ماذا تريد إسرائيل من تهديدها للأسد؟ -مقالات مختارة-
ماذا تريد إسرائيل من تهديدها للأسد؟/ حسن النيفي
أثارت التهديدات الإسرائيلية الأخيرة التي كشف عنها موقع “إيلاف” في لندن، الحديث مجدّداً عن ماهيّة الموقف الإسرائيلي من العلاقة بين دمشق وطهران من جهة، وكذلك عن مدى قدرة نظام الأسد على ضبط الأنشطة الإيرانية العسكرية داخل الجغرافيا السورية من جهة أخرى.
ولعل ما ميّز التهديد الإسرائيلي الذي نشره موقع “إيلاف” هو أنه كان موجهاً لبشار الأسد باستهداف قصره إنْ هو لم يستطع ردع التحركات الإيرانية العسكرية المناوئة لإسرائيل داخل مناطق سيطرته.
ما ينبغي تأكيده هو أن الاستهدافات الإسرائيلية لإيران ومشتقاتها الميليشياوية على الأرض السورية ليست بجديدة، بل يمكن الذهاب إلى أن المطاردات الإسرائيلية لتحركات إيران داخل سوريا – ومنذ سنوات – باتت أقرب إلى لعبة (القط والفأر)، إذ لا يكاد يمر أسبوع من دون أن تقصف طائرات تل أبيب مواقع تابعة لإيران، وغالباً ما يكون هذا القصف محدّداً ومبرمجاً ضمن عمليات عسكرية دقيقة لا تحمل طابعاً تدميرياً، كما أنها لا تحمل سمة الحرب الشاملة، فهي أشبه بالرسائل التي تريد إسرائيل من ورائها أن تؤكد لطهران ضرورة التزامها بالتحرك والنشاط ضمن ما هو مسموح به أو متفق عليه.
وحين تتجاوز إيران الخطوط الإسرائيلية الحمر، عندئذ ترسل إسرائيل برسائلها التي تتفاوت حدّةً وانخفاضاً وفقاً للتجاوز الإيراني، ولعل الأمثلة العديدة باتت تدل على مقدار النزق الإسرائيلي من أي تحرّك إيراني، فالضربة الإسرائيلية النوعية التي استهدفت ميناء اللاذقية في كانون الأول من العام الفائت، كانت ضربة نوعية، تبيّن فيما بعد أن الميناء على وشك أن يصبح ممرّاً للسلاح من إيران إلى “حزب الله”، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي طال مطار دمشق الدولي، بدايات الأسبوع الفائت، وأخرجه عن الخدمة، كان بسبب تماهي إيران في تحويل المطار إلى ثكنة عسكرية تابعة لها.
إذاً يمكن التأكيد على أن الأسباب التي تكمن خلف مناكفات تل أبيب وطهران إنما تعود إلى خلافات حول حجم النفوذ وحيّز التحركات الإيرانية داخل سوريا وليس حول مبدأ الوجود الإيراني في سوريا، ذلك أن الوجود العسكري الإيراني الهائل سواء من حيث القواعد العسكرية الصاروخية أو من حيث الوجود البشري لميليشياتها يمتد من جنوب البلاد وحتى أقصى الشرق، بل إن قطعات عسكرية تابعة لإيران تتموضع اليوم في الجنوب السوري، باتت على بعد مئات الأمتار من الحدود الإسرائيلية، ومع ذلك لم تستهدف إسرائيل ولا مرة واحدة تجمعات بشرية عسكرية إيرانية.
بل لعل اللافت للانتباه أيضاً أن إسرائيل لا تنفّذ أي عملية عسكرية داخل سوريا إلّا في ساعات متأخرة من الليل في خطوة توحي بتحاشي إيقاع خسائر بشرية إيرانية. ولعل ما سبقت الإشارة إليه لا يحتاج إلى مزيد من التأكيد بوجود الدور الروسي الذي يقوم بمهمة التنسيق المباشر بين الجانبين، ذلك الدور الذي تمت هندسته والاتفاق عليه في اللقاء الذي جمع مسؤولي الأمن القومي لكلٍّ من روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في القدس المحتلة، بشهر حزيران 2019.
وقد أُسند للروس بموجب هذا اللقاء أن يضبطوا التحركات الإيرانية داخل سوريا، في حين تُعطى إسرائيل الحق في استهداف أي تحرّك إيراني يتجاوز الخطوط الحمر، مع التزامها بإبلاغ روسيا مسبقاً بأي عملية عسكرية تنوي تنفيذها داخل الأراضي السورية.
مما لا شك فيه أن الحرب الروسية على أوكرانيا أحدثت خللاً في العلاقات الروسية الإسرائيلية، وذلك من جرّاء الموقف الإسرائيلي الذي تراه موسكو منحازاً إلى الموقف الأميركي والغربي عموماً.
وقد بدا الامتعاض الروسي من تل أبيب واضحاً في مجمل التصريحات الصادرة عن الخارجية الروسية والتي تحمل في مجملها استنكاراً للغارات الإسرائيلية داخل سوريا، وهي في مجملها تنطوي على أمرين: الأول يجسد تعبيراً روسياً مباشراً عن الانزعاج الروسي من موقف إسرائيل حيال الحرب على أوكرانيا، والثاني يراد منه احتواء السخط الذي يبديه الموالون للأسد واحتجاجهم على عدم تصدّي الروس للطائرات والغارات التي تستهدف البنية التحتية للنظام كميناء اللاذقية ومطار دمشق، بل ربما نشهد في المراحل المقبلة تصعيداً إعلامياً روسياً أعلى نبرةً من السابق في استنكار الغارات الإسرائيلية، إلا أنه من المُستبعد أن يرتقي هذا التصعيد إلى أي حالة من حالات المواجهة العسكرية المباشرة.
لعله لا جديد في القول إن إسرائيل ربما تدرك أكثر من سواها عضوية العلاقة بين الأسد وطهران، كما أنها تدرك جيداً طبيعة تنافس المصالح الروسية الإيرانية داخل سوريا، ولئن كان الروس يسعون إلى بسط هيمنتهم على الدولة السورية كمقدرات ومصالح اقتصادية، فإن إيران ما تزال تنظر إلى سوريا على أنها امتداد حيوي للمشروع الإيراني الذي يتمدد في المنطقة العربية، وهي بذلك لا تجد مصلحتها في سوريا من دون الأسد كنظام حكم.
ولكن على الرغم من ذلك، فلم يسبق لإسرائيل أن أبدت رغبتها في زوال نظام الأسد كخطوة نحو إضعاف النفوذ الإيراني، بل ما بات واضحاً هو حرص إسرائيل الدائم على استمرار “الأسد” في السلطة، كضمانة أمنية لحدودها طوال عقود من الزمن، وما تزال ترى أن (شيطاناً تعرفه أفضل من آخر لا تعرفه) ربما يكون هو الأكثر تناغماً مع مصالحها الأمنية، إلّا أن هذه المعادلة الإسرائيلية لا تمنع بحال من الأحوال أن تتوجه بين حين وآخر بالتنبيه والتحذير لهذا (الشيطان الأمين) لتؤكّد له دورها وقدرتها على تغيير المعادلة الضامنة لأمنه واستمراره في السلطة متى أرادت.
وربما أرادت أيضاً أن تؤكّد له أن تهديداتها باستهداف قصره إنما تعيد ترميم صورته في أعين مواليه وحلفائه (الممانعين) الذين يجدون في تلك التهديدات تعزيزاً لاعتقادهم بالدور الممانع أو المناهض الذي ما يزال يتحصّن به نظام الأسد، بل فوق هذا وذاك لعل إسرائيل أرادت من وراء تهديداتها لبشار أن تؤكّد لموسكو أن استهداف قصر بشار الأسد إنما يعني القدرة على استهداف أو تقويض مصلحة روسية إستراتيجية، وعلى بوتين أن يعي ذلك.
تلفزيون سوريا
—————————-
سيادة سوريا “خارج الخدمة”.. رسائل إسرائيلية- إيرانية مسرحها مطار “دمشق”
عنب بلدي
تمثّل الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمطار “دمشق”، وهو المطار الدولي الرئيس، صباح 10 من حزيران الحالي، اختراقًا واضحًا لمبدأ “سيادة الدولة”.
وتسببت الضربة بإخراج المطار عن الخدمة، بينما نشرت وزارة النقل في حكومة النظام، صورًا تظهر وزير النقل، زهير خزيم، من المطار، متابعًا لأعمال الترميم والإصلاح، التي لم يعلن عن انتهائها بعد.
وبحسب بيان للوزارة، في 15 من حزيران الحالي، أكد خزيم متابعة “البرنامج الزمني المخطط والاستثمار الأمثل لعامل الزمن المقترن بمعايير الجودة الفنية للأعمال”، دون أن يعلن عن موعد انتهاء أعمال الترميم.
وكانت إسرائيل نفذت منذ سنوات ضربات في المنطقة، من بينها هجوم في 21 من أيار الماضي، أدى إلى اندلاع حريق بالقرب من المطار وتأجيل رحلتين.
رسائل لإيران عبر سوريا
“القناة 12” الإسرائيلية قالت، في 12 من حزيران الحالي، إن القصف الصاروخي الإسرائيلي الذي استهدف مطار “دمشق” قبل يومين، أحبط 70% من عمليات تهريب الأسلحة إلى سوريا من إيران.
وجاء في تقرير القناة، أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رصدت خلال الفترة الأخيرة تكثيف الإيرانيين الجهود لإدخال أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى سوريا، مخصصة لمشروع “تطوير صواريخ دقيقة”.
واستشهدت القناة بتقارير أجنبية حول أنظمة تسمح بجعل الصواريخ دقيقة، كانت إسرائيل قد استهدفت مواقعها في سوريا من خلال 15 هجومًا خلال الشهر الأخير وحده، وفق القناة.
وأوضحت القناة، أنه عندما أدركت إسرائيل أن هذه الهجمات لم تحقق “الهدف المنشود”، اتخذت قرارًا بتصعيد الهجمات ومهاجمة مطار “دمشق”، وأضافت، “تشير التقديرات إلى إحباط نقل 70% فقط من الأسلحة الإيرانية، وأن دخول 30% فقط من شحنات الأسلحة يشكّل خطرًا”.
ومن جانبه، قال رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، لعنب بلدي، إن الضربات التي توجهها إسرائيل لأهداف إيرانية في سوريا، ليست اعتباطية أو عشوائية.
وأضاف أن إحدى الأولويات في الأهداف الإيرانية التي تضربها إسرائيل، هي أهداف تشكّل خطرًا أمنيًا عليها، سواء كانت منظومة صاروخية، أو شحنة أسلحة، أو غرف عمليات طائرات “درون”، أو اجتماعات، أو اغتيال شخصيات معيّنة.
أما ضرب المطار لتخريبه فقط فهو أمر مستبعد، بحسب شعبان.
ومن الناحية التقنية، استُهدف المطار بست ضربات، منها ثلاث على المدرج العسكري، وثلاث على المدرج المدني، ما تسبب بشلّ المدرج تمامًا.
وأشار شعبان إلى تحليلات تفيد بأن الغاية من القصف استهداف طائرة إيرانية في المطار، ولكنها تحليلات غير منطقية، لأن إيران يمكن أن تستخدم مطارًا آخر، مشيرًا إلى أن الضربة جاءت لتوجيه رسالة مباشرة لجميع الدول الداعمة للنظام، وبالتحديد لروسيا.
وكانت روسيا أعادت مؤخرًا تموضع قواتها في الجنوب بشكل أزعج إسرائيل والأردن بشكل واضح جدًا.
وضمن برنامج “معهد هوفر” التابع لجامعة “ستانفورد” الأمريكية، في 18 من أيار الماضي، حذر ملك الأردن، عبدالله الثاني، من أن تملأ إيران و”وكلاؤها” الفراغ الذي ستتركه روسيا في الجنوب السوري، وما قد ينتج عنه من تصعيد لمشكلات محتملة على حدود بلاده.
وأضاف أن “الوجود الروسي في الجنوب السوري كان مصدر تهدئة، وهذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
بينما قال مبعوث الرئاسة الروسية إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في مستهل محادثات اجتماع “أستانة”، في 15 من حزيران الحالي، إنه لا يجوز لإسرائيل أن توجه الضربات لسوريا، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وأضاف لافرنتييف، “بطبيعة الحال، سنبحث مسألة القصف الإسرائيلي المتكرر على سوريا، ونرى أن من الضروري أن يتم تركيز الاهتمام على هذا أيضًا، فهذا الأمر غير جائز”.
وعليه لم ترد إسرائيل بشكل مباشر على تجاهل روسيا للمخاوف الإسرائيلية من إيران، كما تفعل كعادتها في الملف السوري، وشلّت حركة المطار بشكل كامل.
ولا تتبنى إسرائيل عادة الهجمات الصاروخية على سوريا، لكنها تشدد بشكل متواصل على حماية ما تعتبره أمنها القومي، ومنع تمدد النفوذ الإيراني في المناطق الجنوبية من سوريا، التي تحاذي في الوقت نفسه الحدود البرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ليست الأولى
في شهري نيسان وأيار الماضيين، ضربت إسرائيل المطار مرتين، ولكن لم تكن هنالك حركة طيران كثيفة.
ولكن بعد عودة حركة الطيران، صار النظام مضطرًا لأن يصرح عن الهجوم والدمار الذي لحق بالمطار، بحسب الباحث نوار شعبان.
ويرى الباحث أن الغاية من الضربة هي رسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على شل حركة المطار، وأنها منزعجة من التموضع الإيراني في سوريا.
وعلى الرغم من أن الوجود الإيراني في حلب وريفها الشرقي صريح وواضح، بالمقارنة مع الوجود الإيراني في الجنوب السوري، استبعد شعبان احتمالية أن تقصف إسرائيل مطار “حلب” المسيطر عليه من قبل إيران، لبعده عن إسرائيل التي تستهدف المناطق التي تشكّل خطرًا على أمنها القومي، الأمر الذي اعتبره سياسة واضحة لدى إسرائيل.
وفي 12 من حزيران الحالي، قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت“، إن الأهداف التالية للتخريب في نقل المعدات العسكرية هي على الأرجح المواني في طرطوس واللاذقية.
وفي كانون الأول 2021، استهدفت إسرائيل بقصف صاروخي ساحة الحاويات في ميناء “اللاذقية”، ما تسبب باندلاع حريق كبير والكثير من الخسائر المادية.
وقالت صحيفة “Times Of Israel” الإسرائيلية، آنذاك، إن إيران تجلب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا عبر الميناء الحيوي الذي تستقبل فيه سوريا العديد من البضائع، إلى جانب “حزب الله” اللبناني.
سيادة سوريا تخرج عن الخدمة
لا يوفر النظام فرصة له إلا ويتحدث دائمًا عن سيادة “الدولة السورية”، وتوعده بالرد على كل ما يمس بها، ولكنه لم يبدِ أي رد على القصف الأخير سوى الاحتفاظ بحق الرد، الذي لم يأتِ حتى الآن.
الباحث السياسي سامر الخليوي، قال لعنب بلدي، إنه ما من سيادة في سوريا في ظل حكم عائلة الأسد، فإسرائيل تفعل في سوريا ما تريد وأينما شاءت.
ويمثّل ذلك التوافق الضمني ما بين إسرائيل وروسيا على حق إسرائيل بحرية التصرف في سوريا، فروسيا تدعم موقفها مع إسرائيل على حساب الأسد، بحسب الخليوي.
وكانت إسرائيل معتادة على انتهاك السيادة السورية منذ أيام الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، الذي كان يحتفظ دائمًا بحق الرد دون رد.
وفي 29 من آذار الماضي، قالت صحيفة “Times Of Israel“، إن سلاح الجو الإسرائيلي أطلق 586 ذخيرة على أهداف في سوريا في عام 2021، ضمن عشرات الغارات المنسوبة إلى إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في القوات الجوية الإسرائيلية، أن قوات النظام السوري ردت بـ239 صاروخًا مضادًا للطائرات على الغارات الإسرائيلية، معظمها لم تصب هدفها.
———————–
الأسد بين إسرائيل وإيران.. أين يميل؟/ د. أسامة عثمان
لم يمانع الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، في إقامة علاقات سلام مع إسرائيل، من حيث المبدأ، ولا كذلك، طبعًا، ابنُه بشار. وقصة التفاوض حول هضبة الجولان، وشروط النظام السوري لذلك الصلح، تبيِّن ذلك؛ إذ حصل في بعض المراحل اقترابٌ كبيرٌ من الاتفاق.
وقد انطلق التفاوض الرسمي المعلن بينهما، منذ مؤتمر مدريد، عام، 1991 حتى 1996، على أساس “مبدأ الأرض مقابل السلام”، وكانت “وديعة رابين” (يونيو/ حزيران 1994) التي وضّح مضمونها رئيسُ وزراء الاحتلال السابق، إيهود باراك بقوله: “نحن نُودِع الأميركيين استعدادًا للانسحاب من الجولان، مشروطًا منّا بتنازلات معيَّنة. يستطيع الأميركيون القول للأسد إنهم يؤمنون بأنه في حال تمَّ ضمان المصالح الأمنية والسياسية لدولة إسرائيل، والقبول بذلك، فإن بمقدورهم أن يدفعوا إسرائيل للاستجابة أيضًا لمصالح الأسد الحيوية، بما في ذلك في هضبة الجولان”.
وتكشف مصادر أميركية عن مساومة جادَّة ومعمَّقة حول تفاصيل ما يعنيه الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل، بما في ذلك مدى الانسحاب الإسرائيلي والترتيبات الأمنية، وتطبيع العلاقات، ونزع سلاح الجولان.
كان مقتل رابين 1995، علامةً على ازدياد قوَّة اليمين المتطرِّف، في إسرائيل، وشدّة الرفض لتقديم أيّ “تنازلات” تتعلق بالانسحاب من الأراضي العربية، أو الفلسطينية التي احتُلَّت عام 1967، ولذلك، فإن المؤشِّرات تزايدت بعد ذلك، على استخفاف رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، بالسلام، حين رسّخ مفهومًا بديلًا، قائمًا على “مبدأ السلام مقابل السلام”. ووفق ذلك رجَّحت دراساتٌ أنَّ هذا الاتجاه الإسرائيلي المتطرِّف كان يعتقد، (ولا يزال) أنّ سوريا، ربما في ظل ظروف جيوسياسية مختلفة، ستوافق على اتفاق سلام بأقلّ من الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان.
وكان آخر جهدٍ جادّ لإرساء السلام، في عهد حافظ الأسد، تعثّر في مارس/ آذار2000 مع اجتماع قمّة فاشل، في جنيف بين الرئيس الأميركي، آنذاك، بيل كلينتون والرئيس السوري حافظ الأسد.
وفي ربيع عام 2011، أدّت المفاوضات السِّرية (وفق فريدريك سي هوف، الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية؛ مؤلِّف كتاب “الوصول إلى المرتفعات”) التي توسَّطت فيها الولاياتُ المتحدة بين إسرائيل وسوريا إلى جعل العدوَّين يقتربان، بشكل مثير، من حافة السلام، وهي نتيجة كان من الممكن أنْ تؤدِّي إلى تسوية عربية إسرائيلية أوسع وإعادة تشكيل الخطوط السياسية للشرق الأوسط”. ففي في فبراير/ شباط 2011، عقد هوف اجتماعًا انفراديًّا مع بشار الأسد، في دمشق؛ لتحديد ما إذا كان سيوافق تمامًا على المتطلَّبات الأمنية لإسرائيل، بما في ذلك قطع العلاقات العسكرية مع إيران وحزب الله. وفيه أكّد الأسد لهوف أن حزب الله “سوف يسير في الصف” بمجرّد إعلان إسرائيل وسوريا عن اتفاقية سلام. كما قال إن السلام مع إسرائيل “شأن لسوريا وليس إيران”.
واليوم، يتأرجح نظام الأسد بين آماله في استعادة التأهيل، دوليًّا، وعربيًّا، ومتطلّبات هذا الهدف، وبين الاستمرار في التخلِّي عن جزءٍ مهم من سيادته وقراره لإيران، وأثمان هذا الاستلاب.
وبرغم أن نظام الأسد لا يجد غضاضة في التواصل بين أنظمة عربية بلغت مستوى عاليًا من التطبيع مع دولة الاحتلال، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية، وبين اعتماده العميق على إيران وحزب الله، في الوقت نفسه، إلا أن المرحلة الراهنة قد لا تسمح له بالاستمرار في هذا التموضع غير الطبيعي.
ولا بد أنه يقدِّم إشاراتٍ، سرّية في الأكثر؛ لاستبقاء باب المصالحة مع إسرائيل مفتوحًا. وقد ألمحت وسائل إعلام عبرية إلى هذا النهج. فبعد قصف إسرائيل مطار دمشق الدولي، وتعطيله، سرّب مسؤولون إسرائيليون، لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنَّ إسرائيل قرَّرت رفْعَ درجة ضرباتها للنظام السوري وقوّاته؛ لأنها ترى أن الأسد قرَّر اللعب على حبلين. فمن جهة يبثُّ إشاراتٍ إلى أنه غير معنيٍّ بالبقاء في حلفه مع إيران، ويريد التحرُّر من قيوده ومخططاته، ومن جهة ثانية يواصل إخضاع بلاده إلى الخطط الإيرانية وإتاحة الفرصة لنقل الأسلحة والمعدَّات إلى حزب الله اللبناني، ويتيح للميليشيات الإيرانية الانتشار في بلاده، والاقتراب من الحدود مع إسرائيل في الجنوب”.
فالأسد لا يقطَع مع الحبل الإسرائيلي، ولا مع نظُمٍ عربية أضحت وثيقة الصلة به، سياسيًّا، وأمنيًّا، واقتصاديًّا، وحتى أيديولوجيًّا.
وهنا يلعب الموقف الدولي دورًا مهمًا، وموقف أميركا وروسيا، تحديدًا، أما روسيا فلا يبدو أنها تغيّر موقفها، جوهريًّا، بعد الحرب في أوكرانيا، لجهة منع دولة الاحتلال من تنفيذ أهدافها على الجغرافيا السورية، كما يبدو، من تجرؤ قادة إسرائيل على رفع مستوى الهجوم، والاستهداف، ورفع مستوى الخطاب التهديدي. كما أن موسكو يهمُّها أنْ تلعب أيّ دور، كتقريب سوريا من إسرائيل، من شأنه أن يلبّي طموحها لدور عالمي، وتأثيرها في الإقليم.
أما أميركا فهي أكثر اهتمامًا بترسيخ كيان دولة الاحتلال في المنطقة، والاستمرار في دمجها في المنظومات الأمنية، وفي المشروعات الاقتصادية. وعليه يدرك الأسد أن ثمن الاعتراف الأميركي به، مجدّدًا، مِن ضمنه التقارُب مع إسرائيل.
والسؤال: ماذا تكسب إسرائيل من استمالة سوريا، وماذا يكسب نظام الأسد من الدعم الإسرائيلي المفترَض؟
تكسب إسرائيل تحييد سوريا عن الصراع، وإبعادها عن إيران، وحلفائها، سوريا بموقعها البالغ الأهمية جيواستراتجيا، حينئذ تقطع التواصل الجغرافي بين إيران، مرورا بالعراق، إلى لبنان. فضلًا عن المكاسب الاقتصادية، وَفْق حرارة السلام المفترَض.
لكن نظام الأسد سيكون في حالة استسلامٍ شبه كاملة، إذا قبل بشروط إسرائيل التي بالضرورة ستكون أكثر إجحافًا، بل إذلالًا، بعد أن نجح نتنياهو في إرساء “مبدأ السلام مقابل السلام”، وبعد اعتراف أميركا، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بضمِّ إسرائيل مرتفعات الجولان إليها، وهي الخطوة التي لقيت ثناءً من مختلف الأطياف السياسية في إسرائيل. ولم تتراجع إدارة بايدن عن هذا الاعتراف. وبعد تنامي قوة اليمين الديني المتطرِّف، وزيادة انخراط دولة الاحتلال في المنطقة العربية وفي الإقليم.
كل ذلك يصعّب مُضيَّ الأسد في أيِّ مسار تصالُحي علني مع إسرائيل، في هذه المرحلة، على الأقل، في ظلّ تغلغل النفوذ الإيراني. إلا أن ضعف نظامه يعزّز (سياسة السَّمَاح) لإسرائيل، مع إشراف روسيا المباشر والفعلي على رسْم مسارات النشاطات الإسرائيلية، والأسد، تاليًا، لا يقوى على أكثر منْ أنْ يترك سوريا ومقدَّراتها ساحةَ حربٍ سِجاليّة، بين إسرائيل وإيران، في حين أن الأخيرة ليست فقط لا تقوى على الوفاء بما يترتَّب على استخدامها للأراضي السورية، ملعبًا، وجسرًا، لأهدافها، وإنما لا تكاد تقوى حتى على وقْف الاستهدافات الإسرائيلية المتكرِّرة، (حتى الآن) على أرضها، وفي عُقْر عاصمتها.
تلفزيون سوريا
——————–
خطاب الدكتاتور: عندما يصبح الكذب مستحيلاً/ رضوان زيادة
استمعت لمقابلة بشار الأسد الأخيرة على قناة روسيا اليوم بالعربية، كونها المقابلة الأولى التي يجريها منذ فترة بعيدة، وربما لم يعد يجد جديداً يكذب عليه فأصبح لا يعرف كيف يسوغ للكذبة ذاتها، فأطرف ما قاله عندما سئل عن العملية العسكرية التركية المتوقعة شمالي سوريا، أجاب بأنه ليس لدينا الإمكانات العسكرية لكنه حرّض على المقاومة الشعبية ضد “الاحتلال” التركي والأميركي.
كرّر الأسد ذاته قصة المقاومة الشعبية منذ أكثر من خمس سنوات وكأنه لم يعرف وضع السوريين لديه من فقر وتشرد وبؤس، حيث أشارت الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90% تحت خط الفقر، وكأنه لم يسمع بأن السوريين نصفهم أصبح مهجّراً وثلثهم أصبح يعيش تحت كنف هذا الاحتلال، داعياً الله أن يتخلص من الاحتلال الحقيقي حيث الأسد.
والكذبة الأخرى الخاصة بالمعتقلين السياسيين، حيث أجاب “ليس لدينا معتقلون سياسيون” وهي الكذبة التي ما فتئ يكررها منذ أكثر من عشرين عاماً، وكأن كل شهادات مئات الألوف من السوريين وصور أهالي المعتقلين ليست حقيقة.
اشتهر الأسد دولياً بالكذب وربما عبارة وزير الخارجية الأميركية كولن باول الشهيرة عندما وصفه بأنه “كذب علي” ردّدها الكثير من المسؤولين من بعده عند لقائهم به، وهو ما جعله أشبه بالألعوبة التي لا تحترم كلمتها وقرارها، فهو ليس جديراً بالثقة أو بأي كلمة تخرج من فمه لا سيما أنه يكذب دوماً وأبداً. وهو لذلك من شدة كذبه أصبح الكذب نفسه الحقيقة الوحيدة ومن المستحيل أن تصدق أية كلمة يتفوه بها.
يبدو الأسد من المقابلة أيضاً مفزوعاً من نتيجة الحرب في أوكرانيا، فقد انشغلت روسيا بمصيرها واقتصادها ولم تعد مكترثة له أو لمصيره، وهو ما يفسر التصعيد الإسرائيلي في مطار دمشق من دون أن يكون هناك رد فعل روسي على الإطلاق، وربما يتوقع الأسد المزيد في المستقبل.
تعرف روسيا أن الحاجة الدولية لنظام الأسد ربما انتهت تماماً، فقد استطاعت الولايات المتحدة ومن خلفها الحلفاء الأوروبيون في استعادة معظم المناطق من تنظيم داعش وعلى رأسها الرقة من دون التنسيق أو التعاون مع النظام السوري، بالتالي استهلكت ورقة “محاربة الإرهاب” التي غالباً ما يتذرع بها النظام لدعوة الأطراف الغربية للحوار معه. وبالتالي يعيش الأسد على أمل تغير المعادلات في أوكرانيا لكنها من الواضح أنها تجري لعكس صالح روسيا.
الأسد اليوم بعيون المجتمع الدولي – ربما باستثناء الرئيس بوتين – هو مجرم حرب بعد كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، وهو ما وثق في مئات التقارير من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة وغيرها الكثير الكثير من المنظمات الدولية، وبالتالي كُلفة أي دعوة للقاء بالأسد أو مساعدته ستكون مكلفة للرأي العام الغربي، وبالمقابل ليس هناك ضمانات أنه سيحصل على أي شيء مفيد بالمقابل من الأسد.
وبالتالي قدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام السوري تصطدم بعقبة رئيسية وهي الرأي العام الغربي الذي لن يتقبل أية محاولة لتعويم “مجرم حرب” أضحت جرائمه في كل بيت وعلى كل هاتف (بسبب ثورة التواصل الاجتماعي)، وخلف ذلك بالطبع تقف مجموعة من التشريعات والقوانين في البرلمانات والكونغرس الأميركي التي تجعل قضية أي اتصال مع حكومة الأسد أو حتى رفع العقوبات عنه من المستحيلات في الوقت الحالي. وأولها قانون قيصر.
يحصد الأسد اليوم حصاد كذبه المستمر، لكن الشعب السوري للأسف هو من يدفع الثمن الأكبر، حيث البؤس والفقر والتعذيب، لكن يبقى أمل السوريين أن جهود روسيا في إعادة تأهيل الأسد ستتبدد كما تبددت أحلامها سابقاً فيما يسمى إعادة الإعمار.
تلفزيون سوريا
————————-
تصعيد ما قبل الصفقة.. والعين على بايدن/ منير الربيع
كل مؤشرات التصعيد التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، تأتي في سياق تحسين الشروط السياسية والتفاوضية. على الرغم من الإيحاء بأن المنطقة تقف على شفير حرب كبرى، سواء بين إسرائيل وإيران أو بين إسرائيل وحزب الله، فإن ذلك لا يبدو واقعياً، إنما يندرج في سياق رفع الصوت للجلوس على طاولة التفاوض، فلا الإسرائيلي يريد الحرب ولا الإيراني كذلك. ومن خلفهما ثمة حرص أميركي وأوروبي على ضرورة إرساء الاستقرار وإبقاء الهدوء لأن الهدف الأكثر أهمية واستراتيجية هو توفير الغاز وموارد الطاقة إلى أوروبا على مشارف الشتاء.
وبالتالي أي حرب قد تندلع في جنوب لبنان مثلاً على خلفية بدء العمل الإسرائيلي لاستخراج النفط من حقل كاريش ستؤدي إلى تعطل كل الأعمال ما يؤدي إلى تضرر إسرائيل ومن خلفها أوروبا.
غالباً ما يكون استخدام لغة الحرب والتهديد بها له هدف آخر تماماً، يتعلّق بمحاولة استدراج العروض لأخذ حصّة من أي اتفاق سياسي، الأمر نفسه ينعكس على التصعيد الإيراني الإسرائيلي في ضوء المواقف الإسرائيلية التي تسعى إلى تحشيد أكبر كم من المواقف الدولية ضد طهران باعتبار أنها أصبحت قريبة من امتلاك القنبلة النووية.
يأتي ذلك على وقع التعقيدات التي تصيب مسار التفاوض النووي. إذ يوم بعد آخر تبتعد آفاق الوصول إلى اتفاق نووي، بينما يتحوّل الصراع إلى داخل الإدارة الأميركية نفسها حول جهات متعددة ترفض توقيع الاتفاق مع إيران وتقديم أي تنازلات لها، وجهات أخرى تضعف وجهة نظرها لكنها ما تزال متمسكة بالاتفاق وتوقيعه. أحد تجليات تعرقل الاتفاق النووي هو إطلاق مسيرة جديدة باتجاه القنصلية الأميركية في أربيل.
أمام هذه الوقائع تبدو إيران كأنها تعيش في حالة حصار وتضييق يضعف موقفها في المنطقة ككل، فلم تعد قادرة على اتخاذ إجراءات تقريرية بل تعطيلية كما هو الحال بالنسبة إلى الوضع العراقي المستمر، منذ أشهر، وهو نفسه سينعكس على الساحة اللبنانية أيضاً، فيما تستمر الهدنة باليمن وهو أمر يعود بالنتائج الإيجابية على السعودية. هنا تبرز الحماسة الإيرانية إلى نسج تفاهمات مع السعودية والمسارعة إلى الإيحاء بموعد قريب لعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين، في حين الموقف السعودي لا يزال واضحاً وهو أن لا تقدم حقيقي وجدّي في المفاوضات مع إيران.
ما تعانيه إيران أيضاً، هو التنافس الاستراتيجي بينها وبين روسيا على بيع النفط بطريقة ملتوية للالتفاف على العقوبات، سابقاً كانت إيران وحدها تسعى إلى تحقيق ذلك بمساعدة الروس، أما اليوم وبعد العقوبات على موسكو أصبحت روسيا بحاجة إلى القيام بما كانت تقوم به طهران، هذا التجاذب بين الطرفين والذي انعكس في مفاوضات النووي، ينعكس أيضاً في سوريا، على وقع الانسحابات الروسية من مناطق استراتيجية بينما تبدو إيران عاجزة عن سدّ الفراغ خصوصاً في الجنوب السوري بسبب الخوف من الضربات الإسرائيلية التي ستتكثف، وهنا لا يمكن فصل مساعي الأردن والولايات المتحدة الأميركية على تشكيل فيالق من المعارضة للإمساك بواقع الأرض في الجنوب وصولاً إلى معبر التنف الحدودي.
ضعف إيراني في الجنوب يقابله ضعف في الشمال أيضاً، إذ على وقع الانسحابات الروسية من مناطق شمالية تبدي تركيا الاستعداد للدخول وفرض سيطرتها على مناطق أوسع وتكريس المنطقة الآمنة، هذا يأتي على وقع لعب تركيا دوراً أساسياً في التفاوض الروسي الأوكراني، وفي ظل التقارب التركي مع السعودية بانتظار زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أنقرة ولقاء الرئيس رجب طيب أردوغان.
كل الصراعات المشهودة لها نتيجة واحدة، وهي أن الجميع يتصارع على الفوز بالحلف الأميركي، وتعزيز العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، وهذا من أساسيات السعي إلى إنجاح زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، والتحضير لعقد قمة خليجية معه تبحث في إعادة تعزيز العلاقات الاستراتيجية ونسج تفاهمات من شأنها أن تضعف إيران أكثر وتعزز موقع السعودية ويحقق من خلالها بن سلمان أهدافاً استراتيجية متعددة. هي قمة إن حصلت، ستكون لها أبعاد وتداعيات متعددة الاتجاهات في المرحلة المقبلة، وستنتج عنها تحولات كثيرة.
تلفزيون سوريا
———————
عض الأصابع..حتى آخر سوري/ صبا مدور
لم تجد الطائرات الاسرائيلية صعوبة في ضرب مطار دمشق، كما لم يجد النظام من يقف معه غير الحليفين الروسي والايراني، والأهم أن النظام كرر كل الكليشيهات المتعلقة بالصمود والتصدي، لكنه لم يرد على الادعاء الاسرائيلي الخاص بنقل أسلحة ايرانية عبر المطار.
لم يحدث ان خذل السوريون أمتهم في مواجهة اسرائيل، ولم يحدث أبدا أن فرطوا بقضية فلسطين أو ظهر منهم رأي وازن يتسق مع التطبيع بأي شكل أو درجة. حارب السوريون مع فلسطين منذ النكبة وحتى حرب تشرين، ودفعوا دما غاليا، وشاركوا في المقاومة الفلسطينية واستضافوا أبرز منظماتها، وظلوا جميعا فخورون كونهم رأس الحربة في المواجهة، حتى وهم يعلمون ان النظام كان يستثمر فلسطين وقضيتها ليبقى وليتاجر باسمها، بل وليقتل الناس بهذا الاسم في حماه وفي حي المشارقة بحلب وفي جسر الشغور وفي سجن تدمر، وفي عشرات المشاهد والمجازر في لبنان، كانوا يدركون ذلك، لكن أحدا لم يفكر يوما أبدا أن يصالح اسرائيل، حتى لو كان الثمن التخلص من نظام مجرم ومستبد.
كانت الثورة في اذار 2011 في جانب منها نمط من محاولة رسم قدر الوطن دون معونة ممهورة بالخيانة من أجنبي، ولو كان للثوار أن يوضع لهم رأس النظام على طبق من فضة مقابل التطبيع مع اسرائيل لرفضوا، ولن يكون غريبا ابدا ان يكون ذلك هو الذي جعل العالم يتخلى عن الثورة السورية، ويترك للنظام حرية القتل دون رادع حقيقي سوى الكلمات والاجراءات القاصرة والدعم الانتقائي المشروط، فيما كان الايراني ومن ثم الروسي يوغل في الشعب السوري قتلا وتهجيرا، لا ليطيل من عمر النظام حسب، بل ليجعل من سوريا بموقعها وقدراتها وخيراتها مرتعا وموطئ قدم لمشاريع تهم مصالح طهران وموسكو حصرا.
هنا لا يمكن وضع قصف مطار دمشق في خانة حرب بين نظام الاسد وإسرائيل، فتلك حرب جمدت بتفاهم قديم بينهما، لكنه جزء من سجال عنيف بين اسرائيل وطهران على أرض سوريا، فتضرب إيران في أربيل بالعراق ما تدعي انها أوكار لاسرائيل، لتقوم الأخيرة بضرب أوكار ايرانية في سوريا، وهكذا يتحارب الخصمان على أرضنا، ليستحوذ كل منهما على منطقة نفوذ تعينه وتقويه، فيما تخسر شعوبنا سيادتها وأمنها وأرواح أبنائها.
ليس مهما بالنسبة لنا ان كانت ايران واسرائيل عدوتين حقيقة أم أنهما يمارسان دور العدوين، فما يهم هو أنهما كليهما يوجهان البنادق على صدورنا ليمهد كل منهما لنفسه ساحة يتمترس فيها، ويصنع لنفسه رصيد قوة يضعه على الطاولة حينما يحين الوقت. هذا هو المغزى، فيما الضحايا الحقيقيون منا، والدمار يقع على ارضنا، والسيادة والكرامة تهدر من رصيد سوريا، وقد طال عليها أمد الاستلاب للاجنبي.
لانريد ان نصدق مزاعم اسرائيل، فتلك ايضا معضلة لانريد مواجهتها، لكننا نصدق تماما أن إيران لن تترك فرصة ولا سانحة إلا واستغلتها لتهين سوريا، وتتصرف بها كمستعمرة، وهي لن توفر مطار الدولة ورمزها السيادي، ليكون جسرها الحر، وغير المقيد لنقل كل ماتريد من السلاح الى المخدرات، وهي هنا لن تكترث لا بصورة سوريا ولا بنظرة السوريين لأنفسهم، وهم يتلقون الضربات الاسرائيلية المتتالية دون رد، فذلك عند طهران ليس مهما، مادام القابع في القصر الجمهوري في المزة بدمشق ليس مكترثا بما يجري، مكتفيا كل يوم بضمان وجود رأسه على كتفيه، مقابل ما يمنحه لايران وروسيا من حق مطلق في سوريا واهلها.
التساؤل هنا، هو عن توقيت قصف المطار، وما وراءه، فإيران لم تكف منذ سنوات عن استخدام مطارات سوريا ولا سيما مطار دمشق في نقل السلاح والعتاد والميليشيات وقادة الحرس الثوري، فلماذا تهتم اسرائيل الآن بالذات بقصف هذا المرفق، وهي تعلم بالطبع أن ذلك لن يوقف استخدام بقية المطارات، كما ان الاضرار سيجري اصلاحها، وتعود ايران لتستخدم المطار كيفما تشاء؟ هنا لابد من الانتباه الى علاقة ذلك بالتصعيد العام بين ايران واسرائيل، وبحاجة حكومة بينيت في تل أبيب لرافعة دعائية تنقذها من السقوط، وبتسخين الأجواء لجعل التفاهم الايراني مع الغرب حول الاتفاق النووي أكثر صعوبة، وباستعراض قوة لاقيمة عسكري له، لاقناع مؤيدي التطبيع ومروجيه بأهمية اسرائيل وقدراتها في مواجهة ايران. لا شئ اكثر من ذلك، اما بالنسبة لايران، فإن قتل ضابط مخابراتها امام بيته في طهران أهم عندها من قصف مطار دمشق، فالأخير يعني سوريا، ويهز صورة نظامها الذي لم تعد له صورة أصلا، فيما الضرب داخل أرضها يهز صورة إيران ذاتها.
بمعنى آخر، ما جرى في قصف مطار دمشق كان نوعا من استعراض قوة إسرائيلي في غمرة لعبة عض أصابع مع ايران، وكلا منهما يعرف أن جائزة الرابح هي الاستحواذ والنفوذ في المنطقة، لكن في حال اقتناع كليهما ان اللعبة تستنزف منهما اكثر مما تعطيهما، فإن تقسيم النفوذ سيتم، وعلى حسابنا ايضا، وبالطبع فلن يسأل أحد عن الخسائر الجسيمة التي دفعتها شعوبنا قربانا لصراع على الموارد والهيمنة يجري تقديمه الينا على انه (محور مقاومة) تقاتل فيه ايران حتى آخر سوري.
المدن
—————————-
دمشق في كليشيهات الممانعة/ ناصر السهلي
في كواليس المسرح العبثي لـ”سورية الأسد”، “صموداً” و”صبراً” على الاحتلال الإسرائيلي، وآخرها قصف مطار دمشق، يعترف بعض “محور الممانعة” بأن ضجيج “الرد” لا يعدو أن يكون أبعد من تمديد إضافي لنظام بشار الأسد.
سجال “الرد” اتخذ، أخيراً، طابعاً أكثر احتقاراً للكليشيهات القديمة، أيام “الصمود والتصدي”. فبقاء الحاكم، رغم الهزائم والاحتلال منذ 1967، يُصنَّف “انتصاراً” و”ممانعة”. وأمام غياب “شرش الحياء” لدى بعض “المحور” نصبح وسط عبثية جديدة: “عدم الانجرار إلى التوريط” في الرد على الاحتلال.
وإذا كانت نخب عربية وسورية قد ظلت لسنوات تتجنب تشخيص المرض السوري كما هو، بكل تفاصيل الوصول إلى الحالة الكارثية، فإن الوقائع باتت تتجاوز الجميع. نعم، ليس تفصيلاً قصف مطار عاصمة عربية، وهو ليس الأول. في المقابل، ماذا قدمت أوركسترا تبرير تدمير نظام البراميل المتفجرة لمدن السوريين وحياتهم غير كوارث المقاربات؟
منذ ما قبل قصف موقع “الكبر” في دير الزور في 2007، واغتيال عماد مغنية في 2008، ظلت “الرسائل” تقول: هذه رسالة لبشار الأسد. ولم تساهم النخب المبتعدة عن تشخيص حقيقي للواقع إلا بدفع مزيد من الناس إلى البحث عن حقيقة “الممانعة” وأهدافها.
ومع ذلك، ظل سيف التخويف بتهمة “الطائفية” مصلتاً للابتعاد عن تناول كوارث الواقع وظلامية المستقبل. فحين يحيل جنرالات طهران الواقع العربي إلى تعددية مليشياوية، رغم شعارات “العروبة”، بالطبع تصبح عبارة “محو إسرائيل في دقائق” شعاراً تهكمياً آخر في الشارعين السوري والعربي. فسيف التزوير ساهم للأسف في إنكار بعض “النخب” لحقيقة انعكاس “الممانعة” على الأجساد الهزيلة والأوطان المفككة.
الحقيقة المرة، التي لا يمكن شطبها بالرغبات، بمقدماتها المتراكمة تنتج هذه الكوارث، التي تحول قصف الاحتلال روتيناً من “الرسائل” إلى نظام مرضي عنه من تل أبيب، بشرط بسيط يتعلق بتقليم أظفار منافستها طهران، لا أكثر ولا أقل.
لعل المصائب الحالية تنطبق عليها مقولة: “الطغاة يجلبون الغزاة”، بغضّ النظر عن قائلها. والتمعن بالحالة السورية، وغيرها، لا يبشر بنتائج مغايرة.
العربي الجديد
————————–
إيكونوميست: لم يبق ما يُسرق في سوريا.. ورئيس النظام يتصرف كزعيم مافيا
إبراهيم درويش
تناولت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير، “الدولة السورية المدمرة التي يقوم رئيس النظام بشار الأسد بإفراغها، أصبحت جسدا أجوف، ولم يبق هناك شيء يمكن سرقته، ففي سوريا اليوم، بات الابتزاز وتجارة المخدرات هما مصدر الداخل الأهم”.
وقالت المجلة إن بشار الأسد يبدو متواضعا مقارنة مع الديكتاتوريين العرب الذين يظهرون بأزيائهم العسكرية اللامعة والمزينة بالميداليات، أو الزعماء الملتفين بعباءات القبائل، فهو لا يرتدي مجوهرات ولا خاتم زواج أو حتى ساعة لامعة. وزيّه المفضل بدلة سوداء وربطة عنق. وتعتبر خطاباته كما تقول شفاء لمن يعانون من الأرق.
ومع ذلك، فمن بين الحكام الفاسدين بالمنطقة، لم ينهب أحد منهم بلده بشكل كامل كما فعل هو (الأسد). وكان من المفترض أن تتحسن حياة أبناء بلده بعد هزيمة تنظيم “الدولة” في 2019، وكذا استعادة نظامه مساحات واسعة من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، إلا أنها أصبحت أسوأ. فالكهرباء منقطعة أكثر من كونها متوفرة، وتعيش غالبية السكان في المناطق التابعة للنظام، و90% منهم فقراء، ويعتمد الكثيرون منهم على التحويلات الأجنبية. وخسرت العملة المحلية 90% من قيمتها.
ويلقي المسؤولون بالمسؤولية عن هذا الوضع على العقوبات، وجائحة كوفيد-19، وانهيار النظام المصرفي في لبنان، وأخيرا الحرب في أوكرانيا، مع أن السبب الحقيقي لكل هذه المشاكل هي أكل النظام السوري لحوم أبنائه ونهب البلد، وفق قول المجلة.
وبحسب مستشار مقرب من الأسد، انشق قبل فترة، فإن بشار “يحكم مثل زعيم مافيا”. وفي محاولة لتقليد مثال ولي العهد السعودي قبل عدة سنوات، قرر الأسد هز المؤسسة الثرية في البلد، واستدعى رجال الأعمال لفندق شيراتون في دمشق. ومن رفض منهم التخلي عن أرصدة، احتُجز في فرع 251، أحد مراكز الاعتقال في دمشق المعروفة بالتعذيب.
ووُضع رامي مخلوف، ابن خال الرئيس والوسيط البارز، تحت الإقامة الجبرية. وهرب مصرفيون وتجار وصناع خمور، وصودرت مصالح تجارية وأُغلق الكثير منها. وحلت محلهم مجموعة يرثى لها من رجال الأعمال، حسب تقرير لمركز “حمرون” ومقره إسطنبول. ومعظمهم من أمراء الحرب الذين يقومون بغسل واردات التهريب.
وبدلا من الاستثمار مجال التصنيع الذي يمكن للنظام مصادرته، فهم يستثمرون في المطاعم الراقية. وأُعلن مؤخرا عن افتتاح مطعم في دمشق، اصطفت أمامه سيارات لامبورغيني وتيسلا.
وتعلق المجلة أن الابتزاز أصبح مستشريا، واقتيد كثيرون إلى الفرع 251 لعدم دفعهم أموال الحماية. ويبني الأسد أيضا ثروة من الغاز والبترول والكهرباء. ففي الوقت الذي يعيش فيه الناس بالظلام، ولا يستطيعون الحركة، يوفر الأسد الطاقة لوسطاء السلطة في لبنان الذين يدفعون بالدولار. ويحصل حزب الله على الوقود كمكافأة مقابل دعمه النظام في الحرب. وهناك حيلة أخرى للنظام، وهي بيع الجوازات للسوريين الذين يريدون المغادرة. ويحصل الوكلاء على ألف دولار للتسريع بالمعاملة أو شطب الاسم من القوائم السوداء على نقاط التفتيش. ويظل المصدر الرئيسي المدر للمال، هو المخدرات.
وبحسب معهد نيولاينز للإستراتيجيا والسياسة بواشنطن، ينتج 15 مصنعا واقعا تحت سيطرة النظام مادة الكبتاغون، بالإضافة إلى 20 مصنعا صغيرا تقوم بإنتاج المخدرات قرب الحدود مع لبنان. وهناك من نوع المصانع بات ينتج “ميثامفيتامين”. وباتت العملية كبيرة ومتنوعة، لدرجة أصبح السوريون يطلقون عليها “النقابة”.
وفي الماضي كان البدو يهربون المخدرات في بطون الماشية وشاحنات الخضار، أما اليوم فيتم نقلها بعربات مصفحة ومحمية بطائرات بدون طيار وأسلحة ثقيلة. ونفى الأسد مزاعم تورطه بتجارة المخدرات، إلا أن الرفاق الذين انقلبوا عليه يقولون إن “المافيا” تعمل من دائرة مالية في رئاسته، ويشرف عليها شخص يوصف بأنه “بابلو إسكوبار السوري”، في إشارة لعراب المخدرات الكولومبي الشهير.
ويقوم رجل الظل هذا بشحن المخدرات عبر موانئ البحر المتوسط معتمدا على شركته الأمنية. كما يستدعي نيابة عن الأسد، رجال الأعمال بمطالب للمساهمة ودعم صندوق شهداء سوريا، وهي مؤسسة أخرى لجمع المال. ويقال إن رجال الأعمال يحضرون للقصر الرئاسي وبأيديهم حقائب محشوة بالمال. ويقول البعض إن تجارة المخدرات تسمح للأسد بشراء ولاء طائفته العلوية.
وتم منح أراضي وممتلكات السنة الذين أجبروا على تركها إلى العلويين الذين رحبوا أولا بالقمع الوحشي الذي مارسه النظام. ولم ينتفع بالنهاية إلا القليل من عملية التغيير السكاني للأسد. وفي الفترة الأخيرة شجب الكثير من العلويين تقارب الأسد مع القادة السنة، وخاصة في الإمارات، وشعروا بالخيانة، ولم يوافقوا على قراره الإفراج عن مئات من المعتقلين السنة أثناء شهر رمضان. وغضبوا من قطع الدعم على المواد الأساسية والبترول، وزادت الاحتجاجات من فترة لأخرى.
وقال منشق علوي: “الجماعة التي قاتلت من أجل الأسد انقلبت عليه”. ويعاقب قانون للجرائم الإلكترونية أي شخص “يحرض على الآراء السلبية” بالسجن لسنوات. ومع حرف اهتمام روسيا للحرب في أوكرانيا، بات الأسد غير متأكد من أمنه، ففي 10 حزيران/ يونيو، ضربت الطائرات الإسرائيلية مطار دمشق، مخلفة أضرارا فادحة فيه، ويقول البعض إنه قد يتوقف عن العمل لعدة أسابيع.
وبدأت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن الهدف المقبل، هل سيكون القصر الرئاسي لبشار الأسد؟
ويخشى السوريون من جر بلادهم لحرب مع إسرائيل بسبب إيران. إلا أن الفقر الواسع قد يكون نافعا للأسد، لأن هناك قلة من الأجانب ستكون مستعدة للقتال من أجل بلد محطم أو ما تبقى منه. ومع استمرار تراجع العملة السورية، فمَن حول الأسد لديهم القدرة على التمتع واستخدام الدولار إلى جانب أن معظم الناس أصبحوا خانعين ومحطمين، و”مهما ساءت الأمور، فالسوريون يشعرون بالتعب ولا يريدون العودة للحرب” كما يقول مسؤول في الأمم المتحدة.
القدس العربي
—————————
هل يتخلى الأسد عن الإيرانيين؟/ عاصم الزعبي
تكهنات كثيرة خلال الفترة الماضية، دارت حول إمكانية أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية، والمحاولات العربية، لتخلي بشار الأسد عن علاقته بإيران، أو على الأقل الحد منها، بحيث يتم إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وبشكل خاص الجنوب السوري الذي يؤرق كل من إسرائيل، والدول العربية المجاورة.في المقابل فإنه ووفق تقديرات متابعين فإن العلاقة بين الطرفين قد يكون من الصعب كسرها أو تخفيفها، وخاصة مع التمدد الإيراني مؤخرا جنوب سوريا، عقب الانسحابات الروسية، والذي أثار حفيظة الأردن وإسرائيل على حد سواء.
لا تحول في العلاقة السورية الإيرانية
مركز تفكير إسرائيلي، استبعد في دراسة يوم أمس الأربعاء، أن تسهم الهجمات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، في العمق السوري، والتي كان آخرها استهداف مدرجين بمطار دمشق الدولي وبعض منشآته، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة، في إحداث تحول على طابع العلاقة بين حكومة دمشق وإيران.
“المركز اليروشلمي للشؤون العامة والدولة” توقع ألا يخضع بشار الأسد للضغوط التي تمارسها عليه إسرائيل من خلال تكثيف الهجمات، وأن يعمل على منع إيران من مواصلة تهريب السلاح والوسائل القتالية من خلال مطار دمشق وبواسطة الطيران المدني.
وبحسب الدراسة، فإن الأسد يدرك أنه مدين ببقائه في الحكم إلى الجهود التي بذلتها إيران، مما يقلص من فرص استجابته للضغوط الإسرائيلية.
الخبير العسكري، إبراهيم الجباوي، أكد خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن العلاقة بين الأسد وإيران علاقة قديمة ومتجددة واستراتيجية، بدأت بشكل فعلي منذ دخول القوات السورية إلى لبنان في السبعينات وإنشاء “حزب الله” لاحقا، لتتطور هذه العلاقة بشكل لا يمكن فصلها فيما بعد.
وأشار الجباوي، إلى أن الأسد لا يمكنه التخلي عن إيران، لأسباب عديدة، منها إغراقه بالديون، بالإضافة إلى أن إيران هي من دعمت بقاءه في السلطة خلال السنوات الماضية مع روسيا، وقد بلغت السيطرة الإيرانية على سوريا والأسد لدرجة أن الأخير لا يملك الجرأة لاتخاذ هذا القرار.
وقد أشار الأسد نفسه، خلال مقابلته قبل أيام مع تلفزيون “روسيا اليوم” إلى متانة علاقته بإيران، حيث شدد على أن هذه العلاقة “لا يمكن أن تحددها أي دولة”، مضيفا أن “الدول التي تطلب قطع علاقتنا مع إيران هي نفسها اليوم تحاور إيران”.
لاخيار للأسد في الذهاب نحو العرب
العديد من الدول العربية، عملت خلال العامين الأخيرين على التطبيع منخفض المستوى بالتدريج مع حكومة دمشق، وجرت عدة زيارات من مسؤولين عرب إلى دمشق، من بينها زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، نهاية العام الماضي، وزيارة الأسد للإمارات في آذار/مارس الماضي وإعادة بعض البعثات الدبلوماسية، ومؤخرا قيام البحرين بتعيين سفير فوق العادة في دمشق، إلا أن ذلك كله لم يعط أي نتائج مرجوة على الأقل بالحد من العلاقات السورية الإيرانية.
إبراهيم الجباوي، أوضح بأنه قد جرى الحديث خلال زيارة الأسد للإمارات حول عودة سوريا للجامعة العربية، ولكن تم وضع عدة شروط أبرزها الابتعاد عن المحور الإيراني، كما تم الحديث حول فكرة التطبيع مع إسرائيل.
ولكن وحسب الجباوي، فإنه وفي زيارة الأسد لطهران والتي تم استدعاؤه فيها من قبل المرشد الإيراني، وفق تعبيره، رفضت إيران فكرة التطبيع بشكل نهائي مع إسرائيل، كما حذرت الأسد من أن أي عودة للجامعة العربية يجب ألا تكون مشروطة أبدا.
وفي وقت سابق، قال الكاتب السياسي حسان الأسود في حديث لـ”الحل نت”، إن “، أن ما قامت به البحرين قبل مؤخرا، ودول أخرى، هو جزء من الإجراءات أو الخطة التي تقوم على مقاربة خليجية ومصرية وأردنية، لاحتواء حكومة الأسد، ومحاولة إبعادها عن إيران.
وأضاف الأسود، أن هذه المحاولات ستبوء بالفشل، لأن ارتباط دمشق بطهران ارتباط بنيوي، ولا يوجد هناك أي مغريات تدفع الأسد للتخلي عن هذا الحلف الاستراتيجي، فالأسد يلعب على التناقضات بين روسيا وإيران، ومصالحهما بالدرجة الأولى، ويبتز الخليج ودول المنطقة بأكملها من خلال الوجود الإيراني في سوريا، فهو لديه ورقة ضغط قوية لا يمكنه التنازل عنها.
قناعة إسرائيلية بعدم جدوى المحاولة
بحسب دراسة مركز التفكير، فإن إسرائيل تعي أنه ليس بوسعها إحداث قطيعة بين الأسد وإيران بسبب اعتماد بقاء نظامه على العلاقة معها، لكنها في المقابل معنية بالحفاظ على قواعد اللعبة التي كانت سائدة حتى الآن، وضمنها عدم توظيف الطيران المدني في عمليات تهريب السلاح.
ونقل المركز عن أوساط سياسية إسرائيلية بارزة قولها إن الهدف من الهجمات الأخيرة الإيضاح للأسد أن سوريا ستدفع “ثمنا باهظا بسبب مواصلة إيران تمركزها العسكري”، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تهدف إلى إسقاط حكومة دمشق “لكن النظام ورموزه السيادية سيدفعان الثمن المطلوب”.
وفي هذا السياق، يرى الجباوي، أن إسرائيل أدركت الحزئية المتعلقة بعلاقة الأسد بإيران ومتانتها، وهي جزئية مهمة لولاها لسقط الأسد منذ سنوات، لذلك بدأت مؤخرا بتصعيد هجماتها وجعلها أكثر دقة وتدميرا كما في قصف مطار دمشق الدولي مؤخرا، كما صرحت بأن قصور الأسد باتت إحدى الأهداف الإسرائيلية القادمة.
وأضاف الجباوي، أنه حتى بالنسبة للجانب العربي، فقد أكدت المعطيات الأخيرة على أن الأسد يتماهى مع إيران ضد العرب، وقد أدركت الدول العربية مدى سيطرة إيران على الأسد وقراره، خاصة بعد زيارته الأخيرة لطهران.
كما بدأت إسرائيل والدول العربية، باستشعار حقيقي لخطر الميليشيات الإيرانية جنوب سوريا، ما دعا الأردن إلى إعادة النظر بمبادرة اللاورقة في التطبيع مع دمشق، وهذا مؤشر على تغيير في الموقف العربي، لذلك لا بد من وقوف الدول العربية وإسرائيل على حد سواء لمواجهة الخطر الإيراني الذي بات أقرب من أي وقت على المنطقة، بحسب الجباوي.
وكان حسان الأسود، قد أضاف في وقت سابق، أن مساعي الدول العربية وجهودها لهذا التقارب لن يأتي بأي نفع على هذه الدول، ولا على القضية السورية والشعب السوري، بل سيزيد الأمور سوءا.
—————————-
بين قصف مطار دمشق وقصر الأسد.. ماذا تريد إسرائيل في سوريا؟/ رامز الحمصي
بعد قصف مطار دمشق من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي هددت تل أبيب باستهداف قصور الرئيس السوري، بشار الأسد، كخطوة متقدمة لتوجيه رسائل رافضة لاستمرار الهيمنة الإيرانية على سوريا وفرض قرار طهران على الأسد، فوفقا لتقارير إخبارية أجنبية، لم تكتف إسرائيل بتسريع وتيرة ضرباتها على أهداف مرتبطة بإيران هناك، بل حسنت أيضا من جودتها، حيث أصابت مطار دمشق الدولي عدة مرات في الأسابيع الأخيرة وعطلت عملياته.
زيارة الأسد الأخيرة لطهران لم تكن رمزية كما صورتها وسائل الإعلام، حيث كشف “الحل نت” في تقرير سابق، عن فحوى الاتفاق الذي أبرم خلال الزيارة، حيث طرح الأسد عرضا لطهران بموافقة موسكو، بتحويل رحلات طائرات الشحن الإيرانية من نوع “إليوشن”، إلى مطار حلب، لتكون بالقرب من قواعدها وميليشياتها هناك، والتي بدأت بتنفيذه فعليا أمس الأربعاء، بحسب موقع “فلايت وير” الذي يتتبع مسار رحلات الطيران العالمي.
ومع بحث إيران عن طرق إمداد بديلة، تشير التقارير الإسرائيلية، إلى أن تل أبيب ربما تحول أنظارها بعد تعطل مطار دمشق الدولي عن العمل، إلى الموانئ السورية، فهل يستمر قصف المطارات والموانئ ضمن إستراتيجية “رأس الأخطبوط”.
لماذا ضربت إسرائيل مطار دمشق؟
مع توقف المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي وتركيز انتباه العالم على الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أن إسرائيل كثفت نشاطها العسكري في سوريا، في هذا الهجوم الأخير، يمكن تحديد تحول معين في السياسة الإسرائيلية.
بحسب الباحث في موقع “جي إف بي” المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، فإن إسرائيل كانت تشن حربها مع إيران على مدى العقد الماضي بدرجات متفاوتة من الشدة، وجميع غاراتها تهدف إلى منع نقل الأسلحة الإيرانية إلى وكيلها اللبناني “حزب الله”.
وتابع معلوف، في حديثه لـ”الحل نت”، “على ما يبدو، من أجل تجنب إحراج النظام السوري وإحباط دوافعه للانتقام، لم تصرح إسرائيل علنا مسؤوليتها وتبنيها لهذه الغارات، باستثناء الحالات غير العادية التي شعرت فيها بضرورة القيام بذلك”.
ويشير معلوف، إلى أن الهجمات الإسرائيلية على مطار دولي نادرة للغاية، ومن المرجح أنها تشهد على الأهمية الكبيرة التي توليها إسرائيل لإحباط تسليم مكونات وقطع الصواريخ، ومن المفترض أن تكون هذه الهجمات في الغالب بمثابة تحذير لدمشق؛ من أنه إذا استمرت عمليات التسليم، فقد يتعطل مطاره الرئيسي لفترة أطول.
ويوضح معلوف، وبناء على التقارير التي رصدها الموقع، فإن الغارات الجوية على مطار دمشق قد أحبطت فعليا 70 بالمئة من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية، وهذه الضربات الجوية كانت رسالة واضحة للأسد بمنع الإيرانيين من استخدام بلاده في نقل السلاح، حيث “سيتضرر هو واقتصاد بلاده بشدة”.
وأوضح الباحث في الشؤون العسكرية، أن إسرائيل صريحة، وتشن حملتها ضد إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” برا وبحرا وجوا، ولذلك تقوم إسرائيل أحيانا بقصف قوافل الشاحنات التي تشق طريقها إلى لبنان عبر وسط سوريا وحتى بالقرب من حدودها مع العراق، وبحسب ما ورد تعمل البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر لاعتراض مثل هذه الشحنات، ومن ضمنها ضربات على ميناء اللاذقية السوري إلى القوات الإسرائيلية في وقت سابق.
وكشفت معلوف، أن سبب ضرب مطار دمشق، هو لاستخدامه مؤخرا لإعادة تشكيل الصواريخ الإيرانية المهجنة، من خلال تزويدها بأنظمة ملاحة موجهة عبر الأقمار الصناعية، وهذه المكونات صغيرة جدا ويمكن تمويهها بسهولة كأمتعة على متن رحلات الركاب المنتظمة من إيران إلى سوريا، إذ يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن إيران بدأت في تسليمهم ليس فقط مباشرة إلى سوريا من إيران ولكن أيضا عبر دولة أوروبية.
الهدف موسكو والأسد
قبل بضعة أشهر، وصف مسؤولون إسرائيليون الرئيس السوري، بشار الأسد، بأنه ممتن لإيران لمساعدتها ودعهما الهائل له خلال السنوات السابقة، مبينين أنهم غير راضين عن استمرار وجود إيران في سوريا، ووفقا لهذا التقييم، وبحسب معلوف، “قد لا يكون الأسد مستاء من النشاط العدواني لإسرائيل على الأراضي السورية، وقد يكون قد اختار أن يتجاهلها”.
وأكد معلوف، أنه لم يكن الهدف المركزي من الضربة الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق إيران، بل سوريا، فبضرب مدارج المطار وتعليق الرحلات الجوية لساعات، ربما سعت إسرائيل إلى الضغط على الأسد لتبني موقف أكثر نشاطا وحزما ضد استخدام إيران لأراضيه وبنيته التحتية؛ لمواصلة تهريب الأسلحة إلى “حزب الله” ومختلف الجهات الأخرى التابعة لها داخل سوريا.
من جهته، يعتقد الباحث والمختص في النزاعات، فراس فحام، أن التهديد الإسرائيلي بقصف مقرات بشار الأسد أو استهدافه شخصيا هدفه الضغط على روسيا؛ من أجل دفعها لتنفيذ التزاماتها المتعلقة بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود هضبة الجولان، بعد أن وسع “حزب الله” اللبناني من نقاط انتشاره في السويداء ريف القنيطرة خلال الشهرين الأخيرين.
ووفقا لما تحدث به فحام، لـ”الحل نت”، فإنه على الأرجح أن التسريبات الإسرائيلية عن خطط عسكرية جديدة يهدف إلى إعطاء دفعة جديدة لعملية التنسيق مع روسيا، التي شهدت تراجعا كبيرا منذ مطلع العام الجاري، وستستمر الضربات النوعية والمركزة إلى حين إرغام موسكو على تفعيل التنسيق مجددا.
استهداف “رأس الأخطبوط”
صحيفة “الشرق الأوسط” أوردت أمس الأربعاء، عن محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة “أوراسيا”، هنري روما، أن “طهران توسع نفوذها حول إسرائيل، وتل أبيب توسع نفوذها أعمق داخل إيران”، وبذلك تحول ما عرف بـ”حرب الظل” إلى استهداف “رأس الأخطبوط”.
صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، كشفت أن الهدف المقبل للغارات الإسرائيلية، قد تكون الموانئ السورية في طرطوس واللاذقية، بعد خروج مطار دمشق الدولي عن الخدمة.
وقالت في تقرير لها نشر الأحد الفائت، إن “هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل، أكبر مطار دولي مدني في البلاد، ولإضافة الوقود إلى النار، مع تصاعد ألسنة النيران من المواقع التي تعرضت للهجوم، فهذه هي المرة الخامسة عشرة منذ بداية العام التي تهاجم فيها إسرائيل أهدافا محددة داخل سوريا، وبحسب عدد غير قليل من الدلائل، فقد تم بالفعل تحديد الهدف التالي لتخريب عمليات نقل المعدات العسكرية الإيرانية، وهي موانئ طرطوس واللاذقية”.
الجدير ذكره، ووفقا لما كشفته مصادر عسكرية في غرفة عمليات الإشارة التابعة لوزارة الدفاع السورية، فإن أكثر ما يقلق إسرائيل هو مقاربة القوات الإيرانية للحدود المشتركة واستقرارها في درعا والقنيطرة جنوب سوريا، الأمر الذي دفع بالرئيس السوري بشار الأسد إلى السفر إلى طهران، في أواخر أيار/مايو الماضي، للتنسيق مع القيادة العليا في إيران حول التحديات المحتملة، حيث أتت زيارته بعد أيام فقط من قيام وزير الدفاع الروسي بزيارة طهران، في إطار التنسيق للمرحلة المقبلة.
ووفقا للمصدر العسكري، فإن سفر الرئيس السوري، بشار الأسد، مؤخرا إلى طهران كان لإعداد الوثائق والتنسيق بعد تحرك بعض القوات الروسية من الأراضي السورية للمشاركة في غزو أوكرانيا، وإعادة انتشار القوات الإيرانية في 30 موقعا عسكريا كانت القوات الروسية تستخدمها قبيل انسحابها، في حين سيقتصر الانتشار الإيراني في الجنوب السوري، داخل أربعة مواقع، محيطة بالسيدة زينب، وريف دمشق الغربي.
—————————
صيف سوري ساخن/ عدنان علي
التصعيد العسكري يطل برأسه في سوريا وحولها من أكثر من جبهة. في الشمال تحضر تركيا لعملية عسكرية جديدة. وفي الجنوب تشتعل حرب المخدرات على حدود الأردن الذي بدأ يبحث خياراته لضبط الحدود، بما فيها إعادة تفعيل دور فصائل المعارضة للإمساك بالحدود بدل قوات النظام. وبينما تصعد إسرائيل ضرباتها في سوريا حتى وصلت إلى تحييد مطار دمشق وإخراجه من الخدمة، يهدد “محور المقاومة” بالرد. كما يهدد حسن نصر الله إسرائيل بالحرب في حال واصلت مشروعها لاستخراج النفط والغاز من المياه المتنازع عليها في البحر المتوسط.
إذن، سوريا مقبلة على صيف ساخن، ليزيد من سخونة حرارة الجو المقترنة بغياب الكهرباء وتقنين المياه، مع التهاب الأسعار أيضا.
الأردن الذي يعلن كل بضعة أيام عن ضبط شحنة مخدرات قادمة من سوريا، بات يضيق ذرعا من “عجز” النظام عن ضبط الحدود، وهو عجز مقصود، لأن تجارة المخدرات باتت سياسة رسمية لبعض أجنحة النظام بالتحالف مع التاجر الرئيسي، حزب الله، وهي تجارة تنخرط فيها العديد من الرؤوس الكبيرة في النظام، وعلى رأسهم مسؤول الأمن العسكري في الجنوب العميد لؤي العلي الذي حرك ميليشياته قبل أيام لتصفية قائد “قوة مكافحة الإرهاب” سامر الحكيم حيث كان لمجموعته دور في إعاقة عمليات تهريب المخدرات، لكون قرية خازمة بريف السويداء التي كانت تتمركز فيها، تقع على طريق التهريب باتجاه الأردن. كما أسهمت المجموعة في إلقاء القبض على بعض تجار المخدرات، وسلمت أحدهم قبل فترة، وهو مقرب من حزب الله، إلى قاعدة التنف الأميركية.
ووفق تقرير أحد المراكز البحثية صدر قبل أيام، فإنه في ظلّ عدم قدرة أو رغبة روسيا في معالجة التهديدات التي تستهدف الحدود الأردنية، فإن الأردن قد يتجه إلى بحث خيارات بديلة لحماية أمنه القومي، مثل طلب الدعم من التحالف الدولي لحماية الحدود الأردنية أو التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات مع إسرائيل، بهدف توجيه ضربات صاروخية وجوية ضد مواقع الميليشيات الإيرانية، واستعادة قنوات الاتصال مع قيادات المعارضة السورية المسلّحة والمقاتلين السابقين في الجبهة الجنوبية، من أجل تنسيق عمليات أمنية تستهدف قادة الميليشيات الإيرانية وزعماء عصابات تهريب المخدرات، التي تحظى بغطاء من قوات النظام السوري. ومن تلك الخيارات أيضا السعي لإقناع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا بإقامة مناطق عازلة على الشريط الحدودي بعمق معين داخل الأراضي السورية، لضمان إبعاد الميليشيات الإيرانية عن المناطق الحدودية، إضافة إلى تعزيز الاتصال والتنسيق مع الفصائل المحلية في السويداء، بهدف العمل المشترك على مواجهة الميليشيات الإيرانية التي تعمل بشكل حثيث على زيادة مساحة انتشارها في المحافظة.
ومع كل هذه الخيارات، يبدو خيار التصعيد حاضرا، لأن أجهزة الأمن التابعة للنظام ومعها الفرقة الرابعة، وحزب الله سيدافعون ولا شك بشراسة عن مصدر رزقهم شبه الوحيد المتبقي والذي يدر ملايين الدولارات شهريا.
أما في الشمال السوري، فإن سيناريوهات العملية العسكرية التركية الوشيكة غير معروفة حتى الآن، فقد تكون (إن تمت) محدودة ضمن تفاهمات مع روسيا وربما مع الولايات المتحدة أيضا وتشمل بشكل أساسي مدينتي تل رفعت ومنبج، برغم وجود ضغط روسي خفي لتشمل عين العرب (كوباني) حيث للمدينة رمزية لدى الولايات المتحدة والغرب بسبب انخراط التحالف الدولية في استعادتها عام 2015. أو تكون موسعة، وهذا يعني المزيد من النازحين الذين يغص بهم أصلا الشمال السوري، بل تغص بهم المناطق المستهدفة بالعملية، فيحدث نزوحٌ على نزوح.
كما أن هذه العملية إن لم تكن “منضبطة” بتفاهمات بين القوى الفاعلة في الشأن السوري، قد تتدحرج معها الأوضاع الميدانية كلها في الشمال السوري، باتجاه فتح الجبهات في إدلب وريف حلب الغربي، حيث من المحتمل أن لدى النظام وفصائل المعارضة خططا متشابهة لاستغلال الفوضى ومهاجمة الطرف الآخر.
وتأتي الضربات الإسرائيلية المتصاعدة في الداخل السوري، وخاصة محيط دمشق، لتزيد من تعقيد الوضع، ولا سيما بعد استهداف مطار دمشق الدولي، وإخراجه من الخدمة. وينظر “محور المقاومة” أو محور إيران بالأصح، إلى هذا التطور بعين الخطورة، لأنه يمثل قطعا لأحد أبرز شرايين هذا المحور، ما يرتب عليه إعادة حساباته، إما بمزيد من التكيف مع هذه الضربات، أو البحث عن صيغة للرد تحفظ ماء الوجه، من دون التورط في مواجهة أوسع مع إسرائيل. لكن الأخيرة، حتى لو لم يكن هناك أي رد، تعلن بوضوح أنها ماضية في ضرباتها، بل وتصعيد هذه الضربات، بما يحشر ذلك المحور في زوايا صعبة، خاصة مع التهديدات التي أطلقها أخيرا حسن نصر الله بفتح جبهة جديدة مع إسرائيل في البحر المتوسط على خلفية التنقيب عن النفط والغاز هناك.
الصيف الساخن الذي يلوح في الأفق، مجمل معاركه لا تخص السوريين مباشرة، بل نتاج صراعات وتصفية حسابات إقليمية ودولية، لكن لن يدفع ثمنها سوى السوريين أنفسهم، طالما بقي جاثما على صدورهم نظام سلّم بلادهم للقوى الأجنبية، وهمّه الوحيد يتلخص في الحفاظ على كرسي الحكم، ونهب الثروات وتكديسها في جيوب سدنة هذا النظام.
المصدر: تلفزيون سوريا
———————–
الأسد حينما يغازل الجميع إلا السوريين/ إياد الجعفري
حملت المقابلة الإعلامية الأخيرة، لرأس النظام، سواء من حيث التوقيت والوسيلة الإعلامية أو من حيث المضمون، جملة رسائل للخارج، بصورة أساسية، تعبّر عن استراتيجية النظام المُعتمدة في السنوات الأربع الأخيرة، والتي تستند إلى الموازنة بين الحليفين الروسي والإيراني، ما أمكن، وعدم السماح بهيمنة أحدهما على الشأن السوري. إلى جانب جس نبض إمكانية فتح قنوات تحالف أخرى، بديلة، أو إضافية، والرهان على بقاء تلك القنوات “حيّة”، حتى لو لم تكن مثمرة، شراءً للوقت، على أمل الوصول إلى اللحظة المناسبة التي يمكن فيها استثمار تلك القنوات، بالفعل. دون أن ننسى، النقطة الأهم، وهي محاولة عدم الانجرار وراء الأجندات الخاصة لأحد الحليفين الرئيسيين، بصورة تهدد المصالح الخاصة للنظام.
بدايةً في التوقيت والوسيلة الإعلامية التي أطلّ من خلالها رأس النظام، بشار الأسد، فقد جاء أساساً لتفنيد النظرية التي راجت مؤخراً، والتي مفادها تراجع النفوذ الروسي في سوريا، لصالح نظيره الإيراني. تلك النظرية التي تحولت إلى ركيزة للجار الأردني كي يلوّح بتصعيد عسكري، تحت عنوان تهديد أمنه القومي من جانب الميليشيات الإيرانية التي باتت على حدوده مباشرةً.
إذ كان لافتاً أن الأسد أطلّ عبر قناة “روسيا اليوم”، قبل أيام من العيد الوطني لروسيا، وأرسل التهاني للشعب الروسي، عبرها، مؤكداً في بداية المقابلة، وفي ختامها، على متانة العلاقة مع الروس. ودون شك، لظهور الأسد على الخدمة العربية لـ “روسيا اليوم”، غاية. إذ تبدو الرسائل التي احتوتها المقابلة موجهة أساساً للمحيط الإقليمي العربي، وربما بصورة أساسية، نحو الأردن ودول الخليج، على أمل تهدئة المخاوف من تصاعد النفوذ الإيراني في البلاد. فالأسد أراد أن يقول عبر “روسيا اليوم”، للعرب تحديداً، إنه ما يزال على علاقته الوطيدة بموسكو، وما تزال للأخيرة مكانتها وتأثيرها في دمشق. فبعض العرب -وهو ما عبّر عنه العاهل الأردني صراحةً قبل أسابيع- كانوا يرون في روسيا، الضامن كي لا تتحول سوريا إلى مساحة صرفة للنشاط الإيراني، دون أي قيدٍ أو رادع. وأراد الأسد أن يوحي في مقابلته بأن دور هذا الضامن ما يزال قائماً.
لكن، ورغم ذلك، كان اتجاه الأسد نحو رفع سقف معيار النصر في الحرب الروسية – الأوكرانية، مؤشرا جلّيا على أنه لا يراهن على الروس بصورة أساسية. فإشارته إلى أنه في حال لم تنتهِ هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، فإن شيئاً لن يتغير، أياً كانت نتائج الحرب الميدانية، تعني أن الأسد لا يتوقع تغيراً حقيقياً في موازين القوى الدولية، بين الغرب وروسيا. وانطلاقاً من هذه النقطة، جاءت مغازلته الصادمة للعرب، حينما تحدث عن أن الدول العربية، حتى تلك التي سحبت بعثاتها الدبلوماسية، كانت تقف مع سوريا معنوياً، خلال سنوات “الحرب”. وذلك يتناقض تماماً مع البروباغندا التي سادت في خطاب النظام خلال السنوات الأولى بعد الثورة والتي حمّل فيها دولاً كـ قطر والسعودية، مسؤولية تمويل “الإرهاب” في سوريا. دون أن ننسى الإشارات السلبية التي كانت تصدر حتى تجاه الأردن والإمارات، في أوقات سابقة، من جانب مسؤولي النظام.
قد يفسّر بعضهم تلك المغازلة للعرب، بأنها استدراج لعروض إعادة الإعمار. لكن الأسد كان أكثر واقعية، حينما تحدث صراحةً عن أن شركات عربية هي التي أبدت رغبتها في المشاركة في إعادة الإعمار، لا دولاً عربية. وأن تلك الشركات ستبقى تخشى سيف العقوبات. مما يعني أن مشاركتها في إعمار البلاد لن تكون نوعية، على المدى القريب أو المتوسط. مما يؤشر إلى أن مغازلة الأسد للعرب تحمل غايات سياسية، أكثر منها اقتصادية. وربما يتوضح ذلك أكثر، في إشاراته إلى خضوع جميع الدول العربية، لضغوط قوى خارجية، بنسب مختلفة، حينما تحدث عن الجامعة العربية. وهو ما يظهر رهان الأسد على هامش الاستقلالية الجلّي الذي تبديه دول عربية، خليجية بالأساس، في سياساتها الخارجية، على غير المعتاد، بعيداً عن الهيمنة الغربية. وهو رهان يظهر تشاركاً في الاستراتيجية، التي تقوم على موازنة العلاقات بين مختلف الأطراف، والبحث عن سبل كي لا تقع دول صغيرة تحت هيمنة حليف محدد، فتصبح أسيرة لأجنداته.
وهو ما يحاول الأسد في هذا التوقيت، النجاة منه. فهو لا يريد الوقوع أسيراً لأجندات إيران، بحيث تصبح سوريا ساحة للصراع مع الجار الأردني، أو الطرف الإسرائيلي، بصورة تهدد استقرار وأمن النظام. فالأسد يعلم، أن العاهل الأردني الذي كان عرّاب مسار التطبيع معه، في الصيف الفائت، انقلب مؤخراً ليروّج للحاجة الملحة للجم النفوذ الإيراني المتصاعد، في الجنوب السوري، وصولاً إلى طَرقِ خيارات غير سلمية، في تنفيذ ذلك. هذا السيناريو، يخشى الأسد دون شك تطوره، لذلك سيعمل قدر استطاعته، لعدم خلق مبررات تجعل من تحقق ذلك، أمراً مُحتّماً.
وفي الوقت الذي كان فيه الأسد يغازل روسيا ويغازل العرب، ويرفض أي تدخل في علاقته الخاصة مع إيران، فيرسل لجميع الأطراف الخارجية، تقريباً، رسائل ودّية، فإنه كان يرسل إلى الداخل رسائل يجلّلها البرود وعدم تقدير مدى التدهور المعيشي الذي يعيشه السوريون. ليقول للسوريين بصريح العبارة: لا ترفعوا سقف تطلعاتكم، فلا إعمار، ولا كهرباء، ولا تسويات سياسية مقبلة.
تلفزيون سوريا
————————
لغة ناعمة وانفتاح على العرب.. ما جديد الأسد في مقابلته الأخيرة/ حسام المحمود
في بهو واسع ضمن القصر الرئاسي، وعلى كرسيين لا تتوسطهما طاولة، دارت مقابلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مع مذيعة قناة “روسيا اليوم”، الناطقة بالعربية وتديرها الدولة، لمدة 31 دقيقة ونصف، مساء 9 من حزيران الحالي.
المقابلة التي حملت في أجندتها الكثير من الموضوعات، أجراها الأسد تاركًا الباب خلفه مفتوحًا، بما يمكن تفسيره سياسيًا على أنها خطوة لمحاولة التعبير عن عدم الإخفاء أو “الشفافية”.
وبالنظر إلى السياق الزمني بالنسبة للطرفين، السوري والروسي، تأتي المقابلة بعد ثلاثة أشهر ونصف من بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، في ظل تراجع الطموحات الروسية في الوصول إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، التي بدأت تستعيد بعضًا من دماء حياتها الدبلوماسية والسياسية، بالتزامن مع عودة بعثات دبلوماسية لبعض الدول إليها.
كما تأتي المقابلة بعد أسبوعين من مرور عام على الانتخابات الرئاسية في سوريا، في أيار 2021، وما حمل حينها شعار الأسد الانتخابي “الأمل بالعمل”، من وعود فضفاضة وضبابية، لم تتوضح ضمن برنامج انتخابي مفصّل.
ما الجديد؟
رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، بيّن في حديث إلى عنب بلدي أن المقابلة عديمة الأهمية دوليًا، وأن اللقاء رسالة للداخل السوري ولمن اصطف إلى جانب النظام أو بقي صامتًا داخل سوريا على الأقل أمام انتهاكاته المستمرة.
كما اعتبر سمير مطر اللقاء رسالة طمأنة وجهها النظام، مفادها أن الدولة قائمة والنظام ثابت، لكنها رغم ذلك تبقى خالية الوفاض وضعيفة، خاصة أن النظام مفلس سياسيًا واقتصاديًا، وبدأت جبهة مؤيديه الداخلية تتفكك بعد ظهور تبعات سياسته الأمنية، وبسبب تأثير العقوبات التي اتخذت أساسًا في مواجهته، كنتيجة لسياسة القتل والاعتقال التي مارستها القوى الأمنية بحق السوريين.
أما الرسالة الخارجية برأي رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، فموجهة لحليفه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وللحكومة الروسية، ولشن هجوم على سياسة الولايات المتحدة، لكنها رسالة ضعيفة، لأن النظام بلا وزن على الساحة الدولية أو الإقليمية.
ولم تواجه مذيعة قناة “روسيا اليوم” الأسد بأسئلة حقيقية يطرحها صحفي مهني ورصين، بل منحته المساحة ليقدم ما يود من رسائل بما ينسجم وسياسة القناة والدولة التي تعبّر عنها، ما يفسر قصر مدة اللقاء قياسًا بما يأتي عادة، كونها مدة كافية للأهداف المنوطة بها، وفق رأي سمير مطر، الذي لفت أيضًا إلى غياب موضوع المحاكمات الجارية ضد ضباط وصف ضباط سوريين سابقين في ألمانيا وقريبًا في دول أوروبية أخرى، باعتبار أن الحديث حول مواضيع كهذه يظهر بما لا يترك مجالًا للجدل صورة النظام الواقعية.
الاقتصاد أولًا
خلال الحوار الذي افتُتح بالحديث عن “الغزو” الروسي لأوكرانيا والقواسم السياسية المشتركة في نظرة روسيا والنظام إلى أوروبا والولايات المتحدة، إلى جانب مغازلات النظام لموسكو، طفت على السطح بالضرورة محاور تفصيلية من صلب الملف السوري ومساره السياسي خارج سوريا، والمعيشي والاقتصادي داخلها.
وبعد مقاربة العقوبات المفروضة على النظام السوري بتلك المفروضة على روسيا، تطرّق الأسد للوضع المعيشي والاقتصادي ردًا على سؤال حول مسببات التردي الاقتصادي في مناطق سيطرته، وإمكانية ردّها فقط للعقوبات، لكن الأسد أعاد تدوير ذرائع استخدمها في خطاب القسم، في 17 من تموز 2021، وكساها بصبغة لغوية جديدة، ناسبًا المشكلة جزئيًا لـ”الحصار”، كونه يرفع تكاليف الإنتاج ويبطئ العملية الاقتصادية.
كما ذكر أسبابًا أخرى عالمية بالطبع، منها ما هو على صلة بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، لافتًا إلى ما اعتبرها رغبة الغرب في وضع كل المشكلات كنتيجة لحرب أوكرانيا، وتحديدًا كنتيجة للسياسة الروسية.
وصنّف الأسد خلال حديثه الأسباب ضمن ما له علاقة بـ”الحرب”، والحصار، والخطط الحكومية، ملمحًا إلى مسؤولية محتملة للشركات، وعادات المواطنين الاستهلاكية، التي تسهم سلبًا وإيجابًا في الوضع الاقتصادي، وفق رأيه.
ولفت أيضًا إلى وجود عقبات أمام مكافحة الفساد، مثل “الحرب” وضعف مؤسسات الدولة بسببها، وحاجة النظام الإدراي للتطوير.
وأضاف الأسد، “لكن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نحقق طموحاتنا في مكافحة الفساد في ظل الظروف التي نعيشها”.
وفي معرض رده على الآلية التي يمكن من خلالها للمواطن التوفيق بين احتياجاته اليومية وهذا التدهور المعيشي، اعتبر الأسد أن الحل في الإنتاج، المربوط بالكهرباء، التي ستشهد بدورها تحسنًا خلال العام الحالي، دون رفع السقف عاليًا، باعتبار أن “هناك ظروفًا تأتي ضدنا، وهناك محاولات لضرب كل خطوة نقوم بها للأمام في المجال التنموي”.
اللجنة الدستورية حاضرة
اعتبر الأسد أن وفد المعارضة في اللجنة الدستورية وفد تركي، معيّن من قبل أنقرة ويعبّر عن تطلعاتها.
وقال الأسد، “نحن نتحدث عن طرفين: الأول تم اقتراحه من قبل الحكومة السورية، وهو لا يمثّل الحكومة السورية وليس موظفًا فيها، وبالتالي هم ليسوا موظفين دبلوماسيين، ولكن موافق عليهم، أو يمثّل وجهة نظر الحكومة السورية، وهناك طرف آخر عُيّن من قبل تركيا”.
أُسست اللجنة الدستورية عام 2019، متضمنة هيئة من 150 عضوًا تضم 50 ممثلًا للنظام السوري، و50 ممثلًا من المعارضة، و50 من المجتمع المدني.
وفي خطاب أمام رؤساء المجالس المحلية، في 17 من شباط عام 2019، اتهم الأسد وفد المعارضة في اللجنة بالعمالة، وقال إن لقاءات اللجنة ستُعقد بين “طرف وطني وطرف عميل”.
تودد للعرب.. هجوم على “الجامعة”
في ظل حالة تكهن بإمكانية مشاركة النظام في اجتماعات القمة العربية بدورتها المقبلة المزمع عقدها في الجزائر، أبدى الأسد خلال المقابلة توددًا سياسيًا للعرب عمومًا وللجزائر تحديدًا، فنفى وجود أحقاد سياسية على الدول العربية، معتبرًا ما جرى في سوريا “من الماضي”، مشيرًا إلى أن العلاقات بين سوريا والدول العربية لم تتبدل في المضمون، بل شكليًا فقط.
في الوقت نفسه، ركّز الأسد على الأهمية التي تمنحها الجزائر للقمة، معتبرًا أن الوزن الوحيد لهذه القمة أنها ستُعقد في الجزائر، مبررًا موقفه بثبات العلاقة مع الجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي.
بينما قلل من جدوى الجامعة العربية وقدرتها على تحقيق شيء من آمال المواطن العربي بحضور أو غياب النظام عن “الجامعة”، كما اعتبرها الغطاء لـ”العدوان على ليبيا والعدوان على سوريا ولكل عدوان آخر”.
في المقابل، أبدى الأسد رغبته واستعداده لزيارة أي دولة عربية، ملمحًا إلى أن هذا الشيء لا يتم من دون دعوة، وأضاف، “من الطبيعي ومن البديهي أن أفكر بزيارة الدول العربية، لأنه بالرغم من كل الوضع العربي السيئ بلا حدود، علينا أن نخفف الأضرار، وأن نتلافى المزيد من السقوط، فالحوار مع الدول العربية ومع المسؤولين العرب هو شيء أساسي”.
وفي الوقت الذي تبدي به بعض الدول ترحيبها بعودة النظام إلى الجامعة العربية، مثل الإمارات والجزائر وسلطنة عمان ولبنان والعراق، وتعارض دول أخرى عودة النظام، ومنها قطر والسعودية، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في 10 من آذار الماضي، خلال اجتماع الدورة 157 لمجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء، عدم رصد توافق عربي على عودة سوريا إلى “الجامعة”.
وخلال المقابلة، تراجعت حدة الخطاب الهجومي الذي يشنه الأسد عادة بحق دول الخليج وتركيا على الأقل، فلم يسمِّ دولًا بعينها، وأبدى انفتاحًا، كما أشار إلى تركيا بـ”الحكومة التركية”، دون مهاجمة شخص الرئيس التركي كالعادة.
ومن مصلحة النظام، وفق رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، فتح باب علاقات مع دول الخليج تحديدًا، وأي دولة تعطيه مؤشرات بقبولها لعلاقة معه، أمام حاجته إلى كسر العقوبات والحصول على صفقات أو مشاريع أو مساعدات من أي نوع.
وأوضح رئيس “رابطة الصحفيين”، أن الأسد يسعى لاستجلاب الدول للاستثمار في مناطق سيطرته، ليسوّق لاحقًا لذلك على أنه انتصار وكسر لعزلته ومقدمة لانتعاش اقتصادي مقبل وحتمي، في سبيل تبديد السخط الداخلي المتنامي ضده بعد عجز حكومته عن تأمين أبسط الاحتياجات الأساسية للسوريين.
وبعد اجتماع طارئ عُقد في العاصمة المصرية، القاهرة، في تشرين الثاني 2011، علّق وزراء الخارجية العرب عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، التي طالبت برحيل بشار الأسد.
وإثر صدور القرار بموافقة 18 دولة عربية، مقابل رفض سوريا ولبنان واليمن له، أُعلن عن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام السوري، ليبقى المقعد السوري شاغرًا في الجامعة العربية منذ تجميد العضوية حتى آذار 2013، حين مُنح المقعد خلال القمة المنعقدة في الدوحة للمعارضة السورية، التي ألقى الرئيس السابق لـ”الائتلاف السوري المعارض”، أحمد معاذ الخطيب، كلمة باسمها، لمرة واحدة في ذلك الوقت والمكان.
“تيار المقاومة” يتملّص من القضية
بالحديث عن مدى احتمالية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أبدى بشار الأسد تحفظه على المصطلح، دون استبعاد الفكرة، إذ ردّ التطبيع إلى علاقات قائمة على تنازلات عربية بلا مقابل، بينما يرغب النظام بـ”علاقات عادية مرتبطة بسلام يعيد الحقوق”، وفق رأيه.
في الوقت نفسه، شدد الأسد على عدم إقامة علاقات قبل استعادة الجولان، مبينًا أن العلاقات لن تكون تطبيعًا بل “علاقات عادية بين أي دولتين”، وهي من المرات النادرة التي توصف بها إسرائيل بـ”الدولة” في الأدبيات السورية الرسمية.
وفي كلمته أيضًا، منح الدول العربية التي أقامت علاقات سياسية حديثة نسبيًا مع إسرئيل (الإمارت والبحرين والسودان والمغرب) مبررات لخطوات من هذا النوع، معتبرًا أن اتفاقية “أوسلو” في تسعينيات القرن الماضي، شهدت تقديم تنازلات من صاحب القضية لإسرائيل، ما يبرر لأي دولة في العالم “التطبيع أو السلام مع إسرائيل لأن صاحب القضية تنازل عنها”، وفق رأيه.
الأسد أيضًا أبدى تمسكه بالعلاقات مع إيران، مشددًا على أن الموضوع غير قابل للنقاش مع أي دولة، ولا يُناقَش أصلًا، وإن كانت بعض الدول ناقشته في وقت سابق.
وحول مسألة التطبيع مع إسرائيل، يرى سمير مطر أن النظام لا يمكن أن يقدم على خطوة من هذا النوع بمعزل عن الموافقة الإيرانية، ويبدو ذلك بوضوح عند النظر إلى سكوته عن هجمات إسرائيل المتكررة على القوات الإيرانية في مناطق متفرقة من سوريا، خاصة في الجنوب.
وكان أحدث الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع سورية، فجر 10 من حزيران الحالي، بعد ساعات على عرض مقابلة الأسد، حين استهدفت إسرائيل عبر الجو مطار “دمشق الدولي”، وعطّلته.
عنب بلدي
——————————–
“هذا تحذير لبشار الأسد”.. حقيقة ضربة الجمعة “الاستثنائية” على مطار دمشق
ضياء عودة – إسطنبول
لا يزال مطار العاصمة دمشق الدولي “خارج الخدمة” بعدما تعرض قبل أيام لقصف نسب إلى إسرائيل، أسفر عن تضرر مدارجه بصورة كاملة، وفي الوقت الذي تسود فيه ضبابية بشأن الأسباب التي دفعت إلى تنفيذ هذه الخطوة في الوقت الحالي، تلوح في الأفق ملامح “تصعيد آتٍ”، بحسب ما تحدث مراقبون من مختلف الأطراف لموقع “الحرة”.
ورغم أن المطار شهد، خلال السنوات الماضية، سلسلة هجمات صاروخية وجوية “من الجانب الإسرائيلي”، إلا أن “ضربة يوم الجمعة” كانت مختلفة إلى حد بعيد عن سابقاتها.
وهذه المرة الأولى التي يخرج فيها المطار عن الخدمة “بشكل كامل”، وهو ما أعلنه النظام السوري، مشيرا على لسان رئيس الحكومة، حسين عرنوس، الاثنين، إلى أنه وجه ورشات العمل إلى الإسراع في عمليات إعادة تأهيل الأجزاء المتضررة، التي أصابت المهبط الرئيسي ومدرجا آخر، إضافة إلى غرفة الأجهزة.
وتقول إسرائيل إن المطار الدولي تحوّل منذ سنوات إلى “محطة لتهريب الأسلحة الإيرانية من طهران إلى حزب الله اللبناني”، وفي مطلع مايو الماضي كان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي تحدث عن “أسلوب يتبعه الحزب اللبناني لنقل الأسلحة الاستراتيجية، من إيران إلى مناطق نفوذه”.
وأضاف أن “نقل الأسلحة يتم على متن رحلات مدنية من إيران إلى مطار دمشق الدولي، لضمان الحفاظ على السرية. ما يعرض المدنيين إلى خطر محدق”، حسب تعبيره.
لكن، على الطرف المقابل، يرى النظام السوري ما حصل على أنه “عدوان”، وأن إسرائيل تعمل على استهداف المنشآت المدنية والبنى التحتية في سوريا “تحت مبررات ومزاعم”.
أما إيران وروسيا، حليفتا النظام السوري، فبينما اعتبرت طهران القصف بأنه يأتي “ضمن الاعتداءات الصهيونية المتكررة”، مهددة باستمرار “المقاومة”، وصفت الأخيرة ما جرى بأنه “ممارسة شريرة”.
“من البحر إلى الجو”
وتشبه ضربة المطار الحيوي ما حصل قبل ستة أشهر، في ديسمبر عام 2021، حين تعرض ميناء اللاذقية السوري “المنفذ البحري الأبرز” لقصف نسب أيضا لإسرائيل، أسفر عن خسائر مادية كبيرة وقتلى.
وجاء ذلك بعد سلسلة تقارير استخباراتية اعتبرت أن الميناء حولته طهران أيضا إلى ممر بحري لتمرير الأسلحة إلى مناطق نفوذ ميليشياتها في سوريا ولبنان، في سيناريو يشابه للتقارير المتعلقة بمطار دمشق.
ويعتبر ميناء اللاذقية “شريانا حيويا للنظام السوري”، حيث يستمد من خلاله إمداد النفط وغير ذلك من المواد الأخرى.
وكذلك الأمر بالنسبة لمطار دمشق، الذي يعتبر من أبرز وأهم المنافذ الجوية لسوريا، حيث يسيّر من خلاله النظام السوري جميع رحلاته الداخلية والخارجية، ويستقبل فيه مسؤولي الدول الأخرى، فضلا عن كونه محطة للمساعدات التي تصل عن طريق الجو.
الباحث السوري في مركز “جسور للأبحاث والدرسات”، وائل علوان، قال إن ضربة مطار دمشق “تشبه بشكل كبير تلك التي استهدفت ميناء اللاذقية أواخر 2021”.
ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “كلاهما تعتمد سياسة جز العشب التي تنتهجها إسرائيل حيال الوجود الإيراني في سوريا. ضربة مطار مؤلمة وقاسية وتم الإضرار بالمطار بشكل كامل وجعله خارج الخدمة”.
واستبعد علوان أن إسرائيل تهدف أن تبقي مطار دمشق “خارج الفعالية”، معتبرا أن “قصفها رسالة قاسية بأنها تراقب عمليات نقل وتطوير الأسلحة، مع ازدياد النشاط الإيراني في سوريا، بحكم الانشغال الروسي في أوكرانيا”.
من جهته يرى المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري أن ضربة الجمعة “تصعيد غير مسبوق وخطير ومخالف للقوانين الدولية. هذه أول مرة يتم استهداف المنشآت المدنية، وخاصة أحد المنافذ المتبقة في سوريا”.
ويقول الأصفري لموقع “الحرة”: “التصعيد آت وكبير جدا، وأعتقد أن محور المقاومة سيقود ردا غير مسبوق على إسرائيل. هو ليس بعيد. نحن مقبلون على أيام ساخنة”.
واعتبر المحلل أن “المعركة المقبلة ستكون معركة كسر عظم بكل النواحي”، وأن “إسرائيل تعطي رسالة بالقصف بأن يدها طولى وأنها لا تهتم بالقانون الدولي”، مؤكدا فكرته بالقول: “نحن مقبلون على أيام ساخنة”.
ماذا عن إسرائيل؟
وتقول إيران، منذ تدخلها الأول في سوريا عام 2012، إن وجودها العسكري يقتصر على “مستشارين” فقط، وهو الأمر الذي تراه إسرائيل غير ذلك.
وتتبع إسرائيل، منذ سنوات، سياسية عدم التعليق على ضرباتها الصاروخية أو الجوية في سوريا، ليقتصر الحديث المتعلق بذلك على وسائل إعلامها المتنوعة من صحف وقنوات تلفزيونية.
وقالت “القناة 12” في تقرير لها الأحد إنه بعد القصف الصاروخي الإسرائيلي الذي استهدف مطار دمشق قبل يومين، تم إحباط 70 بالمئة من عمليات تهريب الأسلحة إلى سوريا من إيران.
وجاء في التقرير أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رصدت خلال الفترة الأخيرة تكثيف الإيرانيين الجهود لإدخال أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى سوريا، مخصصة لمشروع “تطوير صواريخ دقيقة”.
وأشار التقرير إلى أن الهدف الأساسي من قصف المطار نقل رسالة للإيرانيين، مفادها، “نحن نرى ما تفعلونه ومستعدون لبذل جهود كبيرة لمنعه، بما في ذلك إغلاق مطار دولي”، وتوجيه أيضا رسالة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، تحذره من استضافة الإيرانيين وتركهم يتمركزون في سوريا.
وذلك ما يؤكده أيضا المحلل الإسرائيلي، يوني بن مناحيم بقوله: “القصف رسالة إسرائيلية لبشار الأسد وتحذير، لأن الإيرانيين بدأوا بتهريب الأسلحة عبر الطيران المدني، من طهران إلى دمشق”.
ويضيف المحلل السياسي لموقع “الحرة”: “إسرائيل ليس لها أي طرق لإسقاط طائرات مدنية. هذا ليس معقول بسبب الركاب المدنيين. الإيرانيون يستخدمون الركاب ويهربون السلاح عبر الطيران المدني”، في رده على سؤال يتعلق بأسباب استهداف المدارج بشكل مباشر.
“عمليات التهريب عبر البحر والبر تقصفها إسرائيل دون أي مشكلة، لكن عبر الطيران المدني هناك مشكلة كبيرة، لذلك تكرر قصف المطار للحيلولة دون هبوط هذه الطائرات التي تحمل سلاحا. لكي لا تهبط في دمشق”.
ويتابع بن مناحيم: “هذا تحذير لبشار الأسد وسنرى رد فعله. أتوقع المزيد من التصعيد الإسرائيلي، لأن إيران مصممة على تهريب السلاح لحزب الله”.
“بين موسكو وطهران”
في غضون ذلك كتب رئيس “اتحاد الغرف الصناعية”، فارس الشهابي عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل “تويتر” أن “المشكلة ليست في إصلاح المطار، بل في ارتفاع درجة مخاطرة الملاحة الجوية العالمية عبره باعتباره مستهدف عسكريا! تماما كما حدث بمرفأ اللاذقية”.
وأضاف: “إذا وصل التمادي الصهيوني إلى ضرب مطار حلب، فهذا يعني خروج سوريا من خارطة الملاحة الجوية المدنية في العالم لأول مرة في تاريخها”.
وزاد: “الوضع أخطر بكثير مما نعتقد، ويجب على كل الحلفاء إدراك خطورته والمساعدة السريعة في إعادة تثبيت معادلة الردع، لكي لا يحدث ذلك”.
ومع كل قصف إسرائيلي على سوريا يثار الحديث عن موقف حلفاء الأسد، وخاصة روسيا التي تسير مع إسرائيل ضمن آلية تنسيق مشتركة لعدم الصدام.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، السبت، إن روسيا تدين بشدة الغارة الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي، وتطالب الجانب الإسرائيلي بوقف هذه “الممارسة الشريرة”.
ويوضح المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، أن “التواجد العسكري الروسي له مهام محددة. مساعدة السوريين في محاربة التنظيمات الإرهابية ووقف الاقتتال بين السوريين، وهذا يعني إنقاذ سوريا من حرب أهلية داخلية واسعة”.
إضافة إلى “دور موسكو ضمن مجموعة أستانة، لفرض نظام تهدئة على كافة الأراضي ومساعدة السوريين في التوصل إلى توافق عن طريق الحوار”.
ويضيف الشاعر لموقع “الحرة”: “فيما يخص القصف الإسرائيلي فموقف موسكو واضح وهي دائما تنتقده وتسعى إلى دعم جهود التسوية الشرق الأوسطية بين الدول العربية وإسرائيل وقيام دولة فلسطينية مستقلة واستعادة سوريا للجولان”.
ويؤكد: “روسيا لن تدخل في صدام عسكري، لا مع إسرائيل ولا مع إيران ولا مع تركيا. بالعكس تسعى إلى تفادي التوتر بين هذه الأطراف، وإيجاد صيغة للتفاهم عن طريق الحوار والعمل المشترك”.
“هناك من يحمل روسيا مسؤولية لماذا تسمح لإسرائيل بالاعتداء على الأراضي السورية، وخاصة أن لها تواجد عسكري في سوريا”.
واعتبر الشاعر أن “المسؤولية حول السيادة تقع بشكل رئيسي على القيادة السورية. يجب أن تعي ذلك وتسعى إلى استعادة هيبتها التي لا يمكن استعادتها دون تحقيق التوافق السوري – السوري، والذي بدونه لا يمكن أن تفرض سلطاتها على كامل الأراضي السورية واستعادة الاحترام الدولي لها ولسيادتها”.
من جانبه يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم أن التفاهمات الروسية الإسرائيلية تتلخص بأن “لا يتم المساس بأي جندي روسي أو منشآت عسكرية روسية عن طريق القصف. مطار دمشق لا يتعلق بالروس”.
ويضيف بن مناحيم: “هذا ليس إخلال بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية، ولا يعرض الروس للخطر”.
وكانت صحيفة “الأخبار” اللبنانية قد نشرت تقريرا في عددها الصادر الاثنين بعنوان: “قرار المواجهة أقرب. تهاون روسي بمصالح دمشق”، حيث حمل نبرة انتقاد للجانب الروسي، بشأن عدم تدخله في صد الهجمات الإسرائيلية أو وقفها على سوريا.
وأوضحت الصحيفة، المقربة من “حزب الله”، أن الإسرائيليين أبلغوا الروس عبر آلية التنسيق المشتركة بنيتهم استهداف المطار “قبل نحو ساعة من التنفيذ”.
وتحدثت عن “وقوع جدال وُصف بالحادّ”، خلال الأسابيع الفائتة “بين ضباط كبار في قيادة أركان الجيش السوري، وزملائهم من المستشارين العسكريين الإيرانيين من جهة، وممثّلين بارزين عن القوات الروسية من جهة أخرى”.
وهذا الجدل حدث بسبب “تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على سورية عموما، وحول مسألة تأمين العاصمة دمشق ومطارها بشكل خاص”.
ونقلت الصحيفة، عن مصادر لم تسمها أن النظام السوري، والإيرانيين طالبوا الجانب الروسي بـ”وضع حد للهجمات الإسرائيلية على المنشآت والبنى التحتية المدنية السورية، وتنفيذ تعهداتهم بناء على الاتفاق السابق”، ليرد الضباط الروس، بحسب المصادر، بالتأكيد أنهم “غير معنيين بالاشتباك مع الإسرائيليين حماية للمصالح الإيرانية، كما أنهم غير معنيّين بالاشتباك مع الإيرانيين تأمينا للمصالح الإسرائيلية”.
ضياء عودة – إسطنبول
الحرة
—————————————-
ماذا يفعل بشار الأسد في القصر الجمهوري؟/ د. فيصل القاسم
هل خطر ببالك، عزيزي القارئ، لبرهة، أن تتساءل ما الذي يفعله المسمـّى والموصوف رئيساً لسوريا؟ وما الذي يقوم به من أعمال أثناء يومه كرئيس؟ وهل سرح خيالك وشطح مخك، في لحظة ما، لتفكر ما هي المهام والواجبات التي ينجزها هذا الفيلسوف أثناء وجوده في مكتبه بالقصر الجمهوري إيفاءً لقسمه الرئاسي واستجابةً لأعباء الأمانة الثقيلة الملقاة على كاهله لثلاثة وعشرين مليون سوري ألقى بهم القدر بين يدي هذا العابث؟ وهل تجثمت العناء وحاولت أن تتصور كيف يقضي وقته في ردهات القصر الجمهوري كما يفعل الرؤساء المحترمون، إذ يقوم هؤلاء «المحترمون» عادة بتنفيذ أجندة يومية معدّة سابقاً وملزمة لذاك الرئيس المحترم، والمنتخب شعبياً عادة، تقضي باستقبال، ولقاء يومي، والاجتماع مع كبار الاستشاريين والخبراء التكنوقراط والمتخصصين بالإدارة والحوكمة والتجالس والتحادث مع نخب الاستراتيجيين والأكاديميين المتخصصين والمخططين الكبار والمفكرين لمناقشة أمور البلاد ودراسة وضع العباد ومن ثم اجتراح الحلول للأزمات والمشاكل القائمة، والعمل ما أمكن على تسهيل أحوال وأمور الناس المعيشية والبحث في كل ما من شأنه الارتقاء بأحوال البلد وتلبية متطلبات المواطنين ورفع سوية الأداء العام في كافة المجالات ومحاسبة المقصرين ومكافأة المبدعين، وبذل الجهود لتطوير البلد وإظهاره بمظهر لائق وتنافسي مقبول أمام شعوب العالم، ومن ثم الالتفات لقراءة ومتابعة كل التقارير اليومية الاقتصادية والاجتماعية والإحصائيات التي تعنى وتهتم بحياة الفرد «المواطن»، ومن ثم التفرغ لبعض المهام الرئاسية والواجبات البروتوكولية المتعددة كاستقبال رؤساء الدول والوزراء والسفراء وعليـّة القوم وتبادل الآراء في كل ما يخص أمور ذاك البلد المحترم ورئيسه المحترم، وإن اقتضى الأمر القيام بزيارات ميدانية للاطلاع على إنجاز المشاريع ونسب التنفيذ وحسن سير العمل ولقاء المواطنين، عفوياً ودون ترتيب مسبق، بالشارع والتجول في الطرقات لتفقد أحوال الرعية وكيف تعيش وكيف تسير أمور هذا البلد المؤمن هذا الرئيس المحترم على «ولايته» وإدارته.
قد يبدو هذا، ربما، ولوهلة، وللبعض، «سيناريو» وتصوراً مثالياً رومانسياً لبلد ما، مقارنة بما نحن عليه من كارثة ومأساة مع كائن هزيل، يختبئ مذعوراً ، وكان، سابقاً، يتلقى علاجاً في عاصمة غربية، وذلك وفقاً لشهادة، نائب رئيس سابق انشق عنه في العام 2005، لكن صدّقوني ودون مبالغة فتلك الأنشطة اليومية هي أقل ما يمكن أن يقوم به مسؤول مؤمن على الصالح العام.
والآن تعالوا معنا لإلقاء نظرة سريعة عما يجري في قصره من مهام رئاسية يومية في بلد مفلس منهار معطل ومصاب بشلل تام وما تقتضيه «المصلحة» من اجتماع مع مجرمي حرب رسميين وقتلة مطاردين من العدالة الدولية وأردأ ما هو موجود في المجتمع السوري من مهربي مخدرات مطاردين من قبل الجنائية الدولية، و»عفيشة» ولصوص، وزعماء مافيات النهب باعتباره مرشداً لهذه الشراذم وليس رئيساً للشعب غير معني بقضاياه في بلد لا يوجد فيه، أصلاً، أي معمل، أو مصنع ولا منشأة، ولا مشروع، ولا حتى ورشة حياكة «جرابات» تعمل في ظل انقطاع تام للكهرباء لأيام وليالٍ طوال، وإفلاس لخزينة الدولة وتضخم مرعب وانهيار لعملتها وانعدام القوة الشرائية لها، وتوقف لكل المشاريع بعد نهبها وسرقتها عن بكرة أبيها من قبل حاشية وأعوان وأزلام وأقرباء هذا الطاغية المهووس بالمال.
ولا نبالغ القول إنه يقضي جل وقته مع مجموعة جلادين، ومحققين بالسجون يختطفون مئات الآلاف من السوريين، ويبالغ في قراءة التقارير الأمنية فقط للإيقاع بمزيد من الناس وإصدار المزيد من أوامر اختطاف واعتقال البشر وسحبهم من فراشهم بلباس النوم وزجهم في الزنازين لعقود دون أن يسأل عنهم أحد حيث يموتون هناك، ومن ثم يتفرغ للتباحث مع زعران وقتلة ومهربي مخدرات وكبتاغون من سقط المتاع في المجتمع للم «الغلة»، فنادراً ما تسمع أو يتناهى لك أنه اجتمع مع مفكر، أو مبدع، وجلس مع أكاديمي مرموق ومثقف «عليه القيمة» أو عقد لقاءً تشاورياً لبحث مشاكل وأزمات المواطنين، وكل زواره اليوميين هم من جنرالات الأمن القتلة المجرمين المكلفين بمطاردة وقتل وخطف المواطنين السوريين ومن ثم الاجتماع بزعماء مافيات النهب والتعفيش ومحتكري المواد الغذائية وقد أغلق كل معامل الدولة كالسكر والمحركات الكهربائية تمهيداً لهوامير وحيتان العصابة لاستيراد المولدات والبطاريات، ومعمل الألومنيوم ووو كله كرمى لعيونهم ثم تخصيص جزء كبير من وقته الثمين للمدعو «أبو علي» (رجل شبه أمي مطلوب لمحاكم شتى وكان يعمل على «نتافة» دجاج) واليوم يسرح ويميد في ردهات القصر باعتباره «المستشار» للرئيس وذراع المال الضاربة بالقصر للعصابة المسؤول عن قطاع الاتصالات (الموبايلات) والمشروبات الروحية وارثاً «غوتا» من ابن مخلوف المعزول من سيدة القصر، كأهم واجهة مالية اليوم للعصابة الحاكمة وهو «خليل» وصديق شخصي للرئيس، ومعظم رموز وواجهات البلد اليوم من هذه السوية التي تدير البلد وتسيطر على قراره وتتحكم بلقمة عيش المواطن، ولا تنسوا بعد ذلك اجتماعه مع نائب رئيس بلدية أصفهان مثلاً موفداً من قبل الملالي لوكيلهم بالشام، ولقاء هام آخر مع حارس ومراسل السفارة الروسية، يرافقه الجنرال رئيس فرع فلسطين، لتلقي التعليمات اليومية له من حماته ورعاته الروس.
هل لاحظتم عنه، مثلاً، أنه لم يطلق، يوماً، تصريحاً يتيماً واحداً يـُعنى بمعاناة وهموم وعذابات ومجاعة وفقر السوريين وآلامهم التي لا تهمه مطلقاً ولا ينظر لهم إلا بشكل دوني لا يعنيه أمرهم على الإطلاق، ولا يمت لهم بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، كونه من منبت وأصول مجهولة غير سورية وغير عربية، بالمطلق؟
وهل سمعتم خلال مسيرة حياتكم عن قصر جمهوري ومؤسسة رئاسية رسمية تتحول لـ «شبه ملهى» للواتي أطلق أيديهن في أوصال البلد كتلك التي افتتحت مؤخراً مطعماً فخماً في دمشق، وبات «القصر» مرتعاً للهو بحماية جنرالات «الرئيس»، ولا هم ولا عمل له، بمكتبه، سوى التفكير بالسبل الأمثل لخطف المواطنين من بيوتهم وإصدار أوامر قتل واعتقال جديدة ومراسيم فتك وقتل وتصفية وجرائم إلكترونية لمطاردة وتعقب الشرفاء والأحرار والنشطاء وفرض ضرائب باهظة وجباية المزيد من الأموال ومص دم الشعب حتى آخر رمق لتغطية مصاريف ونفقات المسؤولين اللصوص الفاشلين والحرامية الذين لا يقومون بأي مهمة وعمل سوى الجعجعة الفارغة والتطبيل الأجوف بسجايا وعطايا «الرئيس التابع» ، وبعد ذلك يقوم بأخذ صور «تذكارية» مع «مستشارات» و «خبيرات» يعج بهن القصر الرئاسي وعقد الخلوات مع فنانات من الدرجة العاشرة، وتصبح هذه المؤسسة الرئاسية، رسمياً، وبمعرفة كل دول العالم، وعلى عينك يا تاجر، مركزاً لإنتاج وتصنيع وتجارة وتوزيع المخدرات والكبتاغون عبر دول العالم وتقوم أجهزة أمنية وجنرالات كبار وجيش كامل بكل عدته وعتاده ووزارة دفاع بحماية هذا المقر الذي بات مركز عصابة تجارة الكبتاغون العالمي؟
وهل سمعتم عن جيش تحول بكامله مع جنرالاته زضباطه وصف ضباطه وجنوده إلى مجرد دمية وألعوبة بيد مجموعة من الزعران واللصوص والقتلة والجواسيس والمافيات التي تستخدمه كهراوة وأداة قتل وتأديب وسيف مسلط على رقاب فقراء وشرفاء السوريين لحماية الفساد والفاسدين وأصبحت معه سيدة القصر مثلاً هي من تعزل وتـُعيـّن وتقوم بترقية كبار الجنرالات المحسوبين عليها، وعزل وتهميش الوطنيين فيه، في أكبر إهانة لشرف ومهنية وسمعة هذا الجيش وتاريخه المهني وحيث أصبحت هي الأخرى الحاكم الفعلي لبلد منهك مفلس منهوب مستباح مدمر غارق في المجاعات والبؤس والقلة والحرمان والأزمات والظلام والفضائح الصبيانية؟
في الختام شكر خاص للضباط والمقربين من القصر الجمهوري الذين ساهموا في كتابة هذا المقال التوثيقي.
كاتب وإعلامي سوري
القدس العربي
———————————
سوريون ضحايا السفالة السياسية/ سميرة المسالمة
مارس النظام السوري والقوى الدولية الفاعلة في سورية أدوارهم بالتتابع في وسم السوريين عموماً بتهمة الارتزاق، من خلال استغلالهم ظروف الشباب السوري وتوظيفهم كمرتزقة في مغامراتهم الحربية، ما جعل من هؤلاء السوريين وهم يؤدّون مهماتهم المأجورة، صورة عن هوية الشعب السوري، وكأنهم يمارسون “فرض الكفاية” عن كل السوريين، لكنها هذه المرّة بما لا يجب فعله، فعمّ “الإثم والاسم” على السوريين جميعاً، “المرتزقة السوريون”.
وعلى حد سواء، أصبحت تهمة الارتزاق تلتصق بجنسيتنا السورية، من كان يحمل منا السلاح أو القلم، ومن كان مجرماً أم ضحية، والمؤلم ألّا يفرّق معظم الضحايا من عموم شعوب المناطق الساخنة في كلّ من ليبيا وأوكرانيا واليمن بين بضع مئات مسلحين ومدنيين من أبواق الحروب الذين اختاروا اكتساب رزقهم من تأجير أنفسهم، في خدمة أجندات دوليةٍ أو ضمن مشاريع إقليمية، وبين مجموع شعب هو بدوره ضحية النظام السوري ومرتزقته المساندة له من جهة، وضحية مرتزقة من فصائل مسلحة تحت مسمّيات مختلفة، وأجندات متنوعة، وبنادق مرتهنة، يقاتلونه في أرضه، ويسرقون منه أمانه وسلامه واقتصاده.
نعم يمكن اعتبار الصورة المأساوية الأعمق هي التي جرى فيها استغلال حالة الاقتلاع والتشرّد واللجوء التي عانى منها ملايين السوريين خلال أعوام الحرب منذ 2011، فنظام الأسد تخفّف من عبء وجودهم، وفقاً لمنظوره عن سورية المتجانسة، في حين ثمّة أنظمة إقليمية اشتغلت على توظيفهم في أجنداتها. من استخدام تركيا “الصديقة” للشعب السوري اللاجئين للضغط على أوروبا لمصلحة أجنداتها، إلى استخدام إيران الصديقة للنظام أراضيه ساحة لتفريغ مضمون صراعها مع إسرائيل، في ظل متابعتها مغامراتها في الصناعة النووية. بيد أنّ الأكثر مأساوية في هذا الأمر تحويل دول عديدة السوريين إلى أدواتٍ في أجنداتها المختلفة، هذا ينطبق على روسيا وإيران وعلى تركيا، إذ استخدم كلّ منها السوريين في تشكيلاتها، وتالياً في مغامراتها، العسكرية.
لقد استثمرت الدول المتصارعة على سورية مأساة الشباب السوري، سواء من هم تحت حكم النظام أو خارجه، فوظفتهم إيران في اليمن إلى جانب مليشيا الحوثي، كما جنّدت روسيا مئات المقاتلين السوريين، بدعم وتسهيل من النظام السوري للقتال في ليبيا إلى جانب قوات خليفة حفتر، وفي أوكرانيا أرسلت روسيا مئات المقاتلين، ليكونوا دروعاً لها في حرب الشوارع ضد قوات أوكرانيا التي تدافع عن أرضها واستقلالها.
وعلى الجانب الآخر مارست تركيا (صديقة المعارضة السورية وحاضنتها) دوراً واضحاً في تجنيد عدد كبير من السوريين للقتال في ليبيا ضد قوات حفتر، وأيضاً في أذربيجان ضد الأرمن. وفي السياق نفسه، لا يبدو أن التعاون الأميركي مع قوات سورية الديمقراطية، ذات الغالبية الكردية، في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قد أبعد عنها صفة “التوظيف” لمصلحة الأجندة الأميركية، وهو ما يدلّ عليه ترك تلك القوات اليوم لتواجه مصيرها مع القوات التركية من دون التعامل معها شريكاً يجب الدفاع عنه.
ربما لا نستطيع إنكار أن أكثر ما هو مأساوي نتج بعد اندلاع الثورة السورية تفريغ سورية من نصف شعبها على الأقل، ضمن مروحة الخيارات التي قدّمها النظام لمعارضيه، وهي بين الموت أو الاعتقال أو الهروب، ما عنى ذلك إخراج ملايين من السوريين من بلدهم، وتحويلهم إلى مشرّدين ولاجئين، في دول العالم، بنتيجة العنف الوحشي الذي انتهجه النظام في مواجهة الشعب السوري، أو ما يسمّيها البيئات الحاضنة للمعارضة التي يسمها بالإرهابية أو المتمرّدة، ما أوجد سورية المتجانسة التي تحدّث عنها رئيس النظام، بشار الأسد، والتي تتألف من سوريين مطواعين، يقرّون بتبعية سورية الأسد إلى الأبد، وسوريات (جمع سورية) أخريات من سورية النصرة “أو الجولاني” إلى سورية القوات المدعومة من تركيا، إلى سورية الإدارة الذاتية تحت حكم القوات ذات الغالبية الكردية.
ثمّة صورة مأساوية أخرى، مفادها توظيف المعارضة السورية برمتها في أجندات الدول، وقابلية متصدّري المعارضة، من حديثي المعارضة، لذلك التوظيف، وبالتالي رهنهم الثورة السورية لتلك الأجندات، ضاربين بمعاناة السوريين وعذاباتهم وتضحياتهم وبطولاتهم عرض الحائط. هذا هو بالتحديد حال الائتلاف المعارض، المقيم في تركيا، وما يتبع له من كيانات عسكرية ومدنية، والذي بات لا يشتغل وفقاً لمصلحة الشعب السوري الذي يدّعي تمثيله، وهذا لا يعني أنّ اللوم يقع على تركيا الدولة التي تبحث عن مصالحها وضمن قدراتها، بقدر ما هو توصيف لواقع حال صار فاقعاً جداً.
عادة ما تكون الثورات بهدف استعادة الشعوب بلادها من حكّام جائرين، فإما أن تنتصر وتكون الطريق طويلة أو قصيرة في تحديد معالم النظم الجديدة لتحقيق غايات التغيير المنشود، أو تفشل فيحدُث أن يستمرّ الحاكم ويخضع الشعب لمزيد من استبداد وقيود حريته، إلا أن الثورة، في حالتنا السورية، لم تنجز نصراً، وهو الأمر الذي لا تريد كيانات التعبير عنها “الرسمية” الاعتراف به، حتى لا يخسر أعضاؤها وظائفهم المأجورة، كما أنّه وعلى الجهة المقابلة لم يحقق النظام السوري الحاكم هزيمة كاملة للثائرين عليه، وهو لا يملك أسباب إعلان نصره على الثورة، في ظلّ خروج نحو ثلث الأراضي السورية من تحت سيطرته، وتعدّد الكيانات التي تحكمها، وتمتلك قوة القرار في فرض قوانينها وعقد اتفاقيات تبعيتها.
تسهم بعض وسائل الإعلام، عن قصد أو من دونه، في تعميم الوسم المخزي، من دون الإشارة إلى أسبابه أو إلى مقاولي الحروب ودور القوادة السياسية التي تمارسها الدول المتدخلة في الصراع في سورية وعليها، وكأنّ مهنة الارتزاق صورة عادية عن عمل السوريين أو خيار متاح لهم في جو سياسي واقتصادي صحّي، متناسين أنّ تسليط الضوء لاصطفاف المرتزقة السوريين إلى جانب أحد الفريقين المتحاربين، من دون نعت المقاتلين منهم على الجانب الآخر بالصفة نفسها، هو أحد أشكال الدعم والقبول بمهنة الارتزاق وفقاً لجهة الاصطفاف، وليس رفضاً لهذا التوظيف اللاإنساني في خدمة الأجندات الدولية، والسفالة (أو القوادة) السياسية الحالية التي تستغل الظرف المعيشي والانهيار المجتمعي للسوريين في كلّ أماكن وجودهم.
العربي الجديد
———————————–
سوريا… تساؤلات و«مقبرة التوقعات»/ إبراهيم حميدي
هل سحبت روسيا بعض قواتها من سوريا بعد الحرب الأوكرانية؟ ما مستقبل التطبيع العربي مع دمشق؟ ما جدية مرسوم العفو الرئاسي الأخير في سوريا؟ ما مصير العقوبات الأوروبية؟ وكيف التعاطي مع الأزمة الاقتصادية والغموض الروسي حول قرار تمديد الآلية الدولية للمساعدات الإنسانية عبر الحدود؟
كانت هذه بعض «الأسئلة العلنية» التي حاول مبعوثو الدول الأوروبية للملف السوري الإجابة عنها في اجتماع غير معلن في قبرص الأسبوع الماضي، مع إدراك أن سوريا هي «مقبرة التوقعات» كغيرها من دول الشرق الأوسط.
في لارنكا، على شواطئ البحر المتوسط، وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من القاعدتين الروسيتين غرب سوريا، عقد المبعوثون اجتماعهم «السري» لتبادل المعلومات حول الوقائع السورية، وأفق السياسة الأوروبية تجاهها، وانعكاسات الحرب الأوكرانية. وقبل بدء اجتماعهم المغلق، كان لا بد للمبعوثين الضيوف من زيارة إلى نيقوسيا، وسماع «شكاوى الخارجية القبرصية من قيام تركيا بإرسال سوريين عبر البحر إليهم، أو جواً إلى قبرص التركية، للضغط عليهم وعلى أوروبا في ملف الهجرة».
وفي اليوم التالي، عقد الأوروبيون، بمشاركة جميع المبعوثين أو ممثلي الحكومات، بمن فيهم ممثلو ألمانيا وفرنسا والسويد وآيرلندا، جلسات مناقشات محددة تخللتها مداخلة من المبعوث الأممي غير بيدرسن، وهنا أهم محاورها:
ماذا عن العفو الرئاسي؟
العفو الذي أصدره الرئيس بشار الأسد عن «جرائم الإرهاب»، وتضمن إطلاق نحو 2000 شخص، وإلغاء مذكرات مراجعة أمنية أو اعتقال لنحو 200 ألف شخص، سعى ممثلو الحكومة السورية إلى تقديمه على أنه «خطوة غير مسبوقة»، بل إن وزير الخارجية فيصل المقداد بعث رسائل خطية إلى بعض وزراء خارجية دول عربية، بينهم الأردني أيمن الصفدي، للإشادة بـ«المرسوم غير المسبوق».
في لارنكا، انقسم الحاضرون إلى رأيين:
الأول، اعتبر المرسوم الذي يحمل الرقم 19 منذ عام 2011 «خطوة إيجابية»، وأنه يختلف عن المراسيم الـ18 السابقة «لأنه يتناول المتهمين بالإرهاب، أي السياسيين». وهنا نقل أحد المشاركين عن المقداد قوله في اجتماع رسمي، إن هناك «قراراً بإفراغ السجون من المعتقلين». وتحدث آخرون عن ضرورة «عدم إغلاق الباب أمام النظام»، وأنه «يجب تشجيعه للقيام بمزيد من الخطوات المماثلة للعفو، الذي يبدو أن قراره اتخذ تلبية لطلبات عربية وحاجات داخلية». وتبلغ المقداد أنه «في حال استمرت الحكومة بهذا المسار، سيتم اعتباره خطوة أساسية لبناء الثقة».
أما الرأي الثاني، فدعا إلى عدم المبالغة في الترحيب بالمرسوم، واعتبر أنه «يجب التأكد من أنه ليس خطوة دعائية»، وأنه «يجب الضغط للسماح لمؤسسات مثل الصليب الأحمر الدولي بزيارة السجون والتأكد من الأرقام» الفعلية للناس الذين أُطلق سراحهم. كما تحدث أحد الحاضرين عن وجود أكثر من 100 ألف شخص معتقل أو مفقود في السجون السورية، وقال إن «العفو لن يغير وجه سوريا».
ماذا عن التطبيع العربي؟
كان هناك إجماع على أن التطبيع العربي مع دمشق قائم، والسؤال «ليس ما إذا كان سيحصل، بل متى». وقال أحد الحاضرين إنه إذا كانت الدول الأوروبية ستنتظر تطبيق القرار 2254 قبل التطبيع ورفع العقوبات والمساهمة بالإعمار، فإن هناك مخاطر بأن يفوتها القطار، لأن الدول العربية مستمرة بالتطبيع.
وظهرت توقعات باستمرار خطوات تطبيع ثنائية «غير عاجلة» مع دمشق، وصولاً إلى القمة العربية في الجزائر، بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بحيث يتم اتخاذ قرار عربي جماعي، حسب المسار السياسي – الإقليمي من الآن وحتى ذلك الوقت.
وحضّ ممثلو دول كبرى، مثل ألمانيا وفرنسا، على ضرورة عدم القيام بأي خطوة مع دمشق قبل التقدم في تنفيذ القرار الدولي 2254، وبضرورة الدعوة إلى إجراء إصلاحات في الأمن والجيش، ضمن تصورات المبعوث الأممي بيدرسن لمقاربة «خطوة – خطوة».
ولم يتحدث أحد عن رفع العقوبات الأوروبية عن دمشق، لكن تصاعدت الأصوات المطالبة بالمساهمة في دعم مشروعات «التعافي المبكر» في سوريا، لتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية، وسط انسداد أفق الحل السياسي، والتحدث مع روسيا لتمديد آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود، قبل العاشر من الشهر المقبل.
ماذا عن روسيا وإيران؟
تبادل الأوروبيون المعلومات حول صحة سحب روسيا بعض قواتها من سوريا، وسط تأكيدات عن حصول انسحابات عسكرية فعلية لطيارين وقوات روسية، وتقديرات عن وجود نحو أربعة آلاف عنصر روسي في سوريا. وقال أحد المشاركين: «هناك معلومات بأن إيران تملأ فراغ الانسحابات الروسية، وأن تركيا تسعى لتغيير المعادلات في شمال سوريا»، فيما تحدث آخرون عن ضرورة التريث أشهراً أو سنة، قبل الوصول إلى معرفة دقيقة لآثار الحرب الأوكرانية على سوريا.
الشعور العام الذي خرج به أكثر من مبعوث أوروبي، هو «قلة الحيلة أمام ما يحصل»، وكأن سوريا مقبلة على استمرار الوضع على ما هو عليه: جمود مستمر ومعاناة متواصلة بانتظار اختراق. الأمل الوحيد الذي طرحه أحد الحاضرين، أن «الشرق الأوسط وسوريا تحديداً، مقبرة التوقعات».
الشرق الأوسط
================
تحديث 19 حزيران 2022
——————————
خروج مطار دمشق عن الخدمة/ فاطمة ياسين
تعرّضت الأراضي السورية إلى هجوم إسرائيلي جديد قبل أيام، وما خرج عن المعتاد في هذا القصف استهدافه مطار دمشق الدولي، وهو أحد منشآت البنية التحتية الأساسية، وقد تعرّض إلى أضرار جسيمة، ما أجبر سلطات النظام على الإعلان عن إغلاقه حتى إشعار آخر، وألغيت رحلاتٌ كثيرة، وتحولت رحلات قادمة إلى مطارات أخرى .. اعتادت إسرائيل على استهداف مناطق عسكرية أو تجمعاتٍ لمليشيات إيران، وأحيانا تجمعات النظام. أما فيما يخص الهجمات على الأماكن الحيوية، فقد قصفت، في أواخر العام الماضي (2021) مستودعات وساحات تخزين تابعة لميناء اللاذقية البحري، من دون أن يؤثر ذلك على التحرّكات اللوجستية للسفن القادمة أو المغادرة للمرفأ. وفي العام 2018 جرى قصف مواقع قريبة جدا من مطار دمشق، وقالت إسرائيل حينها إن القصف استهدف مستودعاتٍ تابعة للمطار، تخزّن إيران كمياتٍ من السلاح فيها، وحدثت العملية من دون الإضرار بالمنشآت التابعة لخدمات المطار الملاحية، فبقي صالحا للاستخدام. لكن مدرّجات المطار، في الهجوم الأخير، أصيبت في ستة أماكن على الأقل، كما أظهرت صور جوية. وتشكّل هذه الضربة المباشرة، والموجهة إلى منشأة مدنيةٍ مهمة، انزياحا لافتا في الرسائل التي تريد إسرائيل إيصالها، فقد دأبت إسرائيل سابقا على ضرب التحرّكات والتجمّعات الإيرانية، في رسالةٍ واضحةٍ وحاسمةٍ إلى إيران بأنها ممنوعةٌ من التمركز العسكري القوي في سورية، وقد كان الروس متواطئين، إلى حد كبير، مع هذه الرسالة، ولكن هذه المرّة تبدو رسالة إسرائيل موجّهة إلى بشار الأسد شخصيا، أنه سيدفع ثمنا باهظا من رأس المال السوري إنْ لم يفعل شيئا حيال الوجود الإيراني، فالمطار منشأة سورية، وتحت سيطرة النظام، ويؤدّي خدمات للسوريين، وتوقفه عن العمل، وإنْ مؤقتا، سيزيد من الضغط على النظام، وتعتقد إسرائيل أنها بذلك ستُجبره على إعادة التفكير في سياسته الحالية تجاه إيران.
لقد تلقّت إيران الموجودة في سورية سيلا من الهجمات الجوية المؤثرة، من دون أن يظهر أنها غيرت نياتها في التمركز القوي داخل سورية، والوقوف المسلّح بالقرب من الحدود “الإسرائيلية”، وهي سياسةٌ نهائية لن تتراجع عنها، طالما كانت قادرة على ذلك، وإسرائيل في هذه الضربة تجرّب سياسة أخرى بإجبار الأسد على مواجهة إيران وتقليص نفوذها. ولكن لا يبدو أن الحساب الإسرائيلي صحيحٌ إلى درجة كافية، فالثمن الذي يمكن أن يدفعه الأسد في حال حاول إيقاف إيران سيكون أكبر بكثير من الثمن الذي يتكلفه من الهجوم الإسرائيلي الجوي، حتى لو غيّر الإسرائيليون تكتيكاتهم، وبدأوا بضرب منشآت سورية مهمة كالمطار، فإيران، عبر السنوات العشر السابقة، أنقذت رأس الأسد وهو يعرف ذلك، ومن غير الممكن أن يستطيع، بعد كل تلك السنوات، الإقدام على هذا النوع من المواجهة. ولا بد أنه يفضل أن يجد سورية، بمنشآتها كاملة، كومة من الخردة على أن يواجه إيران، وهو قد خسر أكثر من 40% من سورية، وما زال متمسّكا بسياسته ذاتها.
ولو أراد الأسد، بالفعل، أن يحجّم الدور الإيراني في سورية نتيجة خوفٍ من ضرباتٍ إسرائيليةٍ أكثر إيلاما، أو حتى إن تغير مزاجه السياسي، وأراد تسويق نفسه قليلا، فإنه غير قادر بالفعل على ممارسة هذا الدور، بعد أن دخل في حالةٍ سياسيةٍ منكسرةٍ أصابها الخوار الشديد. وإن فكّر باستثمار الوجود الروسي لصالحه، فالأمر حاليا لن يكون مُجديا، لانشغال الروس بجبهةٍ تبدو لهم أكثر أهمية، وهم يرغبون بالحفاظ على الوضع الروسي الحالي في سورية كما هو، من دون تغييرٍ حاسمٍ يؤدّي إلى خلخلة الدور الإيراني. وإذا جمع لهذا كله عدم توقيع الاتفاق النووي فعلى الأغلب ستتكاثف الهجمات الإسرائيلية، وتصيب أماكن حيوية وحسّاسة، لكن من دون أن تصل بالطبع إلى تهديد وجود النظام ذاته على الكرسي.
العربي الجديد
——————————
الحرب السرية والمعلنة/ حسام كنفاني
تصاعدت خلال الأسابيع الماضية، ومع تعثر المفاوضات النووية الإيرانية، الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف إيران، سواء في داخل البلاد أو في سورية. ومع أن هذه الهجمات لم تتوقف خلال السنوات الماضية، إلا أن تسارع وتيرتها في الأيام الماضية، وكم الاغتيالات التي حدثت، يكشفان عن اختراق واسع من الموساد للداخل الإيراني، وعجز طهران عن مواجهة هذا الاختراق أو الردّ عليه بالمثل. حتى أن الهجوم الصاروخي على أربيل الذي تبنّته إيران ضمناً، وقيل إنه استهدف قاعدة استخبارية إسرائيلية، لم يثبُت أن هذا الهدف حقيقي، خصوصاً مع إعلان السلطات المحلية هناك أن القصف استهدف مناطق مدنية ولم يصب أي قاعدة عسكرية.
هذا العجز عبّر عنه القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، الذي حاول إظهار أن بلاده لا تقف مكتوفة الأيدي وتستسلم لتلقي الضربات الإسرائيلية، إذ أكد أنها “وجهت ضربات سرية لإسرائيل، وهي مستمرة في ذلك ولا يمكن الكشف عنها (الضربات)”. مثل هذا التصريح لا يشبه السياسة الإيرانية التي لا تتوانى عن تبني أي عمل عسكري يأتي رداً على الاعتداءات الكثيرة التي تعرضت إليها طهران في أكثر من سياق، بل يشير إلى أن هناك عدم قدرة، وربما عدم رغبة إيرانية، في الدخول بعمل عسكري لا تحمد عواقبه، خصوصاً في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد. هذا ما اتضح في الرد الإيراني الذي أعقب اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إذا جاء أقل بكثير من حجم الضربة التي تعرضت إليها طهران باغتيال سليماني، واقتصر على رشقات صاروخية استهدفت قواعد أميركية في شمال العراق، ولم يتضح حجم الخسائر التي أوقعتها، باستثناء إصابة أحد الصواريخ للطائرة المدنية الأوكرانية وإسقاطها ومقتل الركاب الـ 176 الذين كانوا فيها، وغالبيتهم من الإيرانيين.
في مقابل هذه “الحرب السرية” الإيرانية، نجد أن إسرائيل تشن حرباً علنية، وضد أهداف واضحة، ولا تتوانى عن تبنّيها، سواء بشكل رسمي أو عبر وسائلها الإعلامية. وتداعيات هذه الهجمات أيضاً لا تقل وضوحاً، سواء سياسياً أو عملياً على الأرض. ولعل آخر هذه التداعيات كان تعطيل الملاحة في مطار دمشق الدولي لأكثر من 48 ساعة، بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت شحنات أسلحة إيرانية. أما سياسياً، فمن الواضح أن هذه العمليات الإسرائيلية تتم بضوء أخضر أميركي بعد تعطل مفاوضات فيينا، وعدم الاتفاق على إحياء الاتفاق النووي الإيراني. ورغم أن الضربات الإسرائيلية كانت تتم أثناء المفاوضات، إلا أنها لم تكن تحظى بالرضى الأميركي، وهو ما حاولت واشنطن مراراً إيصاله لإسرائيل، إلا أن الوتيرة المتسارعة اليوم تكشف الرضى والتنسيق الأميركي لهذه الهجمات. أيضاً لا يمكن إغفال الدور الروسي في هذه العمليات، وهو من المفترض أنه واضح لصنّاع القرار في طهران ولحلفائهم الموجودين على الأرض في سورية. فإسرائيل غالباً ما تؤكد أن الضربات التي تشنها داخل الأراضي السورية ضد أهداف إيرانية تجري بالتنسيق مع القوات الروسية في سورية، غير أنه من المؤكد أن الأمر أكثر من مجرد تنسيق، وأنّ تعاوناً استخبارياً روسياً يساعد في تحديد ماهية الأهداف وأماكنها، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بشحنات الأسلحة أو مخازنها فحسب، بل حتى بالاغتيالات الكثيرة التي حصلت في الداخل السوري واستهدفت قياديين في مليشيات تابعة للنظام الإيراني.
هذه الحرب المعلنة من جانب إسرائيل و”السرية” من جانب إيران بدأت تأخذ أبعاداً أكثر خطورة، مع نواة التحالفات التي تنسجها تل أبيب، ولا سيما في الخليج برعاية أميركية، وتوسيع رقعة الأهداف، ما ينذر بأن هذه الحرب قد تأخذ منحى تصاعدياً في وقت قريب.
العربي الجديد
————————–
عندما تتعامل إسرائيل مع الأسد كائناً سياسياً؟/ غازي دحمان
في أحيان كثيرة، تفاجئنا التقديرات الإسرائيلية، الرسمية والأكاديمية، بالنظر إلى بشّار الأسد كائناً سياسياً عاقلاً يفاضل بين الخيارات، ويختار أكثرها مناسبة لسورية وأمنها وقدرة على إخراجها من المآزق السياسية. ويدخل استهداف إسرائيل مطار دمشق الدولي، أخيرا، ضمن هذه الحسابات، وفق ما تسرّب عن المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي قدّرت أن ذلك سيدفع الأسد إلى إعادة حساباته، وتقييمه التطورات المستجدّة في سياسة إسرائيل الأمنية التي تهدف إلى إعاقة عملية التمركز الإيراني في سورية. وليس خافياً أن مثل هذه التقديرات تتحدّث عن بشار الأسد الافتراضي وليس الواقعي، أي بشار الأسد لاعبا سياسيا، رئيس دولة طبيعيا، يوازن بين الخيارات، بمساعدة فريق استشاري خبير، وعلى هذا الأساس، يجري ترجيح الخيارات الأقل سوءاً، على اعتبار أن الخيارات في ظروف الأزمات كلها سيئة.
لكن، ما هي المؤشّرات التي اعتمدت عليها إسرائيل في بناء فرضيتها تلك؟ هل رصدت إسرائيل وجود نظام سياسي طبيعي في سورية يشتغل على أسس سياسية عصرية سليمة، ثم أين هي التفاعلات الحاصلة داخل هذا النظام، حتى يجري على أساسها قياس مدى عقلانيته واحتمال اتخاذه قرارات صائبة! وهل في سورية مجالٌ سياسيٌّ من شأنه فرض خياراته على النظام السياسي، وجعله يأخذ المصلحة العامة محدّداً أساسياً لسياساته وقراراته؟
على مدار عشر سنوات، كانت ممارسات بشار وسلوكه تحت مجهر مراكز الأبحاث والدراسات الدولية والإقليمية، حاولت اختبار سلوكه وفق مقاربات كثيرة، باعتباره كائناً سياسياً عقلانياً، لم تتوصل إلى نتائج، ليس لأنه عبقريٌّ وقادرٌ على التمويه على سياساته، بالأصل السياسة في عالمنا المعاصر مكشوفة وواضحة، ويجري الإعلان عنها في البرامج الانتخابية والخطط الحكومية والتوجّهات السياسية. ربما تنطوي التكتيكات على بعض الغموض، لكن الإستراتيجيات واضحة. خذ مثلاً إستراتيجية أميركا لإضعاف الصين مكشوفة ومشروحة، حتى بكلفها وميزانياتها وطرق تنفيذها. سبب العجز أن بشار الأسد رجل عصابات من الدرجة الثالثة خدمته ظروفٌ إقليمية ودولية.
8
حتى العرب الذين دعوا إلى عودته إلى جامعة الدول العربية لم يكن سبب ذلك اعتقادهم أنه شخص عقلاني دافعهم لعودته، إنما كلٌّ لحساباتٍ سياسيةٍ خاصة به، فهم يعرفون أكثر من غيرهم أنه يفكّر بطريقة رؤساء العصابات والحسابات السياسية لديه مختلفة عن أي قائد أو رئيس، وهم يعرفون أن ما طفح به إعلامه الرسمي من مصطلحاتٍ عن “العربان” و”شاربي بول البعير” لم تكن ناتجة عن لحظة نزق، بقدر ما هي تعبير عن تفكير نمطي لدى منظومة الأسد عن العرب وقياداتهم.
غالباً ما تستخدم مراكز الأبحاث، وحتى المستشارون لدى الحكام والمسؤولين، مقارباتٍ سياسيةً نظريةً مستقاة من العلوم الاجتماعية والنظريات السياسية لتفسير سلوك الحكام وسياساتهم، لكن ثمّة مشكلة ينطوي عليها استخدام هذه الأدوات، وهي افتراضها العقلانية لدى المدروسين، وتصوّرها أن ممارسات هؤلاء ناتجةٌ عن نظام متكامل يقوم على أساس مدخلات ومخرجات واقعية، والواقع أنه في مثل حالة الأسد ومنظومته، مثل هذه الأدوات التحليلية ليست سوى وسيلة للابتعاد عن التفاصيل الواقعية، والوصول إلى نتائج نمطية يمكن استخدامها في فهم أي نظام افتراضي في عالم اليوم.
الغريب أن إسرائيل، التي شنّت أكثر من ألف غارة على سورية، وسبق لها أن ضربت بنىً تحتية عديدة، من ضمنها ميناء اللاذقية، تتوقع أن تؤدي ضربة مطار دمشق إلى تغيير قناعات الأسد وطلبه من إيران وقف إرسال الأسلحة إلى حزب الله عن طريق المطار، لأن ذلك قد يؤثر على الاقتصاد السوري، او قد يضرّ بسمعة سورية بسبب ضرب رموزها المهمة؟ وكأن الأسد فعل شيئا مثلاً للحفاظ على رموز سورية، من عملتها إلى علمها إلى شعبها الذي عبثت إيران بتركيبته السكّانية والمذهبية، بمساعدة كبيرة من رموزه الأمنية والعسكرية!
ثمّة أدوات إذا جرى استخدامها بغير مكانها أو محلها فإنها لا تنتج أي قيمة، ومنذ بواكير القرن الماضي، كشف علم النفس الجديد أن الإنسان لم يكن مخلوقًا عقلانيًا تمامًا، وأن أفعاله السياسية لم تكن موجّهة بالكامل بالعقل والمصلحة الذاتية. وعلى ضوء هذه النتائج، سعت مدارس سياسية عديدة إلى إدخال واقعية جديدة في الدراسات السياسية. وإسرائيل تدرك أن الأسد في سلوكه لم يكن يوماً يصدر عن سياسي عقلاني، وما يجود به إعلامها ومراكزها البحثية من نمط هذه الترّهات، ليس سوى مجاراة للمستويين، العسكري والأمني، الإسرائيليين، في فشل إستراتيجياتهما في منع التمدّد الإيراني في سورية، في تواطؤ مكشوفٍ لطمأنة الرأي العام الإسرائيلي بأن هذه المستويات تخطّط وتنفذ، وسيكون لعملها ثمار مستقبلية، ويدخل في هذا الإطار الافتراض بأن الأسد سينحو صوب التفكير العقلاني، في ظل سياسة الردع التي تستخدمها إسرائيل تجاهه، ولا ينسى الإسرائيليون، بعد كل ضربة، التأكيد أنهم لا يهدفون إلى إسقاط النظام!
مؤكّد أن بشار الأسد عندما يقرأ، إن كان يقرأ، مثل هذه التقديرات، فإنه يحيلها إلى المؤامرة الكونية، من باب اللعب عليه بهدف تحويله إلى كائن سياسي عقلاني، يجري حساباته بمنطق وعقلانية، وهو إن فعل ذلك سينتحر بعد ساعة. على مدار أكثر من عقد، وهذا ليس زمنا قصير، ثبت أن كل سياسة لا تهدف إلى إسقاط الأسد يستطيع التكيف معها، ويحسبها ضمن الخسائر المحتملة، ماذا أكثر من دمار سورية؟
العربي الجديد
—————————-
التغييرات المحتملة في سوريا… خارجية/ إبراهيم حميدي
بعد 11 سنة على بدء الاحتجاجات واندلاع النزاع، وبعد أكثر من سنتين على ثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث في البلاد، هل هناك تغيير محتمل؟ هل هو خارجي أم داخلي؟
حصلت تقلبات عسكرية وسياسية كثيرة في العقد الماضي. توسعت مناطق وتقلصت أخرى. ارتفعت توقعات وانخفضت أخرى، إلى أن استقر المشهد السوري على تقسيم البلاد إلى «دويلات» ثلاث: واحدة تحت سيطرة الحكومة بدعم روسي وإيراني، وثانية تحت إدارة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية بدعم التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وثالثة، تحت سيطرة فصائل مقاتلة وإسلامية وجيوب متطرفة بتأييد تركي.
الجمود على خطوط التماس بين «الدويلات» الثلاث، صار له أكثر من 27 شهراً، وهي أطول فترة تستقر فيها السيطرة الجغرافية منذ 11 سنة. وتقوم هذه المناطق على مدن وقرى وأحياء مدمرة، تغييرات ديموغرافية، نازحين ولاجئين. أكثر من 12 مليون شخص تركوا بيوتهم، هم نصف عدد السكان السوريين. أيضًا، هناك أكثر من سبعة ملايين شخص غادروا البلاد، بينهم أكثر من مليون إلى الدول الغربية.
سيل الهجرة، لم يتوقف وإن كانت أسبابه باتت اقتصادية وليست عسكرية أو سياسية. الجامع بين السوريين حيثما كانوا هو المعاناة من الأزمة الاقتصادية، حتى إن التطبيع العربي لم يحل مشكلتهم الاقتصادية، كما أن المدد الذي كان سيأتي به «أنبوب الغاز العربي»، تبدد طالما أن سيف «قانون قيصر» الأميركي والعقوبات الغربية قائمان، إلى حد أن البلاد غرقت في الظلام لساعات يوم أمس. هناك تعاون واتفاقات وتجارة وتفاهمات بين «الدويلات» الثلاث. والفاعلون في كل منها يتصرفون على أن الجمود مستمر إلى فترة طويلة، وأن «الفرج سيأتي من الغير».
هل من تغيير محتمل على هذه الصورة؟
الواضح، أن المعادلات استقرت على توازنات بعد مقايضات خارجية، ولم يعد السوريون قادرين على القيام بأي تغيير جوهري فيها. بالتالي، فإن التغيير الوارد، مصدره خارجي وهناك أربعة احتمالات آتية من أربع قوى عسكرية خارجية:
أولاً، تركيا: يتحدث المسؤولون الأتراك مراراً عن احتمال شن عملية عسكرية في شمال البلاد. هم يعتقدون أن الحرب الأوكرانية والصدام الروسي – الغربي فيها، أديا إلى تقوية أوراقهم التفاوضية في سوريا والإقليم. يحاولون الاستثمار في ذلك، عبر شن توغل يضعف أي كيان كردي محتمل على حدودهم الجنوبية شمال سوريا. هناك تركيز تركي على منبج الخاضعة لسيطرة حلفاء أميركا أو تل رفعت الخاضعة لسيطرة شركاء روسيا، إضافة إلى تصعيد شرق الفرات، الذي تسيطر عليه أميركا في شكل أعمق.
أي توغل تركي من دون تفاهمات من روسيا وشركائها وأميركا وحلفائها، سيؤدي إلى تغيير خطوط التماس، ويفتح الباب إلى تصعيد عسكري جديد. ما حدود التغيير؟ هل ستخلط الأوراق؟
ثانيًا، إيران: أمام انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، واحتمال امتداد تلك الحرب، تحاول إيران وغيرها ملء الفراغ في سوريا. تقابل إسرائيل ذلك بتكثيف عملياتها العسكرية ضد «أهداف استراتيجية إيرانية» في سوريا، وكان آخرها ضرب مطار دمشق الدولي وعزل العاصمة السورية عن العالم.
بالتوازي، مع هذا، فإن «حرب الظل» بين طهران وتل أبيب انتقلت إلى قلب إيران مع حديث إسرائيلي عن استراتيجية «رأس الأخطبوط». إلى أي مدى يبقى التصعيد الإيراني – الإسرائيلي في سوريا، مضبوطاً من روسيا؟ هل تتحول سوريا إلى ساحة لصدام مباشر واحتمال شن إيران هجمات «مسيرات» من الأراضي السورية؟
ثالثًا، روسيا: هناك اتفاق «منع صدام» بين الجيشين الروسي والأميركي منذ منتصف 2017، غرب نهر الفرات لموسكو، شرق الفرات لواشنطن. حصلت بعض المناوشات، لكن استراتيجياً كان هناك التزام بالاتفاق. الجديد، أنه أمام التصعيد بين الطرفين في أوكرانيا، بدأت روسيا تختبر الأميركيين عسكرياً في سوريا سواء فوق قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا أو شمالها. إلى أي حد يبقى التوتر مضبوطاً بينهما؟ هل تتحول سوريا ساحة للانتقام سواء من أميركا أو روسيا؟
رابعاً، أميركا: منذ وصول الرئيس جو بايدن، استقر الوجود العسكري الأميركي في سوريا خصوصاً بعد «الإهانة الأفغانية»، على عكس ما كان عليه الحال زمن إدارة الرئيس دونالد ترمب، عندما كان وجود جيشه وجيوش حلفائه رهن تغريدة. هل يبقى قرار بايدن صامداً أمام مغامرات الرئيس المجروح فلاديمير بوتين؟ هل تتغير الأمور بالانتخابات الرئاسية المقبلة بعد نحو سنتين؟
يعرف السوريون، معظمهم أو بعضهم، أنهم خارج اللعبة والقرار في بلادهم، وأن سوريا تحولت من لاعب إلى ملعب. كل طرف منهم يراهن على مفاجأة يحملها حليفه العسكري الخارجي، وعلى نكسة تضرب خصمه المحلي بأدوات خارجية. بين الضربة والنعمة، يسهر السوريون في قعر المعاناة وينامون في الظلام… بانتظار الفرج.
الشرق الأوسط
—————————-
فوائد قصف مطار دمشق الدولي/ أحمد عمر
ينتفض نظام الأسد، إعلاما ومخابرات وما يليهم من عائلاتهم، لهمس يتهامس به سوريون، فتقاصصهم الدولة، لأن في القصاص حياة يا أولي الألباب، وتزجّ بهم في السجون بزعم الحفاظ على هيبة الدولة التي يحرص عليها هؤلاء حرصهم على مقدّس، بل ويشهد بعضنا ردّ النظام بكتائب عسكرية مدججة بالأسلحة، غاضبة تدهم مساكن عشوائية أو قرى نائية من أجل وشاية أو تغريدة، لكن النظام يعتذر بعذره الشهير، كلما صفعته إسرائيل قال: سيأتي الرد في الزمان والمكان المناسبين. ومعلوم عقلا أن الغضب والفرح وقطف الفواكه يكون في مواعده.
قُصف بالأمس مطار دمشق، وقد ردّ عليه النظام بالخطة باء، وهو نظام حكيم يتصف بالأناة والحلم، فأمر بالانتقال إلى مطار حلب، وقد انتشر مناصروه وداعموه وعناصره، يدعون لمطار حلب، ويصفونه بأحسن الأوصاف، مَثَله كمن قلعت عينه اليمنى، فانطلق يباهي بعينه اليسرى، واشتكى إلى الأمم المتحدة كالعادة، وإلى روسيا، وهدد بالردّ في الزمان والمكان المناسبين، بل إنه تجاهل الأمر لعدة أيام، فهو يتصف بالأناة والحلم مع إسرائيل، وبالحمق والغضب مع شعبه، ريثما يؤجل الردّ لإشعار إسرائيل بالقلق والخوف الدائم من ردّ الأسد في الزمان والمكان المناسبين، ولا يُعرف لم لا يردّ، فالنظام لديه مقومات الردّ بعد أن حصل على أركان التوازن الاستراتيجي، التي توفرت به في خمس نقاط:
– فهو حليف أول لأقوى دولة في العالم بعد أميركا هي روسيا، وشقيق لأقوى دولة إقليمية هي إيران، ويضاف إلى ذلك أن روسيا غاضبة من إسرائيل التي تحاربها في أوكرانيا سرًا.
-وهو مزود بسلاح صاروخي جديد هو إس 300، ولديه من الجند البواسل والميامين آلاف مؤلفة، سوى العصائب والكتائب الشيعية الانتحارية.
-ولا خوف من إسرائيل على تدمير سوريا كما قبل الثورة، فهي مدمّرة، ولا عذر للنظام، فقد انتصر على 83 دولة، فهو يستطيع أن يردّ، ويضيف دولة أخرى هي العدو الأول له في أدبيات السياسية ومحاضرات التوجيه المعنوي، وينتصر عليها، أو يوجعها، وهي دولة هشّة كما نقرأ في صحفه، شعبها أمشاج ومزق، وخائفة، وفيها ما فيها من الأدواء الاجتماعية، بينما شعبنا صفُّ واحد وراء قيادته الحكيمة.
-اكتساب النظام خبرة كبيرة في الحرب على الإرهاب وحرب المدن والعصابات، وهو جاهز “جواهز” للحرب. فإن لم يستطع الرد بالمثل بقصف مطار تل أبيب، فيمكنه قصف أرضه في ذرا الجولان الثلجية.
ولا نعرف لم لا يبث النظام صور الدمار في مطار دمشق، التي تبثها إسرائيل من الأقمار الصناعية للشماتة، ولن نسأل لمَ ليس لدى القائد الملهم بشار الأسد أقمار صناعية، وكان حافظ الأسد بحكمته وسداد رأيه وعقله قد رأى أن يحافظ على القنيطرة المحررة مهدّمة، حتى تكون عبرة للأجيال، وشاهدا دائما على همجية العدو، ولا نعرف لمَ حرم على شعبه زيارتها، فلم لا يبثّ ابنه بشار الملهم مثل أبيه صور الدمار في مطار دمشق، التي تنشرها إسرائيل للنكاية والتشفي، حتى يرينا حقدها وغيرتها من مطار دمشق الدولي رائع الترتيب، الذي ليس مثله في تل إسرائيل.
وقيل إن النظام لن يستطيع ترميمه في عشر سنين، ليس لقلة همّة النظام، وإنما بسبب الحصار، فعسى أن نتزود من تلك الصور بالغضب والحماس ويزيد من تصميم الجيش الباسل على الرد كما يفعل ببث صور دمار حلب وحمص التي دمرها الإرهابيون بالبراميل.
قد يجد النظام فوائد لقصف مطار دمشق في التحليلات الفضائية يعزّي بها شعبه، كما كان يجد فوائد من فقدان المازوت بالثناء على وقود “الجفت”، وهي مخلفات عصر الزيتون، والدعوة لاستخدامه، فهو أفضل من المازوت وأدوم، وأعطر، وسوى ذلك هو مثير للذكريات والمواجد والأنس، وكما كان يجد فوائد من غلاء اللحم بالدعوة إلى أكل البطاطا، فهي طعام رخيص ومفيد ولا يسبب داء الملوك، وكما كان يجد فوائد للوقوف على طوابير الانتظار للحصول على عشرين ليترا من البنزين، بإشاعة الطوابير للألفة وقراءة روايات الفرسان الثلاثة، والحصول على فيتنامين دال مجانا من الشمس، والتأمل في أحوال العالم، وكما كان يجد فوائد استخدام الدراجات في التنقل في حواري دمشق، فهي آلات رياضية، صحية، غير ضارة بالبيئة، وكما كان يجد إعلامه فوائد لانقطاع الكهرباء بالتأمل في السماء وزيادة الإيمان والانصراف إلى الذكريات القديمة وشد الأواصر العائلية بدلًا من مشاهدة المسلسلات التافهة.
أما أول فوائد قصف المطار، فهي الانتقال إلى المطار الوزير في حلب في وسط البلاد ، أو السفر برا، والسفر البري ممتع وآمن، ويزود القلوب بصور سهول الوطن المعطاء وجباله الشمطاء، ورؤية صور السيد الرئيس باسما، بينما مسافر الجو لا يرى سوى الغيوم.
تلفزيون سوريا
———————-
إيران تختطف المنطقة.. لماذا يأمل الأسد في نجاح الاتفاق النووي؟
واجهت إسرائيل مخاوفها من تمدد النفوذ الإيراني على الحدود السورية عبر اتباع استراتيجية “جز العشب”، وهي استراتيجية تقضي بتوجيه ضربات متكررة لا حصر لها ضد الميليشيات المدعومة من طهران في سوريا، بدءاً من لواء فاطميون ووصولاً إلى حزب الله.
يعتبر جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لـ”مركز تحليلات الخليج” في واشنطن، المتخصص بتقديم الاستشارات حول المخاطر الجيوسياسية، أن هذا هو شكل الصراع بين إسرائيل وإيران في سوريا، بحسب تقرير منشور له على الموقع الإنكليزي لـ”الجزيرة
“، أمس الجمعة.
ومع عدم اعتراض روسيا حتى الآن على الهجمات الإسرائيلية على حلفاء طهران ومصالحها في سوريا، بالإضافة للدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة الأميركية لأي عمل عسكري إسرائيلي، تمكنت تل أبيب من المضي باستراتيجيتها بقصف الإيرانيين داخل سوريا براحة تامة.
وضمن هذا الإطار يمكن فهم الغارة الإسرائيلية الأخيرة على مطار دمشق الدولي، فجر الأحد 10 حزيران الجاري، والتي أدت إلى إغلاقه لاحقاً، وبحسب قناة “كان” الإسرائيلية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي قصف مدرجين في المطار، لإرسال رسالة إلى إيران والنظام السوري بأن تل أبيب “عازمة على وقف تهريب السلاح والمنظومات القتالية عبر الطائرات المدنية”.
يأتي استهداف مطار دمشق الدولي، بالتزامن مع تعثر شديد الخطورة تشهده مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران وقوى الغرب، منذ إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أواخر أيار الفائت، عن وجود آثار يورانيوم مخصب في 3 مواقع، لم تعلن طهران أنها كانت تجري فيها أنشطة نووية.
وهذا ما دفع كافيرو للتساؤل في تقريره عن المواجهات المحتملة بين إيران وإسرائيل في سوريا، وما قد يعنيه ذلك لنظام بشار الأسد، في حال انهارات المفاوضات بين طهران والغرب بشكل نهائي؟
موقف النظام والمعارضة من الاتفاق النووي
كانت إيران قد توصّلت والقوى الغربية إلى اتفاق، عام 2015، يقضي بتقييد برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات عنها، قبل انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من الاتفاق وفرضه لعقوبات جديدة على طهران، عام 2018.
في تلك الفترة عندما وقعت إيران الاتفاق لأول مرة، رحّب رئيس النظام السوري بشار الأسد بالخطوة، معتبراً إياها “إنجازاً تاريخياً”، في حين تخوفت المعارضة السورية من أن يؤدي ذلك إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة.
هذا بالضبط ما يجعل الأسد اليوم متحمساً لإعادة إحياء الاتفاق بين طهران والغرب، كونه سيؤدي إلى الحد من عزلة إيران على الساحة الدولية ورفع العقوبات عنها، ما سينعكس بدوره إيجاباً على النظام السوري، من ناحية التجارة والتمويل وما شابه.
وبحسب كافيرو، فإن المعارضة السورية بدورها، تخشى من أن تخفيف العقوبات الأميركية عن إيران قد يجعل نظام الأسد أكثر ثقة بنفسه لاستعادة باقي الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، ويعيش فيها ملايين السوريين.
ليست المعارضة السورية وحدها من يقلقها الاتفاق النووي الإيراني، كذلك تخشى بعض الأصوات في أميركا من أن يؤثر هذا الاتفاق على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، عن طريق وضع مزيد من الأموال في يد الدولة الإيرانية، ما سيوفر مزيداً من التمويل لأنشطة الحرس الثوري الإيراني في عدة بلدان عربية، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن.
إيران تختطف الشرق الأوسط
الآن، ومع الأزمات التي تهدد المفاوضات الإيرانية الغربية بشكل جدي، فإن فرص تصاعد الصراع الإقليمي بين إيران واسرائيل على الأراضي السورية آخذة بالازدياد، وقد شهدت الفترة الأخيرة بالفعل توسعاً بالضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا.
ولوقف هذه الهجمات، يرجح تقرير كافيرو أن يتعرض الأسد لضغوط من حلفائه، خاصة إيران وحزب الله، من أجل التفكير بشكل جدي بمواجهة عسكرية مع إسرائيل، كونهما يأملان في أن يدفع ذلك واشنطن للانخراط في مفاوضات تنهي الصراع السوري بشكل “سلمي”.
والخلاصة، أن إيران وحلفاءها مثل حزب الله والنظام السوري يحاصرون المنطقة بالنار والحرب، ففي حال نجحت مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي، فإن ذلك سوف يساهم بتوفير التمويل لآلة الحرب الإيرانية في الشرق الأوسط، وفي حال فشل الاتفاق سوف تدفع الضغوط الاقتصادية الشديدة بإيران والميليشيات المدعومة منها لتبني سياسة أكثر جرأة وعدوانية في المنطقة.
——————————
حل سوري بعيد/ عبسي سميسم
لم تخرج اجتماعات أستانة التي انتهت يوم الخميس الماضي، بأي قرارات من شأنها أن تحرز تقدماً في أي من الملفات التي تحملها المعارضة السورية في كل جولة من جولات هذا المسار، الذي حقق من خلاله نظام بشار الأسد انتصاراً كبيراً على المعارضة بطردها من معظم “مناطق خفض التصعيد” التي كانت تسيطر عليها، ليتم تهجير أكثر من مليوني سوري من سكان تلك المناطق وحشرهم في الشمال السوري.
وجاء البيان الختامي لاجتماعات أستانة الأخيرة عبارة عن كلام إنشائي مكرر حول الالتزام بوحدة الأراضي السورية ورفض التوجهات الانفصالية، والالتزام بمحاربة الإرهاب، وبالتهدئة في آخر مناطق خفض التصعيد. في حين لم يتطرق البيان الختامي لذكر العملية العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها في الشمال السوري، كما لم يأتِ على ذكر ملف المعتقلين ولا مناطق ريف إدلب الجنوبي التي استولى عليها النظام خارقاً اتفاقات أستانة والتفاهمات الروسية التركية، ما يعني أن الضامن التركي يتعامل معها كأمر واقع على الرغم من وعوده بمساعدة المعارضة باستعادتها.
إلا أن الجديد في الجولة الأخيرة من أستانة هو وضع وفد المعارضة بمزيد من الإحراج، عبر طرح إيران أن تكون الجولة المقبلة في طهران، ومطالبة روسيا بتغيير مكان اجتماعات جنيف ونقلها إلى بلد آخر، وتأييد النظام بطريقة ببغاوية لهذا الطرح.
ويؤدي ذلك إلى إدخال اللجنة الدستورية المعطلة أصلاً بمزيد من التعطيل والمماطلة التي يتناوب عليها النظام وروسيا منذ بداية عمل اللجنة، سواء من خلال إدخال اللجنة بأجندات شرح المشروح، مثل الاتفاق على البديهيات والثوابت الوطنية، التي عطّل النظام من خلالها عمل اللجنة لأكثر من سنة، أو من خلال طرح مسائل غير دستورية لا علاقة لها بعمل اللجنة وخلق خلافات عليها بهدف تمرير جلسات لا طائل منها.
من جهتها، كانت موسكو تختلق بين الحين والآخر الذرائع لتعطيل عمل هذه اللجنة والتي جاء آخرها الطلب الروسي بتغيير مكان اجتماعات اللجنة من جنيف إلى بلد آخر. هذا الأمر يشير إلى أن موسكو ما زالت اللاعب الرئيسي في القضية السورية على الرغم من انشغالها بغزو أوكرانيا، وأن الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية في سورية ما زال بعيداً، فيما الإرادة الدولية لفرضه ليست متوفرة حتى اللحظة.
العربي الجديد
——————————–
================
تحديث 22 حزيران 2022
——————-
عندما تختزل الدولة بطاغية/ بسام يوسف
ببساطة شديدة قصفت إسرائيل مطار دمشق الدولي، وأخرجته عن الخدمة، وببساطة شديدة نقلت وسائل إعلام النظام خبر استهداف إسرائيل للمطار، وخروجه عن الخدمة، كما لو أنه مطار عاصمة بعيدة، وكأنّما دمشق ليست العاصمة، وكأنّما المطار المقصوف ليس هو المطار الأهم في سوريا، وليس له أي اعتبار يميزه عن باقي الأهداف التي تقصفها إسرائيل في سوريا، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.
لم يعد لأي منطقة أو منشأة أو نقطة عسكرية تستهدفها إسرائيل أي حصانة أو حماية، فكل ما في سوريا مشاع لجيشها، والرواية الجاهزة دوماً هي الوجود الإيراني، والرواية الروسية أيضاً جاهزة دوماً هي أن روسيا لا توافق على هذه الضربات، لا بل تستنكرها، والرواية الإيرانية الدائمة هي الصمت، لكنها لا تتوقف في صمتها المريب عن مواصلة تحريك ميليشيات تابعة لها في كل المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها النظام، وكأنها تجهز لإسرائيل أهداف جديدة.
ستعرف وأنت تتابع ما يجري في سوريا أنك أمام مسرحية مجنونة لمعركة لا أحد يهتم بما تحدثه في ساحتها، ولا بمصير من يعيشون فيها، معركة اتفق أطرافها على أن هذه الجغرافيا المسماة سوريا هي أرض مشاع، وأن من يعيشون فيها مهدورو الدم، لكنك ستعرف أيضاً أن من يحكم سوريا ليس أكثر من سمسار، مرتزق، يستعمله كل طرف كشاهد زور عندما يحتاجه.
السخرية الفاجعة في هذه المسرحية، هي أن كل الأطراف تنسق فيما بينها، واتصالاتها لا تنقطع، فإسرائيل تنسق مع الروس، والروس ينسقون مع الإيرانيين، والإيرانيون ينسقون مع الأتراك، والأتراك ينسقون مع الأميركان، والأميركان ينسقون مع الإسرائيليين والروس والأتراك والإيرانيين …. أية أحجية هذه؟
في كل هذه التقاطعات، ثمة حقيقة واضحة لا اختلاف حولها بين كل الأطراف، وهي أن سوريا بلد مستباح بلا أي سيادة أو حقوق، وأنّها – أي سوريا- بجغرافيتها، وشعبها، وسيادتها، وثرواتها، وتاريخها و..و… لا أهمية لها في تنسيقات وتشابك مصالح الآخرين ومعاركهم، سواء في الجغرافيا السورية، أو في جغرافيات أخرى تبعد مئات الكيلومترات عن سوريا.
والسؤال حول ماذا يفعل النظام السوري الذي يدّعي أنه “الممثل الشرعي” للشعب السوري ؟
الجواب الذي يعرفه السوريون والعالم هو أنه لا يفعل شيئا، إنه ينتظر فقط، ينتظر ماذا ستفعل إسرائيل ضد إيران على الأرض السورية، وكيف سترد إيران على إسرائيل على الأرض السورية أيضاً، وينتظر ماذا ستفعل تركيا في حربها مع “قسد”، وماذا ستفعل “قسد” المدعومة من أميركا، وينتظر كيف ستستعمل روسيا نفوذها في سوريا في معركتها مع أوكرانيا، وينتظر كيف ستساوم إيران على سوريا في ملفها النووي، وينتظر هل ستتفق روسيا مع إسرائيل على حدود التدخل الإسرائيلي العسكري في سوريا، وكيف سيكون هذا الاتفاق ..وينتظر، وينتظر،..وينتظر، والأخطر من كل هذا أنه ينتظر ماذا سيتبقى له من سوريا!!.
لكن ماذا بإمكان هذا النظام أن يفعل غير الانتظار، وهو الذي منذ أن وجد أصلاً لم يكن يوماً إلا تعبيرا عن توافق مصالح الآخرين، ولم يفعل يوماً ما تمليه المصلحة الوطنية السورية الصرفة؟
إذا كان هذا النظام عاجزا عن حماية سوريا عسكرياً، وعاجزا عن حماية أي موقع فيها حتى لو كان مطار عاصمته، الذي هو نافذته الوحيدة إلى الخارج، ليس هذا فحسب بل إن إسرائيل وفي تصريح لمسؤول فيها هددت بقصف المكان الذي ينام فيه بشار الأسد، وهي قادرة فعلاً على قصفه.
وإذا كان هذا النظام عاجزا عن منع انهيار الاقتصاد السوري، ومنع تدهور الحالة المعيشية للمواطنين السوريين، ومنع انهيار كل الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها في مجالات الصحة، والتعليم، والقضاء و..و…إلخ.
وإذا كان هذا النظام عاجزا عن تأمين الأمن للمواطنين، وعن تأمين التيار الكهربائي، والوقود، ووسائل النقل لهم، والطحين الكافي لخبزهم، وعاجزا عن تأمين الدواء لمرضاهم، وعن توفير مستلزمات التعليم، وعن..وعن.. فما هو مبرر وجوده؟
إذا كانت كل مبررات وجود الحكومة، وكل المعايير التي تضع أطرافاً أو أشخاصاً في موقع السلطة، أو في إدارة الدولة غير موجودة، فأي معنى للدولة إذاً؟
الجواب على هذا السؤال بديهي إذا كنا نريد فعلاً أن نقرأ الدولة والحكومة والنظام في سوريا، بدلالة مصلحة الشعب والوطن والسيادة، وإن بديهيات الدولة والحكومة والنظام تتطلب بالضرورة، إقالة كل القائمين على إدارة هذه الدولة، ومحاسبتهم، لفسادهم، وسوء إدارتهم، وخيانتهم للمسؤولية التي يحددها القانون والدستور.
لكننا إن نحيّنا جانباً مصلحة السوريين كشعب، ومصلحة سوريا كوطن، فإنّنا قد نجد جوابا على سؤالنا عن مبرر وجود من يحكمون سوريا اليوم في مواقعهم، فهم لم يوجدوا يوما بدلالة الشعب، أو الدستور أو القانون، وإنّما وجدوا دائماً بدلالة مصلحة المافيا التي تحكم سوريا، وبدلالة علاقة هذه المافيا مع الخارج.
وفق كل المعطيات، والأرقام، والوقائع، فإنّ حقيقة ما فعله “النظام” السوري في سوريا يمكن تكثيفه بنقطتين، الأولى تتجلى بتحطيم كل مقومات الدولة، وتدمير المجتمع السوري، ونهب ثروات الشعب السوري، ورهنها لصالح الآخرين مستقبلاً، وتشريد وقتل ما يزيد على نصف الشعب السوري، وتحويل حياة من بقي منهم إلى جحيم لا يمكن احتماله، والثانية إغراق سوريا بالمخدرات، وبالقوى التي تفقده هويته، وتهيئة الجغرافيا السورية للتقاسم وفق مصالح وقوة الأطراف الدولية.
يبقى السؤال الذي يقض مضاجع السوريين على اختلاف مشاربهم واصطفافاتهم، وأماكن وجودهم، وآرائهم السياسية مكثفاً بالسؤال ماذا بعد، ومتى ستنتهي فصول هذه المسرحية؟
بعقل بارد يمكن القول إن هذا الغد لن يكون إلا نتاج هذا اليوم واليوم الذي سبقه، نتاج مر وصلنا إليه بعد عقود من تحطيم الوطن والمجتمع، ولن يكون ختام هذه المسيرة الطويلة من التحطيم المتعمّد، والممنهج لكل مقومات الوطن، إلا سيناريو يبدو مرجحاً، وربما وحيداً، فكل المؤشرات تدل عليه.
سوريا التي تدمر وتقسم اليوم سيقف غداً مسخٌ يسمى “رئيساً” فوق خرابها، ليعلن انتصاره وتصميمه على استرجاع نصف سوريا التي وهبها مقابل أن يبقى رئيسا، ولكي يكتمل مشهد العبث حتى نهايته، لابد من مهرجان البلاهة حين يوافق قسم كبير من السوريين، أن بقاء النظام هو انتصار ساحق، وأنهم في مواجهة معركتهم القادمة سوف يستبدلون “الدبكة” التي كانت سلاحهم الوحيد في معركتهم السابقة، بسلاح “اللطم” الأكثر فعالية.
تلفزيون سوريا
————————
الجوع أو الركوع: الأسد قدوة للعالم/ عمر قدور
في الأسبوع الأخير هدد ألكسندر لافرنتييف، مبعوث بوتين إلى سوريا، على الأقل مرتين بإيقاف المساعدات الأممية من معبر باب الهوى، حيث ينتهي التفويض الممنوح للأمم المتحدة في العاشر من الشهر المقبل. في الوقت نفسه، حذرت منظمات أممية عدة من الكارثة الإنسانية المقبلة، فيما لو أوقفت المساعدات عبر الحدود، إذ من المتوقع أن يعاني من المجاعة ما يزيد عن ثلاثة ملايين سوري مستفيدين منها هناك.
كانت موسكو من قبل قد استغلت مقعدها الدائم في مجلس الأمن لتقليص عدد معابر المساعدات والمستفيدين، واستخدمت موضوع إغاثة اللاجئين كورقة ابتزاز. أما الغرب الداعم لإبقاء المساعدات فلم يقابل التهديدات بالمثل، وأبسط ما يمكن فعله التلويح بإيصال المساعدات من خارج آليات الأمم المتحدة، وعدم الرضوخ تالياً لشروط موسكو.
فحوى التهديد الروسي: إما تسليم المساعدات كلها لسلطة الأسد، لتقوم بتوزيعها باعتبارها السلطة الشرعية، أو قطع المساعدات عبر باب الهوى. المسألة ليست في غيرة موسكو على تكريس شرعية الأسد، التي لن تُكرس بهذه المساعدات، بل هي في معرفة موسكو أن هذه السلطة ستستخدم سلاح المساعدات من أجل الابتزاز والتجويع. إنها بمطلبها تستأنف سياسة الأسد المعلنة، فعلى مداخل المناطق التي كان يحاصرها فيما مضى عمد جنوده وشبيحته إلى كتابة الهدف من الحصار بوضوح شديد: الجوع أو الركوع.
من المؤكد أن وقاحة شبيحة الأسد في ذلك الشعار غير مسبوقة، على الأقل لجهة إشهاره واستخدامه ضد محكوميه. إلا أن ابتزاز العالم برغيف الخبز هو اليوم واحد من الأسلحة الروسية في الحرب الأوكرانية، وتابعنا خلال الأسبوع الأخير تصريحات لقادة غربيين تطالب بإعادة الملاحة الطبيعية في البحر الأسود لتتمكن أوكرانيا من تصدير الحبوب، بينما تصر موسكو للسماح بذلك على إزالة الألغام البحرية كافة، ما قد يُفهم منه تسهيلاً لقواتها كي تهاجم الموانئ الأوكرانية.
خارج الحسابات العسكرية الميدانية، ما لا ينبغي نسيانه أن روسيا منذ العدوان على أوكرانيا تخضع لعقوبات تخرجها من النظام المالي الدولي، وتعيقها عن تصدير الحبوب أيضاً. بعبارة أخرى، تساهم العقوبات الغربية في أزمة الخبز الحالية على مستوى العالم، وتحديداً فيما يخص فقراءه الأكثر تأثراً. إن شحّ المعروض من الحبوب، قياساً إلى الطلب عليه، وارتفاع سعره سيؤديان إلى أزمة غذاء حقيقية تطال عشرات الملايين حول العالم، وفي هذه الظروف لا يُستبعد أن يتضاءل الاهتمام “الضعيف أصلاً” فيما لو قُطعت المساعدات عن ثلاثة ملايين سوري بواسطة معبر باب الهوى.
وعندما نتحدث عن تضاؤل الاهتمام، عن قلة حساسية حكومات الغرب أو انعدامها، ربما ينبغي الإشارة إلى أن قلة الحساسية في الظروف الحالية غير متجهة فقط إلى شعوبنا. في الغرب نفسه، تسارعت حزم العقوبات على روسيا، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وهذا أضرّ فوراً بالشرائح الأفقر ضمن المجتمعات الغربية. ارتفاع الأسعار دخل كمادة في السجالات السياسية الداخلية، من دون وجود برامج فعلية لتخفيف آثارها على أفقر المتضررين، بمعنى أن الحكومات تعاقب بوتين جزئياً بلقمة عيش مواطنيها.
من المستحسن تصويب العبارة الأخيرة، فبوتين الذي تفاخر بتأثير العقوبات على الغرب أكثر من تضرر بلاده لن يتأثر بالعقوبات، لا هو ولا طبقة الأثرياء المحيطة به. التأثير سيكون بدءاً من فقراء الروس، وإذا استمرت العقوبات طويلاً فسيمتد تأثيرها إلى الطبقة الوسطى. الرهان على أن الشرائح الواسعة ستنقم على سياسات بوتين، ثم ستنتفض عليه لتغييرها من أجل رفع العقوبات، هو رهان جُرِّب بعزلة روسيا أثناء الحرب الباردة، وبالعقوبات عليها بعد احتلال القرم، وفي الحالتين لم تظهر بوادر الانتفاضة الموعودة.
أما الظن بأن بوتين سيرأف بحال مواطنيه، ويتراجع عن سياساته من أجل رفع العقوبات الغربية، فلا يبتعد كثيراً عن الظن بأن بشار الأسد سيقدّم “تنازلات” لإصلاح نظامه بهدف رفع العقوبات. على مقربة في المكان والزمان، شهد العالم آثار العقوبات على العراقيين أيام حكم صدام حسين، وكيف كانت القصور الرئاسية المبالغ في فخامتها تُبنى في حين يجوع عموم العراقيين. وشهد العالم بعدها إقرار برنامج “النفط مقابل الغذاء” لتفادي الكارثة الإنسانية، إلا أن فضائح الفساد المرتبطة بذلك البرنامج كانت تتقدم بأشواط على فوائده.
اليوم، في اللوحة العامة، تهدد موسكو بوقف المساعدات الغذائية عن ثلاثة ملايين سوري خارج سيطرة الأسد، والنسبة العظمى من الواقعين تحت سيطرة الأخير يعانون أيضاً من خطر المجاعة ومن وطأة العقوبات الغربية. تصدير الحبوب من روسيا دونه حاجز العقوبات المالية الغربية، وتصدير الحبوب الأوكرانية دونه إغلاق الموانئ بسبب الهجوم الروسي.
في نموذج عن التعاطي الغربي، وصف أمس جزيب بوريل “مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي” عرقلة روسيا تصدير الحبوب الأوكرانية بأنها جريمة حرب حقيقية، ويجب أن تُحاسب عليها. منوّهاً بأن المرء لا يستطيع أن يتخيل ملايين من أطنان القمح عالقة في أوكرانيا، بينما يعاني الناس في باقي أنحاء العالم من الجوع. قد نسمع كلاماً مشابهاً في جلسة مجلس الأمن للبت في مصير المساعدات إلى سوريا، كلاماً محقاً يلقي بالمسؤولية على موسكو، ولا يقدّم رغيفاً لضحايا السياسة الروسية.
إذا أخذنا اللوحة الكلية، فإن استخدام التجويع كسلاح، أو كبديل عن الحرب، هو اليوم أوضح وأكثر تعميماً من أي وقت مضى، وكأن شعار “الجوع أو الركوع” بات قدوة للعالم. لا تُستثنى من ذلك العقوبات الغربية التي بلا شك تضر بإمكانيات أنظمة على التوسع أو على الحرب، لكن ضررها يتعدى ذلك الهدف إلى إفقار وتجويع ملايين من الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً.
ولئن كان سلوك الأنظمة القمعية معروفاً ومتوقعاً، لجهة عدم الامتثال جراء الضغوط الاقتصادية فهذا يرتّب على الحكومات الغربية مسؤوليات أخلاقية تجاه ضحايا العقوبات. إن هذه السياسات تستحق الإدانة من موقع الانحياز إلى أفضل ما في قيَم الغرب، إذ من المفهوم أن يتشابه الحكام الأسديون هنا أو هناك، وألا يكترثوا بمصائر شعوبهم، بقدر ما هو مطلوب ألا تكون سياسة الغرب “على نحو غير مباشر أو غير متعمد” شريكة لأولئك الطغاة في سحق الشعوب بدءاً من لقمة العيش.
المدن
——————————-
رسائل متعددة بين روسيا وإسرائيل وسوريا/ ماهر إسماعيل
لأول مرة في تاريخ العلاقة الروسية الإسرائيلية منذ التدخل الروسي – الإسرائيلي في سوريا في نهاية العام 2015، تختار الخارجية الروسية الرد على الضربات الإسرائيلية لسوريا بعد قصف مطار دمشق الدولي، وإخراجه عن العمل، بمشروع قرار أممي سوف تتقدم به إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث قالت الخارجية في متنه: “إن الهجوم نفذ بشكل ينتهك القانون الدولي، ويقوّض الاستقرار وينتهك أيضاً سيادة سوريا والدول الأخرى”.
وأكد المشروع أنه يجب “محاسبة المسؤول على تنفيذ الهجوم لأنه أضرّ بشكل صاروخ بالقدرة على مساعدة سوريا إنسانياً”.
وكانت وزارة الخارجية استدعت، في وقت سابق، السفير الإسرائيلي لدى روسيا وطالبته بتقديم توضيحات حول “القصف العدواني الذي استهدف مطار دمشق الدولي وأخرجه عن الخدمة”، وعدت الخارجية الروسية أن “التبرير الذي ورد من الجانب الإسرائيلي غير مقنع”.
وأوضح نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، للسفير الإسرائيلي، أليكس بن تسفي، أن التفسيرات الإسرائيلية المقدمة، حتى الآن، لا ترضي موسكو، كما أبلغ السفير أن روسيا لن تسمح بتحول سوريا إلى “ساحة معركة” لدول أخرى في محاربة الإرهاب.
وأضاف البيان، أن “قلق روسيا البالغ إزاء الضربة الجوية التي شنّتها القوات الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق المدني، ما أدى إلى تضرر مدرج ومعدات ومباني ملاحية وإلحاق أضرار بالحركة الجوية المدنية الدولية”.
الرسائل الروسية – الإسرائيلية:
رغم التفاهمات التاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على السماح للطائرات الحربية الإسرائيلية بالعمل في سماء الأجواء السورية دون تدخل من القوات الروسية ضدها.
ونشر موقع (واللا) العبري، في الشهر الأول من العام 2019، آلية التنسيق التي كرسها الاتفاق، حيث تقوم إسرائيل بضرب أهداف تابعة لطهران وحزب الله في إطار مكافحة التوسع الإيراني في سوريا.
وأضاف الموقع، أن آلية التنسيق المشترك لا تتضمن منع الدفاعات السورية من اعتراض الصواريخ الإسرائيلية، إلا أنها تحرص على منع توجيه نيران تلك الدفاعات نحو المقاتلات الإسرائيلية ذاتها، كما جاء في موقع (ليفانت).
إن الرسائل المتبادلة بين روسيا وحكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن موقف تل أبيب من الحرب الروسية على أوكرانيا لم يأتِ كما ترغب الخارجية الروسية، لذلك قامت بإعداد مسودة المشروع إلى مجلس الأمن، وأنّه إذا لم تراعِ الحكومة الإسرائيلية مصالح روسيا في أوكرانيا، فإنها سوف تتخذ مجموعة إجراءات تعقد من تطبيق الاتفاق الذي كان يجري العمل به منذ تفاهمات (نتنياهو- بوتين) في السماء والأرض السورية، والتي تستهدف الوجود الإيراني في سوريا، وحتى هذه اللحظة ما زال العمل بالتفاهمات قائماً، لكن تتغير الوقائع والعمل بالتفاهمات ما بقي الموقف الإسرائيلي داعماً للرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي، حيث طلب سابقاً من رئيس الحكومة الإسرائيلية لعب دور الوسيط في التفاوض بين روسيا وأوكرانيا، وقد بذل بينت ما في وسعه في المرحلة السابقة رغم عدم التقدم في المفاوضات بينهما.
الرسائل الإسرائيلية لدمشق:
إن الرسالة الأوضح لدمشق عبر تخريب وتدمير مدارج هبوط الطائرات المدنية في مطار دمشق الدولي، هي منع إيران من نقل شحنات السلاح عبر مطار دمشق الدولي، وتخفيف كمية السلاح الذي ينقل إلى لبنان لحزب الله في ظل التهديدات العسكرية الواضحة لسفينة التنقيب الإسرائيلية (أنير جياني باور) التي رست وتتجهز لبدء الحفر في منطقة تصنيف (متنازع عليها)، بحسب الدولة اللبنانية.
وتلعب رمزية مطار دمشق بعداً سياسياً من رموز نظام الأسد، فمن قراءة عمليات القصف السابقة أن الحكومة الإسرائيلية كانت تقصف شحنات الأسلحة خارج مطار دمشق الدولي، وهذا التحول النوعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية يوحي بنقلة نوعية في التعامل مع الوجود الإيراني، ونقله السلاح لحزب الله اللبناني رغم السيطرة الإيرانية على العديد من المواقع التي يمكن من خلالها نقل هذا السلاح بعيداً عن مطار دمشق الدولي، فتوقيف العمل في المطار هو رسالة سياسية إسرائيلية للنظام أكثر من أنها رسالة عسكرية.
إن الرسالة الأوضح لدمشق هي الابتعاد عن طهران وسياساتها في المنطقة، خصيصاً الجانب العسكري تجاه تل أبيب، فهل تستطيع دمشق الاستجابة لهذه الرسائل والابتعاد؟
إن كل المؤشرات والوقائع والمحاولات العربية قبل المحاولات الإسرائيلية لم تجدِ نفعاً مع نظام دمشق من أجل فك الارتباط بالمشروع الإيراني في المنطقة الداعمة للرئيس الأسد.
الرسائل الإسرائيلية لطهران:
إن الرسالة الإسرائيلية للحلقة الأولى المحيطة بالمرشد الأعلى (علي خامنئي، والحكومة الإيرانية) حول الاتفاق النووي، أنه مؤقت في حال التوصل إليه مع إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية التي تحكم البيت الأبيض الأمريكي، وعند وصول الجمهوريين إلى حكم البيت الأبيض سيتوقف العمل بالاتفاق النووي المنجز، لذلك تبدو الإدارة الديمقراطية غير متحمسة لإنجاز هذا الاتفاق، في ظلّ ما يشاع عن قرب إقرار (القنبلة النووية الإيرانية) منها إلى قرار العودة للاتفاق النووي.
وفي حال الاقتراب الإيراني من تصنيع القنبلة، تضع المنطقة والإقليم على نار تصعيد عسكري كبير، ويقع هذا التصعيد ضمن الخيارات العسكرية الإسرائيلية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، ويأتي الاستهداف لمطار دمشق الدولي الذي تستخدمه الطائرات الإيرانية لنقل معدات وأسلحة عسكرية إلى حزب الله في هذا الإطار، وأنه في حال أي رد إيراني على هذه الاعتداءات من الأراضي السورية سوف يكون التصعيد والعمل العسكري هو عنوان المرحلة المقبلة من الصراع (الإسرائيلي – الإيراني) في سوريا.
إن هذا الاعتداء ورمزيته، دفعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى القول: “إن قصف مطار دمشق الدولي قد يؤدي إلى صراع أوسع في منطقة مضطربة بالفعل”.
وأعرب الأمين العام عن قلقه مما يبدو أنه تصعيد في أعمال العنف والخطاب العدائي بجميع أنحاء المنطقة، في الأسابيع الأخيرة، حسب بيان الأمم المتحدة.
وحذّر المتحدث باسم الأمين العام، ستيفاني دوجاريك، من مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى صراع أوسع، مشيراً إلى أن “توجيه الهجمات ضد المدنيين والمرافق المدنية ممنوع منعاً باتاً بموجب القانون الإنساني الدولي”.
وأكّد المتحدّث عن استعداد الأمم المتحدة “لمساعدة الدول الأعضاء في حل خلافاتها من خلال الحوار”.
وجاءت الأرقام الإسرائيلية التي نشرتها صحيفة “حيروز اليم بوست” الإسرائيلية، من أن الطيران الإسرائيلي أغار خلال الخمس أعوام السابقة على الأرض السورية في (408) غارات، وألقى بأكثر من (5500) قنبلة، وقصف أكثر من (1200) هدف، وأكدت أرقام الصحيفة أنه في العام 2021، قصف بـ(585) قنبلة اتجاه (174) هدفاً فقط.
وكانت قد بينت ليفانت أن فريق صوت العاصمة قد وثق حوالي (38) غارة جوية شنتها الطائرات الإسرائيلية استهدفت (25) موقعاً للميليشيات الإيرانية وحزب الله، مؤكدة وقوع خسائر مادية وبشرية، والهجوم الأخير على مطار دمشق الدولي رقمه (15) في العام الجاري.
أخيراً.. إن رسائل العمل العسكري الإسرائيلي الأخير في مطار دمشق الدولي، وعدم الرد السوري أو الإيراني، وإنما جاء الرد السياسي عليه من خلال مشروع القرار الروسي الذي سيقدم لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، والذي يعتقد أنّه من الصعب جداً نجاحه ليعيد تظهير علاقة تل أبيب بموسكو، وكذلك التقييم الإسرائيلي لعلاقة النظام السوري بطهران، رغم أن هذه النظام ما زال هو الضامن للهدوء الذي تتمتع به جبهة الجولان، فهل تحمل الأيام القادمة تحولاً في علاقة تل أبيب بدمشق من بوابة النظرة الإسرائيلية لهذه العلاقة، خصيصاً أن الكيان الإسرائيلي مقبل على انتخابات تشريعية جديدة في ظل قرار حكومة بينت حل الكنيست؟
ليفانت – ماهر إسماعيل
—————————–
هل اقتنع العرب باستحالة فك ارتباط الأسد بإيران؟/ أحمد رحال
منذ أن وصل آل الأسد لسدة الحكم في سوريا، شكل هذا النظام خاصرة رخوة للأمة العربية عبر تآمره على أمنها، خاصة بعد صفقة لندن مع الموساد الإسرائيلي عام 1965، التي استلم بموجبها حافظ الأسد السلطة في سوريا مقابل التنازل عن الجولان، ثم عبر تحالفه مع إيران الخميني، وتأرجحت بعدها علاقة نظام الأسد (الأب) بمنظومة الحكم العربي ما بين شد وجذب، وكانت سياسة الاحتواء هي الأكثر رجحاناً في تعامل النظام العربي مع حكم حافظ الأسد.
مع وصول القاصر بشار الأسد للسلطة في سوريا عبر التوريث السياسي، عانى حكام العرب كثيراً من طيشه ومحاولاته لعب دور أكبر من حجمه، فوقع بكثير من الأخطاء والكوارث تسببت بقطيعة عربية، في كثير من الأحيان، خاصة بعد اتهامه باغتيال رئيس وزراء لبنان الشيخ رفيق الحريري، بالتعاون مع حزب الله، وما أعقب ذلك من ابتعاد لمعظم العواصم العربية الفاعلة عن دمشق.
مع انطلاقة الثورة السورية، حاول النظام العربي مد يد العون السياسي والمادي للأسد مقابل إصلاحات داخلية بسيطة توقف انزلاق سوريا نحو المجهول، ومنعاً لدخول سوريا بفوضى غير مضمونة النتائج، وأرسلت شحنات الأموال من عواصم خليجية لدعم إجراءات إصلاحية ومعيشية في سوريا، لكن العقلية الصلفة التي تحكم عتاولة الحكم في دمشق، ودخول إيران على خط التصلب والسيطرة على قرار بشار الأسد، حالا دون استماع حكام دمشق لنصائح قادة العرب.
مع تزايد جرائم نظام الأسد ضد الشعب السوري الثائر، خطت الجامعة العربية خطوة متقدمة بالتدخل وطرح خطة للحل في سوريا، وافق نظام الأسد دون تحفظات، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، على خطة الجامعة الدول العربية التي تقضي بسحب الجيش من المدن، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة خلال 15 يوماً كحد أقصى، لكن الموافقة الأسدية بقيت حبراً على ورق دون تنفيذ الأمر الذي أثار غضب الجامعة العربية، فاتخذ العرب قراراً بأغلبية ساحقة يقضي بتجميد عضويَّة سوريا في الجامعة العربية، وإعطائها مهلة ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول لإرسال بعثة مراقبين عرب إلى البلاد، وهو ما أثار حفيظة النظام في دمشق، فنظم هجمات واقتحامات لسفارتي قطر والسعودية في دمشق، وقنصليتي تركيا وفرنسا في حلب واللاذقية، ومع انتهاء عمل البعثة العربية، وبرغم تقريرها شبه المنحاز كلياً لصالح النظام السوري، رفض بشار الأسد تطبيق الخطة العربية وبنود الحل في سوريا، ومعه فرضت عقوبات اقتصادية وسحب معظم السفراء العرب من دمشق ودخل النظام بقطيعة مع العرب.
القطيعة لم تكن كلية، خاصة من خلال النافذة الأمنية والاستخباراتية التي بقيت بواباتها مواربة مع أجهزة مخابرات الأسد من خلال اللواء علي مملوك الذي زار أكثر من عاصمة عربية، ونقل رسائل متبادلة مع دمشق، كانت غاية العرب منها توجيه النصائح ومحاولة إعادة بشار الأسد لجادة الصواب، لكن نظام الأسد كان قد أغلق كل طرق العودة بعد تحالفه مع نظام ملالي طهران، الذي بات صاحب القرار الأعلى والأوحد في سوريا.
اعتماد الحل العسكري والبطش بالشعب السوري المنتفض على منظومة آل الأسد الاستبدادية، كان قراراً إيرانياً، تكفل الحرس الثوري الإيراني تطبيقه عبر فيلق القدس وقائده قاسم سليماني، الذي بات الحاكم العسكري المطلق لسوريا، واستتبع ذلك فتح الأسد بوابات سوريا لإدخال مرتزقة حزب الله اللبناني والكثير من الميليشيات الشيعية التي تدور بالفلك الإيراني (زينبيون، فاطميون، النجباء… وأكثر من 65 ميليشيا أخرى)، عملت جميعها بإمرة الجنرال قاسم سليماني، وتعاونت مع نظام دمشق على شن حملة إبادة ضد كل سوري يرفض نظام الأسد ويطالب بالحرية وعلى مرأى ومسمع العرب.
مع انقضاء أكثر من ثماني سنوات على عمر مأساة السوريين على يد مرتزقة إيران وحزب الله ونظام الأسد والروس، عادت بعض الأنظمة العربية لطرح أفكار هدفت إلى تحصين منظومة الأمن العربي، وتغليب المصالح العامة للعرب على الخلافات البينية، من خلال دعم الأمن القومي العربي أمام تحديات المشروع الفارسي الذي بات يهدد مصالح ووجود الأمة العربية، مع ما يستوجبه هذا القرار العربي من تجاوز لبعض الخلافات مع نظام دمشق، عبر خطة طرحتها بعض عواصم العرب تقضي باستقطاب الأسد، وتقديم بعض المغريات المادية والاقتصادية، مقابل فك ارتباطه بالمشروع الفارسي ونظام الملالي في طهران، وتصدرت المشهد عدة دول فاعلة لقيادة تلك القاطرة، مثل الأردن ومصر والإمارات العربية، مدعومة من دول عربية لم تقطع علاقاتها بالأساس مع دمشق، وهي عمان والجزائر والعراق ولبنان، وانبرت بعض العواصم العربية لفتح الطريق، فكان الاتصال الهاتفي بين الملك الأردني عبد الله الثاني وبشار الأسد، ثم زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق، أعقبها زيارة بشار الأسد للإمارات العربية، ثم نقاشات عربية وجدالات حول إمكانية دعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية بالجزائر، ثم فجأة وفي خضم تلك الخطوات، يخرج الملك الأردني ليرفع الصوت عالياً محذراً دمشق من أخطار تهدد بلاده، بعد سيطرة إيران وميليشياتها على معظم الجنوب السوري، ووصول تلك الميليشيات إلى الحدود الأردنية، وإلى الحدود مع الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل، وتتالت المواقف العربية المبتعدة عن دمشق، والهمة التي كانت تدفع بعض العواصم العربية للتطبيع مع نظام الأسد باتت تحذر، وهذا ما دعم موقف قلة من الدول العربية كانت أساساً ترفض أي تقارب مع دمشق لعلمها وقناعتها بصعوبة تغيير سياسة بشار الأسد، وصعوبة إبعاده عن أسياده في طهران.
خلال كل سنوات الثورة، ما فتئت رموز المعارضة الوطنية من تحذير العرب من خطورة وأبعاد التغول الإيراني في سوريا، وشرحت للعرب عن عمق التجذر الإيراني بمنظومة الحكم في دمشق، ومدى سيطرة إيران وحزب الله على معظم الجغرافيا السورية، وعلى القرار السياسي والعسكري للسوريين، بل سيطرة إيران على مفاصل الحكومة السورية، ومعظم مؤسسة وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، وبينت تلك الرموز للمسؤولين العرب أن بشار الأسد أصبح خارج دائرة القرار السوري، وأن مهمته باتت تنحصر فقط في شرعنة وجود مرتزقة إيران وحزب الله وروسيا على الأراضي السورية، وأنه باع مقدرات الشعب السوري من موانئ ومعابر وقواعد جوية وبحرية، بل باع الاقتصاد السوري وثروات سوريا للإيرانيين والروس مقابل حفاظه على كرسي السلطة في سوريا.
الموقف العربي الأخير بنظر السوريين هو عودة العرب للواقع وللمنطق الذي كان يأمله كل مواطن سوري حر، بأن نظام دمشق قد أحرق كل مراكب العودة للحضن العربي، وسد كل البوابات المؤدية للعواصم العربية، ودمج كل خياراته بخيار وحيد يقضي بالتحالف مع إيران وما يسمى “محور المقاومة”، راهناً مستقبل وإمكانيات الشعب السوري لأجندات إيران، على غرار حزب الله اللبناني، والحشد الشيعي العراقي، والحوثي اليمني، ضارباً بعرض الحائط كل مرتكزات الأمن العربي والمصالح العربية والتنسيق العربي.
فهل يمكننا القول اليوم: إن إخواننا العرب باتوا على قناعة لا تقبل الشك باستحالة فك ترابط بشار الأسد بالمشروع الفارسي وبنظام الملالي في طهران؟
—————————–
استعادة سوريا وسط الحرائق/ صبا مدور
لم يأتِ ذكر سوريا ضمن أجندة الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة أواسط تموز/يوليو، لكن كل النقاشات التي يريد خوضها لن تتخطى سوريا، ففيها يدور الصراع بين إيران وإسرائيل، وفيها تستقر روسيا التي باتت تتعامل مع الوجود الأميركي المحدود هناك، كعنصر ضغط على واشنطن في الملف الأوكراني، وفي شمالها تحتاج الولايات المتحدة إلى ترتيبات تمنع أن تكون قواتها وسط معركة متوقعة بين حلفائها الأكراد وبين القوات التركية المتحفزة لبدء عمليتها المعلنة لإقامة شريط أمني عازل.
تجاهلت الولايات المتحدة طويلا مصير سوريا، بل أنها في لحظة غير مفهومة، لم تعارض وجودا روسيا ثابتا هناك، وكان ذلك في زمن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي كان تخطى قبل ذلك خطوطه الحمر، وكان معه نائبه آنذاك جو بايدن ذاته، فسمحا لموسكو أن تدعم بقاء الأسد الموشك في حينه على الهزيمة أمام المعارضة، ولم يكترثا من قبل ومن بعد بالتغول الإيراني، ولا بالجرائم التي ارتكبها الجميع ضد الشعب السوري.
وهو يهرع إلى المنطقة، يقول بايدن إن الأمن القومي لإسرائيل هو سبب أساسي لزيارته، وفيما ينفي أن يكون الأمر مرتبط بسعيه الفاشل حتى اللحظة لانخراط السعودية في حملته ضد روسيا وزيادة انتاجها من النفط لخفض الأسعار، فهو يصر على أنه مهتم بحضور اجتماع قمة موسع في السعودية يشمل دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق، ويضيف أن الأمر يتعلق بقضايا أكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة.
لا شيء يدعو للشك بحديث بايدن، لكن وجوده في هذه القمة المنتظرة، وفي سياق صراع واضح المعالم مع روسيا والصين يشارك فيه الغرب بقوة وحماسة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، وفي خضم فشل محتمل لمساعي العودة للاتفاق النووي مع إيران، وصراع خشن للأخيرة مع إسرائيل، وتهديدات بحرب شاملة، وبناء تحالف دفاعي يضم إسرائيل ودول عربية بقيادة أميركية، كل ذلك يجعل وجود بايدن مهما لما يتجاوز بكثير زيارة المجاملة أو ترطيب الأجواء مع الرياض الغاضبة من مواقفه، أو التأكيد على دعم تقليدي لا يحتاج لإعادة تأكيد لحليفه الإسرائيلي.
ولكن أين سوريا في هذه الخارطة المعقدة؟ وهل يمكن أن نشهد متغيرات تعيد بناء المقاربات الأميركية التي يبدو أنها تعود للمنطقة بعدما وضعتها إدارة بايدن من قبل في ذيل قائمة أولوياتها؟
الرؤية الأميركية حول سوريا، لم تنفصل في أي وقت عن نظيرتها الإسرائيلية، ومن الناحية الواقعية، لم يصدر عن إسرائيل الرسمية ولا عن أي من مراكز دراساتها أو سياسييها ما يشير إلى رغبة او حاجة لإسقاط الأسد، وربما كان العكس هو الصحيح، فالثورة السورية أربكت الحسابات الإسرائيلية التي كانت معتادة على قواعد لعبة ثابتة ومريحة مع النظام السوري طوال ال50 عاما الماضية، ولذلك فما تسرب من مقاربات إسرائيلية كان يتعلق بمنع الوجود الإيراني في سوريا من تهديد الأمن الاسرائيلي، وهو ما كان جزءا من تفاهمات مع روسيا التي كانت تسيطر على الأجواء السورية، وعلى قواعد عسكرية في جنوب وجنوب غرب البلاد تمنح إسرائيل بعض الهدوء.
لكن القواعد تبدلت بعد اضطرار روسيا لإخلاء قواعدها في وسط سوريا تحت ضغط الحرب الأوكرانية. من ناحية وجدت إسرائيل في ذلك فرصة كي تستخدم طائراتها في قصف ما تراه مهددا لها، خارج القيود التي كانت روسيا وضعتها من قبل، لكنها ايضا أدركت ان في الأمر مخاطر كبيرة، بعدما ملأت إيران فراغات الانسحاب الروسي، وبدأت فعليا، حسب تصريحات إسرائيلية، بإرسال صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة إلى مواقع يمكن أن تطال منها أجزاء واسعة من فلسطين المحتلة، وكان قصف مطار دمشق في العاشر من حزيران/يونيو هو أحد تداعيات القرار الإسرائيلي لمنع ذلك.
هنا، لم يعد الهدف الإسرائيلي يقتصر على إبعاد إيران عن مناطق التهديد المحتمل، بل خروجها الكامل من سوريا، وهذه المقاربة، تشمل جميع الميليشيات المدعومة إيرانيا بما فيها حزب الله اللبناني، لا سيما وأن نظام الأسد لم يعد يواجه تهديدا عسكريا حقيقيا، وصار ممكنا أن تتولى دول عربية طبعت علاقاتها معه ومع إسرائيل في نفس الوقت تقريبا، أن تبادر إلى إعادة ادماجه في المحيط العربي، وربما تطرح مقاربات سياسية جديدة لحل الأزمة السورية بشكل يتلاءم نسبيا مع القرارات الدولية.
هذه الرؤية الخاصة بسوريا، هي جزء متصل بقوة بالهدف المعلن من التحالف العربي الإسرائيلي الجديد لمواجهة إيران، وفي جوهر مباحثات بايدن المرتقبة مع زعماء المنطقة، على اعتبار أنه من العبث البحث عن مقاربات لإنجاح هذا التحالف بدون التعامل مع القضية السورية.
المشكلة هنا، أن سوريا ستعود كما كانت من قبل، مجرد جسر لخدمة آخرين، إيرانيون كانوا أم إسرائيليون أم أميركيون أم روس… الخ، أما الشعب السوري وحقوقه، ومصير الملايين من معتقليه ومشرديه لاجئين ونازحين، وهدف العدالة والقصاص من المجرمين، وبناء أسس انتقالية سليمة لحكم رشيد دون الأسد ونظامه، كل ذلك سيكون مجرد تفاصيل غائبة لخدمة الهدف الأساس المتمثل بحماية أمن إسرائيل.
وفي كل الحالات فهذه الرؤية، ما زالت في بدايتها، وما زال هناك الكثير مما يمكن أن يحصل بين الطرفين المتنازعين على الأرض السورية، لاسيما وأن إيران تدرك أن مهمتها لم تعد حماية الأسد، بل الاستفادة من سيطرتها على سوريا، لفرض نفوذها في المنطقة كلاعب رئيسي، مستفيدة بالطبع من الانسحاب الجزئي لروسيا، التي كثيرا ما كانت تعوق الأهداف الإيرانية.
ندرك أن سوريا ستكون في قلب المتغيرات الجوهرية وربما العنيفة الممكنة في المنطقة، لكن ما يعني الشعب السوري هو البحث عن فرصة وسط هذه المعسكرات والمحاور المتقابلة، ليستعيد حقوقه، ويحقق العدالة المفقودة. وما يهمنا ألا تمضي هذه المعادلات الجديدة أيا كانت على حساب السوريين من جديد، وحقوقهم بالحرية والكرامة واستعادة بلدهم من خاطفيه، ومن يدري فقد تتكفل حرائق المتصارعين بذلك؟
المدن
—————————–
==================
تحديث 26 حزيران 2022
————————–
هل انتهت السيادة السورية إلى غير رجعة؟/ رضوان زيادة
كتب مرة باتريك سيل في السيرة الشخصية لحافظ الأسد أنه حول سوريا من بلد يتلاعب به الجميع إلى بلد يطلب وده الجميع، فصراع المحاور بين العراق والأردن والسعودية ومصر حول سوريا الخمسينات تحول إلى صراع سياسي داخلي بين هذه الدول، بيد أن الأسد اعتمد على القوة العسكرية في فرض قوته على لبنان وسوريا واعتمد على لعب الدور الإقليمي من أجل الحصول على العائدات المالية من دول الخليج وخاصة السعودية.
أما اليوم فتبدو سوريا كما وصف الصحافي المخضرم والوزير السابق غسان تويني الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت على مدى 15 عاما بأنها كانت “حروب الآخرين على أرض لبنان”، فهذا الوصف ينطبق تماماً على ما آلت إليه الحرب السورية، فإسرائيل دخلت في حرب معلنة ضد إيران في سوريا، والولايات المتحدة تقصف أهدافاً داخل الأراضي السورية في تحد للحماية الروسية لقوات النظام السوري، أما تركيا فتحارب النسخة السورية من حزب العمال الكرستاني على الأراضي السورية، ولم يبق من “السيادة” السورية التي يتبجح النظام السوري بتكرارها سوى هذا المقعد “اليتيم” في الأمم المتحدة الذي أصبح يرمز إلى دولة فاشلة نصف سكانها لاجئون وأكثر من 92 من سكانها النازحين والمقيمين على أراضيها يعيشون في فقر مدقع دون أن تمتلك مؤسسات الدولة أي قدرة على تأمين خدمات الدولة الأساسية من مياه وكهرباء، هذا فضلاً عن كونها لا تسيطر سوى على 60 من الأرض حيث تتوزع البقية بين مناطق تسيطر عليها دول خارجية من روسيا إلى الولايات المتحدة إلى تركيا، وتبقى السماء مفتوحة لكل من يرغب بالقيام بقصف من أي نوع كان ضد أي فريق كان، فالولايات المتحدة تقصف أهدافا تدعي أنها لداعش وروسيا تقصف مواقع المعارضة في إدلب وغيرها من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، أما تركيا فتقصف مواقع تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
الخريطة لا تبدو صعبة الفهم بالنسبة للمراقب ولكنها تبدو مستحيلة على التفسير بالنسبة للسوريين أنفسهم، كيف قادت مظاهرات سلمية تطالب بتغيير شكل نظام الحكم نحو نموذج أكثر انفتاحاً وديمقراطية إلى حرب دولية على الأرض السورية يذهب ضحيتها الآلاف شهرياً.
أما إذا تحدثنا عن تورط إيران في الأزمة السورية منذ اليوم الأول تقريبا عبر الدعم السياسي لنظام الأسد وبعد عدة أشهر تقريبا انتقلت إيران إلى مرحلة أخرى عبر ما أسمته تقديم المستشارين السياسيين والعسكريين للنظام السوري بهدف الاستفادة من خبرتهم في قمع التظاهرات السلمية في إيران خلال ما يسمى الثورة الخضراء، وقدموا خبراتهم لنظام الأسد في اعتقال مئات الألوف من الناشطين والمتظاهرين السلميين في المدن السورية المختلفة بدءا من شهر أيار 2011 ومع تحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة مع بداية عام 2012 بدأت إيران في إرسال دفعات كبيرة من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني الذي بدأ يشرف على نصب الحواجز العسكرية في المدن المختلفة بما فيها دمشق، ومع سيطرة المعارضة السورية على أجزاء كبيرة من مدينة حلب ثاني كبرى المدن السورية بدأت باستراتيجية جديدة تعتمد على إرسال الميليشيات الطائفية التي تجلبها من لبنان ممثلة في حزب الله، أو ميليشيات شيعية عراقية، وفي مرحلة تالية ميليشيا ما يسمى فاطميون وزينبيون وهم عبارة عن اللاجئين الباكستانيين والأفغان الشيعة المقيمين في إيران وأصبح النظام الإيراني يجندهم ويرسلهم بكثافة إلى المدن السورية مع اضمحلال دور الجيش السوري النظامي وانشقاق معظم المقاتلين عنه.
أما إسرائيل فهي تنفذ باستمرار الطلعات الجوية في السماء السورية، لقد تحولت سوريا إلى ساحة صراع مفتوح بين إيران وإسرائيل، ومع تواتر الطلعات الإسرائيلية واستهدافها لأهداف سورية عسكرية تابعة للنظام السوري ولحزب الله، في الحقيقة تعتمد إسرائيل في سياستها في سوريا على روسيا بشكل أكبر بكثير من اعتمادها على الولايات المتحدة، ويبدو أن روسيا تدعم الخطط الإسرائيلية في القضاء على تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا وتمدها بمعلومات استخباراتية دقيقة بل إن بعض التقارير أشارت إلى علم روسيا نفسها بالضربات الإسرائيلية على المواقع السورية مما يعني أن روسيا ربما تجبر نظام الأسد على تغيير تحالفاته مع إيران ولو بالقوة على حساب ضمان العلاقة الروسية – الإسرائيلية في سوريا، فالتعاون الاستخباراتي والعسكري بين إسرائيل وروسيا يبدو سيتم على حساب العلاقة الروسية – الإيرانية.
تبدو الحرب في سوريا وكأنها قد دخلت مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي يدفع ضحيتها الشعب السوري ولذلك يبدو الحل السياسي الذي تأمل الولايات المتحدة الوصول إليه أشبه بالسراب وإذا كان المجتمع الدولي ما زال يعول على قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ بوصفه السبيل الأوحد لوقف العنف ووضع حد للمعاناة المأساوية للشعب السوري، فإن هذا القرار يبدو أنه ليس ذا قيمة اليوم مع أزيز الطائرات العسكرية التي تؤكد ما سبق وكما جرى خلال الحرب اللبنانية فإن الحرب في سوريا أيضاً هي حروب الآخرين على الأرض السورية.
——————————
تطبيع الأسد وصمت نصرالله!
الموضوع المفضّل في طهران، وتالياً في الضاحية الجنوبية لبيروت، هو الحديث عن التطبيع الجاري عربياً مع إسرائيل عموماً، و”شبهة” التحضير له بين السعودية والدولة العبرية. لكنّ هناك صمتاً مطبقاً يلفّ “حزب الله” حيال رياح الانفتاح التي هبّت بقوة قبل أيام بين رئيس النظام السوري بشار الأسد وبين محور التطبيع.
عشيّة وصول الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة في جولة ستقوده الى الرياض للمرة الأولى منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة عام 2020، اختار موقع “العهد” الإخباري الإلكتروني التابع للحزب عنواناً لهذه الجولة هو “خارطة طريق أميركية عنوانها التطبيع في المنطقة”. وأورد مقالاً تحت هذا العنوان جاء فيه: “يعمل البيت الأبيض على “خارطة طريق للتطبيع” بين الكيان الصهيوني والسعودية قبل زيارة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل”. لكن هذا التحليل ينتهي الى القول “إنَّ البيت الأبيض يعتقد أن أيَّ خريطة طريق للتطبيع ستستغرق وقتاً وستكون عملية طويلة الأمد. ووصف مصدر ثانٍ مطلع على الأمر الاستراتيجية بأنها نهج تدريجي”.
في المقابل، شهدت دمشق في العشرين من الجاري، عودة العلاقات الديبلوماسية بين سوريا والبحرين الى طبيعتها. وجاء ذلك في خطوة متقدّمة نحو إنهاء قطيعة العالم العربي مع النظام السوري، إثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011 التي تعامل معها النظام بوحشية غير مسبوقة أدّت إلى مقتل الألوف من المواطنين وتشريد الملايين منهم في داخل سوريا والى خارجها (لبنان نال حصّة تبلغ مليوناً ونصف مليون نازح من سوريا).
هل غيّر نظام الأسد سلوكه الوحشي، كي تعود المياه الى مجاريها بينه وبين العالم العربي؟
يقدّم أكرم البنّي، الكاتب السوري المعارض، في مقاله الأخير في “الشرق الأوسط” جواباً جاء فيه: “كان ثمة حلم لدى السوريين أن ينتهي الصراع الدموي بصورة ترضي جميع الأطراف وتحقق أبسط المطالب التي ثاروا من أجلها، كان ثمة أمل بألا يعزز عناد المصالح الضيّقة والروح الأنانية وقائع وتوازنات تستهتر بأوضاعهم وتكرّس استعصاء أزمتهم، لكن أملهم خاب وحلمهم انطفأ، وباتوا يفقدون، يوماً بعد يوم، أبسط تطلعاتهم نحو الخلاص…”.
بعد 11 عاماً على انحدار سوريا الى الانهيار والتفكك، لم يغيّر نظام الأسد حرفاً في سلوكه البربري لكن سوريا التي يعرفها العالم لم تعد كما كانت قبل عام 2011. وفي هذه الأعوام الـ11 تغيّر العالم العربي الذي نعرفه، بعد انتهاء فترة العداء بين إسرائيل وعدد من الأقطار العربية بينها البحرين. وقد ازدادت لائحة الدول العربية التي عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل بحيث باتت تشكل الأكثرية الساحقة في جامعة الدول العربية.
وهكذا عادت العلاقات الديبلوماسية بين دمشق والمنامة بعدما أصبحت علاقات الأخيرة كاملة بينها وبين إسرائيل. لكن النظام السوري أظهر كل الحفاوة عندما كان الرئيس بشار الأسد يتسلّم أوراق اعتماد وحيد مبارك سيّار سفيراً مفوّضاً وفوق العادة لبلده لدى سوريا.
في المقابل، التزم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الصمت. فماذا لو تكلّم؟
————————
هل تحدّد إسرائيل مصير الأسد؟/ فراس علاوي
شهد مطلع شهر حزيران يونيو الجاري تصعيداً غير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية مع نظام الأسد.
فبعد الحوار الذي أدلى به رئيس النظام السوري بشار الأسد لقناة RT الروسية والذي جدد فيه تمسكه أو رضوخه للمحور الإيراني الروسي بصورة عامة. موضحاً تحالفه المباشر مع إيران وتبعيته لسياساتها في المنطقة، من خلال اعتباره أن إيران دولة هامة للاستقرار في الشرق الأوسط، الأمر الذي تسبب برد فعل إسرائيلي مباشر عبر قناتين متوازيتين:
الأولى كانت بالتصعيد العسكري ضد مواقع النظام والمليشيات الإيرانية، والتي بدت أكثر تصعيداً باستهداف مطار دمشق الدولي بغية إخراجه عن الخدمة، مبررة ذلك باستخدام الإيرانيين المطار لنقل الأسلحة إلى سوريا وحزب الله، وهو ماترفضه إسرائيل،
والثانية عبر التصعيد الإعلامي، فقد نقل موقع إيلاف السعودي عن مسؤولين إسرائيليين أن إسرائيل أرسلت رسالة مفادها أن أحد قصور بشار الاسد سيكون هدفاً لصواريخ طائراتها في حال استمر بالتغطية وقبول النشاط الإيراني في سوريا، وبذلك يكون استهداف المطار رسالة تحذيرية لطبيعة التصعيد الإسرائيلي القادم والذي قد يحدد مصير بشار الأسد نفسه.
منذ بداية الثورة السورية، حافظت القيادة الإسرائيلية على شكل محدد للتدخل، وكان هناك تياران داخلها لم ينتصر أحدهما على الآخر:
الأول يقول بالإبقاء على بشار الأسد باعتباره لايشكل خطراً على إسرائيل ويحافظ على حالة اللاسلم واللاحرب معها.
والثاني يقول إن بقاء الفوضى بوجود بشار الأسد سيسلم المنطقة لإيران وحزب الله.
كان التدخل الإيراني والروسي حاسماً في سوريا لمصلحة النظام لكنه بالوقت ذاته كان مؤثراً على الدور الإسرائيلي في سوريا، وهذا ماظهر في لقاء القدس الأمني في /٢٤/٦/٢٠١٩/
الذي جمع رؤساء مكاتب الأمن القومي الإسرائيلية والأمريكية والروسية، وتم خلالها فصل المسار الروسي عن الإيراني بما يتعلق بالتدخل الإسرائيلي، وهو ماظهر لاحقاً من خلال عدم التدخل الروسي ضد أي استهداف إسرائيلي لمواقع النظام أو الأهداف الإيرانية على الأرض السورية، الأمر الذي أزعج الإيرانيين في أحايين كثيرة.
استمر العمل بهذا الاتفاق حتى بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وبسبب توتر العلاقات الروسية الأمريكية والروسية الإسرائيلية، بدا وكأن الروس تخلوا عن هذه التوافقات وذلك من خلال السماح لإيران بالتمدد جنوباً وهو أمر لم يتوقف لكنه كان تحت ذرائع مختلفة، هذا التمدد استخدمه الروس للضغط على إسرائيل لتبديل مواقفها من الحرب في أوكرانيا، كذلك التصريحات الروسية التي أبدت انزعاجها من الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة، الأمر الذي اعتبرته القيادة الإسرائيلية تبدلاً في الموقف الروسي وإعطاء غطاء للمليشيات الإيرانية، يجعلها تزيد من وتيرة استهدافها وتغير نوعية الأهداف والتهديد بالتصعيد.
كان لقاء بشار الأسد مع قناة روسيا اليوم تأكيداً على تبعيته للموقفين الروسي والإيراني من الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني نقل ساحة المعركة من قبل إسرائيل إلى العمق السوري، والتهديد باستهداف أحد قصور بشار الأسد.
الافتراق الروسي الإسرائيلي حرر الاستراتيجية الإسرائيلية من قيود التوافق مع الروس من جهة، وزاد بنك الأهداف التي من الممكن استهدافها من جهة أخرى، وبالوقت ذاته زاد التصعيد الروسي ضد أهداف أمريكية أو تابعة للولايات المتحدة في سوريا، كما حدث باستهداف قاعدة التنف التي تضم فصائل تابعة للمعارضة السورية كجيش مغاوير الثورة، والتي يتم تدريبها عبر عناصر أمريكية وبعلم الأمريكان. الموقف الإسرائيلي من سوريا، كان يعاني من اعتراضات أمريكية سببها خشية الإدارة الأمريكية من توقف مباحثات الملف النووي الإيراني ومواقف روسيا وإيران منه.
هذا الموقف الذي يعني تراجع التنسيق على الأرض، سيضاعف الرغبة الإسرائيلية بتحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهو أمر لا يزعج الروس على المدى الطويل، ويخفف من أطماع إيران بتعبئة الفراغ في حال حدوث انسحاب روسي مفاجئ.
هذا الأمر أيضاً يفسر الدور النشط للأردن بمحاولة إقامة سياج آمن على حدوده منعاً للوصول الإيراني إلى مناطق تهدد الأمن القومي الأردني، وكذلك التخفيف من عمليات التهريب التي تستهدف الأردن والخليج العربي خاصة تهريب المخدرات، مما جعل الخطوة الأردنية تحظى بدعم خليجي وقبول إسرائيلي.
إذاً فسوريا تحولت إلى ساحة لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وأمام إيران الآن أن تختار بين حماية بشار الأسد ونظامه أو حماية حزب الله اللبناني الذي طالته أيضاً التهديدات الإسرائيلية، وبالتالي في حال تحقق التهديد فإنّ الإيرانيين سيجبرون على اختيار حزب الله كخيار استراتيجي على خيار بشار الأسد، باعتبار أن الفائدة المرجوة من الحزب أكبر من تلك التي يقدمها نظام تتنازع السيطرة على جغرافيته قوى دولية وإقليمية.
عاملان مهمان سيحددان التطورات التي ستلحق بالملف السوري خلال الفترة القادمة، وكلاهما يتعلقان بالولايات المتحدة والمواقف الدولية التي تدور في فلكها:
العامل الأول هو مباحثات الملف النووي الإيراني والذي سيشهد تطورات متسارعة خلال الفترة القادمة سواء لاتجاه التوقيع أو التصعيد مع تزايد التحليل القائل بأن أمام إيران ستة أشهر فقط لصناعة قنبلتها النووية.
العامل الثاني هو الحرب الروسية في أوكرانيا، واحتمالية التصعيد بعد الإصرار الروسي على الذهاب بعيداً رغم العقوبات الغربية التي بدأت تعطي نتائج عكسية على الاقتصاد الأوربي أيضاً، وبالتالي فإن الساحة السورية مرشحة بقوة بأن تكون إحدى ساحات الصراع خلال الصيف الحالي، ومع دخول إسرائيل كطرف مباشر فإن مصير النظام سيتم تحديده من خلال تصعيد المواجهة مع إيران في سوريا وتحييد الدور الروسي فيها.
الطريق
———————————-
منطقتنا التي تُعاد صياغة العلاقات فيها/ زياد ماجد
تجري منذ أشهر إعادة صياغة العلاقات في منطقة «الشرق الأوسط» ارتباطاً بالحرب الروسية على أوكرانيا، وبإعادة التموضع الأمريكي دولياً، وبالاستراتيجيا الاقتصادية الصينية، وبتنافس القوى الإقليمية، إيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج العربي، وبمحاولة مصر لعب أدوارٍ تتيحها جغرافيتها وتاريخها.
وإذا كان من المبكر تقييم ما يجري أو صياغة خلاصات حول مؤدّياته المحتملة، فإنه من الممكن تسجيل ملاحظات ستّ حوله أو حول المعطيات المرتبطة به.
الملاحظة الأولى ترتبط بانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية التي ستدخل شهرها الخامس. فالأخيرة ظهَّرت في بداياتها تبدّلاً في خريطة الولاءات بحيث بدت أكثر الأنظمة في المنطقة ميّالةً إلى موسكو، بما فيها تلك الموالية تاريخياً للولايات المتحدة الأمريكية. ولعلّ الأنظمة تلك كانت تريد إفهام واشنطن غضبها من تفاوضها مع إيران وتراجعها عن سياسات ترامب وانتقاداتها الحقوقية الموجّهة لبعض الحكومات. وهي ظنّت أن بوتين سيحرز نصراً سريعاً يعزّز مكانة روسيا الدولية، المُستعادة جزئياً نتيجة حروب الكرملين في جورجيا وأوكرانيا نفسها وسوريا، ونتيجة تدخّلاته عبر مرتزقة «فاغنر» في ليبيا وعدد من الدول الأفريقية، بما يجعلها تضغط على الأمريكيين بعلاقاتها المتحسّنة مع موسكو. غير أن استمرار الحرب واحتمال استدامتها، إضافة إلى حجم العقوبات الغربية على روسيا وأثر ذلك على سياسات الطاقة والنقل والاقتصاد عامة والعلاقة بأوروبا، وهجوم واشنطن الديبلوماسي ودعمها الأوكرانيين بالأسلحة النوعيّة بدأت تُرجع الأمور إلى ما كانت عليه قبل 24 شباط/ فبراير الماضي، ولَو مع حذر وانتظار لما سيُقدم عليه الأمريكيون وما سيعلِنون عنه تباعاً في جولات مسؤوليهم المقبلة في المنطقة.
الملاحظة الثانية أن واشنطن التي أسقطت معظم ملفات الشرق الأوسط من أولوياتها الخارجية منذ أكثر من عقد من الزمن، باستثناء الملف النووي الإيراني، باشرت إعادة النظر في بعض مقارباتها، لا سيّما تجاه دول الخليج لأسباب اقتصادية وعلى تماس بموضوع الطاقة، ولأسباب استراتيجية مرحلية متعلّقة بالحدّ من التقدم الصيني ووقف التقارب مع روسيا والحاجة للقواعد العسكرية. والأرجح أن تعثّر الاتفاق الأمريكي مع إيران ساهم في تحقيق هذه العودة الخليجية، وأن المقاربة الأمريكية الجديدة تُبقي على التعامل الحذِر مع بعض الملفّات (كالملف العراقي)، وتتجنّب التعامل مع ملفّات أخرى – مرحلياً على الأقل – كالملفين الفلسطيني واللبناني مع اكتفاء بمطالبة إسرائيل بتجنّب «التصعيد» مع طهران وحلفائها. أما في سوريا، فيبدو أن صيغة المحافظة على عقوبات «قيصر» والانتشار العسكري لمراقبة الحدود مع العراق ومواصلة الحرب على بقايا «داعش» ومنع الحلول المفروضة روسياً من دون طرح البدائل الجدّية، هي الصيغة التي لن تتبدّل كثيراً.
الملاحظة الثالثة أن القوى الإقليمية الرئيسية تُعيد ترتيب علاقاتها في المنطقة لقطف ثمار المتغيّرات الدولية أو الحدّ من أضرارها. فتركيا التي استفادت من حرب روسيا على أوكرانيا لتبيع طائرات «بيرقدار» الاستثنائية الفاعلية للثانية وتُبقي قنوات الديبلوماسية قائمة مع الأولى وتستثمر موقعها على مدخل البحر الأسود وفي عضوية حلف شمالي الأطلسي للتوسّط من ناحية ولابتزاز الأوروبيين مقابل تخلّي بعضهم عن دعم التنظيمات الكردية من ناحية ثانية، صالحت إسرائيل بعد طول انقطاع، واستمرّت في التعامل مالياً وتجارياً مع إيران، وتصالحت الآن مع السعودية (وإلى حدّ ما مع مصر) وقلّصت التوتّر مع الإمارات وكرّست حضورها في ليبيا. وهي تحاول التوسّع العسكري في سوريا بحجّة تأمين عودة للاجئين إلى المناطق التي تسيطر عليها قواتها. ومصر تريد من جهتها استعادة أدوار ديبلوماسية خسرتها في الماضي، إن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو في الصلة مع الشأن الليبي أو في ما خصّ العلاقة مع السودان والتوتّرات المستمرة مع إثيوبيا بسبب نهر النيل. أما السعودية، فنجح وليّ عهدها في طيّ صفحة اغتيال الصحافي الخاشقجي في إسطنبول عبر تطبيع فرنسا وأمريكا وتركيا الآن معه. وتراجعت حدّة حربه في اليمن بما يترك له إمكانيات تفاوضية في البلد المقسّم والمنكوب. كما تحسّنت علاقات الرياض بالدوحة، في حين تراجع التحالف مع الإمارات التي صارت أقرب إلى الانفراد في سياساتها في المنطقة ودعمها لأنظمة وجماعات في اليمن والسودان ودول شمال أفريقيا، إضافة إلى تطبيعها المتسارع مع إسرائيل والنظام السوري.
إيران من جهتها تستمرّ في السعي للمحافظة على مواقع نفوذها في العراق ولبنان واليمن وتعمل على تمتينه في سوريا على حساب حليفتها روسيا (التي تعيد الانتشار وتنظيم وجودها العسكري ربطاً بالحرب في أوكرانيا). كما تعمل عبر إعلان استمرار التطوير في برنامجها النووي رغم التخريب الإسرائيلي والاغتيالات إظهار تصميمها على عدم التنازل أو الإذعان للشروط الغربية في المفاوضات، مراهنةً على الوقت وعلى ما تعدّه استحالة الحرب الشاملة ضدها.
الملاحظة الرابعة أن أوروبا التي كانت تحاول خطّ نهج سياسي في المنطقة يزاوج بين حماية المصالح الاقتصادية والمحافظة على التوازنات السياسية بين محاور التنافس أو التصارع الإقليمي، صارت اليوم مهجوسة حصراً بتأمين خطوط إمدادٍ لها بالطاقة تعوّض جانباً من النقص في الإمدادات الروسية، ومهجوسة أيضاً بسبل ضبط الحدود المتوسطّية لمنع وصول المزيد من اللاجئين إلى القارة الأوروبية. وما ذُكر يجعلها بلا شكّ عرضة لضغوط كثيرة ويدفعها لغض النظر عن ممارسات ستكتفي مفوضيّات حقوق الإنسان في رفع الصوت لإدانتها، دون تبعات. ولن يقتصر الأمر على إسرائيل في هذا السياق وعلى جرائمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل أيضاً على معظم الأنظمة العربية (المعنية بالطاقة وضبط الحدود).
الملاحظة الخامسة أن الصين التي لم تُبدِ في المنطقة في السابق أكثر من الاهتمام الاقتصادي، تبادلاً تجارياً وشراءً للنفط، باتت اليوم مقبلة على أدوار وساطة سياسية تريد تأديتها في دول أفريقية على تماس مباشر مع الشرق الأوسط (في إثيوبيا وجنوب السودان أو في مناطق جنوب الصحراء). وهي صارت تسعى علناً لتوظيف علاقاتها الاقتصادية من أجل تقوية حضورها السياسي، ليس كحليف للدول بديلٍ عن أمريكا أو محتلٍ موقعاً قد تخسره روسيا مع الوقت، بل كقطبٍ عالمي قادر على التكيّف مع جميع التحوّلات بمعزل عمّا يقوم به منافسوه أو حلفاؤه أو خصومه.
والملاحظة الأخيرة أن الكلام المتزايد عن الاستقرار والأمن والغذاء أطاح بما طغى لسنوات بعد الثورات العربية العام 2011، وقبل هزيمتها على يد الثورات المضادة والتدخّلات الخارجية، أي الكلام حول الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. وهذا سيكون، إن لم يُعمل عبر الشبكات الحقوقية الدولية والأوروبية والإقليمية على التصدّي له، مدعاة تحصين مرحليّ لمرتكبي التجاوزات والانتهاكات الكثيرة.
الأرجح إذاً أننا أمام حقبة يُعاد فيها تشكيل العلاقات وتبنّي الأولويات، وأننا أمام توازنات جديدة تريد دول ومحاور إرساءها أو الاستفادة منها لبسط هيمنة أو طغيان أو الدفاع عن مصالح، في انتظار انتهاء الحرب الأوكرانية واتّضاح صورة العلاقات الدولية المقبلة واحتمالات الاشتباك الاقتصادي الأمريكي الصيني التي قد تتصدّر ملامحها.
*كاتب وأكاديمي لبناني
القدس العربي
———————————————–
================