تحقيقات

“لا لحزب الله”… هكذا تشقّ إيران “طريق جيش يزيد” في الحسكة/ محمد حردان

تعمل إيران، منذ بداية تدخلها في سوريا، على تعزيز نفوذها على جميع الأصعدة في عموم البلاد، لكنها تعطي الأهمية الأكبر للمناطق الشرقية، وذلك من أجل الوصول إلى البحر المتوسط، عبر العراق وسوريا ولبنان.

وزادت القوات الإيرانية من نشاطها في محافظة الحسكة مؤخراً، للحصول على موطئ قدم في المنطقة التي تمتلئ بالقواعد العسكرية والقوات الأجنبية، فضلاً عن الوجود العسكري المتمثّل في قوّات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على القسم الأكبر من المحافظة.

كما تتواجد قوات النظام السوري في منطقتين يُطلق عليهما اسم “مربع أمني”، في كل من القامشلي والحسكة، بالإضافة إلى قطعتين عسكريتين في منطقة كوكب في ريف الحسكة ومنطقة طرطب بالقرب من القامشلي، المدينة التي تسيطر قوات النظام على نحو 30 قريةً في محيطها. وحوّلت روسيا مطار القامشلي إلى قاعدة عسكرية عززتها موسكو أخيراً بطائرات وأنظمة دفاع جوي متطورة.

وتنتشر في المحافظة قواعد عسكرية أمريكية، تم إنشاؤها من قبل التحالف الدولي بهدف محاربة تنظيم “داعش”، كما تسيطر القوات التركية وفصائل المعارضة المدعومة منها على منطقتي رأس العين شمال المحافظة وتل أبيض شمال الرقة، وتنتشر في محيطها قوات النظام ونقاط عسكرية روسية.

الحاج مهدي ومخططه

افتتحت الميليشيات الإيرانية بقيادة الحاج مهدي اللبناني، من ميليشيا حزب الله، مكاتب عدة لتجنيد أبناء العشائر العربية في الحسكة، وذلك حسب مرصد الحسكة. ويقع المكتب الرئيسي لعمليات التجنيد المعروف باسم “مكتب الاستقطاب”، داخل المربع الأمني للنظام في مدينة الحسكة. كما توجد العديد من المراكز في مدينة الحسكة التي تعمل لصالح إيران، أبرزها مكتب كتائب البعث بقيادة رائد الخلف المقرب من “حزب الله”، ومكاتب تتبع لميليشيا الدفاع الوطني بإشراف عبد القادر حمو.

في مطلع عام 2013، بدأت القوات الإيرانية بالدخول إلى محافظة الحسكة، وذلك بعد وصول قادة ميدانيين من حزب الله اللبناني إلى المحافظة، من أجل تدريب قوّات النظام والفصائل الرديفة له على أساليب القتال، بالإضافة إلى إدارة الجانب الأمني ضمن مطار القامشلي، الذي كان يُعدّ الرابط الوحيد للمحافظة بالعاصمة دمشق، بعد سيطرة فصائل المعارضة على أجزاء واسعة من محافظة دير الزور وريف الحسكة، وتالياً عزل قوات النظام برياً.

توسيع النفوذ

تتحدث سكينة حسن، عضوة المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، في تصريح لها، عن تعاون قسد مع إيران ومساعدته من أجل التوغل في شمال شرق سوريا، مشيرةً إلى أنه لا مصلحة كردية للتواجد في تل رفعت ومنبج، وأن وجود قسد هناك عبارة عن درع حماية لبلدتَي نبل والزهراء (الشيعيتين) شمال حلب.

في هذا السياق، يقول الباحث المستقل من مدينة القامشلي، سامر الأحمد، لرصيف22، إن “إيران استطاعت توسيع نفوذها في المنطقة بسبب الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية والتهديدات التركية لقوات قسد، وتركيز اهتمام الأخيرة على المنطقة الحدودية ذات الأغلبية الكردية أيضاً، وإهمال عمق الجزيرة السورية، الأمر الذي سمح لطهران بالولوج إليها، وذلك بعد حصولها على دعم بعض العشائر العربية الرافضة لسلطة قسد الأمنية والتمييزية، وخاصةً بعد تعرضها لخذلان الروس قبل عامين في معركة حارة طي في القامشلي التي سيطرت عليها قسد بعد اشتباكات مع مجموعات مسلحة قريبة من إيران”.

ويشرح: “التمركز الإيراني في الحسكة كان على مرحلتين، الأولى قبل العملية التركية الأخيرة ‘نبع السلام’، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حين بدأت إيران باستقطاب شيوخ العشائر واستقبالهم في طهران، لرفد ميليشياتها العسكرية بمقاتلين من أبناء تلك القبائل والعشائر، بالإضافة إلى إعطاء وجودها في المحافظة صبغةً شرعيةً مستمدةً من قبول المجتمع المحلي لها بوصفها أحد أهم داعميه”.

أمّا المرحلة الثانية، حسب الحمد، فهي “بعد العملية التركية، حين تم الاتفاق بين النظام وروسيا وقسد على نشر قوات من النظام ونقاط عسكرية روسية في المنطقة الحدودية وفي محيط نبع السلام، بعد تماهي القوات الإيرانية وخاصةً حزب الله مع قوات النظام”.

الأهداف الإيرانية

تفرض إيران هيمنتها على كامل الشريط الحدودي مع العراق، بما في ذلك المنافذ الحدودية بين البلدين، وهذا يسهّل عليها نقل قواتها بين الحدود، خاصةً القادمة من العراق، كما أن وجودها في محافظة الحسكة جعلها قادرةً على السيطرة على الرسوم الجمركية للتجارة العابرة عبر الحدود، وأيضاً تجارة المخدرات والدخان، التي تُعدّ أهم مصادر دخل المليشيات خارج الدعم المقدَّم لها من الحكومة الإيرانية.

وتعمل على إظهار قدرتها على استخدام الخيار العسكري في حال تعرّضها لمزيد من الضغوط الأمريكية في سوريا والعراق، إذ بدأت مؤخراً بقصف قواعد أمريكية في الحسكة، كما تعمل على تحريض المجتمعات المحلية لمحاربة الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا، واعتراض الدوريات الأمريكية، رافضةً إدراج الوجود العسكري الإيراني في المنطقة ضمن المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

يقول أحد وجهاء العشائر في قبيلة طي في القامشلي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لرصيف22، إن “الهدف الديني من وجود إيران في المنطقة يتجلّى في محاولتها فتح طريق السبايا، الممتد من بغداد إلى الموصل في العراق ثم القامشلي والرقة وحلب، والذي تعدّه الطائفة الشيعية طريق جيش يزيد”.

أمّا الهدف الآخر، حسب المصدر، “فهو التحكّم بقرارات النظام في ظل التنافس مع موسكو، عبر الضغط عليه اقتصادياً، من خلال السيطرة على حقول النفط والغاز. كما أنها تحاول إزعاج القوات الأمريكية التي تتواجد في المنطقة، فهي تريد نقاط تماس جديدةً معها لتكون نقاط اشتباك جديدةً تضاف إلى النقاط الأخرى في دير الزور وكردستان العراق”.

برأيه، فإن “التواجد الإيراني يأتي في إطار محاولة تشييع عشائر المنطقة، خاصةً تلك التي تنتسب إلى آل البيت. وملامح النيات الإيرانية ظهرت حين حاولت فصل عشيرة بني سبعة، التي تُنسب إلى آل البيت، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عبر تنظيم مؤتمر في قرية أبو توين بالقرب من القامشلي، لفصلها عن تحالف قبيلة طي، وحملت الدعوة رموزاً طائفيةً غريبةً عن ثقافة قبائل المنطقة”.

حملة رافضة

نتيجةً لازدياد نشاط إيران وحزب الله في مدينتي الحسكة والقامشلي، وقيامهما بافتتاح مقار جديدة للتجنيد، وسعي إيران إلى كسب ود العشائر العربية؛ قرّر عدد من أبناء العشائر المقيمين في المربع الأمني في مدينة الحسكة التحرّك لمواجهة هذا التمدد، حفاظاً على هوية المنطقة وتاريخها من التهديد الإيراني المستمر بفرض أيديولوجيتها.

وألصق ناشطون من أبناء المنطقة منشورات على الجدران، وتم توزيعها في شوارع مدينة الحسكة الثلاثاء 28 حزيران/ يونيو الفائت، حملت صورة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكُتب عليها “لا لحزب الله”.

وتمكن رصيف22، من التواصل مع أحد أعضاء المجموعة التي طبعت المنشورات ووزعتها في شوارع الحسكة. يقول: “السلوك الإيراني بالتمدد في المحافظة يهدد هويّة المنطقة وتاريخها، كما يتم استغلال حاجة الناس بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية بشكل واضح لجعلهم وقوداً لحرب إيران وأطماعها، عدا عن نشاطات المجموعات الإيرانية لترويج المخدرات في المدينة، الأمر الذي يهدد مستقبل جيل كامل من أبناء المنطقة”.

ويوضح عضو المجموعة الذي رفض الكشف عن هويته، أن “الحملة تهدف إلى لفت نظر المجتمع الدولي إلى خطورة ما يحصل في المنطقة، من أجل التدخل ووقف هذا التمدد كي لا يكون مصير الحسكة شبيهاً بما حصل في دير الزور قبل سنوات، وأيضاً لتنبيه أبناء المنطقة إلى خطر الوجود الإيراني بالقرب من أبناء العشائر”.

يضيف: “قمنا مع بعض الشباب من أبناء المنطقة بتوزيع أكثر من 200 نسخة من المنشورات بالقرب من المالية، وشارع القضاة، وشارع الوكالات، بالإضافة إلى مركز سوق مدينة الحسكة، كما قمنا بلصق بعض المنشورات على جدران المقار الإيرانية والأبنية التي يقطنها العاملون مع إيران في المنطقة”.

وأعلن النظام عبر الأفرع الأمنية في الحسكة، الاستنفار بحثاً عن موزعي المناشير. وقام عناصر حزب الله بالانتشار في الأسواق بلباس مدني، للبحث عن كل من يتوقف لقراءة المناشير أو يحاول تصويرها لمنع تداولها بين المدنيين. كما أصدر النظام تعليمات إلى مسؤوليه كلهم في الأفرع الأمنية، لترويج أن قسد هي من تقف وراء توزيع هذه المناشير من أجل إثارة مشاعر أبناء العشائر للوقوف بجانبه.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى