مقالات مختارة تناولت الأزمة بين الأردن وسوريا -حرب المخدرات هناك-
هل تتطوّر حرب الحدود الشمالية الأردنية؟/ غازي دحمان
أعلن الأردن، أخيراً، أن ما يجري على حدوده مع سورية، من عمليات لتهريب المخدرات، هو شكّل من الحروب، تشنها عليه قوى منظمة ذات إستراتيجيات بعيدة المدى، وتتعامل بتكتيكاتٍ حربية، وتستخدم تقنيات وأدوات جيوش حديثة. بل تذهب التقديرات الأردنية إلى أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً كبيراً على الحدود الشمالية، نتيجة متغيرات تشهدها تلك الحدود جرّاء الانسحاب الروسي من جنوب سورية.
ويشي تصنيف الأردن هذه الأحداث حرباً ضده بأن تقديره مستوى المخاطر والتهديدات الناجمة عنها مرتفع. وبالتالي، ستكون الاستجابة على المستوى نفسه، بما يعنيه ذلك من استعدادات عسكرية مناسبة وحشد للموارد وتكييف للتكتيكات تتناسب مع طبيعة الخصم وأساليبه في هذه الحرب.
حاول الأردن، في البداية، تصوير الأمر مجرّد اختراقات للأجهزة الأمنية والجيش السوري، حتى لا تترتب على ذلك ردود فعل موازية، إلا أن الأردن، ومع كثافة تهريب المخدرات، اضطر إلى رفع مستوى المواجهة من خلال الإعلان عن تغيير قواعد الاشتباك والتعامل ومنح الجيش سلطة استخدام القوّة الساحقة مع المهرّبين، أراد صانع القرار الأردني من ذلك دفع نظام الأسد إلى تغيير سياساته تجاه الأردن، ومنحه فرصةً لفعل ذلك، وقد زار وزير دفاع الأسد علي أيوب عمّان، في سبتمبر/ أيلول، وكانت قضية تهريب المخدّرات من سورية إلى الأردن في مقدّمة مباحثاته مع رئيس الأركان الأردني اللواء يوسف الحنيطي.
جرى ذلك، في وقت كانت للأردن استراتيجية طموحة لتحويل المخاطر السورية إلى فرصة عبر التجارة والفوائد المشتركة، وقد طالب الملك عبد الله الثاني القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، بشكل صريح، بإعادة مقاربة الوضع في سورية والموقف من النظام بناء على معطيين: عدم سقوط النظام، وأن تأثيرات العقوبات على سورية تتجاوزها إلى المنطقة بحكم الترابط الجغرافي وشبكات العلاقات الاقتصادية. وجرى إدراج هذه الرؤية في ما سميت “اللاورقة الأردنية” التي تنص على الانفتاح التدريجي على النظام، على اعتبار أن ذلك يمثل استراتيجية الحد الأقصى للتعاطي مع الأزمة السورية في سياق الواقع الدولي الحالي. بيد أن هذه المرحلة يبدو أنها انتهت، وجرى إغلاق الباب خلفها بعد تيقّن صانع القرار الأردني أن المشكلة مع النظام السوري ليست حصارا اقتصاديا كما يدّعي النظام، بل حسابات من نوع آخر، بعضها ذو طابع انتقامي، عبّر عنه عضو مجلس الشعب خالد العبود، الذي أكّد أن نظامه لن ينسى أن الأردن ساهم بـ”الكارثة السورية”، والعبود لا يقول هذا من دون طلب من أجهزة الأسد الأمنية.
هي إذن حرب “أفيون” القرن الواحد العشرين، ينفذها نظام الأسد بأدوات ووسائل عصرية، يهدف منها إلى تدمير المجتمعات العربية في الأردن والخليج، وهي عملية منسّقة ومخطّطة، تنطوي على تفتيت المجتمعات واختراق الجيوش والأجهزة الأمنية، ودفع الدول المستهدفة إلى الانكفاء على ذاتها، وصرف طاقاتها في معالجة الأعطاب التي سيخلفها فيضان الحبوب المخدّرة، والتي زاد ما صودر منها عن عشرين مليون حبة في أشهر معدودة. ولم يكن صعباً استنتاج أن هذه الحرب ليست من صناعة شبكات تهريب المخدرات، بل هي من فعل دول وأجهزة أمنية، فالمؤشّرات على ذلك كثيرة:
– أنها تجرى في سياق عمليات منظمة، يدل على ذلك حجم الشحنات الكبير، وانطلاقها من أماكن سيطرة الفرقتين الرابعة والحادية عشرة، وهما من ضمن هيكلية جيش النظام، وليستا قوى مليشياوية. ومعلوم أن هذا النوع من العمليات معقّد، يحتاج ترتيبات لوجستية كبيرة، كما أنه، وبالكميات التي يجرى بها، يحتاج كوادر ضخمة لتأمين الطرقات وإيصاله إلى المناطق الحدودية، ورصد تلك المناطق ونوعية الحراسات والتجهيزات العسكرية، وواضح أن هناك كميات كبيرة جرى تمريرها بنجاح، وإلا لو كانت كل عمليات التهريب قد جرى إحباطها، لتوقفت العملية بسبب عدم الجدوى.
– الاحترافية والقدرات الكبيرة التي تتمتع بها عصابات التهريب، وكذلك استخدامها تقنيات وأدوات متطورّة، مثل الطائرات المسيّرة والمركبات الحديثة، وتنظيمها الهجمات على الجيش الأردني، وهذا يعني وجود جهاتٍ تقوم بالتدريب والإرشاد وتقديم المعلومات الاستخباراتية.
والسؤال الآن، بعد إدراك الأردن أنه أمام مخاطر أمنية استثنائية قادمة من حدوده الشمالية، ما الخيارات التي يملكها لمواجهة هذا التحدي؟ تؤشّر تصريحات القادة العسكريين والأمنيين الأردنيين إلى وجود ثلاثة خيارات، قد يجرى تبني أحدها حسب الظروف والمقتضيات:
خيار ضرب شبكات التهريب التي تقدرها مصادر أردنية بـ160 شبكة في جنوب سورية، وللأردن خبرة سابقة في التعاطي الأمني مع المهرّبين، لكن الإشكالية الآن أن تنفيذ هذا الخيار يعني الاصطدام مباشرة مع جيش النظام الذي يرعى هذه الشبكات، وربما يؤوي مصانع المخدّرات ضمن قطعه العسكرية، فهل الأردن مستعدٌّ لحرب مباشرة؟ خيار تشكيل جيش من دول المنطقة، فقد تواترت تصريحات أردنية رسمية وإعلامية أن الأردن يحمي دول المنطقة بمواجهته تجارة المخدرات، فهل يتشكّل جيش عربي لردع منظومة الأسد عن تهريب المخدّرات وتهديد أمن دول المنطقة واستقرارها؟ تشكيل منطقة آمنة في جنوب سورية، أو شريط عازل على طول الحدود، وهذا يستدعي مساعدة دولية، قد لا تكون ممكنة في هذه الظروف.
في كل الأحوال، يبدو أن الأردن لم ينج من سهر الليل الطويل، الذي طالما حذّر منه السياسي المخضرم سعد هايل السرور، على الحدود الشمالية، وسيكون مقبلاً على خيارات قاسية، ويبدو أن نظام الأسد، الغارق في الدمار السوري، يريد رؤية مشهد عربي مدمّر حتى يتساوى الجميع في الضياع.
العربي الجديد
———————————–
الأردن وسوريا: في البعد الإقليمي لـ”حرب المخدرات” / عريب الرنتاوي
يصف الأردن عمليات التهريب واسعة النطاق، التي تجري على حدوده الشمالية مع سوريا، بأنها “حرب مخدرات، ساحاتها تمتد من البقاع الغربي مروراً بالقلمون وبادية حمص وانتهاء بجنوب سوريا، أما أطرافها، فتشمل ميليشيات سورية ولبنانية محسوبة على إيران، وبمشاركة “مراكز قوى” في دمشق.
وفقاً للرواية الأردنية، فإن ما يجري يتخطى كونه عمليات تهريب معتادة في المناطق الحدودية، بل هي “حرب مكتملة الأركان”، يتحرك خلالها “المهربون” وحُماتهم، على صورة تشكيلات عسكرية، مدججة بالسلاح، ومن ضمن أرتال قتالية منظمة، وتشتمل على المخدرات، “الكبتاغون” خصوصاً، إلى جانب الأسلحة، وأن وجهتها الرئيسة هي المملكة العربية السعودية ودول الخليج، في حين، يتحول الأردن يوماً إثر آخر، من دولة ممر “ترانزيت” للمخدرات، إلى دولة مقر، أو وجهة نهائية لقسم متزايد منها.
ومنذ أن حّذر الملك في واحد من أحدث تصريحاته، من “فراغ روسي” في جنوب سورية على خلفية الأزمة الأوكرانية، وسعي ميليشيات إيرانية لملئه، لم يبق مسؤول سياسي أو عسكري ذي صلة، إلا وأدلى بدلوه في هذا المجال، فيما الصحافة ووسائل الإعلام، تواصل الحديث عن هذا “التهديد” الذي بات مقلقاً لصناع القرار والرأي العام، سواء بسواء.
الأردن لم يتهم دمشق ونظام الرئيس الأسد رسمياً بالمسؤولية عن هذه الحرب، لكن الحديث يدور عن مليشيات مذهبية مدعومة من إيران ، ويشمل مروحة واسعة منها في سوريا، وصولاً إلى حزب الله في لبنان، الذي يحتفظ بنفوذ مُقرر في البقاع اللبناني، وهي المنطقة التي يُعتقد بأنها “المنبع” الرئيس لتجارة السموم هذه، فيما لا تستبعد المصادر الأردن، أن تكون أقيمت مشاغل لإنتاج المواد المخدرة على الأرض السورية، تعمل لصالح هذه الميليشيات وبحمايتها، في حين تتجه أصابع الاتهام إلى الأخ الشقيق للرئيس السوري، ماهر الأسد وفرقته الرابعة، التي تنتشر على مقربة من الحدود الطويلة (375 كم) مع الأردن.
الصورة الأكبر
اندلاع “حرب المخدرات” على الأردن، يأتي في لحظة سياسية إقليمية حرجة، تتميز بتعثر مناخات الانفراج التي هيمنت على الإقليم قبل عدة أشهر، فمن جهة أولى؛ يبدو مسار فيينا حول برنامج إيران النووي، متعثراً، وفرص نجاحه ضعيفة للغاية على أقل تقدير، وإيران التي ترزح لـ”أقصى العقوبات”، تجد صعوبة في تمويل حلفائها والمحسوبين عليها، الأمر الذي دفع مراقبين لعدم استبعاد سيناريو لجوء هذه المنظمات إلى “تجارة المخدرات” لتعويض عجوزاتها المالية، وتوفير التمويل المناسب لعشرات ألوف المجندين تحت السلاح.
ومن جهة ثانية؛ فإن مناخات التقارب الأردني – السوري، التي انتعشت في أعقاب إعلان الأردن عن “مقاربة جديدة” حيال سوريا، عرضها الملك على الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمتهما الأولى قبل عام، تبدو عرضة للتبديد، ومعها، مشروع “كريدور الطاقة” لنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية، عبر سوريا إلى لبنان، الذي يعاني بدوره قيود “قانون قيصر” الثقيلة.
ومن جهة ثالثة؛ فإن من تداعيات الاجتياح الروسي لأوكرانيا، انشغال موسكو بالحرب الكونية متعددة الجبهات التي تشن عليها، وتتالي التقارير التي تتحدث عن إقدام موسكو على سحب قواتها المنتشرة في جنوب سوريا، معرضة حدوده الشمالية لخيار “الفراغ”.
رواية دمشق وحلفائها
دمشق الرسمية، تلتزم الصمت، وكذا حزب الله، والحديث بهذا الشأن متروك لوسائل إعلام هذه الأطراف، والناطقين غير الرسميين بألسنتهم، فماذا يقولون.
تتهم رواية هذا الفريق الأردن بـ”افتعال” هذه المشكلة والمبالغة في تصوير حجمها، ولأسباب سياسية غالباً، ومن ضمن تنسيق متعدد الأطراف، يشمل من ضمن ما يشمل، الولايات المتحدة وإسرائيل، دمشق أو أي من حلفائها، لا ينكرون وجود تهريب، ولكنهم يضعونه في السياق والحجم المُعتادين، الأمر الذي تنفيه عمان، وتدلل عليه بالمؤتمرات الصحفية والبلاغات التي تصدر بصورة شبه يومية، وتعرض لأعداد عمليات التعرض للمهربين، والإصابات في صفوفهم، وكميات المخدرات والأسلحة المصادرة، سيما بعد أن أعلن الأردن، رسمياً، عن تغيير قواعد الاشتباك مع المهربين، وإعطاء الأوامر لوحدات الجيش بالتصدي لهم مباشرة، بعد مقتل عدد من الجنود والضباط الأردنية في عمليات متفرقة جرت في الأشهر الأخيرة.
أما الأهداف السياسية التي تلمح لها دمشق وحلفائها، فتتلخص في ثلاثة: الأول؛ رغبة الأردن وحلفائه، في إبراز التهديد والدور المزعزع للاستقرار الذي يلعبه الحرس الثوري و”فيلق القدس” المشرف فعلياً على هذه الميليشيات، في مسعى لحث إدارة بايدن، والضغط عليها، من أجل إبقائه مدرجاً على لوائحها للمنظمات الإرهابية….والهدف الثاني؛ حث واشنطن على إبقاء وتعزيز وجودها العسكري في سوريا، شمالاً وفي الجنوب “قاعدة التنف”، حتى لا يُضاف إلى “الفراغ الروسي”، فراغاً أمريكيا.
أما الهدف الثالث؛ فممارسة الضغط على روسيا في سوريا، وربما فتح جبهة جديدة على الكرملين، من خلال عزل واستنزاف أهم حليف لها شرق المتوسط: سوريا…وهنا يجري الربط بين تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية لسوريا، والترويج لعودة “غرفة الموك”، تزامناً مع تهديدات أنقرة بتنفيذ عملية اجتياح خامسة للشمال السوري، لاستكمال مشروع المنطقة الآمنة بعمق 30 كم، وبالتوازي مع إعادة نشر القوات الأمريكية في شمال سوريا الشرقي، وعودتها لقواعد سبق وأن أخلتها قبل أزيد من عامين.
رواية دمشق وحلفائها، تضع “حرب المخدرات” في سياق إقليمي – دولي أوسع، مرتبط بالتوتر بين واشنطن وموسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية، وواشنطن وطهران على خلفية تعثر مسار فيينا النووي.
الرواية من موسكو:
موسكو تتابع عن كثب التصريحات الأردنية، وتواكب مخاوف عمان التي ما انفكت تعبر عنها في كل مناسبة ومحفل … لكن لموسكو روايتها الخاصة كذلك، وتقول: (1) أن زيارة كانت مجدولة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عمان قبل الحرب على أوكرانيا، كان مقرراً لها أن تبحث في هذا الملف تفصيلاً إلى جانب ملفات أخرى ذات اهتمام مشترك، تأجلت أول مرة بطلب روسي، لكن مصادر دبلوماسية روسية تقول إن الخارجية الروسية، طلبت من نظيرتها الأردنية مرتين على الأقل، تحديد موعد جديد لزيارة لافروف لعمان، وأن الأخيرة تمنعت عن الاستجابة، لأسباب تقول عمان، أنها عائدة لجدول أعمالها المزدحم، ولا تستبعد موسكو أن تكون الأسباب سياسية، على خلفية “الحصار الغربي” على روسيا، ورغبة واشنطن في حشد حلفائها وراءها في حربها على الكرملين.
(2) المصادر الروسية تعتقد أن أطرافاً لبنانية (حزب الله) وميليشيات مذهبية في سوريا، قد تكون ضالعة في حرب المخدرات على الأردن، ولا تستبعد تورط “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد في هذه الحرب، لكنها تستبعد أن يكون النظام في دمشق طرفاً فيها، وترد المسألة برمتها إلى عدم قدرة النظام حتى اللحظة، على بسط سيطرةٍ محكمة على جميع أراضيه.
(3) موسكو تسخر من الأنباء التي تتحدث عن “سحب قواتها من سوريا” لحاجتها لها في الحرب على أوكرانيا، وتقول: إن تعداد هذه القوات لا يزيد عن ثلاثة آلاف ضابط وجندي، وأنهم بفرض سحبهم جميعا، لن يحدثوا فرقاً على جبهات ينخرط فيها ما لا يقل عن مئتي ألف ضابط وجندي من الجانب الروسي وحده، وأن لروسيا حسابات ومصالح في سوريا، تمنعها من التفكير بالانسحاب، وأن الوجود العسكري الروسي في جنوب سوريا، لم يتعد في يوم من الأيام، “وحدات الشرطة العسكرية”.
(4) المصادر الروسية تقول إن عمليات التهريب العابرة للحدود، تفترض وجود شبكات عابرة للحدود كذلك، لضمان “سلاسل التوريد”، وأن الكشف عن عناصر هذه الشبكة في دول المنبع: سوريا ولبنان، لا يغني عن كشف أعوانهم ووكلائهم في دول المصب: الأردن والخليج، وأن ثمة القليل الذي يجري الكشف عنه في هذا المجال، وهذا يعقد المشكلة والمعالجة.
خلاصة القول:
“حرب المخدرات” تطور جديد في علاقات الأردن مع جارته الشمالية، يلقي بظلال كثيفة على هذه العلاقات، ويبدد الرهانات والآمال التي عقدها البعض على عوائدها على الاقتصاد الأردني المأزوم، وليس مستبعداً أن يقود إلى تداعيات لا تحمد عقباها، من نوع العودة إلى تكتيك “وسائد الارتكاز” الذي اعتمده الأردن على حدوده الشمالية، لدرء خطر التنظيمات الإرهابية بالاعتماد على قوات غير نظامية، وميليشيات ليست محسوبة على داعش أو القاعدة أو تلك المذهبية المحسوبة على إيران.
وقد يمتد التوتر في العلاقات الأردنية – السورية، إلى توتر في علاقات عمان بطهران، وهي علاقات شبه مجمدة أصلاً، ما يُبقي الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات خطرة على الحدود الشرقية مع العراق، حيث ترابط ميليشيات عراقية محسوبة على إيران على مقربة من المثلث الحدودي الأردني – السوري – العراقي، وكان سبق للملك عبد الله الثاني أن كشف في حديث صحفي عن استهداف العمق الأردني بطائرات مسيّرة من قبل ميليشيات عراقية محسوبة على إيران، الأمر الذي ردته مصادر هذه الميليشيات إلى استخدام القوات الأمريكية لقواعد في الأردن لاستهدافها في العمق العراقي، وهذا تطور قد يولد حالة من “انعدام اليقين” على علاقات الأردن بالعراق، التي تعوّل عليها حكومتا البلدين كثيراً، وربما لهذا السبب، خرج موضوع “الدرونز المجهولة” من التداول العلني، سياسياً وإعلامياً.
وسينظر الأردن للكيفية التي ستتعامل بها روسيا مع تهديد “حرب المخدرات” بوصفها واحدة من المعايير الحاكمة للعلاقات الثنائية بين البلدين، وهي العلاقات التي قد لا تجتاز “القطوع الأوكراني” بسلاسة وسلام، والحقيقة أن الملك أشار في حديث له مؤخراً، عن دور روسي مُعزز للاستقرار في جنوب سوريا، ورغم أنه لم يُضمّن حديثه مزيداً من التفاصيل، إلا أن المراقبين في عمان، ما زالوا يذكرون أن التعاون الأردني – الروسي في جنوب سوريا، مكّن الأردن من تفكيك “مخيم الركبان” والهبوط بأعداد ساكنيه من أزيد من 80 ألف إلى أقل من خمسة ألاف لاجئ، غالبيتهم كما تقول المصادر الأردنية، من عوائل داعش التي تحتضن “خلايا نائمة” للتنظيم الإرهابي، والأردن بالتعاون مع روسيا تمكن من تمهيد الطريق أمنياً لـ”كريدور الطاقة” في درعا وجوارها، وأبعد الفرقة الرابعة عن هذه المنطقة، ولعبت موسكو دور الوسيط مع قوى الأمر الواقع في الجنوب السوري، ومع دمشق ذاتها، قبل أن تُفتح قنوات الاتصال المباشر، رفيع المستوى بين البلدين خلال السنة الأخيرة.
الحرة
———————————-
تغيّر في الخطاب الأردني حول النظام السوري؟
رأي القدس
خلال لقاء مع برنامج «باتل غراوندز» العسكري التابع لمعهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية قال ملك الأردن إن ملء إيران ووكلائها الفراغ الذي تخلفه روسيا في سوريا قد يؤدي إلى مشاكل على طول الحدود الأردنية، وأن بلاده تشهد هجمات حدودية بشكل منتظم وأنها «تعرف من يقف وراء ذلك».
تزامنا مع ذلك اتهم مدير أمن الحدود في الجيش الأردني، العميد أحمد خليفات، النظامين السوري والإيراني، بدعم عمليات عصابات تهريب المخدرات، قائلا إن الأجهزة الأمنية وقوات من جيش النظام السوري تقوم بدعم تلك «العصابات المنظمة» وبأن ميليشيات محسوبة على إيران وكذلك «حزب الله» تشارك في أعمال التهريب تلك.
ما لبث الجيش الأردني أن أعلن، أمس الأحد، أنه قتل أربعة مهربين وأصاب آخرين لدى محاولتهم اجتياز الحدود إلى المملكة وبحوزتهم كميات كبيرة من المخدرات، وأن عملية التهريب تلك كانت «بإسناد من مجموعات مسلحة» مشيرا إلى مصادرة كميات ضخمة من مخدرات الكبتاغون وترامادول والحشيش.
تشكل العملية الأخيرة استكمالا لكثير من العمليات التي سبقتها والتي كان أكبرها تصدّي الجيش الأردني، في 27 كانون ثاني/يناير الماضي لعدة محاولات تهريب وقتل 27 مهربا، والتي سبقها هجوم من المهربين، الذين ساندتهم «مجموعات مسلحة» على الجيش الأردني في 17 كانون ثاني/يناير أدى لمقتل ضابط وإصابة ثلاثة جنود من حرس الحدود.
وضعت تصريحات الملك عبد الله ما يحصل بين عمّان ودمشق في إطار سياسيّ جديد يمكن اعتباره انقلابا جرى بين زيارتين إلى العاصمة الأمريكية، فقد عاد العاهل الأردني بعد الزيارة التي جرت في تموز/يوليو 2021 حاملا «خارطة طريق للحل السوري» وبدأ عملية تطبيع مع نظام الأسد ورؤية لـ«دور محوري تلعبه روسيا» فيما تغيّر الموقف بعد زيارته الأخيرة التي جرت في 13 أيار/ مايو 2022، وبدأ الحديث عن الدور الإيراني، فيما تكفّل الضابط الأردني الكبير الآنف الذكر بكشف العلاقة (التي يعرفها الجميع طبعا) بين المهربين والنظام السوري.
أظهر تنامي عمليات التهريب والاعتداء على الجيش الأردني بعد مبادرة التطبيع المذكورة أن النظام في دمشق، الذي أصبح يدير أحد أكبر مراكز تصنيع وتهريب المخدرات في العالم، مهتمّ باستخدام الجغرافيا الأردنية لتمرير المخدرات أكثر من اهتمامه بدخول مئات أو آلاف الأردنيين الراغبين في التسوق أو التجارة، وأن قادة النظام والميليشيات الواسعة النفوذ يرون في مبادرات التطبيع مع النظام بوادر ضعف في القيادة الأردنية أو استسلاما من المنظومة الدولية لواقع الحال المفروض في سوريا.
دفعت عمليات الهجوم وتهريب المخدرات إلى تصليب الموقف الأردني، الذي بدأ يخوض حربا مع المهربين عبر الشريط الحدودي الطويل بين البلدين، وقد قام الملك الأردني بزيارة المواقع العسكرية الحدودية مرتين في شهر واحد للمشاركة في مناورات «ضربة الصقور» والتهديد «بالضرب بيد من حديد».
أدت حرب الحدود، عمليا، إلى سقوط مبادرات التطبيع مع النظام، غير أن الانسحابات الروسية من سوريا بسبب الحرب في أوكرانيا أضافت قلقا أردنيا جديدا من تمدد إيران وميليشياتها إلى الجنوب السوري، وهو ما ينذر بتغيّر طبيعة الاشتباكات من كونها منعا لعمليات التهريب إلى التحوّط من اشتباكات ذات طبيعة سياسية ـ أمنية معقدة.
في كل الأحوال، يظهر تطوّر الأحداث الراهن عدم قدرة السلطات الأردنية والعربية والعالمية على فهم طبيعة النظام السوري، وخصوصا بعد تحوّله إلى نظام تابع لروسيا وإيران، وتحوّل قواته إلى ميليشيات يقوم نفوذها على أشكال من عصابات الجريمة المنظمة وتصنيع وتجارة المخدرات، إضافة إلى أعمالها الأخرى التي تمرست فيها عبر تحويل خطف البشر وقتلهم ومصادرة أملاكهم والتعامل معهم كرهائن إلى «الاقتصاد السياسي» الذي يدير الدولة.
القدس العربي
——————————–
=====================
تحديث 11 حزيران 2022
———————–
التهريب بين سوريا ولبنان، ومن سوريا إلى الأردن: تطوّره وشبكاته المحلية/ جوزيف ضاهر ونزار أحمد وسلوان طه
ترجمة: مايا صوان
نبذة
في العام ٢٠١٨، وسّع النظام السوري سيطرته على غرب البلاد وجنوبها، ومع ذلك، لم يؤدّ هذا التحوّل في السيطرة على الأراضي إلى توقّف الأنشطة غير المشروعة. فالواقع أن النظام عزّز قيام بيئةٍ مؤاتيةٍ أتاحت لشبكات التهريب مواصلة عملها، مستغلةً البيئة الهشّة التي أعقبت الحرب في سوريا، والانهيار الاقتصادي في كلّ من لبنان والأردن. استناداً إلى مقابلات نادرة، أُجريَت بين كانون الأول ٢٠٢١ ونيسان ٢٠٢٢، مع جهات فاعلة تابعة للحكومة وأخرى غير حكومية تعمل في أنشطة التهريب في سوريا، تنظر هذه الورقة في ديناميات التهريب بين سوريا ولبنان، ومن سوريا إلى الأردن، وتستعرض الفاعلين المنخرطين في أنشطته.
مقدّمة
كان التهريب في سوريا نشاطاً مربحاً منذ إنشاء الدولة، إلى أن جاء الصراع السوري، الذي اندلع في العام ٢٠١١، ليحدّد أنماطاً جديدةً في نشاط التهريب في أرجاء البلاد كافّة.[1] ثم وصل الصراع في العام ٢٠١٨ إلى نقطة انعطاف، حيث غيّر النظام السوري مجرى الحرب بدعمٍ من حليفَيه الروسي والإيراني، واستعاد السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي في غرب سوريا وجنوبها. بيد أن هذا التحوّل في السيطرة على الأراضي لم يؤدّ إلى توقّف الأنشطة غير المشروعة، بل إن النظام عزّز إنشاء بيئةٍ مؤاتيةٍ أتاحت لشبكات التهريب الاستمرار في عملها، مستغلّةً البيئةَ الهشّةَ التي أعقبت الحرب في سوريا، والانهيار الاقتصادي في البلدَين المجاورَين، لبنان والأردن، لتستمرّ في أنشطة التهريب ثنائية الاتجاه مع لبنان، وأحادية الاتجاه إلى الأردن. ومنذ العام ٢٠١٨، وجد النظام في تهريب السلع المشروعة وغير المشروعة، كما في تهريب الأشخاص، مصدراً للدخل لتأمين السلاح، وتجنيد المقاتلين ودفع أجورهم، وتوطيد الشبكات الداعمة له ومراكمة الثروة.
استناداً إلى مقابلات نادرة، أُجريَت بين كانون الأول ٢٠٢١ ونيسان ٢٠٢٢، مع جهات فاعلة تابعة للحكومة وأخرى غير حكومية تعمل في أنشطة التهريب في سوريا، تنظر هذه الورقة في أنماط التهريب بين سوريا ولبنان، ومن سوريا إلى الأردن، وتستعرض الجهات المنخرطة في أنشطته منذ مطلع العام ٢٠١٩، وفقاً لعوامل رئيسية ثلاثة: أولاً، الأوضاع المختلفة على الحدود بين سوريا والبلدَين المجاورَين لها، لبنان والأردن (مثلاً، حدود سهلة الاختراق أم آمنة)؛ ثانياً، درجة السيطرة الأمنية للنظام السوري في المناطق الحدودية (مثلاً، سيطرة أمنية عالية أم محدودة)؛ ثالثاً، استجابة الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في لبنان والأردن لعمليات التهريب (مثلاً، تعاون نشط أم مواجهة عنيفة).
الجزء الاول: التهريب ثنائي الاتجاه بين سوريا ولبنان
نظراً إلى سهولة اختراق الحدود بين سوريا ولبنان، وعدم خضوعها لمراقبة مُحكَمة، يجري التهريب بين البلدَين عبر ١٢٠-١٥٠ نقطة عبور غير شرعية على طول الحدود البالغ ٣٩٤ كيلومتراً.[2] وتمرّ عمليات التهريب في سوريا إلى الداخل والخارج عبر مناطق يُخضِعُها النظام لدرجة عالية من الرقابة الأمنية. ويتركّز ذلك بصورة أساسية في الريف الجنوبي حول حمص، والقلمون الغربي، وريف دمشق، حيث تتمتّع الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري بقيادة ماهر الأسد بحضورٍ قوي، وتنخرط مباشرةً في أنشطة التهريب. تشكّل هذه المناطق مراكز لتهريب المنتجات التي تُوزَّع بعد ذلك في مناطق سيطرة النظام.[3] أما على الجانب الآخر، في منطقة بعلبك-الهرمل في لبنان، فيستغلّ حزب الله، وحليفه حركة أمل بدرجةٍ أقلّ، سيطرة الدولة الهشّة، وعجزها عن فرض الرقابة على الحدود، لتمكين أنشطة التهريب والمشاركة فيها.[4] كما إن منطقة وادي خالد تشتهر أيضاً بالتهريب إلى سوريا، الذي تضطّع به جهات عدّة، بما فيها أُسَر كبيرة وعشائر وتجّار يعملون بالتعاون مع أجهزة المخابرات السورية منذ عقود (الخريطة ١).[5]
الخريطة ١: الشريط الحدودي بين سوريا ولبنان
المصدر: المؤلّفون
منذ العام ٢٠١٩، أدّت الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وما تلاها من تعدّدٍ لأسعار صرف العملات الأجنبية، إلى زيادةٍ ملحوظةٍ في التهريب من لبنان إلى سوريا، ولا سيما تهريب المازوت. فسعر المازوت في لبنان أصبح أرخص بكثير منه في سوريا،[6] لأن مستوردي هذه المادة تمكّنوا من شراء الدولار بالليرة اللبنانية في مصرف لبنان بسعر تفضيلي (بين تشرين الأول ٢٠١٩ وتشرين الأول ٢٠٢١). في غضون ذلك، تسبّب خفض الحكومة السورية الدعمَ على النفط بزيادة الأسعار، في وقتٍ تعاني البلاد من انقطاعات متكرّرة للمشتقّات النفطية. أتاح هذا الوضع الفرصة للمهرّبين على جانبَي الحدود لمراكمة قدرٍ كبيرٍ من الثروة. وقد ارتفعت واردات لبنان (الرسمية) من البنزين بنسبة ١٣ في المئة في سنة واحدة، من ٢٤٧٢ مليون ليتر في العام ٢٠١٩، إلى ٢٧٩٨ مليون ليتر في العام ٢٠٢٠، هُرّبَت نسبة كبيرة منها إلى سوريا.[7] فوفقاً لشخصٍ من الذين قابلناهم، يعمل في تهريب النفط، “دخل أكثر من ١٠٠ صهريج[8] سوريا يومياً، إجمالاً عبر الممرّات غير الشرعية القريبة من القصير والقلمون الغربي”، في العام ٢٠٢٠ وحتى صيف العام ٢٠٢١.[9] وفي كانون الأول ٢٠٢١، قدّرَ عضو في نقابة أصحاب محطّات المحروقات في لبنان أن ما يصل إلى مليار ليتر من الوقود قد هُرّب إلى سوريا في ذلك العام. وقُدّرَت إيرادات هذه التجارة غير الشرعية بـ٢٣٥ مليون دولار. [10] بيد أن تهريب النفط من لبنان إلى سوريا تراجع منذ رَفعِ الدعم عن المازوت في لبنان، في تشرين الأول ٢٠٢١، إذ نتجت عن هذا الرفع زيادة كبيرة في سعر المازوت (الجدول ١)، ما أدّى إلى تراجع هوامش ربح المهرّبين إلى حدّ كبير. وقد انعكس ذلك أيضاً على حجم النفط المستورد رسمياً إلى لبنان في العام ٢٠٢١، الذي سجّل انخفاضاً بنسبة ١٧ في المئة مقارنةً به في العام السابق.[11]
الجدول ١: أسعار المازوت في لبنان
المصدر: المؤلّفون استناداً إلى القيم الإجمالية من موقع Lira Rate[12]
تجدر الإشارة إلى أن حزب الله يهيمن، بالتنسيق مع الفرقة الرابعة، على سوق تهريب الوقود من لبنان إلى سوريا، وهو ما يتيح لكلّ منهما جمع قدرٍ كبيرٍ من رأس المال. فحزب الله يسيطر على المعابر الحدودية غير الشرعية المتعدّدة في بعلبك-الهرمل، حيث يُنقَل المازوت إلى مستودعات على الجانب الآخر من الحدود، الذي تسيطر عليه بشكل مباشر الفرقة الرابعة أو رجال أعمال مرتبطون بها. ويمكن للشبكات ورجال الأعمال غير المرتبطين مباشرةً بالفرقة الرابعة أن يستخدموا أيضاً نقاط العبور غير الشرعية هذه لتهريب المازوت إلى سوريا، بعد أن يدفعوا للفرقة الرابعة التي تسيطر على المعابر، رسماً يُقدَّر بحوالى ٥٠٠ إلى ٦٠٠ ليرة سورية (ما يعادل ٠،٢ إلى ٠،٢٤ دولار بحسب سعر الصرف الرسمي البالغ ٢٥١٢ ليرة سورية مقابل الدولار) لليتر الواحد.[13] والحال هي نفسها في شمال لبنان أيضاً، حيث ينخرط في تهريب الوقود سياسيون ورجال أعمال من عكار، وإن لم يكن بمستويات مماثلة لحزب الله. وبالفعل، أثبت الانفجار الذي وقع في آب ٢٠٢١ في بلدة التليل في عكار، والذي أودى بحياة ثلاثين شخصاً تقريباً، تورُّط ثلاثة نوّاب من المنطقة، اتّهمهم السكان المحليون بالتواطؤ في أنشطة التهريب، أو حتى الوقوف وراءها.[14]
تضمّ المنتجات الأساسية المُهرَّبة من لبنان إلى سوريا الطحين والقمح أيضاً، نظراً إلى أن أسعار هاتين المادتَين أرخص في لبنان منها في سوريا التي تعاني من نقصٍ كبيرٍ فيهما. فقد وصلت تكلفة الطنّ المتري من الطحين، في منتصف العام ٢٠٢٠، إلى ٣٢٠ دولاراً في سوريا، فيما كان السعر المدعوم في لبنان ١٥٠ دولاراً فقط (بحسب سعر الصرف الرسمي البالغ ١٥٠٧ ليرات لبنانية مقابل الدولار).[15] مع ذلك، قد يعقّد اندلاعُ الحرب في أوكرانيا في شباط ٢٠٢٢، تدفّقَ الطحين المُهرَّب إلى سوريا، إذ إن لبنان استورد في المتوسّط حوالى ٩٥ في المئة من قمحه من روسيا وأوكرانيا، من العام ٢٠٢١ حتى توقُّف هذه الواردات جرّاء الحرب.[16] ناهيك عن ذلك، منذ تطبيق الحظر السعودي على المنتجات اللبنانية في نيسان ٢٠٢١، لجأ بعض المزارعين اللبنانيين على نحو متزايد إلى تهريب منتجاتهم إلى سوريا. فهناك يُعاد بيعها إلى السعودية على يد التجّار السوريين.[17] ومن المواد الأخرى التي تُهرَّب إلى سوريا الأدوية التي لا تزال مدعومة من الحكومة اللبنانية.
في مقابل ذلك، تشمل عمليات التهريب من سوريا إلى لبنان السلع المشروعة وتلك غير المشروعة على السواء. وتضمّ المنتجات المشروعة المُهرَّبة من سوريا إلى لبنان المواد الغذائية المدعومة (مثل الدجاج، واللحوم، والحليب، وغيرها من السلع الزراعية)، والأجهزة المنزلية، ومنتجات التنظيف. وما شجّع هذا المنحى أسعارُ هذه المنتجات المنخفضة نسبياً في سوريا، والتراجعُ الشديد في القدرة الشرائية لشرائح واسعة من اللبنانيين. أما في ما يتعلّق بالسلع غير المشروعة، فقد ازداد الاتجار في الكبتاغون إلى حدّ كبير.[18] يُنتَج معظم هذا الكبتاغون في سوريا، وكمّية قليلة منه فقط في لبنان، الذي يشكّل في الغالب بلد عبور له.[19] فبعض حبوب الكبتاغون المُخدّرة المُنتَجة في سوريا تُنقَل إلى لبنان، ثم تُهرَّب برّاً وبحراً وجوّاً إلى دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما إلى الأردن المجاور. بين العامَين ٢٠١٦ و٢٠٢٢، أحبطت السلطات السعودية محاولات لتهريب ما يزيد عن ٦٠٠ مليون حبّة أمفيتامين من لبنان، وفقاً للرائد محمد النجيدي، المتحدّث باسم المديرية العامة السعودية لمكافحة المخدّرات.[20] يُذكَر أن الفرقة الرابعة، ورجال أعمالٍ سوريين مرتبطين بها برزوا أثناء الحرب، منهم عامر الخيطي وخضر علي طاهر، إضافةً إلى جهات أخرى مثل حزب الله ورجال أعمال على صلة به، يسيطرون على جزء كبير من إنتاج الكبتاغون وتوزيعه. وقد تطوّر الاتجار بالمخدّرات إلى حدّ كبير في السنوات القليلة الماضية، نظراً إلى ازدياد حاجة النظام السوري وحزب الله إلى مصادر جديدة للدخل بعد العقوبات التي طالتهما، وعزلهما سياسياً على الساحتَين الإقليمية والدولية.[21]
وكانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت، في السنوات القليلة الماضية، عن استعدادها لتكثيف مكافحتها أنشطة التهريب بين لبنان وسوريا، وهذا أحد الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على بيروت لتلقّي المساعدة المالية. ولكن يجب الأخذ في عين الاعتبار عقبات رئيسية قبل إحداث تغيير فعليّ في الديناميات الحالية على الحدود. أولى هذه العقبات هي حاجة حزب الله، العسكرية والاقتصادية، إلى استخدام الحدود من دون أيّ شكل من أشكال القيود، ولا سيما في ضوء انخراطه ووجوده في سوريا على المستوى العسكري. ثم إن الأطراف الأخرى الناشطة في التهريب مع سوريا، والتي تغطّيها مختلف الأحزاب السياسية اللبنانية، ليس لديها أيّ مصلحة في وقف التهريب. أخيراً، تشكّل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، حيث ارتفع معدّل الفقر من ٢٥ في المئة في العام ٢٠١٩، إلى ٧٤ في المئة في العام ٢٠٢٢، دافعاً إضافياً للتهريب والأنشطة غير المشروعة. وقد طالت آثار هذه الأزمة على وجه خاص مناطق عكار وبعلبك-الهرمل والبقاع الحدودية، وهي المحافظات التي تسجّل معدّلات الفقر الأعلى في البلاد، والتي تفوق نسبتها الـ٩٠ في المئة،[22] وأعلى معدّلات البطالة التي تبلغ نسبها ٣٥ و٤٩ و٤٦ في المئة في كلّ منها على التوالي.[23] على سبيل المثال، انخرط أصحاب محطّات المحروقات والمولّدات الكهربائية الخاصة في تلك المناطق في تهريب الوقود عبر الحدود السورية، نظراً إلى الأرباح الكبيرة التي دَرَّها عليهم.[24] كذلك عمل بعض الأشخاص في قيادة الشاحنات التي تنقل المازوت إلى سوريا لصالح شبكات تهريبٍ محدّدة. وعليه، غالباً ما تكون أنشطة التهريب وسيلةً للسكان المحليين في تلك المناطق الحدودية، الذين لطالما أهملتهم الدولة، كي يخفّفوا وطأة ظروفهم المعيشية المتدهورة، من خلال شراء السلع المُهرَّبة الأرخص ثمناً، أو العمل مع شبكات التهريب.
الجزء الثاني: التهريب أحادي الاتجاه من سوريا إلى الأردن
يجري التهريب من سوريا إلى الأردن على الحدود المشتركة بين البلدَين، والممتدّة على طول ٣٦٢ كيلومتراً. وتحدّد عواملُ مختلفةٌ اتجاه التهريب، وأنواع السلع المُهرَّبة، والجهات المنخرطة فيه. وعلى خلاف التهريب بين سوريا ولبنان، يُعَد التهريب أحادي الاتجاه للمخدّرات غير المشروعة، والاستثمارات الكبيرة فيها، السمتَين المُحدّدتَين الرئيسيتَين للتهريب من سوريا إلى الأردن، وذلك لسببَين أساسيَّين مترابطَين. أولاً، إن تهريب السلع المشروعة من الأردن إلى سوريا ليس تجارة مربحة إجمالاً. فالأردن ليس مركزاً للإنتاج أو التصنيع الزراعيَّين، والسلع الأردنية هي في الإجمال باهظة الثمن للغالبية العظمى من السوريين.[25] يبقى الأردن إذاً في الغالب بلد عبور للواردات من المنتجات الأجنبية إلى سوريا. وهذا ما تبيّنه الإحصاءات الرسمية حول التجارة المشروعة بين الأردن وسوريا، التي سجّلت ٩٨ مليون دولار في العام ٢٠١٩، و٦٩ مليون دولار في العام ٢٠٢٠.[26] ثانياً، يشكّل الأردن للمهرّبين الساعين إلى زيادة أرباحهم مجرّد بلد عبور للمخدّرات غير المشروعة المُهرَّبة إلى السعودية ودول الخليج. فنظراً إلى أن حبّة الكبتاغون تكلّف في المتوسّط أقلّ من دولار في سوريا، وأكثر من ٢٠ دولاراً في بعض دول الخليج (السعودية والإمارات العربية المتحدة)، يشكّل تهريب المخدّرات عبر الأردن تجارة مربحة للغاية.[27]
وتجري عمليات التهريب على الأرض من سوريا إلى الأردن باستخدام طرق مختلفة ومتبدّلة بسرعة من محافظتَي السويداء ودرعا، حيث سيطرة النظام هشّة، وحيث تَجذَّرَ كلٌّ من غياب القانون، والفوضى، والعنف الجنائي والسياسي. في محافظة درعا، أدّى نموذج عودة النظام في العام ٢٠١٨، بتنسيق روسي، إلى حالةٍ من التشظّي الأمني والمناطقي، في حين تواصل مجموعات مسلحة محلية وعصابات إجرامية في محافظة السويداء تحدّيها سلطة النظام هناك. والحدود السورية-الأردنية ليست سهلة الاختراق، بل محدّدة بشكل أفضل، ومضبوطة أمنياً من السلطات الأردنية، أكثر من الحدود اللبنانية.[28] وصحيح أن المخافر الحدودية السورية موجودة، إلا أن معداتها ولوجستياتها غير فعّالة إلى حدّ كبير، ولذا تميلُ إلى الاعتماد على نظيراتها الأردنية للتصدّي لمُهرّبي المخدّرات المُنظَّمين والمسلّحين.
في جنوب سوريا، تحصر الفرقة الرابعة وحزب الله أنشطتهما غير المشروعة في ديناميات سلاسل الإمداد، ويعتمدان على المتعاونين المحليين الذين تقوم مهمّتهم على تنفيذ عمليات التهريب إلى الأردن. إن تفويض أنشطة التهريب إلى فاعلين محليين، سعياً إلى تأمين الموارد المطلوبة بشدّة، يخدم غرضَين رئيسيَّين. أولاً، إن الاعتماد على العملاء المحليين هو إحدى طرق العمل في مجتمعات مُعادية. فغالباً ما يكون المتعاونون مع حزب الله والفرقة الرابعة من السكان المحليين المتحدّرين من المجتمعات ذات الطبيعة العشائرية والعائلية في محافظتَي درعا والسويداء، الأمر الذي يمكّنهم من العمل بحريّةٍ وإخفاء أنشطتهم غير المشروعة. لكن اللافت أن العقاب يطال العملاء المحليين، حتى ولو جرى استبعادهم. فالعديد من الأفراد الذين حُدّدوا على أنهم متعاونون محليون وتجّار مخدّرات، تعرّضوا للاغتيال أو للإصابة بعدما تجاهلوا النداءات لإنهاء أنشطتهم غير الشرعية في محافظة درعا، بينما لم يحدث ذلك مع عناصر من حزب الله. ثانياً، يمنح العملاء المحليون النظام السوري ميزة الإنكار المقبول، ولا سيما إزاء السلطات الأردنية. وما يكمّل هذه الاستراتيجية، على ما يبدو، هو تقارير النظام المتكرّرة حول إحباطه عمليات تهريب من سوريا إلى الأردن.[29] وفقاً لأحد القادة الثوريين السابقين من درعا، إن هذه المقاربة هي “لعبة سخيفة لإظهار سوريا أمام الأردن على أنها تعاني أيضاً من انتشار المخدّرات وأنشطة التهريب”.[30] وبالفعل، صحيح أن الأردن أكّد صراحةً تورّط جهات فاعلة تابعة للدولة في أنشطة التهريب، إلا أن مخافر الشرطة السورية هي المتّهمة بالتعاون مع المهرّبين[31] لا الفاعلين الرئيسيين.
وتساهم الفرقة الرابعة وحزب الله، بما يقدّمانه من حوافز اقتصادية وحمائية، في جذب أنواع متعددة من الفاعلين المحليين ودمجهم في أنشطة التهريب. فالجماعات البدوية في السويداء، والمعارضون الذين تحوّلوا إلى متعاونين مع النظام في درعا، هما الجهتان الرئيسيتان المنخرطتان في التجارة غير الشرعية عبر الحدود من جنوب سوريا إلى الأردن. إن معظم عمليات الاتجار غير الشرعي في محافظة السويداء يضطّلع بها مهرّبون من البدو.[32] والبدو هم في الواقع فاعلون مستقلّون معروفون بخبرتهم في التهريب، وبمعرفتهم لطرق التهريب في الصحراء النائية، وباستعدادهم للمشاركة في القتال ضدّ حرس الحدود في الصحراء. ويرى البدو أن التهريب الناجح يتطلّب تخطيطاً وتكتيكات. فعلى حدّ قول أحد البدو من منطقة اللجاة، “غالباً ما يُلهي البدو دوريات الحدود الأردنية بشحنات صغيرة من الحشيش، بهدف تمرير شحنات أكبر من الكبتاغون بسلاسة في أماكن أخرى. لا تأبهوا للبيانات الصادرة عن الجيش الأردني حول إحباط أنشطة التهريب. أؤكّد لكم أن عمليات التهريب الناجحة التي نفّذها البدو في السنوات الثلاث الماضية لا تُعَدّ ولا تُحصى”.[33] يدرّ التهريب على البدو أرباحاً مهمّة، خصوصاً في ظلّ تراجع نشاط الرعي، حيث يقول مصدر محلي يضطّلع في مراقبة الحدود الجنوبية، إن كل مهرّب يحصل على ٥ آلاف دولار تقريباً، إذا ما نجح في إيصال شحنته من المخدّرات إلى الأردن.[34]
أما في درعا، فقد أدّى وجود اللواء الثامن المدعوم من روسيا في الجزء الشرقي من المحافظة، وعملياته ضدّ الجريمة المُنظَّمة، إلى تركُّز الاتجار في السلع غير المشروعة في موقعَين رئيسيَّين. أوّلهما هو معبر نصيب-جابر الحدودي الذي أُعيد فتحه رسمياً في تشرين الأول ٢٠١٨. والمعارضون السابقون الذين شاركوا في عمليات المصالحة مع النظام، ثم انضمّوا إلى أجهزته الأمنية والعسكرية، هم الأطراف الرئيسية التي تسهّل الاتجار بالمخدّرات عند المعبر الرسمي. من أبرز هؤلاء عماد أبو زريق، القيادي المُعارِض السابق في جيش الثورة المنحلّ، الذي انضمّ إلى فرع الأمن العسكري في درعا بعد المصالحة مع النظام. مَنَح فرع الأمن العسكري أبو زريق، الذي يقود مجموعة من ٦٠-٧٠ مقاتلاً، نفوذاً واسعاً لتسهيل عمليات تهريب المخدّرات إلى الأردن والمساعدة فيها. ففي حين أعلنت المملكة الأردنية مراراً أنها أحبطت عمليات تهريبٍ عبر المعبر الحدودي الرسمي، قالت شخصيةٌ مُقرَّبةٌ من أبو زريق إن “عدد عمليات التهريب الناجحة التي خطّطها أبو زريق عبر معبر نصيب لا تُعَدّ ولا تُحصى”.[35] ويتمتّع أبو زريق وغيره من قادة المعارضة السابقين في درعا بروابط وثيقة مع متعاونين في الأردن من الجنسيّتَين السورية والأردنية، الذين يتولّون تسلّم الشحنات وإيصالها إلى دول الخليج عبر السعودية. أما الموقع الثاني الذي تنطلق منه عمليات التهريب، فهو عبارة عن خمس نقاط تجمّع بالقرب من الحدود في غرب درعا، حيث يعبر المتعاونون الحدود، في قرى مثل تل شهاب وكويا، وحدهم أو باستخدام طائرات من دون طيّار تنقل أكياس الكبتاغون. ويُروى أن اتفاقات بين مهرّبين محليين وعناصر من قوات حرس الحدود الأردني عُقِدَت عبر أطراف ثالثة، أتاحت التهريبَ المتواصل إلى الأردن. ووفقاً لمعارضٍ سابقٍ انضمّ إلى شعبة المخابرات العسكرية، “يغضّ عناصر حرس الحدود الأردني الطرف عن عمليات التهريب في الساعات المُتَّفَق عليها مُسبَقاً، مقابل مبالغ نقدية”.[36]
الخريطة ٢: الحدود السورية-الأردنية
المصدر: المؤلّفون
المخدّرات غير المشروعة المُصادَرة من القوات المسلحة الأردنية في العام ٢٠٢١
نوع المخدّرات
الكمّية المُصادَرة
حشيش
١٦٢٨٦ كيساً (٧٦٠ كلغ)
حبوب مُخدّرة (مثل الكبتاغون والترامادول)
١٥٤٤٣٧٠٧ حبوب
مسحوق المخدّرات (الكريستال ميث)
١٩٩٨ غراماً
أنواع أخرى من المخدّرات
١٠٣٦٩ كلغ
المصدر: قناة المملكة [37]
في الإجمال، كان العنف طريقة الردّ الرئيسية التي اتّبعتها السلطات الأردنية لردع أنشطة التهريب عبر الحدود الشمالية وكبحها. ففي العام ٢٠٢٠ مثلاً، أعلنت القوات المسلحة الأردنية عن إحباطها ٣٦١ عملية تهريب وتسلّل.[38] وفي كانون الثاني ٢٠٢٢، شهد شمال الأردن تصاعداً في العنف، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات أمن الحدود الأردنية وخمس مجموعات تقريباً، يتألّف كلٌّ منها من عشرة مهرّبي مخدّرات. في ٢٧ كانون الثاني ٢٠٢٢، أعلن الجيش الأردني أنه أحبط عمليات تهريب مخدّرات قرب الحدود مع سوريا، ما أسفر عن مقتل ٢٧ مهرّباً، وإصابة آخرين بجروح.[39] وإضافةً إلى اختفاء ثمانية مهرّبين، أفادت مصادر محلية في السويداء بأن عدد القتلى تخطّى الأربعين قتيلاً، وبأن بعض الناجين تمكّنوا من سحب بعض الجثث إلى الأراضي السورية.[40] وهذا العدد الكبير مهمّ بالنظر إلى أن سبعة مهرّبين فقط كانوا قُتِلوا على الحدود الأردنية في العام ٢٠٢١. لكن “هذه الحوادث لن تردع التهريب إلى الأردن. البدو لا يستسلمون، لا بل إن هذه الاشتباكات ستشجّع المهرّبين على أن يكونوا أكثر تنظيماً وتجهيزاً، وأن يزيدوا استعدادهم للقتال مع حرس الحدود. لو رأى الضبّاط الأردنيون الأسلحة التي حصل عليها المهرّبون البدو في الحادث [كانون الثاني ٢٠٢٢]، لفهموا بسرعة أن الآتي أعظم”.[41]
خاتمة
برزت دينامياتٌ جديدةٌ في أنشطة التهريب على نحو متزايد في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما منذ مطلع العام ٢٠١٩. وكان أبرز هذه الديناميات من ناحية الأرباح تهريبُ المازوت من لبنان إلى سوريا، بين تشرين الأول ٢٠١٩ وتشرين الأول ٢٠٢١، والمنتجات غير المشروعة مثل الكبتاغون إلى كلّ من لبنان والأردن. وقد هيمنت الفرقة الرابعة مع رجال الأعمال التابعين لها، وكذلك حزب الله، بأشكال مختلفة، على عمليات التهريب من الأردن ولبنان وإليهما. فالطرفان يبسطان سيطرة مباشرة على نقاط العبور غير الشرعية على الحدود السورية-اللبنانية، ما يتيح لهما إدارة تدفّق السلع، في حين يعتمدان على فاعلين محليين على الحدود السورية-الأردنية للقيام بأنشطة التهريب. والواقع أن الانخراط المتزايد للفرقة الرابعة وحزب الله في عمليات التهريب، أتاح لهما في المقام الأول طرقاً جديدة لمراكمة رأس المال في ظلّ التدهور الناتج عن الحرب، والخراب الذي لحق بالإنتاج الوطني، والأزمة الاقتصادية القائمة (في كلّ من لبنان وسوريا). ثم إنهما سعيا إلى إنشاء شبكات نفوذ جديدة وتطويرها بالتعاون مع فاعلين محليين.
في مواجهة هذا التنامي في أنشطة تهريب السلع المشروعة وغير المشروعة، كانت السياسة المُنتهَجة من السلطات اللبنانية والأردنية، والجهات الفاعلة الدولية، مثل بعض الدول وصندوق النقد الدولي، لمكافحة هذه الديناميات، هي الدعوة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية، وتشديد أمن الحدود. بيد أن هذا النهج آيلٌ إلى الفشل إذا لم يقترن بسياسات تعزّز التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الوطني، وفي المناطق الفقيرة والمُهمَلة، من أجل توفير أشكال بديلة من العمل، وتحسين ظروف العيش للسكان المحليين. كذلك لا بدّ من التركيز بصورة خاصة على تشجيع الاستثمار في القطاعات المنتجة في الاقتصاد السوري والبلدان المجاورة، بغية تقليل حاجة السكان واعتمادهم على السلع المُهرَّبة (والمُصدَّرة). فمن شأن ذلك المساهمة في إتاحة فرص العمل للمجتمعات المحلية، وردعها، أو على الأقلّ ردع شرائح كبيرة منها، عن المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في أنشطة التهريب. فالغالبية العظمى من المتورّطين في أنشطة التهريب، أو الذين يشترون سلعاً وبضائع مُهرَّبة، تفعل ذلك بدافع الضرورة، ولا سيما في ظلّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وغياب الخيارات الأخرى. غير أن هذه الحلول والتحسينات المُتوقَّعة لن تكون ممكنةً إلا إذا دخلت البلاد في مسارٍ يقودها إلى تحقيق شكلٍ من أشكال الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو أبعد ما يكون عن الواقع الراهن في سوريا.
* جوزيف ضاهر أستاذ منتسب بدوام جزئي في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا (إيطاليا)، حيث يشارك في “مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، ضمن برنامج مسارات الشرق الأوسط. وضاهر حائز على دكتوراه في دراسات التنمية من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن (٢٠١٥)، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لوزان في سويسرا (٢٠١٨).
** نزار أحمد باحث سوري في “مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، ضمن برنامج مسارات الشرق الأوسط في مركز روبرت شومان للدراسات العليا، في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا. تركّز أبحاثه على الديناميات الاجتماعية ما بعد الصراع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
*** سلوان طه باحثة سورية في “مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، ضمن برنامج مسارات الشرق الأوسط في مركز روبرت شومان للدراسات العليا، في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا. تركّز أبحاثها على الديناميات الكلّية والجزئية للاتجار غير الشرعي في السلع المشروعة وغير المشروعة في سوريا ولبنان والأردن.
[1] في هذه الورقة، يُعرَّف التهريب بشكل عام على أنه النقل غير المشروع للبضائع والأشخاص عبر حدود وطنية.
[2] الحدود السورية اللبنانية سهلة الاختراق منذ ما قبل حقبة الحرب. في العام ٢٠٠٨، أفاد فريق تقييمٍ تابعٍ للأمم المتحدة بأن الحدود “قابلة للاختراق”، وبأن تهريب السلاح والسلع الأخرى عبر الحدود بين البلدَين استمرّ بلا هوادة إلى حدّ ما. رويس هاستون وتايلور لونغ، “سمات التهريب في وادي خالد” (بالإنكليزية)، مجلّة الصراع والأمن والتنمية، ١١:٤، (٢٠١١)، ص. ٣٨٦-٤١٣.
[3] مقابلة عبر سكايب مع شخص يعمل في تهريب النفط في منطقة القلمون، نيسان ٢٠٢٢.
[4] في نيسان ٢٠٢١، قال مسؤول في حزب الله إن التهريب من لبنان إلى سوريا “جزء لا يتجزّأ من عملية المقاومة”، إذ يساعد النظام السوري على مواجهة الحرب الاقتصادية التي تُشَنّ عليه. فرانس ٢٤، “الأكاديمي اللبناني الموالي لحزب الله، الشيخ صادق النابلسي: التهريب عبر الحدود اللبنانية-السورية – عمل مقاومة مشروع” (بالإنكليزية)، تلفزيون ميمري، ١٦ نيسان ٢٠٢١، https://bit.ly/3DGFxsr
[5] اعتمد سكان وادي خالد المحليون أيضاً طوال عقود على الاتجار غير الشرعي عبر الحدود لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك شراء المواد الغذائية، ومواد البناء، والأدوية، والوقود.
[6] في العام ٢٠٢٠، بيع ليتر المازوت بأقلّ من ٠،٢ دولار في لبنان (بحسب سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق السوداء في تلك الفترة)، وبين ١،٢ و٢ دولار (ما يعادل ٣ آلاف إلى ٥ آلاف ليرة سورية، بحسب سعر الصرف الرسمي البالغ ٢٥١٢ ليرة سورية مقابل الدولار) في السوق السوداء في سوريا. ويشتري المهرّبون السوريون المازوت المُهرَّب من لبنان بالدولار (أو بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف في السوق السوداء).
[7] الأخبار، “لمَن أهدى الحاكم ٣،٦ مليارات دولار؟”، ٢٤ أيار ٢٠٢١، https://bit.ly/3nMzkVp
[8] غالبية هذه الصهاريج هي شاحنات بثماني عجلات، ذات سعة تتراوح بين ٢٠ ألف ليتر و٢٥ ألف ليتر. وهذا يمثّل ما بين مليونَي ليتر و٢٥٠٠٠٠٠ ليتر من الوقود المُهرَّب يومياً.
[9] مقابلة عبر سكايب مع شخص مقيم في ريف دمشق يعمل في تهريب النفط، آذار ٢٠٢٢.
[10] أحمد عبيد، وعلي الإبراهيم، ومحمد بسيكي، “رحلة مع المهربين من لبنان إلى سوريا… أي الطرق يسلكون ولمن يعملون؟ ماذا ولماذا وإلى أين؟”، درج، ٢ كانون الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3rXDJqB
[11] فؤاد الجميّل، (٢٠٢٢)، “واردات لبنان ترتفع بأكثر من ٢٠% في العام ٢٠٢١ على الرغم من الأزمة” (بالإنكليزية)، لوريان لو جور، https://bit.ly/3xea0gq
[12] موقع Lira Rate، https://bit.ly/3u4V6XI. جرت زيارة الموقع في ٣ نيسان ٢٠٢٢.
[13] مقابلة عبر سكايب مع شخص يعمل في تهريب النفط في ريف دمشق، آذار ٢٠٢٢.
[14] هؤلاء النوّاب هم طارق المرعبي ووليد البعريني من تيار المستقبل التابع لسعد الحريري، وأسعد درغام من التيار الوطني الحرّ التابع للرئيس ميشال عون.
[15] يُطحَن القمح المستورد والمحلي أيضاً محلياً في عشرات المطاحن اللبنانية. وتكفي كمّية ٥٠ ألف طنّ متري من القمح لإنتاج ما يقلّ قليلاً عن ٤٠ ألف طنّ من الطحين. يُذكَر أن حجم القمح المستورد ارتفع من ٦٠٠ ألف طنّ في العام ٢٠٢٠، إلى ٦٣٠ ألف طنّ في العام ٢٠٢١، في زيادة نسبتها ٥ في المئة. ريشار سلامة، “آخر دعم قائم: دعم القمح في لبنان لا يزال قائماً، ولكن هل يعمل؟” (بالإنكليزية)، لوريان توداي، ١٩ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3rGj1KE
[16] جوليان ريكور براسور، “واردات القمح إلى لبنان: مستجدّات تأثير الصراع الروسي-الأوكراني” (بالفرنسية)، لوريان لو جور، https://bit.ly/3N4IWpg
[17] آبي سوويل، “الديون والمخزونات تتراكم في ظلّ الحظر السعودي على المنتجات الذي يخنق صادرات لبنان إلى الخليج” (بالإنكليزية)، لوريان توداي، ١٤ أيلول ٢٠٢١، https://bit.ly/3Fzn3tu
[18] في العقد الأول من القرن الحالي، تحوّل تصنيع حبوب الكبتاغون تدريجياً من جنوب شرق أوروبا وتركيا إلى سوريا. وتضاعفت مضبوطات الكبتاغون في سوريا بين العامَين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، لتصل إلى ٢٢ مليون حبّة، في حين اكتُشِف معمل للكبتاغون في البلاد في العام ٢٠٠٦. جاء هذا الارتفاع نتيجة التنامي الهائل في الطلب على المخدّرات في السعودية ودول الخليج الأخرى. أنظر مات هيربرت، “الحزبيون والمستفيدون والمجرمون: اقتصاد سوريا غير الشرعي” (بالإنكليزية)، مجلة منتدى فليتشر للشؤون العالمية، ٢٠١٤، المجلّد ٣٨، رقم ١: ٧٣-٧٤.
[19] تُصنَّع حبوب الكبتاغون في معامل تقع في معظمها في القلمون الغربي، وريف دمشق الغربي، والمناطق الريفية المحيطة بحمص واللاذقية.
[20] في نيسان ٢٠٢١، ضبطت السلطات السعودية ما يزيد عن ٥ ملايين حبّة كبتاغون في شحنة من الرمّان آتية من لبنان. فرانس ٢٤، “السعودية تقول إنها تتّخذ إجراءات صارمة ضدّ مخدّرات الكبتاغون غير المشروعة” (بالإنكليزية)، ٢ آذار ٢٠٢٢، https://bit.ly/364EjdS
[21] أصبح الكبتاغون على الأرجح المصدر الأهمّ للعملات الأجنبية في سوريا.
[22] الأمم المتحدة – الإسكوا، “الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان (٢٠١٩-٢٠٢١)، واقع أليم وآفاق مبهمة”، أيلول ٢٠٢١، https://bit.ly/37T5vxk
[23] التنسيق بين الوكالات في لبنان، مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، برنامج الأغذية العالمي، اليونيسف، سُبُل العيش والدخل” (بالإنكليزية)، ٢٠٢١، https://bit.ly/3K7uAm5. أظهر تقرير نُشِر في كانون الثاني ٢٠٢٢ أن أكثر من نصف العائلات اللبنانية المُستطلَعة في محافظتَي عكار وبعلبك-الهرمل، تواجه صعوبةً في إعالة أطفالها مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية. منظمة Save the Children، “تزايد أعداد العائلات اللبنانية غير القادرة على توفير الغذاء والتعليم لأطفالها” (بالإنكليزية)، ٢٦ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3K3qITj
[24] شربل الخوري، “عكار: مجزرة التهريب برعاية نواب السلطة”، درج، ١٥ آب ٢٠٢١، https://bit.ly/3kOMShb
[25] تكلفة السلّة الغذائية بالدولار في الأردن هي واحدة من أعلى التكاليف في الشرق الأوسط، إلى جانب تركيا. البرنامج الأغذية العالمي، “تحليل الأسواق الإقليمية، والتوجّهات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط آسيا وشرق أوروبا، تحديث العام ٢٠٢١” (بالإنكليزية)، ١٠ شباط ٢٠٢٢، https://bit.ly/3KkkmPi
[26] قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات التجارة الدولية، ٢٠٢٢، https://bit.ly/3jkjFtr
[27] مقابلة عبر سكايب مع ناشط محلي من درعا، آذار ٢٠٢٢.
[28] على سبيل المثال، ساهمت الرقابة الأردنية الصارمة على الحدود بعد إعادة فتحها في أواخر العام ٢٠١٨، في خفض التجارة الهامشية من سوريا إلى الأردن، ما أثّر بوجه خاص على المناطق الحدودية الأردنية، مثل إربد والرمثا والمفرق، التي استفادت قبل الحرب من التبادلات الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية بين البلدَين.
[29] سانا، “الجهات المختصة في درعا تحبط عملية تهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى خارج البلاد”، ٢٩ كانون الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3sPLQGj؛ سانا، “إحباط عملية تهريب كميات من الكبتاغون كانت متجهة إلى الحدود الأردنية، ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3tG1F1w
[30] مقابلة عبر سكايب مع قائد ثوري سابق من درعا، آذار ٢٠٢٢.
[31] الوطن، “الجيش الأردني يؤكد تعاون ’مخافر سورية’ مع المهربين”، ١٧ شباط ٢٠٢٢، https://bit.ly/3pHQ9li
[32] مرعي الرمثان، الزعيم العشائري الذي يقطن في قرية الشعب القريبة من الحدود، والمعروف بصلاته الوثيقة بحزب الله، هو مثال بارز على الشخصيات البدوية التي تملك مجموعات تهريب منظّمة، وسجلّاً من عمليات تهريب المخدّرات الناجحة إلى الأردن.
[33] مقابلة عبر سكايب مع بدوي من منطقة اللجاة، شباط ٢٠٢٢.
[34] مقابلة عبر سكايب مع ناشط محلي من السويداء، شباط ٢٠٢٢.
[35] مقابلة عبر سكايب مع قائد ثوري سابق من درعا، شباط ٢٠٢٢.
[36] مقابلة عبر سكايب مع ثوري سابق من تل شهاب، شباط ٢٠٢٢.
[37] قناة المملكة، “القوات المسلحة: إحباط ٣٦١ عملية تسلل وتهريب العام الماضي”، ٢ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3udS7MK
[38] المرجع السابق.
[39] بترا، “القوات المسلحة: إحباط عدة محاولات تسلل وتهريب ومقتل ٢٧ مهرباً”، ٢٧ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3wtfBz9
[40] مقابلة عبر سكايب مع نشاط محلي من درعا، شباط ٢٠٢٢.
[41] مقابلة عبر سكايب مع بدوي من اللجاة، شباط ٢٠٢٢.
———————————
سوريا تدفع في شمالها وجنوبها ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا/ حازم الأمين
سوريا ستدفع في شمالها لتركيا وفي جنوبها لإسرائيل ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا. أما نظام البعث، فهو خارج حسابات الربح والخسارة، وشرطه الوحيد بقاء رئيسه في قصر المهاجرين، حتى لو اقتصرت سلطته على محيط القصر.
من المستحيل ضبط إيقاع الدور الروسي في سوريا على فكرة أو موقف أو حساب غير حساب المصلحة العارية من أي التزام. واليوم جاء دور تركيا، ذلك أن موسكو ستدفع لأنقرة في سوريا ثمن عدم انحيازها في أوكرانيا. سنحصل جراء ذلك على مشهد سوري غريب عجيب. فموسكو راعية ومسهّلة الدور الإسرائيلي في سوريا، ستقوم بالمهمة نفسها مع تركيا! لن تعيق إنشاء “المنطقة الآمنة” التي تتحضر تركيا لإقامتها في عمق ثلاثين كيلومتراً على طول حدودها مع سوريا!
المهمة التركية بالغة الفداحة، فهي تتطلب نوعاً من “الترانسفير” سيكون ضحيته السكان الأكراد، ونوعاً موازياً من “الاستيطان”، إذ أنها ستدفع بنازحين سوريين يقيمون فيها إلى هذا الحزام. وسيتكرر مشهد “المستوطنات” العربية التي أشادها نظام البعث في مناطق سكن الأكراد في شرقي وشمالي سوريا.
وفي هذا الوقت بدأت تصدر أصوات “استغاثات” كردية بالنظام السوري، يعتقد أصحابها أن مصلحة مشتركة بينهم وبين النظام تقتضي مواجهة الخطوة التركية. النظام في سوريا لا تربطه مصلحة مع غير رعاته الروس والايرانيين، وهو وإن “استجاب” لإستغاثات كردية، فسيتولى في اليوم الثاني خنقها بيديه.
روسيا، بوصفها صاحبة نفوذ كبير في سوريا لن تمانع على ما يبدو الخطوة التركية، مع ما يترتب عليها من تبعات ليس أقلها تمرير النظام السوري لهذه الخطوة.
النظام السوري مرر لموسكو ما هو أفدح من “المنطقة الآمنة”. مرر لها صمتاً على الغارات الإسرائيلية اليومية على معظم مناطق انتشار قواته وقوات حلفائه الإيرانيين. وهو اليوم يشعر بمرارة حيال انسحابات جزئية روسية من مناطقه، بسبب مساعي طهران إشغال هذه المساحات. ففي اعتقاده أن فقدان توازن النفوذ بين طهران وموسكو لمصلحة الأولى لن يكون لصالحه.
سوريا صارت فعلاً مساحة عصية على التفسير. الثورة هُزمت لكن ليس من منتصرٍ. النظام نجا إلا أنه يتخبط بما لا يحصى من الوقائع. لا أحد يمكنه أن يحدد لمن الكلمة في دمشق. كل “الحلفاء” يملكون القرار، لكن كلهم أيضاً عاجزون عن الذهاب بنفوذهم إلى حد الإطاحة بنفوذ خصومهم أو شركائهم.
ما هي المنطقة الآمنة التي تزمع تركيا إقامتها على طول حدودها مع سوريا؟ ما هي وظيفتها؟ لم يسبق أن سمعنا أن الأمن داخل تركيا كان عرضة لخروقات عبر هذه الحدود! المخاوف الكردية تبدو في مكانها، فالمسألة تتعلق بتغيير ديموغرافي عبر إحلال سكان عرب مكان السكان الأكراد.
المدن والبلدات الكردية على طول الحدود لها امتدادات سكانية داخل تركيا. المهمة قطع هذا الامتداد، مع ما ينجم عن هذه المهمة من مآسٍ، ومن تأسيس لضغائن جديدة هي امتداد لضغائن أسهمت فيها امبراطوريات ما قبل الحرب العالمية الثانية وأنظمة ما بعدها.
لن يضير موسكو طبعاً تزخيم الضغائن العربية الكردية وشحنها بمادة جديدة. أما رجب طيب أردوغان، فهو بصدد زج النازحين السوريين في معضلة أخرى غير معضلة نزوحهم القصري من بلادهم.
وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في تركيا لمناقشة قضية ممر آمن لتصدير الحبوب الأوكرانية، وعلى هامش هذه المهمة ستناقش أنقرة معه “المنطقة الآمنة” في سوريا، والثمن عدم انخراط أنقرة في منظومة العقوبات الدولية على موسكو. روسيا ليست في أحسن أحوالها، وهي ستقبل أن تدفع الثمن في سوريا. وقريباً سيزور لافروف تل أبيب وسيفاوض على ثمن في سوريا لقاء عدم قبول إسرائيل بيع منظومة القبة الحديدية إلى أوكرانيا.
سوريا ستدفع في شمالها لتركيا وفي جنوبها لإسرائيل ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا. أما نظام البعث، فهو خارج حسابات الربح والخسارة، وشرطه الوحيد بقاء رئيسه في قصر المهاجرين، حتى لو اقتصرت سلطته على محيط القصر.
درج
———————–
هل تصعّد الأردن عسكرياً داخل الأراضي السورية؟/ إياد الجعفري
بدأت القصة بتصريح لافت، للعاهل الأردني، خلال مقابلة أجراها مع معهد هوفر في جامعة ستانفورد، على هامش زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، الأسبوع الماضي. كان أبرز ما فيه، الحديث عن تصعيد محتمل “للمشكلات” على الحدود السورية – الأردنية، نتيجة ملء الفراغ الروسي من جانب إيران، في سوريا. وهو أمر فهمه بعض المراقبين على أنه تلميح إلى احتمال حصول تصعيد عسكري من جانب الأردن، داخل الأراضي السورية.
في اليوم التالي، انتقلت الأزمة في العلاقة بين الملك وولي عهده السابق –أخيه غير الشقيق- إلى مستوىً جديد، في قرار مفاجئ، إذ قيّد الملك اتصالات الأمير حمزة، وإقامته، وتحركاته.
بعد ذلك، بأيامٍ فقط، أدلى مسؤولون عسكريون أردنيون بتصريحات شديدة اللهجة، وصفوا فيها ما يحدث على حدودهم الشمالية، مع سوريا، بأنها “حرب مخدرات”، متهمين صراحةً، إيران وحزب الله، وقوات عسكرية تابعة للنظام وأجهزته الأمنية، بإدارة عمليات منظمة لتهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية.
وكان أبرز ما جاء في تلك التصريحات، وصفُ مدير الإعلام العسكري الأردني، الأمرَ، بأنه تهديد للأمن الوطني الأردني. مضيفاً في رسالة للسعودية بصورة رئيسية، أن الأردن “يخوض هذه الحرب بالنيابة عن دول الجوار ودول أخرى”. مع رسالة أخرى للداخل الأردني، قال فيها، إن المهربين الذين يعملون انطلاقاً من الأراضي السورية، “يستخدمون الأردن كمستقر للمخدرات، وليس كممر”، في إشارة بالغة الوضوح إلى مقدار الخطر الذي يتهدد المجتمع الأردني، جراء ذلك.
هذه التعبئة للداخل الأردني، والرسائل لدول الإقليم، بالتزامن مع ما بدا أنه منعطف جديد في الأزمة داخل الأسرة الحاكمة بعمّان، يوحي برغبة صانع القرار الأردني في استغلال المخاوف الإقليمية من ازدياد النفوذ الإيراني بسوريا، لتحقيق أهداف داخلية وخارجية، في آن.
أمَّا الأهداف الداخلية، فهي حسم ملف الأمير حمزة، الذي اتُهم بقيادة “انقلاب” قبل عامٍ. وكان لافتاً أن قرار الملك بتقييد حركة أخيه، جاء بعيد عودته من واشنطن مباشرةً. وكأنّ العاهل الأردني حصل على دعم أمريكي، على هذا الصعيد، مقابل تقديم الأردن بوصفه رأس حربة في مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في سوريا.
النقطة الأخيرة تنقلنا إلى الأهداف الخارجية، والتي تتعلق برغبة صانع القرار الأردني، في خلق دور وظيفي لبلاده، بوصفه يحمي السعودية من المخدرات “الإيرانية” التي تستهدفها. في الوقت نفسه، الذي يقارب فيه الأردن مخاوف إسرائيل من تصاعد النفوذ الإيراني قرب حدودها مع سوريا، ليقدم نفسه شريكاً لتلك المخاوف، الأمر الذي يتيح تحصيل تنازلات مهمة للعاهل الأردني من جانب صانع القرار الإسرائيلي، تتعلق بالرعاية الهاشمية للحرم القدسي، والتي تشكل رافعاً معنوياً هاماً جداً للقيادة الأردنية، في سياق الترويج لأدائها السياسي على هذا الصعيد، في الداخل الأردني.
لا ينفي ما سبق، أنّ الأردن يعاني بالطبع من تصعيد لتجارة المخدرات عبر الحدود الشمالية، منذ ازدياد نفوذ النظام وإيران في درعا، بعيد “التسوية” الأخيرة في الصيف الفائت. لكن رفعَ مقدارِ هذا الخطر إلى حد توصيفه بأنه “حرب”، والتلويح بتصعيد قد يكون عسكرياً، وفق مراقبين، بالتزامن مع تصاعد الخلاف داخل العائلة الحاكمة، لا يمكن فهمه إلا بأنه تجميع نقاط لصالح العاهل الأردني، لتعزيز نفوذه في الداخل، وتحصيل الدعم من قوى الإقليم والولايات المتحدة، في سياق الملف الأكثر أهمية بالنسبة للملك، وهو ضمان الحكم لابنه من بعده.
هل يعني ما سبق أننا سنكون بالتأكيد أمام تصعيد عسكري أردني، في جنوب سوريا؟ يبقى المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات. لكن الأكيد، أنّ العاهل الأردني الذي كان عرّابَ مسارٍ متسارعٍ للتطبيع العربي مع نظام الأسد، بُعيد زيارته لواشنطن في الصيف الفائت، أصبح الآن، عرّابَ مسارٍ مضادٍ، عنوانه؛ لجم الخطر الإيراني المتفاقم، انطلاقاً من سوريا.
—————————
تصفيات الجنوب السوري ومواجهاته: هل اندلعت حرب المخدرات؟/ عدنان أحمد
تعود محافظة السويداء، جنوبي سورية، إلى واجهة الأحداث من جديد، في ظل تصاعد التهديدات التي تواجه الأردن، خصوصاً عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود، إضافة إلى التوغل الإيراني في الجنوب السوري الذي لا تتوانى إسرائيل عن استهدافه.
جديد هذا الملف برز في مقتل قائد “قوة مكافحة الإرهاب” سامر الحكيم، الذي تقول مصادر مطلعة إن فصيله كان في صراع مع المليشيات الإيرانية والنظام السوري، وواجه عمليات تهريب المخدرات.
وتربط المصادر بين هذا التطور، وسعي النظام لإحكام سيطرته على المحافظة، في ظل تسريبات بأن قوى خارجية تخطط للعمل على إحياء فصائل مسلحة في محافظتي درعا والسويداء لتمكينها من السيطرة على الجنوب وعلى الحدود مع الأردن، استجابة لقلق الأخير من موضوع المخدرات والقلق الأمني الإسرائيلي من التوغل الإيراني في الجنوب.
مقتل سامر الحكيم
واستيقظ أهالي مدينة السويداء أمس الأول الخميس، على جثة سامر الحكيم، مرمية بجانب دوار المشنقة في المدينة. وتحدثت شبكة “السويداء 24” المحلية أن جثة الحكيم نُقلت من المستشفى الوطني، إلى دوار المشنقة، ورميت مع ورقة تحمل عبارات تشفٍّ.
وكانت المخابرات العسكرية ومجموعات محلية داعمة لها، قد حاصرت يوم الأربعاء قرية خازمة، واشتبكت مع الحكيم وأفراد مجموعته، قبل أن تنسحب الأخيرة باتجاه البادية. وتحدثت معلومات عن أن الحكيم وأفراد مجموعته كانوا يحاولون الوصول إلى قاعدة التنف، قبل أن يقعوا في كمين قرب الحدود السورية الأردنية، من قِبل عناصر من المخابرات العسكرية، وجماعات مسلحة داعمة لها.
وأشارت معلومات إلى فقدان سبعة أو ثمانية أشخاص من أفراد مجموعة الحكيم، مع تضارب في الروايات حول مصيرهم، بين الحديث عن مقتل قسم منهم، وأسر القسم الآخر، أو أنهم تواروا عن الأنظار في البادية.
ونشرت مليشيا “المقاومة الشعبية” في السويداء المدعومة من إيران، مساء الأربعاء، صورة تظهر جثة الحكيم، وكتبت عليها عبارات تتشفى بقتله، الأمر الذي أثار غضب أهالي السويداء، معتبرين أنها تدل على العقلية الإجرامية لدى أجهزة الأمن التابعة النظام.
ووفق شبكة “السويداء 24″، فإن أجهزة النظام انتهزت فرصة ضعف حضور “قوة مكافحة الإرهاب” وانشقاق الكثير من عناصرها، خلال الفترة الماضية، بهدف القضاء عليها نهائياً. وظهرت “قوة مكافحة الإرهاب” في السويداء في يوليو/ تموز 2021، وعملت على تسخين المحافظة عسكرياً، فيما وجهت إليها بعض الجهات المحلية اتهامات بارتكاب تجاوزات حقوقية، وبأنها تضم بين عناصرها العديد من المتورطين بجرائم جنائية.
وجاء هذا التطور تزامناً مع تصاعد الحديث عن إمكانية إعادة دعم مجموعات مسلحة في الجنوب، من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى.
ووفق تقرير لمركز “جسور للدراسات”، صدر قبل أيام، فإنه “في ظلّ عدم قدرة أو رغبة روسيا على معالجة التهديدات التي تستهدف الحدود الأردنية، فإن الأردن قد يتجه إلى بحث خيارات بديلة لحماية أمنه القومي”، مثل طلب الدعم من التحالف الدولي لحماية الحدود الأردنية أو التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات مع إسرائيل، بهدف توجيه ضربات صاروخية وجوية ضد مواقع المليشيات الإيرانية، بما قد يشمل السماح بمرور الطائرات الإسرائيلية عبر أجواء شمالي الأردن، بغرض توسيع نطاق استهداف المليشيات.
كما يمكنه استعادة قنوات الاتصال مع قيادات المعارضة السورية المسلّحة والمقاتلين السابقين في الجبهة الجنوبية، من أجل تنسيق عمليات أمنية تستهدف قادة المليشيات الإيرانية وزعماء عصابات تهريب المخدرات، التي تحظى بغطاء من قوات النظام السوري. وأخيراً السعي لإقناع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإقامة مناطق عازلة على الشريط الحدودي بعمق معين داخل الأراضي السورية، لضمان إبعاد المليشيات الإيرانية عن المناطق الحدودية، إضافة إلى تعزيز الاتصال والتنسيق مع الفصائل المحلية في السويداء، بهدف العمل المشترك على مواجهة المليشيات الإيرانية التي تعمل بشكل حثيث على زيادة مساحة انتشارها في المحافظة.
صراع مع المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري
وقال مصدر مقرب من “قوة مكافحة الإرهاب”، لـ”العربي الجديد”، إن قتل الحكيم يأتي في إطار صراعه مع المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري، ومنها عناصر من الأمن العسكري.
وأكد أن الحكيم كان “يحارب خلال وجوده في قوة مكافحة الإرهاب تجارة المخدرات وعمليات الخطف والسرقة في محافظة السويداء، وأسهم في إلقاء القبض على عناصر أمنية متورطة بتجارة المخدرات وجرائم خطف ونهب وسلب”. واعتبر أن “هذا الأمر أدى لتصعيد الأمور بين القوة وبين الأجهزة الأمنية، ما تسبب بالتالي بالمعركة التي هاجمت فيها مليشيات إيرانية ومعها الأمن العسكري قرية خازمة من محاور عدة”.
وعن موضوع المخدرات في الجنوب السوري، اعتبر المصدر أن ما يرد في وسائل الإعلام يشكل جزءاً بسيطاً مما يحدث على أرض الواقع. وقال “للأسف تم إغراق الجنوب بمراكز تجميع وتخزين المخدرات. وأُغرقت الأسواق بهذه المادة بشكل كبير لدرجة أصبحت في متناول الأطفال، من دون نسيان مراكز التصنيع”.
وحول مدى تأثير الملاحقات الأخيرة على “قوة مكافحة الإرهاب” وهل أسهمت في إضعافها، خصوصاً بعد مقتل الحكيم، اعتبر المصدر أن الجهاز ما زال موجوداً بقوة، وقد أخذ على عاتقه محاربة تجارة المخدرات في محافظة السويداء والجنوب السوري، إضافة إلى التصدي للعصابات المدعومة من أجهزة النظام الأمنية. ورأى أن هذه القوة هي الجهة الوحيدة التي تعمل بجدية ضد انتشار المخدرات في محافظة السويداء.
دعم أميركي لـ”قوة مكافحة الإرهاب”؟
وعن مصادر دعم القوة، ألمح المصدر إلى وجود تنسيق مع قاعدة التنف الأميركية على مثلث الحدود السورية ـ الأردنية – العراقية، وقد جرى أخيراً تسليم أحد أبرز تجار المخدرات المدعومين من “حزب الله” من جانب القوة للمسؤولين في تلك القاعدة.
واتهم المصدر بعض الشخصيات البارزة من السويداء بالمشاركة في التآمر عليهم، معتبراً أن وجودهم كان يمنع، ولو بشكل جزئي، تهريب المخدرات باتجاه الحدود الأردنية، بسبب موقع قرية خازمة بوصفها العقدة الرئيسية لخطوط المخدرات التي ترعاها إيران، وتقودها مليشيات محلية باتجاه الأردن.
ورأى أن التخلص من القوة “كان يجرى التحضير له منذ زمن، بتحريض من إيران ومليشياتها”، معتبراً أن القوة كانت تشكل “حجر عثرة في وجه المشروع الإيراني وتمدده في جنوب سورية، خصوصاً السويداء”.
وتسود تكهنات بأن “قوة مكافحة الإرهاب” هي الجناح العسكري لحزب “اللواء السوري”، الذي أعلن الصحافي السوري المنحدر من السويداء مالك أبو خير من باريس عن تأسيسه العام الماضي، وقال إنه “يحمل مشروعاً وطنياً”. وأعلن الحزب أن هدفه “محاربة الفلتان الأمني وتجارة المخدرات في السويداء، والعصابات التي تخطف المدنيين، والتي يحمل معظمها بطاقات أمنية من الفاسدين في أجهزة الأمن التابعة للسلطة السورية”.
وبشأن صلة القوة بحزب “اللواء السوري”، أكد المصدر عدم وجود “علاقة مباشرة بين اللواء السوري وبين قوة مكافحة الإرهاب”، مشيراً إلى أن “اللواء” حزب سياسي غير مسلح وفق بيانه التأسيسي، بينما “قوة مكافحة الإرهاب” لها إدارتها الخاصة بها وهي مستقلة لا تتبع لأي حزب أو جهة سياسية.
من جهته، قال أبو الخير، لـ”العربي الجديد”، إن “محاور عدة توجد اليوم في الجنوب السوري، إذ يسعى الأردن إلى صد حمولات المخدرات الآتية إليه من حزب الله، ويأمل أن يقوم النظام السوري بممارسة دوره عبر كبح هذه الحمولات، بينما النظام مجرد واجهة لا قرار له في الجنوب، وإيران هي التي تتحكّم بالأمور”.
وتحدث عن وصول تعزيزات إيرانية إلى الجنوب تحت لباس جيش النظام. وأضاف أبو الخير أن التحالف الدولي يُجري مناورات مستمرة في مناطق الجنوب ومحيط قاعدة التنف، فيما تراقب إسرائيل هذه التطورات ولا تتردد في التدخل من خلال الغارات وعمليات التوغل عبر الحدود لحماية مصالحها.
———————
ما سبب قلق الأردن من انسحاب روسيا من سوريا؟ الحرب على المخدرات والتهديدات الأمنية الإيرانية تنهك عمّان
عربي بوست
في ظل تواتر التقارير عن انسحاب القوات الروسية من جنوب سوريا ومناطق أخرى في البلاد، يخشى الأردن أن تملأ القوات المتحالفة مع إيران الفراغ الذي تخلفه، وتشكل تهديداً على أمنه القومي.
الأردن وأزمة الحرب على المخدرات القادمة من جنوب سوريا
في 18 مايو/أيار، دق الملك عبد الله أول ناقوس خطر من انسحاب روسي محتمل من سوريا. إذ قال خلال مقابلته مع معهد هوفر الأمريكي إن “الوجود الروسي في جنوب سوريا مصدر طمأنينة”. وأضاف: “ولو رحل الروس، فسيملأ الإيرانيون ووكلاؤهم هذا الفراغ، ونخشى أن يفاقم هذا مشكلاتنا على حدودنا الشمالية”.
وبعد أسبوع من تصريحات الملك عبد الله عن الانسحاب الروسي، أكد مدير الإعلام العسكري، العقيد ركن مصطفى الحياري، هذه المخاوف بالقول إن بلاده تواجه “تهديدات أمنية وطنية” من “الميليشيات الإيرانية” المتورطة في تهريب المخدرات.
وقال الحياري لتلفزيون المملكة: “نواجه حرباً على الحدود، حرب مخدرات تقودها منظمات مدعومة من جهات أجنبية. وهذه الميليشيات الإيرانية هي الأخطر، لأنها تستهدف الأمن القومي الأردني”.
ورداً على المزاعم الأردنية، أنكر حميد رضا كاظمي، نائب رئيس السفارة الإيرانية في عمان والسكرتير الثاني في السفارة، أن لطهران ميليشيات في سوريا، وقال إن القوات الإيرانية موجودة هناك بدعوة من الدولة السورية.
وقال: “نحن في إيران نحارب تهريب المخدرات عن طريق الحدود الشرقية للأردن منذ 40 عاماً. وقتل في هذه الحرب أكثر من 3000 عنصر أمني إيراني”. وأضاف: “نحن أكبر عقبة أمام تجارة المخدرات في المنطقة، ولا منطق يبرر محاولتنا تهريب المخدرات إلى الأردن وهذا اتهام غير مقبول”.
تحديات جديدة أمام الأردن بالملف السوري أبرزها الميليشيات الإيرانية
الحدود الأردنية-السورية عبارة عن تضاريس وعرة يبلغ طولها 375كم، وتمتد من مرتفعات الجولان غرباً وحتى الحدود العراقية شرقاً.
وفي منطقة صغيرة لا تزال خارج سيطرة النظام السوري في القسم الشرقي، تراود قائد جيش مغاوير الثورة المعارض مخاوف المسؤولين الأردنيين ذاتها، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
ومغاوير الثورة جماعة سورية معارضة تلقت تدريبات أمريكية وأردنية، وتتولى حراسة قاعدة التنف العسكرية الواقعة عند نقطة التقاء حدود العراق وسوريا والأردن.
وقال العقيد مهند الطلاع، قائد مغاوير الثورة، في مقابلة هاتفية مع موقع Middle East Eye إن هذه المنطقة التي تضم أيضاً مخيم الركبان محاطة بالميليشيات الإيرانية التي تهدف إلى إخلائها من سكانها للسيطرة عليها، وأضاف أن هذه الجماعات تعتبر الأردن وجهة ونقطة عبور رئيسية لعقار كبتاغون الرخيص، سوري الصنع، إلى الخليج.
وأضاف أن “تجارة المخدرات هي المصدر الرئيسي لتمويل الميليشيات الشيعية في هذه المنطقة، خاصة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران”.
وقال أيضاً إن “هذه المخدرات تنتج بكميات كبيرة في حمص والقصير على يد قوات حزب الله اللبناني ثم تُهرَّب بالتنسيق مع بعض عناصر الفرقة الرابعة في الجيش السوري”.
وقد نفى حزب الله، المتحالف مع النظام السوري، غير مرة، أي دور له في تهريب المخدرات في سوريا.
ويواجه الأردن تحدياً جديداً في شكل هجمات بطائرات مسيرة “بتوقيع الإيرانيين”، وفقاً لتصريحات الملك عبد الله. ففي منتصف مايو/أيار، قال الجيش الأردني إنه أسقط طائرة مسيرة كانت تحمل مخدرات قادمة من سوريا.
ويقول مأمون أبو نوار، المحلل العسكري واللواء المتقاعد بسلاح الجو الأردني، إن استخدام الطائرات المسيرة يغير التوازن العسكري والأمني في المنطقة.
وأضاف: “الأردن أكثر قلقاً من حدوث مواجهة عسكرية في المستقبل بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. وهجوم كهذا سيشمل صواريخ باليستية وطائرات مسيرة وأساليب أخرى”. وقال أبو نوار لموقع Middle East Eye: “الخطر الذي يتهدد الأردن هو وجود قواعد عسكرية أمريكية في المملكة الأردنية”.
جنود أردنيون يقومون بدورية على طول الحدود مع سوريا لمنع التهريب خلال جولة نظمها الجيش الأردني في 17 شباط 2022/ Getty
الأردن بين الحسابات الاقتصادية الصعبة والتهديدات الأمنية
بعيداً عن المخاوف الأمنية، فالاستقرار في جنوب سوريا من الأمور الحيوية للاقتصاد الأردني، الذي يمر بحالة تدهور منذ عدة سنوات، في ظل تراجع الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2009.
ويرى ممدوح العبادي، نائب رئيس الوزراء السابق، إنه رغم الخطورة التي ربما يشكلها الحضور المدعوم من إيران على الحدود، فإن تحسين العلاقات مع طهران يخدم مصالح عمّان.
وقال العبادي لموقع Middle East Eye: “تكمن قوة الأردن في اتفاقياته المختلفة مع جميع الأطراف. فلدينا علاقات مع روسيا والولايات المتحدة والعراق وإيران”.
أضاف: “هذه الاتفاقيات بخصوص حسن الجوار نتج عنها الحفاظ على أمن الأردن وعدم اعتداء الإيرانيين على الأراضي الأردنية. والتفجيرات التي وقعت كان مصدرها داعش والقاعدة وليس الإيرانيين”.
وعلى الجانب الغربي من الحدود، تعد درعا- التي تبعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود الأردنية- من المدن الرئيسية لاستئناف التجارة الحدودية عبر معبر جابر نصيب.
ففي وقت من الأوقات، كان جابر نصيب طريق عبور مئات الشاحنات يومياً لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا والخليج، ولكن تم إغلاقه بعد اندلاع الحرب عام 2011.
ومنذ عام 2018، يعمل الأردن على تطوير مستوى العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الأسد، وكان فتح معبر جابر نصيب أحد الموضوعات الأساسية في المناقشات بينهما.
وقد أعيد فتح المعبر الحدودي جزئياً عام 2018، لكن السلطات اضطرت لإغلاقه مرة أخرى بعد تفشي جائحة كوفيد-19 عام 2020 وتجدد الاشتباكات في درعا عام 2021. وفي سبتمبر/أيلول، أعيد فتحه مرة أخرى في إطار مساعي الأردن لتقليص خسائره من تأثير الحرب والجائحة.
والأردن، الذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري، تضرر اقتصادياً من قطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود. إذ تراجع الميزان التجاري الأردني مع سوريا من 615 مليون دولار عام 2010 إلى 94 مليون دولار عام 2020، وفقاً لإحصاءات أردنية رسمية.
———————–
=================
تحديث 14 حزيران 2022
—————————
الأردن يتلمّس طريقه بحذر نحو التقارب مع سورية/ أرميناك توكماجيان
خطت دمشق وعمّان خطى حثيثة نحو ترميم علاقاتهما العام الماضي. لكن سورية ستكون شريكًا مختلفًا للغاية عمّا كانت عليه في السابق بعد أن مزّقتها الحرب طوال عشر سنوات.
مقدّمة
فتح الأردن في آب/أغسطس 2021 كوّةً في جدار العزلة السياسية والاقتصادية التي تعيشها سورية من خلال إعادة الانخراط مع النظام السوري على أعلى المستويات. وشكّلت هذه الخطوة نقطة تحوّل، ليس في سياق النزاع السوري فحسب، بل أيضًا في إطار العلاقات التي تجمع دمشق بعمّان، والتي شهدت الكثير من الانعطافات والتقلّبات منذ نشأة الدولتَين الحديثتَين في سورية والأردن قبل مئة عام. صحيحٌ أن المصالحة بين الجانبَين لم تتحوّل إلى تطبيع كامل للعلاقات بينهما، إلا أنها قد تشكّل خطوة على مسار تحقيق هذا الهدف. لكن ما يختلف بشكل كبير عن مراحل التقارب السابقة هو أن هياكل الحكم في سورية التي مزّقتها الحرب أصبحت أكثر ضعفًا بكثير، وتلقّى اقتصادها ضربات موجعة للغاية، فيما لا تزال البلاد ترزح تحت وطأة العقوبات الدولية والصراع الداخلي، ناهيك عن استمرار التدخّل الخارجي في شؤونها.
أرميناك توكماجيان
أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والصراع، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سورية.
@TokmajyanA
أما الأسباب التي دفعت الأردن للانفتاح مجدّدًا على سورية فتتراوح من الاعتبارات الأمنية والديموغرافية إلى المكاسب الاقتصادية المُحتملة. ويبدو مُلفتًا أن خطوة الأردن أتت في سياق من السياسات الأميركية الأكثر مرونة نسبيًا تجاه سورية، وفي ظل مؤشّرات على أن واشنطن ترغب في تخفيف انخراطها في الشرق الأوسط. وقد أثار قرار الأردن جدلًا في أوساط مراقبي الشأن السوري حول ما إذا ستستفيد عمّان من انفتاحها على نظام محاصر ومنبوذ من معظم دول العالم. وسيستمر هذا السجال لبعض الوقت، إذ من غير الواضح بعد ما ستؤول إليه الأمور. لكن الأكيد، وما أوضحه المسؤولون الأردنيون مرارًا وتكرارًا هو أن الوضع السابق لم يكن يصبّ في صالح الأردن.
يُعتبر العامل الاقتصادي من بين العوامل الرئيسة التي دفعت الأردن إلى إعادة الانخراط مع سورية. فقد كانت سورية مهمة للاقتصاد الأردني طيلة القرن السابق الذي أعقب نشأة الدولتَين بشكلهما الحديث في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وثمة تشبيه شائع لوصف العلاقة بين الجانبَين ومفاده أن “سورية بمثابة رئتَي الأردن”. كان هذا صحيحًا إلى حدٍّ ما في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن من غير الواضح ما إذا سيعود هذا الوضع إلى سابق عهده. فسورية دولة مزّقتها الحرب وجُرِّدت من قطاع صناعي كان قويًا في الماضي، ولم تعد تؤمّن عبورًا آمنًا ومنخفض الكلفة إلى البحر الأبيض المتوسط أو حتى إلى الأردن بحد ذاته. فعلامة “صُنع في سورية” التي كانت سابقًا مرادفًا للسلع والمواد الغذائية المنخفضة الثمن والعالية الجودة نسبيًا، بدءًا من الفاكهة والخضروات ووصولًا إلى الألبسة والأحذية، باتت اليوم مرتبطة أكثر بإنتاج وتصدير الكبتاغون وغيره من المواد المخدّرة غير المشروعة.
أهون الشرور
لدى الأردن أسباب مُقنعة كثيرة تدفعه إلى تحقيق تقارب حذر، ولو جزئي، مع نظام بشار الأسد في سورية، أبرزها شعوره بأنه لن يكسب شيئًا من مشاركته المتواصلة في المساعي التي يقودها الغرب لعزل جارته الشمالية. ومع أن الأردنيين يدركون جيدًا أن إصلاح العلاقات مع سورية لن يشكّل حلًّا سحريًا لمشاكل بلادهم الكثيرة، ترسّخت قناعة لدى كثيرين في أوساط الطبقة السياسية الأردنية بأن إعادة إحياء العلاقات مع دمشق ستفضي إلى نتائج إيجابية إلى حدّ كبير، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي.
واقع الحال أن الأردن انضمّ إلى المعسكر المناهض للأسد على مضض، وكان متخوّفًا من عواقب هذه الخطوة. وخير دليل على ذلك أن عمّان لم تعمد إلى قطع علاقاتها نهائيًا مع دمشق. ففي صيف العام 2011، طُلب من الأردن تبنّي موقف أكثر حزمًا تجاه نظام الأسد، وأتت هذه الضغوط من داخل المملكة ومن خارجها. ففي الداخل، كان جزء من المعارضة السياسية يطالب بتغيير السياسة المُعتمدة ردًّا على حملة القمع العنيفة التي شنّها النظام السوري على المتظاهرين. وفي الخارج، قامت الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، اللذان أصبحا ينتقدان الأسد بشدّة، بالأمر نفسه. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، صرّح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لقناة بي بي سي قائلًا إن الأسد إذا كان حريصًا على مصلحة بلاده، “فعليه التنحّي”. ربما يكون هذا التصريح للعاهل الأردني قد أرضى بعض حلفائه ومنتقديه المحليين، لكنه لم يجعل خياراته المتعلقة بسورية أسهل.
وفي العام 2014، فيما كانت سورية تغرق أكثر فأكثر في مستنقع الحرب الأهلية، اعتبر الأردن أن النزاع السوري قد يفضي إلى عدد من النتائج المحتملة التي تنطوي جميعها على إشكاليات بدرجات متفاوتة. وبرز من بينها سيناريوان بدا أنهما يشكّلان تهديدًا أكبر: الاحتمال الأول هو وجود نظام معادٍ في دمشق من شأنه أن يُلحق الضرر بالأردن؛ والاحتمال الثاني هو حلول مرحلة غير مستقرة ما بعد الأسد في سورية في ظل حكم القوى الإسلامية التي سيطرت على المعارضة المسلحة في العام 2013. وفي هذا السياق، وعلى حدّ قول أحد المراقبين، “غيّر العام 2014 قواعد اللعبة بالنسبة إلى السياسة الأمنية الأردنية”.1 فقد شهد ذلك العام صعود تنظيم الدولة الإسلامية في سورية، وباتت مواجهته وتطويقه إحدى أولويات الأردن، بدلًا من السعي إلى تغيير النظام. إذًا، في العام 2014 (إن لم يكن قبل ذلك)، بدأت عمّان تعتبر أن بقاء النظام السوري هو على الأرجح أهون الشرور.
وسرعان ما أصبح سيناريو بقاء النظام أكثر ترجيحًا نتيجة التدخّل الروسي في النزاع بدءًا من أواخر العام 2015 تقريبًا. فقد قدّمت موسكو دعمًا عسكريًا للأسد، واستولت قواته على معاقل المعارضة واحدًا تلو الآخر بين العامَين 2016 و2018، بما في ذلك درعا الواقعة على الحدود السورية الأردنية والخاضعة آنذاك إلى سيطرة الثوار، وتضمّ المعبر الحدودي الأهم بين البلدَين. وبحلول العام 2018، أصبح احتمال بقاء الأسد في السلطة شبه مؤكد. ولم تجد عمّان نفسها مجاورة لنظام ساخط وحسب، بل أيضًا لحلفائه روسيا وإيران وحزب الله، وبات عليها التعامل مع التحديات الناجمة عن ذلك.
وفي مواجهة هذا الواقع الجديد، أبدى الأردن رغبة في بناء علاقات أفضل مع جارته الشمالية، وحرص في الوقت نفسه على عدم إثارة حفيظة حلفائه الأساسيين، ولا سيما الولايات المتحدة التي بقيت معادية للأسد بشدّة. ولعلّ المؤشّر الأبرز على رغبة الأردن في تحسين علاقاته مع سورية كان قراره بفتح معبر درعا الحدودي بعد أن استعاد النظام السيطرة على المنطقة من أيدي الثوار في آب/أغسطس 2018. وبدءًا من أواخر ذلك العام، شهدت المناطق الحدودية الأردنية فورة اقتصادية، إلا أن ذلك لم يَدم طويلًا لأسباب عدّة. فقد أصبحت السلطات الأردنية أقل تسامحًا مع التجارة الصغيرة النطاق التي انطوت على جانب غير رسمي. علاوةً على ذلك، مارست الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على سورية بموجب قانون قيصر، ضغوطًا على عمّان لثنيها عن الانخراط في أنشطة اقتصادية مع دمشق. وشدّدت واشنطن على ضرورة التزام حلفائها بنظام العقوبات، ولا سيما الدول التي تتلقّى منها مساعدات اقتصادية كبيرة مثل الأردن. وقد امتثلت عمّان لذلك، حتى أصبحت الفرصة سانحة أمامها للمناورة بعد فترة قصيرة، أي عندما انتُخب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة.
أكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تصريح أدلى به في آذار/مارس 2021 أن الأولوية القصوى لسياسة بلاده الخارجية هي الصين، ولم يأتِ على ذكر الشرق الأوسط سوى مرتَين: المرة الأولى في سياق حديثه عن خطط الولايات المتحدة لتنشيط علاقاتها مع حلفائها وشركائها في المنطقة، والمرة الثانية في معرض تسليط الضوء على الدروس الصعبة التي استقتها واشنطن من “تدخلاتها العسكرية المتمادية في الخارج” فضلًا عن “محدودية القوة في بناء سلام دائم”. إضافة ًعلى ذلك، أبدت الإدارة الأميركية الجديدة مرونةً أكبر من سابقتها حيال الملف السوري، إذ أبرمت اتفاقًا مع روسيا بشأن وصول المساعدات الإنسانية إلى دمشق، وقرّرت تخفيف وطأة العقوبات المفروضة على سورية بسبب “تداعياتها السلبية” على المواطنين السوريين العاديين، وأيّدت صفقة تزويد لبنان بالغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية. صحيحٌ أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالعقوبات، إلا أن انكفاءها النسبي في الشرق الأوسط واعتمادها سياسات أكثر مرونةً حيال سورية أتاحا فرصًا جديدة أمام دول أخرى على غرار الأردن.
وعمدت عمّان سريعًا إلى الاستفادة من هذه التغييرات. ففي تموز/يوليو من العام 2021، حين أصبح الملك عبدالله أول قائد عربي يزور واشنطن بعد تولّي بايدن سُدة الرئاسة، كانت سورية على رأس جدول أعماله. لم يتّضح بالكامل ما تمّ الاتفاق حوله بين الجانبَين، لكن بعد الاجتماع سرّبت بعض وسائل الإعلام تفاصيل عمّا بات يُعرف بأنه “وثيقة سرية حول سورية” تضمّنت تشخيصًا للوضع هناك، وشدّدت على الإخفاقات السابقة، وقدّمت اقتراحًا للمسار الذي يُمكن اعتماده في المستقبل. ويُذكر في هذا الإطار أن الملك عبدالله حظيَ بدعم روسي لهذه الوثيقة خلال الزيارة التي قام بها إلى موسكو في آب/أغسطس الفائت. وتشير التطورات اللاحقة إلى أن واشنطن أعطت عبدالله الضوء الأخضر لتوطيد علاقاته مع النظام السوري.
وتَرافق هذا التحوّل في السياسة الأردنية مع حملة إعلامية هدفت إلى شرح خطوات المملكة وتبريرها. فقد أشار بعض كبار المسؤولين إلى أن الأسد باقٍ في منصبه وأن جميع المقاربات التي انتُهجت لغاية الآن بهدف التوصّل إلى حلّ للنزاع السوري قد باءت بالفشل. ونتيجةً لذلك، لم يعد محمولًا الحفاظ على الوضع القائم، ولا سيما بالنسبة إلى الأردن ودول أخرى في المنطقة. وعلى عكس الدول التي قادت الجهود الرامية إلى عزل الأسد، والتي هي جميعها بعيدة عن سورية (مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا في الغرب، وقطر في العالم العربي)، يُعتبر الأردن، على حدّ قول وزير خارجيته، “في مرمى النيران”.
صاغ الأردن سياسته الجديدة كمحاولة للتوصّل إلى طرق جديدة لحلّ الأزمة السورية استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي، واتفاق أميركي-روسي، وفي سياق دور أكبر للدول العربية في الشؤون السورية. لكن خطوة الأردن كانت، من نواحٍ عدّة، بمثابة محاولة لمعالجة مخاوفه الرئيسة من خلال الانخراط المباشر مع سورية، بدلًا من الاستمرار في اتّباع نهج الانتظار والترقّب، الذي فشل بكل وضوح في تحقيق مصالح عمّان. وشملت هذه المخاوف مكافحة تهريب المخدرات، وإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية بين الجانبَين، وإرساء الأمن والاستقرار الاقتصادي في جنوب سورية، وتحقيق عودة (وإن جزئية) للاجئين السوريين في الأردن، ومعالجة مسألة وجود قوات إيرانية وأخرى موالية لإيران في المنطقة الحدودية الأردنية السورية.
أما على أرض الواقع، فقد تجلّت السياسة الجديدة على شكل اتصال هاتفي بين الأسد وعبدالله، واجتماعات بين وزيرَي خارجية البلدَين وغيرهما من كبار المسؤولين، خُصِّصت لمناقشة قضايا عدّة على غرار أمن الحدود وتهريب المخدرات، والتعاون في مجال إمدادات الطاقة والمياه، وتسهيل النشاط التجاري عبر معبر درعا الحدودي. وقد شكّك برز بعض المراقبين في مدى فاعلية هذا النهج، وسخر آخرون من قرار الأردن مناقشة مسألة تهريب المخدرات مع وزير الدفاع السوري، نظرًا إلى أن النظام السوري متّهم على نطاق واسع بالوقوف وراء هذه الظاهرة. إضافةً إلى ذلك، عمد الأردن إلى إعادة فتح الحدود لتحسين التبادلات التجارية. وأشار النقّاد إلى سورية لم يعد لديها ما تقدّمه للأردن بعد عقد من الحرب.
لا يزال من السابق لأوانه توفير تقييم شامل عمّا إذا كانت إعادة إحياء العلاقات مع سورية قد ساعدت الأردن في بلوغ أهدافه على الصعيدَين الأمني والسياسي. لكن بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تبدّل الموقف الأردني، تبرز بعض المؤشرات على أن سياسة عمّان الجديدة تؤتي ثمارها على المستوى الاقتصادي، ما يُعتبر إنجازًا ملحوظًا لأن التعافي من الركود الاقتصادي يقع في صُلب أولويات الأردن. كذلك، قد يحمل هذا التقدّم المُحرز على الساحة الاقتصادية مؤشّرات تُنبئ بما سيحدث في المستقبل.
ليست طفرة اقتصادية، إنما بداية مُبشِّرة
طالت أبرز التغيّرات التي حدثت خلال الأشهر الستة الماضية المجال الاقتصادي، وتحديدًا قطاع التجارة والترانزيت. قبل الحرب، كانت سورية شريكًا تجاريًا مهمًا للأردن، من خلال التجارة البسيطة والصغيرة النطاق التي أفادت بالدرجة الأولى المناطق الحدودية الأردنية، فضلًا عن التجارة الواسعة النطاق وتجارة الترانزيت (المُعتمدة على الشاحنات) التي استفادت من ارتباط الأردن برًّا بأسواق الخليج المدرّة للربح. وتشير بيانات نوعية وكمّية إلى تحسُّن على جميع هذه المستويات الثلاث خلال الأشهر الستة الماضية. وإن دلّ الإيقاع التاريخي للعلاقات السورية الأردنية على شيء فإنما يدلّ على أن توطيد العلاقات الاقتصادية يُفسح مجال التعاون على الصعيدَين السياسي والأمني.
في هذا السياق، تقدّم مدينة الرمثا مثالًا مفيدًا على هذه الديناميكيات لأنها تقع على الحدود الأردنية وتُشكّل تقليديًا مركزًا لبيع السلع السورية المستوردة بشكل رسمي وغير رسمي. ففي فترة ما قبل العام 2011، كانت الرمثا تتباهى بأنها تستضيف أكبر سوق في البلاد للسلع السورية الرخيصة الثمن والعالية الجودة نسبيًا، والتي تشقّ طريقها من الرمثا إلى جميع المدن الأردنية الأخرى. في الواقع، كانت التجارة الصغيرة العابرة للحدود تشكّل العمود الفقري لاقتصاد المدينة، إذ أتاحت عددًا كبيرًا من فرص العمل، وأبقت تكاليف المواد الغذائية الأساسية وبعض السلع الاستهلاكية منخفضة بسبب فرق الأسعار بين الأردن وسورية.
لكن الحرب السورية طيلة عقد من الزمن قلبت الأمور رأسًا على عقب. فقد أدّى تدهور الاقتصاد السوري، وإغلاق الحدود لفترة طويلة، والتعطيل الناجم عن جائحة كوفيد-19، إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير في الرمثا، مصحوبًا بارتفاع مستويات الفقر والبطالة. وأسهمت إعادة فتح الحدود مع سورية في نهاية العام 2018 في إنعاش اقتصاد المدينة، إلا أن ذلك لم يدم طويلًا، إذ عمدت الحكومة الأردنية إلى تشديد القيود المفروضة على التجارة غير الرسمية من أجل وقف تدفّق المخدرات والأسلحة والسجائر غير المشروعة من سورية. علاوةً على ذلك، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على الأردن لثنيه عن الانخراط في أي نشاط اقتصادي مع سورية (في إطار سياسة واشنطن الرامية إلى عزل البلاد). وتُضاف إلى كلّ ما سبق ذكره التداعيات الناجمة عن أزمة كوفيد-19.
مع ذلك، أدّت إعادة فتح الحدود بالكامل في أيلول/سبتمبر 2021 إلى إنعاش اقتصاد الرمثا والمناطق الحدودية الأخرى من جديد. وشهدت بلدة جابر الحدودية ومدينة المفرق الواقعة على الطريق الدولي السريع بين دمشق وعمّان ارتفاعًا في عدد المسافرين والشاحنات التجارية. ووصف تاجر أردني مخضرم (من البحّارة) يعمل في التجارة الصغيرة النطاق التغيير الحاصل قائلًا إن الحركة التجارية أضعف اليوم مقارنةً مع فترة ما قبل العام 2011، لكنها بالتأكيد أفضل مما كانت عليه أثناء إغلاق الحدود أو فرض قيود شديدة على الحركة عبر الحدود.2 ويعبّر هذا التقييم خير تعبير عن التغيّرات التي طرأت على الحدود. فقبل العام 2011، كان التجار العاملون في التجارة الصغيرة النطاق يتردّدون إلى سورية يوميًا، وأحيانًا مرتين في اليوم، ما مكّنهم من جني عائدات أعلى بكثير من متوسط الدخل في الأردن (فقبل اندلاع الانتفاضة السورية، كان السائق الذي يقوم بعشر زيارات إلى اثنتَي عشرة زيارة إلى سورية في الشهر يحقق مدخولًا يوازي تقريبًا الحدّ الأدنى للأجور في الأردن). لكن الوضع يبدو مختلفًا تمامًا في الوقت الراهن. فالسائقون يذهبون إلى سورية مرة واحدة فقط كل بضعة أيام، بسبب تشديد إجراءات التفتيش الأمني، وضرورة الالتزام بالقيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19، وتراجع تسامح السلطات الأردنية مع التجارة غير الرسمية. إذًا، تسبّبت هذه العوامل بخفض هامش ربح التجار، بيد أن الوضع لا يزال أفضل مما كان عليه أثناء إغلاق الحدود.3
أما على مستوى تجارة الترانزيت، فالاختلاف أقل بروزًا، تحديدًا لأن هذه التجارة التي استؤنفت في أيلول/سبتمبر 2018 عندما أُعيد فتح الحدود للمرة الأولى بين الأردن وسورية، كانت قادرة على الاستمرار. وتشير الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة التابعة للحكومة الأردنية إلى أن الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2018 شهدت تضاعُف الواردات من سورية مقارنةً مع العام الذي سبقه. ثم انخفضت الأرقام بين العامَين 2019 و2020، بسبب خلافات بين سورية والأردن وتداعيات جائحة كوفيد-19، لتعاود الارتفاع مجدّدًا بعد إعادة فتح الحدود آخر مرة. فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول/أكتوبر 2021، ارتفعت الواردات من سورية بنسبة 40 في المئة، والصادرات بنسبة 20 في المئة، والسلع المُعاد تصديرها بنسبة 55 في المئة، مقارنةً مع الشهر نفسه من العام 2020. وصرّح نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع في الأردن أن أعداد الشاحنات التي دخلت من الأردن إلى سورية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2021 تراوحت ما بين 100 و120 شاحنة يوميًا، مقارنةً مع 15 إلى 20 شاحنة قبل إعادة فتح الحدود آخر مرة. وينبغي أيضًا أن نأخذ في الحسبان الصادرات السورية إلى المملكة العربية السعودية التي تُعتبر وجهة رئيسة للسلع السورية عبر الأردن. ووفقًا لبيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، ارتفعت قيمة الصادرات السورية إلى السعودية من 346 مليون ريال سعودي (ما يعادل 92 مليون دولار) في العام 2017 (وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق)، إلى 1200 مليون ريال سعودي (أو 320 مليون دولار) في العام 2021.
لا شكّ أن الحرب غيّرت بعض السمات التاريخية للتجارة بين سورية والأردن. فعلى سبيل المثال، يميل الميزان التجاري اليوم لصالح الأردن بعض الشيء، بعد أن كان يصبّ في مصلحة سورية خلال العقد الأول من القرن الحالي، عندما شهدت التجارة نموًا كبيرًا، باستثناء العام 2006. لكن هذا التوازن تغيّر بين العامَين 2014 و2021، حين بلغت قيمة البضائع المُصدّرة أو المُعاد تصديرها إلى سورية نحو 587 مليون دينار أردني، فيما بلغت قيمة الواردات 464 مليونًا.
وثمة توجّه آخر قد يتعزّز خلال السنوات المقبلة وهو ربط الأسواق الدولية بسورية عبر الأردن. وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات مفصّلة، يَعتبر نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع في الأردن أن تجارة الترانزيت مع سورية عبر ميناء العقبة ومعبر جابر-نصيب الحدودي يمكن أن ترتفع بنحو 1000 في المئة في المستقبل المنظور، بفضل الرسوم التنافسية. بعبارة أخرى، ساهم تغيّر سياسة الأردن مؤخرًا تجاه سورية في تكريسه كمنطقة عبور (ترانزيت) للمستوردين السوريين.
علاوةً على ذلك، تنطوي إعادة إحياء العلاقات الاقتصادية مع سورية على بُعد سياسي مهم، سواء لجهة العلاقات الثنائية أو السياسات الداخلية. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية الأردني في تشرين الأول/أكتوبر وجود تأييد شعبي واسع كبير لقرار المملكة إعادة الانخراط مع سورية. ويعتقد حوالى 78 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، وعددهم 1208 أشخاص، أن الأضرار الأكبر التي لحقت بالأردن نتيجة الحرب السورية كانت اقتصادية في طبيعتها. وقد حظيت السياستان اللتان اتّبعهما الأردن، أي الانفتاح على سورية وإعادة فتح معبر جابر-نصيب الحدودي، بتأييد 80 و84 في المئة من المشاركين على التوالي. وتشير هذه الأرقام، إلى جانب الملاحظات الميدانية والمحادثات التي أجراها المؤلّف في عمّان وإربد والرمثا، إلى أن معظم الأردنيين يوافقون على النهج الجديد لبلادهم تجاه سورية ويتوقعون أن يحقّق مكاسب اقتصادية.
في سياق العلاقات السورية الأردنية، التي تشهد منذ الخمسينيات وحتى اليوم فترات من العداء حينًا وفترات من الوفاق حينًا آخر، لطالما سهّل التحسّن الاقتصادي عمومًا آفاق توطيد التعاون السياسي والأمني. ففي منتصف السبعينيات على سبيل المثال، وبعد فترة من العداء الشديد بين الجانبَين، توصّل الأردن وسورية إلى تفاهم لإصلاح علاقتهما الاقتصادية. وبالفعل، كان الاقتصاد على رأس جدول أعمال الملك حسين حين زار الرئيس حافظ الأسد في دمشق خلال العام 1975. لكن، بدا واضحًا أن لدى الأردن حافزًا إضافيًا لعقد ذلك الاجتماع، فهو أراد تعزيز الأبعاد الاقتصادية للتوافق الأردني السوري “بما يتجاوز المكاسب القصيرة الأمد ويسمح ببناء علاقات سياسية أقوى من خلال وضع الأسس اللازمة لعلاقات اقتصادية راسخة”.4
لكن هذا التوافق لم يعمّر طويلًا، وأعقبه عداء متجدّد دام عقدَين من الزمن. ولكن أُتيحت فرض جديدة للتعاون بعد وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والعاهل الأردني السابق الملك حسين ووصول الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله إلى سُدة الحكم في البلدَين اللذين سُرعان ما عاودا الانفتاح على بعضهما البعض. وخلال السنوات القليلة الأولى من العلاقات الودية، كانت الاتفاقات الموقّعة بين الطرفَين اقتصادية في الغالب.5 لكن مع مرور الوقت، تعزّزت آفاق التعاون بينهما لتشمل قضايا المياه، والتمويل، والأمن، وطرد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين السوريين من الأردن، ومعارضة الضغط الأميركي على سورية في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.6
خاتمة
قد لا تتجّه العلاقات بين سورية والأردن حُكمًا نحو التوافق الكامل، إذ إن ذلك يعتمد بشكل كبير على سلوك النظام السوري تجاه الأردن، فضلًا عن السياسات الإقليمية والدولية حيال سورية. وحتى لو كانت هذه فاتحةً لحقبة جديدة من العلاقات السورية الأردنية، إلا أن البلدَين لا يزالان في بداية الطريق والمسار المستقبلي لم يُحدَّد بعد. مع ذلك، تدلّ معظم المؤشّرات على أن الاقتصاد الأردني قد استفاد، وإن بشكل متواضع، من توثيق العلاقات مع سورية. علاوةً على ذلك، يحاول الأردن خلق نموذج اقتصادي جديد لنفسه، لا يكون فيه مجرّد سوق لبيع البضائع السورية ونقطة عبور لها في طريقها إلى الأسواق الخليجية، بل أيضًا مُصدّرًا إلى سورية وصلة وصل تربط دمشق بالأسواق الدولية. أخيرًا، ومع أن توطيد العلاقات الاقتصادية السورية الأردنية هو إنجاز بحدّ ذاته، فإنه قد يسهم أيضًا في تعزيز أواصر التعاون في مجالات أخرى مثل المياه، وأمن الحدود، والسياسات الإقليمية.
تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.
هوامش
1 Curtis R. Ryan, “Jordan: Between IS and the Syrian Civil War,” Orient IV (2017): 40.
2مقابلة أجراها المؤلّف مع بحّار أردني على طريق الرمثا-إربد، الأردن، 7 شباط/فبراير 2022.
3مقابلات أجراها المؤلّف مع عدد من السكان المحليين في مدينة الرمثا، الأردن، 5-7 شباط/فبراير 2022.
4 Curtis R. Ryan, “The Odd Couple: Ending The Jordanian-Syrian Cold War,” Middle East Journal 60, no. 1 (Winter 2006): 42–43.
5المصدر السابق، ص. 50.
6المصدر السابق، ص. 53.
End of document
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
—————————
===============
تحديث 17 حزيران 2022
————————-
جنوب سوريا إلى أين؟/ غازي دحمان
يدخل جنوب سوريا في مرحلة صراع نفوذ جديدة نتيجة قيام الميليشيات الإيرانية بإعادة تعزيز وجودها، جراء انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية وغزوها للأخيرة وتخفيف تواجدها بدرجة كبيرة، وقد استثمرت إيران هذه الأوضاع لصالحها بالنظر للقيمة الإستراتيجية التي يشغلها الجنوب.
الوجود الإيراني في جنوب سورية ليس جديداً ولم ينقطع في السنوات الأخيرة، بل جرى في الغالب إخفائه ضمن هياكل جيش النظام وأجهزته الأمنية، وتستفيد إيران من خبرة عميقة شكّلتها عن جنوب سورية، جغرافيته الطبيعية والسكانية ومعرفة كبيرة بالظروف الاقتصادية والمعيشية.
ربما لم تحقّق إيران نجاحاً كبيراً في مجال التشيّع في جنوب سوريا، حيث واجهت صداً اجتماعيا جراء إحساس المجتمعات المحلية أن هذا الأمر يشكّل خطراً على هويتها، وهي مسألة لا يمكن التساهل بشأنها أو السماح بوضعها في مجال المساومة.
لكن من المؤكد أنها صنعت شبكات علاقات مصلحيه ونفعية لطبيعة السكان العشائرية، ترتبط بها وبسياساتها في الجنوب، وقد ساعدها في هذا الأمر علاقاتها القوية مع أجهزة الأمن التي تملك أرشيف معلومات عن السكان يجري تحديثه بشكل دائم.
لكن إيران لا تكتفي بمحاولة السيطرة على جنوب سوريا لإخضاعه لحكم الأسد، بل تسعى لتحويله إلى منطلق للتأثير بمناطق الجوار، إسرائيل والأردن، لتعزيز أوراقها كقوّة إقليمية مؤثرة وفاعلة في لحظة دولية تشهد تحوّلات عديدة، وفي ظل اشتباك إيران مع القوى الغربية بشأن ملفها النووي الذي يبدو أنه سيدخل مرحلة سبات عميقة نتيجة تراجع واشنطن عن الاهتمام بإنجاز الصفقة مع طهران في ظل المعطيات الدولية الراهنة.
الجديد، أن الأردن وإسرائيل، غيرتا مقاربتهما بشكل كبير للوجود الإيراني في جنوب سوريا، وباتا على استعداد لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً في التعاطي مع التهديد الذي يشكله الوجود الإيراني، وفي فترة سابقة تولت الفصائل المعارضة مقارعة الوجود الإيراني إلى حد كبير وحصرته ضمن مناطق جغرافية محدودة، في مثلث الموت وبعض قرى جبل الشيخ، وحتى في السويداء لم يكن هذا الوجود ظاهراً بدرجة كبيرة.
غير أن الأمور تغيرت لصالح إيران وميليشياتها، بعد سيطرة نظام الأسد وتفكيك هياكل فصائل المعارضة، حيث لم تنته مقاومة إيران وحسب، بل استقطبت الكثير من عناصر”التسويات” إلى صفوف ميليشياتها أو الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لإيران، وشكلت انتهازية روسيا وحاجتها لميليشيات إيران كأداة برية وكثرة عددية رخيصة الثمن في توسيع نفوذ روسيا في سوريا، نقطة استفادت منها لإيران في الحفاظ على نفوذها في جنوب سوريا وتعزيزه على الدوام.
في الأردن هناك قناعة تامة لدى المطبخ السياسي أن المخدرات، ورغم أنها وسيلة لتحقيق أرباح مالية، إلا إنها أداة هدم إيرانية للمجتمع الأردني والخليجي، ويمكن توظيفها في إخضاع الدولة الأردنية، بدون إطلاق رصاصة واحدة للمشروع الإيراني، من خلال صناعة مراكز قوى قوامها الرؤوس المشغّلة لتجارة المخدرات الإيرانية، وتقوية هؤلاء وتعويمهم للسيطرة على مفاصل الاقتصاد الأردني، وإدخالهم ضمن البنية السياسية الأردنية من خلال البرلمان والنقابات والأحزاب، وقد لا يأخذ الأمر أكثر من عقد لإنفاذ هذه الخطة ووضع الأردن في قبضة إيران.
وعلى المقلب الأخر، ليس صعباً صناعة مأزق أمني طويل المدى لإسرائيل، عبر صناعة خلايا إيرانية على طول الحدود مع الجولان والتي تمتد من ريف دمشق الجنوبي إلى أخر قرية في جنوب درعا، وهي مناطق تشبه تضاريسياً هضبة الجولان من حيث الوعورة والوديان المنتشرة فيها والتي يسهل فيها إخفاء الأسلحة والمقاتلين، وهو ما تركز عليه إيران في الوقت الحاضر.
ما الإجراءات التي اتخذها الأردن وإسرائيل لمواجهة المخطط الإيراني؟ قام الأردن بتغيير قواعد الاشتباك عبر إعطاء الأوامر للجيش بالتعامل نارياً مع الأهداف المشتبه بها، وقد كان نتيجة ذلك قتل العديد من المهربين، لكن المؤكد أن إيران ستعمل على التكيف مع هذا المتغير وتستخدم خططاً جديدة لتحقيق أهدافها، إذ من المعلوم أنها تعمل على أكثر من مستوى: اختراق الأجهزة الأمنية، واختراق المجتمعات المحلية الأردنية، واستخدام تقنيات حديثة في التهريب، وهذا الوضع يجعل الأردن مستنزفاً على الدوام من دون تحقيق نتائج مهمة على صعيد محاربة المشروع الإيراني.
من جهتها إسرائيل، تعتمد على الضربات المباشرة، عندما تتوفر لها معلومات عن تحركات إيرانية في جنوب سوريا، وتستخدم وسائل الرصد التقنية، بالإضافة إلى مخبرين في الجانب السوري، وقد حققت الكثير من النتائج، لكن لا يبدو أنها أنهت الخطر الإيراني بشكل كامل.
ويواجه الأردن وإسرائيل عدد من العوائق في مواجهة المشروع الإيراني:
ضعف أدواتهما في التصدي للمشروع الإيراني، حيث ليس لهما سند في جنوب سوريا يمكنهما الاعتماد عليه في المواجهة بعد تفكيك الفصائل المسلحة، أما إجراءاتهما العسكرية فيبدو أن إيران قادرة على التكيف معها.
عدم حساسية إيران تجاه خسائرها البشرية إذ من المعلوم أن الميليشيات الإيرانية تتكون في الغالب من عناصر غير إيرانية، أفغانية وباكستانية وعراقية وسورية.
إدماج مشاريع إيران الجيوسياسية ضمن الإطار الأيديولوجي للدولة الإيرانية، وهو ما يفسر عدم كلل إيران في مواصلة مشروعها رغم المصاعب والعراقيل التي تواجهه.
رغم المتاعب الاقتصادية التي تواجهها إيران، إلا أنها قادرة على توفير ميزانيات كبيرة لدعم مشروعها، وهو ما ليس متوفراً للأردن وإسرائيل.
بناء على هذه المعطيات، كيف يمكن مواجهة مشروع إيران في جنوب سوريا؟ يبدو أن الأردن وإسرائيل أمام خيارات محدودة: إما أن يقدمان على احتلال شريط حدودي في الجنوب يمنحهما القدرة على المناورة ودفع ميليشيات إيران بعيداً، أو إسقاط نظام الأسد للخلاص من هذا الوجع المزمن، ولهذين الخيارين تكاليفهما ومخاطرهما، وربما يحتاجان لتنفيذهما إلى غطاء دولي من قبل واشنطن.
ومن غير المرجح تغيّر الأوضاع للأفضل في ظل سيطرة إيرانية، بل المقدّر تزايد حدّة الفوضى وانعكاس ذلك على المجتمعات المحلية في الجنوب، وهو ما ترغب إيران في حصوله ليتسنى لها ترسيخ نفوذها بدون أدنى مقاومة.
———————————–
عمليات التهريب بين سورية ولبنان، ومن سورية إلى الأردن: تطوّر الممارسة وتوسّعها
ترجمة: أحمد عيشة
المحتوى
ملخص
مقدمة
التهريب ثنائي الاتجاه بين سورية ولبنان
التهريب أحادي الاتجاه من سورية إلى الأردن
الخاتمة
ملخص
في عام 2018، بسط النظام السوري سيطرته على المناطق الغربية والجنوبية من البلاد، غير أن هذا التحوّل في السيطرة على الأراضي لم يُؤد إلى توقف الأنشطة غير المشروعة. لقد شجّع النظام على خلق بيئة مواتية لشبكات التهريب لمواصلة عملها، مستغلًا البيئة الهشة التي أعقبت الحرب في سورية والانهيار الاقتصادي في لبنان والأردن. استنادًا إلى إمكانية الوصول النادرة إلى جهات تابعة للدولة وجهات غير حكومية متورطة في أنشطة التهريب في سورية، التي حدثت جميعها بين كانون الأول/ ديسمبر 2021 ونيسان/ أبريل 2022، تبحث هذه الورقة في الديناميكيات والجهات الفاعلة الضالعة في التهريب بين سورية ولبنان، ومن سورية إلى الأردن.
مقدمة
التهريب كمجال للكسب والربح كان موجودًا في سورية منذ تأسيس الدولة، لكنّ الصراع السوري، الذي بدأ في عام 2011، أصبح يحدد أنماطًا جديدة لنشاط التهريب في جميع أنحاء البلاد [1]. ففي عام 2018، وصل الصراع إلى نقطة انعطاف، حيث قلب النظام، بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين، مجرى الحرب واستعاد السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي في المناطق الغربية والجنوبية من سورية. غير أن هذا التحول في السيطرة على الأراضي لم يُؤد إلى توقف الأنشطة غير المشروعة. وبدلًا من ذلك، عزز النظام السوري خلق بيئة مواتية لشبكات التهريب لمواصلة عملها، مستغلًا البيئة الهشة بعد الحرب في سورية، والانهيار الاقتصادي في البلدان المجاورة، لمواصلة أنشطة التهريب ثنائية الاتجاه مع لبنان، والأنشطة أحادية الاتجاه إلى الأردن. منذ 2018، وجد النظام السوري في تهريب البضائع المشروعة وغير المشروعة، وكذلك تهريب البشر، مصدر دخل لتأمين الأسلحة وتجنيد المقاتلين ودفع رواتبهم، وتعزيز الشبكات الداعمة وتكديس الثروة.
بالاعتماد على ندرة الوصول إلى الجهات الحكومية وغير الحكومية المتورطة في أنشطة التهريب في سورية، التي وقعت جميعها بين كانون الأول/ ديسمبر 2021 ونيسان/ أبريل 2022، تبحث هذه الورقة في أنماط التهريب والجهات الفاعلة المتورطة منذ بداية عام 2019 بين سورية ولبنان، ومن سورية إلى الأردن، من حيث ثلاثة عوامل رئيسة: العامل الأول هو الأوضاع المختلفة على الحدود بين سورية ودولتي الجوار (مليئة بالثغرات أو مؤمّنة)؛ والعامل الثاني هو مستوى السيطرة الأمنية للنظام السوري في المناطق الحدودية (عالية أو محدودة)؛ والثالث ردّات فعل الجهات الحكومية وغير الحكومية في لبنان والأردن، على عمليات التهريب (التعاون النشط أو المواجهة العنيفة).
1. التهريب ثنائي الاتجاه بين سورية ولبنان
بسبب الحدود غير الخاضعة للرقابة التي يسهل اختراقها بين سورية ولبنان، تتم عمليات التهريب بين البلدين عبر (120-150) نقطة عبور غير شرعية على حدودٍ طولها (394) كم [2]. في سورية، تمرّ عمليات التهريب الداخلية والخارجية عبر مناطق يمارس فيها النظام درجة عالية من السيطرة الأمنية. ويتركز هذا بشكل أساسي حول ريف حمص الجنوبي، والقلمون الغربي، وريف دمشق، حيث الفرقة الرابعة في الجيش السوري (بقيادة ماهر الأسد) لها وجود ظاهر وقويّ وتشارك بشكل مباشر في أنشطة التهريب. هذه المناطق هي بمنزلة محاور لتهريب المنتجات التي توَّزع في ما بعد في مناطق سيطرة النظام[3]. في منطقة بعلبك-الهرمل في لبنان، استغلّ حزب الله، وبدرجة أقلّ حركة أمل، ضعف سيطرة الدولة وعجزها عن مراقبة الحدود، لتمكين أنشطة التهريب والمشاركة فيها [4]. تشتهر منطقة وادي خالد أيضًا بالتهريب إلى سورية، مع مشاركة جهات فاعلة محلية مختلفة، من ضمن ذلك العائلات والقبائل الكبيرة والتجار الذين يعملون بالتعاون مع المخابرات السورية منذ عقود (الخريطة 1) [5].
الخريطة (1): الحدود السورية اللبنانية. المصدر: المؤلفون
منذ عام 2019، أدت الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وما تلاها من تغيّرات في أسعار صرف العملات الأجنبية المتعددة، إلى زيادة كبيرة في التهريب من لبنان إلى سورية، وخاصة الوقود، كون سعر المازوت أصبح أرخص بكثير في لبنان مما هو عليه في سورية [6]. وذلك لأن مستوردي الوقود تمكّنوا من تداول الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي في مصرف لبنان، بسعر تفضيلي (بين تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وتشرين الأول/ أكتوبر 2021). وفي الوقت نفسه، أدت التخفيضات الحكومية في دعم النفط في سورية إلى زيادة الأسعار، بينما تعاني البلاد حالة نقص متكرر في المشتقات النفطية.خلق هذا الوضع فرصة للمهربين على جانبي الحدود لتجميع قدر كبير من الثروة. ارتفعت واردات لبنان من البنزين (الرسمي) بنسبة 13 في المئة خلال عام واحد، من (2,472) مليون ليتر في عام 2019 إلى (2,798) مليون ليتر في عام 2020، حيث تم تهريب نسبة كبيرة منها إلى سورية [7]. وبحسب أحد المستجيبين المتورطين في تجارة تهريب النفط، بدءًا من عام 2020 حتى صيف 2021، “كانت أكثر من (100) ناقلة [8] تدخل إلى سورية يوميًا، معظمها من خلال الممرات غير الشرعية القريبة من القصير والقلمون الغربي” [9]. في كانون الأول/ ديسمبر 2021، قدّر عضو في نقابة أصحاب المحطات اللبنانية أنه تم تهريب ما يصل إلى مليار ليتر من الوقود إلى سورية خلال العام. وقدرت عائدات هذه التجارة غير المشروعة بنحو (235) مليون دولار أميركي [10]. ومع ذلك، فقد انخفض تهريب النفط من لبنان إلى سورية، منذ انتهاء دعم الوقود في لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إذ صار سعره أعلى بكثير (الجدول 1)، وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في هوامش ربح المهربين. وانعكس في الحجم الرسمي للنفط المستورد إلى لبنان في عام 2021، الذي شهد انخفاضًا بنسبة (17) في المئة، مقارنة بالعام السابق [11].
المصدر: المؤلفون، بناءً على تجميع المجاميع من موقع Lira Rate الإلكتروني [12]
بالتنسيق مع الفرقة الرابعة، سيطر حزب الله على سوق تهريب المحروقات من لبنان إلى سورية، وسمح ذلك لكليهما بتكديس قدر كبير من رأس المال. يسيطر حزب الله على المعابر الحدودية غير الشرعية المتعددة في بعلبك، ويمكّنه ذلك من نقل الوقود إلى المستودعات على الجانب الآخر من الحدود التي تسيطر عليها الفرقة الرابعة مباشرة أو رجال الأعمال المرتبطون بها. يمكن للشبكات ورجال الأعمال غير المرتبطين مباشرة بالفرقة الرابعة استخدام نقاط العبور غير القانونية هذه لتهريب الوقود إلى سورية، وذلك بدفع رسوم تقدر بحوالى (500 إلى 600) ليرة سورية (ما يعادل 0.2 إلى 0.24 دولار أميركي بسعر الصرف الرسمي البالغ (2,512) ليرة سورية/ دولار أميركي) مقابل الليتر الواحد، للفرقة الرابعة التي تسيطر على نقاط العبور غير القانونية [13]. في شمال لبنان، تورّط سياسيون ورجال أعمال من عكار في تهريب الوقود، لكن ذلك التورط لم يكن بمستويات حزب الله.
أظهر انفجار آب/ أغسطس 2021، في قرية التليل/ عكار، الذي أسفر عن مقتل نحو ثلاثين شخصًا، تورط ثلاثة نواب من المنطقة، اتهمهم السكان المحليون بالتواطؤ في أنشطة التهريب، أو في أقل الأحوال، بأنهم “العقول المدبرة” [14].
كان الدقيق والقمح من بين المنتجات الرئيسة المهربة من لبنان إلى سورية. ويرجع ذلك أساسًا إلى أن أسعارها في لبنان أرخص منها في سورية التي تعاني نقصًا كبيرًا في هذه المنتجات. في منتصف عام 2020، وصلت تكلفة الطن المتري من الطحين (320) دولارًا أميركيًا في سورية، بينما كان السعر المدعوم في لبنان (150) دولارًا أميركيًا فقط (بسعر الصرف الرسمي 1507 ليرة لبنانية/ دولار أميركي) [15]. ومع ذلك، فإن اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 قد يعقد عملية تدفق الدقيق المهرب إلى سورية، حيث إن لبنان كان يستورد في المتوسط حوالى (95) في المئة من قمحه من روسيا وأوكرانيا، منذ عام 2012، وتوقفت هذه الواردات بسبب الحرب [16]. وإضافة إلى ذلك، منذ تنفيذ الحظر السعودي على المنتجات اللبنانية في نيسان/ أبريل 2021، لجأ بعض المزارعين اللبنانيين بشكل متزايد إلى تهريب منتجاتهم إلى سورية، ثم يعيد التجار السوريون بيعها إلى السعودية [17]. المواد الأخرى المهرّبة إلى سورية هي الأدوية المتبقية التي لا تزال الحكومة اللبنانية تدعم أسعارها.
من ناحية أخرى، تتعامل عمليات التهريب من سورية إلى لبنان بالسلع المشروعة وغير المشروعة. تشمل المنتجات المشروعة المهرّبة من سورية إلى لبنان المواد الغذائية المدعومة (مثل الدواجن واللحوم والألبان والسلع الزراعية الأخرى)، والأجهزة المنزلية ومنتجات التنظيف. شجّع هذا الاتجاه الانخفاض النسبي في أسعار هذه المنتجات في سورية، والانخفاض الكبير في القوة الشرائية لقطاعات كبيرة من السكان اللبنانيين. فيما يتعلق بالسلع غير المشروعة، على زيادة تهريب الكبتاغون بشكل ملحوظ [18]. يتم إنتاج معظم هذا الكبتاغون في سورية، وهناك كمية صغيرة تُنتج في لبنان الذي يقوم في الغالب بدور دولة العبور [19]. لذلك يتم نقل بعض الكبتاغون المنتج في سورية إلى لبنان، ومن ثم يتم تهريب الحبوب المخدرة عن طريق البر والبحر والجو إلى ممالك الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك الأردن المجاورة. بين عامي 2016 و2022، أحبطت السلطات السعودية محاولات تهريب أكثر من (600) مليون حبة أمفيتامين من لبنان، وفقًا للرائد محمد النجيدي، المتحدث باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية [20]. تسيطر الفرقة الرابعة ورجال الأعمال السوريون المرتبطون بها الذين ظهروا خلال الحرب، من ضمنهم عامر خيتي وخضر علي طاهر، إلى جانب جهات فاعلة أخرى مثل حزب الله ورجال الأعمال المرتبطين به، على جزء كبير من إنتاج وتوزيع الكبتاغون. وتطور الاتجار بالمخدرات بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية، حيث أدت العقوبات المفروضة على النظام السوري وحزب الله، وعزلتهما السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية، إلى زيادة احتياجاتهما إلى مصادر جديدة للدخل [21].
في الأعوام القليلة الماضية، كانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت استعدادها لتكثيف مكافحة عمليات التهريب بين لبنان وسورية، وهو أحد الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على بيروت لتلقّي مساعدات مالية. ومع ذلك، يجب مراعاة العقبات الرئيسة قبل أن يكون هناك تغيير فعلي في ديناميكيات الحدود الحالية. الأول هو حاجة حزب الله، عسكريًا واقتصاديًا، إلى استخدام الحدود من دون أي شكل من أشكال القيود، لا سيما في ظل تدخله العسكري ووجوده في سورية. إضافة إلى ذلك، فإن الجهات الفاعلة الأخرى التي تغطيها مختلف الأحزاب السياسية اللبنانية والمتورطة في التهريب مع سورية ليست لديها مصلحة في وقف الأعمال التجارية. أخيرًا، تُعدّ الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، التي شهدت ارتفاع معدل الفقر، من 25 في المئة في 2019 إلى 74 في المئة عام 2022، دافعًا إضافيًا للتهريب والأنشطة غير المشروعة.
تأثرت المناطق الحدودية، في عكار وبعلبك الهرمل والبقاع بشكل خاص، بالأزمة الاجتماعية والاقتصادية. فهذه المحافظات لديها أعلى معدلات الفقر، كلها فوق (90) في المئة [22]، وأعلى معدلات بطالة (35، 49 و46) في المئة على التوالي [23]. شارك مالكو محطات الوقود والمولدات الخاصة في هذه المناطق، على سبيل المثال، في تهريب الوقود عبر الحدود السورية، حيث جلب لهم ذلك أرباحًا كبيرة [24]. عمل بعض الناس في شبكات تهريب معينة، كسائقي شاحنات ينقلون الوقود إلى سورية. لذلك، غالبًا ما تكون أنشطة التهريب وسيلة للسكان المحليين في هذه المناطق الحدودية، الذين أهملتهم الدولة منذ فترة طويلة، للتخفيف من ظروفهم المعيشية المتدهورة عن طريق شراء سلع مهربة أرخص، أو الانخراط في هذه الشبكات.
2. التهريب أحادي الاتجاه من سورية إلى الأردن
تتم عمليات التهريب من سورية إلى الأردن عبر حدود مشتركة بطول (362) كم، حيث تحدد عوامل مختلفة اتجاه التهريب وأنواع البضائع والجهات الفاعلة المعنية. على عكس التهريب بين سورية ولبنان، فإن أحادية الاتجاه والاستثمارات الكبيرة في المخدرات غير المشروعة هما السمتان الرئيستان المحددتان للتهريب من سورية إلى الأردن. وذلك لسببين رئيسين مترابطين: الأول أن تهريب البضائع المشروعة من الأردن إلى سورية لا يُعدّ عملًا مربحًا بشكل عام، لأن الأردن ليس مركزًا للإنتاج أو التصنيع الزراعيين، والسلع الأردنية بشكل عام باهظة الثمن، بالنسبة إلى الغالبية العظمى من السوريين [25]، وبالتالي فإن الأردن في الغالب بلد عبور لواردات المنتجات الأجنبية إلى سورية، ويتضح هذا بالنظر إلى الإحصاءات الرسمية للتجارة المشروعة من الأردن إلى سورية، التي سجلت (98) مليون دولار و(69) مليون دولار، في عامي 2019 و2020 على التوالي [26]. والثاني أن الأردن، بالنسبة إلى المهربين الذين يسعون لتعظيم أرباحهم، هو مجرد بلد عبور للمخدرات غير المشروعة نحو المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج. فحقيقة أن حبة الكبتاغون تكلّف في المتوسط أقل من دولار واحد في سورية، وتباع بأكثر من (20) دولارًا أميركيًا في بعض دول الخليج (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) تجعل الاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر الأردن عملًا مربحًا للغاية [27].
على الأرض، تنطلق عمليات التهريب من سورية إلى الأردن، باستخدام طرق مختلفة ومتغيرة بسرعة من محافظتي السويداء ودرعا، حيث لا يتمتع النظام إلا بسيطرة ضعيفة، وحيث استشرت الفوضى وغياب القانون والعنف الإجرامي والسياسي بعمق. في محافظة درعا، أدى النموذج الذي تقوده روسيا لعودة النظام في 2018 إلى تفتيت أمني وتقطيع إقليمي (الأراضي). وفي محافظة السويداء، تواصل الجماعات المسلحة المحلية والعصابات الإجرامية منافسة النظام على السلطة. وبعيدًا عن كونها سهلة الاختراق، فإن الحدود السورية الأردنية مرسومة بشكل أفضل، ويمكن للسلطات الأردنية تأمينها بطرق أكثر فاعلية[28]. على الرغم من أن المراكز الحدودية السورية موجودة، فإن معدّاتها وتنسيقها غير فعالة إلى حدّ كبير، ولذلك تختار السلطة السورية الاعتماد على نظيرتها الأردنية، في مواجهة مهربي المخدرات المنظمين والمسلحين جيدًا.
في جنوب سورية، تضبط الفرقة الرابعة وحزب الله أنشطتهما غير المشروعة في ديناميكيات سلسلة التوريد والاعتماد على المتعاونين المحليين، الذين تتمثل مهمتهم في تنفيذ عمليات التهريب إلى الأردن. السعيُ لتأمين تدفقات الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها، مع تفويض أنشطة التهريب إلى الجهات الفاعلة المحلية، يخدم هدفين رئيسين: الأول أن الاعتماد على وكلاء محليين هو إحدى طرق العمل في المجتمعات المعادية. نظرًا لأن عملاء حزب الله والفرقة الرابعة غالبًا ما يكونون محليين ينحدرون من مجتمعات عشائرية وعائلية في محافظتي درعا والسويداء، وهم قادرون جيدًا على العمل بحرية وعلى إخفاء أنشطتهم غير القانونية، وحين يُكتشَف العملاء المحليون، فإنهم هم الذين يعاقبون. في محافظة درعا، على سبيل المثال، اغتيل أو جرِح كثير من الأفراد الذين حُددِوا على أنهم متعاونون وتجار مخدرات، وتجاهلوا النداءات لإنهاء أنشطتهم غير القانونية بشكل انتقائي، بدلًا من عناصر حزب الله. والهدف الثاني أن العملاء المحليين يمنحون النظام السوري ميزة الإنكار المعقول، لا سيما تجاه السلطات الأردنية. ويبدو أن ما يكمل هذه الاستراتيجية هو تقارير النظام المتكررة عن إحباط عمليات التهريب من سورية إلى الأردن [29]. وفقًا لقائد سابق للمتمردين من درعا، فإن هذا النهج “هو مسرحية سخيفة، هدفها أن تُثبت للأردن أن سورية تعاني انتشار المخدرات” [30]. وعندما أكّدت المملكة صراحة تورّط جهات تابعة للدولة في أنشطة التهريب، كان المتهمون بالتعاون مع المهرّبين هم مخافر الشرطة السورية [31]، وليس الفاعلين الرئيسين.
تعمل الحوافز الاقتصادية والحمائية التي تقدّمها الفرقة الرابعة وحزب الله على جذب ودمج أنواع عدة من الفاعلين المحليين في شبكات التهريب. المجموعات البدوية في السويداء والمتمردون الذين تحوّلوا إلى متعاونين مع النظام في درعا هما فاعلان رئيسان متورطان في التجارة غير المشروعة عبر الحدود، من جنوب سورية إلى الأردن. وفي محافظة السويداء، ينفذ المهربون البدو معظم عمليات التهريب غير القانونية [32]. البدو هم فاعلون مستقلون مشهورون بخبرتهم في التهريب وبمعرفتهم الطرق في الصحراء النائية وبالاستعداد الشديد للمشاركة في القتال ضد حرس الحدود في الصحراء. بالنسبة إلى البدو، تتطلب عملية التهريب الناجحة تكتيكات وتخطيطات. وبحسب كلمات أحد البدو من منطقة اللجاة، “في كثير من الأحيان، يشتت البدو الدوريات الحدودية الأردنية بشحنات صغيرة من الحشيش. الهدف هو توفير شحنات أكبر من الكبتاغون في أماكن أخرى بمرور سلس. انسوا تصريحات الجيش الأردني بخصوص إحباط عمليات التهريب. يمكنني أن أؤكد لكم أن عمليات التهريب الناجحة التي قام بها البدو في الأعوام الثلاثة الماضية لا تُعدّ ولا تُحصى” [33]. ووفقًا لمصدر محلي يراقب الحدود الجنوبية، يتلقى كل مهرب حوالي (5000) دولار أميركي، إذا نجح في توصيل شحنته من المخدرات إلى الأردن [34].
الخريطة (2): الحدود السورية الأردنية
في درعا، من ناحية أخرى، أدى وجود اللواء الثامن المدعوم من روسيا، في الجزء الشرقي من المحافظة، وعملياته ضد الجريمة المنظمة، إلى جعل تهريب البضائع غير المشروعة متركزة في موقعين رئيسين: الأول هو معبر نصيب/ جابر الحدودي، الذي أعيد افتتاحه رسميًا في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. الثوار السابقون الذين شرعوا في عمليات المصالحة وانضموا إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام هم الفاعلون الرئيسون الذين يسهّلون تهريب المخدرات عند المعبر الرسمي. عماد أبو زريق، القائد السابق للمتمردين في تنظيم جيش الثورة المنحلّ، هو مثال بارز لقائد متمرد متصالح انضم إلى فرع الأمن العسكري في درعا.
منح فرع الأمن العسكري (أبو زريق)، الذي يقود مجموعة من (60-70) مسلحًا، سلطة واسعة بغية تسهيل عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن. وأعلنت المملكة مرارًا أنها أحبطت عمليات تهريب عبر المركز الحدودي الرسمي، وفقًا لشخصية مقربة من أبو زريق، فإنّ “عدد عمليات تهريب المخدرات الناجحة التي خطط لها (أبو زريق) عبر معبر نصيب/ جابر لا تُحصى”[35]. يتمتع أبو زريق وغيره من قادة المتمردين السابقين في درعا بعلاقات قوية مع المتعاونين في الأردن. والمتعاونون من الجنسية السورية والأردنية مسؤولون عن استلام الشحنات ونقلها إلى الخليج العربي، عبر المملكة العربية السعودية. أما المجموعة الثانية من المواقع التي تنطلق منها عمليات التهريب، فهي خمس نقاط تجمّع قرب الحدود غربي درعا. في مناطق مثل تل شهاب والزامي وكويا، يعبر المتعاونون الحدود بمفردهم أو يستخدمون طائرات من دون طيار تحمل أكياسًا محشوة بالكبتاغون. وفقًا لبعض الروايات، فإن الاتفاقات، بين المهرّبين المحليين وأفراد من حرس الحدود الأردنيين، التي أبرمت بوساطة أطراف ثالثة، سمحت باستمرار عمليات التهريب إلى الأردن. وقال أحد المتمردين السابقين من الذين انضموا إلى الأمن العسكري: “إن حرس الحدود الأردنيين يغضّون الطرف عن عمليات تهريب المخدرات، في ساعاتٍ متفق عليها مسبقًا، مقابل مبالغ مالية” [36].
المخدّر الكمية المصادرة
حشيش 16,286 حقيبة/ (760) كغ
حبوب مخدرة (كبتاغون وترامادول) 15.443.707 حبة
مخدرات بودرة (ميثالين بلورات) 1998 غ
أنواع أخرى من المخدرات 10,369 كغ
الجدول 2: المخدرات المحظورة التي صادرتها القوات المسلحة الأردنية عام 2021
المصدر: Al-Authority TV37 [37]
بشكل عام، كان العنف هو الرد الرئيس للسلطات الأردنية لردع وكبح أنشطة التهريب عبر حدودها الشمالية. في عام 2020، على سبيل المثال، أعلنت القوات المسلحة الأردنية أنها أحبطت (361) عملية تهريب وتسلل [38]. وفي كانون الثاني/ يناير 2022، كان هناك تصعيد دراماتيكي للعنف في شمال الأردن، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات أمن الحدود الأردنية وخمس مجموعات، يتألف كل منها من نحو عشرة مهربين مخدرات. وفي 27 كانون الثاني/ يناير 2022، أعلن الجيش الأردني أنه أحبط عمليات تهريب المخدرات بالقرب من الحدود مع سورية، حيث أسفرت العملية عن مقتل (27) مهربًا وإصابة آخرين [39]. وإلى جانب ثمانية مهربين مفقودين، أشارت مصادر محلية في السويداء إلى أن عدد القتلى تجاوز عددهم (40) مهرّبًا [40]، وأن بعض الناجين تمكنوا من سحب بعض الجثث إلى الأراضي السورية. هذا العدد الكبير مهمّ، بالنظر إلى مقتل سبعة مهربين فقط على الحدود الأردنية في عام 2021. “مثل هذه الحوادث لن توقف عمليات التهريب إلى الأردن. فالبدو لن يستسلموا، بل على العكس من ذلك، إن هذه الاشتباكات ستُحفّز المهرّبين على أن يكونوا أكثر تنظيمًا وتجهيزًا واستعدادًا للقتال مع حرس الحدود. إذا رأى الضباط الأردنيون الأسلحة التي حصل عليها المهرّبون البدو في الحادث [كانون الثاني/ يناير 2022]؛ فسوف يدركون بسرعة أن الأسوأ لم يأت بعد” [41].
الخاتمة
ظهرت ديناميكيات جديدة لتنشيط عمليات التهريب بشكل متزايد في الأعوام القليلة الماضية، ولا سيما منذ بداية عام 2019. ومن أبرزها -من حيث الأرباح- تهريب الوقود من لبنان إلى سورية، بين تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وتشرين الأول/ أكتوبر 2021، والمنتجات غير القانونية (مثل الكبتاغون) إلى كل من لبنان والأردن. وسيطرت الفرقة الرابعة ورجال الأعمال التابعون لها، إلى جانب حزب الله، على عمليات التهريب من وإلى الأردن ولبنان، على الرغم من اختلاف أنواع الهيمنة ودرجاتها. يمتلك كلا الفاعلين سيطرة مباشرة على نقاط العبور غير القانونية على الحدود السورية اللبنانية، تسمح لهما بإدارة تدفق البضائع، ويعتمدان على الجهات الفاعلة المحلية على الحدود السورية الأردنية في أنشطة التهريب. في البداية، أدى توسع مشاركة الفرقة الرابعة وحزب الله في عمليات التهريب، إلى زيادة الأشكال الجديدة لتراكم رأس المال في وضع مزقته الحرب، وإلى تدمير الإنتاج الوطني في سياق الأزمة الاقتصادية (في كلّ من لبنان وسورية)، ثم أدى إلى إنشاء وتطوير شبكات تأثير ونفوذ جديدة، بالتعاون مع جهات فاعلة محلية معينة.
لمواجهة تصاعد أنشطة تهريب البضائع المشروعة وغير المشروعة، كانت السياسة الأكثر انتشارًا لمكافحة هذه الديناميكيات للسلطات اللبنانية والأردنية، والجهات الفاعلة الدولية مثل صندوق النقد الدولي والدول، هي الدعوة إلى مزيد من الإجراءات الأمنية وتعزيز أمن الحدود. وهذا في الأساس وصفة للفشل، ما لم يقترن بسياسات تعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الوطني، وفي المناطق الفقيرة والمهملة، من أجل توفير أشكال بديلة من العمالة وتحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين. يجب التركيز على تشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد في سورية والدول المجاورة، من أجل تقليل احتياجات السكان وتقليل الاعتماد على السلع المهربة (والمصدرة).
وهذا سيخلق فرص عمل للمجتمعات المحلية ويردعهم، أو على الأقل يردع قطاعات واسعة منهم، عن المشاركة بشكل مباشر وغير مباشر في أنشطة التهريب. الغالبية العظمى من الأشخاص المتورطين في أنشطة التهريب أو في شراء البضائع والسلع المهربة يفعلون ذلك بدافع الضرورة، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مع عدم وجود خيارات أخرى متاحة. ومع ذلك، فإن مثل هذه الحلول والتحسينات المتوقعة ممكنة فقط في سياق تدخل فيه البلاد عملية نحو شكل من أشكال الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو أمر بعيد عن الواقع في سورية.
*- الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز
اسم الدراسة الأصلي Smuggling between Syria and Lebanon and from Syria to Jordan: The Evolution and Delegation of a Practice
الكاتب جوزيف ضاهر وآخرون، Joseph Daher, Nizar Ahmad and Salwan Taha
مكان النشر وتاريخه Middle East Direction, Wartime and Post-Conflict in Syria Project، نيسان/ أبريل 2022
الرابط https://bit.ly/3tDTt2A
عدد الكلمات 4500
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
[1] – تُعرّف هذه الورقة “التهريب” بأنه النقل غير المشروع للبضائع والأشخاص عبر الحدود الوطنية.
[2] – تعود حالة الحدود السورية اللبنانية التي يسهل اختراقها إلى حقبة ما قبل الحرب. في عام 2008، أفاد فريق تقييم مستقل تابع للأمم المتحدة بأن الحدود كانت “قابلة للاختراق”، وأن تهريب الأسلحة والمنتجات الأخرى عبر الحدود بين البلدين مستمرٌ إلى حد ما.
Royce Hutson and Taylor Long, ‘Features of Smuggling in Wadi Khaled, Lebanon,’
Conflict, Security & Development, 11:4, (2011), p. 386-413.
[3] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع شخص متورط في تجارة تهريب النفط في منطقة القلمون، نيسان/ أبريل 2022.
[4] – صرّح مسؤول في حزب الله، في نيسان/ أبريل 2021، بأن التهريب من لبنان إلى سورية “جزء من عمل المقاومة، لأنه يساعد النظام السوري في مواجهة الحرب الاقتصادية التي تستهدفه”. فرانس 24، “الأكاديمي اللبناني المؤيد لحزب الله الشيخ صادق النابلسي: التهريب عبر الحدود اللبنانية السورية عمل شرعي للمقاومة”، MEMRI TV, 16 April 2021, https://bit.ly/3DGFxsr
[5] – على مدى عقود، كان السكان المحليون في وادي خالد يعتمدون أيضًا على حركة المرور غير القانونية عبر الحدود، لتلبية الاحتياجات الأساسية، من ضمن ذلك شراء المواد الغذائية ومواد البناء والأدوية والوقود.
[6] – في عام 2020، بيع ليتر الوقود بأقل من 0,2 دولار أميركي في لبنان (وفقًا لقيمة الليرة اللبنانية بسعر الصرف في السوق السوداء، في تلك الفترة)، في حين أن سعره بين 1,2 و2 دولارًا أميركيًا (ما يعادل 3000 و5000 ليرة سورية، بسعر الصرف الرسمي 2,512 ليرة سورية/ دولار أميركي) في السوق السوداء في سورية. مشتريات الوقود المهرب من لبنان تتم بالدولار الأميركي (أو بالليرة اللبنانية بسعر الصرف في السوق السوداء) من قبل المهربين السوريين.
[7] – الأخبار، “من أعطى المحافظ/ الحاكم (3,6) مليار دولار؟”، 24 أيار/ مايو 2021، https://bit.ly/3nMzkVp
[8] – معظم هذه الصهاريج هي عبارة عن شاحنات ذات (8) عجلات، وتراوح سعتها بين (20,000) و(25,000) ليتر. وهذا يمثل ما بين (2,000,000 و.2,500,000) ليتر من الوقود يتم تهريبها يوميًا.
[9] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع شخص متورط في أعمال تهريب النفط في ريف دمشق، آذار/ مارس 2022.
[10] – أحمد عابد وعلياء إبراهيم ومحمد بسيكي، “التهريب من لبنان إلى سورية: ماذا، لماذا، إلى أين؟”، دراج، 2 كانون الأول/ ديسمبر 2021، https://bit.ly/339yeMb
[11] – فؤاد الجميل، (2022)، “الواردات اللبنانية ترتفع بأكثر من 20 في المئة عام 2021 رغم الأزمة”، Orient le Jour, https://bit.ly/3xea0gq
[12] – Lira Rate, https://bit.ly/3u4V6XI, consulted 3 April 2022
[13] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع شخص متورط في أعمال تهريب النفط في ريف دمشق، آذار/ مارس 2022.
[14] – هذان النائبان هما طارق المرعبي ووليد بَعريني من تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، وأسعد درغام من التيار الوطني الحر المحسوب على الرئيس عون.
[15] – 5 يُطحن القمح المستورد والمحلي ويُحوّل إلى دقيق في عشرات المطاحن اللبنانية. (50,000) طن متري من القمح تكفي لإنتاج ما يقل عن (40,000) طن من الدقيق. ارتفع حجم استيراد القمح من (600) ألف طن عام 2020 إلى (630) ألف طن عام 2021، بنسبة زيادة قدرها (5) في المئة. ريتشارد سلامة، “آخر دعم قائم: دعم القمح في لبنان لا يزال قائمًا، لكن هل ينجح؟” ’ L’Orient Today, 19 January 2022, https://bit.ly/3rGj1KE
[16] – Julien Ricour Brasseur, ‘Wheat Imports to Lebanon: An Update on the Impact of the Russian-Ukrainian Conflict,’ (in French) , Orient le Jour, https://bit.ly/3N4IWpg
[17] – Abby Sewell, ‘Debts and Stocks Pile Up as Saudi Produce Ban Strangles Lebanon’s Gulf Exports,’ L’Orient Today, 14 September 2021, https://bit.ly/3Fzn3tu
[18] – في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحوّل تصنيع الكبتاغون تدريجيًا من جنوب شرق أوروبا وتركيا إلى سورية. تضاعفت مضبوطات الكبتاغون في سورية بين عامي 2007 و2009 لتصل إلى 22 مليون قرص، بينما تم اكتشاف معمل الكبتاغون في البلاد في عام 2006. وكان الدافع وراء الارتفاع هو التطور الهائل في الطلب على الأدوية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. انظر:
Matt Herbert, ‘Partisans, Profiteers, and Criminals: Syria’s Illicit Economy,’ The Fletcher Forum of World Affairs, 2014, Vol. 38, no. 1: 73–74.
[19] – تصنَع حبوب الكبتاغون في مصانع معظمها في منطقة القلمون الغربي وريف دمشق الغربي وريف حمص واللاذقية.
[20] – في نيسان/ أبريل 2021، صادرت السلطات السعودية أكثر من (5) ملايين حبة كبتاغون في شحنة رمّان قادمة من لبنان. فرانس 24، “المملكة العربية السعودية تقول إنها اتخذت إجراءات صارمة بخصوص عقار الكبتاغون غير القانوني”، 2 آذار/ مارس 2022، https://bit.ly/364EjdS
[21] – ربما أصبح الكبتاغون أهم مصدر للعملة الأجنبية في سورية.
[22] – “الإسكوا”، “الفقر متعدد الأبعاد في لبنان (2019-2021)،” الواقع المؤلم والآفاق غير المؤكدة، “أيلول/ سبتمبر 2021، https://bit.ly/3nAPukF
[23] – التنسيق المشترك بين الوكالات في لبنان، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، برنامج الغذاء العالمي، يونيسف “سبل العيش والدخل”، 2021، https://bit.ly/3K7uAm5 . خلص تقرير نُشر في كانون الثاني/ يناير 2022 إلى أن أكثر من نصف العائلات اللبنانية التي شملها الاستطلاع في محافظتي عكار وبعلبك-الهرمل تكافح لإعالة أطفالها، مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية. أنقذوا الأطفال، “أعداد متزايدة من العائلات اللبنانية غير القادرة على توفير الغذاء والتعليم لأطفالهم”، 26 كانون الثاني/ يناير 2022، https://bit.ly/3K3qITj
[24] – شربل خوري، لبنان: انفجار عكار يسلط الضوء على تهريب الوقود، درج، 15 آب/ أغسطس 2021، https://bit.ly/3twb8tR
[25] – يمتلك الأردن أحد أعلى تكلفة لسلة الغذاء بالدولار الأميركي في الشرق الأوسط، إلى جانب تركيا. برنامج الغذاء العالمي، “تحليل السوق الإقليمي، الاتجاهات الاقتصادية عبر تحديث منطقة تحليل السوق الإقليمي، 10 شباط/ فبراير 2022، https://bit.ly/3KkkmPi
[26] – 6 UN Comtrade, 2022, https://bit.ly/3jkjFtr
[27] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع ناشط محلي من درعا، آذار/ مارس 2022.
[28] – أدت سيطرة الأردن الصارمة على الحدود بعد إعادة فتحها في نهاية عام 2018، على سبيل المثال، إلى تقليص التجارة الصغيرة من سورية إلى الأردن، وأثر ذلك بشكل خاص على المناطق الحدودية الأردنية، مثل إربد والرمثا والمفرق، التي استفادت من التبادلات الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية. بين البلدين قبل الحرب.
[29] – سانا، “السلطات المختصة في درعا تحبط تهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى خارج البلاد” (باللغة العربية)، 29 كانون الأول/ ديسمبر 2021، https://bit.ly/3sPLQGj ؛ سانا، “إحباط تهريب كميات من مادة الكبتاغون الموجهة للحدود الأردنية”، 20 كانون الثاني/ يناير 2022، https://bit.ly/3tG1F1w
[30] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع قيادي سابق للمتمردين من درعا، آذار/ مارس 2022.
[31] – الوطن، الجيش الأردني يؤكد تعاون البؤر السورية مع المهربين، 17 شباط/ فبراير 2022، https://bit.ly/3pHQ9li
[32] – مرعي الرمثان، يعيش في قرية الشعب بالقرب من الحدود، زعيم عشائري معروف بعلاقاته الوثيقة مع حزب الله، هو مثال بارز لشخصية بدوية نظمت مجموعات تهريب، ولديها سجل ناجح في عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن.
[33] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع بدوي من منطقة اللجاة، شباط/ فبراير 2022.
[34] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع ناشط محلي من السويداء، شباط/ فبراير 2022.
[35] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع قائد سابق للمتمردين من درعا، شباط/ فبراير 2022.
[36] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع قائد سابق للمتمردين من تل شهاب، شباط/ فبراير 2022
[37] – قناة المملكة، “القوات المسلحة: إحباط 361 عملية تسلل وتهريب العام الماضي”، 2 كانون الثاني/ يناير 2022 ، https://bit.ly/3udS7MK
[38] – المصدر السابق.
[39] – بترا، القوات المسلحة: إحباط عدة محاولات تسلل وتهريب، مقتل 27 مهربًا، 27 كانون الثاني/ يناير 2022، https://bit.ly/3wtfBz9
[40] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع ناشط محلي من درعا، شباط/ فبراير 2022.
[41] – مقابلة عبر برنامج (سكايب) مع أحد البدو من اللجاة، شباط/ فبراير 2022.
مركز حرمون
————————-
====================
تحديث 20 حزيران 2022
—————————
تصعيد روسي إسرائيلي في سوريا.. الاحتمالات والخفايا/ شيلان شيخ موسى
في خضم التحديات بين القوى الدولية والإقليمية في سوريا، واستمرار الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، والتي اتخذت منعطفا جديدا مؤخرا، تروج روسيا على ما يبدو لعزمها اتخاذ خطوة غير مسبوقة تجاه إسرائيل، فوفق هيئة إعلامية إسرائيلية، فإن روسيا تعد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، لإدانة الهجوم الإسرائيلي الأخير على مطار دمشق الدولي.
واستهدف الطيران الحربي الإسرائيلي، آنذاك، عددا من المواقع جنوبي العاصمة السورية دمشق، ما أسفر عن إصابة شخص، وذلك في القصف الثاني من نوعه على المنطقة منذ مطلع حزيران/يونيو الجاري.
وتصاعدت وتيرة القصف الإسرائيلي على مواقع في دمشق، حيث أكدت وسائل إعلام محلية، قصف القوات الإسرائيلية مبنى الصالة الثانية لمطار دمشق الدولي وتسبب بأضرار مادية، ونتيجة لهذه الأضرار تم تعليق الرحلات الجوية القادمة والمغادرة عبر المطار حتى إشعار آخر، كما وأدى أيضا لتعطيل حركة الاستيراد والتصدير التي تعتمد في بعضها على الشحن الجوي، ولاسيما في الشحنات “الخفيفة” والمستعجلة.
قد يأتي الإجراء الروسي الجديد تجاه إسرائيل في مجلس الأمن على خلفية توقيع اتفاقية بين إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي لتزويد الأخير بالغاز الطبيعي، مما يجعل خيار الاعتماد الأوروبي على روسيا في مجال الطاقة ضئيلا.
في ضوء ذلك تثار تساؤلات حول مدى احتمالية حدوث تصعيد روسي إسرائيلي في سوريا، وكذلك حول الأسباب التي تدفع روسيا لأن تتخذ مثل هذه الخطوة، خاصة وأن هناك تنسيق مسبق بين الجانبين بخصوص الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، كما يجدر التساؤل حول التوقعات التي قد يشهدها الملف السوري خلال الفترة المقبلة، وسط توترات سابقة بين الجانبين الروسي والإسرائيلي.
سيناريوهات مختلفة
في سياق التصعيد بين الجانبين الروسي الإسرائيلي، قالت هيئة البث الإسرائيلية “كان”، إن روسيا تعد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، لإدانة الهجوم الإسرائيلي الذي تسبب بخروج مطار دمشق الدولي عن العمل، قبل أكثر من أسبوع.
وأردفت “كان”، اليوم الأحد، أن “مسودة القرار اعتبرت أن الضربة الإسرائيلية تخالف القانون الدولي، وتقوض الاستقرار الإقليمي، وتنتهك السيادة السورية وسيادة الدول الأخرى، في إشارة إلى المجال الجوي الذي انطلق منه الهجوم”.
من جانبهم، أكد مسؤولون إسرائيليون، أن روسيا تعمل على القرار لكنهم شككوا في أنه سيحصل على دعم كاف لتمريره. ضمن هذا الإطار، يرى المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، أن “توتر العلاقات الإسرائيلية الروسية بدأ عقب اتهام وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، فيما زادت حدة التوتر في الأيام الماضية إثر تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف”.
ووفق اعتقاد المحلل السياسي الروسي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، فإن “العلاقات الروسية الإسرائيلية تمر بمراحل مختلفة، كما هو الحال بالنسبة للعلاقات الروسية التركية بسبب اختلاف وجهات النظر والسياسات الخارجية للدول”.
وأضاف بريجع في حديثه، بأن “هناك سيناريوهات كثيرة للتعاون الروسي الإسرائيلي في الملف السوري؛ أولا إسرائيل وروسيا يمكنهما العمل في الملف السوري بغض النظر عن وجهة النظر المختلفة للبلدين فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. ثانيا يمكن أن تقوم روسيا بتغيير وجهة نظرها حول دور إيران في سوريا، لأن هناك تصادما بالأساس بين رؤية موسكو ورؤية طهران المختلفتين للملف السوري”.
وخلص بريجع حديثه بالقول: “برأيي أن انتخابات الكونغرس الأميركي و تأثير الصراع الروسي الأوكراني على القرارات الدولية يمكن أيضا أن تؤثر على العلاقات الروسية الإسرائيلية، لأن إسرائيل ليست بعيدة عن السياسات الدولية وقرارات الولايات المتحدة الأميركية التي تؤثر على سياسات وقرارات الدول الأخرى”.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، قد استدعى السفير الإسرائيلي في موسكو، ألكسندر بن تسفي، للتعبير عن قلق موسكو بشأن الغارة على مطار دمشق، منوّها إلى أن التبرير الإسرائيلي بخصوص الضربة “غير مقنع”، وأن موسكو تتوقع إيضاحات إضافية.
أسباب التصعيد المرجحة
وسعت أوروبا مؤخرا، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لتقليل اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا، إزاء ذلك وقعت كل من إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء الماضي، اتفاقية لتزويد الاتحاد بالغاز الطبيعي.
وقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، في تغريدة على منصة “تويتر”، إنه تم توقيع اتفاقية مع مصر والاتحاد الأوروبي لتزويد الأخير بالغاز الطبيعي الإسرائيلي.
في الإطار ذاته، تعمل إسرائيل جاهدة لتكون قادرة على تصدير بعض موارد الغاز البحرية الضخمة إلى أوروبا التي تسعى للاستغناء عن مشترياتها من الوقود الأحفوري الروسي.
وإزاء هذه الاتفاقية، بين مصر وإسرائيل والدول الأوروبية، تثار عدة تساؤلات حول تدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية في سوريا، خاصة بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا والإدانات الروسية حيال ذلك.
وبحسب مراقبون، طالما أن التوتر بين الطرفين لا يزال محدودا وفي إطار التصريحات والادانات السياسية فقط، فإنه من المرجح ألا يخرج إلى مستويات أعلى من ذلك، وبالتالي قد لن تحدث تطورات وتصعيدات أكبر من الأطر السياسية، ولا شك أن إسرائيل تناور بين الطرفين، فهي تحاول الحفاظ على مصالحها من خلال استمرار دعمها من الغرب، وفي نفس الوقت لديها مصلحة كبيرة مع روسيا في سوريا، وهذا ما يرجح أن تبقي إسرائيل توازنها مع الطرفين قدر المستطاع.
لكن محللون آخرون يرون أن مسارات تغيير المواقف والخطط الاستراتيجية ممكنة في سوريا في أي لحظة، طالما أن التوترات مستمرة على الساحتين الدولية والإقليمية. لا شك أن هذه التصادمات الدولية لا يدفع ثمنها إلا السوريين، وسط رفض حكومة دمشق المضي لتفعيل القرار الدولي 2254 وتعنتها في إحداث أي سبل حل سياسي جاد.
——————–
تحركات مريبة للروس في الجنوب السوري.. ماذا تريد موسكو؟/ عاصم الزعبي
تحركات روسية مريبة برزت مؤخرا صوب مناطق حدودية في الجنوب السوري، فبعد احتكاكات سابقة بين القوات الروسية وبين فصيل “مغاوير الثورة” المعارضة المدعوم من قبل “قوات التحالف الدولي” قرب قاعدة “التنف”، تعرضت مقرات تابعة للفصيل على الحدود السورية العراقية الأردنية، لهجوم جوي، الأربعاء الماضي، في تطور يثير التساؤلات حول معاني هذه الأهداف ويثير التساؤلات حول ما تريده موسكو من هذا القصف، والرسائل التي تريد توجيهها.
ما الذي جرى؟
مدير المكتب الإعلامي لـ”مغاوير الثورة”، قال في حديثه لموقع “الحل نت”، إنه “يوم الأربعاء الخامس عشر من الشهر الجاري، تعرضت إحدى النقاط التابعة لـ”جيش مغاوير الثورة”، لاعتداء من قبل طيران حربي، ووقع الاعتداء بعد صواريخ استهدفت نقطة حوش مطرود الواقعة على حدود منطقة الـ55 كم”.
وأضاف أن هذا الهجوم ليس له أي مبرر في هذا الوقت، مشيرا إلى أن الأضرار كانت مادية فقط، ولم يصب أي من عناصر الفصيل، ومؤكدا أن دوريات الفصيل المشتركة مع الأميركيين مستمرة وبشكلها الاعتيادي في المنطقة.
مصدر خاص، أوضح لـ”الحل نت”، أن الهجوم استهدف بوابة النقطة التابعة لـ”مغاوير الثورة”، مشيرا إلى أنهم كانوا على علم مسبق بالهجوم، ما دفعهم لإخلاء النقطة قبل حدوثه بوقت كافي.
من جهة ثانية، وفي سياق متصل، قالت مراسلة “بي بي سي” نفسية كوهنورد، في تغريدة لها عبر تويتر في السادس عشر من الشهر الحالي، أن القصف جاء ردا على قيام عناصر من “جيش مغاوير الثورة” بزرع قنبلة في أحد الطرق تسببت بقتل وجرح عدد من الجنود الروس مؤخرا، فيما أشارت شبكة “سي إن إن” الأميركية، إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أن ذلك لم يحدث، وأن الروس زعموا ذلك كسبب لشن غارات جوية.
تحذير من تصادم روسي أميركي
ويوم السبت الماضي علّقت القيادة الأميركية، على الغارات الجويّة الروسية على مواقع “مغاوير الثورة”.
وقال الجنرال إيريك كوريلا وهو قائد القيادة الأمريكية الوسطى، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أميركية، إن “الولايات المتحدة تسعى لتجنب أي خطأ في الحسابات أو خطوات من شأنها أن تؤدي إلى نزاع غير ضروري في سوريا”.
واعتبر كوريلا بأن تصرفات روسيا كانت استفزازية وتصعيدية في إشارة إلى الغارة الروسية على منطقة التنف، التي جرت يوم الأربعاء الماضي.
وكانت نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن مسؤولين أميركيين، أن “روسيا شنت غارة على مواقع في منطقة التنف، بعد إبلاغها القيادة الأمريكية بالغارة عبر قناة الاتصال التي تم إطلاقها منذ سنوات”.
وبحسب المسؤول، فإن “الغارة استهدفت مقاتلين سوريين محليين بعملون تحت مظلة الجيش الأميركي، وأن الغارة نفذت كردا على هجمات ضد النظام السوري”.
وأوضح المسؤول وقتها أن طائرتين روسيتين من نوع “سو 35” وطائرة أخرى من نوع “سو 24” ضربت موقعا عسكريا في “التنف”.
المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هذه التوترات محدودة فعليا، وأن روسيا في الواقع لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة في سوريا بطرق تقليدية، لهذا فإن مثل هذه التحركات تعطي انطباعات عن وجودها وقدرتها دون تكلفة حقيقية.
قد يهمك:قاعدة التنف الأميركية: هل ستتدخل واشنطن ضد الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري؟
ما هي الرسالة من القصف؟
شبكة “سي إن إن” الأميركية، نقلت عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله، إن الروس قد حققوا، على الأرجح، هدفهم المتمثل في إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن بإمكانهم الهجوم دون القلق من الانتقام.
وفي هذا السياق، أوضح السبايلة، أن القصف الروسي محاولة لإرسال رسالة واضحة مفادها أن تغيير الأولويات بالنسبة لروسيا، قد لا يؤثر على تغيير مناطق النفوذ لديها، في إشارة منها للانسحابات الروسية الأخيرة على الأرض.
تخوف روسي من تحركات في الجنوب؟
مؤخرا ونتيجة لطول أمد الغزو الروسي لأوكرانيا انسحبت روسيا من العديد من المناطق في الجنوب السوري، وخاصة من محافظة درعا، وبعيد هذه الانسحابات بدأت عدة مجموعات من الميليشيات الإيرانية بتكثيف تواجدها في الجنوب وخاصة على الحدود الأردنية، وفي منطقة اللجاة وبادية السويداء على الطرق المؤدية للحدود الأردنية من جهة، ولقاعدة “التنف” من جهة أخرى.
التحركات الإيرانية، أثارت موجة من التصريحات خاصة من الأردن، التي عبر ملكها عبدالله الثاني عن القلق من الانسحابات الروسية من الجنوب، وحلول الميليشيات الإيرانية مكانها، إضافة لتصريحات مسؤولين أردنيين آخرين أشارت لوجود حرب حقيقية مع هذه الميليشيات، ولكن روسيا لم تبد أي ردود أفعال واضحة حول هذا الموضوع مكتفية بالقول أنها موجودة وقادرة على التحرك في الجنوب، وقامت لمرة واحدة بتسيير دورية في مناطق لا تتواجد فيها الميليشيات بالأصل، بحسب معلومات خاصة لـ”الحل نت”.
عامر السبايلة يرى، أن روسيا معنية بشكل أساسي بنفوذها في الساحل السوري وقاعدة “حميميم”، ولكنها تحاول القول أنها تملك القدرة لمناكفة الأميركيين في مناطق مختلفة من سوريا، من خلال توجيه ضربات لمصالحهم بنفس الطريقة التي استهدفت فيها مواقع “مغاوير الثورة”.
وكان “الحل نت”، حصل في وقت سابق على معلومات حول النقاط التي انسحب منها الروس، وأبرزها القاعدة العسكرية الروسية في بلدة “موثبين” في ريف درعا الشمالي، والتي تعتبر القاعدة الأهم لروسيا في الجنوب السوري، فهي تقع قرب بلدة “موثبين” الاستراتيجية القريبة من مدينة الصنمين، والتي تشرف على كل من طريق دمشق درعا القديم، واوتستراد دمشق درعا الدولي، والتي أنشأها الروس في تموز/يوليو 2017، إضافة لتواجدهم في نقاط ومقرات أخرى.
كما انسحب الجزء الأكبر من القوات الروسية من مدينة إزرع ولم يتبق فيها إلا عدد بسيط من الشرطة العسكرية، و انسحبت بشكل كامل من مقرهم المتواجد في الفيلق الأول على أتستراد دمشق السويداء في بلدة المسمية التابعة إداريا لمحافظة درعا.
تحصينات إيرانية في الجنوب
معلومات حصل عليها “الحل نت”، من مصادر محلية في درعا، أكدت أن تعزيزات لواء “أبو الفضل العباس” و”حزب الله اللبناني”، التي وصلت مؤخرا للمحافظة، بدأت بتحصين مواقعها بالقرب من الحدود الأردنية، كما بدأت بمنع المزارعين من الوصول لأراضيهم في منطقة “الرحية” الزراعية في جنوب شرق درعا البلد، إضافة لتحصينات قرب قاعدة الدفاع الجوي قرب درعا البلد.
كما شملت التحصينات مخافر حدودية في بلدات تل شهاب وخراب الشحم، بحسب المصادر التي أشارت إلى أن هذه الميليشيات تقوم بحفر أنفاق في المنطقة، دون أن يتضح بعد الهدف منها إن كانت لتهريب المخدرات، أو لتخزين السلاح.
————————-
إيران تعزز نفوذها في الجنوب السوري … شبكة أنفاق وتحصينات على الحدود مع الأردن
على الرغم من التحذيرات الشديدة التي أطلقها الأردن، مؤخراً، بسبب خشيته من قيام إيران بملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الروسية في حال انسحابها من منطقة الجنوب السوري، وانعكاس ذلك على سياسة الأردن إزاء دمشق، تواصل الميليشيات الإيرانية نشاطاتها المشبوهة في المنطقة غير عابئة بتأثيراتها السلبية على العلاقة بين دمشق وعمان. وكان آخر هذه النشاطات قيام ميليشيات محسوبة على إيران بإنشاء تحصينات عسكرية في مناطق قريبة من الحدود الأردنية – السورية شملت حفر سلسلة من الأنفاق التي يمكن استخدامها لأغراض متنوعة.
وقد شرعت الميليشيات الإيرانية بحفر أنفاق وعمليات تحصين للمواقع التي انتشرت بها مؤخراً في محافظة درعا، على الحدود السورية مع الأردن.
وبدأت عمليات التحصين منذ مطلع الشهر الجاري، بالتزامن مع منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في منطقة الرحية الزراعية، أقصى جنوب شرقي درعا البلد.
وجرى حتى الآن، تحصين مواقع الميليشيات قرب القاعدة الجوية غرب جمرك درعا القديم، وبعض المخافر الحدودية في المنطقة، بالقرب من بلدة تل شهاب وبلدة خراب الشحم.
وترجح مصادر إعلامية سورية معارضة أن يكون الهدف من هذه التحصينات هو حماية عمليات التهريب التي تنطلق من المنطقة باتجاه الأراضي الأردنية، بخاصة أن الميليشيات الإيرانية التي انتشرت في المنطقة مؤخراً، منعت مجموعات الأمن العسكري والفرقة الرابعة من أبناء المنطقة من التمركز في تلك النقاط، وعهدت إلى قادة ميليشياتها بالإشراف المباشر عليها، وفق ما ذكر موقع “تجمع أحرار حوران” الذي يتابع أخبار المنطقة الجنوبية ويتخذ من العاصمة الأردنية عمّان مقراً له.
وفي مطلع الشهر الجاري، أرسلت الميليشيات الإيرانية، تعزيزات عسكرية جديدة إلى محافظة درعا، وتوزعت في ما بعد على طول الشريط الحدودي بين سوريا والأردن.
وأفاد مصدر محلي أن مجموعات من الفرقة الرابعة وميليشيا “حزب الله” اللبناني و”لواء فاطميون” وصلت إلى درعا قبل أيام قادمة من دمشق، مشيراً إلى أن تحركها كان ليلاً تجنباً لرصدها واستهدافها من قِبل إسرائيل، بحسب ما نقلت شبكة “نداء سوريا” في تقرير لها.
وأوضح المصدر أن التعزيزات تتضمن آليات وسيارات مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وتم توزيع عناصرها على المخافر الحدودية مع الأردن، بلباس جيش النظام، كما تم منع عناصر “التسويات” من التواجد في مناطق انتشار الميليشيات.
كما عززت قوات الجيش السوري مواقعها بالقرب من الحدود السورية – الأردنية بآليات ثقيلة.
وجاءت الخطوة الإيرانية هذه بعد تصاعُد التصريحات الأردنية خلال الأيام القليلة الماضية ضد قوات من الجيش السوري وحلفائه جراء تواصل عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين.
ووجهت تلك التصريحات التي صدرت بداية عن ضباط من قادة الصف الأول في الجيش الأردني ومن ثم الملك شخصياً، اتهامات مبطنة إلى دمشق بالتواطؤ مع الميليشيات الإيرانية وفتح المجال أمام عمليات التهريب التي تشهدها المنطقة، والتي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الأردن، إذ لا يكاد يمضي يوم من دون ضبط شحنة مخدرات قادمة من الأراضي السورية، ما دفع الأردن إلى فرض قواعد جديدة للاشتباك وإعلان النفير شبه الدائم في المنطقة الشمالية على طول خط الحدود مع سوريا.
وتعيش منطقة الجنوب السوري بين رهانين متناقضين، يذهب الأول منهما إلى أنه ليس بمقدور إيران الاستفادة من تداعيات الحرب الأوكرانية وامتداداتها بهدف إحداث تغييرات جذرية في المشهد السوري، وأنه سيكون على إيران عاجلاً أم آجلاً إخلاء الجنوب السوري. بينما يذهب الرهان الثاني إلى أن إيران بدأت بالفعل في استثمار الحرب الأوكرانية عبر بوابة الجنوب السوري من خلال الخطوات التي اتخذتها مؤخراً لتوسيع نفوذها في المنطقة والتي شملت إرسال تعزيزات ضخمة إلى محافظة درعا، وإنشاء كتائب جديدة لتكون بمثابة أداة لها في تكريس نفوذها الجديد وهو ما يجسده على سبيل المثال تأسيس طهران ميليشيا كتائب الإمام في الجنوب السوري قبل أسابيع قليلة.
ويعتقد مراقبون للمشهد السوري أن ما تقوم به إيران من تحصينات وحفر شبكة أنفاق على الحدود السورية – الأردنية يعكس مدى قلق طهران من وجود تحركات خفية يجري التجهيز لها لتغيير واقع المنطقة.
وفي هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم “تجمع أحرار حوران”، أبو محمود الحوراني في تصريحات صحافية قبل اسبوع، إن “التصريحات الأردنية الرسمية وازدياد الحديث عن الجنوب السوري يشير إلى وجود تحركات ما قد تأتي عبر الحدود أو عبر قاعدة التنف”. وأضاف الحوراني أنه لهذا السبب “قامت إيران بالتحرك بشكل استباقي في الجنوب ضمن محافظاته الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء، تحسباً لمثل هذه التحركات”.
وتعمل إيران حالياً، بحسب الحوران، باتجاهين في آن واحد، الأول في حال حصلت عمليات اقتحام تكون قد أكملت سيطرتها على درعا على الأرض، والثاني تكون قد نشرت المئات من العناصر على الحدود الأردنية استباقاً لأي تحرك عسكري ضدها من خارج الحدود
النهار العربي
—————————–
====================