CODA (2021)
CODA (2021)
فيلم Coda عن الصم والعائلة والحياة/ علي عمار
علي عمار
تقييم فيلم Coda:
لا يوجد فن بمقدوره نقل الحياة بحلوها ومرها، إلا الفن السابع بأشكاله المتنوعة المتمايزة. فالسينما تتفوق حينما تطرح مواضيعها بذكاء، فتصنع بذلك المتعة المفيدة. تمنحك فرصة الحصول على الكثير من الأجوبة، لأسئلة تطرحها في ذهنك. تعيش مع أبطالها حيوات عدة وتجارب مختلفة. فما أجملها صناعة عندما تحاكي الإنسان وهمومه، وتطرح قضاياه، وتعكس سلوكه، وتغازل عواطفه، وتدغدغ روحه بجمالية ما تقدم، فكرياً وبصرياً. دون نسيان أنها مادة تثقيفية، تحث النفس البشرية على عملية البحث الدائمة فيما تجهل. صناع هذا الفن والقائمين عليه، يدركون مدى تأثريه على الناس، لذا يحرصون على كيفية توظيف الأفكار المحملة بالرسائل التي يريدونها، وإيصالها.
في هذا المقال سأتحدث عن فيلم أمريكي يتناول عالم الصم والبكم، حيث قلما تناولت السينما العالمية هذا المجتمع، بهذه الكمية من العمق، والحب، والاقتراب أكثر من خصوصيتهم، ومعالجة مشكلاتهم بطريقة إنسانية بعيداً عن الشفقة. اسم فيلم Coda وهو مقتبس عن الفيلم الفرنسي “La Famille Bélier”، إلا أن النقاد أشادوا بالنسخة الأمريكية.
قصة فيلم Coda
كلمة Coda هي اختصار لعبارة Child Of Deaf Adults، وتعني طفل لبالغين من الصم. ببساطة فيلم Coda يتحدث عن العائلة، ذلك الحضن الدافئ، والقوة النفسية لكل نفس. في الفيلم، عن عائلة روسي المختلفة عن سائر العائلات التي عرفناها في الحياة، والأفلام، والمسلسلات.
عائلة مكونة من الأب فرانك “تروي كوتسور”، والأم جاكي “مارلي ماتلن”، والابن ليو “دانيال دورانت”، والابنة روبي “إيميليا جونز”. جميع هؤلاء ما عدا الابنة، هم من الصم والبكم. يقطنون في غلوستر /ماساتشوستس، يعتاشون من صيد الأسماك، حيث يستيقظ أفراد الأسرة مع بزوغ الفجر، لركوب البحر بواسطة مركبهم، لاهثين وراء لقمة العيش. ولصيد السمك قوانين مفروضة من قبل السلطات العليا، حيث يجب توفر شخص متكلم على الأقل في المجموعة. وهنا نجد روبي إحدى أفراد العائلة، والبطلة الرئيسية للحكاية، تتصدى دوماً لهذه المهمة. العمل يتكلم عنها وعائلتها، ومعاناتها في محاولة الخروج من كنفهم، بغية تحقيق ما تصبو إليه. لكن بما أنها الناطقة الرسمية باسمهم، والمترجمة المجانية تكاد تتخلى عن حلمها حينما يتعلق الأمر بمصير مزاولة مهنتهم.
أثناء المراهقة يتصرف المرء أحياناً من غير وعي، يرتكب الحماقات نتيجة بعض التصرفات غير المدروسة، ويُقدم على اتخاذ القرارات وفق ما يمليه عليه القلب. روبي ابنة العائلة الصماء، لا يتوقف دورها على مساعدة أهلها فقط، بل هي طالبة في المرحلة الأخيرة من الثانوية. تتعرض للتنمر والسخرية من زملاء الدراسة، بسبب خصوصية أهلها. فلا يخلو يومها المدرسي من بعض النكات عنها من قبلهم. تقرر في يوم من الأيام، الانضمام لجوقة الغناء في المدرسة، لأنها معجبة بصديقها مايلز “فيرديا والش بيلو”، رغم عدم معرفتها إن كانت تجيد الغناء أم لا. لكنها تغني طوال الوقت. لتدرك من خلال فعلتها تلك، أن الغناء حلمها وشغفها الذي عليها تحقيقه. يكتشف مدرس الموسيقى السيد ف “أوجينيو ديربيز”، أنها تمتلك صوتاً جميلاً. فينصحها بالتقدم إلى جامعة بيركلي للموسيقى في بوسطن، ويساعدها في دروس خاصة للتحضير لفحص القبول.
بساطة القصة… وسرد جذاب
قصة فيلم Coda بسيطة بإطارها العام، ومألوفة في الخط الدرامي الذي يتعلق حول روبي والتغيرات التي تطرأ حياتها، مع الاقتراب من بلوغ سن الرشد، والقرارات المصيرية التي عليها اتخاذها. وعلاقتها بأستاذها الموسيقي الذي يحاول إيصالها لحلمها، ودعمها.
لكن ما يميزه بالفعل مضمون الفكرة بحد ذاتها، كيفية تناولها ومعالجتها درامياً، عرفت الكاتبة والمخرجة “سيان هيدر” زجنا بقصة لم يسبق للسينما أن تطرقت لها كثيراً. وجهت بقعة ضوء على تفاصيل يومية لمجتمع واقعي حقيقي، لا نلمحه، لأنه أراد الانعزال، طبعاً ليس بمحض إرادته، رغم أنه متواجد في قلب العالم، ويشكل نسيج كل مجتمع. أضف إلى ذلك السرد الحكائي الممتع، الذي يجعل عقلك حاضراً مع قلبك وروحك، في كل مشهد سينمائي يقطع أمامك. لا مشاهد أو حوارات مجانية، كل شيء يدور في فلك القصة يخدمها ويغنيها. من المشاهد الغنية والجذابة التي نالت إعجابي، وأجزم بالنسبة لكل من تابع الفيلم أيضاً، مشهد الحفل الغنائي المدرسي أثناء أداء روبي ومايلز لإحدى الأغنيات، فجأةً لم نعد نسمع الأصوات، سكت كل شيء، بتنا كعائلة روسي، أحبت هيدر أن تقمعنا في هذه الحالة، أن نعيشها، نختبرها، لحظات لا يمكن ترجمتها، مهيبة حقاً، صادمة، موجعة. كأنما أصابك شلل. فقدت للتو إحدى حواسك. رجاءً أعيدوا تشغيل الأصوات.
وفي مشهدٍ فنيٍ آخر، عندما يطلب فرانك والدها الغناء، فيستمع لها من خلال يديه بالشعور بحلقها، وذبذبات الحبال الصوتية. بعد هذين المشهدين المحوريين تقرر العائلة دعمها، لتمضي قدماً نحو حلم الغناء.
يخبرنا الملصق الإعلاني الخاص بالفيلم، بعض الأمور عن العمل. حيث يظهر بالبوستر عائلة روسي مجتمعة، تنظر العائلة لبعضها البعض، عدا روبي التي تبدو نظراتها شاردة عنهم. الألفة والترابط واضحين في البوستر، تفهم أيضاً أن شيئاً ما يخص روبي وحدها، يتعلق بها، يريد الفيلم الحديث عنه. هي جزء من العائلة، لكن معضلتها في الحياة هي الحدث الأبرز في العمل. من الميزات التي يتضمنها فيلم Coda أن طاقم العمل الذي قام بأدوار الصم، هم بالفعل من الممثلين الصم. وذلك يحسب للمخرجة التي أسندت لهم الأدوار، كما تعتبر خطوة سبقت بها غيرها، لتصبح هذه النوعية من الأفلام حاضرة أكثر في السينما في السنوات المقبلة. خصوصاً بعد النجاح والاحتفاء به من قبل الجماهير والنقاد. كما يعد فرصة لمجتمع الصم، بالانخراط أكثر مع الأفلام ضمن صالات السينما، دون الحاجة للترجمة عبر الشاشات. كل شيء متكامل نصاً وإخراجاً، أما على صعيد الأداء كان لحضور إيميليا جونز وقعاً مختلفاً، ومجهودها كان مضاعفاً وواضحاً للعيان، نحتت تواجدها بأداء مبهر.
فاز فيلم Coda بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، وجائزة الجمهور في مهرجان صندانس السينمائي للعام 2021، الأمر الذي أشعل حماس شبكة +Apple TV، لشراء العمل وعرضه عندها. إنه بالفعل فيلم فني عالي المستوى، يثبت أن للعمل الفني قيمة حقيقية، يثري الحياة. تأثيره سيكون طويل الأمد، تماماً كالصدع الذي يترك آثاره على الجدران.
تقييم الفيلم من موقع أراجيك
CODA 2021
Director: Sian Heder
لمشاهدة الفيلم من الرابط التالي