وثائق سويسرية: “كريدي سويس” أدار ثروات النخبة العربية عشية الربيع العربي
OCCRP – مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه
اجتذب الربيع العربي تمحيصًا هائلاً للثروة التي خبأتها النخب العربية في الخارج. يكشف تسريب البيانات البنكية هذا كيف قامت شخصيات مرتبطة بالأنظمة في مصر وليبيا وسوريا والأردن وأماكن أخرى بوضع مئات الملايين في بنك “كريدي سويس” قبل الانتفاضة وبعدها.
كان من بين عملاء بنك “كريدي سويس” رؤساء دول، وعائلات ملكية، ووسطاء، ورؤساء أجهزة تجسس، ورجال أعمال مرتبطون بالحكومة من جميع أنحاء العالم العربي. كان لأبناء الرئيس المصري حسني مبارك ستة حسابات في “كريدي سويس” بينهم حساب وصل رصيده الأقصى إلى 277 مليون فرنك سويسري. احتفظت شبكة من أصهار مبارك وشركاء الأعمال بحسابات قبل الربيع العربي وبعده، بأصول تصل قيمتها إلى عشرات الملايين من الفرنكات السويسرية.
إعداد منظمة تعقب الفساد المنظم والجريمة العابرة للحدود OCCRP وشريكها “زود دويتشه تسايتونغ” SZ
في السنوات التي سبقت الربيع العربي الذي أطاح بنظام والدهما في مصر، كان جمال وعلاء مبارك يزدهران. كان الاقتصاد المتحرر في عهد الرئيس حسني مبارك مزدهراً، وكانت للأخوين صلات للاستفادة من السلطة.
تم التخطيط لخفض الدعم، وتمت خصخصة الشركات الحكومية وبيعت الأراضي المملوكة للحكومة بأسعار زهيدة. جمع الأخوان ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من الفيلات والسيارات الفاخرة إلى حصص في كبرى الشركات المصرية، ثروة لافتة في بلد يعيش فيه ربع الناس على أقل من 3.20 دولار في اليوم.
وازدهر أقاربهم وشركاؤهم التجاريون أيضاً. صفقات سرية مبطنة للشركات التي يملكها أصهار مبارك وحلفاؤه. ولم يكن الأمر ليتحسن لولا أن جمال، الذي قاد الإصلاحات الاقتصادية، يميل على نطاق واسع لخلافة والده في الرئاسة.
انهار كل ذلك عام 2011، عندما تظاهر الملايين في جميع أنحاء العالم العربي، مطالبين بالمساءلة عن الطبقة الحاكمة التي اكتنزت الثروة وأرسلتها إلى الخارج لعقود. كان مبارك استقال في شباط/ فبراير الماضي وجمدت السلطات السويسرية في غضون نصف ساعة ملايين الدولارات من الأصول المرتبطة به وبحكومة بلاده. وتم تجميد أصول من اليمن وسوريا وليبيا بعد ذلك. ولكن تفاصيل ما هي الأصول التي كانت تحتفظ بها ظلت غامضة إلى حد ما.
والآن، تعطي البيانات المسربة من بنك “كريدي سويس” نظرة جديدة حول حجم الثروة التي خبأها مبارك والنخب الأخرى في البنك الذي يتخذ من زيوريخ مقراً له في السنوات التي سبقت الربيع العربي، بعدما تأثرت قبضتهم على السلطة.
تظهر البيانات أن الأخوين مبارك كانا يملكان ستة حسابات في “كريدي سويس”. تم فتح أحد حسابات علاء في وقت مبكر من عام 1987، عندما كان الشقيقان في منتصف العشرينات من العمر. وكان أعلى رصيد لحساب آخر مشترك بين الاثنين 277 مليون فرنك سويسري، وهي مبالغ سبق أن اقترحتها بيانات من السلطات المصرية، ولكن لم يتم تأكيدها مطلقاً.
قال آل مبارك من خلال محاميهم إن جميع أصولهم “تم الإعلان عنها والحصول عليها بالكامل من أنشطتهم التجارية المهنية” وأنها “نشأت من مصادر مشروعة وقانونية”. ووصفوا التحقيقات معهم بأنها “ذات دوافع سياسية” وقالوا إنها “مدفوعة بحملة من الادعاءات الكاذبة بالفساد المرتبطة بالأحداث السياسية في مصر عام 2011. ولم يؤكدوا معلومات الحساب أو ينفوها، ولكنهم قالوا إنها قد تحتوي على “بعض المغالطات المادية” دون الخوض فى التفاصيل.
كما كشفت البيانات عن حسابات لم يتم الإبلاغ عنها من قبل باسم، وهما حمَوَا الأخوين، محمد مجدي رشيد ومحمود يحيى الجمال، بعض الحسابات يحتوي ملايين الفرنكات السويسرية. وتم الاحتفاظ بمزيد من الحسابات من قبل بعض الشركاء التجاريين الرئيسيين للعائلة، بما في ذلك الكثير من المتورطين في محاكمات الفساد قبل الربيع العربي وبعده.
قدمت مصر حسابات أكثر من أي بلد عربي آخر في البيانات المسربة. ولكن المال جاء إلى بنك “كريدي سويس” من النخب في جميع أنحاء العالم العربي. الحسابات كانت ملك عائلات مالكة ووزراء وجواسيس وأقطاب الأعمال الذين تربطهم علاقات وثيقة بالحكومة. جاء أصحاب الحسابات من أكثر من ست دول تضررت من احتجاجات الربيع العربي، بما في ذلك سوريا واليمن وليبيا والجزائر والمغرب والأردن.
عموماً، تشير البيانات إلى أن البنك السويسري كان متورطاً لسنوات مع شخصيات رئيسية في حكومات متهمة بإهانة منطقة بأكملها من خلال الرشوة والاختلاس والمحسوبية- وهي مظالم في قلب احتجاجات الربيع العربي.
امتدت بعض هذه العلاقات إلى عقود مضت وصمدت أمام فضائح فساد متعددة، كما كان الحال مع حسين سالم، وهو شخصية رئيسية في نظام مبارك أصبح اسمه كلمة مرادفة للفساد والمحسوبية. وتورط آخرون، بمن فيهم رؤساء أجهزة المخابرات، في انتهاكات لحقوق الإنسان مثل التعذيب والتسليم الاستثنائي برعاية الولايات المتحدة.
فتحت بعض الحسابات التي تملكها النخب ذات الصلة السياسية أو وصلت لأعلى رصيد لها بعد استهدافها من المتظاهرين بتهمة الفساد أو اتهامهم في تحقيقات رسمية.
أدى الربيع العربي إلى تدقيق غير مسبوق في الثروة التي خبأتها النخب الإقليمية في الخارج، ولكن تفاصيل حول من احتجز ماذا وأين ومتى ظلت غامضة إلى حد ما.
قالت السلطات السويسرية إنه تم تجميد أكثر من مليار دولار من الأصول المتعلقة بدول الربيع العربي بعد الانتفاضة، لكنها نادراً ما تطرقت إلى تفاصيل. وحتى هذا ربما لم يشمل سوى جزء صغير من الثروة المسروقة: فقد قدر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2016 أن نظام مبارك وحده سرق ما يقرب من 50 مليار دولار. وقدرت جماعة الضغط أن الأنظمة في تونس واليمن وليبيا ربما سرقوا أكثر من 115 مليار دولار أخرى.
كما أضافت محاكمات الفساد والتسريبات السابقة بعض التفاصيل. فعلى سبيل المثال، كشف تسريب للبيانات من فرع HSBC السويسري عام 2015 عن حسابات تحتفظ بها شخصيات مرتبطة بنظامي مبارك والأسد. كما كشفت أوراق بنما لعام 2016 وأوراق باندورا لعام 2020، عن مجموعة من الشركات الخارجية التي تمتلك مئات ملايين الدولارات من الأصول التي تمتلكها النخب العربية.
قال “كريدي سويس” في بيان إنه يرفض “الادعاءات والاستدلالات حول الممارسات التجارية المزعومة للبنك”، وقال إنه يعمل باستمرار “لتعزيز إطار الامتثال والرقابة”. وقال البنك إن الحسابات التي قدمها التحقيق كانت “تاريخية في الغالب” و”تستند إلى معلومات جزئية وانتقائية أخرجت من سياقها، ما أدى إلى تفسيرات متحيزة لسلوك البنك التجاري”.
وقال البنك، “فيما لا يستطيع كريدي سويس التعليق على علاقات العملاء المحتملة، يمكننا أن نؤكد أنه تم اتخاذ إجراءات تتفق مع السياسات والمتطلبات التنظيمية المعمول بها في الأوقات ذات الصلة، وأنه تمت بالفعل معالجة القضايا ذات الصلة”.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن الأسئلة التي أثارتها النتائج لا تزال قوية بعد عقد من الزمان، الآن بعدما أفسحت تلك الانتفاضات المجال لتجدد الديكتاتوريات والحروب الأهلية. أدت الاضطرابات في بلدان عدة، والأنظمة الاستبدادية التي استولت على السلطة في دول أخرى مثل مصر، إلى وقف أي مبادرات كبرى لإعادة الثروة المنهوبة إلى أوطانها.
روابط تاريخية عميقة
على مر السنين التي فتح خلالها حسابه في “كريدي سويس”، تمكن نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام من جمع ما قيمته عشرات الملايين من الدولارات من النقد، وأسهم الشركات، والقصور الفخمة، وهي ثروة مذهلة لموظف حكومي مدى الحياة.
شغل خدام مناصب حكومية رفيعة المستوى من عام 1970 إلى عام 2005، أولاً كوزير الخارجية ثم نائب الرئيس في عهد حافظ الأسد. وبرز في الثمانينيات بينما كان يساعد في إدارة مشاركة سوريا في الحرب الأهلية اللبنانية المجاورة، واحتلالها البلاد بعد ذلك.
وفي سعيه إلى تعزيز السياسيين اللبنانيين الموالين لدمشق، أقام خدام صداقة مع رجل الأعمال الثري رفيق الحريري، ودعم ترشحه لمنصب رئيس وزراء لبنان عام 1992. كان الحريري معروفاً بتوطيد علاقاته بالمال، وصداقته مع خدام لم تكن استثناء.
قال مسؤول سوري سابق رفيع المستوى لـOCCRP إن خدام “هيمن على لبنان من خلال الحريري”، الذي رد له بدوره الجميل، مثل منحه فيلا في فرنسا. وذكر لقاء خدام في دمشق، حيث كان “يعيش حياة أسطورية”.
وقال المسؤول السابق إن “فساده لا يحتاج إلى وثائق”.
ظهرت اتهامات أخرى ضد خدام بعد ذلك، ولكن إلى أي مدى استفاد خدام لم يتضح حتى قُتل الحريري خلال فترة ولايته الثانية عام 2005، خلال عملية اغتيال نُسبت على نطاق واسع إلى دمشق.
وفي العام التالي، انشق خدام عن الحكومة السورية بقيادة رئيسها الحالي بشار الأسد، وهرب إلى المنفى الذي فرضه على نفسه في باريس. ورداً على ذلك، بدأ المسؤولون السوريون بتسريب تفاصيل تعاملاته السابقة.
في مؤتمر صحافي، قال مسؤولون إن عبدالحليم خدام أخذ نحو 500 مليون دولار من الحريري على مدى عقدين من الزمن، بعضها في شكل منازل ويخوت وأموال محتفظ بها في حسابات مصرفية فرنسية ولبنانية وسويسرية. كما ذكرت وسائل الإعلام السورية أن خدام تلقى رشاوى في الثمانينات للسماح لفرنسا وألمانيا بدفن النفايات المشعة في الصحراء.
وفي وقت لاحق، اتهم علي جمالو، أحد الصحافيين السوريين الذين حضروا المؤتمر الصحافي، خدام باستغلال منصبه لتحويل القادة السياسيين اللبنانيين “إلى موظفين بأجر في خدمته”، زاعماً أن أبناء خدام “يسيطرون على نصف الاقتصاد السوري”. واتهم جمالو، الذي كان في ذلك الوقت عضواً في حزب البعث الحاكم، خدام بالنفاق، قائلاً: “كنت فقيراً، تحارب الإقطاع والرأسمالية. لقد كنت اشتراكياً، والآن بعدما أصبحت تملك مليارات الدولارات مع أبنائك، فإنك تطالب باقتصاد سوق حر”.
تؤكد تفاصيل حساب “كريدي سويس” الخاص بخدام، الذي كان يمتلكه بالاشتراك مع زوجته وأبنائه الثلاثة، أن الأسرة تراكمت لديها بالفعل ثروة كبيرة أثناء تولي خدام منصبه: فقد وصل الحساب، الذي فتح عام 1994، إلى أعلى رصيد له وهو نحو 90 مليون فرنك سويسري في أيلول/ سبتمبر 2003.
توفي خدام عام 2020. ولم يرد أبناؤه على الطلبات المتكررة للتعليق المرسلة بالبريد الإلكتروني.
كان نائب الرئيس السابق واحداً فقط من بين الكثير من النخب العربية التي استخدمت سويسرا لإخفاء عائدات التعاملات الفاسدة، والتهرب من الضرائب، وحماية الثروة من الاضطرابات السياسية لعقود.
في المجمل، أظهرت بيانات Suisse Secrets أن أربعة رؤساء دول وحكومات سابقين أو حاليين من العالم العربي يحتفظون بحسابات في بنك “كريدي سويس”. كما ضمت هذه البيانات قادة لأجهزة تجسس أو آخرين مرتبطين بأجهزة الاستخبارات – وهي العمود الفقري للعديد من الدول العربية- في اليمن والأردن والعراق ومصر. بعض الحسابات كان ملك شخصيات تجارية بارزة متهمة بالعمل كواجهة للأنظمة العربية.
حسابات القادة العرب
أظهرت البيانات المسربة أن ما لا يقل عن أربعة رؤساء دول أو حكومات عربية كانت لهم حسابات في بنك كريدي سويس.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي حصل على مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية والأوروبية، يملك حسابات بمئات الملايين من الفرنكات السويسرية. وزوجته رانيا وكبير المحاسبين في القصر الملكي لديهم حسابات أيضاً.
سلطان عمان السابق، قابوس بن سعيد، كان لديه حسابان، أحدهما افتتح عام 1971 وصل إلى أكثر من 177 مليون فرنك سويسري. ولم ترد السلطات العمانية على الطلبات المتكررة للتعليق على الحساب.
وكان رجل الأعمال والسياسي إياد علاوي يملك حسابات بدأت في الثمانينات تتداخل مع الفترة التي قضاها في إدارة حزب مدعوم من الغرب من المنفيين العراقيين ورئيس وزراء العراق بعد الغزو الأميركي. وكان الحد الأعلى لرصيد الحساب الواحد أكثر من 5 ملايين فرنك سويسري. ولم يرد علاوي على طلبات التعليق عبر البريد الإلكتروني.
أما الرجل الجزائري القوي عبد العزيز بوتفليقة، الذي أُجبر على الاستقالة بعد احتجاجات حاشدة ضد ترشحه لولاية خامسة عام 2019، فقد كان له حساب، خلال فترة كبيرة من رئاسته برصيد أقصاه أكثر من 1.4 مليون فرنك سويسري. كما كان اسم شقيقه الأصغر سعيد، الذي حُكم عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بالسجن لمدة عامين بتهمة عرقلة سير العدالة، موجوداً على الحساب أيضاً. توفي بوتفليقة عام 2021.
كما كان نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض يملك حساباً برصيد أقصاه أكثر من 7 ملايين فرنك سويسري. ولم يرد ابنه، الذي اتصل به مشروع OCCRP، على طلبات التعليق.
في سوريا، كان من بين هؤلاء العملاء محمد مخلوف، شقيق زوجة الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي عمل كواجهة لصهره لسنوات، بينما كان يستفيد من علاقاته السياسية في إمبراطورية تجارية تشمل التبغ والعقارات والأعمال المصرفية والنفط.
الملياردير والقطب المصري حسين سالم، حليف مبارك منذ فترة طويلة وله صلات بأجهزة المخابرات في البلاد، كان أيضاً أحد عملاء “كريدي سويس” لأكثر من ثلاثة عقود. وكان يملك ما لا يقل عن 12 حساباً بأرصدة غالباً ما تبلغ عشرات الملايين، على رغم ارتباطه العلني بفضائح الفساد لسنوات قبل الربيع العربي وبعده.
وحتى ليبيا – التي عاقبتها الأمم المتحدة عام 1992 للضغط على معمر القذافي للتعاون مع التحقيقات بشأن المشتبه بهم في تفجير طائرة فوق لوكربي، اسكتلندا- فقد قدمت الكثير من العملاء، بما في ذلك مجموعة من المتهمين بنهب صندوق للتنمية العامة على مدى عقدين من الزمن.
العملاء المرتبطون بالشبكة
من منصبه رفيع المستوى في “الحزب الوطني الديموقراطي” الذي حكم مصر، أشرف جمال مبارك على إصلاحات اقتصادية لوالده في السنوات التي سبقت الربيع العربي.
في حين كان التحرير الاقتصادي شائعاً لدى المستثمرين، إلا أنه لم يفعل الكثير لتحسين الظروف المعيشية للعديد من المصريين: فقد ارتفعت معدلات الفقر من نحو 17 إلى 25 في المئة في العقد ونصف العقد حتى عام 2011.
في الوقت نفسه، استفادت شبكة النخبة المرتبطة بعائلة مبارك من بيئة الأعمال الجديدة، عبر شراء أراضي الدولة وغيرها من الأصول بأسعار زهيدة والاستفادة من القروض المدعومة من الدولة. وشقت عائدات كثيرة طريقها إلى حسابات مصرفية أجنبية.
أظهرت محاكمات الفساد بعد الربيع العربي أنه إضافة إلى الروابط الأسرية والملكية المشتركة في بعض أكبر الشركات في البلاد، فإن الكثير من هذه النخب كانت مرتبطة أيضاً بتعاملات مشبوهة وراء الكواليس.
وكان من بين المستفيدين محمد مجدي راسخ، الذي كانت ابنته هايدي متزوجة من علاء شقيق جمال. طوال التسعينات، تراكمت لدى راسخ الكثير من الممتلكات في مجال الغاز والاتصالات. كما استثمر في العقارات، حيث شغل منصب الرئيس غير التنفيذي لشركة سوديك المصرية للتطوير العقاري الفاخر.
بعد الربيع العربي، وجدت إحدى المحاكم أن راسخ تآمر مع وزير إسكان سابق للحصول على قطع أرض خارج القاهرة بأسعار أقل من أسعار السوق. وعام 2012، حكم على راسخ بالسجن لمدة خمس سنوات، على رغم أنه تمكن العام الماضي من إبرام صفقة “مصالحة” مع السلطات المصرية دفع بموجبها هو والوزير أكثر من 1.3 مليار جنيه مصري- أكثر من 80 مليون دولار في ذلك الوقت- لإزالة التهم. ولم يرد راسخ على الطلبات المتكررة للتعليق التي أرسلت إلى محاميه.
تُظهر بيانات “سويس سيكريتس” Suisse Secrets أن راسخ كان عميلاً لبنك “كريدي سويس” لنحو عقد من الزمن قبل إدانته. وكان الحساب الذي فتح عام 2005 يحتفظ بأكثر من ثلاثة ملايين فرنك سويسري في العام التالي. وتم إغلاقه عام 2015، بعد أكثر من أربع سنوات من ظهور اسمه للمرة الأولى على قوائم الشخصيات التي تم تجميد أصولها بعد الربيع العربي. وكما هو الحال مع الحسابات الأخرى المحددة في التسريب، رفض “كريدي سويس” التعليق، لكنه قال إنه يلتزم بالسياسات والقوانين ذات الصلة.
يُظهر تتبع الأصول التي كانت في عهدة راسخ وأفراد آخرين من عائلة مبارك يبين مدى تشابك الروابط الأسرية والتجارية والسياسية عشية الربيع العربي وعدد الشخصيات الرئيسية في النظام التي كانت تتعامل مع “كريدي سويس”.
وكانت شركة سوديك العقارية، على سبيل المثال، مملوكة جزئيا لبنك استثماري مقره القاهرة، هو المجموعة المالية هيرميس، حيث كان جمال مبارك يملك أسهما في شركة تابعة أكسبته 880 ألف دولار كأرباح سنوية. وكان الرئيس التنفيذي للبنك، ياسر الملواني، الذي كان يملك حسابين في بنك “كريدي سويس”، قد اعتقل عام 2012 مع الأخوين مبارك. ووجهت إليهم تهمة التلاعب بأسعار الأسهم للاستفادة من بنك منفصل كانوا يملكونه، ولكن تمت تبرئتهم عام 2020.
واعترف الملواني من خلال محاميه بأن لديه حسابات في مصر وخارجها “وهو أمر طبيعي للغاية بالنسبة إلى مصرفي استثماري بارز”. وقال إن المعلومات المقدمة إليه بشأن الحسابات والمبالغ “غير صحيحة”، لكنه لم يوضح. ونفى ارتكاب أي مخالفات، وأكد على تبرئته في القضية المرفوعة ضده، وقال إن المصدر الرئيسي للأموال لجميع حساباته “مستمد من عمله المهني وعائدات ملكيته في الشركات التي تولى فيها دوراً إدارياً. وقد تم دفع جميع المكافآت وفقاً لممارسات السوق الدولية وقواعد حوكمة الشركات”.
وكان كل من الملواني وعلاء مبارك يملك أسهماً في شركة أخرى لتطوير العقارات الفاخرة، وهي بالم هيلز، التي يديرها الملياردير ياسين منصور، الذي كان يملك أيضاً الكثير من حسابات “كريدي سويس”. تم تجميد أصول منصور عام 2011 بتهم الفساد، ولكن تمت تبرئته في العام التالي، بعدما دفع 250 مليون جنيه مصري للسلطات. وأدين ابن عمه، وزير الإسكان السابق في عهد مبارك أحمد المغربي، بتهمة هندسة صفقة أرض فاسدة استفادت منها بالم هيلز.
هشام طلعت مصطفى
سوزان تميم
البيانات كشفت حسابات لهشام طلعت مصفى الذين ادين في جريمة قتل المغنية سوزان تميم
تم الاحتفاظ بأحد حسابات ياسين منصور في بنك كريدي سويس بالاشتراك مع العديد من الأفراد، بمن فيهم قطب عقاري مصري آخر، هشام طلعت مصطفى. تظهر البيانات أن اسم هشام طلعت مصطفى ظهر على حسابات متعددة لبنك “كريدي سويس”، بما في ذلك حساب عائلي واحد ظل مفتوحاً بعد إدانته عام 2009 بقتل صديقته، المغنية اللبنانية سوزان تميم، في دبي.
لم يستجب مصطفى ولا منصور لطلبات التعليق التي أرسلها OCCRP من خلال شركاتهما.
كان والد زوجة جمال مبارك، محمود يحيى الجمال، الذي أدين بتهم التربح بعد الثورة، يملك أيضا حساباً في “كريدي سويس” في الفترة من 2006 إلى 2013 بلغ ما يقرب من 20 مليون فرنك سويسري. ولم يرد جمال على طلبات التعليق المتكررة المرسلة إلى محاميه.
كان وزير الإعلام في عهد مبارك، أنس الفقي، الذي أدين بالاختلاس والرشوة وإهدار الأموال العامة عام 2014، يملك حساباً برصيد أقصاه أكثر من 3 ملايين فرنك سويسري عام 2007. (عام 2011، قيل إن الفقي أخبر المحققين المصريين أنه أودع مليوني دولار في “بنك سويسري”، ولكن لم ترد تفاصيل عن ذلك. ولم يتضح ما إذا كان هذا يشير إلى حساب كريدي سويس أم لا). لم يرد الفقي على طلبات التعليق المتكررة المرسلة إليه عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر محاميه.
كيف انتهى الأمر بمثل هذه المجموعة المذهلة من الشخصيات المترابطة إلى العمل المصرفي في نفس المؤسسة؟ قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في بنك كريدي سويس لـ OCCRP إن البنك يركز في الأسواق الناشئة في كثير من الأحيان على توظيف موظفين من “عائلات جيدة” بحيث “يمكنهم الوصول إلى عائلات ثرية” ويمكنهم تقديم إحالات لعملاء آخرين في وضع مماثل.
وفي كثير من الأحيان، قال المدير التنفيذي السابق إن التعريف بما يسمى “الأشخاص المكشوفين سياسياً” يأتي على “مستوى رفيع جداً” ويسمح للعميل بـ”تجاوز الإجراءات العادية” في حين أن أولئك الذين يديرون الحسابات “بيروقراطيون أو موظفون في البنك”، الذين “لا يطرحون أسئلة، ليست لديهم معرفة بالمنطقة ولا معرفة بنكية”.
وقال المدير التنفيذي السابق، “ظاهرياً، يمتثل البنك لنص قواعده وقوانينه، ولكن في الواقع، فإن حجم دفتر شيكاتك هو المهم، وفي هذه الحالة، سينظرون في الاتجاه الآخر”.
ورفض مصرف “كريدي سويس” في رده هذه التوصيفات.
قال البنك “إن بنك كريدي سويس، باعتباره مؤسسة مالية عالمية رائدة، يدرك تماماً مسؤوليته تجاه العملاء، والنظام المالي ككل لضمان التمسك بأعلى معايير السلوك” . “يبدو أن هذه الادعاءات الإعلامية هي جهد متضافر لتشويه سمعة البنك والسوق المالية السويسرية، التي شهدت تغييرات كبيرة على مدى السنوات القليلة الماضية”.
للحظة، وبينما كان الربيع العربي يزعزع استقرار هياكل القوى الإقليمية، بدا الأمر وكأن عام 2011 سيكون قطيعة مع هذه الطريقة في ممارسة الأعمال التجارية التي أصبح كثيرون يرتبطون بها مع مبارك والنخب الأخرى. ولكن وراء الكواليس، كانت الصورة أكثر تعقيداً.
في تشرين الأول 2011، نشرت وزارة العدل المصرية قائمة بممتلكات الأخوين، أشارت إلى حسابات في بنك “كريدي سويس” والفرع السويسري لبنك “بي إن بي باريبا” يبلغ مجموعها نحو 300 مليون دولار. لكن هذا التصريح أو تصريحات السلطات السويسرية حول أصول الأخوين، لم تذكر تفاصيل.
ولم يتضح بعد أي من هذه الحسابات تم تجميدها بعد استقالة مبارك وإعلان السلطات السويسرية. كما أنه ليس من الواضح كيف ترتبط الأرصدة القصوى ببعضها بعضاً، أو ما إذا كانت الأموال قد حولت في ما بينها ومتى، ما يعني أن المعلومات لا تتعارض بالضرورة مع المبالغ المبلغ عنها في بيان وزارة العدل لعام 2011.
الملك عبدالله
سمير الرفاعي
الربيع الكاذب
سمير الرفاعي، السياسي الأردني البارع والعالم ببواطن الأمور. وهو سياسي محافظ حاصل على شهادات جامعية من هارفارد وكامبريدج، وقد جاء من سلسلة طويلة من الشخصيات العامة الموالية للسلالة الهاشمية الحاكمة. وعندما عين رئيساً للوزراء عام 2009، كان يسير على خطى والده وجده، وكلاهما شغل المنصب قبله.
بحلول ذلك الوقت، كان من المعروف أن الرفاعي قد جمع أصولاً كبيرة. وعام 2005، أسس شركة “جوردان دبي كابيتال” Jordan Dubai Capital JDC وعين مديرها التنفيذي، وهي صندوق استثماري مقره عمان، والذي بيع بمبلغ 130 مليون دولار عام 2012.
قال مسؤول أردني سابق لـOCCRP إن الرفاعي “ذهب مباشرة إلى الشركة من الديوان الملكي”، و”تمكن من شق طريقه عبر البيروقراطية ودوائر السلطة الأخرى”.
وقد جاءت ثروة الرفاعي الشخصية لتشمل منزلاً في زبدا، غرب عمان، يقع على قمة قطعة أرض مرتفعة يسميها السكان المحليون “قمة تل سمير”. تطل الأرض الآن على البحر الميت والضفة الغربية، وتقدر قيمتها بنحو 10 ملايين دولار (وفقاً لتقديرات العقارات الحالية) وهي مبنية جزئياً من أحجار المنازل التقليدية، وهي نفسها مصنوعة من الآثار البيزنطية والرومانية المعاد تدويرها.
وقال أحد السكان المحليين لـOCCRP وهو يقف على طريق قريب وأشار إلى ممتلكات الرفاعي المترامية الأطراف المحاطة بالأشجار: “الجميع في المنطقة يعرفون أنه لص. لكن لو مر من أمامهم فإنهم يصفقون له، هذه هي الطريقة التي نعيش بها”.
بعد مرور أكثر من عام على تعيين الرفاعي رئيسا للوزراء، وصل الربيع العربي إلى الأردن. في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، المعروف باسم “يوم الغضب”، هتف المتظاهرون ضد الرفاعي للتنحي، ووصفوه بأنه “غادر” وقالوا إنه “باع الأردن مقابل دولار”. وبعد أسبوعين، قبل الملك استقالة الرفاعي.
ولم يرد الرفاعي على طلبات التعليق التي أرسلها OCCRP وشركاؤه، ولم يرد الرد على المكالمات الهاتفية. لكن في كتاب عام 2019، حاول الدفاع عن سمعته.
“طوال 30 عاماً من عملي في القطاع العام والإدارة الأردنية، لم أسمع أي إساءة أو استجواب عن مسيرتي المهنية. لكن السنوات الأربع التي قضيتها كموظف في شركة جوردان دبي كابيتالين JDC كانت كافية لنشر الشائعات والمغالطات وتزوير الحقائق”.
وعلى غرار جمال آل مبارك، تزامنت فترة حكم الرفاعي مع حقبة من التحرر الاقتصادي وخصخصة خدمات الدولة- ومثل الأخوين مبارك، كان الرفاعي عميلاً بارزاً لبنك “كريدي سويس”.
أظهرت حسابات الرفاعي علامات نشاط حتى بعدما ارتبط علناً باتهامات بالفساد. وقد بلغ حساب واحد، فتح عام 2008، رصيداً أقصى يزيد على 3 ملايين فرنك سويسري في الشهر الذي استقال فيه من رئاسة الوزراء. وفي أيار/ مايو من ذلك العام، فتح حساباً آخر بلغ أكثر من 12 مليون فرنك سويسري في أواخر عام 2014. وفتح حساباً آخر مشتركاً مع أفراد الأسرة في آب/ أغسطس 2011 وبلغ رصيده الأقصى أكثر من أربعة ملايين فرنك سويسري عام 2013.
قال بنك “كريدي سويس” إنه لم يعلق على “علاقات العملاء المحتملة” ولكنه يتمسك بالسياسات واللوائح ذات الصلة وأنه كان يعالج أي مشكلة بمجرد ظهورها.
هناك مؤشرات على أن الرفاعي كان من بين النخب في الشرق الأوسط التي كانت ترسل الأموال لحفظها في سويسرا، بينما كان المتظاهرون يتعرضون للضرب على جدران الشرف في الوطن.
أبلغت السلطات السويسرية عن زيادة في “المعاملات المشبوهة” – تلك التي يحتمل أن تكون مرتبطة بالرشوة أو غسل الأموال أو غيرها من الجرائم – من البلدان العربية إلى أكثر من 600 مليون فرنك سويسري في عام 2011. وعزوا هذه الزيادة إلى متطلبات الإبلاغ الأكثر صرامة واضطرابات الربيع العربي.
وفي أيلول 2011، قال بنك التسويات الدولية، وهو مؤسسة مالية مقرها سويسرا وتملكها بنوك مركزية، إن البنك الدولي أبلغ عن زيادة في المطلوبات للمصريين المقيمين بأكثر من 6 مليارات دولار، وللمقيمين الليبيين بأكثر من ملياري دولار، في الأشهر الثلاثة السابقة، ما يعكس على الأرجح “نقل الأموال المحلية من البلدين نتيجة ارتفاع مستويات عدم اليقين السياسي والاقتصادي”.
ليس من الواضح عدد هذه المعاملات، إن وجدت، التي حصلت في مصرف كريدي سويس. لكن بيانات “سويس سيكريتس” Suisse Secrets تظهر أن عددا من العملاء العرب البارزين الذين استهدفتهم احتجاجات الربيع العربي أو انخرطوا في السياسة بعد ذلك بدا أنهم فتحوا حسابات خلال تلك الفترة وتضخمت حسابات بعض العملاء الحاليين بالمال.
أظهرت وثائق من تحقيق إسباني أن عائلة حسين سالم، شريك مبارك منذ فترة طويلة، حولت ما قيمته 3.5 مليون يورو من مصر إلى حساب في بنك “كريدي سويس” في 24 و26 كانون الثاني 2011، بالتزامن مع بدء الاحتجاجات في مصر.
وتم فتح حسابات جديدة باسمي رجلي الأعمال المصريين الملواني ومنصور في آذار/ مارس 2011، أي بعد شهر من استقالة مبارك. وسجل أعلى رصيد في حساب الملواني، وهو أكثر من 3.5 مليون فرنك سويسري، في حزيران/ يونيو 2011. بلغ رصيد منصور الأقصى أكثر من 5.3 مليون فرنك سويسري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
من خلال محاميه، قال الملواني إنه بعد عام 2011 “التدفقات النقدية كانت تذهب إلى مصر وليس العكس لإعالة الأسرة خلال تلك الأوقات العصيبة”. ولم يرد منصور على طلبات التعليق.
وفي سوريا، بدا أن رجل أعمال يدعى مهران خواندا يحتفظ بحساب على الرغم من اندلاع الحرب الأهلية وفرض العقوبات لفترة وجيزة. وبعد عام 2011، اتُهم بمساعدة نظام الأسد مالياً مع السماح باستخدام أسطوله من الحافلات من قبل الميليشيات الموالية للنظام. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه عام 2012، لكنه أسقطها في العام التالي لعدم كفاية الأدلة.
ولم يرد خواندا على الرسائل على رقمه لطلب التعليق، لكنه نفى في وقت سابق هذه الاتهامات.
صلات أوراق بنما
عام 2016، أظهرت تسريبات أوراق بنما أن بنك “كريدي سويس” لا يزال يدير بعض الأعمال نيابة عن علاء مبارك بعد سنوات من الربيع العربي.
وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني أن موساك فونسيكا Mossack Fonseca، مكتب المحاماة البنمي في قلب التسريب، كان يدير شركة خارجية، “بان وورلد إنفيستمنت” Pan World Investments، نيابة عن علاء مع حوالي 50 مليون دولار من الأصول وان بنك “كريدي سويس”، هو من قدمهم للعميل.
عام 2014، وبينما كانت محاكمات الفساد ضد الأخوين مبارك جارية، اتصل بنك “كريدي سويس” بموساك فونسيكا مرة أخرى، وطلب منهم ضمان الحفاظ على “مكانة جيدة” لشركة “بان وورلد إنفيستمنت”.
تعرف إلى الرئيس الجديد
مع انطلاقة الربيع العربي، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن مطالب المحتجين بإنهاء الفساد لن يتم تلبيتها إلا بإجراءات مجزأة، إن وجدت.
في ليبيا وسوريا واليمن، انهارت الانتفاضات إلى حروب أهلية، ما قضى على أي أمل في الإصلاح. كانت الملكيات في الأردن والمغرب ودول الخليج قوية أثناء إجراء إصلاحات تجميلية.
انتهت التجربة الديموقراطية في مصر فجأة في صيف عام 2013، عندما أطاح ضابط عسكري يدعى عبد الفتاح السيسي بأول رئيس منتخب بحرية في البلاد، محمد مرسي. وحتى تونس، حيث بدا أن الفترة الانتقالية الهشة آخذة في الصمود، إلا أنها أخذت منعطفاً نحو الاستبداد في الصيف الماضي.
أفسحت الموجة الأولية من التفاؤل المجال لإدراك أن معظم الأصول السويسرية التي تم تجميدها بعد الانتفاضة لن يتم إرجاعها.
وفي مصر، تسببت سلسلة من صفقات “المصالحة”، لا سيما مع حسين سالم عام 2016، في تبرئة كثر من تهم الفساد في العامين 2015 و2016، ما أدى إلى رفع الحظر عن مئات الملايين من الدولارات. عام 2017، قالت السلطات السويسرية إنها ستنتهي وأعلنت عام 2017 أنها ستنهي برنامجها للتعاون في مجال المساعدة القانونية مع القاهرة مع إلغاء تجميد الأصول ذات الصلة، على رغم أن نحو 430 مليون فرنك سويسري قيد التحقيق الجنائي في سويسرا ستبقى مجمدة لأنها فشلت في إلغاء “النتائج المادية”. وفي قضية تلو الأخرى، ألغت المحاكم المصرية أحكام الإدانة بالفساد.
أدين الأخوان مبارك في قضايا متعددة، ولكن بحلول العام الماضي تمت تبرئتهما من التهم المتبقية أو إطلاق سراحهما من العقوبات بسبب الوقت الذي أمضياه بالفعل، واليوم ، لا تزال حساباتهما في “كريدي سويس”، ولكن يبدو أن الجهود الرامية إلى إعادة أي مبلغ نقدي قد وصلت إلى طريق مسدود.
درج
—————————-
فضيحة “كريدي سويس”: السرية المصرفية مرض العالم/ حازم الأمين
التسريبات هي غيض من فيض ما تختزنه المصارف السويسرية من أسرار، ولنا في لبنان ظلامتنا التي لم تشملها التسريبات، إذ إن تلك السرية تحمي بدورها من نهب مدخرات أكثر من مليون مودع لبناني.
لو كنت مواطناً سويسرياً لشعرت بالذنب حيال مئات الآلاف من الضحايا في العالم، لا سيما بعد نشر “تسريبات سويسرية”، فبنك “كريدي سويس” تولى إدارة ثروات فاسدين ورؤساء أجهزة مخابرات في دول ديكتاتورية، وأخفى حسابات أبناء النخب الحاكمة في دول جرى نهب ثرواتها وإفقار شعوبها. و”كريدي سويس” فعل ذلك مستفيداً من قانون السرية المصرفية في سويسرا، وهو القانون الذي يواصل حماية أشرار العالم ولصوصه وفاسديه. والمسؤولية عن اشتغال هذا القانون على نحو ما يشتغل الآن يتحملها الناخب السويسري مثلما يتحملها النظام المصرفي والسياسي في تلك الديموقراطية الأوروبية التي ينعم مواطنوها بأحد أعلى مستويات الدخل في العالم!
علماً أن التسريبات هي غيض من فيض ما تختزنه المصارف السويسرية من أسرار، ولنا في لبنان ظلامتنا التي لم تشملها التسريبات، إذ إن تلك السرية تحمي بدورها من نهب مدخرات أكثر من مليون مودع لبناني، والتي تبلغ قيمتها أكثر من مئة مليار دولار، للسوريين منهم حصة وازنة وكذلك للعراقيين.
نعم يجب أن تكون تحقيقات “تسريبات سويسرية” مناسبة للنظر بالسرية المصرفية في كونفدرالية الرخاء الأوروبية، وهو نقاش نحن معنيون به كما المواطن السويسري. ثروات جمال مبارك وعمر سليمان وهشام طلعت مصطفى هي شأن مصري، وثروة سعد خير هي شأن أردني وثروة عبد العزيز بوتفليقة هي شأن جزائري. والثروات التي ما زالت مخفية ولم تشملها التسريبات لا تقل فداحة، فنحن في أمس الحاجة للكشف عن ثروات رياض سلامة ونبيه بري وجبران باسيل، وكل هؤلاء تحميهم السرية المصرفية السويسرية.
والمواطن السويسري يجب أن يباشر القلق ليس لأن مصارف بلده تحمي ثروات الفاسدين في العالم وحسب، إنما أيضاً لأنها تدير التحويلات المالية التي تتولى تمويل عمليات اضطهاد واسعة أقدمت عليها أجهزة المخابرات في العالم. فقد كشفت التسريبات أن التحويلات التي شملت أرصدة رؤساء أجهزة المخابرات في الأردن وفي اليمن وفي باكستان وفي مصر، كانت تهدف لتمويل برنامج “التسليم” الذي أدارته الـ”سي آي أيه”، والذي يعفيها من خرق القانون الأميركي خلال عمليات التحقيق مع مطلوبين، وإحالة هؤلاء المطلوبين إلى سجون في دول لا تخضع التحقيقات فيها لضوابط قانونية. ولنا أن نتخيل هنا عمليات التعذيب وانتزاع الاعترافات التي شهدتها السجون في هذه الدول. نظام السرية المصرفية في سويسرا ليس بريئاً، وهو حلقة من حلقات هذا التعسف، على رغم ما ينعم به المواطن السويسري من حرية ومن قوانين تحميه من التعسف. علماً أن اللجوء إلى برنامج “التسليم” أفضى إلى اعترافات كشفت الأيام زيفها، وأفضت إلى أخطاء هائلة في استراتيجية “الحرب على الإرهاب”.
نعم يجب أن تكون تحقيقات “تسريبات سويسرية” مناسبة للنظر بالسرية المصرفية في كونفدرالية الرخاء الأوروبية.
والحال أن الغضب الذي يمكن أن يصيب مواطناً في دولة شملتها التسريبات جراء ذهوله من الحماية التي تمتع بها حاكم فاسد ومستبد في بلده، بفعل السرية المصرفية، سيعلي من شأن الخطاب الشعبوي الداعي لاعتبار أن العالم محكوم من قبل الأشرار، وأن ثمة رعاية وحماية يتمتع بها الفاسدون في بلادنا. فهل من المنطقي أن تباشر ست دول إجراءات التحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأن يبقى الأخير محمياً بالسرية المصرفية؟ وهل من العادل أن تكون ثروات عائلة حسني مبارك مشمولة بحماية ذلك القانون؟ ولماذا سمح “كريديه سويس” لنفسه بأن يفتح حسابات لرؤساء أجهزة مخابرات في دول تمارس فيها هذه الأجهزة شتى أنواع انتهاكات حقوق الإنسان؟ نحن الآن لا نتحدث عن تخمينات ولا عن توقعات، بل عن أرقام وعن وقائع موثقة، وعن أرصدة بأسماء أصحابها.
“وثائق بنما” فرضت على الاتحاد الأوروبي استحداث قوانين الشفافية في تسجيل الشركات وهو ما أتاح رصد وتعقب ثروات وعقارات وشركات لشخصيات فاسدة في الدول غير الديموقراطية. “تسريبات سويسرية” يجب أن تفضي إلى نقاش وضغط لإعادة النظر بالسرية المصرفية السويسرية. هذه السرية هي أحد أمراض العالم، وعلاج هذا المرض سيفضي حتماً إلى عالم أفضل.
———————————-
“وثائق سويسرية” من المصري عمر سليمان إلى الأردني سعد خير: كيف ساعد “كريدي سويس” مديري المخابرات في حماية ثرواتهم؟
OCCRP – مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه
وجد OCCRP وشركاؤه في تحقيق “أسرار سويسرية” نحو 40 حساباً في بنك “كريدي سويس” مملوكة لأكثر من 12 شخصية استخباراتية من جميع أنحاء العالم. هذا التحقيق يعرض بعضها.
منذ أواخر سبعينات القرن الماضي بدءاً من الحرب في أفغانستان إلى ما بعد الحرب على الإرهاب في 11 أيلول/ سبتمبر، اعتمدت استراتيجية حرب الظل الأميركية على شخصيات استخباراتية بارزة من أنظمة متهمة بالفساد والتعذيب. القاسم المشترك بين عدد من هؤلاء الرجال وعائلاتهم هي العلاقات مع بنك “كريدي سويس”.
إعداد منظمة تعقب الفساد المنظم والجريمة العابرة للحدود OCCRP وشريكها “زود دويتشه تسايتونغ” SZ
في فيلم الجاسوسية “جسد الأكاذيب” Body of Lies، لعام 2008، قام الممثل البريطاني الصارم مارك سترونغ بدور الشخصية الخيالية هاني سلام الذي يساعد عملاء جهاز الاستخبارات الأميركية “سي اي ايه”، على الإمساك بالإرهابيين. لعب دور العملاء الممثلان راسل كرو وليوناردو دي كابريو. ما لم يدركه رواد السينما على الأرجح، هو أن هاني سلام كان مبنياً على شخصية حقيقية: رئيس جهاز مخابرات أردني اسمه سعد خير.
ترأس المشير خير “دائرة المخابرات العامة ” في الأردن بين عامي 2000 و2005، حيث عمل حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب. ولكن على رغم الاحتفاء به كبطل استخباري يساعد الولايات المتحدة في القبض على الأشرار، إلا أن أنشطة خير في الحياة الواقعية كانت موضع شك من الناحية الأخلاقية. إضافة إلى مزاعم قيامه بتهريب النفط من العراق، أشرف المشير خير على دور الأردن في برنامج التسليم الاستثنائي الأميركي، حيث كان يدير وكالة أمنية متهمة بتعذيب السجناء والإشراف على محاكم صورية.
وعام 2003، فتح حساباً شخصياً في بنك “كريدي سويس”. ونما الحساب على مدى سبع سنوات ليبلغ في نهاية المطاف 28.3 مليون فرنك سويسري، قبل إغلاقه بعد أشهر من وفاته، عام 2009.
لم يكن خير رجل المخابرات الوحيد الذي خبأ ثروته في بنك كريديه سويس . وجد الصحافيون أن 15 من كبار الشخصيات المخابراتية البارزة من جميع أنحاء العالم، وبعض أفراد أسرهم، كانوا أيضاً عملاء للبنك.
تأتي هذه الاكتشافات من مجموعة ضخمة من البيانات المصرفية المسربة الخاصة ببنك “كريدي سويس”. وتغطي البيانات المصرفية لهذا البنك من الأربعينات حتى نهاية العقد الماضي.
أسرار سويسرية
“أسرار سويسرية” هو مشروع صحافي تشاركي قام على تسريبات خاصة ببيانات حسابات مصرفية من البنك السويسري العملاق “كريديه سويس”.
قام مصدر غير معرف بمنح هذه المعلومات لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية التي شاركتها مع “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” OCCRP.ORG و46 مؤسسة إعلامية شريكة في المشروع. قام صحافيون يعملون في خمس قارات بتمشيط آلاف الحسابات البنكية، وقابلوا مصادر داخلية ومنظمين للسوق المصرفية وأعضاء في سلك النيابة الجنائية وبحثوا داخل أوراق المحاكم وفي إشهارات الذمم المالية لمقارنة ما سرب إليهم مع ما خلصوا إليه. تغطي البيانات أزيد من 18000 حساب بنكي فتحت منذ أربعينات القرن الماضي لغاية العقد الأخير. حملت هذه الحسابات أموالاً بقيمة 100 مليار دولار على الأقل.
وقال المصدر الذي سرب البيانات في بيان، “أعتقد أن قوانين حماية السرية المصرفية في سويسرا غير أخلاقية”. وأضاف المصدر: “استخدام ذريعة حماية الخصوصية المالية هو مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية كمتعاون مع المتهربين من الضرائب. ويسمح هذا الوضع بالفساد ويحرم البلدان النامية من الإيرادات الضريبية التي تشتد الحاجة إليها”. وبما أن بيانات “كريدي سويس” التي حصل عليها الصحافيون غير كاملة، هناك عدد من المحاذير المهمة التي يجب مراعاتها عند تفسيرها. أنقر هنا لتقرأ المزيد عن المشروع، من أين أتت البيانات، وماذا تعني.
معظم العملاء الـ15 كانوا يحتلون مناصب كبيرة في أجهزة المخابرات العامة في دولهم. تضمنت البيانات أسماء لعدد آخر من كبار الشخصيات الاستخبارية لكنه تقرر عدم ذكر أسمائهم، لأن فريق الصحافيين لم يستطع تأكيد هويتهم بشكل يقطع الشك باليقين.
إضافة إلى المشير الأردني عمر خير، هناك ثلاثة مديرين لأجهزة مخابرات يظهرون في البيانات وتشهد حيواتهم المهنية مراحل متشابهة: عمر سليمان من مصر والجنرال أخطر عبد الرحمن من الباكستان وغالب القمش من اليمن.
اخطر عبدالرحمن
سعد خير
عمر سليمان
هؤلاء الأربعة أداروا أجهزة وكانت تحت سيطرتهم موازنات “سود” ضخمة كانت خارج إطار رقابة السلطات التشريعية والتنفيذية.
هذه الشخصيات جميعاً أو أعضاء من أسرها، امتلكوا حسابات شخصية بمبالغ كبيرة من دون مصادر واضحة لتفسير الثراء.
وفي وقت من الأوقات، عمل الاربعة مع جهاز الاستخبارات الأميركي “سي أي ايه”. وارتبطت أسماؤهم بصراعات سياسية بدأت مع تدخل الاستخبارات الأميركية في أفغانستان بداية عام 1970، مروراً بحرب الخليج الأولى عام 1990، وما سمي بعدها “بالحروب اللامتناهية” التي سادت أفغانستان والعراق منذ 2001.
ثلاثة منهم: القمش وسليمان والمشير خير، كانوا يديرون مؤسسات عرف عنها أنها انخرطت في التعذيب.
8 أعضاء في أسرهم كانت لهم أيضاً حسابات في “كريدي سويس”.
وكأشخاص مكشوفين (معروفين) سياسياً وكذلك أقاربهم من الدرجة الأولى، كان ينبغي أن تثير تلك الحسابات أسئلة كثيرة تتعلق بالعناية والتدقيق الواجبة لبنك “كريدي سويس”. ووفقاً لخبيرة الامتثال السويسرية مونيكا روث، تعتبر البنوك عادة عملاء المخابرات السرية عملاء حساسين بشكل خاص.
قالت روث، “لن آخذهم كعملاء- فهذا أمر محفوف بالمخاطر للغاية”، مضيفةً أن رؤساء المخابرات غالباً ما يكونون “أشخاصاً يملكون سلطة كبيرة وعلاقات مشكوكاً بها ومصادر أموال غامضة للغاية.
من غير الواضح ما هي الطريقة التي اتبعها البنك للتعامل مع هذه الحسابات بعناية وتدقيق أكثر.
ورفض “كريدي سويس” التعليق متذرعاً بالسرية المصرفية التي يوفرها القانون السويسري والتي تمنع البنوك من البوح بأي معلومات أو التعريف بعملائه وإعطاء معلومات عنهم.
قال أحد المديرين التنفيذيين السابقين في “كريدي سويس” لـOCCRP وشركائه: “في حالة رئيس جهاز استخبارات مثل سعد خير، فإن فتح حساب كهذا هو علامة حمراء ولن تقبله بنوك كثيرة في سويسرا، لكن بنك كريدي سويس سيفعل ذلك”.
أخطر عبد الرحمن وتدفقات الأموال السرية
قبل أن يفتح المشير خير حسابه في “كريدي سويس”، قامت شخصيات استخبارية عملت على مساعدة أميركا في حربها بالوكالة ضد القوات السوفياتية في أفغانستان على بناء علاقاتها مع المصرف. في نهاية سبعينات القرن الماضي قامت الولايات المتحدة بدعم سبع مجموعات مختلفة من المجاهدين كانوا يقاتلون السوفيات في أفغانستان . قامت المملكة العربية السعودية بمضاهاة هذا التمويل الأميركي (على اساس دولار من السعودية مقابل دولار من أميركا)، وغالباً ما أرسلت الأموال إلى الحساب المصرفي السويسري الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية. وكان المستفيد النهائي من هذه العملية هو “وكالة الاستخبارات الباكستانية”، بقيادة الجنرال أخطر عبد الرحمن.
بحلول الوقت الذي تم فيه فتح حسابات بنك “كريدي سويس” بأسماء أبنائه الثلاثة في منتصف الثمانينات، كان أخطر بارعاً في إيصال أموال وكالة الاستخبارات المركزية إلى أيدي المتمردين الأفغان. كما كتب محمد يوسف، زميل أخطر في الاستخبارات الباكستانية الذي ألف لاحقاً كتاباً عن تلك الحقبة: “الأموال الأميركية والسعودية مجتمعة التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنوياً، تم تحويلها من قبل وكالة المخابرات المركزية إلى حسابات خاصة في باكستان تحت سيطرة المخابرات الباكستانية”..
يزعم كل من يوسف وستيف كول- مؤلف كتاب “حروب الأشباح” الحائز جائزة “بوليتزر” لعام 2005 – أن أخطر كان الرجل الذي يقرر إلى أين ستذهب هذه الأموال بعد ذلك.
لتدريب المجاهدين على الأسلحة المتطورة، وثقت وكالة الاستخبارات المركزية بأخطر عبدالرحمن وسلمته مبالغ بالملايين. وبحلول عام 1984، كانت ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان، حتى قبل أخذ التمويل السعودي في الحسبان، تبلغ نحو 200 مليون دولار.
قال مصدر استخباراتي من جنوب آسيا لـOCCRP: “كان من السهل في تلك المرحلة فتح حسابات مصرفية سويسرية بأي شكل أو نوع لتحويل الأموال العلنية”.
وقال المصدر إن “الجنرال أخطر كان يفعل ذلك لكي يملأ جيوبه”. “الكثير من الأموال تم اختلاسها من حرب أفغانستان لتجد طريقها إلى حساباته المصرفية”.
أحد حسابي عائلة الجنرال أخطر في بنك “كريدي سويس”- الذي يشترك في إدارته أبناء أخطر الذين كانوا في بدايات العشرينات من العمر وهم أكبر وغازي وهارون- فتح في 1 تموز/ يوليو 1985، وهو العام الذي أثار فيه الرئيس الأميركي رونالد ريغان مخاوفه حول الوجهة النهائية للأموال التي كان يفترض أن تصل للمجاهدين.
وبحلول عام 2003، عندما أصبح أبناء الجنرال أخطر رجال أعمال، كان هذا الحساب يملك أكثر من 5 ملايين فرنك سويسري. أما الحساب الثاني، الذي فتح في كانون الثاني/ يناير 1986 تحت اسم الجنرال أكبر وحده، فكان يحتوي على أكثر من 9 ملايين فرنك سويسري بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2010.
وتوفي الجنرال أخطر في حادث تحطم طائرة عام 1988 أودى أيضاً بحياة رئيسه الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق.
لم يرد أكبر وهارون على طلبات للحصول على تعليق منهما. وقال غازي خان في رسالة إلى occrp إن المعلومات التي وصلته لم تكن “صحيحة”. وقال: “أنفي ذلك”. وأضاف: “هذا السياق تخميني”.
غالب القمش: “الصندوق الأسود”
بينما كانت وكالة الاستخبارات المركزية والجنرال أخطر يتعاونان في أفغانستان، بدأ اليمني غالب القميش صعوده المهني.
وبحلول عام 1980، ترأس اللواء القمش جهاز الأمن الوطني اليمني، المعروف باسم جهاز الأمن السياسي. وكما كان يفعل الجنرال أخطر في باكستان، فقد نسق اللواء القمش عملية تجنيد اليمنيين الجهاديين في الحرب الأفغانية ضد السوفيات.
كانت شخصية اللواء القمش تطغى على جهاز الأمن اليمني لعقود، كمنفذ رئيسي للمهمات المطلوبة من الرئيس القوي علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد من عام 1978 إلى عام 2012. عندما قصفت القاعدة المدمرة الأميركية “يو أس أس كول” ميناء عدن اليمني عام 2000، كلف الرئيس السابق علي عبد الله صالح اللواء القمش الذي كان متردداً في البداية بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية في ملاحقة المشتبه بهم.
وفقاً لثلاثة ضباط عملوا تحت قيادة اللواء القمش في جهاز الأمن السياسي اليمني، كان اللواء القمش هو المسؤول الأمني الأكثر إثارة للرعب في البلاد. ووصفوه بأنه “الصندوق الأسود” للرئيس صالح. المصادر الثلاثة، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أبلغت مشروع OCCRP وشركاءه أن اللواء القمش كان يملك “ميزانية أولية تتكون من ملايين الدولارات” للتصرف بها كما يحلو له.
غالب القمش
وبحلول الوقت الذي أصبح فيه اللواء القمش كبير رجال المخابرات في اليمن، ومساعداً للأميركيين على تفكيك الخلايا الإرهابية في أوائل القرن الحادي والعشرين، كان لديه ملايين الدولارات التي لا يمكن معرفة مصادرها مخبأة في بنك كريدي سويس.
كان أحد حساباته، الذي تم فتحه في عام 1999، أي قبل عام من الهجوم على المدمرة كول، يحوي ما يقرب من خمسة ملايين فرنك سويسري بحلول عام 2006، وهو العام الذي فر فيه بعض المشتبه بهم في حادثة “كول” من سجن يمني. وقدر راتب اللواء القمش بما يتراوح بين 4000 و5000 دولار شهرياً، بما في ذلك بدل العلاوات والمكافآت.
اتُهم القمش بانتهاكات مختلفة، بما في ذلك المشاركة في برنامج التسليم الاستثنائي الأميركي (الترحيل السري)، الذي شهد إنفاق الملايين من أموال وكالة الاستخبارات المركزية على المسؤولين في الدول الحليفة لتعذيب مشتبه بهم بالإرهاب واستنطاقهم. وتظهر الوثائق الرسمية أن مبالغ ضخمة دفعت إلى البلدان التي استضافت المواقع السود، وإلى الشركات التي قامت برحلات جوية، وأولئك الذين قاموا بالتعذيب والاستجواب.
وقالت روث بلاكلي من مشروع الترحيل السري- مشروع يضم مجموعة من الأكاديميين البريطانيين الذين حققوا في البرنامج الأميركي- “إذا كان هناك دليل على أن كبار مسؤولي الاستخبارات كانوا يتكسبون مالياً من التواطؤ في برنامج الترحيل والاعتقال والاستجواب الذي قادته وكالة الاستخبارات المركزية، فإن ذلك يستدعي إجراء تحقيق شامل”.
تسليم استثنائي
بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية “مواقع سوداء” في البلدان الحليفة حول العالم -سجون سرية حيث يحتجز فيها المشتبه في أنهم إرهابيون بمعزل عن العالم الخارجي. كما أسند الأمريكيون مهام الاستجوابات إلى أنظمة قمعية مثل مصر والأردن واليمن، حيث تعرض المحتجزين للتعذيب للحصول على معلومات لتعزيز الحرب على الإرهاب. كشف التحقيق التاريخي الذي أجراه مشروع الترحيل السري بقيادة الأكاديميين بالتعاون مع مكتب الصحافة الاستقصائية عام 2019، عن أدلة مستفيضة حول 60 “مسار” لطائرات الترحيل السري شملت أكثر من 120 عملية تسليم فردية.
إذا كان بنك “كريدي سويس” قد شكك في مصدر أموال اللواء القمش أو ملاءمته كعميل، فإن ذلك لم يمنع البنك من التعامل معه. استمرت حساباته لفترة طويلة بعد تورطه في برنامج التسليم السري وفي قمع المعارضين السياسيين اليمنيين.
قال أحد كبار الضباط ممن خدم مع اللواء القمش: “من خلال جهاز الأمن السياسي، كان (القمش) مسؤولاً عن اعتقال جميع العناصر التي كان يُنظر إليها على أنها معارضة لنظام صالح”، في حين أضاف آخر: “لم يكن أحد يعرف كيف أنفقت أموال جهاز الأمن السياسي”.
تراجعت علاقة اللواء القمش مع الرئيس صالح عندما بدأ الرئيس في إعداد ابنه لتولي مسؤولية البلاد. كما أنشأ صالح وحدة استخبارات محلية جديدة، هي جهاز الأمن القومي عام 2002، تحت قيادة ابن أخيه، والذي سرعان ما طغى على جهاز الأمن السياسي. ببطء، بدأ الزعيم في سحب البساط من تحت قدمي اللواء القمش. نجا اللواء القمش حين تمت الإطاحة بصالح عام 2012، ولكن يبدو أنه أدرك أن الكتابة كانت على الحائط وأنه كان في طريقه لفقدان منصبه.
كان القمش قد سحب آخر أمواله من كريديت سويس – 3,834,643 فرنك سويسري – في كانون الثاني/ يناير 2011، بينما كانت الحشود تنزل إلى شوارع عدن عشية إطلاق أول شرارة للربيع العربي. أقيل من منصبه كرئيس لجهاز الأمن السياسي في عام 2014 من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان قد وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس على صالح. الرئيس منصور عين اللواء القمش برتبة سفيراً في الخارجية. لغاية اليوم لم يتم تعيينه رسمياً في أي مكان ، إلا أن اسمه يظهر على قائمة السفراء العاملين ، كما ذكرت مصادر ديبلوماسية يمنية لـOCCRP.
في الوقت الحاضر، يعيش القمش في اسطنبول في عقار قام بشرائه. وفي السنوات الأخيرة، بقي بعيداً من الأضواء، لكن أبناءه لا يزالون نشطين في الأعمال التجارية في اليمن والبحرين والبرازيل وتركيا.
“عش الطير المصري”
في برقية ديبلوماسية سربت الى موقع وكيليكس في كانون الثاني 2009، قالت مارغريت سكوبي، السفيرة الأميركية لدى مصر، إن رئيس المخابرات اللواء (أركان حرب) عمر سليمان كان يتم استخدامه كمنفذ من قبل نظام الرئيس حسني مبارك الديكتاتوري. وأضافت أن مبارك “لم يفقد النوم بسبب أساليبه”.
كما لم يبد بنك كريدي سويس قلقا مفرطا بشأن اللواء عمر سليمان أيضا. وعلى الرغم قيام ضحايا الترحيل القسري الأميركي بربطه شخصيا بالتعذيب الذي أحاط هذا البرنامج. احتفظت عائلة اللواء سليمان بالكثير من ثروتها لدى البنك.
في شباط/ فبراير 2003، وبينما كان أصدقاء والدهم في وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون يخططون لغزو العراق، كانت عائلة اللواء سليمان تقوم بالاستعدادات المالية الخاصة بها. في ذلك الشهر، تم فتح حساب “كريدي سويس” بأسمائهم، وتضخم في وقت لاحق بالملايين.
على غرار اللواء أخطر والمشير خير واللواء القمش من قبله، كان ينظر إلى اللواء سليمان على أنه حليف موثوق به للولايات المتحدة.
قبل أسابيع من فتح حساب عائلة اللواء سليمان، أوضح وزير الخارجية الأميركي كولن باول، في حديثه إلى الأمم المتحدة، سبب الحاجة الملحة للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين في العراق. وعندما قال باول للأمم المتحدة إن لديه أدلة على تدريب العراق لتنظيم القاعدة على الأسلحة الكيميائية، ربما كان المصدر الذي اعتمد عليه هو الضحية الأكثر شهرة لنظام اللواء سليمان الاستخباراتي: ابن شيخ الليبي.
وكان الليبي قد اعتقل في باكستان عام 2001 قبل أن تسلمه وكالة الاستخبارات المركزية إلى مصر. قال له المسؤولون المصريون إنه سيعترف، لأن “ثلاثة آلاف شخص كانوا على الكرسي قبله”، وقد فعلوا ذلك جميعاً. بعد حشره داخل صندوق صغير، قال الليبي لاحقا إنه أخبر المصريين “ما يريدون سماعه”.
عادة ما كان اللواء سيلمان يحصل على ما يريد.
وبعدما تحولت الحرب العراقية من معارك متقطعة الى ضارية لمحاربة التمرد، تنامت ثروة عائلة اللواء سليمان. وبحلول عام 2007، أي بعد أربع سنوات من سقوط نظام صدام حسين، كان حساب عائلة اللواء سليمان في بنك كريدي سويس يحتفظ بـ63 مليون فرنك سويسري. استمر هذا الحساب حتى بعد ديكتاتورية مبارك في مصر، التي سقطت عام 2011 تحت وطأة الربيع العربي. بعد الإطاحة بمبارك، تحركت السلطات السويسرية ضد 12 من المقربين من الديكتاتور، وجميعهم استثمروا بكثافة في النظام المصرفي في البلاد. لكن الحملة لم يتم تطبيقها على عائلة اللواء سليمان. وواصل مصرف “كريدي سويس” الاحتفاظ بحساباتهم على رغم المخاوف التي أثيرت في أماكن أخرى بشأن هذه الجرائم.
وإلى جانب الإشراف على التعذيب، تضمن ملف اللواء سليمان جرائم مالية.
وفي محاكمة مبارك، نقل قاض عن اللواء سليمان وغيره من المسؤولين قولهم إن حسين سالم- رجل أعمال بارز وواجهة معروفة لجهاز الاستخبارات- تملك شركات في مجال النفط وقطاعات أخرى لمصلحة الجهاز الأمني. وكتب القاضي أن اللواء سليمان اعترف بأن وكالة استخباراته أنشأت شركات واجهة لأسباب تتعلق “بالأمن القومي”، وقامت باستخدام سالم في كثير من الأحيان.
كان سالم أيضا عميل كريدي سويس. كان لديه حسابات عدة، واحتفظ أحدها بـ105 ملايين فرنك سويسري بحلول عام 2003. وورد هذا الحساب ضمن الإجراءات القانونية عندما زعم المحققون أنه استخدم للدفع وتلقي ما يشبه العمولات الفاسدة للمديرين التنفيذيين في شركة “فلو تكس” FlowTex، وهي شركة ألمانية تمت مقاضاتها بتهمة الاحتيال واسع النطاق.
قد لا يكون مصدر ثرواتهم معروفاً نهائياً، لكن الخبراء يقولون إن حالات مثل الجنرال أخطر واللواء القمش والمشير خير وعائلة اللواء سليمان تثير شكوكاً حول كيفية استفادة قادة الاستخبارات من مخالفة القانون.
وقال روبرت باير العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي خدم في الشرق الأوسط في مقابلة: “لا تنسوا أن مبارك أراد من جنرالاته ورؤساء الاستخبارات أن يسرقوا الأموال”. “لأنه لا يمكن الوثوق بأي شخص لا يجني أموالاً في مناصب كهذه. فهؤلاء هم الأشخاص الذين يقومون بانقلابات”.
جسد الأكاذيب
تم صنع شخصية المشير الأردني سعد خير للشاشة الكبيرة. وقد وصفه ديفيد إغناطيوس من صحيفة “واشنطن بوست”، الذي قابله مرات عدة وكتب الرواية التي استند إليها فيلم “جسد الأكاذيب“، بأنه شخص “رائع ولكنه مجروح عاطفياً”.
ولكن على رغم هذا المديح والإطراء الذي طاول المشير خير، كانت الاستجوابات التي أجرتها دائرة المخابرات العامة التي يرأسها المشير خير غير قانونية إلى حد كبير، وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”.
أفادت “هيومن رايتس ووتش” بأن دائرة المخابرات العامة كانت بمثابة “سجان بالوكالة” لوكالة الاستخبارات المركزية، “حيث تحتجز السجناء الذين يبدو أن وكالة المخابرات المركزية تريد بقائهم خارج التداول”، تماماً كما فعلت قوات استخبارات سليمان في مصر. وثقت المنظمة الحقوقية ما لا يقل عن 14 سجيناً أرسلتهم الولايات المتحدة إلى السجون الأردنية تعذيب المحتمل بين عامي 2001 و2003.
وذكرت منظمة العفو الدولية في تقريرها الذي اعتمد على شهادات الضحايا أن دائرة المخابرات العامة حصلت على أكثر من 100 اعتراف من طريق التعذيب، ثم أحيلت هذه القضايا إلى محكمة أمن الدولة الأردنية التي أصدرت تهم إعدام بحق البعض.
في سنوات لاحقة، أنكر كبار مسؤولي دائرة المخابرات العامة احتجاز سجناء للولايات المتحدة، أو أن التعذيب حدث.
كما طاردت المشير خير شائعات عن الفساد تتعلق بتجارة النفط لكن لم يتم توجيه أي تهم إليه.
وفقاً لبرقيات ديبلوماسية سرية حصل عليها موقع “ويكيليكس”، وضع رئيس الوزراء الأردني السابق علي أبو الراغب (2000-2003) المشير خير في قلب صفقات النفط التي تشمل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة لدعم احتياطيات النفط الأردنية قبل بدء حرب 2003 على العراق الذي كان يزود المملكة المجاورة بمعظم احتياجاتها من النفط بأسعار تفضيلية لسنوات.
نفط عراقي رخيص
المشير سعد خير، رئيس المخابرات الأردني السابق، اتُهم بالتربح من تجارة النفط منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فصاعداً. حتى إن نواباً معارضين طالبوا بمحاكمة المشير خير. بينما كانت القصة تلاحق المشير خير، لم يتم تقديم أي دليل ضده.
بحث مراسلو OCCRP مع الشركاء في المشروع عن أدلة. ما وجدوه كان مثيراً للاهتمام، ولكنه ليس قاطعاً. كرر عدد قليل من المصادر القريبة من الوضع والتي وافقت على التحدث إليهم بشرط عدم الاقتباس أن المشير خير ودائرة المخابرات العامة أشرفوا على شركة واجهة كانت تتاجر في النفط من العراق، لكن أياً من هذه المصادر لم يظهر أي دليل قاطع على ذلك.
من خلال الاطلاع على السجلات التجارية والسير خلف تسريبات، حدد الصحافيون شركة تدعى “الحرانة” ويديرها رجل الأعمال الأردني عبد الرحمن (عبود) أبو حسان، وهو صديق قديم للمشير خير. نفى أبو حسان بشكل قاطع في مقابلة مسجلة مع OCCRP وشركائها تورط المشير خير في شركته، لكنه قال إنه سمع منذ فترة طويلة الشائعات ذاتها: أنه أصبح ثرياً بسبب المشير خير ودائرة المخابرات العامة.
اعترف أبو حسان بأنه حصل بالفعل على زيت الوقود من العراق “بالمجان تقريباً”، وهو النفط الذي باعه في الخارج بأسعار السوق الدولية. وقال إن رئيس الوزراء العراقي آنذاك، إياد علاوي، زود النفط بثمن بخس لرد الجميل لأن الأردن منحته ملاذاً آمناً بعد محاولة اغتيال من قبل حكومة صدام حسين.
قال أبو حسان إن شحنات شركته من زيت الوقود كانت تأتي بواسطة الشاحنات، نحو 300 في اليوم. كانت هذه الشاحنات ترفق بحماية عند عبور الحدود من قبل دائرة المخابرات العامة التي كان المشير خير يديرها. لكن هذا كان قدر ما وصلت إليه العلاقة مع الدائرة بحسب ما قال. وبدلاً من أن يستفيد المشير خير من الأعمال التجاري، قال أبو حسان إن قدراً كبيراً من الأرباح ذهب إلى مؤسسة العسكريين المتقاعدين في الأردن. وقال أيضاً إن وزارتي المالية والطاقة في الأردن جنتا مئات الملايين من هذه التجارة لقاء السماح لشركته بالتخزين في خزانات شركة البترول الوطنية الأردنية.
لم يعثر الصحافيون على دليل على تورط المشير خير في تجارة النفط، أو أنه ناقش هذا الأمر مع أي شخص قبل وفاته. بالنسبة إلى أبو حسان، ما تردد عن “الحرانة” كواجهة لدائرة المخابرات العامة ما هو إلا محض هراء.
قال أبو حسان: “اتهم الجميع دائرة المخابرات الأردنية لأنها كانت تسهل (التجارة) لنا”. “(لكن) أنا من طلبت منهم ذلك”.
قال سياسي أردني لـOCCRP وشركائها إن “لقام المشير خير إلى جانب رئيس الوزراء آنذاك أبو الراغب قاما بمأسسة الفساد الرسمي على أعلى المستويات وهو الأمر الذي ما زال يطارد الأردن حتى اليوم”. (اشتهرت حكومة أبو الراغب بالتشديد على الإعلام الرسمي والخاص وبتعليق البرلمان لما يقرب من عامين وإصدار أكثر من 200 قانون موقت).
ومع ذلك، انتهى نفوذ المشير خير. في أيار/ مايو 2005، أقاله الملك عبد الله من منصبه في دائرة المخابرات العامة.
عام 2009، دعا نائبان في مجلس النواب إلى محاكمة المشير خير وأبو الراغب في ما يتعلق بملف عملية احتيال النفط العراقي، لكن كليهما لم يتعرض لأي مساءلة.
توفي المشير خير وحيداً في غرفته في فندق فخم في فيينا في كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام.
قبل ذلك بثلاث سنوات، كان حسابه في البنك يحتفظ بـ28.3 مليون فرنك سويسري. وسيحتفظ حساب بنك “كريدي سويس” الذي افتتحه سعيد، شقيق المشير خير عام 2006، ، بـ13 مليون فرنك سويسري بحلول عام 2011، قبل إغلاقه عام 2014. (سعيد خير خدم مهندس طيران أرضي لطائرتي الراحل الملك حسين الخاصتين). وكانت زوجة المشير خير وقت وفاته، النرويجية يانيكه فريح، تملك حسابها الخاص الذي كان فيه 6 ملايين فرنك سويسري عام 2010، وقد أغلق عام 2014.
في رسالة إلى OCCRP، قالت فريح إن الأسئلة حول حسابات العائلة في بنك “كريدي سويس” كانت “عجيبة وغريبة ومشينة”.
ووصفت خير بأنه “رجل شريف حارب الإرهاب طوال حياته حتى يتمكن أشخاص مثلي ومثل جماعتكم من العيش بأمان في هذه الحياة”. وأصرت على أنها لم تفتح حساباً في بنك كريدي سويس، ولم يكن لديها أي فكرة عن أي أموال هناك، وكانت مجرد “ربة منزل”.
“شيء ثمين جداً”
بالنسبة إلى شخصيات الاستخبارات العالمية، فإن العمل مع “كريدي سويس” قدم خدمة كان من الصعب تقديمها في زمن العولمة.
قال ضابط استخبارات أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته إن “هذه المصارف تمثل شيئاً ثميناً جداً بالنسبة إلى مجتمع الاستخبارات ألا وهو السرية. وهذه السرية المصرفية تجعل خدماتها مفيدة جداً للعمليات السرية” التي يقوم بها هؤلاء.
قال مدير مخابرات ألماني سابق خدم في الشرق الأوسط لـOCCRP وشركائه إنه لم يفاجأ بأن موظفين رفيعي المستوى في جهاز المخابرات من بلدان غير ديموقراطية يتعاملون مع سويسرا. وأشار المصدر إلى أن مثل هذه الحسابات يمكن أن تكون بمثابة دعم احتياطي لهم، إذا ما تمت الإطاحة بالأنظمة التي يخدمها هؤلاء، أو أنهم هم أنفسهم قد يصبحون غير مرغوب بهم.
هذا التقييم ردده أيضاً باير، العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية.
يقول العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية: “في العالم العربي، أنت في وظيفتك لفترة طويلة فقط. يتعين عليك أنت وعشيرتك سرقة ما تستطيع وإنشاء عش بيض (لرعاية ذلك). سويسرا هي المكان الأكثر أماناً، بمجرد الانتهاء من إعداد عملية فتح حساباتك”.
يبدو أن فقدان الدعم الرسمي هو أحد المخاطر الرئيسية لعالم الاستخبارات. بعد سقوط مبارك عام 2011، ألقى اللواء سليمان بقبعته في الحلبة لقيادة مصر، لكنه استبعد كمرشح.
توفي اللواء سليمان في مستشفى كليفلاند كلينك المرموقة في ولاية أوهايو بعد أشهر، في تموز 2012 لأسباب طبيعية.
قال غراهام بارو، خبير الجرائم المالية ويقيم في المملكة المتحدة، إن المبالغ الهائلة الموجودة في حسابات “كريدي سويس” المرتبطة بشخصيات استخباراتية كان ينبغي أن ترفع “أعلاماً حمراً”- وهو مصطلح في المجال المصرفي يشير إلى التحذير من مخاطر عالية بشكل استثنائي.
قال بارو لـ OCCRP: “يجب أن تخضع هذه الحسابات بالتأكيد لتدقيق معزز”.
وقال “لا يوجد سبب يمنع ضابط مخابرات كبيراً من فتح حساب مصرفي، لكن يتعين عليه تقديم سبب لرغبته في فتح هذا الحساب وووجهة استخدامه. إذا كان هناك تناقض في أي وقت ، فيجب أن يرفع البنك إشارات التحذير الحمر.
مربع مفتوح: مديرو استخبارات آخرون
وجد OCCRP وشركاؤه في تحقيق “أسرار سويسرية” نحو 40 حساباً في بنك “كريدي سويس” مملوكة لأكثر من 12 شخصية استخباراتية من جميع أنحاء العالم.
وكان من بينهم النقيب السابق في الجيش الفنزويلي كارلوس لويس أغيليرا بورخاس- المعروف بـ”الرجل الخفي”، والذي عمل حارساً شخصياً للرئيس هيوغو شافيز في تسعينات القرن الماضي.
بصفته مديراً لأجهزة المخابرات الفنزويلية لمدة عامين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عُرف أغيليرا باعتقاله السياسيين المعارضين. استقال عام 2002، بعدما فشل في منع محاولة انقلاب كادت تطيح بالرئيس.
ثم ركز أغيليرا بعد ذلك على الأعمال التجارية، ويقال إنه جمع نحو 90 مليون دولار من صفقة فاسدة لإصلاح خط مترو في كاركاس. عام 2013 تم تسريب مقطع صوتي سُمع فيه مذيع تلفزيوني شهير يتهم أغيليرا بـ”استنزاف البلاد” مع شركات وهمية مرخص لها بالحصول على دولارات أميركية كان يصعب الحصول عليها.
فتح أغيليرا حساباً واحداً في حزيران/ يونيو 2011 وفي غضون بضعة أشهر نقل نحو 8 ملايين دولار إليه. وافتتح في تموز 2011 حساباً آخر مرتبط بكيان قانوني يسيطر عليه، وكان رصيده الأقصى يبلغ نحو 5 ملايين دولار.
في هذه الاثناء في أوكرانيا، فتحت حسابات باسم فاليري خوروشكوفسكي، الرئيس السابق لجهاز الأمن، وهو الآن ملياردير وتعتبر حساباته من بين الحسابات الأعلى قيمة في هذه البيانات المصرفية، كان أحدها يحتوي مليار فرنك سويسري عام 2006، وهو العام الذي انضم فيه للمرة الأولى إلى مجلس الدفاع والأمن في أوكرانيا والذي يركز على مسائل تهم الأمن القومي.
في مصر، كان لأشرف مروان حساب، وهو رجل المخابرات كانت ولاءاته غامضة مثل موارده المالية. وعرف عنه أنه وأثناء عمله مستشاراً استخباراتياً لوالد زوجته، الرئيس جمال عبد الناصر، سرب معلومات استخباراتية إلى القوات الإسرائيلية خلال حرب يوم الغفران عام 1973- لكن البعض يزعم أن المعلومات كانت كاذبة.
أشرف مروان
فتح رجل المخابرات المصري أشرف مروان حسابه في “كريدي سويس” عام 2000. وبحلول ذلك الوقت، كان ترك العمل الاستخباراتي وراءه وانتقل إلى المملكة المتحدة حيث توسع في الأعمال التجارية. وبحسب ما ورد، فإنه اشترى حصة في نادي “تشيلسي” لكرة القدم. مات أشرف مروان بعد سبع سنوات إثر سقوط غامض من شرفة في لندن. وقالت زوجته للصحافة إن وفاته كانت انتقاماً لخيانته المخابرات الإسرائيلية.
ومن ألمانيا، كان ضابط الشرطة السرية السابق يورغن سيلينسكي يملك حساباً فيه نحو 150 مليون يورو في كانون الثاني/ يناير 2010. وكان سيلينسكي قد غادر ألمانيا بعد انهيار الشيوعية، ووصل إلى الكونغو، حيث أنشأ شركة لإدارة النفايات.
كما تتضمن البيانات روايات تخص شخصيات لها صلات بأجهزة الاستخبارات الأوزبكية، التي اتهمتها منظمات حقوقية متعددة بالتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي. عام 2009، قال ضابط الاستخبارات السابق إكرام يعقوبوف لـ”بي بي سي نيوزنايت” إنه شهد هذه الانتهاكات مباشرة، وادعى أنه أُجبرعلى تلفيق أدلة ضد أشخاص يعرف أنهم أبرياء.
ارتبطت حسابات أخرى بشخصيات استخباراتية من العراق والجبل الأسود ونيجيريا وباكستان واليمن. ويعود أقدم حساب إلى منتصف السبعينات، حيث بلغ الحد الأقصى لرصيد خروشوفكسي أكثر من مليار فرنك سويسري.
————————
“وثائق سويسرية”: تحقيق يكشف حسابات في “كريدي سويس” لمنتهكي حقوق الإنسان وغاسلي الأموال ومسؤولين فاسدين
OCCRP – مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه
فبراير 20, 2022
على رغم مرور عقدين على تعهدات بنك “كريدي سويس” باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأموال غير المشروعة، تكشف بيانات “أسرار سويسرية” Suisse Secrets، المسربة أنها تحتفظ بأموال لعشرات العملاء الإشكاليين من كل ركن من أركان العالم تقريباً.
إعداد منظمة تعقب الفساد المنظم والجريمة العابرة للحدود OCCRP وشريكها “زود دويتشه تسايتونغ” SZ
رئيس جهاز الاستخبارات اليمني متورط في التعذيب. أبناء رجل آذربيجاني قوي يحكم منطقة جبلية كإقطاعية خاصة به. البيروقراطيون المتهمون بنهب الثروة النفطية الفنزويلية والتعجيل بانزلاقها نحو أزمة إنسانية.
إنهم يأتون من جميع أنحاء العالم، ويرتبط كل منهم بنظام استبدادي فاسد مختلف، ويثري كل منهم نفسه بطريقته الخاصة. ولكن هناك شيء واحد يربطهم ويوحدهم، وهو أين احتفظوا بأموالهم.
النموذج السويسري
بعد ساعاتها الفاخرة، والجبال المغطاة بالثلوج، والشوكولاتة المتميزة ربما تشتهر دولة جبال الألب في سويسرا بقطاعها المصرفي السري. وفي قلب هذا القطاع في بنك كريدي سويس، الذي أصبح على مدى تاريخه المستمر منذ 170 عاماً، من أهم المؤسسات المالية في العالم.
مع ما يقرب من 50000 موظف و1.5 تريليون دولار من الأصول الخاضعة لادارته والمتعلقة بـ1.6 مليون عميل، هذا العملاق المصرفي هو شهادة على مدى محورية القطاع المصرفي في هذه الدولة الغنية والمرتاحة.
ولكن كما يكشف تحقيق تشاركي جديد تقوده الصحيفة الالمانية “زود دويتشه تسايتونغ” Süddeutsche Zeitung وOCCRP، فإن هذا النجاح الباهر له جانبه المظلم.
حصل الصحافيون على سجلات مسربة تحدد هوية آلاف العملاء الأجانب الذين خبأوا أموالهم في بنك كريدي سويس. السجلات الموجودة الآن تشكل تقريباً قائمة متكاملة لعملاء البنك، لتكشف لمحة حول ما يحدث وراء ستار السرية المصرفية السويسرية.
أمضى ما يقرب من 160 صحافياً من 48 جهة شهوراً في البحث في البيانات لتحديد عشرات الحسابات التي تعود إلى سياسيين فاسدين ومجرمين وجواسيس وديكتاتوريين وشخصيات مشبوهة أخرى. هذه ليست أسماء غامضة، فغالباً ما يمكن التعرف إلى أفعالهم السيئة من خلال بحث “غوغل” بسيطة. ومع ذلك، ظلت حساباتهم- التي كانت تحمل أكثر من 100 مليار دولار- مفتوحة لسنوات.
كان من بينهم عائلة رئيس المخابرات المصرية الذي أشرف على تعذيب المشتبه في أنهم إرهابيون لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إيطالي متهم بغسل أموال إجرامية لجماعة “ندرانغيتا” الإيطالية الإجرامية؛ مسؤول تنفيذي ألماني قام برشوة مسؤولين نيجيريين للحصول على عقود اتصالات؛ والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي كان يحتفظ بأكثر من 230 مليون فرنك سويسري (223 مليون دولار) في حساب مصرفي سويسري واحد، حتى في الوقت الذي كانت فيه بلاده تجني مليارات المساعدات الخارجية كل عام.
وفي فنزويلا، قامت النخب المتهمة بنهب شركة النفط الحكومية بتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى حسابات كريدي سويس. وتدفقت الأموال خلال فترة أدت فيها عمليات النهب الواسعة النطاق من خزائن الحكومة إلى انهيار اقتصادي دفع ستة ملايين شخص إلى الفرار من الفقر المدقع وسوء التغذية ونقص الرعاية الطبية. أبقى البنك حسابات عملائه الفنزويليين مفتوحة حتى في الوقت الذي كشفت فيه وسائل الإعلام العالمية عن قضايا فساد ضد العديد منهم، واعترف بعضهم بالذنب.
وقال خبراء الامتثال الذين استعرضوا النتائج التي توصل إليها OCCRP كثرمن هؤلاء الناس لا ينبغي أن يسمح للبنك في كريدي سويس على الإطلاق.
وقال غراهام بارو الخبير المستقل في الجرائم المالية “يجب ألا يتمكن الناس من الوصول الى النظام إذا كان ما يحملونه أموالاً فاسدة”.
“يقع على عاتق المصرف واجب واضح لضمان أن يكون للأموال التي يتعامل معها مصدر واضح ومشروع”.
“كريدي سويس” ليس الجاني الوحيد. وقد واجهت العديد من البنوك الكبرى وشركات الخدمات المالية فضائح مماثلة على مر السنين. ثم يتعهد كثيرون بالإصلاح. ومع ذلك، وكما تكشف تحقيقات مثل هذه ، فإنها لا تزال تسمح للعملاء المراوغين بأخذ الثروة التي حققوها في البلدان ذات الأنظمة القانونية السيئة والرقابة المتراخية ، وحمايتها في بعض الأماكن الأكثر أمانا في العالم. من هناك، يمكن إرسال هذه الأموال إلى أي مكان تقريباً، لأن البنوك السويسرية تتمتع بالسمعة الطيبة/ كما أنها مركزية جدا للنظام المالي العالمي؟
يقول جيمس هنري، كبير مستشاري شبكة العدالة الضريبية الخيرية في المملكة المتحدة والذي درس التهرب الضريبي في بنك “كريدي سويس”: “يستخدم المتهربون من الضرائب، والكليبتوقراطيون، والأشخاص الذين يسرقون بلدانهم ، مؤسسات العالم الأول هذه كأماكن لإخفاء أموالهم. لأن هناك أنظمة قانونية، سلطة قضائية مستقلة لا يمكن شراؤها”.
تحدثت OCCRP إلى أكثر من اثني عشر موظفاً سابقاً وحالياً في بنك كريدي سويس لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تفسير سبب تعامل البنك مع الكثير من العملاء الذين يعانون من مشكلات. وأشار كثر منهم إلى ثقافة الشركات التي حفزت على المخاطرة لجلب المزيد من الحسابات.
قال مصرفي سابق في بنك “كريدي سويس” في زيوريخ لـOCCRP طالباً عدم الكشف عن هويته أن “إدارة الامتثال في البنك هم سادة الإنكار المعقول”. “لا تسأل أبداً سؤالاً لا تريد أن تعرف الإجابة عليه”.
وأوضح مسؤول تنفيذي كبير سابق في بنك كريدي سويس أن إجراءات الامتثال أكثر صرامة بالنسبة إلى العملاء من المستوى الأدنى . ولكن تعويضات المصرفيين كانت تعتمد على جلب حسابات ذات قيمة عالية، ما خلق حافزاً قوياً للتسامح مع العملاء الأثرياء بغض النظر عن خلفيتهم.
وقال المدير التنفيذي السابق: “إن العناية الواجبة للعملاء والحسابات – لنقل على مستوى مليون دولار- دقيقة للغاية. “ولكن عندما يتعلق الأمر بالحسابات ذات القيمة المالية العالية ، يشجع الرؤساء الجميع على النظر في الاتجاه الآخر ، ويتم تخويف المديرين بشأن مكافآتهم وأمنهم الوظيفي”.
بنك “كريدي سويس” هو من أكبر المؤسسات المالية في العالم، مع أكثر من 45،000 موظف في مكاتب في جميع أنحاء العالم. نظراً إلى حجم البنك.
OCCRP أجرت مقابلات مع عدد من الموظفين الحاليين والسابقين. وفي ما يلي ما قاله بعضهم عن بيئة العمل في “كريدي سويس”:
“نجاحك في البنك يتحدد بشيء يسمى صافي الأموال الجديدة. يتم تعريف صافي الأموال الجديدة على أنه إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة التي تجلبها إلى البنك كل عام مطروحاً منه أي أصول تديرها تركت البنك في نفس العام. كلما زاد صافي الأموال الجديدة، زادت المكافأة وزاد احتمال ترقيتك. من خلال هيكلة نجاحك في البنك بهذه الطريقة، يحفز البنك المصرفي على النظر في الاتجاه الآخر باستخدام حساب يعرفون أنه سام. إذا قمت بإغلاق حساب سام ، وبخاصة حساب كبير يتجاوز 20 مليون دولار ، يجد المصرفي نفسه في حفرة عميقة. حفرة عميقة يكاد يكون من المستحيل الخروج منها”، قال مصرفي سابق.
“بإمكان مدير كبير جداً الموافقة على الحسابات دون الحاجة إلى المرور عبر النظام العادي. الآخرون الذين يعملون معه لا يعرفون أي شيء عن هذه الحسابات ومن هو العميل. هذه الحسابات تدار في بعض الأحيان من قبل مجموعة قريبة جداً على مستوى الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة البنك. عندما يريد شخص ما الانخراط في غسيل الأموال بعدما نهب أصول البلاد، على سبيل المثال، يحتاج إلى تحويل الأموال. لذا فإن أصحاب الحسابات الكبيرة يذهبون مباشرة إلى كبار المديرين، ولا يمرون عبر النظام المصرفي الخاص العادي…
“ظاهرياً يشدد البنك على نصوص قواعده وقوانينه، ولكن في الواقع، حجم دفتر الشيكات الخاص بك هو المهم ، وفي هذه الحالة، فإنها سوف ينظر في الاتجاه الآخر. تبلغ قيمة الحسابات التي تبدأ في الخدمات المصرفية الخاصة 5 ملايين دولار، ويتم فحصها بشدة. إذا كنت كمصرفي في كريدي سويس تريد الحصول على حساب 200 مليون دولار، فيتم تجاهل القواعد والقوانين والنظر في الاتجاه الآخر”، وفق المدير التنفيذي السابق.
“طالما أن (الإدارة العليا) يمكن أن تقوم باستغلال المنصب، فإن ذلك يعمل بشكل جيد جداً. من الناحية العملية سيكون نظام الرقابة في مكانه، وستكون هناك تفاحة سيئة، انها ليست أبدا خطأ البنك، إنها دائماً غلطة هذا الموظف وهو المسؤول عن أي شيء سيئ يحدث. هذا هو النهج. نضع النظام، ونجعل الموظفين يوقعون على جميع أنواع إخلاء المسؤولية. إنهم يفهمون كيف يريد البنك أن يعمل. ومن الناحية القانونية هم محميون، إذا كنت تعرف ما أعنيه. إذا لم يتم اتباع هذا الإجراء بالضبط وساءت الأمور، فهو دائماً موظف مارق، لأن البنك فعل كل ما في وسعه من خلال وضع الأشياء الصحيحة في مكانها، على رغم أن الإدارة العليا تفهم أن هذه القواعد يتم تجاوزها…
اعتاد البنك على توظيف مستشارين خارجيين مثل كرول لإجراء أبحاث على العملاء المحتملين قبل أخذهم على متن الطائرة. وقد أرسلت هذه التقارير ببساطة عبر البريد الإلكتروني إلى البنك لمراجعتها. في مرحلة ما أدركوا أنها ليست فكرة جيدة أن تكون تلك التقارير على النظام لأنه عندما يحصل شيء ماء، يكون للجهات الرقابية حق الوصول إلى تلك التقارير. لذا فقد توصلوا إلى نظام يتعين وفقه تسجيل الدخول ومراجعة التقرير من طريق نظام شخص آخر، ولن يتم استيراده إلى نظام البنك، لذلك عندما جاءت هيئة السلوك المالي أو لجنة الأوراق المالية والبورصة للبحث عن معلومات لم يكن من الممكن الكشف عنها”، المدير الإداري السابق.
تعكس هذه الروايات الداخلية مزاعم بأن بنك “كريدي سويس” أصبح الآن يصارع في المحكمة، في أول قضية جنائية يتم رفعها ضد بنك سويسري في سويسرا. ويقول الادعاء ان البنك سمح لمجموعة من مهربى الكوكايين البلغاريين بغسل اكثر من 9 ملايين يورو من أموال المخدرات من خلال حسابات بنك “كريدي سويس”.
ويتهم كبار المسؤولين بتجاهل الكثير من التحذيرات من أن موكليهم البلغاريين لم يكونوا جيدين، بما في ذلك حقيقة أنهم كانوا يودعون حقائب نقدية مدفوعة من صوفيا إلى سويسرا. وحتى بعد اغتيال أحد المجرمين ووصفه في وسائل الإعلام كمهرب كوكايين، نظر موظفو البنك في الاتجاه الآخر.
وشهدت موظفة مصرفية تعاملت مع البلغاريين بأن مصرف كريدي سويس دربها بعناية على كيفية تقديم نفسها للعملاء المحتملين وعلى أهمية السرية المصرفية السويسرية، ولكن لم يتم تدريبها على الامتثال.
وكدليل على ذلك، عندما تم تقديم أحد اختبارات الامتثال الخاصة بها التي أجرتها إلى المحكمة. كانت الموظفة قد أجابت بشكل صحيح على ربع الأسئلة فقط.
البنوك السويسرية تبيع الخصوصية. أراد مراسلون من OCCRP معرفة كيفية بيعها.
تواصلوا مع “كريدي سويس” وسألوا عما إذا كان بإمكانهم فتح حساب مرقم نيابة عن مستثمر ثري من بلد أفريقي. ووجد المراسلون أن ممثلي البنك كانوا حذرين بشأن ما قالوا وفضلوا التحدث عبر الهاتف بدلاً من البريد الإلكتروني. قالوا إن معظم العملاء جاءوا من الإحالات، لكنهم وافقوا على التحدث. وأوضحوا أن الخصوصية مهمة.
“هناك عدد محدود من الناس حتى داخل البنك الذين سيكونون قادرين على الوصول إلى معلومات حسابك”، أكد نائب رئيس بنك “كريدي سويس” لمراسل OCCRP الذي اتصل بالبنك.
وقال مصرفي آخر في رسالة بالبريد الالكتروني ان “المعلومات تعامل بسرية تامة وعلى أساس الحاجة الى المعرفة”.
بصرف النظر عن الحسابات المرقمة مجهولة المصدر- بتكلفة نحو 3000 دولار سنوياً- عرض البنك على المستثمر الأفريقي مجموعة من الخيارات المصممة لتعزيز السرية.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة الأسواق الناشئة الذي يتخذ من زيوريخ مقراً له: “الحسابات المرقمة هي خدمة نقوم بالتخلص منها تدريجياً، حيث تضاءلت الحماية التي توفرها هذه الخدمة بشكل كبير على مر السنين”.
وقد تعرضت سرية الحسابات المرقمة لسلسلة من الضربات في العقد الأول من القرن العشرين، عندما أدت فضائح التهرب الضريبي المتكررة إلى ضغوط دولية على سويسرا لتبادل المعلومات الضريبية للعملاء مع الحكومات الأجنبية- على رغم أن الاتفاقية استبعدت البلدان النامية، التي قال كريدي سويس إنها أكبر أسواقه المستهدفة.
“، إن المصرفيين السويسريين وجدوا حلولا تسمح لهم بمواصلة إخفاء ثروة أكثر العملاء اثارة للاهتمام، اولئك الذين يجلبون معظم الأرباح، أي الأفراد المشهورين ذوي الثروات العالية للغاية”.
اقترح كبار المديرين التنفيذيين لبنك كريدي سويس عدة بدائل للحسابات المرقمة في عرضهم لمراسلة OCCRP، بما في ذلك وضع أموالها في صندوق ائتمان.
الصناديق الائتمانية وسيلة مالية مشتركة لدى العديد من السلطات، ولكنها تعرضت لانتقادات من دعاة الشفافية لأنها تسمح للمالكين الحقيقيين بالاختباء وراء “المرشحين”، الذين يمكنهم العمل كمساهمين ومديرين.
في نهاية الأمر، أشار بنك كريدي سويس إلى أن موظفيه يمكنهم العمل كمساهمين ومديرين مرشحين في الشركات القابضة والصناديق الائتمانية والحسابات المصرفية، والتي يمكن تسجيلها في شركات قابضة مجهولة الهوية. ومن شأن هذه الخدمة أن تخلق طبقات قانونية من الملكية تسمح للأفراد الأثرياء بالنأي بأنفسهم عن ثرواتهم.
ولم تستخدم الصناديق الائتمانية على نطاق واسع في سويسرا حتى وقت قريب- ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن السرية المصرفية شغلت نفس الدور. ولكن هذا قد يكون على وشك التغيير. في الشهر الماضي، قدمت سويسرا مشروع قانون جديد من شأنه أن يسمح للمصرفيين السويسريين بإنشاء صناديق ائتمانية في سويسرا للمرة الأولى.
قال سيباستيان غويكس، أستاذ التاريخ في جامعة لوزان والذي يدرس البنوك السويسرية، إن هذا كان رد فعل مباشر على اتفاقيات تقاسم الضرائب الجديدة التي كشفت الغطاء عن الثروة المخزنة في البنوك السويسرية لمزيد من التدقيق.
وقال لصحيفة “الغارديان”، إن المصرفيين السويسريين وجدوا حلولا تسمح لهم بمواصلة إخفاء ثروة أكثر العملاء اثارة للاهتمام، اولئك الذين يجلبون معظم الأرباح، أي الأفراد المشهورين ذوي الثروات العالية للغاية”.
“هذه الحلول سوف تشمل إنشاء أنظمة التهرب الضريبي لهؤلاء العملاء على أساس المؤسسات الخيرية الخاصة بالاسر أو، حتى أكثر من ذلك، على المؤسسة القانونية الأنكلوسكسونية، أو الأوقاف”.
تعود سمعة سويسرا في مجال السرية المالية إلى مئات السنين.عام 1713، منع مجلس البنوك في جنيف المصرفيين من الكشف عن تفاصيل عملائهم لحماية مصالح الملكية الفرنسية، التي أرادت إخفاء تعاملاتها مع البنوك في بلد بروتستانتي “هرطقي”.
ساعد وضع الحياد المعترف به دولياً في سويسرا منذ عام 1848 فصاعداً في جذب كميات هائلة من رأس المال من الخارج، كما فعل قطاع السياحة الآخذ في التوسع الذي كان يحاول جذب أغنى الأثرياء في أوروبا للإقامة الطويلة في القصور المطلة على البحيرة أو المصحات في جبال الألب.
يوضح سيباستيان غويكس، الأستاذ في جامعة لوزان والذي يدرس الصناعة المصرفية السويسرية، قائلا: “لإضافة شيء لم يكن لدى البلدان الأخرى، اعتمدت أيضاً تدابير ضريبية لتحفيز الأغنياء الآتين من الخارج على البقاء طويلً في سويسرا”.
أصبحت سويسرا ملاذاً ضريبياً، وبدأت تتنافس مع فرنسا وغيرها من البنوك الأوروبية ذات الوزن الثقيل لجذب رأس المال الأجنبي. سواء كانت الجبال أو القوانين، فقد نجحت – بدأ الأجانب الأثرياء يصلون بأعداد كبير، ومعهم أموالهم.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، لجأ الأوروبيون الأثرياء إلى سويسرا لعزل أنفسهم عن عدم الاستقرار الاقتصادي وزيادة الضرائب المرتبطة بالمجهود الحربي.
عام 1934، أضفت سويسرا الطابع الرسمي على ذلك بقانون مصرفي، وهو قانون وعد بسجن أي موظف في المصرف يسعى إلى الكشف عن معلومات سرية عن العملاء.
وفي الآونة الأخيرة، أدخلت سويسرا تغييرات على الطريقة التي التي يتم بها تنظيم قطاعها المصرفي.
بعد الانهيار المالي عام 2008، وافقت البلاد على رفع الحجاب عن آلاف الحسابات بعدما أخبر أحد موظفي “يو بي إس” المدعين العامين الأميركيين كيف يساعد البنك الأميركيين على إخفاء أصولهم.
ولكن ليس من دون ضمان رفض الاتهامات الأميركية بالتهرب الضريبي أولاً، ورفع العقوبة القصوى لانتهاك قوانين السرية المالية من ستة أشهر إلى خمس سنوات فقط.
يقول الخبراء إن القانون يجرم بشكل أساسي الإبلاغ عن المخالفات، وإسكات المطلعين والصحفيين الذين قد يرغبون في فضح المخالفات داخل بنك سويسري.
قال جيفري نيمان، وهو محام أميركي يمثل المبلغين عن المخالفات في “كريدي سويس”، “إن هذا القانون يشيطن أولئك الذين يتقدمون بمعلومات جيدة لفضح الفساد”.
إقرأوا أيضاً:
إذا كان “كريدي سويس” يبيع السرية، فإن هناك الكثير من المشترين
تظهر معلومات الحساب المسربة أن “كريدي سويس” قام بأعمال تجارية مع نخب من بعض الأنظمة الأكثر فساداً في العالم، أشخاص مثل رئيس الجاسوسية الفنزويلي السابق كارلوس لويس أغيليرا بورخاس.
كان أغيليرا مقربا من هوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي السابق الذي توفي عام 2013 بعد تأسيس نظام اشتراكي أصبح غارقاً في الفساد، حيث قام المسؤولون بنهب أموال الدولة وإخفاء الأموال في الخارج. كان أغيليرا مع شافيز خلال محاولته الأولى للاستيلاء على السلطة في انقلاب فاشل عام 1992، وخدم في الحكومة بعدما اكتسح الانتخابات عام 1998.
هيوغو تشافيز
عام 2001، نصب شافيز أغيليرا رئيسا لجهاز المخابرات، حيث ظل بعيدا عن الأنظار، متجنبا إجراء المقابلات والصور الفوتوغرافية. يسمونه “الخفي” ، كارلوس أغيليرا، رئيس الشرطة السياسية. لا أحد يراه. قال شافيز في بث وطني عام 2002 من برنامجه التلفزيوني الأسبوعي “مرحباً أيها الرئيس، إنني أعرف مكانه”.
ولكن أغيليرا فقد الحظوة في وقت لاحق من ذلك العام بعد فشله في منع محاولة الانقلاب التي كادت أن تطيح بشافيز. ترك منصبه في الخدمة السرية ودخل القطاع الخاص بدوام كامل، وجمع ثروة لا يستطيع لمعظم الفنزويليين تخيلها.
هوغو تشافيز عام 2001، وهو العام الذي عين فيه كارلوس أغيليرا رئيساً للمديرية الوطنية للاستخبارات وخدمات الوقاية في فنزويلا
عام 2007، أصبح أغيليرا المساهم الرئيسي في شركة Inversiones Dirca S.A. وهي شركة فنزويلية حصلت على عقد بقيمة 1.85 مليار دولار في العام التالي لتجديد خط مترو كاراكاس. لم تكن هناك عملية مناقصة عامة، وأخذ أغيليرا عمولة بنسبة 4.8 في المائة بقيمة 90 مليون دولار تقريبا.
وعام 2011، تم فتح حسابين باسم أغيليرا وسجلا ما لا يقل عن 7.8 مليون فرنك سويسري (8.6 مليون دولار أميركي). كانت حسابات أغيليرا لا تزال مفتوحة حتى العقد الماضي عندما تم جمع بيانات SuisseSecrets.
كارلوس لويس أغيليرا بورخاس
قال بارو خبير الجرائم المالية “إنه بكل تعريف شديد الخطورة”، مضيفاً أن البنوك مسؤولة عن التأكد من شرعية مصادر أموال العملاء المرتبطين بالسياسة.
“لا ينبغي أن يملك الناس إمكانية الوصول إلى النظام إذا كان ما يحملونه هو أموال فاسدة”.
يتذكر أحد المبلغين عن المخالفات، الذي عمل سابقاً في بنك “كريدي سويس: في زيوريخ، كيف شجع المديرون التنفيذيون المصرفيين على متابعة العلاقات عالية الخطورة.
وقال المصرفي السابق الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن “الإدارة تحفز خدمة الأموال ذات المصدر المشكوك فيه من خلال الضغط على المصرفيين، وخصوصاً المصرفيين الصغار، لفتح حسابات سامة أو مواجهة العواقب”. ” هذه العواقب غالباً ما تكون إنهاءً للخدمة أو وقف المكافآت أو عدم الحصول على زيادة في الأجور”.
وحدد تقرير [السنة] الصادر عن سيبلاك Sepblac، وحدة الاستخبارات المالية الإسبانية، “مؤشرات على غسل الأموال” في التعاملات التجارية لأغيليرا، والتي قالت إنه كان ينبغي فحصها بعناية من قبل بنك مدريد Banco de Madrid، وهو بنك آخر كان لدى أغيليرا حساب فيه.
عام 2015، أفادت التقارير بأن أغيليرا وعدداً من المسؤولين السابقين الآخرين في نظام تشافيز يخضعون للتحقيق بتهمة غسل الأموال في إسبانيا، وفقاً للصحف الإسبانية.
لم يرد أغيليرا على أسئلة OCCRP عبر البريد الإلكتروني.
وقال البنك في بيان: “يدير بنك كريدي سويس أعماله وفقا لجميع القوانين واللوائح العالمية والمحلية المعمول بها. في السنوات الأخيرة اتخذ البنك سلسلة من التدابير المهمة في خط الإصلاحات المالية السويسرية، بما في ذلك استثمارات كبيرة على وجه التحديد في الامتثال ومكافحة الجريمة المالية. يلتزم كريدي سويس بنظام صارم من السرية والعناية لعملائه، ولا يمكننا التعليق على المطالبات المقدمة لنا بشأن أي أفراد، سواء كانوا عملاء أم لا”.
تعهد بنك كريدي سويس مراراً وتكراراً باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأموال غير المشروعة، في أعقاب سلسلة من الفضائح التي بدأت قبل أكثر من عقدين بوفاة ديكتاتور نيجيري سيئ السمعة. وبعد وفاة ساني أباشا عام 1998، تبين أن مصرف “كريدي سويس” ساعد على إخفاء بعض من 4.3 بليون دولار كانت أسرته قد نهبتهم من بلاده.
في محاولة لنزع فتيل تداعيات هذا الكشف، قال رئيس البنك آنذاك عام 2000 إنه “قام باستمرار بتحسين… إجراءات الرقابة والامتثال لها.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، أصبح بنك كريدي سويس عضواً مؤسساً في مجموعة وولفسبرغ Wolfsberg، وهي جمعية مصرفية دولية تم تجميعها للحد من التدفقات المالية غير المشروعة.
وجاء في بيان لمهمة مجموعة وولفسبرغ Wolfsberg Group عام 2000 “سيسعى البنك لقبول العملاء الذين يمكن إثبات شرعية مصدر ثروتهم وأموالهم بشكل معقول، حصراً”.
ومع ذلك فإن وعود بنك كريدي سويس بالتنظيف لم تفعل شيئا يذكر لمنع تورطها في القضايا الجنائية لسنوات عديدة قادمة.
وقال جيفري نيمان المحامي الاميركي ان “البنك يحب ان يقول انهم مجرد مصرفيين محتالين”. “ولكن كم عدد المصرفيين المحتالين الذين تحتاجهم قبل البدء في امتلاك بنك محتال؟”.
لا يمثل نيمان مصدر تسريب سويس سيكريتس Suisse Secrets، لكن موكليه يشملون المبلغين عن المخالفات الذين أخبروا محكمة أميركية في شباط/ فبراير 2021 أن بنك كريدي سويس واصل مساعدة مواطنين أميريكان على إخفاء مئات الملايين من الدولارات بشكل غير قانوني في الخارج. وإذا كان ذلك صحيحاً، فسيكون ذلك انتهاكاً لتعهد عام 2014 قدمه البنك لتسوية التهم الجنائية في الولايات المتحدة.
تقوم وزارة العدل واللجنة المالية بمجلس الشيوخ حاليًا بالتحقيق فيما إذا كان بنك كريدي سويس قد واصل تسهيل التهرب الضريبي بعد التسوية ودفع غرامة قياسية قدرها 1.3 مليار دولار عام 2014.
قال جيفري نيمان المحامي الاميركي ان “البنك يحب ان يقول انهم مجرد مصرفيين محتالين”. “ولكن كم عدد المصرفيين المحتالين الذين تحتاجهم قبل البدء في امتلاك بنك محتال؟”.
قال فرانك فوغل، وهو مسؤول سابق في البنك الدولي يعمل الآن في مجال مكافحة الكليبتوقراطية، إن سلطات العدالة الأميركية والأوروبية رفعت عدداً “مذهلاً” من القضايا على مر السنين ضد البنوك السويسرية، بما في ذلك بنك “كريدي سويس”. لكنه أشار إلى أنه حتى الآن لم تتم مقاضاة أي رئيس لأي من هذه البنوك شخصياً، أو حتى فقد وظيفته بسبب هذه الجرائم.
وقال، “تجبر الملاحقات الجنائية البنوك على دفع غرامات، لكن يبدو أن المصرفيين يتعاملون معها على أنها مجرد تكاليف لممارسة الأعمال التجارية”.
عام 2013، اعترف رئيس مجلس إدارة البنك في ذلك الوقت، أورس روهنر، بأخطاء في تعامله مع فضيحة التهرب الضريبي في الولايات المتحدة، لكنه قال لمحطة تلفزيون سويسرية إنه هو نفسه “نظيف الأيدي”.
وفي معرض تذكيره بهذا الحادث فى مقابلة اجرتها معه OCCRO، قال عضو البرلمان السويسرى جيرهارد اندريه انه مازال متشككاً فى أن المديرين التنفيذيين لبنك كريدى سويس لم يقبلوا ابداً تحمل المسؤولية عن الفضيحة .
“إنه رئيس الشركة” وقال اندريه على الهاتف من مكتبه فى البرلمان حيث يمثل حزب الخضر . “إذا كنت الرئيس التنفيذي أو الرئيس، لا يمكنك أن تقول، ‘لا علاقة لي،’ لأنك مسؤول عن تعريف الثقافة. يتم تعريف الثقافة من أعلى إلى أسفل من قبل كبار الموظفين ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين”.
وأشار جيرهارد أندريه، عضو البرلمان السويسري الذي يمثل حزب الخضر، إلى أنه عام 2014 رفض الرئيس آنذاك أورس روهنر قبول المسؤولية الفردية عن بنك كريدي سويس لمساعدة المواطنين الأميركيين على التهرب من الضرائب الفيدرالية.
ومع اتهام من هم في القمة بتجاهل جرائم الفساد الأخرى، يشعر الموظفون من المستوى المتوسط بالعجز عن اتخاذ إجراءات، وفقاً لمسؤولين سابقين في البنك اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم.
قال أحد كبار المصرفيين السابقين: “لقد تقاعدت مبكراً، حيث نمت السمية بين الامتثال والأعمال التجارية، أصبح الأول ينمو ببطء وبشكل كامل غدا تابعاً للأخير”.
رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تسربت إلى OCCRP تؤكد أن هذه الثقافة لا تزال مشكلة اليوم. حددت رسالة إلكترونية في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك كريدي سويس إلى موظفيه الـ50000 بعد مسح عالمي للموظفين، “الحاجة إلى بيئة تمكّن الزملاء المعرضين للخطر والامتثال من التحدث”.
لكن الخبراء يقولون إن ثقافة بنك “كريدي سويس” لن تتغير حتى يواجه كبار المديرين التنفيذيين تداعيات الفضائح التي يعاني منها البنك. وقال جيمس هنري، الخبير الاقتصادي وكبير مستشاري شبكة العدالة الضريبية الخيرية في المملكة المتحدة والذي درس التهرب الضريبي في بنك كريدي سويس: “يتعين على الرؤساء التنفيذيين أن يذهبوا إلى السجن بسبب هذا الأمر”.
في حين يتهم المنتقدون بنك كريدي سويس بالإهمال، فإنهم يلقون بالكثير من اللوم على للحكومة السويسرية، المسؤولة عن البيئة التنظيمية المتساهلة والقوانين التي تعاقب أولئك الذين يتحدثون ضد الفساد.
قال ستيفان لينز، المدعي العام الاتحادي السويسري السابق الذي قاد قضايا فساد كبرى، إن هناك عدداً قليلا جداً من التحقيقات التي تستهدف البنوك السويسرية أو إدارتها لقبولها أموالا غير مشروعة. وقال لينز لـOCCRP: “يبدو أن هناك نقصاً في الإرادة السياسية وموارد إنفاذ القانون على حد سواء”.
وحث اندريه عضو البرلمان عن حزب الخضر الحكومة على اتخاذ إجراء من أجل مواطنيها.
وقال “إنني سويسري فخور. ويؤلمني عندما تفسد المصارف سمعة بلدي بهذا السلوك”.”الناس غاضبون من الفضائح التي تم كشفها بالفعل”
Suisse Secrets هو مشروع صحافي تعاوني يستند إلى بيانات حساب مصرفي مسربة قدمها مصدر مجهول لصحيفة “سودوتش تسايتونغ” Süddeutsche Zeitung الألمانية، التي شاركته مع OCCRP و47 شريكاً إعلاميا آخر في جميع أنحاء العالم. قام الصحافيون في القارات الخمس بتمشيط آلاف السجلات المصرفية، وأجروا مقابلات مع المطلعين والمنظمين والمدعين العامين الجنائيين، فضلا عن البحث في سجلات المحاكم و الإفصاحات المالية لتأكيد النتائج التي توصلوا إليها. وتغطي البيانات أكثر من 18000 حساب، تم فتحها منذ أربعينات القرن العشرين وحتى العقد الماضي. معاً، كانت هذه الحسابات تحتوي أموال تزيد قيمتها على 100 مليار دولار.
وقال المُبلغ عن المخالفات فى بيان له، “أعتقد ان قوانين السرية المصرفية السويسرية غير اخلاقية ” . “إن ذريعة حماية الخصوصية المالية هي ورقة توت تغطي الدور المخزي للمصارف السويسرية كمتعاونين مع المتهربين من الضرائب. وهذا الوضع يمكن من الفساد والجوع في البلدان النامية التي تحرم من إيرادات الضريبية التي هي في أمس الحاجة إليها. هذه البلدان التي تعاني أكثر من غيرها بسبب حيلة روبن هود العكسية في سويسرا”.
الترويج للخصوصية
البنوك السويسرية تبيع الخصوصية. لكن الصحفيين من OCCRP أرادوا معرفة كيفية بيعها ، لذلك اتصلوا بـ Credit Suisse لفتح حساب. ووجد الصحافيون أن ممثلي البنك كانوا حذرين بشأن ما قالوه وفضلوا التحدث عبر الهاتف بدلاً من البريد الإلكتروني. قالوا إن معظم العملاء جاءوا من الإحالات لكنهم وافقوا على التحدث. وقد أوضحوا أن الخصوصية مهمة.
“هناك أشخاص محدودون حتى داخل البنك الذين سيكونون قادرين على الوصول إلى معلومات حسابك”، قال نائب رئيس بنك “كريدي سويس” لمراسل OCCRP الذي اتصل بالبنك قائلاً إن المنظمة تسعى لفتح حساب مرقم نيابة عن مستثمر ثري من بلد أفريقي.
وقال أحد المصرفيين في رسالة بالبريد الاإكتروني “إن المعلومات تعامل بشكل صارم بسرية وعلى أساس الحاجة إلى المعرفة”.
إن سرية البنك لا تأتي بثمن بخس: فأجور بنك “كريدي سويس” أعلى بنسبة تصل إلى 65 في المئة من الشركات المصرفية العملاقة الأخرى، وفقاً لتحليل OCCRP لجداول تسعير JP Morgan وNedbank.
وبصرف النظر عن الحسابات المرقمة مجهولة المصدر، بتكلفة نحو 3000 دولار سنوياً، عرض البنك على المستثمر الأفريقي مجموعة من الخيارات المصممة لتعزيز السرية.
وقال نائب الرئيس الذي يتخذ من زيوريخ مقراً له ويشرف على الأسواق الناشئة إن “الحسابات المرقمة هي عملية نقوم بالفعل بالتخلص منها تدريجياً، حيث تضاءلت الحماية التي يوفرها ذلك بشكل كبير على مر السنين”.
تعرضت سرية الحسابات المرقمة لسلسلة من الضربات في 2010-2014 و2018. وأدت فضائح التهرب الضريبي المتكررة إلى ضغوط دولية على سويسرا للموافقة على مشاركة المعلومات الضريبية للعملاء مع الحكومات الأجنبية- على رغم من أن الاتفاقية استثنت البلدان النامية، والتي قال “كريدي سويس” كانت أكبر أسواقها المستهدفة.
اقترح كبار المديرين التنفيذيين لبنك “كريدي سويس” بدائل للحسابات المرقمة في عرضهم لمراسل OCCRP. وشملت تلك المركبات المعروفة مثل الصناديق الائتمانية، فضلاً عن آليات سرية أكثر تعقيداً لتوليد السرية بين المقاطعات مثل الولايات التقديرية التي تسمح للعملاء باستثمار الأموال و”حفظ” الحسابات التي هي حسابات على الإنترنت لا تتطلب مراسلات، وكلها مصممة لتوفير مستويات عالية من الخصوصية المالية.
الصناديق الائتمانية هي أداة استثمار مالية مشتركة في العديد من الولايات القضائية، ولكنها تعرضت لانتقادات من دعاة الشفافية لأنها تسمح للمالكين الحقيقيين بالاختباء وراء “المرشحين”، ويمكن أن تعمل كمساهمين ومديرين.
ومع ذلك يقدم كريدي سويس خدمات أخرى يمكن أن توفر حماية أكبر للعملاء. وأشار بنك “كريدي سويس” في العرض إلى أن موظفيه يمكنهم العمل كمساهمين ومديري مرشحين في الشركات القابضة والصناديق الائتمانية والحسابات المصرفية، والتي يمكن تسجيلها في شركات قابضة مجهولة المصدر. ومن شأن هذه الخدمة أن تخلق طبقات قانونية من الملكية تسمح للأفراد الأثرياء بالنأي بأنفسهم عن ثرواتهم.
خدمة أخرى قدمها البنك كانت التفويضات التقديرية، والتي تسمح للبنك باستثمار الأموال نيابة عن العملاء الأثرياء الذين لا يريدون أن تظل أموالهم عاطلة عن العمل. تخلق هذه الخدمة الأموال للجهات الفاعلة التي يحتمل أن تكون مجرمة وفاسدة غير قادرة على جني الأموال من استثمارات العالم الحقيقي دون الكشف عن ثروتها- وكل ذلك مخفي بواسطة “كريدي سويس”.
قال البنك إنه يستطيع فتح حسابات “حفظ أموال”- والتي يمكن تشغيلها فقط عبر الإنترنت دون أي مراسلات فعلية، ما يمنع الآخرين من تعقبها إلى صاحب الحساب.
وقالت مايرا مارتيني، الخبيرة في تدفقات الأموال الفاسدة في منظمة الشفافية الدولية: “إن الصناديق الائتمانية والتفويضات التقديرية وحسابات الأمان هي وسائل سرية مالية معروفة يمكن أن تسمح للجهات الفاعلة الفاسدة بإخفاء ثرواتها.
يبدو أن أكبر فائدة للعملاء هي العمل مع بنك سويسري في المقام الأول. بموجب القانون السويسري، يجب على البنوك حماية سرية العملاء. يحتاج العملاء أيضاً إلى اجتياز متطلبات العناية الواجبة وطرح ممثلو البنك أسئلة العناية الواجبة على مصادر الأموال وخلفية العميل والاستخدامات المتوقعة للحساب ولكن العملية لم تكتمل أبداً. وكان الممثلون حريصين على كسب العمل.
قام المديرون التنفيذيون للبنك الذين بدوا حريصين على جذب المستثمر الثري بترتيب مكالمة فيديو لشرح الخيارات المتاحة، وإيجاد أفضل ترتيب لاحتياجات العميل المحتمل.
وقال أحد المديرين التنفيذيين خلال المكالمة “لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع أو رصاصة سحرية واحدة”. “أول شيء هو إنشاء حساب، ونقل المال خارج أفريقيا”.
وقال مسؤول تنفيذي كبير سابق في بنك كريدي سويس طلب عدم الكشف عن هويته بسبب قوانين السرية المصرفية السويسرية ان الوصول الى الحسابات الاكثر ربحا وخطورة كان محصوراً بكبار المديرين التنفيذيين في البنك.
“إنهم لا يخضعون لنظام المصرفي الخاص العادي. بل يتم الاحتفاظ بسجلاتها في نظام منفصل – يتم إخفاء عملية الإعداد في الملفات التي لا تراها في النظام. وفي كثير من الأحيان لا يعرف عن هذه الحسابات سوى الرئيس التنفيذي أو رئيس مجلس الإدارة”.
وكان من بين الزبائن عائلة رئيس المخابرات المصرية الذي أشرف على تعذيب المشتبه في أنهم إرهابيون لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية؛ إيطالي متهم بغسل أموال إجرامية لجماعة “ندرانغيتا” الإجرامية الإيطالية؛ مسؤول تنفيذي في شركة سيمنز Siemens الألمانية قام برشوة مسؤولين نيجيريين للحصول على عقود اتصالات؛ والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي أطلق عليه المتظاهرون اسم “علي بابا الثاني ولصوصه الأربعين” بسبب الفساد.
وفي فنزويلا، قامت النخب المتهمة بنهب شركة النفط الحكومية بتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى حسابات “كريدي سويس”. وتدفقت الأموال خلال فترة أدت فيها أعمال النهب الواسعة النطاق من خزائن الحكومة إلى انهيار اقتصادي دفع ما يقرب من ستة ملايين شخص إلى الفرار من الفقر المدقع وسوء التغذية ونقص الرعاية الطبية. أبقى البنك بعض حسابات عملائه الفنزويليين مفتوحة حتى في الوقت الذي كشفت فيه وسائل الإعلام العالمية عن قضايا فساد ضد العديد منهم، وبعضهم اعترف بأنه مذنب.
وتظهر البيانات المسربة أن بنك كريدي سويس فتح حسابات لرجل الأعمال الزيمبابوي المثير للجدل مولر كونراد راوتنباخبيلي راوتنباخ قبل أن يساعده في تنظيم صفقة منجم حولت 100 مليون دولار عام 2008 إلى الرئيس روبرت موغابي، الذي كان يقاتل بشدة للفوز في الانتخابات. كما شارك بنك “كريدي سويس” في صفقة المنجم، التي يقول منتقدوها إنها ساعدت في تمويل حملة انتخابية عنيفة أبقت موغابي في السلطة. وبعد شهرين، تم احتساب حسابات راوتنباخ بعشرات الملايين من الدولارات.
وقال الخبراء لـOCCRP إن أعمال “كريدي سويس” مع العملاء المتورطين في الفساد وانتهاكات الحقوق هي نتيجة لثقافة “سامة لوثت المؤسسة من أعلى إلى أسفل.
——————————
كشف ثروات عربية في سويسرا..خدام ومخلوف على رأس القائمة
حصلت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية على تسريب بيانات بنكية لعشرات الآلاف من عملاء بنك “كريدي سويس”، الذي يعد أحد أكبر مصرفين في سويسرا. وتشير معلومات الصحيفة إلى أن المصرف قبِل “قادة مستبدين ومفسدين” من بلدان عدة حول العالم بينها دول عربية.
وبحسب الصحيفة فإن أبرز الأسماء الواردة في التسريبات هم نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، ورجل الأعمال السوري محمد مخلوف، خال رئيس النظام بشار الأسد، ونجلا الرئيس المصري السابق جمال وعلاء ومبارك، بالإضافة للملك الأردني عبد الله الثاني.
مخلوف وخدام وحسابات مليونية
وقالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إنه على مدى السنوات التي كان فيها حساب “كريدي سويس” الخاص بخدام مفتوحاً، تمكن نائب الرئيس السوري السابق من جمع عشرات الملايين من الدولارات، من النقد وأسهم الشركات والقصور الفخمة، وهي ثروة مذهلة بالنسبة لموظف رسمي.
وتؤكد تفاصيل حساب “كريدي سويس” الذي يمتلكه خدام بالاشتراك مع زوجته وأبنائه الثلاثة، أن الأسرة راكمت بالفعل ثروة كبيرة عندما كان خدام في منصبه، وتم فتح الحساب في عام 1994، ووصل إلى أعلى رصيد له بما يقرب من 90 مليون فرنك سويسري في أيلول/سبتمبر 2003.
بالمقابل ووفقاً لموقع قناة روسيا اليوم، فقد ورد اسم محمد مخلوف ضمن هذه التسريبات، حيث يمتلك حساباً مالياً كبيراً، وهو ينشط داخل سوريا وخارجها في مجالات تجارية تشمل التبغ والعقارات والمصارف والنفط.
علاء وجمال مبارك
ونشرت الغارديان تفاصيل تشير إلى أنه من ضمن الواردة أسماءهم في التسريبات، نجلا الرئيس المصري السابق حسني مبارك، علاء وجمال، اللذان أسسا إمبراطوريات تجارية في مصر، وامتدت علاقتهما بالبنك لعقود، مع فتح أول حساب مشترك لهما في عام 1993.
فيما ينقل موقع روسيا اليوم أن الأخوين مبارك كانا يمتلكان 6 حسابات في بنك “كريدي سويس”، وتم فتح أحد حسابات علاء في وقت مبكر يعود إلى عام 1987، عندما كان يبلغ من العمر 27 عاماً. وكان هناك حساب مشترك آخر لهما بلغ حداً أقصى قدره 277 مليون فرنك سويسري. وهذا المبالغ وفقاً للغارديان جرى الإعلان عنها من قبل السلطات المصرية منذ سنوات لكن لم يجرِ تأكيدها أو نفيها.
وتشير المعلومات إلى أن أصول الأخوين مبارك في البنك قد تم تجميدها بعد الثورة التي شهدتها مصر في العام 2011، على الرغم من عدم تأكيد أحد ذلك صراحة. ومن خلال محاميهما، قال آل مبارك إن جميع أصولهم “تم التصريح عنها، وتمت حيازتها بالكامل من أنشطتهم التجارية المهنية”، وأنها “نشأت من مصادر مشروعة وقانونية بالكامل”.
كما تضمنت البيانات تفاصيل عن حساب رئيس جهاز المخابرات المصرية السابق عمر سليمان وبعض شركائه. وتبين وفقاً لتلك البيانات أنهم ملّاك منتفعون لحساب برصيد 63 مليون فرنك سويسري -أي حوالي 65 مليون دولار- خلال العام 2007.
وتقول “الغارديان” إن سليمان كان شخصية مرهوبة الجانب في مصر، حيث أشرف على عمليات تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان واسعة النطاق.
شخصيات عربية أخرى
وجرى الكشف من خلال هذه التسريبات عن وجود حسابات في بنك “كريدي سويس” تملكها شخصيات استخباراتية وعسكرية وأفراد في عائلاتهم، ومنهم شخصيات في الجزائر والأردن واليمن والعراق.
أبرز هذه الشخصيات خالد نزار، والذي تولى منصب وزير الدفاع في الجزائر حتى عام 1993، وشارك في انقلاب أدى إلى اندلاع حرب أهلية وحشية، اتُهم فيها المجلس العسكري الذي كان عضواً فيه بالإخفاء القسري والاعتقالات الجماعية والتعذيب وإعدام المعتقلين.
بالإضافة إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والذي يمتلك 6 حسابات، بما في ذلك حساب تجاوز رصيده 224 مليون دولار، وفق ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
لكن الديوان الملكي الأردني نفى في بيان، وجود “سلوك غير قانوني أو غير لائق” في ما يتعلق بالحسابات المصرفية للملك الأردني أو أفراد عائلته.
وقالت الصحيفة إن مصدراً مجهولاً أرسل لها على صندوق بريد آمن، هذه البيانات. وأشارت إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان المصدر الذي أرسل المعلومات شخصاً واحداً أم مجموعة، لافتة إلى أنها أجرت تقييماً للبيانات المسربة، التي تتركز حول الفترة من أربعينات القرن الماضي حتى بداية العقد الماضي.
ونشرت صحيفة “الغارديان” مساء الأحد، تفاصيل هذه التسريبات. وأشارت البيانات إلى أن من بين عملاء البنك متورطين في التعذيب وتجارة المخدرات، وغسل الأموال، والفساد.
وشملت التسريبات تفاصيل الحسابات المرتبطة ب30 ألف عميل من عملاء مصرف “كريدي سويس”، أحد أكبر البنوك الخاصة بالعالم، وهذا التسريب كشف المستفيدين من أكثر من 100 مليار فرنك سويسري -أي ما يعادل 108 مليارات دولار- تم إيداعها في واحدة من أشهر المؤسسات المالية في سويسرا.
—————————-
“أسرار سويسرا”… عن مليارات ملك الأردن وأبناء مبارك ورجاله المخبأة في “كريدي سويس”/ هناء سالم
كشف تسريب هائل لبيانات عشرات آلاف العملاء في أحد أكبر البنوك الخاصة في العالم، وأحد أشهر المؤسسات المالية في سويسرا، عن مليارات الدولارات التي خبأها مسؤولون مرموقون ورجال أعمال عرب، ومنهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
يتعلق التسريب الذي أُطلق عليه “أسرار سويسرا” (Suisse Secrets) بمالكين سرّيين لـ 80 مليار جنيه إسترليني (أكثر من 100 مليار دولار أمريكي) في البنك السويسري “كريدي سويس” Credit Suisse، بما في ذلك أكثر من 18 ألف حساب مرتبطة بـ 30 ألف عميل، بينهم “مجرمون ومحتالون وسياسيون فاسدون” ومسؤولون سابقون متورطون في التعذيب وتجارة المخدرات والإتجار بالبشر وغسيل الأموال والفساد والجرائم الخطيرة الأخرى.
ونشر التسريب مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) الذي يضم أكثر من 160 مراسلاً في 48 وسيلة إعلام لم تكن أي منها سويسرية إذ يحظر قانون عام 2015 على الصحافيين هناك كتابة مقالات بناءً على بيانات مصرفية داخلية.
وسرّب المشروع بيانات البنك لفضح تعاملاته السرية “غير الأخلاقية” فكشف عن “إخفاقات واسعة النطاق في بذل العناية الواجبة من قبل البنك، على الرغم من التعهدات المتكررة على مدى عقود للتخلص من العملاء المشكوك فيهم والأموال غير المشروعة”، بحسب “الغارديان”.
ذكرت الصحيفة البريطانية التي كان لديها وصول حصري إلى البيانات المسربة: “تولى البنك بشكل متكرر فتح أو الاحتفاظ بحسابات مصرفية لمجموعة بانورامية من العملاء المعرضين لمخاطر عالية في جميع أنحاء العالم”.
خرج التسريب أولاً عبر صحيفة “Süddeutsche Zeitung” الألمانية ثم عبر مجموعة صحف عالمية مثل “الغارديان” و”نيويورك تايمز”. ولفت مصدر التسريب في بيان: “أعتقد أن قوانين السرية المصرفية السويسرية غير أخلاقية”، وأن “ذريعة حماية الخصوصية المالية هي مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية كمتعاونة مع المتهربين من الضرائب”.
وكشف التسريب كذلك عن فضائح مدوية لشخصيات عامة ومشاهير وحتى مؤسسات دينية مرموقة مثل الفاتيكان. إذ أظهر استخدام حساب مملوك للفاتيكان في إنفاق 290 مليون جنيه إسترليني (نحو 400 مليون دولار) في استثمار احتيالي مزعوم في عقار بلندن متنازع عليه في محاكمة جنائية جارية متهم فيها العديد من المتهمين، أحدهم كاردينال.
مليارات آل مبارك ورجاله
في ما يتعلق بالشرق الأوسط والعالم العربي، أوضح مشروع “OCCRP” أن مصر هي أكثر دولة يمتلك مواطنوها حسابات في البنك، 2000 حساب، بالإضافة إلى فنزويلا. أبرز العملاء المصريين نجلا الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، علاء وجمال، اللذان افتتحا أول حساب مشترك في “كريدي سويس” عام 1993. بمرور الوقت، أصبحا يمتلكان ستة حسابات، أحدها بلغ رصيده نحو 196 مليون دولار عام 2003. وعام 2010 – العام الذي سبق ثورة 25 يناير التي أطاحت والدهما – بلغ رصيد حساب يملكه علاء 138 مليون جنيه إسترليني (188 مليون دولار).
وفي بيان لصحيفة “نيويورك تايمز”، رفض محامو آل مبارك التعليق على حسابات محددة، واكتفوا بالقول إن الإيحاء بأن أياً من أصول نجلي مبارك “ملوث أو غير قانوني أو نتيجة إساءة سلطة أو استخدام للنفوذ” سيُعتبر “ادعاء لا أساس له من الصحة، وتشهيراً”، مع إشارة إلى أن جميع الأصول التي يمتلكانها نتجت عن “أنشطتهم التجارية المهنية الناجحة”.
يشار إلى أنه عقب ثورة يناير، تحديداً عام 2015، حكمت محكمة مصرية على مبارك ونجليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الاختلاس والفساد. وبعد فشل الاستئناف على الحكم، دفع علاء وجمال نحو 17.6 مليون دولار للحكومة في اتفاق تسوية لم يعترفا خلاله بالذنب. ويشدد مدافعون عن الأسرة على أن القضية كانت ذات دوافع سياسية.
العديد من عملاء البنك السويسري الآخرين يمكن وصفهم بـ”رجال مبارك” إذ ارتبطوا بنظام حكمه، منهم قطب المال وصديق مبارك، الراحل حسين سالم – الذي عمل مستشاراً اقتصادياً لمبارك نحو ثلاثة عقود. اتّهم سالم أيضاً بالفساد وغسيل الأموال. كان لدى الرجل عدة حسابات في “كريدي سويس”، رصيد أحدها 79.3 مليون دولار عام 2003.
الملياردير هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال والعضو السابق البارز في حزب مبارك، الذي أدين في عام 2009 بتوظيف قاتل محترف لقتل صديقته السابقة الفنانة اللبنانية سوزان تميم، هو من عملاء البنك أيضاً، ولم يُغلق حسابه حتى عام 2014، رغم إدانته.
رئيس المخابرات السابق عمر سليمان هو أحد أتباع مبارك الذين استفادوا من الخدمات المصرفية لـ”كريدي سويس”. كان لديه حساب بلغ رصيده 26 مليون جنيه إسترليني (35 مليون دولار) عام 2007.
العاهل الأردني المسؤول الحالي الوحيد
أما الملك عبد الله الثاني، فهو أحد المسؤولين القلائل الذين ما زالوا في السلطة وشملتهم التسريبات، والمسؤول العربي الحالي الوحيد تقريباً. ويشير “أسرار سويسرا” إلى أن العاهل الأردني امتلك ستة حسابات في “كريدي سويس”، أحدها تجاوز رصيده 224 مليون دولار.
رداً على ما ورد في التسريب، قال الديوان الملكي الهاشمي في بيان إنه لم يكن هناك “سلوك غير قانوني أو غير لائق” في ما يتعلق بالحسابات المصرفية للملك، مع إشارة إلى أن بعضها هو ثروة خاصة للملك استُخدمت في النفقات الشخصية ومشاريع ملكية لمساعدة الأردنيين وصيانة المقدسات الإسلامية في القدس لأنه الوصي عليها.
وفي عداد الشخصيات الاستخباراتية والعسكرية وأفراد عائلاتهم، من مصر واليمن والعراق والأردن، التي وردت أسماؤهم في التسريب، سعد خير، رئيس المخابرات الأردنية بين عامي 2000 و2005، وقد امتلك حساباً في “كريدي سويس” بلغ رصيده 21.6 مليون دولار، قبل إغلاقه عام 2014 عقب وفاة صاحبه عام 2009.
زوجة خير هي الأخرى كان لديها حساب رصيده 5.9 مليون دولار عام 2010. وأغلق أيضاً عام 2014.
ولاحظ القائمون على نشر التسريبات صلة بين تضخم أرصدة رؤساء مخابرات عرب بارزين، مثل خير وسليمان، في البنك السويسري، وبين الغزو الأمريكي للعراق لإطاحة صدام حسين عام 2003، مع تلميح قوي إلى كونهم “حلفاء رئيسيين” للولايات المتحدة في حربها المزعومة على الإرهاب.
وورد أيضاً أن الأرصدة “من دون مصادر واضحة للدخل الشخصي يمكن أن تفسر الثروة” وأنه “كان لأصحابها أدوار في التدخلات الأمريكية الرئيسية في الشرق الأوسط وأفغانستان”.
أما أحد العملاء الجزائريين للبنك فهو خالد نزار، رابع رئيس أركان للجيش الجزائري ووزير الدفاع حتى عام 1993. فتح نزار حسابه عام 2004، لكن رصيده لم يتجاوز 900 ألف جنيه إسترليني (مليون و200 ألف دولار أمريكي) وظل مفتوحاً حتى عام 2013، أي بعد عامين من اعتقاله في سويسرا للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب.
وقد تشهد الأيام المقبلة الكشف عن مزيد من الشخصيات العربية التي امتلكت أو لا تزال تمتلك حسابات في “كريدي سويس”.
تبعات التسريب
في بيان، رد البنك السويسري موضحاً أنه “يرفض بشدة المزاعم والاستنتاجات المتعلقة بالممارسات التجارية المزعومة للبنك”، معتبراً أن التسريب جزء من “جهود متضافرة لتشويه سمعة البنك والسوق المالية السويسرية، التي شهدت تغيرات كبيرة على مدى السنوات الماضية”.
وأشار إلى أن الأمور التي كشف عنها الصحافيون تستند إلى “معلومات انتقائية مأخوذة من السياق، مما أدى إلى تفسيرات متحيزة لأعمال البنك”. وذكر أيضاً أن بعض المعاملات المسربة تعود إلى وقت كانت فيه “قوانين وممارسات وتوقعات المؤسسات المالية مختلفة تماماً عما هي عليه الآن”.
ونوهت “الغارديان” بأنه في حين أن بعض الحسابات الواردة في التسريب كانت مفتوحة منذ أربعينيات القرن الماضي، فقد فُتح أكثر من ثلثيها منذ عام 2000. علماً أن العديد من هذه الحسابات فُتح العقد الماضي، ولا يزال بعضها مفتوحاً حتى اليوم.
ويخالف البنك – إن صح التسريب – أحد أهم مبادئ الإدارة المصرفية الأساسية “تحقق من عميلك” أو “اعرف عميلك”. والعناية الواجبة ليست فقط للعملاء الجدد بل يتعين على البنوك إعادة تقييم العملاء الحاليين باستمرار.
لذا، قد تكون تداعيات التسريب أوسع بكثير من التأثير على بنك واحد، وهذا ما يهدد بحدوث أزمة لسويسرا، التي تحتفظ بواحد من أكثر قوانين البنوك سرية في العالم. تدير المؤسسات المالية السويسرية نحو 7.9 تريليون فرنك سويسري (تسعة تريليونات دولار أمريكي) من الأصول، نصفها تقريباً مملوك لعملاء أجانب.
ويسلط “أسرار سويسرا” الضوء بشكل نادر على أحد أكبر المراكز المالية في العالم، والذي اعتاد العمل في الظل. ويحدد المشبوه فيهم والمدانين الذين تمكنوا من فتح حسابات مصرفية وإبقائها مفتوحة على مدى سنوات بعد ظهور جرائمهم. ويكشف أيضاً كيف ساعدت قوانين السرية المصرفية الشهيرة في سويسرا في تسهيل نهب البلدان في العالم النامي.
طورت البنوك السويسرية سمعتها الموثوق بها منذ عام 1713، عندما منع مجلس جنيف المصرفيين من الكشف عن تفاصيل تتصل بالثروات التي يودعها الأرستقراطيون الأوروبيون. سريعاً، أصبحت سويسرا ملاذاً ضريبياً للعديد من النخب في العالم.
وكُرّست هذه السمعة بقانون عام 1934، وهو قانون السرية المصرفية السويسري، الذي يجرم الكشف للسلطات الأجنبية عن المعلومات المصرفية للعملاء. في غضون عقود، تدفق العملاء الأثرياء من جميع أنحاء العالم على البنوك السويسرية.
ومن المرجح أن تؤدي التسريبات الأخيرة إلى تكثيف التدقيق القانوني والسياسي للقطاع المصرفي السويسري، وعلى وجه الخصوص “كريدي سويس”، لا سيّما أنها تلت عدة تسريبات تفضح الأعمال السرية للبنوك وشركات المحاماة ومقدمي الخدمات المالية الخارجية، على غرار “أوراق باندورا” و”أوراق بنما”.
———————————-