جيل سوريا التائه في دول الجوار… “أنّى لنا أن نصل لدوائر النفوس لنكون أحياء نُرزق”/ مالك معتوق
“أنتم أبناء هناك، وهناك جميل ولا يُخان”؛ بهذه الكلمات تناجي نوّارة حمد، أطفالها، قبل أن تُكفكف دمعةً تسربت عبر نافذة عينيها. شيءٌ ما أعادها إلى سنوات دفنها للذاكرة عميقاً تحت الركام، إلى ذلك اليوم الذي حملَت فيه الوطن في حقيبة وعلّقته خريطةً في قلادة تلتفُّ حول عنقها، راحلةً إلى بلاد الله الواسعة، بعد أن ضاقت سوريا، على رحابتها، بأبنائها، وصارت مدنها مُتعَبةً تنزف دماً.
أغرقت الحرب التي تعصف بالبلاد منذ نحوٍ من 11 عاماً، السوريين في وحلها، وزادت طينهم بِلّةً. هاجمتهم المصائب من كل حدب وصوب، ليتناثر الملايين منهم في أربع جهات الأرض مهاجرين، ومهجّرين، وهاربين ولاجئين.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، يعيش ما يقارب ثلث السوريين والسوريات في المنافي والشتات، على الأقل هناك ما يلامس حدود المليون طفل من تعدادهم الإجمالي أبصروا الحياة للمرة الأولى في دول اللجوء حتى بداية العام 2019، وتضم الحدود التركية بحسب المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيرت كابيلاري، النسبة الأكبر منهم.
تركيا… “الكملك” وهادي
أينما يمّمت ببصرك تطاردك مشاهد المأساة السورية الممتدة على مسافة زمنية تقترب من طيّ عام الحرب الحادي عشر. مَشاهد تختزنها ذاكرة الماضي، ولكنها تُدمي حاضر سوريا ومستقبلها. مَشاهد تُصوّر “جيلاً ضائعاً من أطفال اللاجئين السوريين”، وفقاً لوصف منظمة “أنقذوا الأطفال”.
يدخل هادي، صاحب الابتسامة التي تحمل كل ما على هذه الأرض من جاذبية لتكشف عن غمازتين تعلوان وجهه المزين بعينين من عسل، عامه الخامس محاولاً تعلّم اللغة التركية لضمان حقه في دخول المدرسة لاحقاً. ليس لديه إلا كملك “وهي بطاقة مؤقتة تُشكل الإثبات الوحيد لاسمه المُقيّد في دائرة الهجرة التركية”.
يسأل رصيف22، أباه: لماذا لم يسعَ حتى اللحظة إلى تسجيل ابنه في دوائر الأحوال المدنية في سوريا؟ يجيب: “أنّى لي أن أصل إلى مدينتي حلب لتسجيل صغيري لدى دوائر النفوس؟ كيف لي أن أفعل ذلك وأنا مطلوبٌ للأجهزة الأمنية؟”
يكشف الرجل الحلبي المنتمي إلى صفوف المعارضة السورية، والذي خطّ الشيب رأسه بالرغم من أنه لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من العمر، أن “حالة ابنه ليست فريدةً من نوعها، فهي حال ما يربو على المليون طفل سوري وُلدوا في دول اللجوء حتى بداية العام 2019، وكل هؤلاء بلا جنسية”.
تتعلّق عينا أبي هادي في وجه ابنه، ويتابع مُتسائلاً: “إنه رقم مُخيف، أليس كذلك؟”. يُكمل: “نعم، رقم مخيف لأنه يعني ببساطة أن أكثر من مليون طفل سوري وُلدوا خارج سوريا على امتداد سنوات الحرب لا يحملون الجنسية السورية ولا ينتمون إلى أي مكان في هذا العالم ولا يمتلكون وطناً. أنا لي ذكرياتي هناك في سوريا، أما هادي فلا يعرف وطنه فهو لم يرَه يوماً وربما لن يراه أبداً”.
تستضيف تركيا النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين وفقاً لما تؤكده دائرة الهجرة التركية التي يقول مدير إدارة النازحين فيها رمضان سيشيلميش، إن “عدد السوريين من اللاجئين إلى تركيا وصل إلى 3 ملايين و741 ألف لاجئ، يملك بعضهم جوازات سفر منتهية الصلاحية، أما غالبيتهم فليست في حوزتهم أي أوراق أو وثائق رسمية”، بينما كشف وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أن عدد مواليد السوريين في تركيا منذ بداية الحرب السورية بلغ 700 ألف مولود جميعهم لم يتمكنوا من الحصول على جنسية بلدهم.
وبالرغم من أن الغالبية العظمى من مواليد السوريين في تركيا تم تقييدهم في سجلات وزارة الصحة والمشافي التركية التي تشهد يومياً ميلاد نحو 300 طفل سوري جديد، وفقاً لما تؤكده إحصائيات مديرية الهجرة التركية، إلا أن الناحية الأهم والتي لم تلقَ حتى اللحظة الاهتمام الكافي هي أن هؤلاء الأطفال لا وجود لهم في دوائر الأحوال المدنية في وطنهم الأم سوريا، وهو ما يعني أنهم سيكونون عرضةً لمخاطر كتمان القيد وانعدام الجنسية عاجلاً أو آجلاً.
لبنان… أرقام مرعبة
صباحاً، تُطالعك أضواء السيارات التي تشقّ طريقها من العاصمة اللبنانية بيروت إلى سهل البقاع، حيث تصدمك مشاهد الخيام التي تعجّ باللاجئين السوريين والممتدة بالمئات على طول الطريق. لا تبعد الحرب في سوريا سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من الكيلومترات فقط.
في ذلك البلد العربي الصغير، أرقام مرعبة من الأطفال السوريين غير المسجلين في مخيمات اللجوء والمنسيين على قارعة الطريق والزمن. في لبنان، يكبر مجتمع من الأطفال السوريين اللاجئين بلا هوية أو تعليم، بينما القلق وحش مُدمى الأنياب يفترس الآباء والأمهات خوفاً على مستقبل صغارهم مع استمرار الحرب التي تكاد تطوي ربيعها الحادي عشر خلال أشهرِ معدودات، فما المستقبل الذي يخطّه القدر وأمراء الحروب في سوريا لهؤلاء الأطفال المنقطعين في بلدان اللجوء عن هويتهم وجذورهم، والمبعَدين قسراً عن وطنهم؟
في خيمة تضيق بساكنيها، تجلس نوارة حمد، بصحبة أولادها الذين سمع العالم صرخاتهم الأولى في أرضٍ غريبة، لبنان، بعد أن غادرت وزوجها سوريا هرباً من الحرب، لتلد هناك أطفالها الأربعة على امتداد ثماني سنوات قبل أن تفقد زوجها منذ ما يقارب العامين، بعد أن قرر أن يخوض غمار البحر مهاجراً بطريقة غير شرعية إلى القارة العجوز، أوروبا، ليغرق ويبتلعه البحر قبل أن يصل إلى مبتغاه.
تقول نوارة، لرصيف22، إنها لم تتمكن من تسجيل أبنائها من أكبرهم عبد الله (سبع سنوات وبضعة أشهر)، والذي كانت تحمله في بطنها وهناً على وهن عندما هجرت وطنها الأم، إلى أصغرهم جنى (سنتان ونصف)، لأنها لا تمتلك إقامةً شرعيةً في لبنان.
دخول الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين بشكل غير شرعي إلى حدود الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى ضياع أوراقهم الثبوتية التي تؤكد جنسيتهم السورية، بالإضافة إلى المخاوف التي تعتري بعض اللاجئين من إجبارهم على العودة إلى سوريا “خاصةً مع اتساع حملات البروباغندا التي يتبناها بعض المسؤولين اللبنانيين وقواعدهم الشعبية بضرورة التخلص من السوريين اللاجئين في لبنان”، كلّها أسباب أسهمت بشكل كبير في عدم قدرة اللاجئين أو إحجامهم عن استخراج أوراق ثبوتية جديدة من السفارة السورية في بيروت، والتي يخاف كثيرون منهم من الاقتراب من أسوارها لتسجيل مواليدهم الجدد بسبب معارضتهم للنظام في سوريا.
يضم لبنان النسبة الأعلى على مستوى العالم من اللاجئين السوريين، مقارنةً بالتعداد السكاني للبلد الجار لسوريا، ويشكل الأطفال نسبةً تلامس حدود الـ55% من بين 900 ألف لاجئ وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بينما تزعم أوساط حكومية لبنانية أن التعداد الحقيقي للاجئين السوريين في لبنان يصل إلى مليون و400 ألف، ما يعني أن هناك 500 ألف لاجئ غير مسجلين لدى مفوضية اللاجئين الأممية، بينما تُقدّر وزارة الدولة لشؤون النازحين في لبنان عدد الأطفال السوريين غير المسجلين في دوائرها الرسمية بـ650 ألف طفل.
وتتراوح أسباب عدم تسجيلهم بين رفض وزارة الداخلية اللبنانية، وتخوف الأهل الداخلين إلى البلاد بصورة غير شرعية من تسجيلهم خشية ترحيلهم، بالإضافة إلى أسباب أخرى، وهو ما يجعل الاعتراف بسوريتهم أمراً صعباً، ليتحولوا إلى مجرد أسماء لا تنتمي إلى أي جنسية معروفة في العالم، بالرغم من تسجيلهم في سجلات مفوضية اللاجئين.
أمام هذه الأرقام، أصاب الهلع الديموغرافي الطبقة السياسية في لبنان، من توطينٍ حتميٍ لمكتومي القيد من الأطفال السوريين المولودين فيه، إذ ازدادت في السنوات القليلة الماضية وتيرة التوجهات والدعوات الحكومية والرسمية اللبنانية للاجئين السوريين بضرورة العودة إلى ديارهم، من دون أن تَغفَل الطبقة السياسية اللبنانية، بعضها على الأقل، عن تغليف دعواتها بعسل التأكيد على أن تكون العودة طوعيةً وآمنة.
تقول المحامية ريتا بشارة، لرصيف22، إن “ما غاب عن بصر المطالبين بعودةٍ طوعيةٍ وآمنة للاجئين السوريين وعن بصيرتهم، هو أن ذوي المواليد والأطفال السوريين غير المسجلين، حتى وإن رغبوا في العودة إلى وطنهم الأم، سيتم إرجاعهم عن الحدود لأنهم لا يحملون ما يثبت انتماء المواليد أو الأطفال الجدد إليهم”.
وهذا ما يعني ببساطة وفقاً لبشارة، “إما أن ترمي العائلة أطفالها على الحدود وتدخل إلى سوريا آمنةً مطمئنةً، أو أن تعود إلى الداخل اللبناني بصحبة أطفالها وهو ما يستدعي بالضرورة بقاء العائلة كاملةً في لبنان، الأمر الذي سيؤدي إلى تعرض هؤلاء الأطفال والمواليد الجدد لخطر كتمان القيد وانعدام الجنسية، ليشكلوا عاجلاً أو آجلاً مجتمعاً من أطفال سوريين ضائعين غير منتمين، ومحرومين من التعليم والجنسية والنسب وأي حقوق مدنية”.
في مخيم عرسال للّاجئين السوريين، قام رصيف22، تحت إشراف الناشط الحقوقي أحمد علي، بتجربة ميدانية طلبنا فيها من الأطفال أن يكتبوا اسم بلدهم. بتلقائية تصرّف الصغار، كتب معظمهم لبنان، وبعضهم خطّوا على أوراقهم عرسال، لنسألهم بعدها: من منكم من سوريا؟ فيرفع اثنان منهم فقط أيديهما، وهو أمر صنّفه علي، في خانة “السلوك الطبيعي” لأن هؤلاء الأطفال قد مضى عليهم زمن طويل في لجوئهم، بل إن جلّهم إن لم يكن كلهم قد وُلدوا في لبنان”.
ويقول لرصيف22، إنه “كان قد أتمّ دراسته في المعهد العالي للعلوم السياسية في سوريا حين فرضت عليه الظروف هِجران وطنه بعد أن عصفت به الحرب في آذار/ مارس من العام 2011. وإن كتب القدر لهؤلاء الاطفال أن يعودوا إلى سوريا يوماً من دون تحصينهم بالعلم والمعرفة، فقد يشكلون بيئةً سهلة الاختراق من قبل المتطرفين، وتالياً لا بدّ من الكفاح لتفادي خسارة هذا الجيل الذي لم يعرف سوى الحرب واللجوء”.
الأردن… الإخوة وأسوار السفارة
على ناصية شارع الأمير هشام بن الحسين في الضاحية الجنوبية للعاصمة الأردنية عمان، تنتصب أسوار سفارة الجمهورية العربية السورية. تلاقيك عند الوصول إلى السفارة لوحة كبيرة عُلِّقت عليها الإعلانات التي تحمل التعليمات الموجهة إلى “الإخوة السوريين الأعزاء”، والمتعلقة بالإجراءات والأوراق المطلوبة لإصدار أو تجديد جواز السفر وبطاقات الهوية ولتسجيل المواليد وتثبيت الزواج وغيرها من الواقعات والأحداث الخاصة بالأحوال المدنية.
أمام السفارة، التقى رصيف22، باللاجئ السوري محمد الصمادي، الذي وصل إلى السفارة قادماً من مخيم الزعتري الواقع على مسافة تربو على 70 كم من السفارة السورية في عمان. الصمادي لاجئ سوري غادر مدينته دير الزور قبل سنوات لتقوده دروب التوهان إلى الأردن قبل أن تحطّ به الرحال أخيراً في مخيم الزعتري.
يقول لرصيف22، إن شعور الارتياح يجافي كثيرين من السوريين حين يتوجهون إلى سفارة بلادهم في الأردن، ولكن، ووفقاً للرجل الثلاثيني، ذلك هو الطريق الوحيد المتاح الذي سلكه للمرة الأولى قبل ست سنوات حين رُزق بطفلته الأولى، والذي يعود ليسلكه اليوم لتسجيل ابنتيه الثانية والثالثة، وذلك في سبيل توثيق ميلادهما في دوائر الأحوال الشخصية السورية، ما قد يُنجيهما من وحش كتمان القيد ويضمن الاعتراف بهما كمواطنتين سوريتين.
قبل أربع سنوات من الآن، وتحديداً في آذار/ مارس 2018، انعقد مؤتمر بروكسل الثالث للمانحين. حينها، أثنى المجتمعون على دور المملكة الأردنية الهاشمية في منح اللاجئين السوريين الوثائق القانونية، ولكن عملية الحصول على الوثائق الأردنية ما هي إلا رأس جبل الجليد وجزء بسيط من الإجراءات المُتّبعة. أما قوننة تلك الوثائق وتسجيلها في السفارة السورية في عمان، ومن ثم تثبيتها في سجلات السلطات السورية في دمشق، فتلك حكاية مختلفة تماماً.
وفقاً للعديد من اللاجئين السوريين الذين تواصل معهم رصيف22 في الأردن، فإن الروتين والبيروقراطية بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة تُمثّل العقبات الأكبر في وجه تسجيل السوريين لمواليدهم الجدد في سفارة سوريا في عمان، إذ تصل رسوم التسجيل إلى 75 دولاراً لكل مولود جديد، تُضاف إليها غرامة قدرها 50 دولاراً إذا تأخر تسجيل الطفل ثلاثة أشهر، بينما تصل الغرامة إلى 100 دولار في حال تأخر التسجل لعام أو أكثر، علماً أن 80% من اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، بينما 60% من العائلات السورية تعيش هناك في فقر مدقع.
وفقاً للصمادي، “هذه التكلفة المرتفعة تجبر الأهل على تأجيل تسجيل أبنائهم، وكلما تأخر التسجيل أكثر ارتفعت التكاليف بسبب الغرامات أكثر، وهو ما يُغرق السوريين في مستنقع التكاليف المرتفعة التي تدفعهم في النهاية إلى التخلي عن تسجيل صغارهم”، ما يعني أن آلافاً مؤلفةً من أطفال السوريين المولودين في المملكة الأردنية متروكون بلا أوراق تُثبت نسبهم، ما قد يقود إلى مواجهة بعضهم خطر البقاء مكتومي قيد محرومين من الجنسية.
وبالرغم من أن الصمادي سجل ابنته الأولى قبل سنوات، إلا أن ابنتيه التوأم البالغتين من العمر سنتين وستة أشهر لم تحظيا بتلك الرفاهية (التسجيل في دوائر النفوس السورية)، فهما لا تمتلكان سوى وثائق أردنية، ما يعني أنهما إن بقيتا على هذا الحال فلن تتمكنا من إثبات هويتهما أو التمتع بحقوقهما وستبقيان معرّضتين للاستغلال أو الاتّجار أو حتى زواج الأطفال، أما السيناريو الأسوأ فيتجسد في أن ينتهي بهما المطاف إلى العيش بلا جنسية.
يقول الصمادي، إنه بذل جُلّ جهده، بل كلّه، لتوفير ما يلزم من مال لتسجيل ابنتيه لضمان أن تكبرا حاملتين هوية وطنهما الأم: “أحاول دوماً أن أسألهن من أين أنتن؟ وأعود لأُعلِمَّهُن الإجابة. أريد لهن أن ينطقن بفخر: نحن من سوريا وهذا أقصى ما أستطيع تقديمه لهن هنا في الأردن في انتظار أن نعود إلى هناك إلى سوريا”.
الصمادي نموذج، لكن محمد أبو نبوت نموذج آخر مختلف تماماً، إذ يشير إلى أن ليس كل السوريين اللاجئين يشعرون بضرورة تربية أبنائهم ليكونوا سوريين، فأبو نبوت القاطن في مخيم الزعتري أيضاً، يقول لرصيف22، إنه عقد على زوجته في المخيم شرعاً (كتاب شيخ أو عقد برّاني كما يسمّيه بعض السوريين)، ويؤكد أنه غير مهتم بتسجيل زواجه، ما يُبقي زواجه غير مُثبتٍ رسمياً، “وتلك المشكلة الأبرز التي تدور فصولها في مخيم الزعتري”، والتي تعني أن أبو نبوت ومن على شاكلته لن يستطيعوا تسجيل أبنائهم، وهي حال الرجل الذي بلغ ابنه الوحيد من العمر سبعة أعوام ونصف من دون أن تكون له قيود في السفارة السورية في عمان.
يُفضّل أبو نبوت على سوريا أي وطن يكون قادراً على حماية ابنه، ولا يسلبه أبسط حقوقه فقط لأن أباه معارض، ويُردف: “لا أريد أن أُربّي ابني على الشعور بالانتماء إلى وطن يملأ الظلم أركانه الأربعة”.
تقول الإحصائيات إن عدد الاطفال السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للّاجئين في الأردن، لامس حدود الـ125 ألف طفل عام 2019، بينما تبلغ نسبة غير المسجلين أو أولئك الذين لا يمتلكون شهادة ميلاد ممن هم دون الخامسة، 16 في المئة من مجموع مواليد السوريين في المملكة، فيما تؤكد مصادر أردنية أن العدد يصل إلى 150 ألف طفل من غير المسجلين، واستمرار الحال على ما هو عليه يعني أن المملكة الأردنية ستضم بين جنباتها جيلاً من السوريين مكتومي القيد غير القادرين على العودة إلى وطنهم الأم لأنهم لا يحملون جنسيته.
محرومون من الحياة
وما بين نازح داخلي ولاجئ في دول الجوار، تُحصي الشبكة السورية لحقوق الإنسان مليوناً ونصف مليون طفل سوري من مجهولي النسب والمحرومين من الجنسية. عنهم يقول الناشط الحقوقي حسان المحاميد، لرصيف22، إن “ترك الأمور على عواهنها من دون تداركها، يضع جميع هؤلاء في خانة الحرمان من حقوقهم المدنية، بما فيها حقهم في الترشح والانتخاب والطبابة والتعليم، بالإضافة إلى حرمانهم من الحصول على جواز سفر أو رخصة قيادة”.
ويُردف: “هؤلاء إن تمكّنوا يوماً من العودة إلى سوريا بطريقة أو بأخرى، فسيعيشون في النهاية داخل حدود وطنهم بلا هوية”، ويختم مستحضراً ما نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” في أحد تقاريرها: “إننا إذا لم نبادر الآن إلى إنقاذ هؤلاء الأطفال، فلن يفقدوا قيمهم وحسب، بل سيفقدون الأمل أيضاً”.
ما يُفاقم من أزمة الهوية بالنسبة إلى أطفال السوريين المولودين في دول اللجوء، أن الغالبية العظمى منهم، مع تضاؤل فرص عودتهم إلى ديارهم بسبب الحرب وغياب مبادرات حسن النوايا وفقدان الثقة بين الأطراف المتصارعة في سوريا، بدأوا يتحدثون أو يتعلمون التحدث بلغات أخرى لا تشبه لغة وطنهم.
رصيف 22