“كنتُ أروي الثورة من خلال عيونهن”… كمال رضواني عن فيلمه “سوريا: النساء في الحرب”/ رقية العبادي
يخصّص المراسل الحربي والمخرج المغربي، المتخصص في العالم العربي، كمال رضواني فيلمه الوثائقي الجديد لنساء سوريا المنسيات في الحرب. يروي الوثائقي “النساء في الحرب” عشر سنوات من الثورة والحرب اللتين أسفرتا عن مقتل نصف مليون وتسببتا في نزوح 12 مليوناً. وذلك من خلال شهادات مؤثرة لأربع نساء سوريات تغيرت حياتهن خلال الثورة، وجذبت تجاربهن رضواني بعد قراءته رواية الكاتبة سمر يزبك “تسع عشر أمراة، سوريّات يروين” الذي صدر عام 2018.
يروي الفيلم تجارب النساء الأربع بطريقة سرد سينمائية من خلال الحكايات الحميمية، ومقاربة دقيقة للسنوات العشر الماضية التي عاشها السوريون بشكل مرعب. من ناحية أخرى، فإن المؤثرات الموسيقية السينمائية المستخدمة في الفيلم كانت لافتة وموجعة. حمل الفيلم العديد من الصور ومقاطع الفيديو المأخوذة منذُ بدء الثورة في سوريا.
المخرج كمال رضواني أثناء نقاش فيلمه “سوريا: النساء في الحرب” في أحد العروض التي نظمت في فرنسا
يركز الوثائقي على قصة الثورة السورية التي بدأت بالأغاني والأهازيج والصيحات المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية وإسقاط النظام الديكتاتوري، ومواجهة آلة القمع التي لا ترحم، حتى ينتهي الأمر بظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استبعد النساء من الثورة وقيّد حقوقهن وظهورهن العلني. هذا ما أوضحته لبنى قنواتي، إحدى النساء المشاركات في الفيلم، بقولها ” اللحى بدأت تنمو”.
العيون هي مرآة الروح
تزامناً مع الذكرى السنوية الحادية عشرة لانطلاق الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، عُرض الفيلم الوثائقي “سوريا: النساء في الحرب”، في مدينة باريس الفرنسية، وسط حضور كبير.
في المشهد الأول من الفيلم، نجح المخرج في جذب انتباه الجمهور من خلال رؤية الحرب بعيون هؤلاء النساء المنسيات. روت عيونهن كل ما حدث خلال السنوات العشر الماضية. عكس هذا المشهد عواطفهن ومشاعرهن، وربما استند المخرج إلى مقولة “العيون هي مرآة الروح” لأن العيون تستطيع نقل الحقائق ولا تغش.
يبدأ المشهد بهذه الكلمات: “في آذار/مارس 2011، هبت رياح من التمرد فوق سوريا كما هو الحال في العديد من البلدان في العالم العربي. هذا الربيع، الذي يحمله الشارع، يعبر عن الأمل ببدء عهد جديد ونهاية نظام الأسد الذي استمر عدة عقود. ومن بين الذين يطمحون إلى هذه الثورة، كانت المرأة السورية في المقدمة.
من خلال الفيلم نبدأ باكتشاف شخصيات وتجارب أربع نساء سوريّات. تقول لبنى قنواتي، وهي ناشطة نسوية وحقوقية شهدت الهجوم الكيماوي على الغوطة واستشهاد الأطفال فيها: “أنا أروي كي لا أنسى شيئاً “.
أما منى فريج الناشطة النسوية التي اضطرت إلى الفرار من الرقة بعد معارضة داعش عام 2014، وهي تدرب اليوم عن بُعد فتيات الرقة ضمن الجمعية التي أنشأتها واسمتها “النسوية”. تقول: “أهم شيء بالنسبة لي هو أن تصبحن نساء الغد وقائدات، يا فتيات الرقة”. تقول هذه الكلمات المشجعة عبر الفيديو من تركيا حيث تعيش.
كلهن ما زلن في المنفى، ويحلمن بالعودة إلى الوطن، حتى لو كان موجوداً فقط في ذكرياتهن. “من خلال قصصهن سلطنَ الضوء على مصير بلد في حالة من الدمار، كما لو تم محوه من خريطة العالم. تلك القصص التي لم تعد تتصدر عناوين القنوات والصحف الإخبارية”، كما قال المخرج رضواني.
يوثّق الفيلم في 70 دقيقة مراحل مرت بها النساء السوريات خلال مواجهتهن لنظام الأسد، في المظاهرات والحصار وقصف النظام والطيران الروسي للمدن السورية، ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة.
الثورة بعيون النساء السوريات
يحكي المخرج كمال رضواني لرصيف22 عن السبب الذي دفعه لرواية قصص هؤلاء النساء: “كان من المهم جداً سرد قصة الثورة السورية بعيون النساء، لأن النساء،في نظري، فقدن الكثير. وهن أيضاً خرجن للشوارع يهتفن للحرية والديمقراطية كما الرجال”.
ويضيف: “حرمن ليس فقط من حريتهن ولكن أيضاً من حق الكلام عن حقوقهن. لقد اختفين من الشوارع السورية التي كانت تحت حكم الدولة الإسلامية، واختفين حتى من ذكرياتنا هنا في الغرب، لأننا نتذكر عندما كن قبل حوالي أحد عشرعاماً في الصفحة الأولى من الصحف اليومية في أوروبا. وبعد ذلك لم نعد نتحدث عن هؤلاء الفتيات الصغيرات اللواتي كنّ في سن 16 و 17 و 18 عاماً في ذلك الوقت، واليوم تبلغ أعمارهن 27-28 عاماً. أمضين 10 سنوات من الحرب، وكان علي أن أمنحهن مساحة لرواية قصصهن، وكان من الضروري التحدث عن هذه الثورة من خلال عيونهن”.
خلال التصوير وسرد النساء ل قصصهن لم يكن يتوقع المخرج رضواني تأثره بما سمعه، يقول: ” أنا أعترف أن قصص الشخصيات في فيلمي لبنى ومنى ومروة، هي قصص لا تصدق، لأنهن شجاعات، لأنهن اضطررن لتحمل الكثير من الأشياء الصعبة والهمجية. وقد أثرت قصصهن في نفسي بعمق”.
تتنهد منى فريج الناشطة النسوية من مدينة الرقة وهي إحدى شخصيات الفيلم، و تقول : ” بالنسبة لنا نحن النساء السوريات، أبسط حقوقنا، أن نقول أنا حرة، هذا حلم لنا “. في مشاهد أخرى من الفيلم، تروي امرأة اختارت أن تخفي هويتها وتقدم نفسها على أنها ثورية سورية نجت من بعد شهور طويلة قضتها في السجن من الاغتصاب والتعذيب، عن اغتصابها: ” في ذلك اليوم مات كل شيء في داخلي” ويعلق المخرج رضواني.” عندما يخرج الرجل من السجن فهو بطل أما المرأة فهي عاهرة، هكذا عاشت هؤلاء الشابات هذه الثورة”
صنعتُ هذا الفيلم حتى لا ننسى الحرب في سوريا
عُرض الفيلم للمرة الأولى في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2021 ضمن مهرجان بايو كالفادوس المقام في مدينة نورماندي الفرنسية، كان هناك مايقارب 700 شخص يشاهدون الوثائقي، يقول رضواني :” كانت الغالبية العظمى من الناس تبكي وهم يشاهدون ويستمعون إلى قصة هؤلاء الشابات”.
إلى جانب عرض الفيلم لقصص النساء، ومعاناتهن، وخوضهن تجارب صعبة خلال سنوات الثورة والحرب، فقد تناولَ جانباً مُهماً في الحديث عن دور المرأة في الثورة السورية، يقول رضواني :” ما أتذكره على أي حال هو الشجاعة غير العادية لهؤلاء النساء، وأن وراء قصصهن، قصة الغالبية العظمى من الفتيات السوريات اللواتي عانين من نفس الشيء فغالبًا ما تُنسى النساء في مناطق الحرب، لذلك الاهتمام بالنساء والأمهات والأطفال الذين هم اليوم في وضع لا يمكن تصوره في القرن العشرين، كان حقاً مهم بالنسبة لي”.
وعند سؤاله عن أهمية هذا العمل بالنسبة إليه، وعن رغبته وحاجته الملحة لروي هذه الحكايو بعد عشر سنوات من بدايتها، قال المخرج رضواني: ” بالنسبة لي، صنعتُ هذا الفيلم حتى لا ننسى الحرب في سوريا، ولا ننسى الثورة السورية. تحدثنا كثيرًا عن تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، بعد ذلك انتقلت الحرب إلى أفغانستان واليوم إلى أوكرانيا. لذلك من المهم أن نتذكر أنه لاتزال هناك حرب في سوريا، وأن سوريا لاتزال منقسمة، وأن البلد في حالة خراب، وأن الغالبية العظمى من السكان قد انتقلوا إلى خارج سوريا، إنهم لاجئون في الأردن، في أوروبا، في تركيا. نازحون يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة لا يمكن تصورها ونحن ننساهم اليوم بكل بساطة، كان من المهم بالنسبة لي أن أتذكر أن سوريا لا تزال تمر بمأساة، وأنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يهتم بها”.
رصيف 22