الدكتور لؤي صافي: اللجنة الدستورية تحوّلت إلى “ملهاة” لخداعنا
عربي21
مفكر سوري: اللجنة الدستورية تحوّلت إلى “ملهاة” لخداعنا
صافي: سياسة الخطوة مقابل الخطوة هي نكتة سمجة لأنها دعوة للمعارضة لتقديم مزيد من التنازلات المجانية
الأزمة السورية لن تُحل من خلال تعديلات دستورية بل عبر عملية انتقال سياسية نحو دولة القانون
القيادة الروسية تستخدم سياسة الأرض المحروقة لتمكين النظام وإفشال خطط المعارضة
النظام لم يتقدم شبرا واحدا باتجاه مطالب المعارضة.. وهذا عكس ما فعلته المعارضة تماما
قال المفكر والأكاديمي السوري، الدكتور لؤي صافي، إن “اللجنة الدستورية تحوّلت إلى ملهاة يستخدمها المجتمع الدولي لتخدير السوريين، وقطع الطريق على الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى القادة السياسيين للدول المتدخلة في الشأن السوري داخل مجتمعاتهم”، مؤكدا أنها “لجنة غير فاعلة في المسار السياسي، لأنها لم تقم حتى هذه اللحظة بأي عملية تفاوضية”.
وشدّد، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، أنه “لا يمكن أن تُحل الأزمة السورية من خلال تعديلات دستورية، بل من خلال عملية انتقال سياسية نحو دولة القانون وحرية الرأي والعمل السياسي، بالإضافة إلى تغيير جذري في سلوك السوريين في دائرة الحياة العامة والالتزام الحقيقي بالقيم والقوانين السائدة”.
وأضاف صافي، الذي شغل سابقا منصب المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض: “إذا عجزنا عن توليد كتلة مجتمعية حرجة تؤمن بالقيم الإنسانية المشتركة، وتسعى إلى تحقيقها عمليا على أرض الواقع، فإن الحديث عن تغيير سياسي سيبقى من باب العبث والمزايدات، ولن يولّد القوى المجتمعية الضرورية لإحداث أي تغيير حقيقي”.
في حين وصف سياسة “الخطوة مقابل الخطوة” التي طرحها مؤخرا المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، بأنها “نكتة سمجة، لأنها دعوة للمعاوضة لتقديم مزيد من التنازلات بعد أن قدمت كل شيء باستثناء القبول باستمرار الحكم الفردي الطائفي في سوريا”.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع “عربي21”:
ما الذي وصل إليه “المشروع الوطني” الذي تعمل عليه لطرح بديل سياسي للنظام وإنهاء جمود الأوضاع الحالية؟
اسمح لي أولا أن أذكّر قراء “عربي21” بالمشروع الوطني الذي سعيت إلى تطويره واستكمال عناصره خلال السنوات الثلاث الماضية، والذي عرضت معالمه العامة في كتاب دولة المواطنة. المشروع يقوم على فكرة تنظيم المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني عبر نموذج تشبيكي مفتوح، يتجاوز قصور النموذج الهرمي المركزي، المعتمد من قِبل جميع المنظمات السياسية.
والنموذج التشبيكي يقوم على أساس تعاون المنظمات والقوى الاجتماعية والسياسية من خلال التواصل والتشاور وتنسيق المواقف بحيث تتكامل جهود العاملين في الشأن العام دون الحاجة إلى تطوير نظام مركزي هرمي كالذي اعتاده السوريون خلال العقد الماضي. إذ يعتمد الآخر على قرارات مركزية تناط بقائد يتم اختياره، أو فريق قيادي يحمل تسميات عديدة مثل اللجنة المركزية، أو الهيئة العامة أو اللجنة التنفيذية، إلى ما هنالك من التسميات.
فبينما يتصف النموذج التشبيكي بالحركية ومرونة الحركة والقرار، يجنح النموذج المركزي إلى إبطاء العمل وربطه بإرادة منفردة. أضف إلى ذلك أن السوريين عموما غير قادرين على بناء ثقة في قيادة مركزية بسبب الروح التنافسية العالية التي تميزهم وانعدام الثقة في السلطات المركزية بسبب التجربة التاريخية التي رافقت مراحل التراجع المعرفي والحضاري في منطقة المشرق، وبسبب انفراد المؤسسة العسكرية في القرار السياسي منذ أن تولى حافظ الأسد الحكم.
طبعا أنا لا أدعي أن التنظيم الشبكي اللامركزي يمكن أن يكون بديلا للتنظيمات الهرمية، بل أرى أن لكل منهما سياقه الخاص المناسب لفاعليته، وأن السياق السياسي والاجتماعي الحالي غير مناسب لتنظيم الشارع السوري المتنوع ضمن نظام مركزي هرمي.
وهذا يقودني إلى سؤالك حول المشروع الوطني الذي يقوم على التشبيك والتنسيق. يمكنني القول إن الجهود المبذولة للدفع بهذا المشروع لم تؤتِ أكلها بعد على المستوى العملي التنظيمي على الرغم من ولادة قناعة واسعة بالحاجة إلى هيكلية جديدة لتنظيم المعارضة. ثمة بُعد آخر يزيد من صعوبة التقدم في هذا المشروع يتعلق بالحالة النفسية للمعارضين بعد التدخل الروسي في سوريا وعدم تردد القيادة الروسية باستخدام سياسة الأرض المحروقة لإفشال خطط المعارضة وتمكين النظام.
ما موقف كيانات وشخصيات المعارضة السورية من هذا المشروع؟
المشروع وجد قبولا من العديد من منظمات المجتمع المدني الفاعلة في الشمال السوري وجنوب تركيا، كما وجد قبولا عند قيادات المعارضة السياسية.
ما التحديات التي تواجهه؟ ومتى يمكن إطلاقه بشكل رسمي؟
التحدي الذي يواجه المشروع دائما يتمثل في مرحلة الانتقال من تطوير البنية والرؤية إلى الممارسة العملية. واللقاء الذي دعا إليه الدكتور رياض حجاب، والذي عُقد الشهر الماضي في قطر، وقام على فكرة جمع القيادات السياسية والمدنية السورية من داخل سوريا ومن دول الشتات يتحرك في هذا الاتجاه، ولعله يُشكّل الخطوة الأولى في خطوات لاحقة للتشبيك بين القوى السورية الداعمة للتحول الديمقراطي.
لكن العقبة الرئيسية لا تكمن في إقناع السوريين بالمشروع، بل تحريكهم للعمل في إطار تنظيمي جديد لم يعتادوا عليه، بالإضافة إلى رفع الأداء وتحريك الجهود بعيدا عن تعليق الآمال حصريا بالدور الدولي ونحو تواصل السياسيين مع القيادات المحلية ومنظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء سوريا.
برأيك، لماذا لم تستطع المعارضة السورية تقديم البديل المقبول داخليا وخارجيا حتى الآن؟
السبب الرئيسي يعود في تقديري إلى التعويل على الدول الإقليمية لتقديم حل سياسي، واعتقاد المعارضة أن الحل السياسي سيتولد من خلال المنظومة الدولية، وبالتالي نجدها تتسابق إلى التماهي مع مواقف الدول الفاعلة إقليميا ودوليا.
أنا لست من حيث المبدأ ضد الاستعانة بدول الجوار والقوى الدولية بعد تراجع تأثر السوريين المباشر في سياق الأحداث؛ فالقضية السورية تم تدويلها عندما قرر النظام تقديم الحسم العسكري على الحل السياسي. لكني أُميّز بين الاعتماد على دعم دولي وفق مبادرات سورية يقودها السوريون أنفسهم والاستسلام الكامل للقرارات الدولية وإملاءات الدول. فالاعتماد على الدعم الخارجي يجب أن يقوم على أساس تقارب المصالح ويجب أن ينطلق من رؤية سوريةٍ للحل. وهذا يتطلب التضامن الداخلي لقوى المعارضة لأن الخارج لن يحترم معارضة خاضعة كليا للإرادات الدولية، وقبل ذلك فإن الشعب السوري لن يثق بقيادات وقوى سياسية تابعة للخارج.
هناك مَن يقول إن ممارسات بعض قوى المعارضة السورية تشبه إلى حد بعيد ممارسات النظام.. ما صحة ذلك برأيكم؟
المعارضة عموما ليست أسوأ من النظام، لكن ممارسات العسكر، وخاصة الكتائب المسلحة التي تحمل رؤية دينية وقومية حصرية، تمارس البطش والتسلط بطريقة شبيهة بالتي مارسها النظام قبل الثورة. لكن وحشية النظام في التعامل مع الشعب السوري زادت بعد الثورة في عنفها وبطشها واستخفافها بكرامة الإنسان وحياته عن تلك التي مارسها الفاشيون في إيطاليا والنازيون في ألمانيا والخمير الحمر في كمبوديا في القرن الماضي.
وهيمنة القوى العسكرية المتشددة دينيا وقوميا على المشهد في الشمال السوري هو مصدر قلق لكل سوري يبحث عن مجتمع حر يتساوى فيه الناس بالكرامة ويتم اتخاذ القرار السياسي من خلال آليات التشاور الديمقراطي، لأن هذه القوة يمكن أن تمارس مزيدا من البطش والعدوان على المواطنين لو تمكنت من الإمساك بمفاصل السلطة، وهذا يدعونا إلى البحث عن عملية انتقال سياسي بعيدا عن هيمنة العسكر.
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أعلن أن الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية ستُعقد في جنيف يوم 21 آذار/ مارس الجاري.. فكيف تنظرون إجمالا لهذا المسار السياسي الذي فشل على مدى أكثر من عامين؟
اللجنة الدستورية تحوّلت إلى ملهاة يستخدمها المجتمع الدولي لتخدير السوريين وقطع الطريق على الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى القادة السياسيين للدول المتدخلة في الشأن السوري داخل مجتمعاتهم. الصراع في سوريا لم ينجم عن أزمة دستورية حتى نبحث عن تعديل دستوري للتعاطي معه، بل نجم عن تجاهل كامل للدستور والقانون السوري من قِبل النخب المتسلطة تحت قيادة الأسرة الحاكمة في سوريا.
والدستور لم يلق منذ الاستقلال احترام القوى السياسية عموما، وخاصة المؤسسة العسكرية، التي بدأت انقلاباتها الدورية بعد الاستقلال بسنتين. والأزمة في بلادنا هي أزمة استخفاف بكل القوانين والأعراف وتطويع السلطة لإرادة الفرد أو النخب السياسية-العسكرية، وهذا لا يمكن أن يحل من خلال تعديلات دستورية، بل يتطلب عملية انتقال سياسية نحو دولة القانون وحرية الرأي والعمل السياسي، كما يتطلب تغييرا جذريا في سلوك السوريين في دائرة الحياة العامة والالتزام الحقيقي بالقيم والقوانين السائدة.
وبالتالي حل المأساة السورية يتطلب العمل على مسارين. الأول يتمثل في العمل على رفع مستوى التعاون بين القيادات الشعبية والسياسية المرتبطة بالشارع السوري، والثاني من خلال رفع الوعي بأهمية الالتزام الحقيقي بقيم المساواة والحرية والعدل واحترام التعدد الديني والقومي والفكري بعيدا عن المحسوبيات والنزعات الحصرية، سواء كانت دينية أو قومية أو جهوية. وإذا عجزنا عن توليد كتلة مجتمعية حرجة تؤمن بالقيم الإنسانية المشتركة وتسعى إلى تحقيقها عمليا على أرض الواقع، فإن الحديث عن تغيير سياسي سيبقى من باب العبث والمزايدات ولن يولّد القوى المجتمعية الضرورية لإحداث أي تغيير حقيقي.
لكن هناك مَن يعتبر اللجنة الدستورية طريقا نهائيا ووحيدا نحو الحل؟
كما نوهت آنفا فإن اللجنة السورية ليست لجنة فاعلة في المسار السياسي، لأنها لم تقم حتى هذه اللحظة بأي عملية تفاوضية. والنظام لم يرسل مفاوضين للوصول إلى حل سياسي دستوري، بل أرسل معطلين لا يملكون أي تأثير على القرار السياسي، بل يزايدون في خطابهم على خطاب النظام للتقرب من صانعي القرار. وجميعنا يعلم أن رأس النظام لا زال يرفض منذ انطلاق الثورة أي مفاوضات تضعف من قدرته على التحكم في القرار السياسي.
لماذا لم ينسحب “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” من اللجنة الدستورية كما يطالب البعض بذلك؟
الائتلاف غير قادر على الانسحاب بعد أن مضى في مشروع اللجنة الدستورية الذي دفعت روسيا به قبل أربع سنوات، لأن تحركه هذا سيغضب الداعم التركي. وقيادات الائتلاف تعلم، كما يعلم سياسيو الدول المعنية، أنها لا تملك عمقا شعبيا يدعم أي قرار مستقل. مرة أخرى نعود إلى مسألة جوهرية في العمل السياسي السوري تنبع من قبول واسع بأن السياسة غنيمة للقوي القادر على التحرك بعيدا عن الإرادة الشعبية. وهذا ما يجب تغييره خلال السنوات القادمة.
المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، قال إنه سيطرح على جميع المتحاورين السؤال التالي: هل يمكنكم تحديد ليس فقط ما تطلبونه، ولكن أيضا ما أنتم مستعدون لوضعه على الطاولة، مقابل خطوات من الطرف الآخر؟ فما هي الخطوات التي يمكن لقوى الثورة والمعارضة وضعها على الطاولة أو بمعنى آخر ما هي “التنازلات” التي يمكنكم تقديمها للطرف الآخر؟
طرح بيدرسون صحيح من حيث المبدأ، لأن المفاوضات تحتاج إلى تحرك نحو المنتصف من قبل الأطراف المتفاوضة. لكن بيدرسون يُدرك منذ سنوات أن النظام لم يتقدم شبرا واحدا باتجاه مطالب المعارضة في حين أن المعارضة منذ عام 2013 اتخذت قرارا بالدخول في العملية التفاوضية، وطرحت فكرة الهيئة الانتقالية التي يشارك النظام في تسمية نصف أعضائها.
ومبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا سابقا، الأخضر الإبراهيمي، أدرك بعد الجولة الثانية من مفاوضات جنيف أن النظام غير مستعد للدخول في حل سياسي. لذلك استقال من منصبه منتصف عام 2014، واعتذر للسوريين عن عجزه عن تحريك العملية السياسية.
بالمقابل نجد أن بيدرسون سعيد بالدور الذي كُلّف به، ويبدو واضحا أنه مُستعد إلى الاستمرار فيه طالما حظي بدعم مجلس الأمن. وسياسة الخطوة مقابل الخطوة هي نكتة سمجة لأنها دعوة للمعارضة لتقديم مزيد من التنازلات المجانية بعد أن قدمت كل شيء باستثناء القبول باستمرار الحكم الفردي الطائفي في سوريا.
وفق ما طرحته، ما فرص تغيير في السلطة السورية؟ وكيف ذلك من وجهة نظركم؟
السلطة لا يمكن تغييرها دون وجود تضامن بين القوى الراغبة في التغيير. نحن نعلم جميعا أن القوى التوسعية اعتمدت عبر التاريخ مبدأ فرق تسد للسيطرة على المجتمع، لأن الخلاف ضعف كما يتعلم الأطفال في المرحلة الابتدائية من تعليمهم. وعندما تبدأ المعارضة بالتعاون لتطوير حركة شعبية واسعة، وعندما تبدأ بالاهتمام بقضايا الناس ومشاكلهم على الأرض بالقدر الذي تهتم فيه بلقاء السفراء والمبعوثين الدوليين، عندها يمكن الحديث عن تغيير وتفاوض وفرص.
أنا أدرك بطبيعة الحال أن تحول سوريا إلى ساحة للصراع الجيوسياسي بين دول تمتلك إمكانيات تفوق إمكانيات السوريين يُعقّد من الصورة، ولكني أعتقد أن إيجاد تيار سياسي واسع يحمل رؤية مشتركة للحل ويوظف تناقضات الواقع السوري، وتراجع دور الدولة المستمر، يمكن أن يفرض حلا سياسيا. الأمر المهم الذي أكدته قوى المعارضة التي اجتمعت في الدوحة رفضها لتسوية أمنية لا يرافقها انتقال سياسي حقيقي.