أبحاث

الجذور التاريخية للجهادية السورية؛ وانعكاسها على الثورة!

أحمد الرمح

مشاركة

ملخص تنفيذي:

أزالت العشرية الأخيرة في سوريا الكثير من الحجب عن كثير من المسائل التي كان يجري التعامل والتعاطي معها كما لو أنها مسلمات، سواء على الصعيد الفكري البحثي، أو على صعيد الواقع السياسي والتعاطي المجتمعي معه، وهي مسلمات شكلت نظام التفكير العام ونظام الخطاب السائد وفق تعبير الفيلسوف الفرنسي الشهير، ميشيل فوكو، بحيث أنها لعبت دوراً جوهرياً في هذا المآل التراجيدي الذي وصلت إليه سورية، من حيث إنها منعت رؤية الواقع السوري كما هو، بل كما أراده لنا من يقف خلف إدارة نظم التفكير هذه وخطابها.

    مدخل

    مما في مرآة العشرية الثورية

    الجهادية السورية وأسباب النشوء!

    من يقف وراء هذه الجهادية السورية؟

    السياق التاريخي للعلاقة بين الدين والدولة والحداثة!

    جذور نهضوية تحولت بفعل الاستبداد إلى جهادية!

    سر اختفاء ملامح الحداثة من الخطاب الديني!

    سلطة البعث والعلاقة بين الدين والسلطة!

    الخلاصة

ملف الدراسة

الجذور التاريخية للجهادية السورية؛ وانعكاسها على الثورة!

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.

مثقفون سوريون مؤسسون لحزب البعث.. مأساة البداية.. مأساة النهاية/ نبيل سليمان

في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين اندفع عدد من المثقفين العرب الشباب (أدباء، مترجمون، صحافيون، محامون، فلاسفة) إلى تأسيس أحزاب، سوف يستولي بعضها على المستقبل إلى هذا اليوم، فيما هي تتشقق وتبدل جلودها، وتنبتّ عن ماضيها وجذورها، وتصير بحق كالمنبتّ: لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. ومن أبرز أولاء المثقفين حسن البنا (1906 – 1949) وأنطون سعادة (1904 – 1949). وقد أطلق الأول جماعة الإخوان المسلمين، وأطلق الثاني الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقضى الرجلان في السنة نفسها (1949)، الأول اغتيالًا والثاني إعدامًا.

لهذا الثنائي المصري والسوري ثالث ورابع (مفردًا أو أكثر)، واحد أطلق الحزب الشيوعي والآخر أطلق حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كانت له سرديته السورية الكبرى، دون أن ننسى سرديته العراقية. ومن الذين أطلقوا هذه السردية من هو مقيم في الرباعية الروائية (مدارات الشرق) لكاتب هذه السطور، مبدلًا اسمه، مثل زكي الأرسوزي (1899 – 1968) الذي صار زين العرب، وأكرم الحوراني (1912 – 1996) الذي صار جهاد إدريس… وثمة روايات أخرى كان مثقفون مؤسسون للبعث من شخصياتها مثل رواية (العصاة) لصدقي إسماعيل (1924 – 1972) أحد المؤسسين.

أما البداية فهي دومًا مع ذينك الشابين الدمشقيين اللذين جمعتهما الدراسة في السوربون – باريس: ميشيل عفلق (1910 – 1989) وصلاح البيطار (1912 – 1980). ولما عادا عملا مدرسين، الأول للتاريخ والثاني للرياضيات، وطفقا يبثان أفكارهما في الطلاب، إلى أن اضطرا إلى الاستقالة، ليتابعا (النضال) من مقهى الطاحونة. وللمقاهي في السردية البعثية المؤسسة شأن، من (الطاحونة) إلى مقهى الرشيد الذي عقد فيه عام 1947 المؤتمر الذي أعلن تأسيس (البعث العربي) إلى مقهى الهافانا..

بدأ ميشيل عفلق حياته الثقافية في الأدب. وقد نشرت له مجلة (الرسالة) القاهرية الشهيرة قصيدة (عاصفة) في 17/10/1935، كما نشرت له مجلة (الطليعة) الدمشقية عام 1936 قصة/ حوارية (موت السندباد). وقبل ذلك نشرت له (الطليعة) مقالة (آراء في الشعر)، وفي جريدة (الأيام) الدمشقية نشر عددًا من القصص. أما صلاح البيطار فقد كتب المقالة السياسية، وله فيها كتاب (الثورة والثورة العربية) وكتاب (السياسة العربية بين المبدأ والتطبيق) وسواهما.

تحلق حول عفلق والبيطار عدد من كبار المثقفين السوريين الذين شاركوهما تأسيس حزب البعث العربي، مثل سامي الدروبي (1921 – 1976) الذي حمل الدكتوراه في الفلسفة من باريس، وعمل مدرسًا وسفيرًا ووزيرًا بعد انقلاب 1963. والدروبي هو المترجم الشهير للأعمال الكاملة لدوستويفسكي. كما ترجم لتولستوي وبوشكين وترجم ثلاثية محمد ديب. وبالاشتراك مع جمال الأتاسي ترجم الدروبي لجان إيف كالفيز كتابه (تفكير كارل ماركس: نقد الفلسفة والدين). وترجم الرجلان لسارتر (المذهب المادي والثورة) ولفرانز فانون (معذبو الأرض)، ولهيمانس (سيكولوجية المرأة). ومع عبد الله عبد الدائم، من الرعيل المؤسس أيضًا، ترجم الدروبي لهنري برغسون كتابيه (منبعا الأخلاق والدين) و(الضحك: بحث في دلالة المضحك).

لسامي الدروبي مؤلفات في علم النفس منها كتابه (علم النفس والأدب: معرفة الإنسان بين بحوث علم النفس وبصيرة الأديب والفنان) وكتاب (علم الطباع). ومن تراث الدروبي كتابه (الرواية في الأدب الروسي) ومخطوطة (من أغاني السكارى على نهر العاصي).

صنو الدروبي هو عبد الله عبد الدائم (1924 – 2008) الذي حمل الدكتوراه من باريس (السوربون) مثل الكثيرين من المؤسسين. وقد عمل في قطر مديرًا عامًا للمعارف عام 1958. كما تولى الوزارة مرارًا بعد انقلاب 1963. ويروي مصطفى طلاس أنه كان من تلاميذ عبد الدائم، وأستاذه هو من جاء به إلى حزب البعث. ومن مؤلفات عبد الدائم الفكرية في القومية العربية، وهو الوحدوي حتى النخاع: (دروب القومية العربية – التربية القومية – القومية والإنسانية،) وقد صدرت بالتتالي عام 1958 – 1959 – 1961. وفي عام 1991 أصدر (القومية العربية والنظام العالمي الجديد). وللرجل مؤلفات بالفرنسية، وله في التربية (التربية عبر التاريخ من العصور القديمة حتى أوائل القرن العشرين) و(نحو فلسفة تربوية عربية) وسواهما كثير.

قَدِمَ سامي الدروبي من مدينة حمص. ومنها قَدِم أيضًا شاكر الفحام (1921 – 2008) الذي كان واحدًا من أمناء السر للمؤتمر التأسيسي لحزب البعث (1947). وقد عمل أستاذًا وسفيرًا ووزيرًا مرارًا بعد انقلاب 1963. ولئن كانت مؤلفاته قليلة (كتاب عن الفرزدق وآخر عن بشار بن برد وثالث عن الأدب الأندلسي..) فقد انصرفت جهوده العلمية إلى اللغة العربية، وهو من ترأس مجمع اللغة العربية في دمشق.

ومن حمص أيضًا قدِم جمال الأتاسي (1922 – 2000) الذي حمل من باريس الدكتوراه في الطب النفسي. وقد تردد أنه من وضع شعار حزب البعث العربي (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، وشارك في صياغة دستور الحزب، وترأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي. وكما كان جمال الأتاسي من مؤسسي البعث، ساهم في تأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي. وساهم مع إلياس مرقص وياسين الحافظ وجيل مارتيليه في كتاب (في الفكر السياسي) وساهم مع ميشيل عفلق ومنيف الرزاز وأكرم الحوراني في كتاب (حول القومية الاشتراكية – 1957). وله كتاب (إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصر وعلى فكره الاستراتيجي). وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من مساهماته في الترجمة، ترجم أيضًا لإيلي هاليفي (تاريخ الاشتراكية الأوروبية). وترأس الأتاسي مستشفى ابن سينا للأمراض العقلية لسنوات.

في رأس من حُق له أن يحمل لقب الفيلسوف، من بين مؤسسي البعث يأتي بديع الكسم (1924 – 2000) الذي عمل مدرسًا من الثانوي في اللاذقية إلى جامعة دمشق بعدما حمل الدكتوراه من جامعة جنيف، وكان عضوًا في مجمع اللغة العربية، واشتهر بلقب فيلسوف التسامح. وكانت للكسم ندوة أسبوعية كل يوم جمعة في منزله. وكتب مراد وهبه أنه استعان ببرغسون مثل بديع الكسم، سوى أن الكسم أراد بالاستعانة مواجهة ميشيل عفلق الذي ارتأى أن يكون الإسلام أسًّا للبعث، بينما أراد الكسم أن تكون روحانية برغسون المغلفة بروحانية الهند هي الأسّ.

وقد كتب مراد وهبة أن زميله بديع الكسم في قسم الفلسفة في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) هو المنافس الأصيل والصامت لعفلق، وأن اسم الكسم قد جاء في أخبار محاولة انقلاب عسكري فاشل في دمشق صيف 1963، مع الإشارة إلى أنه قد يحكم عليه الإعدام، لذلك طلب من جامعة دمشق إجازة تفرغ لمدة سنة. ويرجّح وهبه أن الكسم وُرّط في محاولة الانقلاب دون أن يتورط، ونقرأ “إذ لم تكن لديه هواية خلق صراع، على الرغم من أنه من مؤسسي حزب البعث، وأظن أن هذا التأسيس هو الدافع إلى التحاقه بقسم الفلسفة، لوضع أساسي فلسفي للحزب”. 

من تراث بديع الكسم بالفرنسية (البرهان في الفلسفة) وقد ترجمه جورج صدقني البعثي المؤسس والذي ترجم عام 1962 لكارل يسبرز (مدخل إلى الفلسفة) ولجان هيبولت (دراسات في ماركس وهيغل) كما ترجم لجان جاك شوفالييه (أمهات الكتب السياسية)، ولفرانسوا شاتليه (فلسفة هيغل) ولبول ريكور مقالته المطولة (المفارقة السياسية). وكان جورج صدقني عضو مجمع اللغة العربية ورئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية ووزيرًا للإعلام. أما الكسم فقد ترجم لبول فاليري (تأملات في الفن). ومن مؤلفاته درستُ على يديه (دراسات فنية في الشعر العربي).

من الفلاسفة المؤسسين أيضًا أنطون مقدسي (1914 – 2005) الذي يتردد أنه ساهم مع أكرم الحوراني في تأسيس الحزب العربي الاشتراكي، وأنه من صاغ وثيقة اندماج هذا الحزب مع حزب البعث العربي ليشكلا حزب البعث العربي الاشتراكي. بيد أن أنطون مقدسي سرعان ما نأى عن الحزبية والعمل السياسي، وانصرف إلى الثقافة. وعلى الرغم من أنه لم يخلّف كتابًا إلا أن ما تركه من كتابات متفرقة يضاهي كتبًا. وممن شغلته الفلسفة من الجيل المؤسس مطاع صفدي (1959 – 2016). لكن الرواية هي ما مال بصفدي أولًا عبر روايتيه (جيل القدر – 1960) و(ثائر محترف – 1962)، ليغادر من بعد الحلبة الحزبية معللًا المغادرة بإخفاق تجربته في البعث السوري والبعث العراقي جراء العسكرة. ولصفدي كتاب (حزب البعث: مأساة المولد مأساة النهاية).

ليس من تقدم الحديث الوجيز عنهم وحدهم بالمثقفين المؤسسين لحزب البعث. وسوف أُفْرِد الأدباء والنقاد منهم بقول خاص (صدقي إسماعيل – سليمان العيسى – أديب النحوي – صميم الشريف – إنعام الجندي – جودت الركابي – جلال فاروق الشريف…)، كما أن على القول أن يتواصل بالذين كانت لهم إسهاماتهم الفكرية (ياسين الحافظ – شاكر مصطفى – سامي الجندي – حافظ الجمالي – شبلي العسيمي – وهيب الغانم – جلال السيد – إلياس فرح – عبد الكريم زهور..).

“هؤلاء الذين شغلتهم القومية والوحدة العربية والاشتراكية والشيوعية، هم الذين تولى كثير منهم السجال والمعارك الثقافية والسياسية مع الشيوعية والإخوان المسلمين، ومنهم من كابد في السجون والمنافي أو قضوا إعدامًا واغتيالًا، ومنهم من انصاع للعسكر وغرق في وحل المناصب السياسية والديكتاتورية”

لقد غادر بعض أولاء حزبهم عقب الانقلابين اللذين تولى السلطة بهما عام 1963 في سورية والعراق. وثمة من استمر في شق أو آخر من تشققات الحزب، أو انخرط في تأسيس حزب جديد، أو انصرف كليًا إلى التأليف و/ أو الترجمة، أو استمر في الحزب الحاكم بعد انقلاب عام 1970. ولئن بدا أغلب المثقفين المؤسسين لحزب البعث أشبه بشخصيات روائية، فلعلهم يجسدون عنوان كتاب مطاع صفدي (حزب البعث: مأساة المولد مأساة النهاية).

فهؤلاء الذين شغلتهم القومية والوحدة العربية والاشتراكية والشيوعية، هم الذين تولى كثيرون منهم السجال والمنافسة والمعارك الثقافية والسياسية مع الشيوعية والإخوان المسلمين، وهم الذين كابد من كابد منهم السجون والمنافي أو قضوا إعدامًا واغتيالًا، ومنهم من انصاع للعسكر وغرق في وحل المناصب السياسية والاستبداد والديكتاتورية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى