقمية خفية.. “عربي بوست” يكشف شبكة حسابات تدعم تدخل إسرائيل في سوريا بحجة الأقليات وتؤجج التوترات الداخلية/ مراد القوتلي
عربي بوست
2025/03/08
شبكة حسابات تروج لمزاعم إسرائيل حول سوريا وتبرر تدخلها بحجة حماية الأقليات، وتؤجج التوترات الداخلية بالمعلومات المضللة – عربي بوست
يكشف تحليل أجراه “عربي بوست” على نحو 20 ألف تغريدة عن حملة منظمة تقودها حسابات على منصة X، بعضها إسرائيلية وأخرى مرتبطة بموالين لنظام بشار الأسد. وتهدف الحملة إلى الترويج للمزاعم الإسرائيلية حول “ضرورة حماية الأقليات” لتبرير تدخل إسرائيل في سوريا، وضخ كميات كبيرة من المعلومات المضللة لإشعال التوترات الداخلية.
يُظهر التحليل معالم هذه الحملة، وأبرز الأطراف المشاركة فيها، والأساليب المستخدمة لتضخيم انتشار بعض التغريدات بشكل مقصود، وكيف يتم التلاعب بالمعلومات بشكل ممنهج، من خلال تضخيم الادعاءات حول وجود توترات بين المكوّن السني والطوائف الأخرى، والترويج لفكرة أن الأقليات بحاجة إلى حماية إسرائيلية.
وتعمل بعض الحسابات على إعادة إنتاج سردية تبرر التدخلات الخارجية أو دعم مشاريع انفصالية، وتتضمن تغريداتها أيضاً إشارات ومزاعم بأن سوريا كانت في وضع أفضل خلال حكم الأسد.
تنقسم الحسابات التي تتبعناها إلى 3 أقسام، والتغريدات التي حللناها هي ليوم 4 مارس/ آذار 2025 فقط:
1- حسابات إسرائيلية: بعضها معروف، وأخرى مجهولة الهوية، وتساهم في نشر محتواها حسابات من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، وحسابات بأسماء عربية، وأخرى موالية لنظام الأسد ومعادية للتغير الذي شهدته سوريا.
2- حسابات موالية لنظام الأسد: بعضها قديم، لكنه أصبح نشطاً بعد سقوط الأسد في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، إضافة إلى مئات الحسابات الأخرى التي أنشئت حديثاً منذ بداية 2025 وحتى يوم 4 مارس/ آذار، وتقوم هذه الحسابات بنشر أخبار مضللة وخاطئة بهدف التأجيج.
3- حسابات مجهولة: تدعم المزاعم الإسرائيلية حول “اضطهاد الأقليات” في سوريا، وضرورة حمايتهم من إسرائيل، وتلعب أيضاً دوراً كبيراً في نشر المعلومات المضللة وتأجيج الداخل السوري، بينما تزعم بعضها أن هويتها عراقية أو كردية.
تعمل هذه الحسابات المجهولة كحلقة وصل، حيث تعيد نشر محتوى حسابات إسرائيلية وأخرى موالية للأسد، مما يسهم في تضخيم تغريدات محددة وتعزيز انتشار الوسوم (الهاشتاغات) بهدف إيصال هذه السرديات إلى نطاق أوسع على منصة X.
ولفهم نوع المحتوى المشترك الذي تروج له الأطراف الثلاثة لشبكة الحسابات التي نتحدث عنها، حللنا من خلال التغريدات الوسوم التي استخدمتها هذه الحسابات في تغريداتها عن سوريا، ونشرت الحسابات وسوماً تدعو إلى تقسيم سوريا، مع تركيز خاص على محافظات الساحل السوري.
كما كررت وضخّمت نشر مزاعم بوجود “إبادة للعلويين”، إلى جانب وسوم مرتبطة بالدروز وإسرائيل، فضلاً عن أخرى تستهدف الإدارة السورية الجديدة عبر نشر أخبار مضللة عنها.
تدخل إسرائيل في سوريا
وسوم استخدمتها شبكة الحسابات التي تتبعناها – عربي بوست
تضخيم نشر تغريدات حسابات محددة على X
لإيضاح كيفية تضخيم تغريدات حسابات معينة وزيادة انتشارها على شبكات التواصل الاجتماعي، أنشأنا تصويراً مرئياً للتغريدات والحسابات الناشرة لها، يُظهر كيف يتم نشر تغريدات حسابات معينة (المُمثَّلة باللون الأخضر في الصورة التالية)، ثم تضخيم محتواها عبر تكثيف إعادة النشر وكتابة التعليقات من قِبَل شبكة واسعة من الحسابات (المُمثَّلة بالنقاط الزهرية)، مما يسهم في تعزيز وصول المحتوى إلى جمهور أوسع.
يكشف التحليل البصري أيضاً عن التداخل الواضح بين شبكات الحسابات الثلاث، حيث تلعب بعض الحسابات دوراً محورياً في نشر المحتوى، وتتلقى تفاعلات مكثفة خلال فترات قصيرة، ما يشير إلى دور الحسابات الوهمية أو الآلية (Bots) في تعزيز انتشار الرسائل المستهدفة.
هذا التضخيم لا يتم بشكل عشوائي دائماً، بل يعتمد على استراتيجية محددة تهدف إلى التلاعب بالنقاش العام، وإيصال رسائل معينة إلى شريحة أوسع من المستخدمين، مما يخلق انطباعاً زائفاً بوجود دعم كبير للأفكار التي تروِّج لها التغريدات.
ومن خلال تحليل الروابط بين الحسابات في هذا التصوير، تبيَّن أن هناك شبكة تعمل على إعادة نشر المحتوى الإسرائيلي والمناصر لنظام الأسد، والذي يتضمن شائعات وأخباراً مضللة تؤجج الشارع السوري.
تصوير مرئي للحسابات التي تُنشئ المحتوى وتضخيم انتشاره من قبل حسابات أخرى تعيد نشر نفس المحتوى بكثرة – عربي بوست
تبنّي محتوى شخصيات إسرائيلية وتضخيم نشره
مع تصاعد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول دعم “الأقليات في سوريا”، كثّفت حسابات إسرائيلية، معروفة ومجهولة، من نشر تغريدات تزعم فيها تعرّض الأقليات في سوريا للاضطهاد، مروّجة لضرورة تدخّل إسرائيل لحمايتها.
من أبرز الحسابات المشاركة في هذه الحملة:
إيدي كوهين: الصحفي الإسرائيلي المعروف.
مئير مصري: المحاضر في الجامعة العبرية.
جلعاد مائير: حساب مجهول يتفاعل مع حسابات أخرى ضمن اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، مثل:
حساب “نصيري إسرائيلي”: يدعم تدخّل إسرائيل في سوريا، ويؤيد فكرة التقسيم، وتأسيس “جيش الدفاع العلوي”، ويروّج لمزاعم اضطهاد الأقليات.
حساب “Abu Baklava أبو بقلاوة”: يزعم أنه من الدروز، ويغرّد باللغتين العبرية والعربية، ويظهر دعمه للدروز في إسرائيل، كما ينشر تهديدات مماثلة لتلك التي أعلنتها إسرائيل حول “المساس بالدروز في سوريا”.
تحظى تغريدات هذه الحسابات، لا سيما حسابَي كوهين ومئير مصري، بتفاعل واسع بهدف تعزيز انتشار محتواها، لكن تحليل انتشار التغريدات يُظهر نمط نشر مثيراً للريبة، يشير إلى أن بعض الحسابات التي ساهمت في تضخيم تغريدات الحسابات الداعمة لإسرائيل، هي إما حسابات آلية (Bots) قادرة على النشر بكثافة في وقت قصير، أو تابعة للجان إلكترونية تعمل على تضخيم المحتوى لتعزيز السردية الإسرائيلية حول سوريا.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض الحسابات التي تروّج للحسابات الإسرائيلية سبق لها أن عبّرت في تغريدات سابقة عن دعمها الصريح لنظام بشار الأسد، وهو ما سنعرض نماذج منه في الفقرات المقبلة.
تضخيم نشر تغريدات إيدي كوهين
في هذه التغريدة، مثلاً، كتب كوهين يوم 4 مارس/ آذار 2025: “القمة العربية، لماذا لا يتحدثون عن المجازر ضدّ العلويين؟ أليسوا عرباً؟ أم أن الدم العلوي أرخص من الدم الفلسطيني؟؟؟”، وبيّن تحليل التغريدات أن حسابات مجهولة، لا يقل عددها عن 30 حساباً، أنشئت منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول 2024، ساهمت بشكل كبير في نشر هذه التغريدة.
ومن خلال مقارنة تاريخ إنشاء الحسابات وحجم نشاطها، يتضح أنها تعمل بأسلوب مشابه للحسابات الآلية، التي تغرق منصة X بعدد كبير من التغريدات المحدّدة عبر إعادة التغريد وكتابة التعليقات، وذلك بهدف زيادة ترويج محتوى معين. فعلى سبيل المثال:
حساب @RuqiyaAlenezi، الذي أُنشئ يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2025، لديه – حتى تاريخ 6 مارس/ آذار 2025 – 5788 تغريدة. ومن خلال مقارنة تاريخ إنشاء الحساب بعدد التغريدات، فإن معدل التغريد اليومي لهذا الحساب يبلغ 217 تغريدة يومياً، وهو ما يُعد نشاطاً مشبوهاً وغير طبيعي.
ووفقاً لفريق الدعاية الحاسوبية في معهد أكسفورد للإنترنت فإن نشر أكثر من 50 منشوراً يومياً يعد سلوكاً مريباً، فيما يعتبر مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية الذي يعمل على كشف شبكات التضليل على منصات التواصل، أن نشر 72 منشوراً يومياً يعد مريباً.
ينطبق الأمر نفسه على حسابات أخرى شاركت تغريدة كوهين التي أشرنا إليها، وتغريداته الأخرى، ومن بينها حساب “Kemet91969” الذي أُنشئ يوم 3 مارس 2025، ولديه 1091 تغريدة، أي أن معدل النشر اليومي للحساب 365 تغريدة.
تدخل إسرائيل في سوريا
تتبعنا أيضاً انتشار تغريدة كوهين بين الحسابات الموالية لنظام الأسد، ووجدنا بأن العديد منها أعادت نشر نفس التغريدة على فيسبوك.
التضليل سوريا إسرائيل
يُعد مئير مصري ثاني أبرز الحسابات الإسرائيلية التي يتم تضخيم محتواها حول سوريا، إذ يركّز على نشر تغريدات تزعم دعم إسرائيل للأقليات، خاصة العلويين والدروز، وتصويرها كحامية لهم. كما تتضمن تغريداته خطاباً طائفياً وتحريضياً، يهدف إلى تأجيج الانقسامات داخل المجتمع السوري.
ينشر مئير أيضاً معلومات مضللة وخاطئة، كزعمه أن الرئيس السوري أحمد الشرع “أمر الإعلام السوري بالكفّ عن استخدام مصطلح عدو إسرائيلي، واستبداله بكلمة إسرائيل”، في حين أن الشرع، وفي خطابه أمام الجامعة العربية يوم 5 مارس/ آذار 2025، قال عن إسرائيل إنها “العدو الذي لا يتوقف عن عدوانه”.
وفي يوم 4 مارس/ آذار 2025، نشر مئير تغريدة كتب فيها: “سوريا: السنة في حماية تركيا، الدروز في حماية إسرائيل، الكرد في حماية أمريكا، المسيحيون في حماية فرنسا، والعلويون، من يحميهم؟”
وسرعان ما انتشرت هذه التغريدة ووصلت إلى 103 آلاف شخص، وشاركها عشرات الحسابات المجهولة، التي يجمعها نمط إعادة نشر المحتوى نفسه، سواء من حسابات إسرائيلية تتحدث عن الأقليات في سوريا، أو حسابات موالية للنظام السابق.
على غرار إيدي كوهين ومئير مصري، ينشط حساب إسرائيلي آخر يحمل اسم “جلعاد مئير”، يركّز على ادعاء “اضطهاد الأقليات في سوريا”، متحدثاً بشكل متكرر عن العلويين والدروز، مع تلميحات مباشرة إلى دور إسرائيل في حمايتهم.
يتم تضخيم تغريدات هذا الحساب عبر حسابات مجهولة، تغرق المحتوى بالتفاعل من خلال إعادة التغريد والتعليقات والإعجابات، مما يرفع من مستوى انتشاره.
ومن خلال تحليل نمط التفاعل، تبيّن أن بعض الحسابات التي تروّج لمحتوى جلعاد مئير تقوم أيضاً بنشر محتوى مماثل من حسابات إسرائيلية أخرى تتحدث عن سوريا، إلى جانب دعمها لمحتوى حسابات موالية للنظام السابق.
شبكة حسابات موالية للأسد
تضم هذه الشبكة حسابات لموالين لنظام بشار الأسد الهارب، وتنقسم هذه الحسابات إلى فئتين:
حسابات قديمة: يعود تاريخ إنشائها إلى سنوات مضت، لكنها لم تكن جميعها نشطة حتى هروب الأسد من سوريا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث كثّف بعضها من نشاطه فجأة بعد ذلك.
حسابات حديثة: أُنشئت مع بداية عام 2025 أو خلال وبعد معركة “ردع العدوان” التي انطلقت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وانتهت بالإطاحة بالنظام.
تركّز هذه الحسابات على نشر أخبار مضللة، وتقديم روايات منحازة حول التطورات في سوريا، حيث تصف جميع العمليات التي ينفذها الأمن العام السوري ضد فلول النظام السابق بأنها عمليات انتقامية ذات طابع طائفي، في محاولة لإثارة التوترات الداخلية.
كذلك، تبدي حسابات لموالين للنظام تأييدها لإسرائيل، وبعضها تعيد نشر تغريدات من حسابات إسرائيلية، وأخرى وجّهت شكراً لإسرائيل بعد تصريحاتها الأخيرة حول الأقليات في سوريا، وهو ما سنعرض نماذج منه.
من بين أبرز الحسابات الموالية للنظام، والتي تمثل جزءاً من شبكة الحسابات التي نتحدث عنها:
Vendetta – ڤينديتا: أُنشئ هذا الحساب عام 2011 كحساب شخصي، وكان يحمل اسم المستخدم (Amado290720). وفي السابق، كان صاحب الحساب ينشر تغريدات عن الرياضة وغيرها، وسبق أن أشار في إحدى تغريداته إلى أنه من منطقة في طرطوس، وتم التأكد من ذلك من خلال تتبّع حسابه على فيسبوك.
ظل معدل النشر في الحساب منخفضاً حتى ديسمبر 2024 تاريخ سقوط الأسد، ومنذ ذلك الحين، غيّر الحساب اسمه إلى “سوريا العلمانية”، وفي بداية مارس/آذار 2025 غير الاسم مرة أخرى إلى “ڤينديتا”.
يؤيد الحساب بشار الأسد ويهاجم الفصائل التي أطاحت به، ويطلب الحساب من إسرائيل التدخل لـ”حماية العلويين” في سوريا، بحسب قوله.
يُظهر تحليلنا لتغريدات هذا الحساب أنه مدعوم بحسابات مجهولة تعيد نشر محتواه على نطاق واسع، وفي فترات زمنية متقاربة جداً، مما يُشير إلى دعم الحساب من قِبَل حسابات آلية أو لجان إلكترونية.
وفي مثال على ذلك، قام حساب @SahmSyria0 يوم 5 مارس/ آذار 2025 بإعادة نشر محتوى حساب Vendetta بأوقات متقاربة جداً، لا يتجاوز الفارق بينها ثوانٍ معدودة.
2- حساب Mohammed Al-Jajeh: اسم المستخدم لهذا الحساب هو (mohammed_jajeh@)، ويصف صاحب الحساب نفسه بأنه “مفكر حر ناشط سياسي واجتماعي مستقل”، يعود تاريخ إنشاء الحساب إلى 2018، وهو من المعادين للمقاومة الفلسطينية، وسبق أن دعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة.
كثّف الحساب من نشره تغريدات مؤيدة للأسد منذ بدء معركة “ردع العدوان” وبعد هروب الأسد، والآن يلعب الحساب دوراً كبيراً في نشر معلومات مضللة وفي ترديد الدعاية الإسرائيلية، وإعادة نشر ما تنشره حسابات إسرائيلية عن سوريا.
من بين ما نشره الحساب، تغريدة تضمنت صورة تحتوي على قرار مزعوم بأن “الرئيس السوري أحمد الشرع” وجّه طلباً إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء جنوب سوريا بعدم الخروج في مظاهرات ضد إسرائيل، لكن البيان غير صحيح. كما زعم أن الحكومة السورية تسببت في الحرائق بجبال الساحل، بينما في الحقيقة كان الدفاع المدني السوري هو من يعمل على إخمادها.
تحليل التفاعل على تغريدات Mohammed Al-Jajeh أظهر أن بعض منشوراته تصل إلى عشرات الآلاف من المستخدمين، بفضل إعادة التغريد المكثفة من قِبَل حسابات موالية للأسد وأخرى من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، التي تضاعف أعداد إعادة التغريد والإعجابات.
تضم شبكة الحسابات الموالية للأسد أيضاً حسابات بأسماء مجهولة، بعضها ربط اسمه بالساحل السوري، وأخرى تتخذ من أسماء الطوائف اسماً لها، وتتشابه في سلوكها من حيث طبيعة المحتوى الذي تنشره، والحسابات التي تعيد نشر محتواها. كما أن بعض هذه الحسابات تم إنشاؤها منذ سنوات، في حين أُنشئت أخرى حديثاً.
تساهم هذه الحسابات في نشر معلومات مضللة، كما يروّج بعضها لمزاعم إسرائيل حول الأقليات في سوريا، وعزم الاحتلال على تقديم الحماية لهم.
حسابات مجهولة لنشر الرواية الإسرائيلية والمعلومات المضللة
تمثل الحسابات المجهولة التي تنتحل هويات مختلفة الطرف الثالث في شبكة الحسابات التي تم تحليلها، حيث تلعب دوراً رئيسياً في إعادة نشر المحتوى الإسرائيلي والترويج للروايات التي تخدم مصالح إسرائيل في سوريا.
يُظهر التحليل أن العديد من هذه الحسابات لا تكتفي بالتفاعل مع حسابات إسرائيلية، بل تساهم أيضاً في تعزيز محتوى الحسابات الموالية للنظام السابق، مما يعزّز نشر الأخبار المضللة والشائعات حول الوضع السوري.
بعض هذه الحسابات تدّعي هويات عراقية أو كردية أو لبنانية أو يمنية، بينما يعود تاريخ إنشائها إلى الفترة بين بداية 2025 وحتى 3 مارس/ آذار 2025، في حين أن بعضها يكرّر الترويج لنفس الحسابات عدة مرات يومياً، مما يعكس وجود تنسيق منظم في عملية تضليل متعمدة.
التدخل الإسرائيلي في سوريا
ومنذ سقوط النظام يوم 8 ديسمبر 2024، رمت إسرائيل بثقلها في التدخل بسوريا، بدءاً من شنها أعنف الضربات على مواقع عسكرية، وتوغلاتها المتكرة بجنوب سوريا، وصولاً إلى تهديد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتحرك عسكري لـ”حماية الدروز” في سوريا.
وترى إسرائيل بأن “سوريا المستقرة، لا يمكن أن تكون إلا فيدرالية وتضم مناطق حكم ذاتي مختلفة”، بحسب ما قاله وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي زعم بأن الإدارة السورية الجديدة “تنتقم من العلويين وتؤذي الأكراد”.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن نية إسرائيل إنفاق مليار دولار، في محاولة لتأليب الدروز في سوريا على الإدارة الجديدة. فيما تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا التي يقطنها الدروز، وقفات رافضة للتدخل الإسرائيلي في سوريا بحجة “حماية الأقليات”، وأبدت شخصيات اعتبارية في المحافظة تأييدها لوحدة الأراضي السورية.
وفي إشارة إلى مزيد من التدخلات الإسرائيلية في سوريا، توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الجمعة 7 مارس 2025، بأن تل أبيب “ستعمل على ضمان أن يكون جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من التهديدات”، وأضاف أن إسرائيل “ستحمي السكان الدروز هناك”، في خطوة تعكس استغلال إسرائيل للورقة الطائفية، وسط رفض سوري واسع لهذه التصريحات.
تعكس تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأن سوريا غضباً من تولي الإدارة الجديدة لزمام الأمور فيها بعد إسقاط نظام الأسد، التي تشير تقارير إعلامية وتصريحات مسؤولين إلى أن إسرائيل لم ترغب يوما في سقوطه و”كانت ترى فيه لاعباً مفيداً”، وفقاً لما أوردته وكالة الأناضول.
ما عزز هذا الاعتقاد بحالة “التعايش والتناغم” بين نظام الأسد وإسرائيل، قيام الأخيرة وفور سقوط النظام، بقصف مئات الأهداف ومخزونات الأسلحة الاستراتيجية التابعة للجيش السوري السابق خشية وصولها لقوات الإدارة الجديدة، كما استغلت إسرائيل الوضع الجديد بعد سقوط نظام الأسد، واحتلت المنطقة السورية العازلة ومنطقة جبل الشيخ، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974.
لمراجعة المقال مع كل الرسومات والجداول من الرابط التالي
————————————–
“خطاب الكراهية”.. الخطر المحدق بالسوريين/ وفاء علوش
2025.03.09
في عصر تزايدت فيه وسائل التواصل وتعددت منصات التعبير، أصبح خطاب الكراهية أكثر انتشارا وتأثيرا من أي وقت مضى، هذا الخطاب الذي يعتمد على التحريض والتمييز وإقصاء الآخر، لا يقتصر تأثيره على الأفراد فحسب، بل يمتد ليهدد تماسك المجتمعات واستقرار الدول، ففي سوريا وغيرها من الدول التي شهدت نزاعات، تفاقم خطاب الكراهية ليصبح عائقا أساسيا أمام المصالحة الوطنية وبناء مستقبل مشترك.
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في انتشار هذا الخطاب بسبب سهولة نشر المحتوى وصعوبة ضبطه، خاصة مع وجود بيئات استقطابية حادة، كما أن بعض الأطراف تستغل هذه المنصات للتأثير على الرأي العام أو حتى للتحريض على العنف، ومع تزايد النداء من أجل تجاوز خطاب الكراهية ودفنه إلى الأبد، يبدو الانتقال من لغة الإقصاء إلى لغة التفاهم صعباً في ظل وجود محرضين وفاعلين لتعزيز ذلك الخطاب.
لا تكمن خطورة خطاب الكراهية فقط في الكلام، بل في قدرته على إثارة العداوات، وتمهيد الطريق للعنف المادي، والتسبب في نزاعات طويلة الأمد بنشر معلومات مضللة لتشويه صورة الآخرين، والدعوة إلى العنف أو التمييز، واستخدام السخرية أو التهكم لتقليل قيمة الآخر.
تبدو أسباب انتشار مثل ذلك الخطاب موجودة في مجتمعاتنا العربية وفي دولنا التي ابتُليت بصراعات وحروب طويلة الأمد كثيرة، ولا شك أن الاستبداد يستخدم مثل تلك الآليات من أجل تفرقة الشرائح الاجتماعية وتفتيت المجتمعات لسهولة السيطرة عليها، ليصبح خطاب الكراهية أداة فعالة لحشد التأييد وإقصاء الخصوم، ويسهم غياب التعليم القائم على قبول الآخر والتنوع في تكريس التعصب، فعندما ينشأ الفرد في بيئة تكرس صورة نمطية عن فئات معينة، فإنه يصبح عرضة لتصديق خطاب الكراهية وترويجه من دون تفكير نقدي.
قد تسهم المنصات الإعلامية غير المسؤولة في نشر الكراهية عبر تحريف الحقائق أو تضخيم الاختلافات، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بيئة خصبة لنشر الكراهية، حيث تتيح للجميع التعبير من دون ضوابط، وتستخدم خوارزميات تعزز المحتوى الأكثر تطرفا لأنه يجذب التفاعل والمشاهدات.
لقد كان خطاب الكراهية وسيلة نظام الأسد الأساسية لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، إذ استفاد من تأجيج الكراهية بين فئات المجتمع لمنع أي تقارب قد يضر بمصالحها، ومع مرور السنوات وفي ظل جو اجتماعي مشحون أصبح خطاب الكراهية وسيلة للتعبير عن الغضب المكبوت، في سوريا مثلا يشعر كثيرون بأن معاناتهم لم يُعترف بها، مما يعزز انعدام الثقة بين المكونات المختلفة.
تشير الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة السورية إلى وجود أيادٍ خفية تحرض على خطاب الكراهية بين السوريين، سواء من الداخل أو الخارج، هذه الجهات قد تكون دولًا، جهات استخباراتية، جماعات سياسية، أو حتى شخصيات نافذة تستفيد من الانقسام والصراع.
تستخدم بعض الدول المتدخلة في الشأن السوري خطاب الكراهية أداة لخلق مزيد من الانقسامات، سواء عبر الإعلام التقليدي أو من خلال حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إضعاف أي فرص للتوافق بين السوريين، وإبقاء البلد في حالة عدم استقرار تخدم مصالح هذه الدول.
هذا ويسعى أعوان النظام السابق إلى تشويه الآخر باستخدام خطاب الكراهية، من خلال جيش إلكتروني من الحسابات المزيفة التي تثير النزعات الطائفية أو المناطقية، بهدف تعزيز الاستقطاب وتأليب الناس ضد بعضهم، ومع سياسية وسائل التواصل الاجتماعي بترويج المحتوى المثير للجدل لجذب التفاعل والمشاهدات، يصبح الخطاب العدائي أكثر انتشارا من الخطاب العقلاني، علاوة على أن بعض أمراء الحرب وتجار الأزمات يريدون استمرار الفوضى، لأن أي استقرار قد يهدد مصالحهم، هؤلاء يروجون للكراهية بين المكونات المختلفة لتبرير استمرار النزاع وإدامة الوضع الحالي.
تتداخل هذه العوامل كلها لتخلق بيئة تجعل خطاب الكراهية ينتشر بسهولة، وتمنع أي محاولة حقيقية للمصالحة أو بناء مستقبل مشترك، ولكن كالعادة نعوّل على الوعي وعدم الانجرار وراء العاطفة التي تغذيها هذه الجهات.
إن خطاب الكراهية يتعارض بشكل مباشر مع المواطنة والعيش المشترك لأنه يهدد أسس التعايش السلمي، ويؤدي إلى تفكك المجتمع بدلاً من توحيده، فهو يقوض مفهوم المواطنة التي تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين، العرق، الطائفة، أو الخلفية السياسية ويعزز الانقسام، ويجعل الأفراد يُعرَّفون على أساس انتماءاتهم الضيقة بدلا من كونهم مواطنين متساوين في الحقوق ويهدد السلم المجتمعي، فالعيش المشترك يتطلب الاحترام والتسامح والتعاون بين مختلف الفئات، لكن خطاب الكراهية يزرع الشكوك والعداوات ويؤدي إلى إقصاء الآخر، ويبرر العنف والتمييز ضد فئات معينة، مما يخلق بيئة متوترة غير مستقرة ويعطل بناء الدولة الحديثة لأنها تحتاج إلى وحدة وطنية، وتصبح مؤسسات الدولة عاجزة عن توحيد المجتمع وبدلاً من التنافس السياسي السليم، يتحول الصراع إلى حروب هوية مبنية على الطائفة أو العرق أو المنطقة.
تؤسس المواطنة على فكرة الحوار والتفاهم لحل الخلافات، بينما يعزز خطاب الكراهية العداء والقطيعة بين المكونات المختلفة، ومحاولة تصدير كل فئة لنفسها على أنها ضحية وتصوير الفئات الأخرى عللى أنها تهديدا وجوديا، يمنع أي محاولة للتقارب ويصبح العنف ضد المختلفين مبررا أو مقبولا.
ومن أجل تجاوز حالة الانقسام الحاصلة يبدو من الضرورة بناء حوار سوري – سوري قادر على تجاوز خطاب الكراهية، ويتطلب ذلك نهجا متكاملًا يجمع بين الاعتراف بالأخطاء، وتعزيز المشتركات، وخلق بيئة آمنة للحوار، مع التنويه أنه من غير الممكن تجاوز خطاب الكراهية من دون الاعتراف بأن هناك جرحا عميقا في المجتمع السوري، إذ يحتاج الجميع إلى مساحة للتعبير عن معاناتهم من دون شيطنة الطرف الآخر، ويجب العمل على حقيقة مشتركة بدلًا من الروايات المتناقضة التي تبرر الكراهية والعنف، وتعزيز فكرة أن الهوية السورية تشمل الجميع، وأن المواطنة فوق الطائفة والعرق والانتماء السياسي ودعم المشاريع الثقافية والفنية التي تعكس التنوع السوري، بدلًا من تكريس الانقسامات.
تبرز هنا مجدداً وليس من باب تكرار المكرر ضرورة البدء بمسار العدالة الانتقالية، إذ لا يمكن تحقيق سلام حقيقي من دون محاسبة عادلة للمتورطين في جرائم الحرب، ولكن بطريقة تعزز المصالحة لا الانتقام ويجب أن يكون هناك مسار للتسامح والتصالح إلى جانب المسار القانوني، حتى لا يتحول الماضي إلى وقود لكراهية مستمرة.
ومما يجب التركيز عليه أنه لا يمكن بناء حوار من دون إعطاء الناس مصالح مشتركة تحفزهم على التعاون بدل الصراع، لذلك من البدهي أن يترافق ذلك مع مشاريع تنموية اقتصادية في المدن والبلدات التي كانت ساحة للانقسام، بحيث يعمل أهلها معًا لإعادة البناء، ومن نافل القول أنه من غير المجدي انتظار الحلول الخارجية لأن الحل الحقيقي لن يأتي من الدول الكبرى أو القوى الإقليمية، بل يجب أن يكون داخليًا، بمبادرات سورية صادقة.
يتطلب القفز فوق خطاب الكراهية إرادة مجتمعية وسياسية حقيقية، واستعدادًا للانفتاح على الآخر، بدلًا من الدوران في دوامة الانتقام، وتعزيز التعليم الواعي والمنفتح وثقافة التفاعل مع الثقافات المختلفة والاندماج ومحاربة التضليل الإعلامي والتلاعب بالمعلومات، بفرض قوانين تمنع التحريض الإعلامي وتعاقب مروجي خطاب الكراهية، مع بناء مساحات حوار مجتمعية تعمل على تقريب وجهات النظر وإيجاد حلول للمشكلات المشتركة، ويجب سن تشريعات صارمة تجرّم خطاب الكراهية من دون أن تتعارض مع حرية التعبير بفرض عقوبات واضحة على الأفراد والجهات التي تروج للكراهية والعنف مراقبة المحتوى الرقمي الذي يبث خطابًا عدائيًا ويتسبب في التحريض.
قد يبدو ما تحدثنا بخصوصه من دفن خطاب الكراهية إلى الأبد طوباوياً أو طموحًا صعب التحقيق، لكن الحد منه وتقليص تأثيره ممكن جدًا إذا تكاتفت الجهود على المستويات الاجتماعية، السياسية، والقانونية، فالتسامح والتعايش لا يعنيان نسيان الماضي، بل التعامل معه بوعي يمنع تكرار الأخطاء.
إن المجتمعات التي نجحت في الخروج من صراعاتها وتقدمت نحو المستقبل لم تفعل ذلك عبر مزيد من الكراهية، بل عبر المصالحة العدالة والحوار، فالسوريون اليوم يقفون أمام اختبارهم الأهم وفي حال وجود إرادة حقيقية لبناء دولة فإن البداية الحقيقية يجب أن تكون بإسكات خطاب الكراهية، وفتح الباب أمام صوت العقل والمستقبل المشترك.
تلفزيون سوريا
——————————–
الفلول في الساحل تتحرك وإيران الخطر الأكبر/ أحمد مظهر سعدو
2025.03.08
لم تكن غير متوقعة تحركات فلول المجرم بشار الأسد في جبلة والساحل السوري، بل لعلها اختارت التوقيت المناسب لها، بتوجيه مباشر من قادتها في طهران، ليتزامن ذلك مع تحركات أخرى في الجنوب، بتوجيهات إسرائيلية، وأخرى في شمال شرقي سورية، بدعم من إيران في السلاح والعتاد.
وإذا كانت إيران واضحة في إعلان عدائها لانتصار ثورة السوريين منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي التي سبق وأن أعلنت أكثر من مرة على لسان قادتها وضباطها في الحرس الثوري الإيراني أنها بصدد دعم ما أسمته بالمقاومة في سوريا، فإنها مازالت تعتمل أحقادها وتحتسي كأس السم بعد هزيمتها المتكررة في سوريا ولبنان، وكنس وجودها بكليته، من مجمل الجغرافيا السورية.
لكن فلول النظام السوري الذين توهموا أن تحركاتهم تلك، ودعم إيران لهم، سوف يعيد لهم حالة خطفهم للوطن السوري التي طالت مايقرب من 54 عامًا قبل أن يفر رئيسهم بشار الأسد إلى موسكو، فإنهم قد تورطوا ووضعوا أنفسهم كفلول لآل الأسد وإجرامه، في مكان ليس المكان الصحيح، وهو المرفوض من العاقلين في الطائفة العلوية بمجموعهم، وهو الذي سيجعل من الدولة الجديدة تعمل على تغيير حالة الهدوء والروية التي طالما تم التعامل بها منذ ثلاثة أشهر مضت، وسوف تتغير الأساليب ويكون هناك خطة أمنية صارمة للمحاسبة، ووأد الفتنة، التي لا يريدها كل السوريين، بكافة طوائفهم وكافة إثنياتهم، وسوف يكون ما بعد 7 آذار / مارس ليس كما قبله.
لكن ما حدث في جبلة وماحولها يعيد طرح المسألة وطنياً عن المطلوب الآن من الإدارة الجديدة ومن ثم ضرورة الإسراع به، وقطع جميع الطرق على العابثين بأمن واستقرار سوريا الجديدة، سواء كانوا من الداخل أو الخارج سواء كانوا إيرانيين أم روسًا أم سواهم.
ولعل إعادة طرح قضية الحلول المطلوبة باتت عاجلة وضرورية، ومنها بالضرورة الإسراع ما أمكن في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وإحقاق متطلباته الوطنية المهمة للجميع، وهي الاشتغال بالحل السياسي، بما يتجاوز الحل الأمني الإسعافي والضروري هو الآخر، ويؤسس لإعادة بناء سوريا الجديدة على أسس وبناءات وطنية ديمقراطية، يشارك بها كل السوريين بلا استثناء، وينتج بالضرورة حكومة انتقالية متعددة الطيف السياسي والأيديولوجي والإثني والطائفي والجندري كذلك، وإرسال الرسائل الضرورية للداخل والخارج من أن العهد الجديد معني تمامًا وموضوعيًا بمشاركة كل أنواع اللون والطيف السياسي وغير السياسي، وهو معني بشكل جدي في قطع الطريق على أي حكومة قادمة ذات لون واحد مهما كان هذا اللون معبرًا عن حجم التمثيل، مهما كان أكثريًا واقع حكومة الآن أو غير ذلك.
كما لابد من إنتاج الاعلان الدستوري السوري المنتظر والمتوافق عليه وطنيًا، والذي يؤسس لإعادة صياغة دستور وطني سوري جديد يعبر عن الجميع، جميع السوريين ويضمن حقوق كل السوريين، ضمن آلية تطبيقية وتنفيذية لاتتيح المجال مطلقًا لأي كان، في عملية إعاقة إنفاذ الدستور الوطني وكل القوانين الوضعية التي تمتلك السيادة، ولاسيادة أبدا لأي كان فوق الدستور أو القانون مهما علا شأنه، ومهما امتلك من شعبية انتخابية أو سوى ذلك، إن سوريا القادمة والجديدة لابد أن تكون قد اتكأت في عملية بنائها الأساسية إلى أرضية وطنية سورية متينة تسمح بتطبيق مبدأ وفكرة العدالة الانتقالية بكل محدداتها، وتعيد إنتاج الواقع السوري وفق متطلبات حيوات الناس ومستقبلهم كل ذلك ضمن حالة قطيعة كلية مع الماضي، الذي استطاع السوريون أن يضعوه على الرف، بعد إنجازهم التاريخي في شهر كانون أول / ديسمبر الفائت.
إن الالتفات إلى الناس كل الناس وتلبية الحاجات الخدمية اليومية، بات ضرورة قوية، ولعل عودة القسم الكبير من الناس السوريين المهجرين قسرًا إلى بلاد الله الواسعة، مرهونة بالضرورة في تأمين الخدمات الضرورية وإنجاز حالة الاستقرار والأمن الذي يتطلبه الوطن السوري بقضه وقضيضه.
الواقع يقول إن إنجاز جميع متطلبات المرحلة الانتقالية يسهم بشكل مباشر، أو غير مباشر، في لجم ووأد جميع تحركات الداخل والخارج، التي لاتريد لسوريا أن تستقر وتحيا على أسس جديدة وحضارية، وهو الذي سوف يحاصر كل الفلول وكل أدواتهم في عقر دارهم، ويمنع التعديات على مصائر السوريين.
من يتابع المجريات يرى أن الإيرانيين وكذلك فلول بشار الأسد سوف لن ولايمكن أن يتوقفوا عن محاولاتهم المستمرة لإقلاق راحة الوضع السوري الجديد، لأن هزيمة إيران في سوريا كانت هزيمة كبرى بكل المقاييس، ولايمكن للإيرانيين أن يبتلعوها بعد أن تم قطع طريق (طهران بغداد دمشق بيروت) ووجدت إيران نفسها كريشة في مهب الريح، إبان طردها من سوريا، لكن مايحاصر وسوف يحاصر كل تحركات إيران وفلول الأسد هو المزيد من الاشتغال في عملية التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا، وإعطاء الحقوق لأصحابها والإسراع في عمليات التنمية على جميع الصعد، وتأمين الخدمات، وإشراك كل الطيف السياسي في مؤسسات ومنعرجات الحكومة القادمة والتهيئة العملية نحو انتخابات ديمقراطية تشرك الجميع، وتتيح للجميع ذاك الدور الوطني الذي يريدونه، من دون أية موانع أو أساليب للقمع أو الكبت لأي أحد.
ويبقى أن الأمل مازال موجودًا في إمكانية تحقيق المبتغى وقطع الطريق نهائيًا على كل فلول بشار الأسد وإيران التي تحميهم، وكذلك التعاطي الممكن مع دور إسرائيل الخطر في تفتيت وتقسيم الواقع الجغرافي السوري، وبالتالي العمل الحثيث نحو إنجاز جدي لبناء الدولة السورية المبتغاة الملتزمة بالقوانين الداخلية والعالمية، والاحتماء بفكرة العدالة والحرية والقانون وسيادته، وإقامة العلاقات الجيدة مع المحيط العربي والإسلامي والدولي لتحقيق بناءات جديدة، لدولة وطنية سورية ديمقراطية، طالما حلم بها كل السوريين عل اختلاف طوائفهم وإثنياتهم وأيديولوجياتهم.
———————-
موقفنا من أحداث الساحل.. نفسيًا/ أحمد عسيلي
تحديث 09 أذار 2025
صحونا صباح الخميس الماضي على خبر غريب، يتحدث عن قصف مدفعي من قبل السلطات السورية لناحية الدالية في ريف جبلة، وبداية حملات من جهات وشخصيات متعددة تتهم القيادة الجديدة بمحاولة ارتكاب مجازر في تلك الناحية، ثم فجأة يبرز تحديدًا اسم قرية صغيرة تتعرض بشكل خاص لقصف مدفعي عنيف، هي بيت عانا (مسقط رأس سهيل الحسن الملقب بالنمر)، ثم نبدأ بمشاهدة أرتال عسكرية تتجه نحو تلك المناطق، ونسمع حملات في عدة صفحات ساحلية تتهم القيادة بمحاولة التهجم على الأهالي وارتكاب المجازر.
حتى قبيل الظهر، لم نكن نعلم سبب هذا التصعيد، كنا ما زلنا تحت وقع صدمة دخول الأمن في حي الدعتور باللاذقية بكل ما رافقه من تداعيات، ودخوله أيضًا جرمانا في ريف دمشق بكل ما تلاها من تصعيد وصل لدرجة دخول نتنياهو على خط هذا الصراع.
كلتا الحالتين كانت رد فعل على اغتيال عناصر أمن، بينما سلوك القصف المدفعي الثقيل على أماكن سكنية من قبل السلطات، يعد سلوكًا هو الأول من نوعه. معلومات إذًا غير واضحة وسلوك غير مفهوم.
ثم فجأة، ودون أي إنذار مسبق، في ساعات بعض الظهر، تغير مجرى الحديث لدى الكثير من صفحات الساحل، وبدأ الكلام عن “انتصارات”، وسيطرة على الحواجز بين جبلة واللاذقية، واغتيال عناصر أمن، ثم تظهر لنا مجموعات مسلحة بلباس عسكري، تتحدث لهجة أهل الساحل المميزة، يبدو أنها تنظم عمليات للسيطرة على مدن الساحل، تخطف عناصر أمن من أماكن متعددة، يسود الصمت أصوات مؤيدي الأسد، ثم قبيل مساء اليوم نفسه، تخرج مظاهرة في طرطوس تأييدًا لجبلة، مرددة شعارات الثورة (يا جبلة احنا معاكي للموت)، ثم أخبار عن خروج قوات الأمن السوري من مدينتي جبلة والقرداحة بعد فقدان السيطرة عليهما، ومحاصرة بعضهم داخل مستشفى “جبلة”.
تبدأ الحالة الأمنية بمدن الساحل بالتدهور، لدرجة هجوم مجموعة مسلحة على سيارات مدنية، واستشهاد سيدة من جزيرة أرواد تعرضت لهجوم بالرصاص على طريق بانياس، من قبل عناصر مسلحين أطلقوا النار على عائلتها لمجرد رؤيتهم سيدة محجبة، ومع انتشار الخبر، تتدهور الحالة النفسية لجميع الناس في الساحل، نتيجة الرض النفسي وعودة ذكريات حكم الأسد الأب وقصة أخيه مع اضطهاد المحجبات.
الرعب بدأ يسيطر على الجميع، وسط مناشدات الناس للسلطة بالتدخل لفرض الأمن، تلغى صلاة التراويح في معظم مساجد الساحل، ويعود الناس وكلهم خوف إلى بيوتهم، في نفس الوقت الذي يستنفر فيه آلاف الشباب ويتطوع للدفاع عن هيبة الدولة، خاصة بعد محاولة بعض تلك المجموعات المسلحة السيطرة على مبنى المحافظة في طرطوس.
في الليل تدخل سيارات عديدة أحياء الطائفة السنية في المدينة وتطلق النار بشكل عشوائي، خاصة في أحياء القصور والملعب والمينا، وتدخل في معارك مسلحة مع قوات الأمن (هناك تسجيلات مصورة لكل هذا، وألقي القبض على بعضهم)، ثم نشاهد تسجيلات لعناصر أمن مختطفين من قبل عصابة ساحلية، هنا ينتاب الجميع انطباع أن قوات الأمن تفقد السيطرة على الوضع في البلاد، وسط دعوات للالتحاق بتلك القوات، وأرتال نجدة تتجه نحو الساحل، لينتاب الجميع خوف على دمشق نفسها، بعد انتشار إشاعة أن كل ما يحدث مجرد خدعة لتترك قوات الأمن أماكنها في العاصمة. ساعات قليلة تمضي، لنرى أناسًا يستهدفون بالنار بيوتًا في شارع الحضارة بحمص (أماكن الوجود العلوي) قيل إنها لفلول النظام، أناس يسحلون جثة في منطقة الصليبة باللاذقية، ثم عشرات الصور لقتلى وشهداء من الطرفين، ووعيد وتهديد من كل طرف بالانتقام من الطرف الآخر.
أعادت قوات الأمن سيطرتها الكاملة مع شروق فجر الجمعة، وقضت على معظم هؤلاء المجرمين، لتدخل الأحياء التي كانوا محصنين فيها مرتكبة العديد من الانتهاكات التي قد يصل بعضها لدرجة الجريمة، وبدأنا نرى صورًا لضحايا مدنيين أستبعد أن يكون لهم دور في تلك الأعمال، وتسجيلات مصورة مؤلمة جدًا قيل إن معظمها كان لأسباب طائفية انتقامية (قتل لأنه علوي)، في نفس الوقت الذي تستمر به مجموعات خارجة عن القانون بالقتل الطائفي (قتل لأنه سني) في بانياس خاصة.
ظروف قاسية يعيشها السوري، ستؤثر حتمًا وبشكل كبير على الحالة النفسية له، سواء من الناحية الوجدانية أو العقلية.
إذا أردنا أن نقدم وصفًا دقيقًا لتلك الحالة، سنصفها بحالتي التشتت والخوف، تشتت نتيجة كثرة المعلومات التي ترده يوميًا وسرعة تطورها، وتعدد مصادرها، فالسوري اليوم ينظر إلى “فيس بوك” والتلفزيون، يتحدث مع عدة أشخاص ومجموعات في الوقت ذاته بواسطة تطبيقات المحادثة.
الحالة أشبه بتلك التي وصفها كولن شيري في “نظرية حفلة الكوكتيل”، فالإنسان في حالة الأصوات المرتفعة والمتعددة، سيحاول التركيز على حديث شخص واحد، لكنه يبقي انتباهه مع المجموع ككل، بدليل التقاطه السمع لو تلفظ أحد اسمه، أو أي معلومة مهمة، حتى لو كان بعيدًا عنه، وهي مهمة مرهقة جدًا للدماغ، وتقلل من تركيزه وقدرته على الاستيعاب (كما أوضح لاحقًا العالم كانمان)، فكثرة الأصوات وتعدد مصادرها ستؤدي إلى التوتر وانخفاض التركيز، ومع زيادة حالات الخوف، ستؤدي إلى انخفاض أكبر في مستوى المحاكمة المنطقية.
“الغريق يتعلق بقشة”، مثل يقرب لنا حالة المحاكمة العقلية في لحظات الخوف، وهو مثل صحيح علميًا بالمناسبة، ففعلًا الغريق يمكن أن يتعلق حتى لو بقشة إذا رآها في عرض البحر، لأنه سيتوقع لحظتها، أنه يمكن لهذه القشة إنقاذه، وهذا عائد لوصول قدرة التفكير في الدماغ لمستواها الأدنى في تلك اللحظات الصعبة.
ولأن السوري في أكثر لحظاته تشتتًا، وأقلها قدرة على رؤية الأمور بمنطقية، يجب أن تكون أحكامنا في حدودها الضيقة، والعودة للتمسك بالمبادئ الأساسية فقط، دون التورط في مواقف قد تحدث ثقوبًا في ضميرنا، والأهم هو انتظار لحظات الهدوء، وعودة الإحساس النسبي بالأمان، حينها فقط يمكن لنا أن نترك تطبيقات التواصل لبعض الوقت كي نخرج من “حفلة الكوكتيل” هذه، وهكذا يخف تشتتنا، ونبدأ التفكير بعقلانية حول تلك الأحداث، ونتخذ الموقف الصحيح بكل هدوء. حينها سيكون فعلًا موقفنا الحقيقي، المتماشي مع شخصيتنا وأفكارنا.
عنب بلدي
—————————
بيان حول الأحداث الأخيرة في الساحل السوري
تشهد مناطق الساحل السوري تصاعداً خطيراً في أعمال العنف والانتهاكات، بدأته فلول النظام التي رفضت إجراء التسوية أو التي غادرت البلاد، حيث تم تسجيل جرائم قتل طالت العديد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى سقوط ضحايا من عناصر قوات الأمن. إن هذه الأحداث المأساوية، التي تأتي في ظل استمرار حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي، تعكس غياب أي استراتيجية حقيقية لحماية أرواح المدنيين، وتؤكد الحاجة الملحة لإيجاد حل شامل ينهي دوامة العنف والانقسام في سوريا.
إن المسار الديمقراطي السوري يدين بشدة جميع أعمال القتل والعنف، سواء التي استهدفت المدنيين أو قوات الأمن، ويؤكد أن استمرار مثل هذه الجرائم يهدد النسيج الاجتماعي، ويُعيد إنتاج العنف والكراهية، بدلًا من وضع أسس لحل سياسي مستدام. إن الدم السوري واحد، وأي محاولة لاستغلال هذه الأحداث في تأجيج الصراعات أو استخدامها كذريعة لمزيد من القمع والتضييق السياسي، ستؤدي إلى نتائج كارثية على مستقبل البلاد.
إن نظام بشار الأسد المجرم لم يكن يوماً ممثلاً لطائفة بعينها، بل استخدم جميع الطوائف والأعراق والفئات الاجتماعية حسب مصالحه، لتثبيت حكمه وضمان بقائه في السلطة. لقد وظّف التناقضات والانقسامات الداخلية، ولجأ إلى سياسات القمع والإرهاب، مستخدماً أبناء جميع المكونات وقوداً لحروبه، بينما كان يسعى فقط إلى تعزيز سلطته المطلقة. إن محاولاته المستمرة لخلق الفتن الطائفية، ولتوظيف طائفة ضد أخرى، وتعميق الانقسامات، لم تكن إلا جزءاً من استراتيجيته للبقاء، دون أي اعتبار لمصير سوريا وشعبها.
لقد أثبتت التجربة أن اللجوء إلى الحلول الأمنية والقمعية لا يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة، كما أن عدم محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات يعزز حالة الفوضى وغياب القانون. إن الطريق الوحيد نحو الاستقرار هو تبني نهج مدني شامل يعالج جذور الأزمة السورية، ويضع حدًا للتوترات والانقسامات التي تهدد مستقبل البلاد.
إننا نؤمن بأن إطلاق حوار وطني شامل هو السبيل الوحيد لوقف النزيف المستمر في سوريا، ووضع حد للعنف الذي يدفع ثمنه جميع السوريين. يجب أن يكون هذا الحوار حقيقياً، لا شكلياً، وأن يضمن مشاركة جميع الأطراف دون إقصاء أو تهميش، بهدف إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة المتساوية، واحترام الحقوق، وسيادة القانون.
إننا في المسار الديمقراطي السوري ندعو كافة القوى السياسية والمجتمعية إلى إدانة جميع أعمال العنف والانتهاكات، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءها والعمل على تعزيز قيم المواطنة، وسيادة القانون، ومواجهة خطاب الكراهية والانقسام والضغط من أجل تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في جرائم القتل والانتهاكات، وفق آليات قانونية شفافة ومستقلة.
إن حماية المدنيين واحترام الحياة الإنسانية هي أولاً وقبل كل شيء مسؤولية الدولة وهي في الوقت نفسه مسؤولية وطنية وأخلاقية لا يمكن التهاون بها. إننا نؤكد أن بناء سوريا الجديدة لا يمكن أن يتم إلا من خلال نهج سياسي ومدني قائم على الحوار، العدالة، والمشاركة المجتمعية والسياسية الفاعلة، وليس عبر العنف أو القمع. إن مستقبل سوريا لا يُبنى بالدم، بل بالتفاهم والتعاون من أجل وطن يتسع للجميع.
المسار الديمقراطي السوري
8 مارس 2025
———————————–
بيان مشترك للبطاركة في سوريا: ضرورة وضع حد للأعمال المروعة
قال بيان مشترك للبطاركة في سوريا إن “البلاد تشهد في الأيام الأخيرة تصاعدا خطيرا في أعمال العنف والتنكيل والقتل، وقد أسفرت عن تعد على المواطنين المدنيين الأبرياء، ومن بينهم نساء وأطفال، إضافةً إلى الاعتداء على البيوت وحرمتها وسرقة الممتلكات، في مشاهد تعكس حجم المعاناة التي يرزح تحتها الشعب السوري”.
وأضاف البيان أن “الكنائس المسيحية، إذ تدين بشدة أي تعدٍّ يمسّ السلم الأهلي، تستنكر وترفض المجازر التي تستهدف المواطنين الأبرياء، وتؤكد على ضرورة وضع حدٍّ لهذه الأعمال المروعة التي تتنافى مع كل القيم الإنسانية والأخلاقية”.
كما تدعو الكنائس إلى “الإسراع في توفير الظروف الملائمة لتحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب السوري، والعمل على تأمين مناخ يسمح بالانتقال إلى دولة تحترم جميع مواطنيها، وتؤسس لمجتمع قائم على المواطنة المتساوية، والشراكة الحقيقية، بعيدًا عن منطق الانتقام والإقصاء. وفي الوقت نفسه، تؤكد على وحدة الأراضي السورية رافضةً أي محاولة لتقسيمها”.
وتناشد الكنائس جميع الجهات المعنية داخل سوريا لتحمل مسؤولياتها في إيقاف دوامة العنف، والسعي نحو حلول سلمية تحفظ كرامة الإنسان وتصون وحدة الوطن.
وتابع البيان: “نصلي من أجل أن يحفظ الله سوريا وأهلها، ومن أجل أن يعم السلام في ربوعها”.
وصدر البيان عن يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وإغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، ويوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك.
——————-
من المستفيد؟/ عصام حوج
تحديث 09 أذار 2025
كي لايلتبس الامر على احد، ما سيأتي من كلام ليس القصد منه تبرئة السلطة، فهي مسؤولة قانونياً وسياسياً عن كل ما يجري على الارض السورية كونها سلطة حاكمة.. ولكن ذلك ينبغي الا يمنع قراءة المشهد من زاوية اوسع، واعصاب باردة، مع تفهّمنا لردود افعال السوريين عموماً وابناء الساحل خصوصاً على ما يجري، من همجية وتوحش تفوق تحمّل الانسان العاقل.
في أي صراع سياسي، وخصوصاً ذلك الذي يتميز باللامعقول والعبثية كما هو الحال لما يجري في الساحل السوري، ينبغي السؤال دائماً عن المستفيد، دون ذلك نُسقِط احد اهم اعمدة التحليل السياسي العقلاني، وبالتالي لن نتمكن من الوصول الى الحقيقة و معرفة المدير الفعلي لعمليات القتل، وتالياً ستضيع دماء الضحايا هدراً في زواريب الزعيق الطائفي المقيت والاتهامات المتبادلة، فالمسألة ليست جنائية بل هي سياسية بامتياز، ولايمكن فهمها جنائياً، والاقتصار على سؤال من القاتل ومن المقتول، ومن الذي بدأ؟ بل لماذا يقتل أو يُقتل، ومن يخدم؟ اي معرفة الوظيفة السياسية للدم المسفوك.
اذا اتفقنا ان وظيفة هذا الدم هو تعميق الفالق الطائفي، كمقدمة للتقسيم فإن السؤال هنا من هو المستفيد الاساسي من الفوضى والتقسيم؟
ان القراءة البائسة التي تقول ان السنة يقتلون العلويين، هو نسخة أخرى عن الخطاب الذي كان يقول ان العلويين يقتلون السنة في عهد السلطة الساقطة، بينما حقيقة الامر ان ثمة سوريين ابرياء يُقتلون، وإن دمائهم توظّف في خدمة مشروع سياسي لايستفيد منه احد من السوريين.
من يجاهر بالدعوة الى تقسيم سوريا هو المستفيد الاساسي، من عرقل الحل السياسي ، من استقوى بالبطش على الشعب السوري منذ 2011، ومن استقوى بالخارج، ومن عرقل الحل السياسي، شركات العلاقات العامة التي تشور على السلطة الجديدة، بتمييع الحوار الوطني وتشكيل الحكومة الانتقالية كلهم في خدمة المستفيد الأساسي.
ولكل أبله يمتعض من هذا الكلام، ويظن اننا نعتمد نظرية المؤامرة في التفسير، نقول: إن ترويج السلطة الساقطة حتى درجة الابتذال لنظرية المؤامرة في التعاطي مع الاحداث بعد 2011 لتبرير قمعها , وتأبيدسلطتها، لاينفي وجود مؤامرات في الصراع السياسي، بل هي احدى أدوات الصراع عندما يعجز طرف ما عن تنفيذ مشروعه السياسي كاملاً، مع الاشارة الى ان فرضية وجود طرف ثالث يؤجج الوضع لاينفي مسؤولية السوريين، وخصوصاً السلطة الحالية وجلادي الاسد، وبالدرجة الاولى شرعنة وجود العناصر غير السورية، بثقافتهم الدخيلة على حياة السوريين كل السوريين والذين كانوا اداة تنفيذ الجرائم المروّعة كما يبدو.
فقط عودوا الى تصريحات الساسة والدبلوماسيين حول حماية الاقليات خلال الفترة السابقة ، وتابعوا تصريحات وحراك هؤلاء خلال الايام القادمة في التعاطي مع ما حدث ستعرفوا من هو المستفيد، ومن يستثمرفي دماء الابرياء، ان النتيجة المباشرة لما حدث هي انها عقّدت أكثر فأكثر مسألة دمج القوى العسكرية، كشرط ضروري لاستعادة دور جهاز الدولة والحفاظ على وحدة البلاد.
السوريين العقلاء عموماً، والاهل الاعزاء المدنيين في الساحل السوري: رغم إن ما حدث يفوق طاقة الانسان السَّوي على التحمّل، تبقى المهمة الاولى السعي الى ايقاف طاحونة الدم، وعدم الانسياق وراء اي معتوه طائفي من هنا او هناك، يظن ان الحياة تبدأ وتنتهي مع السلطة الحالية او الساقطة.. معكم قلوب ملايين السوريين من كل الطوائف والملل والنحل الذين لابد أن يجدوا سبيلاً يكنس كل هذا الحطام من الارض السورية، ويرميه في سلة مهملات التاريخ.
———————–
حوار| فضل عبد الغني: إنكار الانتهاكات قد يؤدي إلى تأجيج الغضب في الساحل
علي م. العجيل
9 مارس 2025
ارتفعت حصيلة القتلى من المدنيين وعناصر الأمن العام إلى 311 قتيلًا، نتيجة العمليات العسكرية ضد فلول النظام السابق في الساحل السوري، في اليوم الثالث من العمليات. وأفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أمس السبت، أن ما أسمتها “عصابات النظام السابق” قتلت 121 عنصرًا من الأمن العام ممن كانوا على الحواجز، إضافةً إلى 26 مدنيًا.
وأضافت أن 164 مدنيًا، بينهم سبعة أطفال و13 امرأة، قتلوا في قرى وبلدات جبلة وبانياس واللاذقية، في أثناء عمليات الحكومة السورية ضد “فلول النظام”، على يد فصائل غير منضبطة. وبحسب الشبكة، من الممكن أن تكون الأرقام قابلة للزيادة في الساعات القادمة.
وخلال حملتها الأمنية ضد من تسميهم الحكومة الجديدة “فلول النظام السابق”، جرت انتهاكات بحق مدنيين، إضافةً إلى عمليات نهب وسرقة لممتلكاتهم.
وتراجعت وتيرة الاشتباكات في الساحل السوري منذ منتصف الليلة الماضية، مع استمرار متقطع في بعض المناطق التي ما زالت تتواجد فيها عناصر من النظام السابق.
وللمزيد من التفاصيل حول هذه الانتهاكات، أجرى “الترا سوريا” حوارًا مع مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
• في ظل انتشار الكثير من الروايات، ما الآليات التي اتبعتموها في التأكد والتوثيق؟
هذا السؤال دائمًا ما نتعرض له وهو سؤال مهم. نعمل منذ 14 عامًا، وكسبنا بعد كل هذه السنوات خبرة كبيرة في هذا الموضوع، إضافةً إلى شبكة واسعة من العلاقات.
ويتم التوثيق عبر عدة مراحل وعدة معايير، وتستجيب شبكتنا بشكل سريع ونملك خبرة في مقاطعة المعلومات وتدقيقها والتأكد منها، وذلك حسب اللهجة والثياب والطبيعة الجغرافية.
وما سرّع من عملية إعداد التقرير في هذه المدة القصيرة هو وجود مقاطع مصوّرة لها، قمنا بالتأكد منها. وهناك انتهاكات لم تصوّر، لكنها وصلتنا عن طريق أهالي الضحايا، وذلك بسبب ثقتهم بشبكتنا.
• هل هذه الحصيلة نهائية؟
الحصيلة التي قمنا بنشرها هي الحد الأدنى فقط، حيث وصلتنا معلومات عن وجود ضحايا بأعداد أكبر بكثير، وننتظر التأكد منها.
فضل عبد الغني
• هل ثمة معلومات حول من قام بهذه الانتهاكات؟
الذي قام بالانتهاكات هم عصابات النظام السابق في الطرف الأول، أما الطرف الثاني فهم فصائل غير منضبطة انضمت إلى قوات الأمن العام، وآخرون قادمون بعد دورات أمنية وغير مدربين، ومدنيون حملوا السلاح وشاركوا في القتال إلى جانب الأمن العام، وهم من ارتكب أغلب هذه الانتهاكات.
وأيضًا هناك انتهاكات ارتكبت على يد قوات الأمن العام لكنها الأقل في الحقيقة، إذ إن قوات الأمن هي الأكثر انضباطًا.
• ما الخطوات القادمة لتفادي هذه الانتهاكات؟
الخطوات التي يجب اتخاذها لتفادي هذه الانتهاكات هو الاعتراف بها وعدم إنكارها والاعتذار للضحايا، فإنكارها من الممكن أن يؤدي إلى تأجيج الغضب ودفع أهالي الضحايا للانضمام إلى فلول الأسد وهذا أمر كارثي. ويجدر القول إن الغالبية العظمى من أهالي الساحل ضد فلول الأسد وهم سعداء بالتخلص من الأسد ونظامه القمعي. ولذلك الاعتذار هو المساعد الأكبر لتجاوز هذا الأمر. كما يجب تعويض الضحايا، وهذا أمر في غاية الأهمية أيضًا.
• ما الاجراءات القانونية التي من الممكن اتخاذها؟
أولًا يجب فتح تحقيق داخلي، والسماح للمؤسسات الداخلية واللجان بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم ومعرفتهم وإحالتهم للقضاء المختص. كما يجب إصدار بيان بإيقاف الأشخاص الذين ثبت تورطهم، عن العمل، خصوصًا الذين قاموا بتصوير مقاطع فيديو تثبت ذلك. وأكرر أن هذا الأمر سيشعر أهالي الضحايا بالطمأنينة نوعًا ما ويعزز ثقتهم بالحكومة الجديدة.
• هل تم تدارك الأمر؟
نعم، لقد وردنا أن القوات الحكومية أرسلت أرتالًا لضبط الانتهاكات والاعتداءات في الساحل السوري. وأعلنت وزارة الدفاع، بالتنسيق مع إدارة الأمن العام، عن إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل، وذلك لضبط المخالفات ومنع التجاوزات وعودة الاستقرار تدريجيًا إلى المنطقة. وهذا مؤشر جيد.
• ختامًا، تعرضت الشبكة للكثير من الانتقادات، ما ردكم على ذلك؟
لقد عملنا لمدة 14 عامًا وفي ظل نظام قمعي، ولم نميز يومًا بين الضحايا. واستغرب الذي يركز على الجانب الثاني من الاحصائية وينسى الاحصائية الأولى التي قام بها عصابات النظام، فالهجوم الأول هو جذر المشكلة وهو السبب الرئيسي لكل ما حصل.
الترا سوريا
—————————–
ملاحطات
Nabil El Halabi
🔷 سأحاول أن أوجز قدر الإمكان -حقوقياً- ما جرى في قرى الساحل مع التحليل السياسي والعسكري للاحداث التي يفرضها أي تقرير حقوقي مهني.
الانتهاكات التي حدثت اثناء #العملية_العسكرية_في_قرى_الساحل، تتلخص بحسب المشاهد المصورة، بإقدام بعض المقاتلين الذين تنادوا لمساعدة القوات الحكومية ضد #فلول_النظام_السابق وأعوانهم على قتل المسلحين بعد القاء القبض عليهم أو ضربهم واهانتهم في احوال كثيرة، وهذا ثابت في الفيديوهات التي سرّبها المرتكبون انفسهم، والتي لا تخلو من الشتائم التي لا يستخدمها عناصر القوات الحكومية الجديدة بحكم التزامهم الديني،إضافةً إلى اختلاف الزيّ العسكري ايضاً.
أية انباء عن تصفية عوائل مدنية علوية عمداً على يد القوات الحكومية او فصائل او مقاتلين مناصرين لها، هي مجرد مداولات متواترة على مواقع التواصل الإجتماعي، ولا تقترن او تستند على أي دليل حتى الساعة (مثل صور متتالية للجريمة، فيديوهات، اعترافات من المقاتلين انفسهم)…
علماً أنّ هناك منشورات كتبها ناشطون علويون من اهل المنطقة اتهموا من خلالها الفلول بقتل المدنيين بهدف اتهام الادارة السورية بجرائم تطهير طائفية من اجل المطالبة بالانفصال، وهذا الامر يجب أن يتابع ويحقق مع صاحب المنشور نفسه لمعرفة الحقيقة والتثبت منها.
ملاحظة أولى إضافية : معظم الفلول واعوانهم الذين كمنوا لعناصر الامن العام لا يرتدون الزيّ العسكري، وأبرزت المشاهد المصورة تترسهم داخل أبنية وشقق سكنية وهم يطلقون النار على السيارات والآليات التي تعبر الطرقات الرئيسية، وهذه جريمة حرب موصوفة لانها تعرض السكان المدنيين لخطر الموت.
كذلك شهدت عملية التمشيط العسكرية وجود قادة من كبار المسؤولين الامنيين المطلوبين من النظام السابق، مثل #إبراهيم_حويجة، يختبئ ضمن حاضنة شعبية مسلحة، وهذه مسألة بغاية الخطورة، فبعد ثلاثة اشهر على سقوط النظام وفرار بشار الاسد لا زال المجرمون من كبار رموز الحقبة الاسدية يحظون بالحماية في قرى الساحل، ويمتنع العديد من سكان هذه البلدات عن تسليمهم، والباقي لا يتعاون خوفاً او قناعةً.
لفتني ايضاً في أحد الفيديوهات مشهد لامرأة من قرى الساحل تنتحب رجلاً مقتولاً وتقول له :« شغلة ما انتوا قدها يا ابني شو بدكن فيها ؟؟؟!! »
مما يؤكد أن ابنها كان من ضمن مقاتلي الفلول.
ملاحظة ثانية: على اثر الانقلاب العسكري الذي قاده فلول مسلخ صيدنايا وحراس المكابس والمقابر الجماعية بدعم إيراني واضح (بحسب تصريحات المسؤولين الايرانيين التي سبقت الاحداث والتي واكبتها لاحقاً)، وقتلهم لعناصر من الامن العام السوري، والتمثيل بجثثهم(وهذه عاداتهم في تعذيب وقتل البشر)، نجح هؤلاء في السيطرة على معظم مناطق الساحل، وتحركت خلايا نائمة في العاصمة وجوارها في الوقت نفسه… بطبيعة الحال أن ينهض معظم الشعب السوري الذي فقد مليونين من ابناء البلد ولا زال يبحث عمن فقده في المقابر الجماعية حتى الساعة، ويتداعى للدفاع عن دولته ومنع عودة القتلة إلى الحكم بأي حال من الأحوال، وصور الحشود البشرية التي هبت للدفاع عن الدولة شاهدها كل العالم وباتت حديث الإعلام العالمي.
لقد شعر هؤلاء للحظة أنّ القوات الحكومية قد لا تستطيع تغطية كل الجبهات إذا ما فتحت بتدبير منظّم.
من هؤلاء الذين تداعوا لقتال الفلول وزحفوا من كل المناطق التي شهدت مجازراً جماعية، ودماراً شاملاً في الممتلكات السكنية؟
هؤلاء هم أولياء الدم الذين حالت الادارة السورية الجديدة بينهم وبين الثأر من القتلة.
هؤلاء الذين كانوا ينتقدون التسويات التي قامت بها الادارة الجديدة.
هؤلاء الذين عارضوا العفو العام عن صغار المرتكبين عقب سقوط نظام بشار الاسد.
ماذا كنتم تنتظرون منهم، بعد ان وجدوا في حوزة الكثير من مقاتلي الفلول وأعوانهم اوراق تسوية وضع صادرة عن الاجهزة الأمنية في الادارة السورية الجديدة؟!
طبعاً هذا ليس تبريراً لقتل الأسير او تعذيبه، إنما هذا توصيف لما حدث وملائمته مع الظروف المحيطة، ومع الاحداث السابقة، وعندما اتحدث عن الظروف، يجب ألا يغفل عنا اننا لا زلنا في مرحلة انتقالية هشّة، بحيث لو كانت هناك دولة مكتملة المؤسسات ومستقرة، لما حدث كل ذلك.
الملاحظة الثالثة والأخيرة: يقع بعض الناشطين السوريين بمتلازمة الحيادية المصطنعة، وهي تتلخص بأن يقوم الناشط أو الناشطة باتهام احد اطراف النزاع الذي كان يدافع عنه قبل سقوط نظام الاسد، ليقال عن كلامه او سردته اليوم انها موضوعية وحيادية، حتى لو لم تستند علمياً على اية ادلة. وهي شبيهة إلى حد ما بمتلازمة المعارض الدائم، الذي يعارض الحكم السابق، وعندما يسقط النظام كما كان يتمنى ويرغب، ينتقل لمعارضة النظام الجديد (وهذا من حقه) لكنه يسعى عمداً لاصطياد بعض التجاوزات ويتمادى بتشبيهها بالانتهاكات الجسيمة المروعة والممنهجة التي ارتكبها النظام السابق..!
ما تحدث به رئيس الجمهورية السورية السيد احمد الشرع مساء امس، لخّص الكثير مما جرى عند سقوط النظام من عفوٍ وتسويات متسرعة قامت بها الادارة السورية لطمأنة المجتمعات الحاضنة. كما أشار الى الانتهاكات التي لحقت بالأسرى وطالب المقاتلين الالتزام بأوامر القيادة العسكرية الرسمية.
المطلوب اليوم تشكيل هيئات مجتمعية في كل حيّ او منطقة تتضمن حقوقيين سوريين، لتكون لجان للحقيقة وللمحاسبة. لا يجوز التأخر في إطلاق #العدالة_الانتقالية وترك الأمور كما كانت.
المطلوب ايضاً من سكان ريف الساحل التعاون مع الدولة وتسليم المرتكبين لينالوا محاكمة عادلة على ما فعلوا، لان عدم تسليمهم سيولد اعمالاً ثأرية ضد المطلوبين وضد من يحميهم.
التأخر في محاسبة المجرمين سيولد اعمالاً ثأرية من أولياء الدم. كما سيعرّض امن البلاد الى خطر اعادة تموضع مجرمي النظام السابق من جديد، والمستثمرين في هذا الامر جهات كثيرة ودول..!
———————-
==========================