منوعات

“يا خبر!”.. الحكاية العربية للتحولات الإعلامية المرعبة

يارا نحلة

الواقع الحرج الذي تعيشه الصحافة العربية، في محاولتها المزاوجة بين عصرين مختلفين تفصل بينهما سنوات ضوئية من التطور التكنولوجي والانجازات التي حققها البشر في مجال الحقوق والحريات الاجتماعية، يفتحه وثائقي “يا خبر!” الساخر، الذي أنتجته “شبكة الحدود” وهي منصة مخصصة “للسخرية والكوميديا التي يصيبها السواد أحياناً”.

يعلن الوثائقي في البداية “انقراض الصحافة العربية وأقلامها المأجورة”، مفنّداً أسباب هذا الموت، بتفاوت حيثياته بين بلدٍ عربي وآخر، مع اشتراكها جميعاً في مهمة “التطبيل” للأنظمة والحكام.

لكن السبب الأساس والمشترك وراء اختفاء “القامات الصحافية التي أفنت عمرها في التطبيل و/أو الردح” يعود الى التطورات الاقليمية التي دفعت بالعديد من الصحافيين الى “أزمات وجودية واضطرابات نفسية بعد انتهاء الحروب الاعلامية بين الدول”.

من جهةٍ أخرى، فإن موجة تطبيع الدول العربية مع اسرائيل قد حمّلت الصحافة العربية مهمة مستحيلة تقضي “بالموازنة بين بث البروباغندا الخاصة بالدول المطبعة والبروباغندا الاسرائيلية”. ويفسّر أحد الصحافيين الذين قابلهم الوثائقي الواقع بالقول: “صار علينا مسؤولية اثبات أن الدولة المطبّعة تحب إسرائيل.. لكن ليس كثيراً… لأنها تحب فلسطين أيضاً.. لكن ليس كثيراً..” وهكذا دواليك.

https://www.facebook.com/AlHudoodNet/videos/927241088209984/

في تعريفه للصحافي العربي، يتحدث الوثائقي عن مهمتين أساسيتين يضطلع بهما هذا الكائن الذي يخدم كبوق؛ “الأولى تتجسد بصياغة وترتيب بروباغندا الدولة، والثانية تتمثّل بدور ترفيهي بحت يجمع بين الدباديب والسحر والشعوذة”. وخلّف انقراض هذا النوع الفريد من “الكائنات البوقية”، فراغاً في العالم العربي. في الواقع، لا نتحدّث هنا عن الفراغ الفكري أو الثقافي، بل عن الحيزّ المكاني والمساحات المكتبية الذي كان يشغله صحافيون. فماذا حلّ اذاً بمراكز الصحف ومكاتبها بعد انقراض الصحافيين؟

يختلف الأمر بين دولة وأخرى بحسب الوثائقي. ففي مصر مثلاً، سيطر الجيش على مقرات الصحف وحولها الى مصانع لإنتاج “الجِزَم” (الأحذية). بدورها، حوّلت الأردن مكاتب الصحف الى استديوهات لتصوير العائلة المالكة. أما في سوريا، فأراد الجيش الروسي ايصال رسالة للصحافة المستقلة، فقام بقصف جميع المقرات الصحافية التي تحوّلت اليوم الى مراكز للشركات الروسية المسؤولة عن اعمار سوريا.

في لبنان، فإن انسياب الطائفية وعدم وجود اتفاق ينظمها، على غرار اتفاق الطائف، دفع بكل حزب من الأحزاب الى وضع مليشيات لحماية مقراته الاعلامية. من جهتها، اختارت السعودية تحويل هذه المقرات الى نوادٍ ليلية بما يتوافق مع رؤية ولي عهدها ونهج الانفتاح. هذا في مقابل توجه الامارات الى فتح المقرات الصحافية أمام السياح الاسرائيليين.

أما الشغور الإعلامي والترفيهي الذي خلّفه موت الصحف، فيشغله اليوم جيل من “الصحافيين الجدد”، هم “اليوتوبرز” و”الانفلونسيرز”، الذين “يتحدثون على الكاميرا عن كل شيء من دون الحديث عن شيء”، وهم بذلك لا يختلفون كثيراً عن أسلافهم من الصحافيين التقليديين.

أما مبادئ هذا الاعلام الجديد فتتلخص في عناصر ثلاثة، هي: “الحكي من دون حشو- خصوصاً عن كيفية تمويل اللايف ستايل الخاص بهم- والمرونة وعدم التمسك بالمبادئ، وثالثاً والأهم من ذلك هو خلق المحتوى حتى حين لا يكون هناك ما يستحق الحديث عنه”.

الدولة الرائدة في هذا المجال، حسب الوثائقي، هي بالطبع دبي، معقل المؤثرين ومصدّرة صيحاتهم الى العالم. وإن أردنا تبني نموذج دبي في صحافة التأثير، فمن الممكن “تحويل المقالات الى مجموعة اعلانات وصور لأناس شقر يتمشون بين الأبراج و”الكومباوندات” ويتكلمون الانكليزية”، وفق اقتراح أحد الصحافيين السابقين الذي أصبح “قوّاداً” بعد انتهاء مسيرته الصحافية، في إشارةٍ ساخرة الى تقارب المهنتين.

في نهاية الوثائقي، تمّ تقديم جائزة الحدود للصحافة العربية (جحصح) لأسوأ المواد الصحافية عن فئات متنوعة مثل “أفضل خطاب كراهية” و”أفضل نظرية مؤامرة” بالاضافة الى أفضل “بوق اعلامي” و”الخبر الأقل أهمية” و”الكذب الصريح”، والتي حصدتها مقالات حقيقية صادرة عن أعرق الصحف العربية.

قبل الختام، لا بدّ من التذكير بأن هذا الوثائقي ساخر، أي يفترض أنه لا يمتّ الى الواقع بِصِلة، الأمر الذي قد يلتبس على المُشاهد الذي سيشعر أنه أمام وقائع وأحداث حقيقية تمتّ الى الواقع بكل صِلَة.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى