مراجعات الكتب

حماة الديار تحت حكم حزب البعث!/ د . رضوان زيادة

فيما يلي ترجمة لفصل من كتاب “تشريح السلطوية في الجمهوريات العربية” لمؤلفه جوزيف ساسون وهو أستاذٌ مشاركٌ، ويشغل منصب رئيس كرسي الصباح في السياسة والاقتصاد السياسي في العالم العربي بجامعة جورجتاون واشنطن.

كنت قد انتهيت من ترجمة الكتاب مؤخراً، وستصدر قريباً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ووجدت هذا الفصل المتعلق بحماة الديار أي دور الجيش في السياسة في سوريا والعراق مثيراً فأحببت مشاركة القراء فيه هنا.

مراقبةُ حماةَ الديار .

بدأت مراقبة الجيش، أو ما يسمى بحماة الديار، منذ لحظة إنشاء هذه الجمهوريات. فعلى سبيل المثال، وقبلَ زمنٍ طويلٍ من وصول سلالة الأسد إلى الحكم، لم يبارح القلق الأنظمة الدائمة التغيير حول الجيش وتأثير المعارضة داخله. وفي أواخر عام 1949، وتحت رئاسة هاشم الأتاسي، تم تأسيس مكتبٍ خاصٍ لمحاربة الشيوعية داخل الجيش، بغية ضمان عدم تمكن الشيوعية من مد نفوذها بين ضباط الجيش، واستمر هذا التوجه خلال الستينيات. تناقش مذكرات أحد الضباط كيف تم فصل مجموعةٍ من الضباط من وظائفهم العسكرية بسبب استيائهم من إلغاء قوانين الاستصلاح الزراعي.

دأبت الأنظمة المختلفة على وصف تحركات المعارضة داخل الجيش بـ”التمرد العسكري” في غالب الأحيان، ما يتيح للمحاكم العسكرية الحكم على هؤلاء الضباط والجنود بالإعدام أو السجن أو الحظر من العمل في القوات المسلحة.

استمر هذا الأمر خلال السبعينيات ووصول حافظ الأسد إلى السلطة حيث أدرك أهمية المراقبة كأداةٍ لمحاربة المعارضة. مما دعاه إلى تأسيس عدة أجهزةٍ أمنيةٍ كانت مهمة بعضها “التركيز على مراقبة كبار ضباط الجيش”، وكانت الجهتان المنوطتان بمراقبة الضباط هما إدارة أمن القوات الجوية وشعبة الأمن العسكري. فكما قال إيال زيسر(Eyal Zisser) “لقد نجح الأسد بهذه الطريقة في جعل الجيش كلب حراسةٍ مطيعٍ ووفي”. تم استحداث تلك الأنظمة كي تغرس الخوف في قلوب جميع السوريين، واعتقال وتعذيب الضباط المشتبه بمعارضتهم للنظام. تذكر لنا مذكرات أحد الضباط السوريين كيف تم تعذيب أحد الضباط لمعرفة أسماء بقية الضباط الذين قد يكونون على تواصلٍ معه، والأسوأ من ذلك، الذين يشاركونه آراءه.

هذا ونرى بوضوح من خلال التدقيق في أرشيفات حزب البعث العراقي مدى إصرار النظام على اختراق الجيش ومراقبة تحركاته. فإضافةً إلى المفوضين السياسيين المذكورين أعلاه، كان ثمة عددٌ هائلٌ من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، تنحصر وظيفتها توخّي اليقظة دائماً إزاء أي بوادر تمردٍ أو انشقاقٍ داخل حزب البعث العراقي.

كما كان يتم خلال أواخر الثمانينيات البحث والتدقيق في التوجهات السياسية لكل ضابطٍ على حدة بدءاً من تاريخ تقدمه إلى الكلية الحربية.

فقد كانت عملية مراقبة الضباط عمليةً مكثفةً وواسعة، حيث كان ينظر بعين الشك والريبة لأي تجمعٍ للضباط خارج الثكنات العسكرية، ولم تكن المخابرات العسكرية لتتردد في اعتقال أي ضابطٍ والتحقيق معه أياً كانت رتبته.

فلقد كان الجنرالات، أمثال الحمداني، يشتكون من أن الوقت والموارد اللذين تكرسهما الاستخبارات لمراقبة الضباط يفوق بكثير ما تكرسه لجمع وتزويد المعلومات حول العدو.

كما كانت الأنظمة الأقل قمعاً كمصر مثلاً، كانت أشد تركيزاً في بعض الأحيان على الأمن الداخلي من تركيزها على الاستخبارات الخارجية.

هذا وعمدت جمهورياتٌ أخرى إلى خلق أجهزةٍ أمنيةٍ واستخباراتيةٍ متداخلة الوظائف كي تضمن عدم تحول أيٍ منها إلى قوةٍ أكبر من المطلوب.

فقد امتلكت ليبيا، مثلاً، وكالاتٍ متعددة كانت مهمتها حماية القذافي وعائلته وأتباعه أصحاب الولاء المطلق له. وكما في العراق وسوريا، كان أقارب وأبناء عشيرة القائد هم من يرأسون هذه الوكالات.

ففي معظم هذه الدول، كانت الانقلابات جزءاً لا يتجزأ من ماضيها، وشهد بعضها، كسوريا والعراق انعدام استقرارٍ كاملٍ خلال الستينيات. هذا ولم تكن الدول العربية وحدها من عانت من الانقلابات على الدولة، حيث شاعت هذه الانقلابات في قاراتٍ أخرى كأفريقيا وأميركا الجنوبية.

بيدَ أن هذه الجمهوريات، باستثناء الجزائر، وصلت خلال السبعينيات إلى مستوىً كانت فيها هذه الانقلابات ظاهرةً نادرةً. إلا أن هذا لا يعني غياب محاولات الإطاحة بهذه الأنظمة، بل يرجع الأمر إلى بلوغ شمولية المراقبة والسيطرة المفروضة على الجيش درجة عالية التطور.

وعلى الرغم من فشل جميع هذه الانقلابات، فقد تعددت محاولات اغتيال قادة هذه الجمهوريات والتي كان أنجحها، بالطبع، اغتيال السادات رئيس مصر. من جهته، أشار أحد الجنرالات، الذي كان مسؤولاً عن المخابرات العسكرية في العراق، إلى وقوع ثلاث محاولاتٍ لاغتيال صدام حسين عام 1982، إضافةً إلى تعرض الرئيس وعائلته لمحاولاتٍ عديدةٍ أخرى خلال العقدين اللاحقين.

كما أشار أحد رؤساء الأجهزة الاستخباراتية العراقية في مذكراته إلى التعاون القائم بين الأجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية لإحباط أي محاولة اغتيالٍ.

فمن جانبه، أكد صدام حسين، أن استخباراته العسكرية، كانت تسارع إلى جمع كافة المعلومات كلما حدثت أي محاولة اغتيالٍ في العالم والتواصل مع الجهات الاستخباراتية في تلك الدولة، في حال كونها دولةً صديقةً، وإعداد تقريرٍ حول الدروس التي يمكن تعلمها من محاولة الاغتيال هذه.

وكان يتم الاستفادة من هذه الدروس لاحقاً، كلما قام صدام حسين بالسفر أو بحضور اجتماعاتٍ خارج مقره.

وصفت مذكراتٌ عديدةٌ حادثة اغتيال السادات الناجحة التي وقعت في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1981 خلال الاستعراض العسكري الذي أقيم احتفالاً بذكرى حرب عام 1973. يناقش الفصل الرابع الاحتياطات الأمنية الفاشلة. غير أنه من المهم هنا إلقاء الضوء على جوانب أخرى.

يسرد لنا كمال حسن علي، وزير الخارجية آنذاك والذي كان مكانه على المنصة قريباً جداً من السادات، وفق وصفٍ تقشعر له الأبدان، تساقط الجثث في جميع أرجاء المنصة عقب قيام الإسلامي خالد الاسطنبولي واثنين من رفاقه بإطلاق النار على الرئيس وعددٍ من الضيوف الذين كانوا يشاهدون الاستعراض العسكري.

ويقيّم أحد الكتب التي تناولت حادثة الاغتيال، والذي يزعم جمعه العديد من الوثائق حول الحادثة، بسرد قصة حياة خالد، وهو أحد خريجي الكلية الحربية الذين انضموا إلى الإخوان المسلمين، وقد خضع فعلياً لتحقيق الاستخبارات العسكرية التي حققت معه عن علاقاته واجتماعاته مع جماعة الإخوان قبل بضعة أيامٍ من الحادثة.

كما تم اعتقال شقيقه محمد لقيامه بنشاطات تابعةٍ لجماعةٍ إسلاميةٍ محظورة. لكن، وعلى الرغم من اتخاذ المخابرات العسكرية بادئ الأمر القرار بإعفاء خالد من المشاركة في الاستعراض، إلا أن النقص في عدد الضباط قد جعلها تعدل عن قرارها. الأمر الذي غيّر تاريخ مصر.

فخالد لم يشارك في الاستعراض فحسب، بل نجح أيضاً باستبدال المجندين النظاميين برفاقه الجهاديين.

وتم بعد سنواتٍ لاحقة إحباط محاولةٌ لاغتيال الرئيس مبارك أثناء زيارته لأثيوبيا، الأمر الذي أكد على الصراع بين النظام المصري والجهاديين وغيرهم من الإسلاميين المتطرفين، وهو صراعٌ اشتمل على حملةٍ من التفجيرات نفذتها هذه المجموعات داخل مصر واعتداءاتٍ على كبار المسؤولين.

من جهةٍ أخرى، وسيعرض الفصل الرابع، شن الأمن المصري حربه على الجهاديين والإخوان المسلمين كما عمل على اختراقهم، أثناء قتاله لهم .

هذا ومثلت مسألة التعاقب الوظيفي تحدياً آخر للجيش في العديد من هذه الجمهوريات. فكما رأينا، كانت المحسوبية مستشرية في السلك العسكري، وتمتع أبناء الضباط بمزيةٍ مؤكدة لقبولهم في الكليات الحربية. أما في الجيوش الأكثر عقائديةً في العراق وسوريا وليبيا، فأن تكون أحد أبناء نفس القبيلة ومن العائلة المناسبة يعني أنك قد اجتزت أهم الاختبارات لأنها تأكيد على ولائك للقيادة.

وهناك مسألة أخرى هي خلافة القائد، الذي غالباً ما يكون من العسكريين، فقد نجح حافظ الأسد في نقل الحكم من بعده إلى نجله بشار الذي كان برتبة نقيبٍ لدى عودته إلى سوريا بعد موت شقيقه الأكبر. غير أن صدام حسين قد قام، وعلى الرغم من عدم كونه من الضباط، بتعيين نفسه قائداً للقوات المسلحة (وكان على قناعةٍ تامة بأنه أكثر درايةً بالاستراتيجية العسكرية من ضباطه) وأعدَّ نجله قُصي وجعله ضابطاً. من جانبه، أراد مبارك جعل نجله جمال، والذي لم يكن من العسكريين، خليفته في الحكم، غير أنه من الواضح أن الأمور لم تجرِ كما خطط لها.

ويرى أحد المراقبين أن الجيش قد تخلى عن النظام، فخلال السنوات القليلة الأخيرة من حكم مبارك “احتضنت استياءً في صفوف القيادة العليا التي خشي مسؤولها تدهور مراكزهم”. كما أنهم استاؤوا من صعود جمال نجل مبارك ومن استشراء الفساد.

وحتى حين لم تحبذ القيادة العسكرية العليا جهود توريث الحكم في الجمهوريات المختلفة، فثمة شك في قدرة أي ضابط منعها، حيث أن موقفاً كهذا يعني موته أو طرده من السلطة.

الناس نيوز

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button