الكشف عن شبكة مدعومة روسياً تروج لنظرية المؤامرة في سوريا
الكشف عن شبكة لنظريات المؤامرة دعمتها روسيا في سوريا
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية تقريرا لمارك تاونسند، قال فيه إنه تم الكشف عن شبكة تدعمها روسيا لنشر نظريات المؤامرة في سوريا.
وقال الكاتب إن عشرات من الناشرين لنظريات المؤامرة تلقوا دعما من حملة نسقتها روسيا، وقاموا بإرسال آلاف من التغريدات التي تحتوي على معلومات زائفة بهدف تشويه واقع النزاع في سوريا، وزيادة تردد المجتمع الدولي في التدخل بالحرب.
وبحسب البيانات التي جمعها معهد الحوار الإستراتيجي، فإنه حدد شبكة من الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، تعود لأفراد ومواقع إخبارية ومنظمات تقوم بنشر معلومات عن الحرب إلى 1.8 مليون متابع يصدقون كل كلمة يقرأونها في المنشورات هذه. وحدد المعهد ثلاثة ملامح فيما ينشر، وهي مهاجمة وتشويه عمل متطوعي الدفاع المدني ومنظمتهم الخوذ البيضاء، والتركيز ثانيا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي من خلال نفي ذلك أو تشويه المعلومات عنه. وثالثا مهاجمة المنظمات الدولية التي تحقق في الأسلحة الكيماوية.
أصبحت الخوذ البيضاء هدفا لغضب تلك الحسابات بعد توثيقها حوادث استُخدم فيها السلاح الكيماوي مثل خان شيخون في 2017 حيث قُتل 97 شخصا ثلثهم من الأطفال
وأصبحت الخوذ البيضاء هدفا لغضب تلك الحسابات بعد توثيقها حوادث استُخدم فيها السلاح الكيماوي مثل خان شيخون في 2017 حيث قُتل 97 شخصا ثلثهم من الأطفال. وتوصلت دائرة تابعة للأمم المتحدة لاحقا إلى “وجود أسباب معقولة تدفع للاعتقاد أن القوات السورية أسقطت قنابل غاز السارين” على البلدة في محافظة إدلب.
وجاء التحليل الجديد في تقرير أعدته الحملة السورية ووجد أن الروايات الرسمية للحكومة الروسية لعبت دورا محوريا في خلق المناخ ونشر المحتويات الزائفة، حيث لعبت سفارتا موسكو في بريطانيا وسوريا دورا بارزا. ومن بين 47 ألف تغريدة تحتوي على معلومات زائفة نشرها 28 داعيا لنظريات المؤامرة ما بين 2015- 2021، 19 ألفاً منها كانت منشورات أصلية أعيد نشرها أكثر من 671 ألف مرة. ومن بين الذين وردت أسماؤهم كمؤثرين في عمليات التضليل، فانيسا بيلي، التي تصف نفسها بالصحافية المستقلة، وتحولت نظرياتها كدليل لروسيا في مجلس الأمن الدولي. وفي أيلول/ سبتمبر 2015 اتهمت بيلي الخوذ البيضاء بأنها متحالفة مع تنظيم القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى، زاعمة أن اللقطات التي يأخذونها في عمليات إنقاذ المدنيين وإخراجهم من أنقاض البيوت والبنايات التي دمرت، مفبركة. وقال فاروق حبيب، نائب مدير الخوذ البيضاء: “في البداية، اعتقدنا أن هذا الكلام من جهة ليس لديها المعلومات الصحيحة، وعلينا الاتصال بها وتوضيح الحقائق لها. لكن بعد بحث، اكتشفنا أن هذا متعمد ومنظم”.
كما كشف البحث عن أكاديميين بريطانيين نشروا المعلومات المضللة التي نشرها النظام السوري والداعمين لنظريات المؤامرة الذين تبنوا الرواية الروسية. وذكر التقرير أن الصحافي أرون ماتي في “غري زون” قد تفوق منذ 2020 على بيلي كأهم ناشر للمعلومات المضللة بين 28 داعية لنظريات المؤامرة.
وقالت لينا سيرجي عطار، مديرة مؤسسة كرم “إنه أمر مهين عندما يقول دعاة نظريات المؤامرة بنشر الأكاذيب ويعتقدون أن لديهم الأخلاقية العليا مع أنهم ينشرون الأكاذيب”.
وهناك الصحافية الكندية المستقلة إيفا بارليت، التي ظهرت في ندوة نقاش للحكومة السورية بالأمم المتحدة زاعمة أن الخوذ البيضاء يقومون بفبركة عمليات الإنقاذ.
وشوهدت نسخة من النقاش 4.5 مليون مرة على فيسبوك. وتعرضت الخوذ البيضاء للهجمات أكثر من أي طرف آخر، وكانت هدفا لأكثر من 21 ألف تغريدة صممت لنزع المصداقية عن عملها أو مهاجمة ردهم السريع.
وقال حميد قطيني، المتطوع في شمال سوريا إن “النظام السوري والروس جعلوا من عمليات الإنقاذ خطيرة جدا، عبر الهجمات المزدوجة. وعندما نصل لإنقاذ الناس في هدف تم قصفه، يقومون بالضرب مرة ثانية لقتل فرق الرد السريع”.
وقتل حوالي 296 متطوعا وهم يؤدون واجبهم منذ عام 2012. وتقول الحملة السورية إن آثار حملة التضليل أدت لزرع الشك داخل صناع القرار الحكومي، وساعدت على تشريع سياسات معادية للجوء، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري وجرأة الرئيس الروسي لنسخ أساليبه وتطبيقها في أوكرانيا.
وقال مسؤول سابق بوزارة الخارجية الأمريكية للباحثين: “أصبحت سوريا ساعة فحص لنشاطات التضليل الإعلامي وتم تعلم الدروس من هذه الحالة لكي يتم تجنبها في أوكرانيا وأبعد منها”.
القدس العربي
——————————-
التضليل المميت: نظريات المؤامرة حول سوريا وآثارها
رغم أن جرائم النظام السوري موثَّقة أكثر من جرائم أي نظام دموي آخر في أي وقت، إلا أن الأكاذيب والإنكار والتشكيك في روايات الناجين والناجيات السوريات أمورٌ شائعةٌ على نطاق واسع جداً، وهي تترك أثراً مباشراً على الضحايا وعائلاتهم وعموم السوريين، ولكن أيضاً على المسارات السياسية والأوضاع الفعلية على الأرض.
وقد عمل فريق حملة من أجل سوريا (The Syria Campaign)
طوال شهور لإنجاز بحث استقصائي بهذا الشأن، يرصد الهجمات الالكترونية وحملات نشر المعلومات المضلّلة ونظريات المؤامرة بشأن سوريا منذ العام 2015، ويستقصي مصادرها وآليات انتشارها وآثارها الواقعية. وفي سبيل إنجاز هذا البحث، طلب فريق الحملة من معهد الحوار الاستراتيجي العمل على «بحث لدراسة زوايا الإنترنت المظلمة التي تتشارك بث المعلومات المضللة حول سوريا، وكيفية تأثيرها على العالم الحقيقي». وهكذا فإنه منذ كانون الأول (ديسمبر) 2021 وحتى نيسان (أبريل) 2022، تمكّنَ المعهد من تحليل عشرات آلاف المنشورات باللغة الإنكليزية على تويتر وفيسبوك وإنستغرام، والتي استهدفت الناشطين/ات والمنظمات السورية بروايات مضلِّلة منذ العام 2015 ولغاية العام 2021. وبالنتيجة، استطاع معهد الحوار الاستراتيجي وفريق حملة من أجل سوريا تحديد 28 جِهة ومنظمة وشخصية من المساهمين في نشر معلومات مُضلِّلة حول النزاع السوري.
قام الفريق البحثي بتطوير واختبار قاموس لبعض الكلمات المفتاحية والصياغات اللغوية، وذلك بهدف فلترة المنشورات والحصول على تلك التي تحتوي معلومات مُزيَّفة أو مضلِّلة بشأن سوريا فقط. وبالنتيجة، تم العثور على 47 ألف تغريدة على منصة تويتر و817 منشوراً على منصة فيسبوك. ولأن حضور المنشورات المضلِّلة ونشاط العاملين على التضليل كان على تويتر أعلى منه بكثير على فيسبوك، فقد صبّ الفريق جهده التحليلي على تويتر بشكل أساسي.
ورغم أن الدراسة التحليلية تتناول منشورات بِدءاً من العام 2015 فقط، فإن البحث يشير إلى أن «النظام السوري استخدم الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل منذ اندلاع الثورة، من خلال إنكاره لوجود أية مظاهرات وادعاءاته الكاذبة حول الثورة. غير أن العام 2015 شهد بداية التدخل الروسي في النزاع، وتزامنَ ذلك مع تكرار حملات التضليل وتصاعدها لتستهدف المدافعين/ات عن حقوق الإنسان وعمال الإغاثة على الخطوط الأولى».
بالإضافة إلى ذلك، أجرى الفريق البحثي تسعة وعشرين مقابلة، مع سوريين وسوريات استهدفهنّ التضليل بشكل متكرر ومع صنّاع سياسات حول الملف السوري وخبراء سياسة دوليين، وذلك بهدف «كشف الغطاء عن آثار التضليل على الأشخاص، وكذلك أثره على اتخاذ القرارات السياسية». وبنتيجة الدراسة التحليلية والمقابلات، توصّل فريق البحث إلى نتائج تتعلق بكيفية انتشار نظريات المؤامرة والمعلومات المزيّفة، وبأبرز نتائج عمليات التضليل الممنهجة تلك.
من أين يأتي التضليل وكيف ينتشر؟
في إحدى المقابلات التي أجراها فريق البحث، يقول فاروق حبيب، نائب رئيس منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني السوري): «بالنسبة لنا وفي البداية لم نستطع فهم ما يحدث. في الأيام الأولى وعندما شاهدنا المقابلة مع فانيسا بيلي، اعتقدنا بأن ما يحدث ناتجٌ عن حصولها على معلومات خاطئة، بل وأردنا التواصل معها لتوضيح الأمور، ولكن وبعد بحث بسيط، توصلّنا لنتيجة مفادها أن ما تفعله مقصود ومنظّم. إنه ليس نتيجة لحصولهم على معلومات خاطئة، بل هم يعرفون تماماً ما يقومون به».
كانت الصحفية فانيسا بيلي قد «وصفت لحظة لقائها بالأسد بأنها أكثر لحظات حياتها فخراً»، كما أن روسيا قدّمت نظريات المؤامرة التي تروج لها بيلي كأدلة في مجلس الأمن. في العام 2015، كانت معظم المنشورات المضلِّلة باللغة الإنكليزية، التي رصدها فريق البحث، تعود إلى بيلي، ولكن العام 2017 شهد مزيداً من الحسابات التي تنشر الرواية الروسية حتى تجاوزَ بعضها نشاط بيلي في سنوات لاحقة، ويقول البحث إن هذه الحسابات نشطة للغاية، وهي «تعيد تدوير هذه المنشورات، المرة تلو الأخرى، على شتى منصات التواصل».
بمتابعة الفريق لهذه الحسابات، تبيّن أن بعض أصحابها تعاونوا مع إعلام النظام لتنظيم رحلات إلى مناطق سيطرت عليها قوات النظام أو القوات الروسية، وذلك «للعمل على نشر روايتهم للأحداث. ووصلَ بهم الأمر إلى الكتابة عن وجود مصانع للأسلحة الكيميائية لدى المعارضة، الأمر الذي ثبت لاحقاً بأن لا أساس له من الصحة»، متجاهلين أنّ «هناك مخزوناً هائلاً من الدلائل والقرائن على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية لأكثر من 300 مرة منذ بداية النزاع»، بما فيها هجمات قاتلة بغاز السارين.
يخلص البحث إلى أنه «على الرغم من الفيديوهات الكثيرة والوثائق وشهود العيان على الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، استطاعت نظريات المؤامرة حشد بعض الدعم»، كما يشير أيضاً إلى مشاهير أعادوا بثّ نظريات المؤامرة حول منظمة الخوذ البيضاء، من أبرزهم روجر ووترز من فرقة بينك فلويد الشهيرة، الذي كانت بعض منشوراته من أكثر المنشورات المضلِّلة مشاركةً على فيسبوك، وادّعى في أحدها أن «الخوذ البيضاء قتلوا على الغالب 34 امرأة وطفلاً لاستخدامهم كديكور للمشهد خلال ذاك اليوم المأساوي في دوما».
بلغَ عدد متابعي الحسابات التي رصدها البحث نحو ثلاثة ملايين متابع، أعاد كثيرون منهم نشر التغريدات على نطاق واسع. وقد تم تحديد أن 19 ألفاً من التغريدات الـ 47 ألفاً المرصودة هي تغريدات أصلية، وأنه تمّت إعادة تغريدها لأكثر من 671 ألف مرة. وقد شاركت حسابات رسمية تابعة للحكومة الروسية بنشاط في صناعة ونشر المحتوى الكاذب، إذ تابعَ الباحثون بعض هذه الحسابات ووجدوا أنها «لعبت دوراً هاماً خلال ذروة التضليل في أعقاب الهجمات الكيميائية على دوما في نيسان (أبريل) 2018»، إذ «تمت إعادة نشر تغريدات هذه الحسابات الثلاث لأكثر من 13 ألف مرة في شهر نيسان (أبريل) فقط».
وقد وجد البحث التحليلي بحسب الكلمات المفتاحية أن الروايات المزيّفة الأكثر تكراراً في التغريدات والمنشورات المرصودة هي: «1- ادّعاءات كاذبة حول عمل منظمة الخوذ البيضاء التي تعمل على إنقاذ حياة المدنيين في سوريا. 2- إنكار أو تشويه الحقائق حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية. 3- الهجمات على استنتاجات وخلاصات تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا».
نتائج التضليل على أرض الواقع
تَرى مقاربةٌ أساسيةٌ خلصَ إليها فريق البحث أن لهذا التضليل نتائجَ على أرض الواقع، تؤثّر بشكل مباشر على حياة ومصير آلاف مؤلّفة من البشر، وقد عمل الفريق على تكثيف هذه الخلاصات في نتائج أساسية، لعلّ من أبرزها أن «الأكاذيب تُكلّف الناس حياتهم»، إذ يبيّنُ البحث أن أكثر من 21 ألف تغريدة قد تم تصميمها للإضرار بالدفاع المدني السوري وتشويه سمعته، وكانت الأكاذيب الأكثر شيوعاً هي وصف عناصر الدفاع المدني الذين ينقذون الأرواح بأنهم «إرهابيون»، وهي «محاولات لتبرير استهدافهم المتعمّد عبر الهجمات المزدوجة، عندما يُقدم الطيران الروسي أو طيران النظام على قصف منطقة معينة، ثم يعاود استهدافها عند وصول عمّال الإنقاذ. حتى يومنا هذا، تم توثيق استشهاد 296 متطوعاً لدى الخوذ البيضاء أثناء عملهم على الخطوط الأمامية».
من أبرز النتائج التي توصَّلَ إليها البحث أيضاً أن «الريبة والشكوك يوفّران غطاءً للتقاعس السياسي»، إذ أظهرت المقابلات التي أجراها الفريق مع صنّاع السياسات أن التضليل سَهّلَ على الحكومات التهرّب من مسؤوليتها: «استخدمَ المسؤولون الحكوميون روايات ونظريات المؤامرة الروسية لدعم مواقفهم وقراراتهم، التي أدّت إلى السماح باستمرار الفظائع الوحشية في سوريا دون أية مساءلة».
وفي نتيجة عنوانها «حملات الكراهية الإلكترونية: ملحٌ على الجرح»، يصف البحث الأثرَ المؤلم الذي تتسبب به حملات الكراهية والإنكار على المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين الإنسانيين والناجين والناجيات، فهي بالنسبة لهم «بمثابة عدم اكتراث وسخرية عديمة الرحمة ممّا عانوه، كما أنها إنكارٌ للوقائع والحقائق التي أدّت لتدمير حياة الكثير من الناس…. حيث الناجون والناجيات من التعذيب والهجمات الكيميائية وجرائم الحرب مضطرون لمواجهة الانتقادات وخطاب الكراهية بسبب روايتهم لقصصهم… وحتى بالنسبة لأولئك ممّن كانوا في غاية الخوف من الحديث بشكل علني خشيةً من ردة فعل المتصيّدين على شبكة الإنترنت، فإن التعاطي مع خطاب الكراهية والإنكار لجرائم الحرب الذي يشهدونه على وسائل التواصل الاجتماعي يكون مؤلماً للغاية. وصفَ السوريون/ات الذين تحدّثوا دون الكشف عن هوياتهم، كيف أن خوفهم من سرد قصصهم ومعاناتهم من الرقابة الذاتية التي فرضوها على أنفسهم لتجنّب تعريض أنفسهم أو عائلاتهم للخطر، أثّرَ بشكل كبير على صحتهم النفسية».
خلصت الدراسة أيضاً إلى أن «تبرير سياسات الحكومات المعادية للاجئين» إحدى النتائج الكارثية لعمليات التضليل، إذ يرصد البحث كيف «استفادت السياسات المعادية للاجئين من التضليل، حيث تُصدِّق الحكومات اليوم مزاعم الأسد وروسيا بأن سوريا أصبحت الآن آمنة ويمكن للاجئين العودة إلى بلادهم، على الرغم من الأدلة الصارخة بعكس ذلك».
تحدّثَت الدراسة أيضاً عن «إهدار موارد قيّمة»، ذلك أن معظم صنّاع السياسات الذين واللواتي تمّت مقابلتهم باستطاعتهم تمييز الروايات الروسية لدى رؤيتها فوراً، ولكنهم «يحتاجون للعمل بشكل شاق بغية شرح الحقيقة للناس». وأكدت غالبيتهم أنها «واجهت نظريات المؤامرة خلال أحد الاجتماعات أو خلال اللقاءات المفتوحة، وأنهم وجدوا أنفسهم بحاجة لمواجهة التضليل قبل الحديث حتى عن طروحاتهم السياسية».
«عرقلةُ الاستجابة الإنسانية» كانت أيضاً إحدى النتائج المباشرة، إذ يحاول أصحاب نظريات المؤامرة بشكل دائم استهداف الجهات الداعمة للعاملين/ات الإنسانيين، وعند حديث فريق البحث إلى الأطقم الطبية والمنظمات الإنسانية العاملة على الخطوط الأمامية، عبّروا جميعاً عن إحساسهم بـ «تأثير الاتهامات الكاذبة على حجم التبرعات، مما يؤثر فعلياً على عدد الأرواح التي يمكن إنقاذها». وبينت الدراسة أيضاً كيف أن «محو التاريخ وإنكار جرائم الحرب» و«الاستهزاء بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية» و«تمهيد الطريق لما يحدث في أوكرانيا»، كانت كلّها نتائج ملموسة للتضليل بشأن القضية السورية. ويبدو لافتاً وبالغ الأهمية أن الدراسة تحدثت عن «الصمود في مواجهة التضليل» بوصفه واحداً من النتائج البارزة، إذ «على الرغم من كل الأضرار البالغة التي سببها التضليل في العالم الحقيقي، كان من الواضح من خلال مقابلاتنا مع العاملين/ات الإنسانيين والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، أن كل ذلك قوّى من عزيمتهم لإنقاذ حياة الناس، وكذلك فضح جرائم الحرب المُرتكبة وإيصال الحقيقة».
بالاستناد إلى نتائج الدراسة، التي خلصت إلى أن التضليل يتسبب بإزهاق الأرواح وبمعاناة رهيبة على أرض الواقع، يُقدّم فريق البحث مجموعة من التوصيات الموجّهة إلى الحكومات والمنظمات الدولية، وإلى القائمين على منصّات النشر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، وإلى منظمات المجتمع المدني، تدعو كلّها إلى مواجهة فعّالة للمعلومات الزائفة وخطاب الكراهية وللآثار المدمرة للتضليل ونظريات المؤامرة في القضية السورية، وتقترح بعض الوسائل للمساهمة في هذه المواجهة.
لعلّه لا يمكن إيقاف حملات التضليل ولا منع أصحابها من طرح أكاذيبهم، خاصة عندما تقف دولٌ وراء هذه الحملات، لكن ما يمكن القيام به هو الحدّ من انتشار المعلومات المُزيَّفة والحدّ من تأثيرها في الرأي العام وصنع السياسات، كما يمكن فضح مصادرها ودراستها منهجياً لمحاولة فهمها وتسهيل مواجهتها، على غرار الجهد المهمّ الذي قام به فريق هذا البحث الاستقصائي.
يُنشر البحث على هذا الرابط، وقد تم إنجازه بالاعتماد على بيانات تحليلية وفّرها معهد الحوار الاستراتيجي (The Institute for Strategic Dialogue)، وبدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت و(Luminate Strategic Initiatives)، وبالتعاون مع (Data4Change).
موقع الجمهورية
————————-
الكشف عن شبكة مدعومة روسياً تروج لنظرية المؤامرة في سوريا
آلاف التغريدات المضللة استهدفت «الخوذ البيضاء» وشككت بالأسلحة الكيماوية
كشف تحليل جديد أن شبكة مؤلفة من أكثر من عشرين من مروجي نظرية المؤامرة، المدعومة من حملة روسية منسقة، قد أرسلت آلاف التغريدات المضللة لتشويه واقع الصراع السوري ومنع تدخل المجتمع الدولي في ذلك البلد.
ونقلت صحيفة «أوزيرفر» البريطانية، عن البيانات التي جمعها «معهد الحوار الاستراتيجي» عن شبكة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي والأفراد والمنافذ والمنظمات التي نشرت معلومات مضللة عن الصراع، وتابع 1.8 مليون شخص ما نُشر. واشتملت الروايات الثلاث الكاذبة الرئيسية التي روجت لها شبكة منظري المؤامرة، على تحريف جهود «الخوذ البيضاء»، المنظمة التطوعية التي تعمل كجهة مسعفة في المناطق التي خرجت عن سلطة النظام في سوريا. كما ركزت الحملة على إنكار أو تشويه الحقائق حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وعلى مهاجمة النتائج التي توصلت إليها أهم منظمة لمراقبة الأسلحة الكيماوية في العالم.
وأشار التقرير إلى أن «الخوذ البيضاء» أصبحت هدفاً لغضب روسيا، بعد توثيقها حوادث مثل الهجوم الكيماوي على خان شيخون عام 2017 الذي أسفر عن مقتل 92 شخصاً، ثلثهم من الأطفال، وكانت وحدة تابعة للأمم المتحدة قد خلصت في وقت لاحق، إلى أن هناك «أسباباً معقولة للاعتقاد بأن القوات السورية ألقت قنبلة تطاير غاز السارين» على تلك البلدة في محافظة إدلب.
«معهد الحوار الاستراتيجي»، توصل إلى أن الحسابات الرسمية للحكومة الروسية، لعبت دوراً رئيسياً في «خلق ونشر محتوى كاذب»، حيث تلعب السفارة الروسية في المملكة المتحدة وسوريا دوراً بارزاً في ذلك، بحسب التقرير. ومن بين 47 ألف تغريدة من التغريدات المضللة التي أرسلها نحو 28 حساباً على مدى 7 سنوات من 2015 إلى 2021، كان هناك 19 ألف منشور أُعيد التغريد به أكثر من 671 ألف مرة. ومن بين أولئك الذين وردت أسماؤهم في التقرير بوصفهم شخصيات نافذة في نشر المعلومات المضللة، فانيسا بيلي، الصحافية البريطانية (التي تصف نفسها بأنها مستقلة)، والتي استشهدت روسيا بطرحها كدليل أمام مجلس الأمن الدولي. واتهمت بيلي «الخوذ البيضاء» بالارتباط بتنظيم القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى، زاعمة أن اللقطات التي يلتقطونها أثناء إنقاذ المدنيين من المباني التي تم قصفها هي لقطات معدة سلفاً.
فاروق حبيب، نائب مدير «الخوذ البيضاء» علق بالقول: «في البداية كنا نظن حقاً أنها يمكن أن تكون مجرد شخص لا يملك ما يكفي من المعلومات الصحيحة، ويجب أن نتصل بها لتفسير الأمر، لكن بعد ذلك، ومع بعض البحث، أدركنا أن تقاريرها متعمدة ومنهجية».
كما توصل تقرير المعهد بحسب، إلى أن مجموعة من الأكاديميين البريطانيين، متهمين بنشر معلومات كاذبة لمصلحة النظام السوري ونظريات المؤامرة التي تروج لها روسيا. ومنذ عام 2020، يزعم التقرير، أن الصحافي آرون ماتي، من موقع «غراي زون» الإخباري، قد تغلب على بيلي، باعتباره الأكثر نشراً للمعلومات المضللة من بين 25 من مُنظري المؤامرة الذين تم التعرف عليهم. ومن بين الآخرين، الصحافية الكندية المستقلة إيفا بارتليت التي مثلت في لجنة الحكومة السورية في الأمم المتحدة، زاعمة أن عناصر «الخوذ البيضاء» يُحررون لقطات عمليات الإنقاذ سلفا، وقد عُرضت نسخة واحدة من حديثها أكثر من 4.5 مليون مرة على «فيسبوك».
ويعد متطوعو «الخوذات البيضاء» أكثر الأهداف تعرضاً للهجوم، حيث تم نشر أكثر من 21 ألف تغريدة تهدف إلى تشويه سمعة المجموعة، أو تشجيع الهجمات ضد أوائل المستجيبين لأخبارهم. قال حامد قطيني، المتطوع في شمال غربي سوريا: «إن النظام وروسيا يجعلان عملنا المنقذ للحياة، محفوفا بالمخاطر للغاية من خلال هجمات الضغط المزدوجة. وعندما نذهب لإنقاذ الناس من موقع تم قصفه، فإنهم يعيدون استهداف المنطقة نفسها لقتل أوائل المستجيبين للإنقاذ». وقد قتل حتى الآن 296 متطوعا في الخدمة منذ عام 2012.
الناشطة السورية لينا سيرجية عطار، رئيسة مؤسسة (كرم) السورية: «إنه لأمر مهين أن ترى مجموعة من منظري المؤامرة الغربيين، يشعرون بامتلاك معيار أخلاقي أعلى من الآخرين مع أنهم ينشرون أكاذيبهم فحسب». ووفقا لمصدر من مجموعة «حملة سوريا»، فإن تأثير هذا الوابل من التضليل، كان زرع البلبلة والشك بين صناع السياسات الحكومية، وخلق سياسات مناهضة للجوء، والتشجيع على التطبيع مع نظام الأسد في سوريا، وتشجيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تكرار التكتيكات نفسها في أوكرانيا. وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية لباحثين: «كانت سوريا ساحة اختبار لهذا النوع من النشاط القائم على التضليل، والدروس المستفادة من هذه الحالة، من شأنها المساعدة في اتخاذ الإجراءات في داخل أوكرانيا وخارجها».