الشمال السوري من شرقه إلى غربه
مايكل يونغ
يناقش أرميناك توكماجيان، في مقابلة معه، التعقيدات التي تميّز الحدود السورية مع تركيا.
أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، تتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والصراع، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سورية. شارك مؤخرًا مع خضر خضّور في وضع دراسة لكارنيغي بعنوان Border Nation: The Reshaping of the Syrian-Turkish Borderlands دولة الحدود: إعادة تصوُّر الأراضي الحدودية السورية التركية. أجرت “ديوان” مقابلة مع توكماجيان أواخر نيسان/أبريل لمناقشة هذه الدراسة.
مايكل يونغ: نشرت مؤخرًا دراسة مع خضر خضّور بعنوان “دولة الحدود: إعادة تصوُّر الأراضي الحدودية السورية التركية”. ما الفكرة الأساسية التي حاولتما إيصالها إلى القرّاء؟
أرميناك توكماجيان: خلال العقد الفائت، أدّى الصراع السوري إلى تقسيم شمال سورية إلى ثلاث مناطق شبه مستقلة ذاتيًا: الشمال الشرقي حيث يفرض أحد فروع حزب العمال الكردستاني سيطرته، وتعتبره أنقرة عدوًا لها؛ والوسط حيث تخضع ثلاثة كانتونات لتأثير تركي قوي؛ وإدلب في الشمال الغربي، التي تحكمها مجموعة إسلامية محلية هي هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة أو كانت مرتبطة به. ثمة أنماط اجتماعية واقتصادية مختلفة في هذه المناطق. ففيما تختلف هياكل الحكم المحلية في إدلب والكانتونات الثلاثة الخاضعة لسيطرة تركيا، يبقى أن هذه المناطق مرتبطة اجتماعيًا واقتصاديًا بمحافظات حدودية تركية، مثل شانلي أورفة وغازي عنتاب وكيليس وريحانلي. أما المنطقة الواقعة في شمال شرق البلاد، والخاضعة لسيطرة الأكراد، فتفصلها عن تركيا حدود صلبة.
تعترف الدراسة بهذه الاختلافات، لكنها تجادل على الرغم منها بأن الشمال السوري غير الخاضع إلى سيطرة نظام الأسد يرتبط إلى حدّ كبير بسياسات تركيا الحدودية، ويتداخل مصيره مع أمن الحدود التركية السورية. من هذا المنطلق، يُعتبر الشمال السوري بأكمله جزءًا من منظومة سياسية-أمنية واحدة. بعبارة أخرى، قد تختلف الأنظمة الاجتماعية وأنماط الحكم بين القامشلي وإدلب، لكن أي عملية عسكرية تُشنّ في إدلب ستؤدي إلى تداعيات في شمال شرق البلاد، والعكس صحيح، إذ إن المنطقة الحدودية بأكملها جزء من إطار أمني واحد. ويعني ذلك أن أي حل مستدام (وهذا لا يبدو وشيكًا) لا يمكن أن يسود إلا إذا توصلت سورية وتركيا، وحلفائهما، إلى تفاهم جديد حول وضع الأراضي الحدودية بأكملها.
يونغ: كيف تغيّر المجتمع السوري في المنطقة الحدودية مع تركيا خلال العقد الماضي، وهل من الممكن برأيك أن يعود الوضع هناك كما كان عليه قبل انتفاضة العام 2011؟
توكماجيان: لا يمكن حتمًا العودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل العام 2011. فالتحولات التي شهدناها خلال العقد الماضي هائلة، وتُعتبر العوامل الاقتصادية والديموغرافية مثالًا على ذلك. لقد دُمّرت وهُمّشت حلب التي كانت الشريان الاقتصادي لشمال سورية، وسيستغرق إعادة بناء المدينة سنوات طويلة. وبات النظام الاقتصادي لشمال غرب البلاد يعتمد في زمن الحرب على التجارة مع تركيا أو عبرها، لذا شهدنا في هذا السياق نشوء مراكز اقتصادية قريبة من الحدود مع تركيا مثل سرمدا وأعزاز.
كذلك، شهدت المنطقة تحولات هائلة على الصعيد الديموغرافي. فقد أسفرت أعمال العنف عن نزوح الملايين داخل سورية، وهجّرت كثيرين إلى خارج البلاد. على سبيل المثال، يشكّل النازحون داخليًا حوالى نصف سكان الشمال الغربي غير الخاضع للنظام. وتستضيف إدلب عددًا كبيرًا من سكان حلب ودير الزور والجنوب السوري. علاوةً على ذلك، ثمّة حالات عدّة من الهندسة الديموغرافية التي طبّقتها جهات سياسية على طول الحدود. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أن تركيا تستضيف حوالى 3.7 مليون لاجئ سوري، يعيش أقل من 60 في المئة منهم بقليل على مقربة من الحدود السورية. ولا شكّ أن لهذه التغيّرات تأثيرات دائمة بغضّ النظر عن المسار الذي سيسلكه النزاع.
يونغ: ما مدى نجاح أو فشل السياسة التركية في المناطق الحدودية التي تسيطر عليها؟ وهل تمكّن الأتراك من تحقيق أهدافهم ضدّ قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، التي يعتبرونها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني؟ وهل أنشأوا نظامًا اقتصاديًا قابلًا للحياة هناك؟
توكماجيان: لقد حققت سياسات تركيا الحدودية نجاحًا مختلطًا. فقد تمكّنت أنقرة من تأمين حدودها من خلال بناء جدار فاصل وإدارة المعابر الحدودية عن كثب. وولّدت تدخلاتها العسكرية ودعمها الاقتصادي نوعًا من منطقة عازلة تحمي حدودها الخاصة. وحالت هذه السياسات مجتمعةً دون حدوث تدفّق كبير وغير منضبط للأشخاص نحو تركيا. وفي الوقت نفسه، ساهمت الأهمية التي تعيرها تركيا لأمن الحدود، وتدخلها العسكري، ورفضها المطلق استقبال لاجئين جدد، في منح النظام السوري وروسيا أداة قيّمة للضغط على أنقرة عند الحاجة. إضافةً إلى ذلك، كانت نسبة عودة اللاجئين من تركيا إلى شمال سورية أقل مما كانت تأمله.
في شمال شرق سورية، وجدت تركيا نفسها منذ العام 2012 جنبًا إلى جنب مع أحد فروع عدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني. وخلال السنوات القليلة الماضية، حاولت أنقرة جاهدةً الحؤول دون بناء دويلة يهيمن عليها حزب العمال الكردستاني في سورية، واتّخذت تدابير عدّة في هذا الإطار، من بينها عمليات التوغّل العسكري في عفرين والشمال الشرقي. مع ذلك، فشلت أنقرة حتى الآن في وضع حدٍّ للمشروع الكردي في سورية، وخصوصًا نتيجة الدعم العسكري الأميركي للأكراد، الذين تعتبرهم واشنطن شركاء مهمّين في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. عمومًا، يشكّل الشمال السوري معضلة ديموغرافية وأمنية كبيرة لتركيا. ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن الخروج من هذا المأزق.
يونغ: هل يمكنك توقّع ما قد تبدو عليه المنطقة الحدودية السورية التركية بعد خمس سنوات مثلًا؟
توكماجيان: أعتقد أن الوضع الراهن سيتغيّر. لا ينبغي الخلط بين الهدوء النسبي في شمال سورية ونهاية الحرب، ولا سيما أن هذا الوضع غير مقبول بالنسبة إلى تركيا والنظام السوري اللذين يتخذان موقفًا هجوميًا. وهما يمتلكان الوسائل اللازمة لتغيير الوضع الراهن من خلال العنف والمفاوضات والمساومات، وسيأتي ذلك على حساب المشاريع السياسية الثلاثة المتبقية في الشمال، والمتمثّلة في: هيئة تحرير الشام، والمعارضة السورية، والإدارة الذاتية الكردية. بعبارة أخرى، إن المساحة بين النظام وتركيا في الشمال ستتقلّص على حساب الجهات الفاعلة المحلية هناك.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.