عزمي بشارة: الاختراق الاسرائيلي لإيران يتم بضوء أخضر أميركي
حذر مدير المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة من ان الفرصة تضيق للتوصل الى تفاهم على إحياء الاتفاق النووي الايراني، مشيراً الى ان ظروف المفاوضات تصبح أصعب مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الاميركي.
وعن الصراع الإسرائيلي – الإيراني الذي يتحول مع الوقت إلى مباشر، رجح بشارة في مقابلة مع التلفزيون العربي مساء الاثنين، أن يكون التصعيد الإسرائيلي في الشهرين الماضيين “حصل بضوء أخضر أميركي، وربما بأكثر من ضوء أخضر”، وربط بين هذا التصعيد وبين توقف مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي. وعلّق بشارة عن حجم العمليات الإسرائيلية ضد إيران بالقول: النظام الإيراني يجب أن يسأل نفسه لماذا تتمكن إسرائيل من اختراق المجتمع الإيراني، ولماذا لا تستطيع إيران اختراق المجتمع الإسرائيلي؟
ورداً على سؤال حول تقديراته لمصير مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، جدد بشارة التذكير برأيه الذي يفيد بأن القيادة الإيرانية براغماتية جداً وأنها معنية بالتوصل إلى اتفاق، “لكن الإصرار الأميركي على عدم مناقشة أي شيء يتعلق بالعقوبات التي فُرضت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، يجعل رفع العقوبات عن إيران من دون جدوى بالنسبة لطهران”. وخلص بشارة إلى أن المسؤولين الإيرانيين “يجب أن يشعروا أنهم سيستفيدون من رفع العقوبات، ويجب أن يفهموا أن بإمكانهم الاستفادة من رفع العقوبات في الفترة الفاصلة بين الرفع وبين وصول إدارة أميركية جديدة إلى الحكم في واشنطن”. ووفق ملاحظة بشارة، كان المفاوضون الإيرانيون في الدوحة، الأسبوع الماضي، يريدون تنازلاً ما من الأميركيين خاصاً بالعقوبات على الحرس الثوري، وهو ما لم يقدمه الأميركيون. من هنا، أعرب عن ثقته بأن إدارة بايدن “لا تزال معنية بالتوصل إلى اتفاق مع إيران لكن من دون تقديم تنازلات”.
ورداً على سؤال، أوضح بشارة أن التفاهم مع إيران مفيد ويخدم مصلحة العرب، لأنه منذ الثورة الإيرانية حتى الآن، التوتير الطائفي في المنطقة تحول إلى سبب رئيسي لعدم التطور في منطقتنا العربية، لافتاً إلى أن على الإيرانيين أن يلتزموا أيضاً بعدم تحويل الطوائف في البلدان العربية إلى ملف تبعية سياسية لمصلحتهم. ووصف بشارة التقارب الحاصل بين مجموعة من البلدان في المنطقة بأنه “أمر إيجابي”، مثل التقارب القطري – المصري والتركي – المصري والسعودي – الإيراني.
ورأى بشارة، أن أخطر ما يمكن أن يحصل اليوم هو أن تختار دول عربية التحالف مع إسرائيل، لأن من شأن ذلك أن يشكل ضربة قاضية لآمال الديمقراطية في البلدان العربية، وتساءل في هذا السياق: ما الذي استفاد منه الفلسطينيون منذ بدأت موجة التطبيع؟ وعدّد في هذا السياق زيادة قوة اليمين الصهيوني وارتفاع وتيرة الاستيطان والتهويد..
وفي ما يتعلق بتونس، علّق بشارة على مشروع الدستور الذي طرحه الرئيس قيس سعيّد على الاستفتاء المقرر في 25 الشهر الحالي، واصفاً إياه بأنه “ليس دستور نظام رئاسي، بل تمويه بائس للديكتاتورية مكتوب بلغة ركيكة، وهي نفس لغة خطابات” قيس سعيّد. ووصف بشارة كلام “المنسق العام للجنة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” في تونس الصادق بلعيد، للتلفزيون العربي، والذي كشف فيه أن مشروع الدستور الذي قدمه إلى الرئيس قيس سعيّد مختلف تماماً عن النسخة التي نشرت قبل أيام، بأنه “يعبر عن صحوة متأخرة”، كحال الأحزاب التي أيدت انقلاب الرئيس على البرلمان وعلى النظام السياسي وعلى الديمقراطية التونسية، ثم أعربت عن ندمها، لأن نوايا الرئيس قيس سعيّد “كان يفترض أن تكون واضحة منذ البداية”، متسائلاً: “لماذا سمح هؤلاء بأن يكونوا أدوات بيد مهزلة الرئيس؟”
واستعرض بشارة بعض البنود من دستور قيس سعيّد ليشير إلى تناقضات وديكتاتورية وشعبوية تعتريها، ذلك أنها تعبر عن كاتبها، أي سعيّد نفسه، الذي “لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالبرلمان، وهذا تعريف للديكتاتورية وللشعبوية”. وتوقف بشارة عند بعض الفصول التي تستخدم حجة “الخطر الداهم” الذي يحدد الرئيس وحده مفهومه، وهي العبارة نفسها التي استخدمها سعيّد لتنفيذ كل انقلاباته، ويطوّعها اليوم في دستوره “لتمديد بقائه في السلطة ولتأجيل انتخاب البرلمان ولفعل ما يشاء”. ورأى بشارة، أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن هذا الدستور “لم يناقَش في أي مكان علني، لا في هيئة ولا جمعية تأسيسية ولا برلمان، فكيف يطرح شيء من هذا النوع على الاستفتاء من دون وجود أي وسيلة لوضع ملاحظات عليه؟
ورداً على سؤال حول زيارة الرئيس جو بايدن المقررة إلى المنطقة في 13 الشهر الحالي، أعرب بشارة عن اعتقاده بأن ما هو مطروح هو العلاقات بين واشنطن وكل من العواصم العربية المعنية بالزيارة، خصوصاً الرياض، ومسألة زيادة إنتاج النفط. أما عن تلميح بايدن الى أن أهداف زيارته تتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل، فقد اعتبر بشارة أن هذا الكلام يترجم رغبة بايدن بعدم إحراج نفسه لناحية التعهد الذي سبق أن قطعه لجهة العلاقات مع القيادة السعودية، لكنه رجح ألا تدفع أميركا حقاً باتجاه التحالف بين إسرائيل وبعض العرب، على اعتبار أن هذه العلاقات العربية مع إسرائيل من تطبيع وتحالف قائمة بالفعل ولا تحتاج إلى دفع أميركي.
ورغم تقدير بشارة أن خروج أميركا نسبياً من قضايا المنطقة، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أدخل قوى أخرى إلى المنطقة مثل تركيا وإيران وروسيا والصين، وإشارته الى أن الدول الحليفة لأميركا بدأت تتململ وتنظر شرقاً لإيجاد بدائل عن أميركا حتى في مصادر التسلح، والبحث عن حلفاء آخرين غير أميركا، “لكن ثبت في فترة قصيرة أن لا الصين ولا روسيا تقدمان بدائل عسكرية عن أميركا، لذلك في الجوهر لم تغادر أميركا المنطقة” على حد تعبير بشارة.
المدن