سياسة

تركيا: الانتخابات القادمة، مصير اللاجئين السوريين، هل هناك عملية عسكرية قادمة في الشمال، ماذا عن المنطقة الآمنة. أسئلة تحتاج الى اجابات. -مقالات مختارة-

هذا الملف محدث بشكل يومي، أنظر نهاية الملف

——————————-

اللاجئون السوريون في تركيا بين “الاحتلال الصامت” و”التطبيع الصامت”/ إبراهيم الجبين

حرب حقيقية تدور رحاها هذه الأيام في الأوساط السياسية والإعلامية التركية حول ملف اللاجئين السوريين الذي رأى البعض أنه يمرّ في مرحلة هي الأخطر منذ تدفقهم عبر الحدود السورية – التركية قبل أعوام. الخطورة هذه المرة متأتية من كون الملف تجاوز مسألة الاستثمار السياسي إلى المشاريع الممنهجة لإعادتهم إلى بلادهم، كما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعلن عن مشروع إعادة مليون لاجئ سوري وتسليم مفاتيح لبيوت ضمن مجمعات سكنية تأويهم في الشمال السوري. وجاءت تصريحات أردوغان في مكالمة فيديو، خلال مراسم تسليم مفاتيح ما سمّيت بمنازل “الطوب” في إدلب، بالتنسيق مع إدارة الكوارث والطوارئ “آفاد”، بالتعاون مع المجالس المحلية السورية. المشروع لن يقتصر على إدلب وحدها بل سيشمل مناطق أخرى في الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة المدعومة من تركيا، من بينها 13 منطقة في جرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين.

بالتوازي مع ارتفاع حدة الخطاب الناقم على السوريين في تركيا، تظهر تسريبات تتحدث عن نوايا لدى الحكومة التركية رفع التنسيق الأمني القائم حاليا مع نظام الأسد إلى مستوى تنسيق سياسي أو نوع من “التطبيع” كما سماه بعض المعارضين الأتراك، وذلك بالذريعة ذاتها الأمن وملف اللاجئين السوريين.

تصريحات نارية وتهديدات متبادلة بين أعضاء بارزين في الحكومة، مثل وزير الداخلية سليمان صويلو وسياسيين معارضين كرئيس حزب النصر القومي أوميت أوزداغ الذي بلغت حدّة المناوشات بينه وبين صويلو إلى درجة توجيه وعيد وعبارات تقريعية يتصاعد معها الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين، مع اقتراب الانتخابات وحمى الصراع على أصوات الناخبين، لكن مصادر كشفت أن ذلك الخطاب لا يتخذ طابع القنابل الصوتية الشعبوية وحسب، بل هو خطاب ممنهج وممول، وقد اعترف أوزداغ بذلك حين قال إنه اطلع ووافق على سيناريو فيلم قصير مناهض للاجئين السوريين قبل أن يقوم بتمويله شخصيا، فيلم حمل عنوان “الاحتلال الصامت” يحذّر من خطر سيطرتهم على الدولة التركية في المستقبل القريب.

هل تحتاج تركيا لحليف سوري إضافي، غير المعارضة السورية التي تمسك بزمامها للإطباق على تأثير العامل الكردي؟

ومنذ تفجر الأوضاع في سوريا عام 2011 تم منح نحو 300 ألف لاجئ سوري الجنسية التركية، حسب الوزير صويلو الذي يشير إلى أن 47 ألفا من بين هؤلاء هم من “التركمان” السوريين، بينما يصل العدد الكلي للاجئين السوريين على الأراضي التركية الذين يحملون وثائق “الحماية المؤقتة” إلى ثلاثة ملايين و762 ألفا، من بينهم 700 ألف طفل ولدوا هناك، بينما عاد 500 ألف سوري إلى بلادهم عودة طوعية، وفقا لأرقام صويلو.

خالد خوجة رئيس الائتلاف السوري المعارض سابقا، والذي انضم إلى حزب رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو المعارض وغيّر اسمه إلى ألبتكين هوجا أوغلو، فجّر بدوره المزيد من التساؤلات حين غرّد في الأيام الماضية متهما الرئيس التركي والدوائر المحيطة به بالشروع في مسار تطبيع مع النظام السوري، وقال خوجة إنه “بعد الضوء الأخضر من أردوغان؛ قيادات الحزب الحاكم في تركيا تبحث تطبيع العلاقات مع دمشق ضمن جهود إعادة اللاجئين (الطوعية) بذريعة تأثيرهم على غلاء المعيشة في المدن الكبرى. والتخريجة: لا يجب النظر إلى الموضوع من باب الصلح مع الأسد بل العلاقات مع سوريا”، مشيرا إلى ما نشرته صحيفة “ملييت” التركية حول نقاشات تجري في أروقة حزب العدالة والتنمية الحاكم عن اقتراب مرحلة من التطبيع مع النظام السوري مشابهة لتلك التي تجري مع السعودية ومصر وإسرائيل وأرمينيا والإمارات.

لكن على ماذا تتلاقى المصالح التركية مع نظام الأسد في هذه المرحلة بالذات بعد طول انقطاع؟ المناطق التي يتحدث عنها الطرفان التركيان، الحاكم والمعارض، والتي يمكن إعادة اللاجئين السوريين إليها، هي خارج نطاق سيطرة الأسد، وتأثيره معدوم تماما عليها إلا في حال تغيّرت الأوضاع الميدانية وتم كسر التفاهمات والاتفاقات الأمنية المشتركة بين موسكو وأنقرة، بشنّ حرب روسية جديدة لإعادة تلك المناطق إلى حظيرة الدولة المركزية التي يحكمها الأسد من دمشق كما حصل مع مدينة حلب وغيرها. أما العمق السوري فلم يتحدث أحد عن إمكانية لإرغام السوريين على العودة إليه، لاسيما في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يفرضها قانون قيصر وحزمة العقوبات المطبقة على نظام الأسد. عدا عن الأوضاع الخطرة التي ما يزال العالم يعتبرها كذلك بالنسبة إلى المواطنين. وقرار الأسد بالعفو عن معتقلين متهمين بدعم الإرهاب وإطلاق سراح العشرات منهم ومشاهد عائلاتهم وهي تنتظرهم تحت جسر الرئيس في قلب العاصمة دمشق، جاء كمحاولة للتغطية على الفيديو الذي سرّبته الغارديان البريطانية في توقيت حسّاس، والذي يوثق مجزرة بشعة نفذها عناصر النظام السوري بحق المدنيين في حي التضامن، لكنه أيضا في سياق ما يحاول الأسد إشاعته مؤخرا من تغييرات تتلاقى مع التغييرات التي تقوم بها الدول المحيطة به.

هل تحتاج تركيا لحليف سوري إضافي، غير المعارضة السورية التي تمسك بزمامها للإطباق على تأثير العامل الكردي الذي لم يعد حزب العمال الكردستاني واجهته الكبرى في الساحة الداخلية التركية؟ ومع الأخذ بعين الاعتبار أن حزب الشعوب المتحالف مع بعض الأحزاب التركية المعارضة يعتبر نفسه امتدادا لـ”بي.كي.كي” وتطورا طبيعيا له، فإن خارطة التناقضات والتحالفات في تركيا تبدو أكثر تعقيدا على المعارضة بقدر ما هي كذلك على الحزب الحاكم، إذ أن أي انزياح بهذا الاتجاه أو ذاك سيسقط أصحابه في محور الإرهاب أو يلزمهم بوضع اليد مع العدالة والتنمية والتحالف معه في المعركة الانتخابية القادمة، وفي ظل خارطة كهذه ما هو التأثير المحتمل للأسد والتطبيع معه على العملية الانتخابية؟

لا يصح تناول موضوع التطبيع التركي مع الأسد دون النظر إلى التعقيدات الجيوسياسية المحيطة بسوريا وتركيا، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا

يتبقى احتمال آخر لا يريد الأتراك ولا السوريون الالتفات إليه، والذي قد يكون التطبيع مع الأسد فيه متمثلا في مطلب من مطالب الدول المحورية التي تعيد ترتيب علاقاتها مع تركيا، لتطبيق استراتيجية شاملة لحلحلة قضايا المنطقة العالقة لسنوات. لكن ما حققته تركيا على مستوى أمنها القومي يتجاوز المسألة السورية، فقد تمكنت من تأمين منطقة نفوذ واسعة قطعت الطريق على مشاريع الأكراد الانفصالية التي تعتبرها تركيا تهديدا وجوديا لها ككيان مستقر، انطلاقا من ملف حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا العدو الأول للدولة والمجتمع في الوقت ذاته، ويوشك النظام السوري أن يفك عرى تحالف وثيق معه استمر لسنوات ضمن الطرفان خلالها السيطرة على ثلاث محافظات سورية غنية في الشمال والشمال الشرقي من البلاد. إذاً يبقى ملف اللاجئين هو الملف الوحيد الذي يمكن أن تروّج المعارضة التركية صلاحيته ليكون منطلقا للحوار التركي – السوري.

لا يصح تناول موضوع التطبيع التركي مع الأسد دون النظر إلى التعقيدات الجيوسياسية المحيطة بسوريا وتركيا، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا والمواقف الدولية المستجدة والطوق الحديدي الذي ضربته الولايات المتحدة والغرب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طوق لن يكون رفعه أمرا يحصل بين يوم وليلة حتى لو أوقف بوتين عملياته العسكرية ضد أوكرانيا في هذه اللحظة. فما تغير قد تغيّر وانتهى الأمر وقد خلق معه واقعا عالميا جديدا لن يكون غريبا فيه ما كشف عنه الصحافي التركي عبدالقادر سيلفي على شاشة “سي.أن.أن” من أن بوتين “منع أنقرة من لقاء الأسد من أجل مناقشة قضايا اللاجئين السوريين”، وهذا يُفهم منه أن الروس ليسوا جاهزين حاليا لتغيير “مؤثر” في قواعد الاشتباك في الملف السوري وسط انشغالهم بالملف الأوكراني.

وبين “احتلال صامت”، عبّر عنه فيلم أوزداغ، و”تطبيع صامت” بين تركيا والأسد تتزايد الإشارات إليه، يجد اللاجئون السوريون في تركيا أنفسهم عالقين في خيارات محدودة، فالبعض منهم حصل على الجنسية التركية وبات يعتبر تركيا وطنه الثاني، كما في حالة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين ممن حصلوا على الجنسيات الأوروبية خلال الأعوام الماضية. إلا أن غالبية ساحقة من السوريين في تركيا ما تزال تعيش قلق التفكير في الغد والمجهول الذي ينتظرها وينتظر أطفالها في حال تم إجبار هؤلاء على العودة بطريقة أو بأخرى، ومن جانب آخر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حاجة إلى تنمية سكانية واقتصادية وتربوية، وإلا تحولت إلى بؤر توتر وفوضى لا يعلم أحد كيف تمكن السيطرة عليها مستقبلا. فمن سيقوم بتلك المهمة؟ واليوم لا يتوقف الأمر على المطالبات بالعودة التي تسمى الآن “طوعية”، بل إن التضييق المحتمل على ظروف اللاجئين السوريين المعيشية ومعاملاتهم الرسمية قد يكون نوعا من الدعوة إلى عودة “إجبارية” مرهونة بنتائج الانتخابات من جهة، ومسار السياسة الخارجية التركية في محيط وعر من جهة ثانية.

العرب

——————————–

إلى أين ترمي تركيا مليون لاجئ سوري؟/ عمر قدور

قبل أسبوع أكد الرئيس التركي على أن بلاده تحضّر لمشروع جديد “يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا”. المشروع، بحسب أردوغان، ينفَّذ بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وسيشمل 13 منطقة من مناطق الشمال السوري الواقعة تحت نفوذ أنقرة، وهو يتضمن “جعل التجمعات السكنية المقرر تشييدها مكتفية ذاتياً من حيث البنية الاقتصادية التحتية، انطلاقاً من الزراعة وصولاً إلى الصناعة”.

تأكيد أردوغان أتى بعد أسبوعين من حديث له أيضاً عن عودة “طوعية” للاجئين السوريين، ليعاود وزير الداخلية سليمان صويلو التفصيل في ذلك قبل خمسة أيام في مقابلة تلفزيونية. للتكرار دلالة مفادها القول أن سعي السلطات التركية إلى إعادة مليون سوري جدي، ولا يتعلق باقتراب الانتخابات، بل إن مهلة نهاية العام الحالي لوضع الأقوال على المحك أقرب من موعد الانتخابات.

لندع جانباً النقاش في ما إذا كانت العودة طوعية حقاً، وبمشيئة كاملة غير منقوصة للعائدين أم لا. لدينا حديث عن مليون لاجئ، وينبغي التفكير جيداً في هذا الرقم السحري الذي هو بمثابة رقم سكان لمدينة ضخمة. ينبغي أن نتخيل مدينة مستحدثة بكل ما للمدينة من مناحي الحياة الطبيعية، أو شبه الطبيعية، وتقسيم العدد على 13 تجمعاً سكانياً لا يُنقص من مدلولاته الاقتصادية أو سواها.

لنفترض أن رقم المليون عائد لأسر عدد أفرادها أربعة وسطياً، فسيكون لدينا ربع مليون أسرة يلزم أن يكون أحد الوالدين على الأقل معيلاً لها، وسيكون هناك على الأرجح ولدان في سن الدراسة. بمعنى أن هناك حاجة إلى ربع مليون فرصة عمل كحد أدنى، وإلى مدارس تستوعب نصف مليون طالب.

قد يكون إنشاء المدارس لاستيعاب نصف مليون طالب، مع فرص العمل الملحقة بها، أسهل ما في الأمر لو لم يكن الحديث عن التزام يطول بقدر ما يطول فيه أجل القضية السورية. من المشروع جداً التساؤل عن الجهات التي ستموّل هذه المؤسسات التعليمية ومدى مصداقيتها، مع التذكير بأن حوالى أربعين ألف طفل سوري صاروا خارج التعليم مؤخراً، وسيرتفع العدد خلال الصيف الحالي إلى ما يزيد على مئة ألف، بسبب تخفيض دعم الحكومة البريطانية للمؤسسات التعليمية في المخيمات داخل الأراضي السورية.

وكي نضع الحديث عن ما لا يقل عن ربع مليون فرصة عمل في إطاره الواقعي، هناك في الأصل “ضمن المناطق التي ستُقام فيها التجمعات السكانية المحدثة” شحّ شديد جداً في فرص العمل، ويمكن الجزم بأن معدل البطالة يصل إلى حدود كارثية إذا اكتفينا بالحديث عن بؤس المخيمات التي يعيش فيها تقريباً نصف الموجودين في تلك المناطق، مع أن معدل البطالة لدى نظرائهم خارج المخيمات مرتفع جداً بدوره. بعبارة أوضح، ليس هناك “حيث سيعيش المليون لاجئ” بيئة اقتصادية كافية لاستيعاب الموجودين قبل الوافدين، والكلام عن تجمعات سكانية محدثة مكتفية ضمن محيط غير مساعد على الإطلاق هو ضرب من التجديف في الاقتصاد.

المناطق المشار إليها يغلب على معظمها الطابع الزراعي، مع النشاط التجاري الملحق به، وكان أبناؤها يذهبون إلى المدن بحثاً عن فرص العمل بسبب ندرة الفرص وموسميتها. الصناعات كما هو معلوم ارتبطت تاريخياً بالمدن الكبرى، بما في ذلك المجمعات الصناعية التي نشأت على أطرافها. بدءاً من عام2011، تدهورت الأحوال الصناعية في مراكزها الرئيسية “حلب ودمشق” بسبب “الأوضاع الأمنية”، وهاجر شطر كبير من الرأسمال الصناعي بصرف النظر عن اصطفاف أصحابه السياسي. تنطبق حرفياً مقولة “الرأسمال بطبيعته جبان” على ظاهرة الهروب، وتنطبق “تالياً وأكثر من قبل” على مناطق غير مستقرة أمنياً وغير معروفة الأفق كما هو حال مناطق النفوذ التركي.

لن يغامر مستثمرون من القطاع الخاص بالذهاب لخلق فرص عمل كافية للاجئين القدامى، أو المليون لاجئ جديد، ولن تفعل ذلك الدول، بما فيها الحكومة التركية، لأن منح مليارات الدولارات يتطلب الحد الأدنى من الضمانات. في أحسن الأحوال، إذا افترضنا البدء بمشاريع متوسطة أو صغيرة، لن تكون هناك ضمانة من أي نوع بعدم تدمير المنشآت بقصف للطيران أو بقصف مدفعي، تنفذهما قوات الأسد أو الطيران الروسي. هي فرصة جديدة، ببنك أهداف جديد، تحظى بها الطائرات والمدفعية التي لم توفّر سابقاً المستشفيات وأفران الخبز.

ربما لا يمانع بوتين مؤقتاً في موضوع إعادة اللاجئين، لكنه سيفعل وعينه على الابتزاز الذي سيمارسه في ما بعد. للتذكير، استخدمت موسكو حق النقض في مجلس الأمن لتقليص المساعدات الأممية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، بحيث اقتصرت نهايةً على معبر وحيد هو معبر باب الهوى، وفي 26 نيسان الماضي هدد مندوبها في مجلس الأمن بعدم التمديد لمرور المساعدات في المعبر بعد انتهاء التفويض الحالي في تموز المقبل. أي إذا افترضنا أن المليون لاجئ سيعيشون على المساعدات الدولية فالواقع الماثل يوضح مآل الفكرة؛ إنهم سينضمون إلى الكارثة الإنسانية الكبرى السابقة على وجودهم.

ومن المتوقع أن تكون إعادة المليون لاجئ خبراً ساراً لأوروبا التي ستتخلص من شبح مليون لاجئ جديد في اتجاهها، وقد يتخفف الاتحاد الأوروبي بفضلهم من جزء من التزاماته المالية ضمن اتفاقه مع أنقرة الخاص بإيوائهم. بإعادتهم إلى سوريا، يصبحون مسؤولية دولية مشتتة، والطريق المعاكسة إلى تركيا لن تكون متاحة لهم كما كان الأمر من قبل، مهما احتدمت المعارك والمآسي المرافقة.

في معرض حديثه التلفزيوني، ودفاعه عن استضافة اللاجئين، يقول وزير الداخلية صويلو: “سيعود مليون سوري، هل تعلم من سيعارض ذلك؟ أصحاب الأعمال هؤلاء”. ويقصد بهم رجال الأعمال الأتراك الذين يفضّلون هذا النوع من الأيدي العاملة خارج التأمين الصحي وسواه من الضمانات التي يمنحها أرباب العمل لنظرائهم من العمال الأتراك. هؤلاء، بلسان وزير الداخلية، هم الفئة المستهدفة بالعودة “الطوعية”، وكل ما سيحظون به بيوت موحدة من الطوب-البلوك، تحت مسمى العودة إلى الوطن، بينما هم في الواقع سيعودون إلى مناطق ليست أماكن عيشهم السابقة، وقد يُنظر إليهم من قبل سوريين آخرين كدخلاء أسكنوا في أراض ليس لهم الحق فيها.

إنه ليس مجرد خبر، بل جرى تسويقه كخبر إيجابي، وهل هناك أجمل من عودة السوريين “طوعاً” إلى وطنهم؟ المؤسف، إلى أن تحين لحظة العودة الحقيقية، لن تنطوي الأخبار سوى على مزيد من المآسي، وما استعرضناه اقتصر على تفنيد بعض الجوانب التقنية، بعيداً عن التسييس الذي هو في صلب مرامي أنقرة.

المدن

—————————

اللاجئون السوريون .. عودة إلى معازل/ علي العبدالله

ربطت معظم التغطيات والتعليقات على إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مشروعاً تركياً لإعادة مليون لاجئ سوري إلى الأراضي السورية، الإعلان بالانتخابات الرئاسية التي ستُنظَّم في شهر يونيو/ حزيران 2023، بعدما فتحت أحزاب المعارضة الملف، وربطت كلّ المشكلات الاقتصادية والمعيشية والخدمية بوجود اللاجئين، ووعدت بإعادتهم إلى سورية خلال عام إذا اختارها الناخبون. وغرقت التغطيات والتعليقات في مناقشة فرص نجاح المشروع والعقبات التي تقف في طريقه، مثل المدة القصيرة والكلفة المالية المرتفعة والوضع الأمني غير المواتي والموقفين، الإقليمي والدولي، من المشروع، وربطت نجاحه بالحل السياسي، من دون تعمّق في طبيعة المشروع وخلفياته السياسية.

لا تشكّل الفرضية المذكورة أعلاه، على وجاهتها، سبباً كافياً لإعلان المشروع العتيد، وفي هذا التوقيت بالذات؛ فانتشار دعاية أحزاب المعارضة بشأن مسؤولية اللاجئين عن البطالة وغلاء المعيشة والتضخم الصاعد، بلغ قرابة الـ 70%، وارتفاع الأسعار المتواتر، الذي دفع فئاتٍ اجتماعيةً عديدةً إلى حافّة العجز عن توفير احتياجاتها اليومية، سينعكس سلباً على فرصة الرئيس التركي في الفوز بها، لكنّه لن يكون حاسماً في تحديد نتيجة الانتخابات، فالوقت الذي يفصلنا عن موعدها بعيدٌ نسبياً، ما يتيح للنظام التركي الردّ على حملة أحزاب المعارضة واحتواء مفاعيلها، وعكس نتائجها لمصلحته عبر العمل على جذب استثماراتٍ خارجيةٍ وتوفير مناخ لجعل تركيا مقصداً للسياح الأجانب؛ والحدّ من البطالة ولجم التضخم؛ وهذا ما تحاوله عبر تطبيع العلاقات مع دول الخليج العربية ومصر وإسرائيل. وهذا بالإضافة إلى حالة الاطمئنان التي يشعر بها النظام التركي في ضوء فشل أحزاب المعارضة في الاتفاق على مرشّح مناسب، يمتلك فرص الفوز لمواجهة الرئيس أردوغان في هذه الانتخابات؛ ناهيك أنها ليست متفقةً على برنامج سياسي واجتماعي موحد؛ وتجربتها في الحكم لا تشجّع الناخبين على التصويت لها في ضوء الفشل الاقتصادي والعجز في الميزان التجاري والبطالة والفساد الذي شهدته البلاد خلال فترة حكمها. وذلك مع العلم أنّ النظام التركي سبق له التحرّك إقليمياً للاتفاق على إعادة اللاجئين قبل موعد الانتخابات بفترة طويلة، كان وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، قد أعلن في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2021 أنّ بلاده اتفقت مع أربع دول مجاورة على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم “بشكل طوعي”.

تربط قراءة هذه المقالة إعلان مشروع إعادة مليون لاجئ سوري إلى الأراضي السورية بهدف واحد ووحيد: مواجهة المشروع الكردي باستغلال اللحظة السياسية الراهنة، التي يجد فيها النظام التركي فرصةً سانحةً للقيام بهجوم سياسي وعسكري شامل عليه، فالاهتمام الدولي والإقليمي مركّز الآن، إلى فترة غير قصيرة، على الغزو الروسي لأوكرانيا ونتائجه وتأثيراته في توازن القوى؛ وفي النظام الدولي القائم؛ وفي مصالح الدول القريبة والبعيدة، والكلّ يسعى لتحقيق مكاسب وتجنّب الخسائر، وتوظيف المعطيات السياسية والجيوسياسية والعسكرية التي تمتلكها تركيا، الدولة، في كسب موافقة الدول على المشروع وتبعاته وتأثيراته البعيدة، أو على الأقل سكوتها عنه، إن لم يكن مساهمتها في تمويله. وقد ساهمت قطر والكويت في تمويل أجزاء من المشروع، تعهّدت قطر بتمويل إنشاء مائتي ألف منزل، فتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتي تمتلك ثاني أكبر جيش فيه، بعد الولايات المتحدة، تطل على البحر الأسود، ساحة المواجهة الساخنة بين التحالف الغربي وروسيا حول أوكرانيا، بساحل طويل، وتتحكّم بحركة مرور السفن الحربية والتجارية منه وإليه خلال الأزمات والحروب، من خلال سيطرتها على مضيقي البوسفور والدردنيل، وفق اتفاقية مونترو، ولها علاقاتٌ متينةٌ مع طرفي الصراع، ما سمح لها بالتحرّك بالتوسّط بين روسيا وأوكرانيا، من جهة، والعمل على التأثير بمسار المعركة الدائرة بمدّ أوكرانيا بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية والمساعدات الإنسانية وإغلاق المضيقين بوجه السفن الروسية، والمجال الجوي بوجه الطائرات أيضاً، من جهة ثانية، ما جعلها قبلة للوفود الغربية الباحثة عن تعزيز إجراءاتها ضد روسيا، ودفع تركيا نحو الانخراط أكثر في عملية تطويق روسيا وعزلها، وفُتح لها الباب واسعاً للحصول على تنازلاتٍ، غربية تحديداً، حيث عدّلت فرنسا موقفها من الرئيس التركي؛ وجرى بعث مشروع إنتاج منظومة صواريخ “سامب – تي”، مع إيطاليا وفرنسا، بديلاً للصواريخ الروسية إس 400. وتناست الإدارة الأميركية قضية صواريخ إس 400 الروسية التي اشترتها تركيا؛ وسحبت تأييدها لمد خط أنابيب غاز من الحقول الإسرائيلية إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، المعروف إعلامياً بـ”إيست ميد”. وتحرّكت مع الكونغرس لإتمام عملية بيعها طائرات إف 16، وخفّفت من دعمها اليونان في خلافها معها.

وكسرت تركيا الجمود في العلاقات مع الإمارات والسعودية، وعاد الدفء إلى علاقاتها مع إسرائيل، وتجدّد الحديث عن مد أنابيب لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر أراضيها، ما أشعر النظام التركي بالنشوة والعنفوان، وشجّعه على إطلاق عملية “قفل المخلب” ضد حزب العمال الكردستاني التركي في كردستان العراق، والتلويح بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شرق الفرات، لتشكّل ضربة مكملة لعملية “قفل المخلب”، وإعلان مشروع إعادة مليون لاجئ سوري إلى الأراضي السورية، عبر إنشاء قرى وبلدات على طول الشريط الحدودي مع سورية، في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، داخل المناطق ذات الأغلبية الكردية وبينها، ما يعني إحداث تغيير في تركيبة المنطقة سكانياً، وإنهاء مبرّر المطالب الكردية في حكم ذاتي أو فدرالية، فالنظر في جغرافية المشروع والقرى التي ستقام لاستقبال اللاجئين في الباب وأعزاز وجرابلس وتل أبيض ورأس العين، يشير، من دون لبس، إلى الهدف الرئيس لهذا المشروع، وهو تعريب هذه المناطق وسحب الذرائع الكردية ومطالبها السياسية، فتجهيز بنية تحتية وفوقية، خدمية وصحية وتعليمية (تم تشغيل ثمانية مستشفيات عامة، و106 مراكز صحية، و33 مستشفىً خاصاً، و42 محطة خدمة صحية للطوارئ، و10 مركبات صحية متنقلة، و76 سيارة إسعاف، لخدمة سكان المناطق، وتجهيز 1429 مدرسة للأطفال، 26 منها حديثة البناء، بينما لا تزال 48 مدرسة قيد الإنشاء، يتعلم فيها 349 ألفاً و762 طفلاً سورياً)، وتوفير فرص عمل؛ الحديث عن توفير 50 ألف فرصة عمل، وإجراء دورات تدريب مهني وتقديم قروض صغيرة ميسّرة للبدء بمشاريع صغيرة وإيجاد فرص عمل، وجعل التجمّعات السكنية المقرّر إنشاؤها مكتفية ذاتياً، لجهة البنية الاقتصادية التحتية “انطلاقاً من الزراعة وصولاً إلى الصناعة” وفق إعلان الرئيس التركي، سيجعل المواقع (13 موقعاً) بيئة صالحة لإقامة مستقرة وآمنة، على أمل أن تصبح دائمة، خصوصاً إذا حظيت بمباركة روسيا والنظام السوري، الذي سيجد فيها فرصة للتخلص من تبعات احتياجات الملايين في مجالات السكن والصحة والتعليم وفرص العمل، من جهة، ومباركة خطة تتقاطع مصالحه فيها مع المصلحة التركية في رفض المطالب الكردية وحلها بالتفاهم والتراضي، من جهة ثانية. وقد أكّد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، هذا الهدف بقوله إنّ بلاده لن تسمح بإقامة “ممرّ إرهابي” على حدودها الجنوبية.

يعتبر المشروع امتداداً لفكرة المنطقة الآمنة التي تبنّتها أنقرة منذ عام 2012، والتي انطلقت بالأساس لمواجهة المشروع الكردي الذي كانت قد بدأت إرهاصاته. وقد جدّد الرئيس أردوغان عام 2020 الدعوة إلى تأسيسها، وقد أضحت، وفق النظام التركي، راهنة في ضوء تعمق الالتزام الأميركي بالإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، من جهة، وممكنة، سياسياً وجغرافياً، وفق معطيات اللحظة السياسية الراهنة، من جهة ثانية. وهو مشروعٌ تركي بالكامل، ولا صلة له باللاجئين وبعودتهم الآمنة إلى وطنهم، إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم، ناهيك أنه يفرض واقعاً سكانياً وسياسياً متفجّراً، إذ يعيش سكان هذه المناطق تحت سياط فصائل سيئة تمارس النهب والتعدّي على حريات المواطنين وأملاكهم وأرزاقهم، وحيث سيحاصر الكرد بالعرب، ويبقي المنطقة في حالة صراع مفتوح وعرضة للاهتزاز وعدم الاستقرار، ويحوّل، هو والتحرّك الإيراني لتغيير التركيبة السكانية، سورية إلى معازل هوياتية متباعدة ومتنابذة، علماً أنّه لا يصلح لحلّ القضية الكردية في تركيا، بل يمدّد في عمر الصراع ويزيد الخسائر والأحقاد.

العربي الجديد

—————————

عودة اللاجئين إلى سوريا!/ فايز سارة

أكاد أجزم أن الكلام التركي حول عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم هو كلام يتصل بالانتخابات، التي يستعد الأتراك لدخولها العام المقبل، والتي من شأنها أن ترسم آفاقاً في مستقبل تركيا ودور الفاعلين الرئيسيين من نخبتها السياسية، وفي أحزابها أيضاً. الأمر الذي جعل القادة السياسيين والأحزاب يسارعون إلى التدخل في الموضوع، بعد أن جعلت بعض شخصيات وأحزاب المعارضة الموضوع شماعة، تعلق عليها كل مشكلات تركيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وتقديري أن ذلك جعل قادة السلطة في تركيا، وبينهم الرئيس رجب طيب إردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية، اللذان فتحا بوابات تركيا لدخول السوريين الكثيف، يدخلون بوابة الموضوع على نحو ما تضمنته خطة إردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري «طوعاً» إلى بلادهم.

ورغم أن الحديث يتصل بالاستحقاق الانتخابي المقبل في تركيا، فإنه لا يمكن النظر إليه باعتبار أنه سيكون بدون تأثيرات على واقع السوريين ووجودهم في تركيا، ولعل الأقل في ذلك، أنه سيفرض رسم سياسات واتخاذ إجراءات حول وجود ومستقبل السوريين وحياتهم في تركيا، وقد بدأت حكومة إردوغان تنظيماً شاملاً في إقامات السوريين وتوزيعهم على الولايات وفي المدن وفق معايير محددة، ولا شك أن تنظيم العمالة السورية من بين النقاط العاجلة، التي ستعمل الحكومة التركية على إتمامها.

ولأن المعالجات السابقة بدت لا تتصل مباشرة بموضوع عودة السوريين إلى بلادهم، فإنها تقارب الموضوع، وتعالج بعض آثاره السلبية سواء لجهة السوريين أو لناحية الأتراك، وهو أقصى ما يمكن أن تقوم به تركيا في معالجة وضع السوريين المقيمين فيها، وقد تضاف إليه تفاصيل أخرى تتضمن إعادة جزئية لبعض اللاجئين، منها إعادة مخالفين أو أصحاب مشكلات إلى مناطق الشمال، على نحو ما جرى مرات ومرات في السنوات الماضية، وذلك لا يتعني إعادة اللاجئين، البالغ عددهم في تركيا نحو 4 ملايين سوري، ولا إعادة مليون واحد.

إن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم أمر غير ممكن من جانب تركيا أو من جانب أي دولة فيها كم كبير منهم، وموانع عملية كهذه تتصل بأوضاع البلد المعنيّ من جهة، والأوضاع المحيطة بالقضية السورية والواقع السوري من جهة ثانية، وإذا كان الأمر يتعلق بتركيا مثلاً، فلا بد من ملاحظة نقاط، منها أن وجود السوريين في تركيا مضى عليه أكثر من 10 سنوات، وقد ترتب عليه واقع جديد بين معطياته؛ حيث قسم كبير حصل على الجنسية التركية، فماذا سيكون وضع هؤلاء وعائلاتهم، وثمة قسم من السوريين افتتح بشكل قانوني أو بشكل عملي مؤسسات وشركات واستثمارات وأعمالاً، صارت جزءاً من البنية الاقتصادية في قطاعي الخدمات والإنتاج التركي، كما أن نحو مليون ونصف مليون سوري صاروا في تعداد قوة العمل التركية، وهناك نحو مليون منزل، وما يقارب نصفها على الأقل من محال تجارية وعقارات استثمارية يستأجرها سوريون، وتدرّ دخولاً على مواطنين ومؤسسات تركية.

لعل الأهم مما سبق كله أن الأتراك والسوريين جيران على طول خط حدود يصل نحو 1000 كيلومتر، وبينهما تاريخ وإرث ثقافي وديني وعلاقات تمتد إلى 1000 عام مضى، وبينهم مستقبل مشترك بين تحدياته 3 موضوعات مهمة؛ تداخل سكاني له أبعاد سياسية وأمنية على جانبي الحدود، ومياه مشتركة، وإرث من ممتلكات ملتبسة تحتاج حلولاً ومعالجات، إضافة إلى ما يفرضه المستقبل من تعاون وتشارك اقتصادي، في وقت يتجه العالم إلى تعزيز العلاقات بين الدول المتجاورة، وحاجة سوريا في مرحلة إعادة الإعمار لما يملكه الأتراك من قدرات وخبرات، وكلها معطيات تجعل العلاقات التركية – السورية في المستويين الشعبي والرسمي قضية استراتيجية، بل هي قضية أمن قومي تركي، تتجاوز فكرة التعامل معها، باعتبارها قضية انتخابية، على نحو ما تظهر اليوم، وأحد موضوعات الاستهلاك الإعلامي.

أما ما يمنع إعادة اللاجئين السوريين من الناحية الواقعية، سواء من جانب تركيا أو غيرها، فإنه لا يقل أهمية عما سبق. إذ للموضوع أبعاد سياسية وقانونية وأخلاقية، لا يمكن تجاوزها أو اللعب بها، وحالة لبنان مثالاً؛ حيث تخيل البعض أن لبنان بإمكانه القيام بذلك، وسط مجموعة معطيات «مساعدة». في مقدمتها أنه محكوم بسلطة موالية لنظام الأسد، وأن الوجود السوري محدود وهشّ، وأن السوريين فيه بفعل معاناتهم الحياتية وظروفهم الاقتصادية والأمنية، يميلون أكثر للعودة إلى بلادهم، مع وجود بنية ميليشياوية شاركت في المقتلة السورية وبنية سكانية معادية ترتبط بـ«حزب الله» (إيران)، إضافة إلى وجود ضغوط روسية، هدفها دفع لبنان لإعادة اللاجئين إلى سوريا.

إن الموانع الواقعية لإعادة اللاجئين على نحو ما يظهر في الحالة التركية بالنسبة للاجئين السوريين، يمكن أن تكون كافية لمنع إعادتهم إلى بلادهم؛ حيث سوريا ما زالت وسط البيئة السياسية والأمنية الطاردة، والأوضاع الحالية تواصل تردياتها وتدهورها السياسي والأمني في سوريا، بالتزامن مع غياب أي أفق لحل سياسي، وكلها تدفع إلى مزيد من السوريين للمغادرة، لولا ما هو قائم من شبه إغلاق لحدود دول الجوار. وعليه فإن من البديهي استمرار بقاء السوريين في تركيا وغيرها من بلدان اللجوء، سواء أكانت تطبق نظام الإقامة المؤقتة الـ«كملك» التركي الذي يوفر قدراً محدوداً من الحماية والرعاية للمقيمين أو في البلدان الأخرى، التي تطبق قوانين لجوء توفر حماية ورعاية بالاستناد إلى إرث عالمي، يمنح اللاجئين حق الإقامة في البلد المضيف، ويمنع إعادتهم إلى بلدهم الأصلي في حالات الخطر، ويوفر لهم خدمات التعليم والرعاية الصحية والسكن والعمل وغيرها، ويمنحهم وثائق سفر، وصولاً إلى منح الإقامة الدائمة، ثم الجنسية، التي تجعل اللاجئ مواطناً كامل الحقوق في بلد اللجوء، وكله يشير إلى أن الدول التي تقبل اللجوء، وتعطي اللاجئين حقوقاً تؤهلهم للمواطنة، لا يمكن أن تفكر بإعادة هؤلاء إلا إذا رغبوا، أو أن خللاً حدث في عملية لجوئهم، أو في حال ارتكبوا مشكلات خطيرة، وكله محكوم بأطر قانونية، تجري إجراءات الإبعاد استناداً إليها.

خلاصة القول، في موضوع عودة اللاجئين إلى بلادهم، ولو كانت طوعية، إنها ستظل محكومة بالمعطيات الواقعية، وخاضعة لظروف سياسية وقانونية وأخلاقية، وبالتالي فإن القيام بها من جانب دولة ما، هو بين أصعب ما يمكن القيام به، وأعتقد أنه لا يمكن لدولة، مهما كان وضعها ودوافعها، أن تقوم بمثل هذه العملية.

الشرق الأوسط

————————–

تطمينات تركية رسمية للاجئين السوريين رداً على شائعات المعارضة/ عدنان عبد الرزاق

أكد مسؤولون أتراك أن أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء والخدمات المقدمة إليهم يجري تضخيمها عمداً، في إطار ادعاءات تكررها المعارضة حول مسؤوليتهم عن تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وذلك بالتزامن مع تشديد الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تطرد اللاجئين السوريين.

وقال نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل جاتاكلي، أمس الإثنين، إن “هناك فهماً خاطئاً بين المواطنين الأتراك بأن كل أصحاب البشرة الداكنة هم لاجئون، وما تتناقله بعض وسائل الإعلام المعارضة عن اللاجئين السوريين هو في مجمله كذب، والأرقام يتم تضخيمها عمداً، ثم يتم تداولها كأنها حقيقة”.

وأجاب المسؤول التركي في لقاء تلفزيوني على 24 سؤالاً لمقدمة البرامج التركية الشهيرة، إسراء إلونو، نافيا فيها أن السوريين يتقاضون راتباً، مؤكدا أن بعضهم “يتلقَّون دعماً بقيمة 155 ليرة تركية على بطاقة الهلال الأحمر، وهي مساعدات مموّلة من الاتحاد الأوروبي، كما يدفع السوريون فواتير المياه والكهرباء والغاز، وفي التعليم الجامعي، هم يعامَلون مثل بقية الأجانب، وليس هناك منحة أو تخفيض للسوريين كما تشيع المعارضة”.

وتطرقت إلونو إلى شائعات منها مجانية خدمات السيارات للسوريين، وعدم دفعهم الضرائب السنوية، وتسهيل الحصول على الجنسية التركية، لكن نائب وزير الداخلية نفى بالمطلق تلك الادعاءات، قائلا: “السوريون يدفعون الضرائب وتكلفة الخدمات مثل المواطنين الأتراك”.

وأضاف جاتاكلي: “قانونًا، يمكن الحصول على الجنسية التركية بعد 5 سنوات. لكن حامل (الحماية المؤقتة) لا يعامل كذلك، حتى لو انتظر 30 عاماً تحت الحماية المؤقتة، وما يتم ترويجه حول منح السوريين حق التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى خلال العام المقبل مجرد شائعات. الأتراك فقط يمكنهم التصويت في الانتخابات، والعدد الإجمالي للسوريين الحاصلين على الجنسية التركية لا يتجاوز 200 ألف”.

من جهته، وصف الناشط الحقوقي السوري، طه غازي، تصريحات المسؤولين الأتراك لتصويب المغالطات حول اللاجئين السوريين بأنها “صحوة متأخرة، لكنها ضرورية”، لأن بعض أحزاب المعارضة “تمادت لدرجة ترويج أن اللاجئين يتقاضون رواتب من الدولة، ولا يدفعون تكلفة الخدمات، وإيجار المنازل”.

وأوضح غازي لـ”العربي الجديد”، أن “ما قيل عن العودة الطوعية للسوريين صوّرته بعض الأحزاب باعتباره نوعًا من التهجير القسري”، متمنياً التزام المسؤولين الأتراك بتصريحاتهم، وألا تكون مجرد محاولات تهدئة، ليصحو السوريين على قرار بنقلهم إلى شمال غرب سورية، والتي لا يمكنها استيعاب مليون شخص إضافي، وتفتقر للخدمات وفرص العمل”.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الإثنين، أن بلاده لن تطرد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، بل إن أبواب تركيا مفتوحة للسوريين “وسنواصل استضافتهم، ولن نرميهم في أحضان القتلة. نحن أبناء ثقافة تدرك جيدًا معنى المهاجرين والأنصار، وبإمكان اللاجئين السوريين العودة إلى بلادهم متى أرادوا، أما نحن فلن نطردهم من بلادنا أبدًا”.

وتواصل المعارضة التركية منذ أكثر من عام، حملات تشويه تركز على الخدمات التي يتلقاها السوريون مجاناً، الأمر الذي تسبب بتنامي شعور الكراهية في الشارع التركي تجاه اللاجئين، خاصة بعد تراجع مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف الليرة.

وخلال الفترة الأخيرة، طالبت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، والرابطة الدولية لحقوق اللاجئين (UMHD)، بإيقاف حملات استهداف اللاجئين والمهاجرين المقيمين في تركيا، محذرة من تحوّل المعلومات المغلوطة عنهم إلى عدوان من قبل بعض الأفراد والأحزاب السياسية على اعتبار أنهم مسؤولون عن الأوضاع الصعبة في البلاد.

——————————

عراقيل تواجه مخطط تركيا لإعادة مليون لاجئ سوري.. هذه أبرزها/ يمان نعمة

طغى الحديث عن مشروع إعادة أكثر مليون لاجئ سوري طوعاً إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة على النقاش السياسي في تركيا، وسط تزايد الخطاب التحريضي على اللاجئين في تركيا مع اقتراب الانتخابات العامة والرئاسية المقررة في العام المقبل 2023.

فقبل أيام، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تحضير بلاده لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، موضحاً أن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق”.

وبعدها، أكدت شبكة “CNN” التركية أن الأمم المتحدة بدأت بدراسة المشروع التركي، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة تخطط للمشاركة في إعادة اللاجئين، خاصة في ما يتعلق بالجانب المالي لإنشاء أكبر عدد ممكن من المنازل داخل الأراضي السورية الآمنة والخالية من الأعمال العسكرية.

وفي السياق ذاته، ذكرت وسائل إعلام بريطانية أن المشروع التركي سيحتاج إلى أموال كثيرة، ولذلك قد تساعد دول خليجية في تمويله، لا سيما بعد التقارب التركي السعودي.

لكن ثمة عراقيل كثيرة تعيق تنفيذ المشروع التركي، أهمها الوضع الميداني غير المستقر في الشمال السوري، وعدم توفر مقومات الحياة من فرص عمل في تلك المناطق، يضاف إليها ما يصفه البعض بـ”الفشل في إدارة المناطق المحررة”، وغيرها من المعوقات التي تحمل القسم الأكبر من اللاجئين على رفض العودة.

ويضع الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي، المقيم في الشمال السوري، التحديات الأمنية على رأس الأسباب التي لا تساعد تركيا على إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري، وخصوصا أن المناطق المحررة ما زالت تتعرض للقصف من روسيا والنظام ومن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فضلا عن العبوات الناسفة والمفخخات.

تصريحات ضبابية

ويصف في حديثه لـ”عربي21″ التصريحات التركية عن المنطقة والبيئة الآمنة بـ”الضبابية”، ويقول: “لم تحدد مواصفاتها أو مساحتها، وهل ستكون بمظلة أممية أم بجهد مشترك مع الدول المتدخلة بالشأن السوري، وتحديداً مع روسيا”.

وكانت تركيا قد دعت بعد نحو عام من اندلاع الثورة السورية إلى إنشاء مناطق آمنة، لاستيعاب النازحين، لكن غياب التوافق الدولي على ذلك عرقل ذلك، وعن ذلك يرى المعراوي، أن الظروف التي منعت إنشاء مناطق آمنة سابقاً، ما زالت موجودة، أي غياب التوافق الأمريكي الروسي، وربما استحالته حاليا بعد التوتر بينهما على خلفية الحرب في أوكرانيا.

ويلمح إلى وجود عقبات أخرى، متعلقة بالجانب الاقتصادي، مبيّنا أن تأمين مساكن لإسكان مليون لاجئ سوري يتطلب أموالاً ضخمة، وتمويلاً دوليا.

لكن التحدي الأهم من المساكن وتأمينها، هو تأمين فرص عمل للعائدين، والحديث للمعراوي، الذي أضاف: “هو تحد هام لأن المنطقة المحررة فقيرة بالموارد الطبيعية، ومستنزفة لأنها مكتظة بالسكان أساساً”.

ويتفق مع المعراوي، عضو المكتب سياسي في حزب “اليسار الديمقراطي السوري”، زكي الدروبي، الذي يشير سواء إلى قصف قوات النظام وروسيا وحتى “قسد” لمناطق المعارضة، لافتاً إلى مقتل أكثر من جندي تركي في الشمال السوري مؤخراً.

ويلفت في حديثه لـ”عربي21″ إلى تأكيد “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن شهر نيسان/ أبريل الماضي شهد ازدياداً ملحوظاً في وتيرة القصف المدفعي الذي نفذته قوات النظام السوري على منطقة إدلب مقارنة بفترات سابقة.

ويتساءل: هل هذه حالة يمكن الاعتماد عليها للقول بأن المنطقة أصبحت آمنة ويمكن إعادة اللاجئين إليها؟ ويضيف أن الحالة الأمنية تنعكس في عدم وجود مشروعات اقتصادية توفر فرص العمل لعشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، حيث يعاني نحو خمسة ملايين نازح سوري في مناطق الشمال من فقر مدقع.

ويكمل الدروبي بقوله: “لا يوجد قرار دولي يحمي المنطقة التي تسمى منطقة آمنة، والتعويل على الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا خاطئ، فهي ظرف مؤقت سينتهي قريبا، وحتى لو افترضنا أن المنطقة ستكون آمنة بقرار دولي، فما الذي يضمن عدم وقوع مجازر؟”.

الشمال مكتظ بالسكان

وعلى النسق ذاته، نوه المحامي السوري المعارض محمد سليمان دحلا، إلى اكتظاظ الشمال السوري بالسكان، قائلا لـ”عربي21″: “لا تستطيع هذه المناطق استيعاب المزيد من السكان، ومن شأن تنفيذ المخطط التركي زيادة المعاناة الاقتصادية للموجودين حاليا ولمن سيتم ترحيلهم باسم العودة الطوعية”.

وبذلك، يستبعد دحلا عودة اللاجئين إن كان تنفيذ المخطط سيتم بشكل طوعي فعلا، ويقول: “لن يعود أحد، وأعتقد أن الاعتبارات الاقتصادية والمعيشية وغياب العدالة والقضاء المستقل وعدم مأسسة الجيش والأمن وضعف البنى الحوكمية والبنى التحتية، قد تتفوق على الاعتبارات الأمنية التي من المحتمل أن تستطيع الدبلوماسية التركية تجاوزها، ولكنها لن تكون كافية لإقناع اللاجئين بالعودة الطوعية”.

وعن الحلول البديلة، يرى المحامي أن “الحل الأسهل والأسرع الذي يريح الجميع والمجتمع الدولي هو فرض تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 تحت البند السابع، والذي يقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، تفضي إلى إزالة نظام الأسد من المشهد السوري”، مختتما بقوله: “عند ذلك سيعود الجميع طوعا”.

وتستضيف تركيا قرابة الأربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، ومؤخراً تحولت ورقة اللجوء إلى ورقة انتخابية بين الأحزاب التركية، بعد إصرار أحزاب تركية معارضة على الزج بهذه الورقة الإنسانية في حسابات سياسية.

عربي 21

————————-

منطقة آمنة في سورية: مشروع تركي يصطدم بمعوقات أمنية وسياسية/ أمين العاصي و جابر عمر

في خضم الجدل حول اللاجئين السوريين في تركيا، وهو الملف الذي تستخدمه المعارضة التركية في وجه الحكومة قبيل الانتخابات التي ستشهدها البلاد العام المقبل، أخرجت السلطات التركية إلى العلن مشروع إنشاء منطقة آمنة لإعادة نحو مليون سوري إلى بلادهم، في عودة إلى هذا المخطط الذي تطرحه منذ عام 2012، ولكن بدوافع ومعطيات مختلفة هذه المرة.

غير أن هذا المخطط، الذي لم تتضح تفاصيله الكاملة إلى اليوم، يصطدم بالعديد من المعوقات، لعل أبرزها الوضع الأمني غير المستقر في الشمال السوري، الواقع تحت تهديد دائم من نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا. هذا بالإضافة إلى انتشار مجموعات متطرفة في المنطقة كـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، التي قد تهدد العائدين، وتشكّل مبرراً لقصف هذه المنطقة. كذلك، يغيب التوافق الدولي من قِبل كل الدول الفاعلة في الملف السوري على هذه الخطوة وتأمين تغطية لها.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء الماضي، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح “العودة الطوعية” لمليون سوري إلى بلادهم. وقال، في رسالة مصورة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، إن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

من جهته، أوضح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال تدشين القرية السكنية قرب تجمع مخيمات الكمونة القريبة من بلدة سرمدا شمال إدلب، أن عدد اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا تحت الحماية المؤقتة، بلغ نحو ثلاثة ملايين و762 ألفا، حصل 200 ألف و950 منهم على الجنسية التركية.

كما أكد صويلو، في مقابلة تلفزيونية الخميس الماضي، أن بلاده بصدد بناء نحو 100 ألف منزل في محافظة إدلب، وتسليمها مع حلول نهاية العام الحالي. وأوضح أن تمويل مشاريع المنازل، والتي تبلغ مساحاتها 40 و60 و80 متراً مربعاً، هو من المنظمات الخيرية الدولية بالكامل.

وأشار إلى أن خطة المشروع التي تستهدف مليون لاجئ سوري، تهدف إلى بناء 250 ألف منزل، على امتداد الشمال السوري في مناطق النفوذ التركي، في مدن جرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، إضافة إلى إدلب.

سحب ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية

ومن الواضح أن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، يحاول سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التركية التي صعّدت من خطابها التحريضي ضد اللاجئين السوريين.

وبدأت الحكومة طريقة تعاطٍ جديدة مع اللاجئين السوريين منذ أيام، وألغت ما يُعرف بـ”إجازة العيد” التي كانت تُمنح للاجئين لزيارة ذويهم في الداخل السوري خلال الأعياد.

واعترض حزب “الحركة القومية التركية”، المتحالف مع “العدالة والتنمية”، على السماح للسوريين بقضاء العيد في بلادهم، وهو ما دفع الحكومة إلى إلغاء الإجازة على الفور، في خطوة أربكت اللاجئين السوريين الذين باتوا ورقة انتخابية مهمة في تركيا، في ظل اتهامات تلاحقهم بإرهاق الاقتصاد والتسبب في زيادة الأسعار.

ولكن الخطة التركية لإعادة مليون سوري إلى بلادهم تصطدم بالعديد من المعوقات، لعل أبرزها الوضع الأمني غير المستقر، إذ ما يزال الشمال السوري يتعرض لقصف جوي ومدفعي من الطيران الروسي وقوات النظام، على الرغم من التفاهمات بين موسكو وأنقرة والتي تحكم الشمال الغربي من سورية منذ مارس/آذار 2020، وفق اتفاق وُقّع في موسكو.

وتخضع إدلب وبعض محيطها لسيطرة فصيل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وهو فصيل متطرف يفرض قوانينه المتشددة على سكان المنطقة، لذا من الصعوبة بمكان عودة لاجئين سوريين إلى الشمال الغربي من سورية من دون أن تكون حياتهم مهددة.

كما عجزت فصائل المعارضة في مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي وفي شرقي نهر الفرات، عن ضبط الأوضاع الأمنية في هذه المناطق التي يتعرض سكانها لتجاوزات متعددة من مجموعات خارجة عن القانون.

ويعدّ غياب الخدمات وفرص العمل من المعوقات الكبيرة أمام عودة اللاجئين، إذ يعاني نحو خمسة ملايين سوري يقطنون مناطق الشمال الآن، من ظروف معيشية خانقة، فالوضع الأمني المضطرب يحول دون إقامة مشروعات اقتصادية توفر فرص عمل لعشرات آلاف العاطلين.

ومن أبرز المخاطر التي تهدد إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، عدم وجود قرار دولي باعتمادها كمنطقة آمنة محظورة على الطيران، الأمر الذي يجعلها عرضة للقصف من النظام وإيران وروسيا.

فالنظام وموسكو يعتمدان أساساً في مواجهة المعارضة على قصف المناطق المدنية والبنى التحتية، وقد قام النظام خلال السنوات السابقة بتدمير مدن بأكملها، من خلال الصواريخ وإلقاء البراميل المتفجرة عليها.

كما استخدمت روسيا مرات عديدة قصف المدنيين كوسيلة للضغط على المعارضة من أجل القبول بقرارات معينة، الأمر الذي يجعل من هذه المنطقة هدفاً مهماً للنظام وحلفائه.

ولا يمكن إغفال تجربة تركيا مع حلفاء النظام، عبر اتفاقات خفض التصعيد التي بدأت بعنوان وقف إطلاق النار، وانتهت بقضم النظام وروسيا معظم المناطق التي سميت مناطق خفض تصعيد.

وفي حال كان تعويل تركيا على انشغال روسي بالحرب في أوكرانيا، فهو تعويل على ظرف مؤقت لا يتناسب مع إنشاء منطقة مستدامة لإعادة اللاجئين، التي تتطلب إعادتهم أن تكون جزءاً من حل سياسي لسورية بإشراف أممي.

وفي هذا الصدد، أوضح الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك “معوقات قانونية” أمام تنفيذ الخطة التركية؛ “سواء في تركيا أو في شمال سورية”، مضيفاً: “إعادة مليون لاجئ ليس سهلاً ويجر إشكاليات على تركيا”.

وتابع: “بعد تسريب فيديو مجزرة التضامن قبل أيام، تأكد أن إعادة السوريين ليست آمنة حتى إلى المناطق التي تشرف عليها تركيا، فلا توجد صيغة لوقف إطلاق النار أو حظر طيران”.

ورأى قربي أن الخطوة التركية “يمكن أن تدفع الدول الأوروبية إلى إعادة لاجئين لديها”، مضيفاً: “المناطق في الشمال السوري ليست آمنة، فهي مهددة من النظام والروس”. وأشار إلى أن “التضييق على اللاجئين ربما يجبرهم على العودة، ولكن لن تكون عودة آمنة”، مضيفاً أن “العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة”.

ولفت إلى إشكالية أخرى وهي “ملكية الأراضي التي تقام عليها البيوت، فهذه قضية ليست سهلة، ويمكن أن تؤدي إلى تغيير ديمغرافي، أو توطين”. وتساءل عن الجهة السورية التي “تعطي الشرعية لهذا الأمر”، مشيراً إلى أن “المجالس المحلية لا تملك هذا الحق. وتأمين التمويل لهذا المشروع أيضاً ليس بالأمر السهل”.

ولفت إلى أن هناك “معوقات أمنية كبيرة، فحتى الجنود الأتراك يتعرضون لهجمات، وقد قُتل وأصيب عدد منهم في الشمال السوري”.

سوريون يعودون من تركيا إلى بلادهم (أليف أوزتورك/ الأناضول)

لجوء واغتراب

عودة السوريين… تركيا تعيد تموضعها واتهامات بترحيل قسري

لا خطط تركية عاجلة للتنفيذ بشمال سورية

وفي السياق ذاته، أكدت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة لـ”العربي الجديد”، أنه “لا توجد خطط جديدة عاجلة للتنفيذ الفوري حول أمن المنطقة، لجهة التواصل مع الأطراف والقوى المعنية”.

وأوضحت أن “تركيا وروسيا متفقتان حالياً على استمرار التهدئة في المنطقة، في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا”، معتبرةً أنه في ظل وجود التوافقات التركية الروسية “فإن النظام غير قادر على تهديد هذه المناطق”.

وأشارت المصادر إلى أنه “لم تجر في الفترة القريبة أي اجتماعات تركية روسية جديدة تخص المنطقة، وهو دليل على استمرار التوافقات السابقة من دون وجود جديد فيها”.

وأوضحت أن “العمل جارٍ من قبل تركيا لتعزيز القيادة الموحدة لفصائل المعارضة السورية في شمال البلاد”، مشيرةً إلى أن “وجود القوات التركية في المنطقة هو عامل ضمان لوحدة هذه الفصائل”.

وأضافت المصادر أن “التحديات الأمنية المرتبطة بالتنظيمات المسلحة وعملياتها تقلق المنطقة، والقوات التركية تبذل جهوداً من أجل منع هذه الخروقات”.

وحول خطط الحكومة التركية حيال العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري، أوضحت المصادر أنه “لا توجد كذلك خطط عاجلة للتنفيذ في هذه المرحلة، سواء في المنطقة الآمنة أو لجهة العودة الطوعية”.

وقالت إنه “لم تصدر تعليمات للمجالس المحلية، ولا للولاة في الولايات التركية المجاورة للمناطق الآمنة عن خطط للتنفيذ الفوري”. وأوضحت أن خطط إعادة نحو مليون سوري “ستكون عبر المؤسسات بشكل متدرج من الأدنى للأعلى”، مشيرةً إلى أنه “من هذه الخطط بناء مزيد من المناطق السكنية وتجهيز بنيتها التحتية”.

وتابعت “ستكون هناك زيارة رفيعة للمنطقة قريباً من أحد الوزراء لتحديد أماكن البناء الجديدة، لبدء المشاريع والخطط المستقبلية للعودة الطوعية”.

وفي الإطار ذاته، أشار الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن إعلان أردوغان منذ أيام خطة لإعادة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يؤكد بأنها باتت آمنة “ليس جديداً”.

وأضاف “إلا أن طرح الأمر بجدية أكبر في التوقيت الحالي أثار الكثير من التساؤلات لأسباب عدة، أولها أن الطرح جاء بعد أيام من زيارته السعودية، وبعد سلسلة القرارات التدريجية التي اتخذتها الحكومة ضد الوجود السوري في البلاد، وكان آخرها منع الراغبين منهم في قضاء إجازة عيد الفطر في مناطق الشمال السوري”.

وتابع: “إلى حد الآن، لا يُعرف بالتحديد المدة الزمنية التي سيتم فيها تنفيذ مشروع العودة الطوعية، كما لم يكشف أردوغان عما إذا كانت الخطة تحظى بتوافق إقليمي ودولي، لاسيما أن سورية لا تزال غير آمنة بحسب تأكيدات الأمم المتحدة”.

ورأى عودة أوغلو أن “تنفيذ الخطة في القريب العاجل صعب جداً بسبب الأوضاع الداخلية في تركيا، وفي مقدمتها استعداد حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة التي تعد بمثابة انتخابات مصيرية للحزب ولمستقبل الرئيس أردوغان”.

العربي الجديد

———————————-

مشروع عودة 1.5 مليون لاجئ سوري حقيقة أم وهم؟/ فراس رضوان أوغلو

لا شك أن التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو المتعلقة باللاجئين السوريين في تركيا، ومقدار استغلال أصحاب المعامل للعمال السوريين تأتي في إطار الحرب الإعلامية والسياسية بين الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة، وهذه المهاترات ليست بالجديدة وحتى الزج بملف اللاجئين السوريين كمادة انتخابية ليس بالجديد، لكن الملفت في تصريحات الوزير هو انتقاده بشكل مباشر لأصحاب رؤوس الأموال (أصحاب المعامل) في استغلالهم للاجئين السوريين، وهذا ينطوي ما ينطوي تحته كثير من التأويلات على أقلها القانونية والمالية بعدم إبلاغ السلطات بعملهم وعدم استخراج أذونات عمل لهم وعدم تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية إلخ.. وهذا يعني أن مساءلة هؤلاء ربما تكون مطروحة على الطاولة، ولكن في الوقت نفسه يقول الوزير في تصريحاته أنه إذا أعدنا هؤلاء السوريين إلى بلادهم فإن أول المعترضين سيكون هؤلاء أصحاب المال والمعامل، وهذا التناقض فيه ما فيه من أبعاد سياسية واضحة وخاصة أنها جاءت بعد تصريحات الرئيس أردوغان حول إعادة توطين السوريين في مناطق شمالي سوريا وهنا تُثار تساؤلات عدة أولها؛ هل يمكن إعادة هؤلاء العمال (اللاجئين) وإثارة غضب أصحاب المعامل ورؤوس الأموال وهم ما لهم من ثقل في الانتخابات سواء المحلية منها والرئاسية؟

الحقيقة الجواب عن هذا السؤال نجده في طيات تصريحات الوزير صويلو نفسها عندما اتهم أصحاب الأموال والمعامل بإثارة ملف اللاجئين السوريين لأغراض سياسية داخلية وشوشرة إعلامية، لأنه إذا غادر وعاد هؤلاء العمال إلى سوريا فلا يمكن إصلاح الضرر الذي سيسببه مغادرتهم لتلك المعامل، ولو أضفنا لذلك الشركات الصغيرة والمشاريع المتوسطة والصغيرة فإن الضرر سيكون أكبر من مطاعم ومحال وحتى أجور البيوت، فمدينة غازي عنتاب وحدها وفق ما صرحت به رئيسة بلديتها فاطمة شاهين فيها أكثر من 900 شركة سورية، وأن السوريين أظهروا كثيرا من المهارة في قطاعي التجارة والصناعة وأنهم لعبوا دوراً مهماً في تنشيط التجارة وفتحوا أسواقا تجارية جديدة، وهذا ما يثير التساؤل الثاني هل يمكن إعادة هؤلاء السوريين الذين لديهم أعمال صغيرة أو متوسطة؟ وكيف يمكن الفصل بين الذين يعملون والذين لا يعملون وخصوصًا أن الأغلبية منهم لا يملكون تصريحات عمل؟

العامل اللوجستي وهو محور السؤال الثالث لأنه لابد من تفاهمات ثابتة بين الفاعلين في الملف السوري (الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وتركيا) من أجل استقرار الأوضاع وضمان عدم حصول اشتباكات أو قصف جوي لتلك المنطقة المزمع إنشاؤها، ولا بد من تفاهم عربي تركي أيضاً في هذا الصدد لما له دور في مستقبل الحل السياسي بين الأطراف السورية، وبما أن تركيا أعلنت عن مشروع إعادة إعمار وتوطين السوريين في مناطق من الشمال السوري فهذا يعني إما أن أنقرة توصلت لتفاهمات مع الجميع في هذا الصدد، أو أنها تغامر في إرساء هذا المشروع في الشمال السوري، أو أنه زوبعة إعلامية لسحب هذا الملف من يدي المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية والمحلية القادمة بعد عام.

أما السؤال الرابع وهو كيفية إنشاء بيئة اقتصادية قادرة على إحياء أكثر من مليون شخص وهذا يتطلب بنى تحتية اقتصادية من بنوك ومؤسسات رسمية معنية بكل نوع من أنواع العمل وكيفية ارتباطها بأوراق رسمية تتبع البلد المصدرة منه إن كان محلياً أو خارجياً، إضافة إلى خطوط نقل لوجستية صغيرة وكبيرة وأيضاً نوع العملة والرقابة الصحية والصناعية والتجارية، وهذا كله يتطلب جهداً ووقتاً وفي حال تظافرت الجهود ستحتاج وقتاً ليس بالقليل، فالأمن وحده ليس كافياً لإنشاء بيئة معيشة قابلة للحياة، ففي البلاد المستقرة لا بد للموارد الاقتصادية أن تكون جاهزة وبشكل واضح وفعلي، فما بالكم في بلد أنهكته حرب وحسابات سياسية لم ترحمه.

يمكن القول إن إعادة أكثر من مليون لاجئ وتهيئة مناخ جيد للحياة أمر ممكن ووارد وهي فكرة ليست بالجديدة، ولكن هل الوضع المعقد للاجئين يسمح وهل الوقت كافٍ وهل الأحزاب السياسية في الداخل التركي لن تستغل وتستخدم هذه الورقة في أمور أخرى وأساليب مختلفة، وهل سيبقى هذا المشروع قائماً في حال فازت المعارضة في الانتخابات المقبلة.

————————–

هل ثمة حقاً هوية سورية في طور التشكل؟/ بكر صدقي

في حوار صحافي تناول فيه موضوع اللاجئين السوريين بأبعاده القديمة والجديدة، قال الباحث التركي المختص في شؤون الهجرة واللجوء مراد أردوغان إن “هناك نزعة قومية سورية قيد التشكل” محذراً من مخاطر التحريض ضد اللاجئين السوريين، من غير أن يفصح عما يقصده من ذلك.

لكن سياق كلامه يفيد أن التحامل التحريضي أو الإجرائي المتصاعد ضد اللاجئين السوريين في تركيا يؤدي إلى تشكل حالة جمعية لدى السوريين (في تركيا) وهو ما قد يتسبب بتوترات بين المجتمعين المضيف والوافد.

ينطوي هذا الحكم على معنى ضمني هو أن السوريين (في تركيا) كانوا، إلى الآن، أفراداً لا رابط يربط بينهم، في حين أن تعرضهم المتصاعد للاستهداف، بوصفهم سوريين، سواء بالكلام التحريضي أو بالإجراءات الإدارية أو بالعنف المباشر، من شأنه أن يحولهم إلى جماعة متماسكة لها ردود أفعال موحدة تجاه الآخرين أي المجتمع المضيف. أي أن ردود الفعل الجمعية التي تحدث من حين لآخر ضد مستهدفين سوريين، قد تستثير ردود فعل جمعية معاكسة من سوريين في منطقة معينة، أو في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، ضد أهداف من المجتمع المضيف. فربما هذا ما قصده الباحث التركي حين تحدث عن “قومية سورية قيد التشكل”.

في جميع الأحوال تثير تلك الجملة المشار إليها مشاعر تتراوح بين الاستغراب والبهجة، أما الاستغراب فهو من استخدام باحث تركي لتعبير “القومية السورية”، الأمر الذي يشير إلى جهل كبير بالنظر إلى عدم وجود شيء كهذا في الواقع السوري، سواء قبل الثورة أو بعدها، إلا في أدبيات الحزب القومي السوري، وهو حزب هامشي كما نعرف. أما إذا كان المقصود هو “قومية سورية” بين اللاجئين السوريين في تركيا فقط، فهذا أكثر إثارة للاستغراب، إلا إذا كان المقصود هو نزعة قومية لدى اولئك اللاجئين بعد تحوّلهم إلى جالية سورية في تركيا تنتمي إلى المجتمع التركي، كما هي حال الكرد او اللاز او الشركس في تركيا على سبيل المثال، وهذا غير متحقق إلى الان.

أما البهجة فسببها أننا كسوريين نعرف أننا لا نشكل جماعة سياسية موحدة يمكن وصفها بالقومية السورية او الأمة السورية، بل ننقسم إلى هويات فرعية متعددة، بينها انقسامات سياسية حادة، سواء لدى سوريي الداخل أو الشتات، ولا شيء يربط بينها كهوية وطنية عليا، سوى الانتماء السلبي الذي هو بحكم أمر واقع لا فكاك منه. من المبهج، والحال هكذا، أن يرى أحد من الخارج وجود هوية جمعية سورية قيد التشكل.

لكن أبرز فكرة يعبر عنها حوار الباحث التركي هي أن القسم الأكبر من السوريين في تركيا سوف يبقى بصورة نهائية، داعياً إلى التكيف مع هذا الواقع بدلاً من الدعوات المتكررة إلى إعادتهم إلى بلدهم، مع الحرص على إيضاح أنه لا يدعو إلى بقاء السوريين كما يتهمه أنصار الترحيل، بل يقر بواقع على الجميع أن يقروا به. فكل حديث عن إعادة السوريين إلى بلدهم يفتقر، برأيه، إلى الواقعية، ويستخدم فقط كمادة للاستثمار السياسي.

الواقع أن الصعوبات الاقتصادية المتفاقمة من جهة، واقتراب الاستحقاقات الانتخابية من جهة ثانية، ووفود موجات جديدة من النازحين من أفغانستان بصورة خاصة، من جهة ثالثة، قد أدت إلى تصاعد نزعات العداء ضد الأجانب، وبخاصة السوريين بوصفهم يشكلون الكتلة الأكبر (3,6 مليون) منهم. وإذا كانت أحزاب المعارضة هي الأكثر إطلاقاً لدعوات الترحيل، فالحكومة تأثرت بدورها من هذا الجو خشية انعكاس سياستها تجاه السوريين في تركيا على شعبيتها الآخذة في التراجع. وكانت أبرز نتيجة لهذا الجو حرمان السوريين من السفر إلى سوريا في عطلة العيد، للمرة الأولى بعد سنوات من تطبيق هذا الإجراء الروتيني. وجاء ذلك بعد تصريح رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع الحكومة دولت بهجلي الذي قال فيه إنه ما من داع لعودة السوريين الذين يذهبون الى بلدهم في عطلة العيد. كذلك غير الرئيس اردوغان من موقفه القائل “لن نرحّل السوريين” ليقول مؤخراً “سيعود قسم كبير من إخوتنا السوريين إلى بلدهم حين تتحقق الشروط الامنة لعودتهم الطوعية”.

أما صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة فقد نشرت مؤخراً خبراً أسندته الى مسؤولين لم تسمهم جاء فيه أنه ستتم إعادة مليون ونصف الى مليونين من السوريين في غضون سنتين على أن يتم إسكانهم في مناطق سكنية يتم بناؤها بتمويل دول خليجية. بصرف النظر عن صحة هذا المشروع من عدمها فالخبر الذي أثار المخاوف بين سوريي تركيا هو وسيلة من وسائل امتصاص الضغط المعارض على الحكومة بشأن موضوع اللاجئين.

في هذا الجو المشحون بالتوتر، قليلة هي الأصوات العاقلة التي تدعو الأتراك إلى التصالح مع واقع أن معظم السوريين سيبقون في تركيا بصرف النظر عن احتمالات انتهاء الصراع في سوريا وعودة الحياة الطبيعية فيها، وأن الحل الوحيد للتوترات القائمة والمحتملة هو وضع خطة متكاملة لإدماج السوريين في المجتمع التركي. الباحث مراد أردوغان المشار إلى حواره الصحفي هو واحد من هؤلاء القلة.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

——————————–

اللاجئون السوريون والإشارات التركية الأولى نحو التطبيع مع نظام الأسد/ رياض معسعس

منذ بدء الثورة السورية ضد نظام الأسد لم يتوقف سيل المهاجرين السوريين الجارف خارج الحدود السورية بكل الاتجاهات شمالا شرقا وجنوبا، وإلى مسافات بعيدة أوربية وعربية هربا من القتل والتجويع، وأنى حلوا أو رحلوا يواجهون المتاعب في مهاجرهم من شظف عيش تحت خيام لا تقي حرا ولا قرا، وضيق ذات اليد، والتضييق عليهم من قبل السلطات، أو معاداة المجتمعات التي تضيق بهم ذرعا في هذا البلد أو ذاك، ويعيشون خوف العودة قسرا وعسرا إلى بلدهم الذي هربوا منه، والعودة إلى المعاناة في المربع الأول.

لا شك أن تركيا تتحمل العبء الأكبر من اللاجئين السوريين الذين وصلت أعدادهم ما يقارب الأربعة ملايين حسب الاحصائيات الرسمية حصل، حوالي ربع مليون منهم على الجنسية التركية، ويساهمون في اقتصاد تركيا بنشاطات تجارية واستثمارية عديدة، وما تبقى فهم في إقامة مؤقتة (الكيمليك)، قسم كبير منهم يعمل في مجالات مختلفة لدى مؤسسات وشركات تركية، وقسم اتخذ من تركيا موطئ قدم للهجرة إلى أوربا. وسيل اللاجئين الجارف لم يتوقف باتجاه تركيا. وزير الداخلية التركي سليمان صويلو يقول: ” لقد منعنا 450 ألف لاجئ سوري من دخول الأراضي التركية العام الماضي. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي تم منع دخول 120 ألفا أيضا. ولو لم نتخذ تدابير حدودية إضافية لكان عدد اللاجئين السوريين وصل إلى 10 ملايين لاجئ اليوم. ومازال عشرات الآلاف على الحدود ينتظرون اللحظة المناسبة للدخول إلى تركيا”..

هذا الوضع بشكل عام لا يواجه بترحيب كبير من قبل أحزاب المعارضة التركية التي تريد أن تتخذ من ملف اللاجئين السوريين ورقة ضغط على حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتطلع إلى الفوز بالانتخابات المقبلة والمحافظة على الحكم في تركيا. وبدأت تتعالى أصوات تطالب برحيل السوريين كما حصل في لبنان التي يذكر الرئيس ميشيل عون بكرة وأصيلا أن على السوريين العودة إلى بلدهم الذي أصبح “آمنا”، وكذلك الدانمارك.

إزاء ضغوط المعارضة التركية التي أصبحت كسيف ديموقليطس على رقبة نظام حزب العدالة والتنمية، وتهدده في شعبيته بدأت الحكومة في تركيا عملية تضييق على اللاجئين. إذ وجد بعض ممن كانوا قد سجلوا على موعد للعبور نحو سوريا لقضاء إجازة عيد الفطر هناك، رسائل تفيد بإلغاء موعد العبور من خلال بوابات الجمارك التركية، وهذا يعني أن الحكومة التركية عازمة على منع السوريين من الانتقال إلى سوريا لقضاء الإجازة خلال عيد الفطر. وزير الداخلية سليمان صويلو أكد ما أشيع بقوله:” ألغينا قرارات السماح للاجئين بالدخول إلى سوريا خلال عطلة الأعياد والعودة مجددا إلى تركيا. من يغادر سيبقى في المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية”. وكان زعيم “حزب الحركة القومية” التركي، دولت باهتشلي أول من أثار هذه القضية بقوله إن “اللاجئين السوريين الذين يمكنهم الذهاب إلى بلدهم خاصة في الأعياد، غير مضطرين للعودة”، وهذا فيه تحول واضح في السياسية التركية تجاه اللاجئين السوريين، فخلال إجازة عيد الأضحى الماضي دخل عبر المعابر الثلاثة (باب الهوى، وباب السلامة، وجرابلس) أكثر من 90 ألف لاجئ سوري. وهذا يخالف تماما الثوابت التي شدد عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال: “لسنا من يبعد اللاجئ السوري رغما عنه. أنفقنا المليارات وبمقدورنا أن ننفق مليارات أخرى طالما أننا قررنا احتضان اللاجئ كأنصار نستقبل المهاجرين”. الخطوة التركية هذه ستفسح المجال واسعا أمام الدول الأخرى التي تستقبل لاجئين سوريين وخاصة لبنان والأردن اللتين أشارتا أكثر من مرة رغبتهما في التخلص من اللاجئ السوري، ولكن كيف؟ هل يجرون السوريين كالقطعان ويرمونهم خلف الحدود؟ المسألة ليست بهذه السهولة وستعطي ورقة رابحة للنظام السوري الذي سيطالب فورا برفع العقوبات ليتمكن من استيعاب عودة اللاجئين إلى ديارهم المدمرة أصلا، وهناك يضيف شرطا آخر وهو بدء إعادة الإعمار، وباختصار عودة النظام إلى منظومة المجتمع الدولي ويساعده في ذلك ضغوط بعض الدول العربية.

على هامش ملف اللاجئين السوريين في تركيا الذي يشهد تحولا في الموقف التركي تجاهه، نشهد في الآونة الأخيرة تحولا آخر تجاه نظام الأسد نفسه الذي ظلت تركيا توصد بابها في وجهه، وتدعم المعارضة السياسة والعسكرية ضده. هذا التحول جاء بعد التطبيع مع دول أخرى كانت تركيا في قطيعة معها وهي دولة الإمارات، وإسرائيل بعد أن قام محمد بن زايد، وإسحق هرتزوع بزيارة أنقرة، والنظامان في أبو ظبي وتل أبيب يسعيان في تعويم نظام الأسد، وبالطبع لم يرشح عن طبيعة المحادثات بين قادة الدول الثلاث سوى التصريحات المعهودة للاستهلاك الإعلامي ولكن يمكن التكهن. فتصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأنه يمكن لبلاده أن تتعاون مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في قضايا الإرهاب بقوله: ” نرى أنه من المفيد التعاون مع نظام الأسد من دون الاعتراف به”. وأكد أوغلو، أن بلاده تدعم وحدة الأراضي السورية، مشيراً إلى أن الجيش السوري بدأ، في الفترة الأخيرة، بمحاربة “وحدات حماية الشعب”، أكبر مكونات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي قال إنها “تخطط لتقسيم سوريا. وأن هذه الموضوعات تُعنى بها أجهزة الاستخبارات، ولذلك فقد جرت لقاءات على مستوى استخباراتي بين البلدين في الماضي”. بمعنى آخر هناك تبادل في المصالح، فالنظام السوري وخلال سنوات لم يشتبك مع ( قسد) بل هو الذي كان يدعم وجودها للضغط على تركيا من جهة، ومنع المعارضة السورية المسلحة من الاستيلاء على المنطقة، وعملية تقسيم سوريا بدأها النظام بنفسه برفضه كل القرارات الأممية الخاصة بسوريا والجلوس على طاولة مفاوضات مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي قائم على قرارات جنيف وخاصة القرار 2254، والتوقف عن تسويف اجتماعات اللجنة الدستورية لإنهاء الأزمة السورية. لكن المسألة ليست بهذه السهولة بوجود الحامي الأمريكي “لقوات سوريا الديمقراطية” وغير مسموح لتركيا، أو المعارضة المسلحة، أو لقوات النظام بالتمدد في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها. ويبدو أن الجميع يلعب بالورقة السورية والوضع الراهن مرشح حاليا بالاستمرار، خاصة وأن المعارضة السورية لم تقنع أحدا من الفاعلين إقليميا ودوليا أن تكون طرفا في المعادلة وهذا ما اكتشفته مؤخرا وقامت بمحاولة “تنظيف” البيت الداخلي للائتلاف الوطني السوري وهذه العملية جاءت متأخرة جدا بعد أن فات القطار.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

اللاجئون السوريون في البازار السياسي التركي/ عمر كوش

يعيش اللاجئون السوريون في تركيا حالة من الترقب والقلق، بعد أن أصبحوا مادة رائجة في مزايدات البازار السياسي، الذي افتتحته الأحزاب والقوى السياسية التركية مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات العامة، المزمع إجراؤها في 23 يونيو/ حزيران 2023، بعد أن أصبحت مسألة اللجوء السوري مادّة للحديث اليومي في مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية، والشغل الشاغل لعديد من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والموضوع البارز في خطابات (وحملات) معظم قادة أحزاب المعارضة التركية، الذين طالبوا، في أكثر من مناسبة، بترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وذلك بعدما حمّلوهم مسؤولية أزمات تركيا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل ووصفهم بعض قادتها المتشدّدين بالمتسوّلين والطفيليين والهاربين من بلادهم وفاقدي الشرف.

وفي هذه الأجواء السياسية المشحونة، تزداد مخاوف اللاجئين السوريين على مستقبلهم، خصوصا مع تنفيذ السلطات التركية إجراءاتٍ تبدو في ظاهرها تنظيمية، مثل خطة “مكافحة التركيز المكاني”، التي تضمّنت وقف تسجيل الأجانب، ومن بينهم السوريون، في 16 ولاية، ووقف منح الإقامات وعدم تجديدها في أحياء ومناطق معينة، وخصوصا في مدينتي إسطنبول وأنقرة، إلى جانب القيام بإجراءات تثبيت قيود نفوس السوريين المشمولين بقانون الحماية المؤقتة، وملاحقة الذين يقيمون في ولاياتٍ غير تلك التي استخرجوا منها بطاقاتهم، حيث ترافق تنفيذ هذه الإجراءات مع عمليات ترحيل بعض المخالفين إلى الشمال السوري.

على الرغم من أن الإجراءات التركية تبدو وكأنها روتينية، غايتها ضبط أماكن وجود الأعداد الكبيرة من السوريين على الأراضي التركية، فإن توقيتها وطريقة تنفيذها يشيران إلى وجود استغلال سياسي لملف اللاجئين، من جهة سعي الحكومة التركية إلى الظهور بمظهر المتشدّد والقادر على إدارة هذا الملف، بغية سحب ورقة تداوله من المعارضة في البازار السياسي، وخصوصا أن تلك الإجراءات دفعت قسماً من السوريين، ممن ضاقت بهم سبل العيش، إلى العودة مرغمين إلى مناطق غير آمنة في سورية، فضلاً عن عمليات الترحيل التي يقوم بها بعض موظفي دائرة الهجرة، وتجري تحت مسمّى العودة الطوعية. والأهم أن تلك الإجراءات تأتي بعدما حوّلت أحزاب المعارضة، وخصوصا حزب الشعب الجمهوري ومعه الأحزاب القومية المتشدّدة، قضية اللاجئين السوريين إلى مادّة للمناكفات السياسية مع حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، بغية تسجيل النقاط عليه في حلبة الصراع على السلطة.

وتظهر المناكفات السياسية بين الأحزاب التركية بشأن ترحيل السوريين غياب برامج انتخابية حقيقية للأحزاب التركية، كونها محمولة على حالة الاستقطاب الشديد الذي تعيشه تركيا، ويلجأ فيها السياسيون إلى تبنّي خطاب قومي شعبوي، يجري توظيفه من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وباعتبار أن اللاجئين هم الحلقة الأضعف، ولا تجد من يدافع عنها في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية المعارض أو غيره، فإنهم من أكبر المتضرّرين منها، حيث يساهم تحويل اللاجئين السوريين إلى مادّة للدعاية الانتخابية وللمناكفات السياسية في زيادة الضغوط عليهم في الشارع التركي، والتي يجسّدها تصاعد موجات الخطاب العنصري المعادية لهم، وتجد صداها في اعتداءات ومضايقات يتعرّضون لها في مناطق عديدة يوجدون فيها، وذلك في ظل عدم وجود وضع قانوني يحميهم، ويُشعرهم بالاستقرار والتكيف مع وجودهم في تركيا.

وقد أفضى التوظيف الانتخابي لورقة اللاجئين السوريين إلى توافق سياسي تركي غير معلن بين المعارضة والحكومة، بشأن ضرورة إعادتهم إلى بلادهم، حيث كان قادة حزب العدالة والتنمية في السنوات السابقة ينتقدون تصريحات قادة أحزاب المعارضة على مواقفهم من اللاجئين، إلا أنهم باتوا يتبنّون الموقف نفسه منهم، وينطقون بخطابٍ مقارب. والأمر نفسه ينحسب على قطاعاتٍ واسعة من الشعب التركي، حيث أظهرت استطلاعات للرأي أجريت أخيرا أن نسبة كبيرة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وأنصاره تطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم.

وفيما تستخدم أحزاب المعارضة، وخصوصاً التي تتبنّى أطروحات قومية متشدّدة، خطاباً تحريضياً شعبوياً، ينهض على المطالبة بترحيل السوريين وطردهم من تركيا، فإن الحزب الحاكم أيضاً بات يتحدّث عن إعادتهم “فور الانتهاء من بناء بيوت الطوب” في الشمال السوري، حسبما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع أنه تحدّث عن جهود قصوى تبذلها الحكومة التركية “من أجل ضمان العودة الطوعية والكريمة لأشقائنا وأخواتنا السوريين”، في محاولةٍ لإقناعهم بالعودة الطوعية المستحيلة وفق واقع الحال السوري غير الآمن.

وليس خافياً أن الحكومة التركية بدأت، منذ مدة ليست قصيرة، بمراجعة “سياسة الباب المفتوح”، التي كانت تتبعها حيال اللاجئين السوريين، وذلك على خلفية الضغوط الكبيرة التي مارستها أحزاب من المعارضة التركية، مستغلة الصعوبات الاقتصادية التي تعصف بتركيا، حيث لم يوفر أغلب مسؤوليها فرصةً إلا استهدفوا فيها اللاجئين السوريين، في إطار توظيف مسألة وجودهم سياسياً خدمة لحسابات مصالحهم وأجنداتهم الحزبية. كما لم يتوقف زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو عن تكرار وعوده بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في حال وصول حزبه إلى السلطة، وذلك ضمن خطة يزعم أنها جاهزة لديه، وتقضي “بإرسالهم إلى سورية بالطبل والزمر خلال عامين فقط، بعد فتح السفارات والتصالح مع نظام الأسد”.

وعلى الرغم من رفض جمعيات حقوقية ومدنية تركية الاستغلال السياسي لقضية اللاجئين، إلا أن أحزاباً تركية تصرّ على تجريدها من جانبها الإنساني، وإقحامها في المعترك السياسي، حيث تمكّنت المعارضة التركية من تحويلها إلى مسألةٍ وطنية، ومن استثمارها سياسياً في إطار صراعها على السلطة مع حزب العدالة والتنمية، وذلك بعدما جرّدتها من أي بعد قانوني وأخلاقي، متخلية عن أبسط القيم الإنسانية، فيما ذهب بعض مسؤوليها وقادتها إلى تسويق افتراءات وأكاذيب بشأن اللاجئين السوريين، وتحميلهم مسؤولية الفقر والبطالة وتردّي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي أفضى إلى إثارة حملاتٍ معاديةٍ وكارهة لهم وتسعيرها في الشارع التركي.

لقد أقحمت مسألة الوجود السوري في مزايدات البازار السياسي لانتخابات 2023 التي تقوم بها مختلف الأحزاب التركية، في محاولةٍ منها لاستمالة الناخب التركي، واستثمار الأزمة الاقتصادية التي أفضت إلى تدهور الأوضاع المعيشية لعامة الأتراك، والزعم أن تبعاتها يتحمّلها المواطن التركي بسبب عشرات مليارات الدولارات التي صرفت على اللاجئين، وأفضت إلى استنزاف الخزينة التركية، في حين أن وزيرة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية السابقة زهراء زمرد سلجوق أقرّت بأن كل المساعدات المقدّمة إلى اللاجئين السوريين مموّلة من الاتحاد الأوروبي، ولم تنفق الدولة التركية شيئاً من الموارد المالية المخصصة للمواطنين الأتراك.

ليس البازار الانتخابي المكان المناسب لحلّ قضية اللاجئين السوريين في تركيا أو في سواها من بلدان الشتات السوري، بل في إيجاد حل سياسي للقضية السورية، والذي تقع مسؤولية الوصول إليه على كل القوى المتدخلة في الشأن السوري، التي كان لها الدور الأساسي في تحويل مطالب الحرية والتغيير إلى كارثة إنسانية، أحد مظاهرها قضية اللاجئين في دول الجوار السوري وسواها، والتي لا يمكن حلها إلا في توفير بيئةٍ آمنةٍ تضمن عودتهم إلى بلادهم بسلام، ووقتها لن يكونوا في حاجة إلى الطبل والزمر الذي يعدهم به كلجدار أوغلو.

العربي الجديد

——————————

=================

تحديث 12 ايار 2022

———————-

موضوع الساعة في تركيا: إعادة اللاجئين السوريين!/ بكر صدقي

عاد موضوع اللاجئين السوريين إلى صدارة النقاش السياسي في تركيا، وتشارك في هذا النقاش جميع الأحزاب السياسية، في السلطة والمعارضة، وكذلك عموم الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي واستطلاعات الرأي.

رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان تطرق إلى الموضوع أربع مرات في غضون شهرين، تغيرت فيه وجهة كلامه في كل مرة. من «نحن لن نعيد أخوتنا اللاجئين» إلى «لا بد من عودة قسم منهم» إلى «سنعيد مليون لاجئ سوري بصورة طوعية» إلى «لن نتخلى عن أخوتنا السوريين»! وفي أعقاب كل تصريح تأتي ردود الفعل من المعارضة والرأي العام اكثر تشنجاً باطراد، وصولاً إلى التحذير من «احتلال صامت» للأراضي التركية بواسطة اللاجئين السوريين.

قبل أسبوعين نشر فيلم وثائقي على إحدى قنوات يوتيوب حمل هذا العنوان» «الاحتلال الصامت» أعلن زعيم حزب النصر أوميد أوزداغ أنه هو الذي موّل الفيلم ووافق على نص السيناريو.

«يتنبأ» الفيلم بأن العرب هم الذين سيشكلون الأكثرية في تركيا 2043، ويشكلون الطبقة الحاكمة والمالكة فيها، في حين ستكون «الأقلية التركية» في مرتبة الخدم وعمال النظافة في مؤسسات يملكها عرب، وسيختبئ الشبان الأتراك من مطاردة قبضايات الحارات العرب تجنباً لأذيتهم.

على رغم سذاجة وفقر المحتوى الفني للفيلم، فقد حقق نسبة عالية من المشاهدات، والأهم من ذلك أنه استطاع أن يفرض على الرأي العام تعبير «الاحتلال الصامت» الذي أخذ يتردد على ألسنة صناع رأي يظهرون على شاشات التلفزيون، ولا يخطر في بالهم أن يتذكروا أن جيش بلادهم موجود في مناطق شاسعة من بلد هؤلاء اللاجئين. بل أكثر من ذلك: أحزاب المعارضة التي تنتقد الحكومة ليلاً ونهاراً لأنها ابتلت تركيا بعبء اللاجئين، صوتت في البرلمان على قرارات تخوّل الجيش التركي التوغل داخل الأراضي السورية، فهي لا ترى أي تناقض بين الموقفين!

وحده حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) يربط بين الأمرين لأسباب مفهومة، وهو أكثر اعتدالاً في موقفه من اللاجئين السوريين. أما حزب المعارضة الرئيسي «الشعب الجمهوري» فهو كان ضد التدخل التركي في الصراع السوري منذ البداية، وموقفه أقرب إلى موقف نظام بشار، وأرسل إليه وفوداً اجتمعت به في دمشق منذ العام 2011. لكنه أيد الحكومة في استهداف مناطق «الإدارة الذاتية» لكنه في آخر مرة صوت فيه البرلمان على «تمديد مهمات الجيش التركي خارج الحدود» صوّت بالرفض للمرة الأولى، في مسعى منه للإبقاء على جسور تواصل مع حزب الشعوب الديمقراطي. أما في موضوع اللاجئين السوريين فرئيس الحزب كمال كلجدار أوغلو يعد ناخبيه في كل مناسبة بإعادتهم «الطوعية» إلى بلادهم، و«سنودّع أخوتنا السوريين بالطبل والزمر»!

غير أن أوميد اوزداغ الذي انشق عن «الحزب الخيّر» ذي التوجه القومي، وأسس حزبه الخاص، حزب النصر، قد تفوق على جميع المطالبين بترحيل اللاجئين السوريين لأن البرنامج السياسي لحزبه يكاد يقتصر على هذا الهدف! ويرى مفوّهو هذا الحزب أن الموضوع لا يتعلق بنزعة عرقية أو قومية بل بإنقاذ البلاد من احتلال أجنبي يتم تنفيذه عن طريق إغراقها بملايين اللاجئين، سوريين وعراقيين وأفغاناً وباكستانيين وغيرهم. فهم يخرّبون «النسيج الاجتماعي» ويشكلون خطراً على «البنية الثقافية والأخلاقية للمجتمع التركي». ولا يكمن الحل في إدماجهم بل في ترحيلهم حتى لو كانت غير طوعية وفي شروط غير آمنة.

لم يمض على تأسيس الحزب عام واحد بعد، لكنه تمكن في فترة قياسية من إشغال الرأي العام بخطابه المعادي للاجئين، السوريين خصوصاً نظراً لأنهم يشكلون القسم الأكبر منهم. هو إذن حزب صغير لكن فعله كبير كما يقال. أحد أسباب نمو تأثير الحزب هو أنه يتنافس في موضوع اللاجئين مع أحزاب أخرى لا تتمتع بصراحته في استهداف اللاجئين وإن كانت تشاركه في الهدف، أي انه الأكثر شطارة في هذا الملعب. السبب الآخر هو أن السلطة تتصرف وتتكلم في موضوع اللاجئين كطرف أضعف وبخطاب تبريري غالباً، بدلاً من أن تمسك بزمام المبادرة وتنتج حلولاً بدلاً من إدارة الأزمة. بل أكثر من ذلك نراها تخضع لضغوط المعارضة أحياناً وعينها على استطلاعات الرأي التي تُجمِع على تراجع شعبيتها، فتتصرف برائز الانتخابات القادمة بعد عام.

نادرون هم المثقفون أصحاب الضمير الحي الذين يتناولون موضوع اللاجئين بموضوعية، فيربطون بين عبء اللاجئين بتدخل تركيا في الصراع السوري من جهة، وبالرضوخ لمطالب الدول الأوروبية من جهة أخرى. وهم قبل هذا وذاك يطالبون بالاعتراف بحقيقة أن القسم الأكبر من اللاجئين سوف يبقى في تركيا، فقد مضى على وجودهم ما بين 11 ـ 8 سنوات، وأسسوا حياة جديدة، وثمة جيل كامل ولد في تركيا ولا يعرف غير اللغة التركية، ولم ير البلد الأصلي لأهله أبداً.

بعد هذا الاعتراف، على تركيا أن تنهي اتفاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بشأن احتجاز اللاجئين السوريين مقابل تقديم مساعدات، وتنقل هذا الموضوع إلى المجتمع الدولي الذي يجب أن يتشارك هذا العبء إضافة إلى التشارك في إيجاد خل سلمي للصراع في سوريا. وعليها أيضاً سحب قواتها من الأراضي السورية. بمجموع هذه الخطوات يمكن أن يوضع موضوع اللاجئين على سكته الصحيحة. أما ما تطرحه السلطة والمعارضة حول مختلف صيغ ترحيل اللاجئين السوريين فمن شانه أن يزيد الأمور تعقيداً ويفتح الباب أمام توترات اجتماعية داخل تركيا لن يخرج منها أحد رابحاً.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

خيبة أمل متبادلة بين الإسلاميين وإردوغان/ د. عماد بوظو

تبنّى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال الأشهر الماضية مجموعة من السياسات التي تتناقض جوهريا مع سياساته السابقة، تظاهرت في التودّد إلى دول الخليج وكانت البداية بتنظيم استقبال حافل لولي عهد أبوظبي اعتبره كثيرون سابقة في البروتوكول التركي، وردّت الإمارات الحفاوة بمثلها عند استقبال إردوغان في منتصف فبراير الماضي.

بينما لم يكن من السهل ملاحظة هذه الحفاوة عندما ذهب الرئيس التركي إلى السعودية قبل بضعة أيام فقد كان في استقباله في المطار أمير منطقة مكة وكان في وداعه نائب هذا الأمير، كما أكّد الإعلام السعودي لعدة مرات أن هذه الزيارة كانت بطلب من إردوغان استجابت له المملكة!.

ومنذ أكثر من سنة وإردوغان يبذل محاولات لا تتوقّف للتودّد إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فأوقف عدة برامج سياسية للمعارضة المصرية كانت تبثّ من تركيا، ثم منع بعض المعارضين المصريين من التعبير عن آرائهم حتى على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت آخر هذه الإجراءات إغلاق قناة مكمّلين بشكل تام، وهي كانت بمثابة القناة الرئيسية للمعارضة المصرية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، كما تحدثت مصادر صحفية عن ترحيل تركيا لمعارضين مصريين وناشطين فلسطينيين لهم علاقة بحركة حماس ومنع دخول آخرين إلى تركيا، ورغم ذلك يبدو هذا غير كاف عند الحكومة المصرية وأن هناك مطالب أخرى لم يتم تنفيذها بعد.

وفي نفس الوقت، عمل إردوغان على تحسين علاقته مع إسرائيل وتوّج ذلك باستقبال الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، في تركيا خلال شهر مارس الماضي في أول زيارة من نوعها منذ 14 عاما.

وقال إردوغان خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الإسرائيلي أن تركيا تريد التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة والاقتصاد والدفاع وأن العلاقات الحسنة بين البلدين مهمة جدا لنشر السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي أحدث خطوة على مسار تحسين العلاقات مع إسرائيل أرسل إردوغان، في الخامس من شهر مايو الحالي، رسالة تهنئة للرئيس الإسرائيلي، وقال: “بمناسبة عيد الاستقلال أتمنى باسمي واسم أمّتي السعادة والازدهار لشعب إسرائيل”.

واحتار الإسلاميون في كيفيَة تبرير تقلّبات مواقف إردوغان، فهم لا يستطيعون مهاجمته ولا حتى انتقاده، لأنه النموذج الوحيد المتبقّي من حكم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية باستثناء نظام ولاية الفقيه في إيران ونظام طالبان في أفغانستان اللذان يعيشان في عصر آخر غريب وبعيد تماما عن عالم اليوم.

كما أنهم لا يريدون الاعتراف بأنّ هذا الزعيم براغماتي إلى درجة التضحية بكل الاعتبارات المبدئيّة والأيديولوجية حتى يبقى في السلطة، وقد شرح أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية هذه البراغماتية بقوله: “لقد تظاهرنا بالنزعة الإخوانية أكثر من الإخوان، وبالموضوع الفلسطيني كنّا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، بينما كان الإخوان بالنسبة لإردوغان مجرّد لباس كهنوتي يرتديه هذا البراغماتي، وبنفس الطريقة كان يستغلَ القومية التركية حتى يبني في النهاية دولة الرجل الواحد الذي يقود البلاد نحو الهاوية”.

ووصل استخدام العامل القومي عند إردوغان إلى أوجه في تحالفه مع حزب الحركة القومية الذي يتبنى أفكارا عنصرية خصوصا تجاه العرب والأرمن والأكراد والذي يؤمن بتفوّق العنصر الطوراني، رغم أنه من الصعب التوفيق بين هذه التوجهات وبين حزب إسلامي يدعو إلى إحياء خلافة على أساس ديني.

كما حاول مستشار سابق لإردوغان وصف الدرجة المبالغ فيها من البراغماتية التي وصل إليها وما يرافقها من تبدّل في المواقف، عندما قال إن “إردوغان مولع بالاستعراضات وبالانقلاب الدراماتيكي في المواقف السياسية وتغيير الرهانات”.

كما أن الإسلاميين لا يريدون الاعتراف بأن إردوغان في حالة ضعف وعزلة في الداخل والخارج بعد أن كانوا يروجون له كأسد الإسلام، رغم أن ضعفه قد وصل إلى درجة من الصعب إخفاؤها خصوصا عند مقارنتها مع إردوغان قبل بضع سنوات فقط، عندما كان يطرح نفسه كزعيم أوحد للمسلمين.

وفي نفس الوقت لا يريدون الاعتراف بأن أحزاب الإسلام السياسي كذلك في أضعف حالاتها وأنها أصبحت عبئا على إردوغان، بعد أن كانت عامل قوة يوظّفه لحسابه إقليميا ودوليا، خصوصا مع ظهور خلافات علنية عندها في محاولة لتحميل فشل التجارب السابقة كان آخرها في تنظيم الإخوان المسلمين المصري والتي وصلت حد الانشقاق، ومع فشل الإسلاميين في مصر وتونس والمغرب، تحوّلوا عند إردوغان إلى ورقة تفاوض أو سلعة يعرضها للبيع في سبيل التودّد إلى بعض الحكومات العربية.

ولم يكن أمام الإسلاميين من طريقة لتبرير تقلبات إردوغان سوى القول إنه رئيس دولة وعليه أن يتبنى السياسات التي تحقق مصالح شعبه، وهذا يعني اعترافا ضمنيا بأن مصلحة الشعب التركي تتطلب وجود علاقات حسنة مع محور الاعتدال العربي ومع إسرائيل ذاتها، وهنا يبرز تساؤل طبيعي هل على الإسلاميين العمل على بناء علاقات حسنة مع إسرائيل إذا كانت مصلحة الشعب المصري أو الفلسطيني أو الأردني تتطلّب ذلك؟

وتبقى المشكلة الحقيقية في أن سياسات إردوغان الجديدة وكل التنازلات التي قدّمها قد لا تحقق له أي فائدة، فتبادل رسائل التهنئة مع إسرائيل واستقبال الرئيس الإسرائيلي ليس من المؤكد أن تؤدي إلى تحسين صورته في الولايات المتحدة، هذا إذا سلّمنا، كما يقول المولعون بنظرية المؤامرة، بأن اللوبيات الإسرائيلية تتحكَم بالسياسة الأميركية وهو أمر غير دقيق وساذج رغم هيمنته على عقل معظم السياسيين في الشرق الأوسط.

كما أن التقرّب من دول الخليج لا يضمن استثمار الصناديق السيادية الخليجية في تركيا، لأن مثل هذه المواضيع تخضع للاعتبارات الاقتصادية قبل السياسية، لذلك مهما تودّد إردوغان لهذه الدول فإن استثمار مبالغ كبيرة في تركيا يتطلّب قناعة بوجود استقرار سياسي وانتعاش إقتصادي، وهذا ليس حال تركيا خلال الفترة الماضية.

فقيمة عملتها في تراجع مستمر وعلاقتها مع أوروبا وبقية دول الغرب تنتقل من أزمة إلى أخرى توّجت قبل أيام بالحكم على الناشط، كافالا، بالسجن المؤبّد مما دفع دول الغرب لتبنّي سياسات متشددة تجاه تركيا عبّر عنها البرلمان الأوروبي الذي أدان هذا الحكم وقال إن تركيا قد قضت على كل أمل في استئناف عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي.

ولعل السبب الرئيسي في عدم نجاح سياسات الرئيس إردوغان الجديدة هي أن له عدد قليل جدّا من الأصدقاء بين القادة الإقليميين والعالميين، وأن الجميع لا يأخذ بجديّة وجود تحوّل حقيقي في سياساته، وينظرون إليه كشخص نرجسي براغماتي لا يهتم سوى بنجاحه ومجده الشخصي وأن عمليات التودد التي يقوم بها الآن ليست سوى خطوات تكتيكية يتأمل بأن تساعده بالفوز في انتخابات العام المقبل وبعدها لن يستغرب أحد عودته لسياساته السابقة وخطاباته الشعبوية ولهذا لا يظهرون حماسا للتجاوب معها.

الحرة

——————————–

مشروع عودة مليون سوري.. دلالات التوقيت وفرص النجاح/ سعيد الحاج

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثالث من أيار/مايو الجاري إن حكومة بلاده بصدد الإعداد لمشروع يتضمن عودة طوعية لمليون من السوريين المقيمين حاليًّا على الأراضي التركية.

التوقيت والدلالات

ذكر الرئيس التركي، في كلمة له بمناسبة تسليم عدد من البيوت للسوريين في إدلب السورية، أن ما يقرب من نصف مليون سوري قد عادوا لبلادهم منذ 2016، وهي السنة التي بدأت فيها تركيا عملياتها العسكرية في الشمال السوري وأعلنت أن من ضمن أهدافها توفير بيئة آمنة لعودة بعض السوريين المقيمين على أراضيها. وأعلن أردوغان إنجاز 57 ألفًا و306 منازل في الشمال السوري حتى اللحظة ضمن حملة تستهدف بناء 77 ألف منزل بدعم من منظمات مجتمع مدني وتنسيق إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) التركية.

    حديث أردوغان عن مشروع إعادة السوريين ليس مدفوعًا فقط بضغوط المعارضة وإنما كذلك بموقف حليفه الرئيس، دولت بهتشلي، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية صيف العام المقبل، التي توصف بالمصيرية والمفصلية والحاسمة.

وفي تفاصيل المشروع، أوضح أردوغان أنه سينفذ في 13 منطقة في مقدمتها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية فيها، كما بيّن أن المشروع لا يقتصر على بناء المنازل وإنما يشمل توفير بيئة حاضنة وجاذبة للسوريين، بحيث يشمل “بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع” مثل المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، فضلا عن الاكتفاء الذاتي اقتصاديًّا من زراعة وصناعة وما إلى ذلك.

وفي حديث له، أوضح وزير الداخلية سليمان صويلو أن بلاده ستنهي بناء 100 ألف منزل في إدلب مع نهاية العام، في حين يهدف المشروع المذكور إلى بناء زهاء 250 ألف منزل لإيواء مليون عائد، وأن المنازل ستكون بمساحات 40 و60 و80 مترًا مربعًا، وبتمويل من المنظمات الإغاثية الدولية، وفي مقدمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

اللافت أن حديث أردوغان عن المشروع أتى بعد أيام قليلة فقط من رده على المعارضة المنادية بإعادة السوريين إلى بلادهم خلال سنتين إن فازت بالانتخابات المقبلة، متحديًا بأنه “لن يرسل السوريين”. الكلام أتى أيضًا بعد تصريحات من رئيس حزب الحركة القومية، حليف العدالة والتنمية، دولت بهتشلي، قال فيها إن الهجرة غير المنظمة “غزو باسم مختلف”، مطالبًا بعدم السماح للسوريين بالذهاب لزيارة الشمال السوري في إجازة العيد، الأمر الذي طالما أثار اعتراضات في تركيا.

وعليه، يمكن القول إن حديث أردوغان عن مشروع إعادة السوريين ليس مدفوعًا فقط بضغوط المعارضة وإنما كذلك بموقف حليفه الرئيس، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية صيف العام المقبل، التي توصف بالمصيرية والمفصلية والحاسمة.

إذ يتصدّر السوريون مع الاقتصاد الملفات المتداولة بين التحالف الحاكم والمعارضة في خضم الحملات الانتخابية التي يمكن القول إنها بدأت بشكل غير رسمي. وما زال العدالة والتنمية يتذكر تراجعه النسبي -رغم حلوله أولًا- في الانتخابات البلدية الأخيرة وخسارته لبلدية إسطنبول الكبرى، حيث ساد تقدير بأن ملف السوريين كان من ضمن أسباب الخسارة.

وأخيرًا، يقول لنا المشروع المذكور إن أنقرة ليست في وارد انتظار حل شامل للقضية السورية بما يتضمن عودة المقيمين السوريين على أراضيها، وإنها تتعامل اليوم مع الوضع القائم بما يمكنها من أدوات، ومن ثم فإن المشروع يخطط له وسينفذ وفق أجندة تركية لا سورية بالضرورة.

متطلبات وضمانات

بالنظر إلى أن تعداد السوريين الحاملين لبطاقة الحماية المؤقتة في تركيا يبلغ زهاء 3.8 ملايين شخص وأن المناطق التي ستستقبلهم هي مناطق الشمال التي تضم ملايين النازحين في الوقت الراهن، فإن الرقم المعلن في المشروع يبدو طموحًا جدًّا، لا سيما أنه يفترض إنجاز المشروع أو جزء ملموس منه في أسرع وقت ممكن حتى يترك أثره في مسار الانتخابات.

ولذلك السبب تحديدًا شكك البعض بأن يكون المعلن مشروعًا واقعيًّا سيجري العمل على تنفيذه بالكامل، وإنما مبادرة هدفها الرئيس نزع فتيل أزمة داخلية وسحب البساط من تحت المعارضة.

واقعيًّا وعمليًّا، لا بد للمشروع من متطلبات رئيسة حتى ينجح تنفيذه على الأرض، أولاها أن تكون المناطق المذكورة قادرة على استيعاب مليون شخص خلال الفترة الزمنية المحددة، وهو تحدٍّ كبير بالنظر إلى الوقائع الحالية وكذلك وتيرة تنفيذ مشاريع البيوت السابقة وتسليمها.

وثانيها أن تكون تلك المناطق جاذبة للسوريين، بحيث لا يكتفى فيها ببناء البيوت والبنية التحتية، بل تكون قابلة للحياة والعمل من جميع المناحي على نحو يشجع السوريين على العودة الطوعية بالأعداد الكبيرة المطلوبة. وأما الثالثة، ولعلها الأهم، فهي أن تكون تلك الأماكن آمنة للقادمين، إذ ما زالت هذه المناطق وغيرها تتعرض لقصف من النظام و/أو روسيا من حين إلى آخر، وهو ما فتح الباب على نقاش من نوع آخر.

ذلك أن المسؤولين الأتراك تحدثوا أكثر من مرة عن تواصلهم مع نظرائهم السوريين على المستوى الأمني وأحيانًا العسكري، لكن المستوى السياسي غاب أو غُيـِّـب حتى اللحظة لأسباب معروفة، وما زالت أنقرة لا تعترف بالنظام السوري حكومة شرعية لسوريا وتقول إنه غير قادر على حماية الحدود ومنع الهجمات الإرهابية ضدها.

لكن المشروع الحالي طرح للنقاش مجددًا احتمال تواصل تركيا مع دمشق ضمن تفاهمات مفترضة لضمان أمن العائدين، أو لبحث موضوع عودة كل السوريين لكامل سوريا ضمن توافق أشمل. ورغم أنه لم يصدر تصريح تركي رسمي يفيد بذلك حتى لحظة كتابة هذه السطور، فإن الكاتب الصحفي المقرب من العدالة والتنمية عبد القادر سلفي ذكر في مقال له أن الحكومة التركية تواصلت مع الأسد بشكل مباشر وأنه لا مانع لديه بل هو متحمس لذلك، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من يعارض تواصلًا من هذا النوع لتبقى موسكو صلة الوصل بين أنقرة ودمشق.

في الخلاصة، ثمة متطلبات عديدة لنجاح مشروع من هذا النوع وضمانات مطلوبة لذلك، سيكون لها أثر مباشر وملموس على فرص نجاحه، وستحاول أنقرة أن تحقق الجزء الأكبر الممكن منه قبل الاستحقاق الانتخابي. وإضافة إلى المحاذير التي أطلقها بعض السوريين بخصوص المشروع وتحديدًا الهواجس الأمنية وضرورة تحقيق “طوعية” العودة، فإن نهج التجاوب مع المطالب المتعلقة بإعادة السوريين يمثل محذورًا بحد ذاته، إذ إن من شأن ذلك أن يدفع المعارضة إلى تصليب موقفها والشريحةَ العنصرية إلى رفع سقف مطالبها من باب الاّدعاء أنها كانت على حق، في حين أن المطلوب في هذه الحالة من الحكومة توضيح رؤيتها وموقفها للشعب، والعمل على تفنيد الأكاذيب والشائعات والمعلومات المغلوطة بخصوص السوريين المقيمين على أراضيها، إضافة إلى العمل على المدى البعيد على معالجة ارتدادات التكدس والاحتكاك وبعض الأحداث الفردية السيئة، من دون أن تظهر في مربع المتراجع أو المستجيب للضغوط.

وهذا ما فعلته الحكومة التركية في الأسبوع الماضي، إذ حذّرت من جهات تعمل على الاستفزاز وإحداث فوضى في البلاد من خلال اللعب بورقة السوريين، وصدرت عن وزير الداخلية تصريحات تضمنت المعلومات الرسمية الموثقة حول أعداد السوريين (التي هي أقل بملايين مما تدعيه بعض الجهات) وأعداد المجنسين منهم وبعض التفاصيل الأخرى.

وهذا النهج، برأينا، أفضل مع اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تفاقم الغضب الشعبي، إذ إنه نهج يواجه العنصرية وخطاب الكراهية ولا يتسامح معهما أو يتنازل أمامهما، منطلقًا من الوعي بأن العنصرية خطر داهم ومتفاقم ودائم ليس على السوريين فقط بل على تركيا ونسيجها المجتمعي وسلامها الداخلي على حدٍّ سواء.

كاتب وباحث في الشأن التركي

الجزيرة نت

——————————

أنقرة ترهن عودة اللاجئين بالحل الشامل للأزمة السورية/ سعيد عبد الرازق

في حين استمر الجدل حول مسألة ترحيل اللاجئين السوريين لديها أو إعادتهم طوعاً إلى بلادهم، رأت تركيا أن تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يجب أن يكون جزءاً من الجهود الشاملة لحل الأزمة السورية؛ لأن الوضع في سوريا لا يزال يشكل مصدر قلق للمجتمع الدولي.

وقال نائب وزير الخارجية التركي، سادات أونال، إن تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم «يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الجهود الشاملة لحل الأزمة السورية»، مضيفاً، أمام الدورة السادسة لمؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، المنعقد في بروكسل، أن الوضع في سوريا لا يزال يشكل مصدر قلق بالغ للسلم والاستقرار الدوليين. وأضاف أونال أنه «على الرغم من الأزمات العديدة التي صرفت انتباه المجتمع الدولي عن الأزمة السورية، فإن إيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية لهذه الأزمة أصبح أكثر إلحاحاً وأهمية مما كان عليه في الماضي، وأنه كلما طال التأخر في إيجاد حل فعال للأسباب الجذرية للأزمة السورية، فستكون تداعيات هذه الأزمة أكثر حدةً، وبالتالي؛ فإن إيجاد حل سياسي مستدام للأزمة يجب أن يظل هدفاً أساسياً».

ودعا أونال المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لإحياء العملية السياسية؛ بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254»، وأكد أن تركيا تدعم في هذا السياق جهود ومساعي المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون. وعدّ المسؤول التركي أن وجود بلاده في شمال سوريا لا يمنع مآسي إنسانية جديدة، فحسب؛ بل يساعد أيضاً في ضمان الاستقرار والأمن اللازمين لحماية المدنيين وتهيئة بيئة مناسبة لجهود تحقيق الاستقرار.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الأسبوع الماضي، عن خطة تتضمن 13 مشروعاً في مناطق سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها في شمال وشمال شرقي سوريا لإعادة مليون لاجئ سوري إلى هناك. وكشفت مصادر سورية معارضة عن إبلاغها من قبل تركيا بالخطة، لكنها عدّتها غير مدروسة وقد تؤدي إلى نتائج عكسية بمناطق شمال سوريا المكتظة، بعد تدفق أعداد كبيرة من النازحين من جميع مناطق سوريا إليها، وأن تفاقم المشكلات قد يؤدي إلى انسحاب تركيا من الملف السوري، أو أن تكون أقل حماساً فيما يتعلق بتغيير النظام السوري.

من جانبها، عدّت رئيسة حزب «الجيد» التركي المعارض، ميال أكشينار، أنه لا يمكن حل مشكلة اللاجئين من خلال ما سمتها «العقلية السطحية للسيد إردوغان»، قائلة إنه «يبسطها بخطبه المبنية على إيماننا.. هدفنا ليس ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم في إطار غير إنساني، ولكن تسهيل عودتهم، ونرى أنه من الضروري على الحكومة اتخاذ إجراءات لردع إقامة السوريين في تركيا». وأضافت أكشنار، في كلمة خلال اجتماع نواب حزبها بالبرلمان، أمس: «نعتقد أن المشروعات التي جرى تطويرها لطالبي اللجوء، خصوصاً من جانب الاتحاد الأوروبي، يجب أن تركز الآن على تسهيل عودة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، بغض النظر عمن في السلطة في دمشق. يجب أن تقوم علاقاتنا مع سوريا على الحوار البناء». في الوقت ذاته، حذرت رئاسة الهجرة التركية من تداول معلومات مغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي حول وضع اللاجئين السوريين في تركيا، في وقت أطلق فيه ناشطون أتراك، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملة إلكترونية تحت عنوان: «معلومة صحيحة»، بهدف تصحيح المعلومات الخاطئة التي يتداولها الشارع التركي حول اللاجئين السوريين. وقال المدير العام لـ«الاندماج والتواصل» في رئاسة الهجرة التركية، جوكشه أوك، في تصريحات، أمس، إن عدد اللاجئين في تركيا يبلغ 5.4 مليون لاجئ؛ بينهم 3.7 مليون سوري، مؤكداً أنهم غير مخولين التصويت في الانتخابات، وإن بلاده منحت الجنسية لنحو 201 ألف لاجئ سوري، استوفوا معايير الجنسية من خلال القيمة الإيجابية والمساهمة المقدمة من قبلهم، وإن الدولة لا تدفع رواتب للاجئين، إلا في حال كان هناك عمل معهم. وأشار إلى أن 500 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم، في وقت تخطط فيه الحكومة التركية لإعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري في مناطق «آمنة».

في غضون ذلك، أعلنت إدارة معبر جرابلس الحدودي مع تركيا، استئناف استقبال السوريين الراغبين في قضاء إجازة داخل الأراضي السورية، وكذلك العائدين من إجازاتهم إلى تركيا، بدءاً من أمس. وقالت الإدارة، في بيان، إن أصحاب الجنسية المزدوجة، وحملة بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) من ولاية غازي عنتاب التركية، الراغبين في دخول الأراضي السورية لقضاء إجازة عبر معبر جرابلس الحدودي، أصبح بإمكانهم الدخول. وأضاف أن المعبر يبدأ باستقبال السوريين المنقضية إجازاتهم والراغبين في الدخول إلى الأراضي التركية، بدءاً من الاثنين المقبل، مشيراً إلى أن الأشخاص الذين صادف موعد دخولهم خلال فترة الإغلاق السابقة؛ سيتم إدخالهم يوم الاثنين.

وكانت إدارة معبر جرابلس قد قررت إغلاق المعبر أمام السوريين بدءاً من 25 أبريل (نيسان) الماضي حتى 13 مايو (أيار) الحالي، بعدما أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو عن وقف إجازات العيد، التي تمنحها الحكومة التركية للسوريين من أجل زيارة سوريا في الأعياد. على صعيد آخر، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، تحييد 10 من عناصر «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» في منطقتي عمليتي «نبع السلام» و«درع الفرات»، كانوا يستعدون لتنفيذ هجمات في المنطقتين اللتين تسيطر عليهما تركيا والفصائل السورية الموالية لها. واستهدف طيران مسيّر تركي سيارة على طريق حلب – عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي، وبعده بدقائق جرى استهداف ثان لمنزل في مدينة عين العرب، بحسب ما أفاد به «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

الشرق الأوسط

———————-

عودة اللاجئين السوريين..أردوغان يمسك بملف لا يستطيع حسمه

ينوي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشجيع عودة اللاجئين السوريين “على اساس طوعي” وتدعو الاحزاب المعارضة إلى إعادتهم إلى سوريا، وذلك قبل عام من الانتخابات الرئاسية في البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية، ما يجعل هؤلاء اللاجئين موضوع الحملة الانتخابية.

لكن من يستطيع إعادتهم وكيف؟ ثمة كثير من اللغط، على ما أكد مراقبون لوكالة “فرانس برس”، مشيرين في المقام الأول إلى أن السوريين المعنيين لا يرغبون في العودة إلى سوريا، على الرغم من أن التضامن المحلي والدولي يتضاءل بعد 11 عاماً من الحرب.

واوضح المحلل في معهد “تيباف” للابحاث  في أنقرة عمر كادكوي أن “أحداً لم يفصّل آلية الترحيل”.

وقال أردوغان الذي يتولى السلطة منذ عام 2003 والمرشح المحتمل لولاية اضافية في حزيران/يونيو 2023، إنه يريد تشجيع مليون “من أخواننا السوريين” على العودة إلى بلدهم، ووعد في مطلع أيار/مايو، باستحداث ملاجئ وبنى تحتية (مدارس ومشافٍ) مناسبة لهذه الغاية في شمال غرب سوريا، خارج سيطرة نظام الأسد، حيث تنشر أنقرة قواتها منذ عام 2016. ودُشّنت مؤخراً أول منازل مجمعة لاستقبال اللاجئين السوريين العائدين إلى هذه “المنطقة الآمنة”.

وبالتزامن مع ذلك، يؤكد الرئيس التركي وحزبه “العدالة والتنمية” منذ الاثنين، أن تركيا تريد “حماية إخواننا الذين طردتهم الحرب من سوريا حتى النهاية” رافضة “اعادتهم إلى أفواه القَتَلة”.

وتأتي هذه التصريحات في مواجهة الخطاب المتشدد للمعارضة التي تعهد أكبر أحزابها، حزب الشعب الجمهوري، بعودة السوريين إذا وصل إلى السلطة في عام 2023. واتهم زعيمه كمال كليتشدار أوغلو، أردوغان بالرغبة في “تجنيس اللاجئين لشراء أصواتهم” – بينما يدين حزب النصر (اليمين المتطرف) “الغزو الصامت” للمهاجرين.

وقال كادكوي: “بأي وسيلة سيعيدهم إلى سوريا؟ لا توجد أي مؤسسة في تركيا تملك الوسائل اللوجستية اللازمة”. ومن الصعب أن تزج المفوضية السامية لشؤون اللاجئين نفسها في مثل هذه المغامرة من دون موافقة المعنيين.

5 ملايين لاجئ

وتساءل كادكوي عن مشروعية قيام تركيا بالبناء على الجانب السوري قائلاً “من يملك الأراضي؟”، ومضيفاً أن كل هذه المشاريع “غير واقعية”.

مع انخفاض قيمة الليرة التركية وتضخم بنسبة 70 في المئة على أساس سنوي فاقمته الحرب في أوكرانيا، تطفو قضية اللاجئين بشكل دوري على سطح الجدل السياسي.

ويقول مراد أردوغان مدير مركز بحوث السياسة والهجرة في جامعة أنقرة ومنسق “المقياس السوري” السنوي مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن “تركيا تستضيف أكثر من خمسة ملايين لاجئ، ما يمثل تحدياً كبيراً وموضوعاً يومياً للنقاش”.

وأضاف “من الآن فصاعداً، سيدرك الجميع أنهم سيبقون ومن الواضح أن التوتر سيتصاعد، خصوصا منذ بداية جائحة كورونا ومع الأزمة”ـ مشيراً إلى أن أكثر من 1 في المئة من اللاجئين يعيشون في المخيمات فيما “يعيش الآخرون ضمن المجتمع التركي منذ عام 2011”.

اكتظاظ إدلب

يتهم الخطاب السائد السوريين ب”سرقة الوظائف” أو رفع أسعار الإيجارات. وعاد أقل من نصف مليون سوري في السنوات الخمس الماضية، معظمهم من الرجال العازبين، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وأشار الباحث إلى أنه لا يمكن المصادقة على أي اتفاق بين أنقرة والنظام السوري حتى تتخلى تركيا عن المواقع التي “تحتلها” في شمال سوريا. ونبّه إلى أن “المنطقة الأمنة” بالاضافة إلى ان جيب إدلب “يستقبل بالفعل 4 ملايين نازح في حين أنه يتسع لمليون شخص، ويواصل آخرون التوافد كل يوم” ويعتمد ذلك على المساعدات الدولية المتناقصة.

واعتبر أنها “منطقة أمنية مصطنعة للغاية: لا أحد يعرف إلى متى ستبقى تركيا موجودة هناك وستحتفظ بالسيطرة عليها. وبالتالي، فإن إعادة الناس إلى هناك أمر محفوف بالمخاطر”.

والثلاثاء، تعهّد المانحون الدوليون تقديم 6.7 مليارات دولار بحلول عام 2023 لسوريا التي مزّقتها الحرب في مؤتمر في بروكسل، أي أقل بكثير من مبلغ 10.5 مليارات دولار التي تتطلع الأمم المتحدة للحصول عليه.

فيما حذرت روسيا، حليفة النظام السوري، من أنها ستعارض في تموز/يوليو، تجديد قرار الأمم المتحدة بفتح معبر باب الهوى للسماح بمرور المساعدات الإنسانية من تركيا. مع “التهديد”، بحسب المحلل، بتدفق 4 ملايين لاجئ إضافي إلى تركيا وأوروبا.

المدن

——————————–

أردوغان يطمئن الأتراك بانخفاض عدد السوريين.. لكنه لن يطردهم

أكّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مواصلة حكومته جهودها في سبيل “تأمين استقرار سوريا”، التي ما زالت الصراعات موجودة فيها ولم تتحقق وحدة أراضيها الإقليمية، حسب تعبيره.

وقال أردوغان، الاثنين 9 من أيار، عقب انتهاء اجتماع الحكومة التركية في العاصمة أنقرة، إن تركيا تحافظ على بقاء أربعة ملايين سوري في إدلب، شمالي سوريا.

وأضاف أن الحكومة التركية قدمت عرضًا للقادة الذين حضروا قمة “مجموعة العشرين” التي عُقدت في أنطاليا عام 2015، لاستيعاب مليون شخص من اللاجئين السوريين، مشيرًا إلى عدم دعمهم لهذا المشروع.

وذكر أردوغان أن تركيا تعمل على بناء منازل “الطوب”، التي أنجزت منها نحو 58 ألف منزل حتى الآن.

ولفت إلى اتخاذ تركيا خطوة جديدة بالتعاون مع المنظمات الدولية، باتجاه بناء مجمعات سكنية يصل عددها إلى 200 ألف منزل، تتضمّن مدارس ومستشفيات ومنشآت زراعية في 13 منطقة مختلفة في سوريا.

وبحسب دراسات أجرتها مؤسسات (لم يسمِّها)، فإن عدد اللاجئين السوريين الراغبين في العودة يزيد على مليون شخص، وفق ما صرح به أردوغان، موضحًا أن عدد السوريين المرحّلين لعدم التزامهم بالقوانين بلغ 20 ألفًا، بينما وصل عدد الأجانب المرحّلين من الجنسيات الأخرى إلى 21 ألف شخص.

وطمأن أردوغان الشعب التركي بقوله، إن “عدد السوريين في بلادنا سينخفض إلى مستويات معقولة في حال توفيرنا الإمكانات اللازمة للعودة الطوعية”، مؤكدًا أن الحكومة لا تقدم للسوريين أو الأجانب القادمين من دول أخرى أي تسهيلات مختلفة تميزهم عن مواطنيها، بالإضافة إلى عدم تخصيص أي موارد إضافية لهم.

ونوه الرئيس التركي إلى أن عدد المهاجرين “غير النظاميين” الذين أُعيدوا إلى بلادهم منذ 2016 تجاوز 320 ألفًا.

وفي رد أردوغان على تصريحات رئيس الحزب “الجمهوري”، كمال كليشدار أوغلو، الذي يعلن نيته إعادة السوريين إلى بلدهم، قال، “لن تستطيع القيام بذلك لأننا تربينا على ثقافة الأنصار والمهاجرين، ونحن كنا أهلًا لإخواننا السوريين وسنبقى كذلك”.

وفي كلمة ألقاها أردوغان، في حفل إحياء الذكرى السنوية الـ32 لتأسيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين (MÜSİAD)، الاثنين، قال إنه لن يسمح برمي السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا هربًا من الحرب في أحضان القتلة.

وأشار إلى أنه يمكن للسوريين العودة إلى وطنهم حين يشاؤون، ولكن الحكومة التركية لن تطردهم من أراضيها إطلاقًا.

وأضاف أردوغان أن الحكومة ستستمر بتقديم العون حتى النهاية للإخوة السوريين الذين خرجوا من الحرب ولجؤوا إلى أراضيها.

وفي وقت سابق، أعلن أردوغان عن مساعي الحكومة التركية لإعداد مشروع لضمان عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم، بحسب ما نقلته قناة “A Haber” التركية.

وجاءت تصريحات أردوغان، في 3 من أيار الحالي، عبر مكالمة فيديو، خلال مراسم تسليم مفاتيح منازل “الطوب” في مدينة إدلب، بالتنسيق مع إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد)، وبحضور وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو.

وقال إن الحكومة التركية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني التركية والعالمية، تسعى لإنشاء مشروع سكني وخدمي كامل.

وتصاعدت وتيرة التصريحات المتعلقة بملف اللاجئين السوريين في تركيا بالأيام الأخيرة الماضية.

وتزامنت هذه التصريحات في البداية مع سماح الحكومة للسوريين بقضاء إجازات العيد في سوريا، بالذهاب عبر المعابر الحدودية، ما أسفر عن تأجيج الشارع التركي ضد اللاجئين وبقائهم في البلاد، وهو ما أدى إلى إعلان وزير الداخلية التركي تقييد السماح للسوريين بالذهاب إلى بلادهم لقضاء عطلة العيد، وإلغاء إجازات العيد بالكامل لاحقًا، والسماح بالزيارة فقط لمن يتقدم بطلب إذن من الولايات في حالات المرض أو الوفاة لأحد من العائلة في الداخل السوري.

وتتوجه أحزاب المعارضة لشد الشارع التركي نحوها، باستخدام ملف اللاجئين بشكل عام، واللاجئين السوريين على وجه الخصوص، بشكل متكرر كورقة ضغط ضد الحكومة التركية.

كل هذه التخبطات في التصريحات لها أسباب متعددة يرجعها البعض إلى الانتخابات التي تتحضر لها البلاد في العام المقبل.

—————————-

==================

تحديث 13 أيار 2022

———————-

العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا تتوسع… لم يفُت أوان المواجهة/ يامن المغربي

عبارات عنصرية على الجدران في الشوارع التي تشهد وجوداً سورياً كثيفاً، وآلاف التغريدات العنصرية، ونشرات أخبار ومواد صحافية لا تتوقف، وفيلم قصير يُعرض عبر يوتيوب تتجاوز مشاهداته النصف مليون مشاهدة خلال 24 ساعةً؛ هذا كله يدور حول فكرة واحدة: مهاجمة اللاجئين السوريين والدعوة إلى طردهم من تركيا بغض النظر عن مصيرهم أو الجهة التي سيرحلون إليها.

لا تٌعدّ هذه الحوادث فرديةً، بل هي نتاج لعشرات التراكمات منذ سنوات، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب التي تعيشها تركيا في الوقت الحالي، والذي يبدو أنها ستستمرّ حتى نهاية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في صيف 2023. انتخابات هي الأصعب على حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002.

أدت هذه الهجمات العنصرية تجاه السوريين إلى صدور مجموعة من القرارات من قبل الحكومة التركية لترحيل أكثر من مليون سوري إلى “مناطق آمنة”، خلال فترة تتراوح بين 15 و20 شهراً، وهو ما يجعل السوريين يعيشون ضغوطاً كبيرةً بعد سنوات من المعيشة في تركيا، والشعور بالتهديد بخسارة الاستقرار المؤقت والجزئي الذي شعروا به، ومن هنا تبرز أسئلة عدة حول المشكلات الاجتماعية التي يشعر بها السوريون في تركيا وكيفية التعامل معها، وأهمها ما هو جذر هذا الصراع؟ وكيف يؤثر على اللاجئين؟ وهل يمكن مواجهته؟

جذور الصراع

يبدو أن الصراع بين اللاجئين ومستضيفيهم من الشعوب الأخرى، بصورته العامة، يتعلّق ببعض الأفكار القومية أو المصاعب الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالاختلاف الديني أو المذهبي، وبقدر ما تبدو هذه الأسباب صحيحةً وواقعيةً إلا أن ما يُطلق عليه اصطلاحاً بـ”الصراع”، يذهب إلى حدود أعمق من ذلك.

يشرح أستاذ علم الاجتماع والباحث، طلال مصطفى، لرصيف22، جذور هذا الصراع بقوله إن “اللاجئين السوريين تحولوا إلى ورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي ويتم استخدامهم كورقة تنافسية بين الأحزاب السياسية التركية بهدف الاستقطاب الانتخابي”.

يضيف: “الصورة النمطية السلبية المتداولة عن اللاجئين تعبّر عن آراء مبسطة جداً أو مواقف عاطفية ضخمتها وسائل التواصل الاجتماعي”، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه لا يُعفى بعض السوريين من تحمل المسؤولية، وخاصةً من أصحاب السلوكيات السلبية التي تعزز هذه الصور السلبية والنمطية عنهم.

حسب رأيه، “نتيجة ما سبق هو العيش في حالة صراع بين ثقافتين: ثقافة النحن السورية وثقافة الآخر، والميل إلى تفوق الأولى على حساب الثانية في جميع مناحي الحياة وخاصةً ما يتعلق بالنسق القيمي الديني، إذ يجد سوريون أنفسهم أكثر تديناً ومعرفةً بالجوانب الأخلاقية القيمية”.

وبناءً على ذلك، يرى مصطفى، أن “هذا الصراع الثقافي القيمي المتبادل يعود بجذوره تاريخياً إلى الصور النمطية المسبقة عن اللاجئين بالرغم من كل المحاولات والجهود المبذولة، إلا أن الكثير من شعوب العالم لديها صورة نمطية عن اللاجئين أغلبها سلبي ومنفّر للغاية، وكأنهم أشخاص محتشدون على الحدود بين الدول ويقيمون في الخيام في انتظار المساعدات من الحكومات. وبالرغم من أن هذه الصورة ربما تبدو صحيحةً قليلاً في بداية حياة اللجوء، إلا أن التجارب أثبتت أن النتيجة النهائية تذهب في اتجاه الاندماج والوصول إلى مراتب علمية وسياسية واقتصادية عليا، فأغلبيتهم أنشأوا مؤسسات اقتصادية وبحثية وعلمية في فترة قصيرة جداً”.

كيف يتأثر اللاجئون؟

الحملة الأخيرة على السوريين هي الأضخم منذ بدء وصولهم إلى الأراضي التركية في نهاية عام 2012، ما دعا وزارة الداخلية التركية إلى الإعلان عن ملاحقتها لعشرات الحسابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإلقاء القبض على أصحابها، ورفع دعوى جنائية ضد سياسيين أتراك يهاجمون اللاجئين وينشرون معلومات كاذبةً، لمكافحة خطاب العنصرية.

وهذه الحملة ليست الأولى، إذ سبق أن شهدت ولايات تركية عدة اشتباكات بين سوريين وأتراك، كذلك شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حملةً مماثلةً إبّان الانتخابات البلدية في عام 2019، والرئاسية في 2018، ولو بدرجة أقل قليلاً.

ويعيش في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري، وفق أرقام مديرية الهجرة التركية.

ترى أستاذة علم الاجتماع، كبرياء الساعور، في حديث إلى رصيف22، أن “الهجمات العنصرية على السوريين تؤدي إلى تنامي عدم الشعور بالاستقرار الاجتماعي والنفسي للاجئين، وزيادة انغلاقهم على أنفسهم، كما يؤدي خطاب الكراهية الصادر عن الشريحة الرافضة لوجود اللاجئين في تركيا إلى الخوف من مواجهة المواقف العنصرية والتمييز ضدهم وهو ما يؤثر على اندماجهم وزيادة التوتر الاجتماعي بين السوريين والأتراك”.

وتشير إلى الدراسات النفسية التي تؤكد أن التعرض للمواقف العنصرية يؤدي إلى آثار نفسية على المدى البعيد، وخاصةً لدى شريحة الأطفال والمراهقين، إذ إن التعرض المزمن لهذه الحالات والشعور الدائم بالتوتر والقلق ينعكسان بشكل سلبي على الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء.

ويتعرض اللاجئون لحملة ضخمة من قبل المعارضة التركية، وينعكس هذا الأمر عليهم بشكل مباشر في جميع مناحي الحياة اليومية، بما فيها الصحة والتعليم، في ظل غياب شبه كامل من قبل المؤسسات السورية المعارضة بما فيها المجلس الإسلامي السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية (أكبر منظمتين سوريتين في تركيا من الناحية الأيديولوجية محسوبتين على الثورة السورية)، فيما سبق وأصدرت 71 منظمةً تركيةً وسوريةً بياناً مطلع العام الحالي، طالبت فيه بوقف خطاب الكراهية والعنصرية المتزايد ضد اللاجئين، كما طالبت الحكومة التركية باتخاذ تدابير أكثر فعاليةً للحد من هذا الخطاب.

سبل المواجهة

بالرغم من تعقيدات الموقف الحالي للاجئين السوريين في تركيا تحديداً، وخاصةً بعد القرارات الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتعلقة بإعادة مليون سوري إلى مناطق آمنة وبنى تحتية واقتصادية لحياة جديدة لهم في الشمال السوري، إلا أن الفرصة ما تزال قائمةً لدى السوريين للتغيير ومواجهة الحملات العنصرية ضدهم.

وهذه المواجهة لا تأتي عبر البيانات والشجب والاستنكار (بالرغم مما تحمله من أهمية)، بقدر ما ستكون نتيجة أفعال على الأرض على المستويين الضيق والواسع على حد سواء.

تؤكد الساعور، على أن “واحدةً من أهم الخطوات هي الحصول على توعية نفسية ودعم نفسي على مستوى الأسرة، والنقاش حول كيفية مواجهة هذه الظواهر والمشكلات”، مشيرةً إلى ضرورة وجود حلول على مستويات عدة، منها تجريم خطاب الكراهية والتمييز ضد اللاجئين، وإنشاء مشاريع دمج تعتمد على حق الاختلاف وتعدد الثقافات.

وتنص المادة 216 من قانون العقوبات التركي، على أنه “يُعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات من حرّض علانيةً شريحة من السكان ذات خصائص مختلفة من حيث الطبقة الاجتماعية أو العرق أو الدين أو المذهب أو المنطقة، على الكراهية والعداوة ضد شريحة أخرى من السكان، ما يتسبب بوجود خطر واضح ووشيك على السلامة العامة”.

من جهته، يرى المصطفى أن الصورة النمطية هي حصيلة ثقافة، وتغييرها يستدعي بناء ثقافة مغايرة تعيد تشكيل الموقف من الآخر، وتؤكد على أهمية التواصل معه. ويضيف: “يمكن تنفيذ بعض الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والثقافية والإعلامية المشتركة مع مواطني الدول المضيفة لسحب البساط من بعض التيارات السياسية اليمينية المتطرفة المعادية للّاجئين، وكذلك التركيز على بناء شخصية اللاجئ السوري الفاعلة والمتماسكة مهنياً واجتماعياً وثقافياً بعيداً عن الصورة التي تظهره كشخص خانع وخائف والاحتجاج على الصور النمطية المنشورة عبر وسائل الإعلام والرد عليها بلغة البلد المضيف”.

يتحدث المصطفى عن ضرورة ابتعاد اللاجئين السوريين عن اختزال لجوئهم في بُعدٍ واحدٍ لا غير، وهو العلاقة مع الحزب الحاكم أو السلطة السياسية، بل التفاعل مع المكونات السياسية والاجتماعية كذلك.

رصيف 22

————————–

تقرير: لماذا لا يزال السلام بين تركيا ونظام الأسد بعيد المنال؟

بعد أكثر من عقد من العداء، تكثر الشائعات بأن تركيا ربما تسعى إلى المصالحة مع نظام الأسد في سورية.

وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في أواخر أبريل / نيسان أن محادثات أمنية عُقدت بين أنقرة ودمشق، والتي فسرها البعض على أنها الخطوة الأولى في تقارب أوسع.

في غضون ذلك، لم يفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان القوة الدافعة وراء تحرك أنقرة لقطع العلاقات ودعم أعداء الأسد خلال أحداث الثورة السورية، سوى القليل لرفض هذه المزاعم.

بالنسبة للبعض، بحسب مقال تحليلي نشره موقع “ميدل أيست آي”، اليوم الجمعة، فإن “التحرك نحو السلام مع دمشق أمر منطقي بالنسبة لأردوغان”.

على الصعيد المحلي، دعا خصومه في الانتخابات المقبلة في يونيو/حزيران 2023 إلى إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين لا يحظون بشعبية على نحو متزايد في تركيا.

ويضيف التقرير: “إن تطبيع العلاقات مع الأسد يمكن أن يسرق رعد خصومه، ويفتح إمكانية قيادته لحملة إعادة اللاجئين إلى الوطن بنفسه”.

أما على الصعيد الدولي، قام الرئيس التركي، أردوغان مؤخراً بتحسين العلاقات وحصل على استثمارات اقتصادية حيوية من الإمارات العربية المتحدة، التي مارست ضغوطاً، منذ فترة طويلة على حكومات الشرق الأوسط لإخراج الأسد من حالة العزلة.

و”بينما تبدو استعادة العلاقات مع سورية الخطوة المنطقية التالية في المحور الإقليمي لأردوغان، إلا أن مثل هذا التقارب غير مرجح”، بحسب المقال الذي ترجمه موقع “السورية.نت”.

“لا تناسب الطرفين”

ويرى كاتب المقال، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري بلندن، كريستوفر فيليبس أن “محادثات السلام لا تناسب أردوغان ولا الأسد في الوقت الحاضر”.

وتذهب أولويات الرئيس التركي إلى الداخل، لاسيما أن “اقتصاد تركيا متهور وهناك فرصة جيدة لفقده السلطة في عام 2023 بعد عقدين من تولي زمام الأمور. من المنطقي طرح إمكانية التفاوض مع الأسد كوسيلة للتغلب على خصومه”.

ويتابع فيليبس: “إن اقتراح إعادة انتخابه سيؤدي إلى التطبيع مع سورية، وقد تؤثر عودة بعض اللاجئين على الناخبين المتذبذبين، وخاصة شركائه في الائتلاف السابق، حزب الحركة القومية”.

لكن ومع ذلك “من غير المرجح أن يحدث مثل هذا التقارب قبل الانتخابات. بدلاً من ذلك، يمكن إجراء محادثات على مستوى منخفض للحفاظ على الوهم، فقط من أجل وقفها إذا وعندما عاد أردوغان إلى السلطة”.

“دور واشنطن”

ويعتبر “السلام مع الأسد ليس أولوية إستراتيجية لأردوغان”.

و”قد ترحب الإمارات العربية المتحدة بالتطبيع التركي السوري، لكنها لم تجعله شرطاً للوفاق الأخير بين أبو ظبي وأنقرة”.

في المقابل، فإن الحليف الغربي الرئيسي لتركيا، الولايات المتحدة، يعارض بشدة التقارب مع دمشق.

و على الرغم من الخلافات الأخيرة مع واشنطن، لا تزال أنقرة تأمل في أن تتمكن من إقناع الولايات المتحدة بإنهاء تحالفها مع الأكراد في شرق سورية، مما يتيح للجيش التركي حرية التصرف ضد جماعة تعتبرها إرهابية.

ويوضح المقال التحليلي: “لكن أي اتفاق بين تركيا وسورية من شأنه أن يزيد من احتمال وقوف واشنطن إلى جانب حليفها الكردي”.

ومن المرجح، وفق فيليبس “أن يوقف أردوغان إجراء تغييرات كبيرة على سياسته تجاه سورية حتى يتضح مدى تأثير حرب أوكرانيا على حليف الأسد الرئيسي. روسيا”.

وإذا تعرضت موسكو لأضرار جسيمة بسبب الصراع، أو إذا تمت الإطاحة بفلاديمير بوتين، فمن المرجح أن تضعف موقفها في سورية، “مما يتيح لأردوغان مزيداً من الحرية في إملاء شروط السلام على الأسد المنضب بشدة”.

في المقابل، إذا نجا بوتين وخرج من الحرب بثقة أكبر، فسيحد من خيارات تركيا في سورية.

في حين أنه قد تكون هناك قضية تدفع أنقرة للتوصل إلى اتفاق بشأن الأسد الآن بينما تشتت انتباه روسيا، “إلا أن ذلك سيكون محفوفاً بالمخاطر: لن ينسى بوتين بسرعة مثل هذه الخيانة”، بحسب تعبير كاتب المقال.

كما أن حرب أوكرانيا تجعل الأسد على الأرجح غير مهتم بالمحادثات مع أردوغان.

وجاء في مقال فيليبس: “الرئيس السوري في أضعف حالاته منذ سنوات، حيث تثير مخاوف روسيا تساؤلات حول مقدار الدعم الاقتصادي والعسكري الذي يمكن أن تستمر في تقديمه لدمشق”.

ويضيف: “لكن الأسد، الذي لم يكن على استعداد لتقديم تنازلات أو التفاوض مع خصومه الأجانب أو المحليين حتى عندما كان على وشك خسارة السلطة خلال الحرب الأهلية، لن يكون مستعداً لتقديم تنازلات لتركيا الآن. حتى لو كان الديكتاتور السوري مهتماً بصفقة، فإنه سينتظر حتى تصبح النتيجة من أوكرانيا أكثر وضوحاً بدلاً من التفاوض الآن من موقع ضعف”.

ومع ذلك، يتابع فيليبس: “فإن الأسد غير مهتم حقاً بالتفاوض، على الأقل ليس بشروط أردوغان. قد يرغب الرئيس التركي في الحفاظ على سيطرته على ثلاث مناطق عازلة في شمال سورية، والتي تديرها أنقرة”.

“كما يرغب في ضمان بقاء إدلب بعيدة عن متناول الأسد، لضمان عدم توجه أي من المدنيين البالغ عددهم 3 ملايين إلى تركيا لإضافتهم إلى عدد اللاجئين”.

“عقلية النظام”

في غضون ذلك أشار كاتب المقال إلى أن “كلاهما (الشرطين) لا يمكن تصوره بالنسبة للأسد، الذي تعهد بإعادة احتلال كل شبر من سورية قبل الحرب. لقد صمد النظام البعثي لمدة 55 عاماً لاستعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل، رافضاً عروض السلام على إصراره على أنه يجب أن يستعيد كل خردة من الأراضي التي فقدها”.

و”مثل هذا العناد، المصاغ على أنه مقاومة وطنية، يتم غرسه في عقلية النظام وسيتم تطبيقه على الشمال الذي تهيمن عليه تركيا”.

كما أن “الأسد سيكون على دراية بالوضع الداخلي التركي. لا أحد من خصوم أردوغان في الانتخابات ملتزم بالحرب السورية كما هو، مما يجعلهم شركاء مفاوضين أكثر جاذبية إذا فازوا في عام 2023”.

وقد يؤدي انتصار المعارضة إلى “انسحاب تركيا من جانب واحد من المناطق العازلة وإدلب، أو على الأقل الاستعداد لتقديم شروط أكثر سخاء للأسد”.

واعتبر الكاتب فيليبس: “من المرجح أن يكونوا أقل صموداً في الشمال من أردوغان، لذا فإن الأمر يستحق أن يتراجع الأسد عن المشاركة الجادة إلى ما بعد الانتخابات”.

ويشير كل هذا إلى أن المصالحة بين تركيا وسوريا لا تزال بعيدة بعض الشيء، بالنظر إلى أن لا أردوغان ولا الأسد مهتمين حقاً، لكن “هذا لا يعني أن المحادثات على مستوى منخفض لن تحدث، ولكن من غير المحتمل حدوث انفراج جوهري”.

ويشير المقابل التحليلي إلى أن “العامل الوحيد الذي قد يغير هذا الأمر هو إذا خسر أردوغان في عام 2023. يمكن لحكومة جديدة في أنقرة أن تسعى بشكل معقول إلى رسم خط تحت حرب أردوغان، من خلال التفاوض مع الأسد بشروط سخية”.

ولكن حتى ذلك الحين، “من المرجح أن يقبل الأسد فقط التطبيع من أجل العودة الكاملة للأراضي المفقودة، وهو ما قد يكون مهمة صعبة لأنقرة”.

—————————–

=====================

تحديث 15 أيار 2022

——————————-

التحريض على اللاجئين كأداة في السياسة الداخلية/ محمود سمير الرنتيسي

يبدو أن المعارضة التركية باتت متأكدة أن ملف اللاجئين في البلاد بات من أنجع الأدوات السياسية في التحريض على الحكومة التركية في معركة التحضير للانتخابات القادمة الأكثر حسما في تاريخ تركيا، والمتوقع عقدها في موعدها المحدد في يونيو 2023، وبعد أن كنا قد رأينا ملف الاقتصاد والليرة في أوقات سابقة هو الأكثر حضورا على أجندة المعارضة في نقد التحالف القائم الذي يقود النظام الرئاسي أصبح الانتقاد الآن منصبا على قضية اللاجئين.

ويبدو أن جملة من الإجراءات التي أدت لتثبيت الليرة التركية بالرغم من استمرار ارتفاع التضخم جعلت المعارضة تنتقل إلى استخدام ملف اللاجئين بالطبع دون ترك ملف الاقتصاد تماما حيث ما زال استهداف وزير المالية وتصريحاته حتى في البرامج الكوميدية الهزلية جاريا.

من خلال استخدام ملف اللاجئين بطريقة مبتذلة وعنصرية على طريقة رئيس حزب الظفر أوميت أوزداغ المنشق عن حزب الحركة القومية، ثم عن الحزب الجيد ليظهر أحد أسوأ صور العنصرية، يتم دغدغة الوتر القومي لدى الناخب التركي. ويزيد الطين بلة التركيز على حوادث فردية قد تكون موجودة قبل قدوم اللاجئين أو يكون مردها لاختلافات ثقافية ويتم النفخ في صورتها واستخدامها في عملية التحريض.

وقد تجلى الأمر في دمج حادثتين مع بعضهما البعض الأولى هي هجرة الأطباء من تركيا إلى أوروبا لأسباب متعددة مع ملف اللاجئين العرب في تركيا من خلال إصدار فيلم قصير يشبه إسطنبول بساحة معركة بعد 20 عاما ويحمل في مقطع الفيلم شاب تركي بانفعال والديه المسؤولية عن سكوتهم عن بقاء اللاجئين في بلدهم وهجرة الأطباء لدرجة أنه ذهب للمشفى للعلاج فلم يجد من يتحدث التركية لأن الأطباء كلهم عرب ولا يجيد أي منهم التركية.

في الواقع تناغم مع هذا المقطع كثيرون لكن الحكومة التركية اعتقلت القائم عليه واعتبرته تضليلا ودعاية للعنصرية. وفي الجهة المقابلة أيضا أعلن كثير من الأتراك اشمئزازهم من بعض التصريحات والمواقف العنصرية التي تعادي اللاجئين حتى إن بعض الشخصيات مثل بولنت يلدرم رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية اعتبر في مقطع خاص نشره مساء 12 مايو أن الذين يستهدفون اللاجئين إنما يستهدفون المواطن التركي والجهات العاملة في المجال الإنساني لأن الحملة التي يقومون بها أبعد ما تكون عن الإنسانية والسلوك الإنساني.

على كل حال شكّل استخدام هذه الأداة من المعارضة التركية معطى جديدا في الأجندة التركية وقام رؤساء أحزاب بتعزيز هذا المحتوى بطريقة أو بأخرى وحتى المعتدل منهم نسبيا أشار إلى قضية التجنيس السياسي مع أن أعداد المجنسين لا تشير إلى دور في عملية تغيير التوزانات الانتخابية، وقد سبّب تفاعلا حيث قام ناشطون بالإشارة إلى إعلانات في المحال التجارية باللغة العربية، وأشار آخرون للتجمعات العربية ولزيارة اللاجئين السوريين لأقاربهم أو قبور أقاربهم في الشمال السوري في العيد مما زاد من حضور هذا الملف على الأجندة.

وعليه دخلت الحكومة التركية في معادلة لا تريد أن تظهر فيها أنها تخلت عن اللاجئين ولا تريد أن تكون رواية المعارضة عن تقصيرها في إدارة هذا الملف فاعلة مما يجعلها أمام تحد في الانتخابات القادمة، ولهذا قامت الحكومة ببعض الإجراءات تجاه المحرضين كما بدأت في الإعلان عن حملات لإعادة اللاجئين مثل الحديث عن عودة مليون لاجيء مستقبلا، وعن خطط مشاريع لبناء مدن في الشمال السوري مجهزة بالخدمات لإقامة 100 ألف حتى نهاية العام، وقد قام وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بالذهاب إلى شمال سوريا وافتتح بنفسه إحدى المجمعات السكنية التي تم بناؤها حديثا.

ليس من المعلوم مدى إمكانية تطبيق إعادة اللاجئين، ولكن المهم هو أن لا يتفاقم هذا الملف ويعود بالسلب على اللاجئين الذين عانوا الأمرين من خلال تهجيرهم من بيوتهم وديارهم، ويعودوا مرة أخرى تحت التهديد. كما أنه يعود بالسلب على الاستقرار في تركيا في حال استمر المتشددون في تهيئة الأرضية بمزيد من خطاب الكراهية والعنصرية.

إن الجانب المشرق هنا أن هناك كثيرا من الأصوات العاقلة والداعية لمواجهة هذه الظاهرة السلبية بالحكمة وبالتوعية الإيجابية وإبعاد هذا الملف عن استخدامه في التجاذبات السياسية بطريقة غير مناسبة.

—————————-

عودة طوعية بالإكراه/ عبسي سميسم

لم تُترجم التطمينات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبعض المسؤولين الأتراك بشأن مشروع إعادة اللاجئين السوريين، إلى إجراءات من قبل السلطات التنفيذية في تركيا تتوافق مع تلك التطمينات.

وعلى الرغم من التصريحات الرسمية التركية التي تحدثت عن عدم ترحيل أي سوري بشكل قسري، وتأكيد الرئيس التركي عدم رمي السوريين في أيدي القتلة، إلا أن معظم السلطات التنفيذية في تركيا لا تزال تمارس التعسف بحق السوريين بطريقة حوّلت حياتهم إلى قلق دائم على مصيرهم.

ولا تزال عقوبة عدم تثبيت مكان الإقامة لدى دائرة النفوس ولدى إدارة الهجرة هي الترحيل، في الوقت الذي يرفض فيه الكثير من موظفي النفوس تثبيت نفوس السوريين على الرغم من استكمال كل أوراقهم، أو طلب وثائق غير مطلوبة أصلاً. وهو ما يضطر السوريين لأخذ موعد لدى دائرة النفوس عدة مرات عسى أن يحالفهم الحظ بموظف يُيَسر لهم معاملاتهم.

ولا يختلف الأمر كثيراً لدى موظفي البلديات التي اتخذ بعضها إجراءات تمييزية ضد السوريين كمنعهم من السكن في بعض المناطق، وعرقلة معاملاتهم بشكل متعمد. وكذلك الأمر ضمن القطاع الصحي الذي كان الأفضل بالنسبة للسوريين، إذ بدأت تظهر بوادر عرقلة في إجراءات دخول السوريين للمستشفيات الحكومية التركية.

ولعل القلق الأكبر لدى السوريين في تركيا هو من عناصر الشرطة بكل أنواعها، إذ لا تزال أي مخالفة تعالج بالترحيل إلى مناطق سيطرة المعارضة في سورية، بدءاً من التنقل من ولاية لأخرى دون إذن سفر، إلى نسيان اصطحاب بطاقة الحماية المؤقتة، وغيرها من المخالفات التي لا يجب أن تستوجب الترحيل.

كما أن عدم وضوح الخطة التركية لإعادة اللاجئين السوريين، زاد من حالة القلق لدى حملة بطاقة الحماية المؤقتة. فعلى الرغم من الإعلان عن تشييد مبان من الطوب ضمن تلك الخطة، إلا أنه لم يتم حتى الآن الإعلان عن تسجيل لأسماء الراغبين بالعودة في حال توفر مسكن، كما لم يتم الإعلان عن ضمانات لحماية تلك المنطقة من القصف.

ويشكل ذلك خشية لدى اللاجئين السوريين في تركيا من أنّ التضييق عليهم يهدف لدفعهم إلى طلب العودة مكرهين، ولكن تحت عنوان العودة الطوعية.

العربي الجديد

———————-

خطة “عودة السوريين” في تركيا.. “موانع عملية” وماذا عن التنفيذ؟

شهدت الأيام الماضية كشفاً بالتدريج عن التفاصيل والمعلومات المتعلقة بمشروع “العودة الطوعية”، الذي يستهدف عودة مليون لاجئ سوري في تركيا إلى مناطق عدة شمالي بلادهم، والذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

وقال أردوغان في رسالة مصورة موجهة للسوريين، في 3 مايو/ أيار الجاري، إن المشروع يشمل 13 منطقة في الشمال السوري، من بينها اعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض، عبر توفير الاحتياجات اللازمة من مدارس ومستشفيات ومنازل، بما يضمن “العيش الكريم” للسوريين العائدين.

    “Ülkemizde misafir ettiğimiz 1 milyon Suriyeli kardeşimizin gönüllü geri dönüşünü sağlayacak yeni bir projenin hazırlıkları içerisindeyiz.”

    Cumhurbaşkanı Erdoğan, İdlib bölgesinde inşa edilen briket evlerin anahtar teslim törenine videomesaj gönderdi. pic.twitter.com/FIyL3yZat6

    — TRT Haber Canlı (@trthabercanli) May 3, 2022

آليات تنفيذ المشروع ومناطقه ومن يموله، وسبل عيش العائدين، كلها أسئلة استعرض تقرير نشرته صحيفة “صباح” المقربة من الحزب الحاكم، إجابات عنها.

وبحسب تقرير الصحيفة، يوم الأربعاء الماضي، فإن المشروع الذي وصفته بـ”الضخم”، تم التوافق على تسميته بـ(2Y- 1Ç)، ويتضمن في معناه كلمات “استقر، عِشْ، اعمل” (Yerleş ،Yaşa ،Çalış).

ويشمل المشروع، بناء ما بين 200 إلى 250 ألف منزل في 3 أنواع مختلفة، قبل نهاية العام الجاري، وبمساحة 40 و60 و80 متراً مربعاً، ليتم تسليمها للعائدين، وفق عدد أفراد كل عائلة.

وأول أمس الخميس، نشرت وكالة “الأناضول” تقريراً، أكدت فيه ارتفاع وتيرة البناء في مشاريع “منازل الطوب”، في الشمال السوري، لـ”تأمين بيئة مناسبة للاجئين الراغبين بالعوة إلى بلادهم”.

وذكرت الوكالة، أن عملية البناء، تتم بتنسيق بين هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد)، والمجالس المحلية التي أنشئت بدعم تركي.

ماذا عن التنفيذ؟

وضوح المزيد من التفاصيل من جانب وسائل الإعلام التركية نتج عنه أسئلة أخرى تتعلق بإمكانية تنفيذ هذه الخطوة على الأرض، وتوافقها مع الظروف الحالية، سواء أمنياً أو اقتصادياً أو سياسياً.

وركّزت آراء العديد من المحللين على أن الانتخابات القادمة في تركيا، هي الدافع الأول لهذا المشروع، بعد أن اتخذ المعارضون للرئيس التركي وحزبه، “ورقة اللاجئين” أساساً في تصريحاتهم ومواقفهم خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة.

وتزامنت التساؤلات حول الدافع إلى هذه الخطوة، مع تساؤل آخر يتعلق بإمكانية القدرة على تنفيذها، وإنجاحها.

وتحدث فاضل خانجي الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية” عن “العديد من المعوقات وعلى مستويات مختلفة، يمكن أن تواجه الخطة الرسمية للعودة الطوعية”.

ومن هذه المعوقات، وفق خانجي، ما تُشير إليه أغلب الدراسات، واستطلاعات الرأي التي تم إنجازها مؤخراً، من عدم وجود رغبة لدى شريحة واسعة من السوريين بالعودة، في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي في المناطق التي يتم تأهيلها لاستقبال السوريين.

ويضف خانجي لموقع “السورية.نت” أن من المعوقات الأخرى، إشكالية غياب البنية التحتية في هذه المناطق، وهي التي تستضيف أساساً أعداداً كبيرة من النازحين داخلياً، “إذ تُعد إشكالية البنية التحتية، إضافة إلى الأمن الغذائي والمعيشي، من المعوقات أمام هذه الخطة”.

ويتابع: “يضاف إلى ذلك، عدم وجود مؤشرات حتى الآن، عن رغبة أممية بدعم مشروع عودة للاجئين على مستوى واسع، إذ لا تعتبر سورية منطقة آمنة للعودة، نظراً لعدم توافر الشروط اللازمة لذلك في الوقت الحالي”.

“الواقع.. يمنع العودة”

في غضون ذلك يرى الكاتب والصحافي السوري، فايز سارة أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم “أمر غير ممكن من جانب تركيا، أو من جانب أي دولة فيها عدد كبير من اللاجئين”.

واعتبر سارة، في مقال نشرته صحيفة “الشرق الأوسط“، حول مشروع الإعادة “الطوعية”، بأن هناك موانع عملية لا تستطيع فعل ذلك، وهي تتصل بأوضاع البلد المعنيّ من جهة، والأوضاع المحيطة بالقضية السورية والواقع السوري من جهة ثانية.

وشدد في سياق متصل، بأن ما يمنع إعادة اللاجئين السوريين من الناحية الواقعية، سواء من جانب تركيا أو غيرها، وجود “أبعاد سياسية وقانونية وأخلاقية، لا يمكن تجاوزها أو اللعب بها”.

وضرب سارة مثالاً على ذلك، حالة لبنان، حيث “تخيل البعض أن لبنان بإمكانه القيام بذلك، وسط مجموعة معطيات مساعدة، في مقدمتها أنه محكوم بسلطة موالية لنظام الأسد، وأن الوجود السوري في لبنان محدود وهشّ”.

وأضاف في سياق وصف واقع السوريين في لبنان، وفشل محاولات إعادتهم: “السوريون بفعل معاناتهم الحياتية وظروفهم الاقتصادية والأمنية، يميلون أكثر للعودة إلى بلادهم، مع وجود بنية ميليشياوية شاركت في المقتلة السورية وبنية سكانية معادية ترتبط بـحزب الله (إيران)، إضافة إلى وجود ضغوط روسية، هدفها دفع لبنان لإعادة اللاجئين إلى سورية”.

وبحسب الكاتب السوري: “من البديهي استمرار بقاء السوريين في تركيا وغيرها من بلدان اللجوء، حتى وإن كان ضمن نظام الإقامة المؤقتة، الذي يوفر قدراً محدوداً من الحماية والرعاية للمقيمين أو في البلدان الأخرى”.

وختم رأيه، بالتشديد على أن نجاح مشروع “العودة الطوعية”، وعودة اللاجئين إلى بلادهم، سيظل محكوماً بالمعطيات الواقعية، وخاضعاً لظروف سياسية وقانونية وأخلاقية، و”أعتقد أنه لا يمكن لدولة، مهما كان وضعها وودوافعها، أن تقوم بمثل هذه العملية”.

“مخاوف”

ويأتي مشروع “العودة الطوعية”، في ظل تصاعد حدة التصريحات والمواقف الصادرة من مسؤولين ورؤساء أحزاب في تركيا، فيما يتعلق باللاجئين السوريين، خلال الأشهر الأخيرة.

وتثير تصريحات المسؤولين الأتراك قلق السوريين المتواجدين في تركيا، خاصة أن الأشهر القادمة هي تمهيدية للانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي ستشهدها تركيا سنة 2023، وعادة ما ترتفع الخطابات المعادية لتواجد السوريين في تركيا قبل تنظيم انتخابات.

وبين جدّية الحكومة التركية على تنفيذ الخطة وتحول اللاجئين السوريين إلى “ورقة استثمار” من قبل أحزاب المعارضة التركية يتخوف سوريون من أن تكون العودة “إجباراً لا طوعاً”.

لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان كان قد أبدى موقفاً من ذلك، قبل أيام بقوله: “لن نرمي بالسوريين في أحضان القتلة”.

————————————–

رفض سوري ل”بيوت الطوب”التركية:الاولوية لسكان المخيمات العشوائية

أثار مشروع بناء بيوت مصنوعة من الطوب شمال غرب سوريا التي تعتزم تركيا تنفيذه لإعادة مليون لاجئ سوري، سخطاً شعبياً وجدلاً واسعاً في الأوساط السورية، وتركز الجدل في أحد جوانبه على “إغفال حقيقة وجود آلاف العائلات التي تعيش في مخيمات عشوائية في الداخل السوري وأحقيتهم في الحصول على مساكن تضمن كرامتهم”.

وفي رسالة مصورة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تحضيرات لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لأكثر من مليون شخص مقيم في تركيا، مؤكداً أن العودة ستكون إلى بيئة آمنة وبطريقة مشرّفة، مشيراً إلى أن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات تركية ودولية أهمها “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”.

وسينفذ المشروع الجديد في ثلاث عشرة منطقة أبرزها في مناطق العمليات التركية في اعزاز والباب وجرابلس في ريفي حلب الشمالي والشرقي وتل أبيض في ريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

وذكر موقع تلفزيون “a haber” التركي  أن الولايات والمدن الأكثر كثافة سكانية، ستكون لها الأولوية في نقل اللاجئين منها، ومن ضمنها اسطنبول وأنقرة وأضنة وقونيا وغازي عينتاب، وذلك بعد إنشاء مدن آمنة ومستقرة في الشمال السوري على ثماني مراحل.

الشمال السوري

ويعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غرب سوريا ما يقارب الخمسة ملايين نسمة، أكثر من نصفهم يعيشون في منطقة ادلب. فيما يتجاوز عدد سكان مدن تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة “مناطق نبع السلام” 300 ألف نسمة بحسب احصائيات 2019.

وكان فريق “منسقو الاستجابة السريعة في سوريا”، قد نشر في العام الماضي احصائية أظهرت أن عدد المخيمات في مناطق شمال غرب سوريا بلغ 1137 مخيماً، يعيش فيها أكثر من مليون ونصف المليون نسمة. وفي الموازاة، ذكرت إحصائية صادرة عن مكتب اللاجئيين التابع للائتلاف الوطني، أن هذه المخيمات تضم نحو مليون و700 ألف شخص، ويشكلون 321 ألف عائلة، بينهم 45 ألف من ذوي الاحتياجات الخاصة.

غياب الأولويات

ويعتبر كثيرون من السوريين، أن الأولوية في هذا المشروع يجب أن تكون للنازحين المقيمين في المخيمات الذين يعيشون ظروفاً مأساوية لجهة انعدام الأمن واستمرار حركة نزوح المدنيين جراء تهديدات قوات النظام من خلال عمليات القصف بين الفينة والأخرى، فضلاً عن غياب المقومات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن حياتهم.

ويؤكد وائل نبهان عضو مجلس إدارة منظمة أبرار للإغاثة والتنمية، أن المنطقة لا تستطيع تحمل الأعداد التي تريد أنقرة إعادتها، خصوصاً وأن المسؤولين الأتراك تحدثوا عن وضع خطة لبناء نحو مئتين وخمسين ألف منزل بمساحات مختلفة بين 40 و60 و80 متر مربع.

ويقول: “المخيمات تغطي اليوم كامل المناطق المحررة، ومنها ما هو على بعد أميال من معسكرات جيش النظام كما هو الحال مع مخيم بنش بريف ادلب الذي يبعد مسافة لا تتجاوز الثلاثين كيلومتراً عن مناطق تمركز الجيش، ويعيش فيها النازحون مضطرين بسبب اكتظاظ المنطقة”.

ويضيف: “الأولوية يجب أن تكون لنازحي الداخل في هذا المشروع، والعمل على تنمية المنطقة أولاً، من خلال بناء مجمعات اقتصادية وتوفير أرضية صناعية مناسبة وبنية تحتية لافتتاح ورش تصنيع صغيرة وإنشاء سوق حرة لتصدير المنتجات، ما يجعلها أكثر تقبلاً للعائدين الجدد”. ولفت إلى أن ” إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري في وضعه الحالي، تعني ببساطة إضافة مليون عاطل عن العمل إلى قائمة المحتاجين والمعرضين للموت في أي لحظة بسبب الوضع الأمني، ومعهم القضاء على دخول آلاف العائلات التي تعيش على مايرسله هؤلاء من حوالات مالية”.

لماذا اللاجئيين؟

غياب المقومات، عزز الاعتقاد بأن الخطة التركية لا تتعدى التصريحات الإعلامية للتخفيف من احتقان الشارع التركي مع ارتفاع حدة خطاب إعلام المعارضة تجاه اللاجئين السوريين واستخدامه كورقة ضغط ضد الحكومة مع اقتراب موعد الإنتخابات العام القادم. بينما يعتبر محللون أن هذه الأسباب تجعل منه أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي في حديثه لـ”المدن”، إن هدف الحكومة التركية الحالي يتمثل بسحب ورقة اللاجئين من يد أحزاب المعارضة التي تتهم حكومة حزب العدالة والتنمية بفشل إدارتها في ملف اللاجئين.

وأضاف: “يعتبر الملفان الاقتصادي واللاجئين، هما الأبرز في ساحة التنافس حالياً بين الأحزاب التركية في الانتخابات الرئاسية القادمة”، مشيراً الى ان “الحكومة الحالية تريد التخفيف من تداعيات مشاكل اللجوء السوري في تركيا قبل موعد إجرائها العام المقبل، وفي حال تحسن الوضع المعيشي والاقتصادي في تركيا فإن ورقة اللاجئين سيتضاءل تأثيرها”.

ويشير معراوي إلى أن “أنقرة لا تمانع من توافد المقيمين في أراضيها إلى مناطق سيطرة المعارضة رغم الكثافة السكانية التي تعاني منها المنطقة، بهدف تقليل أعداد اللاجئين السوريين وإعادة ثقة الشارع بها”.

في هذا الوقت، يشكك سوريون بواقعية العودة الطوعية، رغم التطمينات الحكومية والحديث عن تواجد موظفين تابعين للأمم المتحدة في مراكز استقبال طلبات العودة، خصوصاً بعد تشديد الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية بحق السوريين المقيمين في أراضيها وعمليات الترحيل القسري الذي يتعرض له عشرات اللاجئين بشكل شبه يومي.

وبدأت منظمات حقوقية تركية وسورية بالتحرك لمنع ترحيل اللاجئين السوريين وفق الخطة التركية، خاصة وأن إعادتهم تعارض القانون الدولي والمادة السادسة من قانون “الحماية المؤقتة”، إلا أن هذه التحركات لاتقلل مخاوف السوريين إن كان المقيمين على الأراضي التركية من ترحيلهم وتوطينهم في مناطق غير مناطقهم، أو سوريو الداخل من زيادة الكثافة السكانية وتضخم المشاكل والأزمات التي تعاني منها مناطقهم.

المدن

—————————–

3 كلمات تحدد مصير السوريين في تركيا/ محمد وسام

يتواصل الجدل بين السوريين في تركيا، بعد إعلان الحكومة التركية على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مشروع “العودة الطوعية” الذي يستهدف إعادة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال الشهور القريبة المقبلة.

ما يقلق السوريين كثير من النقاط أبرزها حضور هذا المشروع في مثل هذا الوقت، إلى جانب الآلية المتبعة في تنفيذ المشروع، وفيما إذا كانت السلطات ستتعمد إجبار اللاجئين على العودة، في ظل ظروف غير آمنة للمناطق السورية، سيما وأنه لا توجد أية مناطق آمنة فعليا أو مناسبة للعيش.

صحيفة “صباح” التركية، كشفت يوم أمس الأربعاء عن تفاصيل جديدة حول المشروع، حيث أكدت التوافق على تسميته بمشروع (2Y- 1Ç)، ويتضمن في معناه كلمات استقر، عِشْ، اعمل.

وبحسب تقرير الصحيفة فإن المشروع يهدف إلى بناء ما بين 200 إلى 250 ألف منزل في 3 أنواع مختلفة، قبل نهاية العام الجاري، وبمساحة 40 و60 و80 مترا مربعا، ليتم تسليمها للعائدين، وفق عدد أفراد كل عائلة.

قد يهمك: موقف تركي جديد مع دمشق.. ما أسباب ذلك؟

موقع المشروع في سوريا

وسيتم بناء هذه الأبنية السكنية في مناطق  جرابلس وإعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا، تزامنا مع بناء مبانٍ اجتماعية وثقافية، مثل المدارس ومراكز التسوق، والقاعات الرياضية، والهياكل الإدارية للمدينة، ما يعني أن السوريين المشمولين بالعودة لن يعود إلى مدنهم التي كانوا يعيشون فيها قبل الخروج من البلاد.

ويرى الحقوقي المهتم بقضايا اللاجئين السوريين في تركيا طه الغازي، أن المشروع الذي أعلنت عنه الحكومة التركية تحت مسمى “العودة الطوعية“، هو بعيد كل البعد عن العودة الطوعية، معتبرا أن المشروع هو “إعادة توطين“.

عودة طوعية أم إعادة توطين؟

الغازي يردف خلال حديثه لـ“الحل نت“: “هي بحد ذاتها قد تكون تحت مسمى العودة الطوعية، لكنني أراها إعادة توطين إن لم يتم اقتران عودة اللاجئ السوري إلى بلده، بعودته حيث كان يعيش قبل لجوئه إلى تركيا إلى مدينته ومنزله الذي كان يعيش فيه، إعادة ابن دمشق أو ابن دير الزور إلى إدلب أو جرابلس، هي ليست عودة طوعية وإنما إعادة توطين“.

ويؤكد الغازي وجود صعوبات اقتصادية لدى تركيا في تنفيذ هذا المشروع، لكنه لا يستبعد مشاركة دول عديدة في تمويله كقطر، إضافة لتخصيص جزء من الحزمة المالية التي تم إقرارها في مؤتمر “بروكسل للمانحين” بنسخته الأخيرة السادسة للمساهمة في مشروع العودة الطوعية.

ويعتقد الغازي أن تركيا ستسعى لأن يشمل المشروع أكثر من مليون سوري في تركيا، لا سيما وأن دراسات لمؤسسات التركية أشارت في وقت سابق إلى أن “مليون وأكثر من اللاجئين السوريين لديهم الرغبة في العودة إلى بلادهم في حال توفر الظروف الآمنة“.

وتكمن الصعوبات بحسب الحقوقي في المراحل التي تتبع تنفيذ المشروع، “خاصة أن الواقع الاقتصادي في مناطق شمالي سوريا وإدلب اليوم هو واقع يعتبر عند مستوى خط الفقر. البطالة موجودة في المنطقة أصلا، فكيف إذا أضفنا كتلة بشرية دون تأمين مشاريع وفرص عمل لهؤلاء“.

ويختم الغازي حديثه بالقول: “إن لم يتم تدارك الجوانب الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية في المنطقة، فإنها ستشهد حالة انفجار سكاني وتكثر المشاكل والصدامات، فضلا عن الفساد في الفصائل العسكرية، هذه المشاكل تؤثر بشكل سلبي حتما على نجاح مشروع العودة الطوعية“.

وتحاول الحكومة التركية مؤخرا التخفيف من تأثير ملف اللاجئين السوريين على الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو 2023، لا سيما بعد أن نجحت الأحزاب المعارضة في كسب المزيد من الحاضنة الشعبية بعد أن استخدمت ورقة اللاجئين في دعايتها الانتخابية.

اللاجئون السوريّون في تركيا.. ملف مساومة؟

تشير الأدبيات الحديثة حول تأثير اللاجئين على السلوك الانتخابي في البلدان المضيفة، إلى أن وجود اللاجئين ومن ضمنهم السوريين يتسبب في تراجع الدعم للأحزاب الحاكمة وزيادة أصوات الحركات المعارضة داخل البلاد، وهذا ما قد يحدث مع تركيا خلال الانتخابات المقبلة بعد حوالي عام من الآن.

فعلى مدار السنوات الماضية، يستغل مسؤولون وشخصيات تركية باستمرار ملف اللاجئين السوريين في تركيا تحقيقا لمصالحهم، بينما تنتشر عشرات الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة بحق السوريين في البلاد.

ورغم التوضيحات المتواصلة التي يُعلن عنها من قبل الدوائر الحكومية التركية، إلا أن العديد من المسؤولين يواصلون التصريح بمعلومات مضللة كأعداد مواليد السوريين في ولاية هاتاي أو عدد السوريين الحاصلين على الجنسية أو مواضيع أخرى.

————————

=================

تحديث 22 أيار 2022

——————–

السوريون في تركيا وأحاديث العودة/ عبد الناصر الجاسم

توصف سوريا اليوم في أدبيات اللجوء بأنها تمثل أكبر أزمة نزوح قسري في أنحاء العالم، حيث سجلت أرقام الأمم المتحدة 6،7 مليون مهجّر قسري داخلي ما زالوا يقيمون في الأراضي السورية، و6،8 مليون لاجئ خارجي انتشروا في بلدان مختلفة منها إقليمية ومنها بعيدة امتدت إلى الأميركيتين وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي، ويقيم بعض السوريين في عدد من الدول العربية تحت مسميات وصيغ قانونية مختلفة. وهذه الأعداد الكبيرة غادرت سوريا لأسباب عدة ما زال معظمها قائماً، أما أحاديث عودة المهجرين والترويج لها فليس جديداً بل بدأ تقريباً مع بداية عام 2017 متزامناً مع انحسار المواجهات العسكرية واتفاقيات خفض التصعيد واستعادة النظام الحاكم سيطرته على العديد من المدن والقرى بعد أن دمرها وهجّر سكانها ونهب ممتلكاتها مستعيناً بشذاذ الآفاق من ميليشيات طائفية ومرتزقة روسيا وإيران.

أما تقديرات الأمم المتحدة لأعداد العائدين طوعياً إلى سوريا بين عامي 2016 – 2021 فتبلغ 279684 لاجئاً، وعرَّفت العودة الطوعية بأنها تعني: “عندما يتخذ اللاجئ قرار العودة يكون قراراً حراً ومستنيراً بالعودة إلى بلده الأصلي بأمان وكرامة” وبالإشارة إلى العديد من الدراسات والجهود المبذولة لدراسة واقتراح الحلول والسناريوهات لعودة النازحين فقد برزت ثلاثة سيناريوهات للعودة وهي:

الأول – العودة المستدامة للمكان الأصلي للشخص النازح أو المُهجّر.

الثاني – الاندماج المحلي المستدام في المنطقة التي نزح إليها الشخص النازح أو المُهجّر. 

الثالث – إعادة توطين في بلد ثالث آمن عبر مكاتب وبيروقراطية الأمم المتحدة.

وأما بعد مرور عقد من الزمن على قضية السوريين واستعصاء الحل الجذري والشامل فالسياق السياسي والصراع يقيّدان المتابعة في أي مسار من المسارات السابقة باستثناء إعادة التوطين وعلى نطاق محدود وفي سياق زمني بطيء.

الوصف القانوني للسوريين في تركيا: عندما تدفق السوريون عبر الحدود المفتوحة إلى تركيا فارين من الموت والدمار في النصف الثاني من عام 2011، لم يخطر ببال أحد أنهم سيقيمون عشر سنين أو سيبلغ عددهم قرابة 3،6 مليون شخص في مختلف الولايات التركية، ووصف مؤشر الضغط للسوريين لسنة 2019، الذي يصدر بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين في تركيا، اللاجئَ السوري بأنه “لاجئ مدن”، حيث يعيش 61.781 سوريًّا فقط في المخيمات ومراكز الإيواء، أي ما نسبته 1،7% فقط من أصل 3625520، وقد توزعوا في المدن التركية باحثين عن فرصة لكسب العيش، ولذلك ثمة ارتباط شديد بالوضع القانوني للسوريين ونوع الإقامة التي يحصلون عليها.

لقد دارت الكثير من الحوارات والنقاشات في المواضيع المتعلقة بإشكالية، وصف هذا الوجود للسوريين المتأرجح بين الحالة القانونية والحالة الإنسانية والمجتمعية، ويجب أن نقول بموضوعية إن انتقال هذه المجاميع البشرية عبر الحدود، خلال فترة زمنية قصيرة، سيواجه العديد من التحديات من جهة المجتمع المضيف والأوعية القانونية والإدارية والقدرة على التعامل مع هذه الحالة المفاجئة للجميع، ومن جهة الفارّين وتحدياتهم النفسية والمعنوية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية، ومحدودية القدرة للوصول إلى تعايش واندماج مع المجتمع المضيف ضمن الظروف الموضوعية لكلا الطرفين، والذي زاد الطين بِلة هو عملية التعاطي مع هذه التحديات، ونقلها وتحليلها عبر منصات إعلامية وبحثية مختلفة بصورة غير موضوعية، فقد وقعت في فخ التجاذبات والآراء السياسية في أوساط المجتمع التركي المضيف، وسهّل ذلك عملية تسويق بعض الأفكار والانطباعات المغلوطة عن السوريين من نواح عديدة. إن الوضع القانوني لوجود السوريين في تركيا يُعدّ من أكثر المواضيع التي أثارت مفاهيم مغلوطة، وصوّرت مواقف غير موضوعية لدى الرأي العام للمجتمع المضيف، وكذلك شوشت أفكار السوريين أنفسهم، فهم لم يعودوا يعرفون أهم لاجئون، أم ضيوف يتمتعون بحماية مؤقتة، أم مقيمون إقامة إنسانية، وماذا يترتب على كل وصف من هذه الوصوفات.

يصنف القانون التركي وجود الأجانب القادمين من خارج تركيا في أربع حالات تصنيف:

لاجئ: وتشمل القادمين من دول مجلس الاتحاد الأوروبي.

لاجئ مشروط: وتشمل القادمين من خارج دول مجلس الاتحاد الأوروبي.

الحماية الثانوية: كل الأجانب الذين يستوفون الشروط ولا يدخلون ضمن تصنيف لاجئين.

الحماية المؤقتة: مواطنو الجمهورية العربية السورية + المجموعات والأفراد الذين يجتازون الحدود على شكل هجرات جماعية ولا يتم تقييم طلباتهم الفردية، إذاً وفق قانون الحماية الدولية لعام 2013 وتنظيم الحماية المؤقتة عام 2014 يقع وجود السوريين في صيغة “الحماية المؤقتة” لا في صيغة اللجوء، وبذلك ترتب على السوري واجبات اللاجئ من ناحية الاندماج وتعلم اللغة والمساهمة المجتمعية دون تمتعه بحقوق اللاجئ وفق معايير القانون الدولي.

أحاديث العودة: مما لا شك فيه أن الطروحات المتصاعدة حول عودة السوريين وشكل هذه العودة وآلياتها، لا يمكن فصلها عن سياقات سياسية دولية وإقليمية من ناحية وكذلك التجاذبات السياسية في الداخل التركي مع اقتراب مواعيد الانتخابات، ولا سيما أن بعض الأحزاب ومنصاتها الإعلامية جعلت من ملف السوريين في تركيا برنامجها الانتخابي الوحيد من خلال ربط وجود السوريين بالمشكلات الاقتصادية وتداعياتها على المجتمع التركي وتصويرهم بالعبء الذي ما إن يزول حتى تزدهر الحياة الاقتصادية من جديد، متجاهلين الجوانب الموضوعية الأخرى لهذه القضية.

وما زاد القلق لدى السوريين هو صدور التصريح عن مشروع العودة عن أعلى المستويات السياسية في الدولة، وإعلان برنامج زمني يترافق مع خارطة طريق وتحديد نقاط ومناطق بعينها، وفي ظل عدم سلامة العلاقة بين مؤسسات المعارضة السورية الرسمية مع السوريين وغياب الشفافية والوضوح والمصداقية، فقد أثارت هذه الأحاديث في خلد السوريين العديد من التساؤلات وأبرزها:

1 – ما هو دور مؤسسات المعارضة السورية الرسمية في مشروع العودة؟

2 – ما هي معايير اختيار العائدين؟

3 – ما مدى واقعية تحقيق هذا المشروع من ناحية الجهد والمال والوقت؟

4 – ما هو دور المجتمع الدولي عبر مؤسساته المختلفة في هذا المشروع؟

5 – هل البيئة في المناطق المحددة أصبحت مهيأة من الناحية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لضمان نجاح العودة؟

وهكذا لا يهدأ للسوري بال ما لم تنتهِ هذه العذابات عبر حل جذري شامل باقتلاع النظام الحاكم، وابتعاد شبح الاعتقال وكابوس “مجزرة التضامن” الذي تكرر في جميع مناطق سوريا المحتلة مما يحقق عودة آمنة لجميع المهجرين السوريين.

———————–

في موجبات الاستجابة العاجلة لمفرزات مشروع “العودة الطوعية”/ غزوان قرنفل

عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً وبشكل رسمي عن مشروع “العودة الطوعية” لمليون لاجئ سوري من تركيا إلى مناطق الشمال السوري، فهو لم يعلن فقط عن انتهاء سنوات عسل السوريين في بلده، وإنما أعلن فقط عن مجرد بدء مرحلة أولى من مشروع ينفذ على مراحل يهدف لإعادة كل اللاجئين السوريين في تركيا أو لنقل سوادهم الأعظم وطي تلك الصفحة إلى الأبد من وقائع الحياة الاجتماعية والسياسية التركية.

الحكومة المؤقتة للمعارضة ما تزال ربما تحت وقع الصدمة ولم تستفق بعد على الحقائق الجديدة التي سيفرضها هذا المشروع على واقع حياة السوريين في مناطق الشمال التي تقع تحت سلطانها أو هكذا يفترض وماتزال تتكىء على يدها اليمنى وراحة كفها على خدها الأيمن، بينما (تهرش) بأصابع كفها الأيسر رأسها علها تجد إجابات واستجابات لما يلقيه هذا المشروع على كاهلها من مسؤوليات يبدو من الواضح تماما أنها لم تكن في خريطة حساباتها.

واقع الحال في الشمال حتى اللحظة لا يؤشر لأي استجابة من أي نوع لهذا المستجد، ولم يطرح أحد بعد إجابات عن كيفية التعاطي مع مفرزات ونتائج هذه المستجدات.. فما تزال القوى العسكرية تتعاطى مع كل الأمور كبنى ميليشيوية ولا تبدي حتى الآن أية إشارة إلى إمكانية إعادة صياغة تلك البنية العسكرية وفق تراتبية مهنية ترتبط بسلطة واحدة مركزية يفترض أن تكون مرجعيتها الحكومة المؤقتة، وما تزال تحرص على بقائها حارسة لإقطاعياتها والمساهمة في إدارة موارد اقتصاد الحرب الذي تتعيش عليه.. بينما توغل المجالس المحلية في افتراض أنها المعنية بإدارة كل الملفات الداخلية أيا كان نوعها، وسواء أكانت داخلة ضمن اختصاصها أو خارجة عن ذلك، وما يزيد من تعقيد الأمور أنها مرتبطة مباشرة بالإدارة التركية في الولايات الجنوبية الحدودية وما تمليه عليها من سياسات وقرارات أكثر من ارتباطها باحتياجات المنطقة التي تزعم تمثيلها لها وتدعي إدارة مختلف شؤونها.. أما القضاء ورغم أنه من أهم المؤسسات التي يجب الاشتغال عليها ودعمها وتعزيز قدرتها على إرساء العدل وإنفاذ القانون لما لذلك من أثر غاية في الإيجابية على تلك المناطق وسكانها، فإنه مع الأسف مهمش وفي غيبوبة تامة دخلها إما طواعية وامتثالا لعوامل وموازين القوة أو أدخل فيها قسرا باعتباره على الضد مما يجري وما يراد له الاستمرار من حالة الفوضى المنضبطة بموازين القوى وقهر السلاح.

ليس من المفيد الإسهاب والاكتفاء بالتوصيف وندب واقع الحال الذي وصل إلى مرحلة لم يعد من الممكن احتمالها على مختلف الصعد، وفي مقدمتها حال الناس المعيشية والتي من المتوقع أن تزداد سوءا لا قدّر الله مع تزايد الأزمات العالمية وارتداداتها التي بدأت تظهر تبدياتها الأولى على المنطقة عموما.

اليوم نحن أمام استحقاقات كبيرة ومسؤوليات أكبر.. لا ينفع فيها فقط الاتكاء على تركيا التي وعدت ببناء مساكن وبنى تحتية للعائدين أو المرحلين لا فرق.. بل صار يتعين علينا وعلى نحو عاجل وضع خريطة طريق واضحة الخطوات تجيب على أسئلة من قبيل: كيف يمكن أن ندير شؤون الناس على نحو أمثل على مختلف المستويات الصحية والتعليمية والقانونية والاقتصادية والخدمية وفرص العمل؟ وكيف ومن أين نؤمن الموارد اللازمة لفعل ذلك؟

أعتقد أن الإجابة عن تلك التساؤلات تفترض إعادة صياغة الوضع بكليته في مناطق الشمال، بدءا من تشكيل مجلس قضاء يتولى شأن المؤسسة القضائية ورجالها ويتمتع باستقلالية في قراراته عن الإدارة الحكومية، مرورا بإعادة تنظيم وحدات وتشكيلات عسكرية جديدة يقودها عسكريون محترفون ومختصون ينظمون بنيتها وأماكن وجودها وانتشارها بعيدا عن المدن، ويمنعونها من التدخل بحياة الناس – بديلا عن الشكل الميليشيوي الحالي – وتخضع كل تلك التشكيلات لقيادة أركان عسكرية تتبع وزارة الدفاع وتأتمر بأمرها فحسب، وعلى المستوى التعليمي إناطة الأمر لمختصين ضمن مديريات تتبع وزارة التعليم وكف يد المجالس المحلية عن هذا الشأن، أما على المستوى الخدمي فتضطلع به مجالس محلية يتم انتخابها بشفافية وتقوم بدورها المحدد لها وفق قانون الإدارة المحلية المعمول به.. وصولا إلى تنظيم انتخابات عامة لانتخاب أعضاء الحكومة نفسها التي يقع على كاهلها إدارة هذا الشأن كله وإطلاق بضعة مشاريع تنموية زراعية وحيوانية وصناعية متوسطة تستوعب بعض الأيدي العاملة الموجودة أصلا أو العائدة من تركيا تعتمد في تمويلها على موارد المعابر الحدودية والهبات الدولية، دون أن يغيب عن البال حوكمة الأداء وترشيد الإنفاق ودون أن نغفل أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني والنقابات التي يجب أن يدرك قادتها أن دورهم لايقتصر على مجرد تنظيم وإدارة شؤون أعضاء تلك النقابات فحسب، بل ثمة دور مجتمعي أوسع نطاقا لها لا يقل في أهميته عن دورها التقليدي، يتعلق بالدفاع عن الحريات العامة وتعزيز استقلال القضاء، ودعم عمليات الحوكمة والإصلاح الهيكلي لأدوات الحكم والإدارة في المنطقة.. وقبل كل ذلك وبعده إعادة صياغة العلاقة مع تركيا وشكل ومستوى التنسيق معها لخدمة المصالح المشتركة.

ثمة مليون سوري الآن – ربما سيكونون مجرد دفعة أولى – سيكونون جزءاً من البنية السكانية في تلك المنطقة، ولم يعد ممكنا بطبيعة الحال التعامل مع الأمر بنفس الطريقة والأدوات القائمة الآن، فهل سنتمكن من فعل ذلك؟ وهل ستكون لدينا القدرة والإرادة للقيام بما يتعين علينا فعله تجاه هذا المستجد، أم ستبقى الحكومة المؤقتة مستمرة في إسناد خدها الأيمن على راحة كفها بينما (تهرش) باليد اليسرى رأسها بحثا عن مخارج للمآزق التي وصلت إليها حال السوريين وأحوالهم؟!.

———————————-

================

تحديث 24 أيار 2022

————————————-

تركيا تلعب أوراقها قبيل الانتخابات… دخول السويد وفنلندا إلى الناتو مقابل دعم عمليتها في سوريا/ يامن المغربي

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الإثنين، عن اعتزام تركيا إطلاق عملية عسكرية في مناطق شمال سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مشيراً إلى أن الأمر ينتظر موافقة مجلس الأمن القومي التركي فحسب.

تصريحات أردوغان، تشير بشكل أو بآخر إلى أن العملية لا ترتبط فقط برغبة تركيا في إبعاد مقاتلين وتنظيمات تضعهم على قوائم الإرهاب عن حدودها فحسب، إذ إن توقيت الإعلان واقتراب موعد العملية العسكرية التي تدور حولها الشائعات والتحليلات والأخبار منذ شهور، يشي بأنها ترتبط بشكل مباشر بنقطتين أساسيتين إحداهما تؤثر على أخرى، ثالثة.

تأتي العملية في وقت تحفظت فيه تركيا على الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وأنباء متتالية عن انسحاب قوات روسية من سوريا لدعم العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، من جهة، ومشروع “العودة الطوعية” الذي أعلن عنه أردوغان قبل أسابيع، والذي يشمل إقامة مشاريع تنموية وتجارية وتعليمية لإعادة مليون سوري إلى بلادهم من تلك المناطق من جهة أخرى، وهذه النقطة بالذات هي التي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على النقطة الثالثة، أي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في صيف 2023، التي يصفها محللون ومراقبون بأنها “الأصعب” و”الأكثر حسماً” في تاريخ تركيا الحديث.

مبررات وأسباب

تركيا، وفق كلام أردوغان، ستتخذ قراراتها في ما يخص العملية خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الخميس المقبل. والحديث عن عملية عسكرية تركية جديدة في مناطق الشمال السوري ليس جديداً، إذ سبق أن صدرت العشرات من التحليلات السياسية والعسكرية والتقارير الصحافية الخاصة بالأمر، إلا أن ما صرّح به أردوغان هو الإعلان الرسمي الأوّل عن العملية، خاصةً مع عمليات استهدفت الداخل التركي، أعقبتها اتهامات وجّهتها أنقرة إلى “قسد” بتنفيذ هذه العمليات، كما أنها تأتي بعد عملية “المخلب”، التي نفّذتها تركيا في شمال العراق ضد “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، الذي تضعه على قوائم الإرهاب.

وكانت وتيرة الاشتباكات بين “قوات الجيش الوطني” و”قسد” قد ارتفعت خلال الأيام الأخيرة في ريفَي حلب الشمالي والشرقي، ومدينتَي “رأس العين” و”تل أبيض”.

يرى الكاتب السياسي التركي، حمزة تكين، في حديث إلى رصيف22، أن العملية العسكرية المرتقبة “كان لها العديد من المؤشرات خلال الأشهر الماضية، وما أعلن عنه أردوغان كان مجرد إعلان وتأكيد عليها”،

ويشرح: “مبررات العملية لم تنقطع يوماً خلال السنوات القليلة الماضية، وأهمها وجود تنظيمات (إرهابية) في الشمال السوري تهدد الحدود التركية والأمن القومي التركي وتهدد بتقسيم سوريا، وهو ما لا يتوافق مع مصلحة الأمن القومي التركي، خاصةً أن هذه التنظيمات (قوات سوريا الديمقراطية-قسد، وPKK)، نفّذت عمليات قصف وتفجير في مناطق غصن الزيتون ونبع السلام ودرع الفرات، كما استهدفت مناطق داخل الحدود التركية”، مشيراً إلى أن العملية “ستتم بالشراكة بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري كما العمليات السابقة”.

وأصدر المكتب الإعلامي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، بياناً أمس الإثنين، نفى فيه “أي بوادر لتغيير إستراتيجي في انتشار القوى الضامنة في مناطق نفوذها شمال شرق سوريا”، عادّاً أن التصريحات التركية لـ”تسخين الأجواء”، مستبعداً أي عملية عسكرية فعلية.

العملية والعودة الطوعية

لا يمكن الحديث عن العملية العسكرية التركية التي أعلن عنها الرئيس التركي، من دون ربطها بشكل أو بآخر بمشروع “العودة الطوعية”، خاصةً أن العدد الأوّلي الذي يستهدفه المشروع يشمل مليون سوري، في حال لم تُحتسب أعداد أخرى قد يتضمنها المشروع في وقت لاحق.

وعليه، فإن النظرية السياسية المطروحة هنا هي “عملية عسكرية تزيح خصوم أنقرة من على حدودها، وتؤمّن نتيجةً أفضل للمشروع، وتالياً تخفيف الضغط الذي يسببه ملف اللاجئين السوريين على حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات المقبلة في عام 2023”.

وبقدر ما يمكن القول إن هناك اتفاقاً حول ارتباط العملية بشكل أو بآخر بمشروع “العودة الطوعية”، يذهب الخلاف أكثر في اتجاه ارتباطه بشعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي، ويرى المحلل السياسي التركي، مصطفى كمال أرديمول، أن “العملية المحتملة يمكن أن تبدأ من منطقتَي تل رفعت ومنبج، والخطة هي السيطرة على هذه المناطق في المقام الأول”.

ويقول أريدمول لرصيف22: “أردوغان زعم بأن منظمتَي PKK، وYPD، كثّفتا من هجماتهما ومضايقاتهما في الشمال السوري، وأن مصدر هذه الهجمات هو منطقة تل رفعت، وعليه ستتم إعادة توطين المدنيين السوريين في المناطق الخالية، لذا أعتقد أن العملية مرتبطة بمشكلة الهجرة”.

ويضيف: “العملية تستهدف فعلياً جميع ممارسات حكومة العدالة والتنمية الحالية الداخلية، وأردوغان يحاول استعادة شعبيته قبل الانتخابات، لذا فإن العملية مرتبطة بالانتخابات بشكل مباشر، إذ قال أردوغان إنه سيعيد مليون سوري، وينوي تهيئة مناطق آمنة لهم في الوقت الذي يتواجد فيه الجيش التركي هناك بالفعل، لذا فإن الهدف هو فقط الحد من رد فعل المجتمع التركي، وأنا أرفض هذا الأمر لأنني لا أريد إعادة أي طالب لجوء طوعاً أم قسراً”.

في المقابل، لا يرى تكين رابطاً بين العملية والانتخابات المقبلة، ويقول: “لا علاقة لها (أي العملية) بالانتخابات على الإطلاق. هي عملية عسكرية ضرورية في هذه الفترة بعد أن طفح الكيل من هذه التنظيمات، كذلك هي مهمة للجيش الوطني السوري الذي سيفرض سيطرته على هذه المناطق”، مشيراً إلى الخطوات التي ستلي نهاية العملية العسكرية، إذ ستشرع تركيا “في عملية تنموية وإغاثية تشمل مشاريع هائلةً لإعادة ترميم البنى التحتية”.

وعليه، وفق تكين، “ستؤمّن عودةً طوعيةً لمئات الآلاف من السوريين الراغبين في العودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها، خاصةً الأكراد، إذ تستضيف تركيا 400 ألف من الأخوة الأكراد السوريين الذين هربوا من مناطقهم بسبب التنظيم وسياساته ضد كل من يخالفه، سواء أكان تركياً أو عربياً أو كردياً أو تركمانياً”.

أين روسيا وأمريكا؟

كان من المتوقع، وفقاً للظروف السياسية والظروف على الأرض في سوريا، أن تعترض كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على العملية العسكرية التركية المقبلة، إلا أن الظروف الحالية التي فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا، غيّرت قواعد اللعبة كما يبدو.

وتواردت الأنباء مؤخراً عن سحب روسيا لقواتها من مناطق عدة، وفق ما ذكرت صحيفة “موسكو تايمز”، في 17 نيسان/ أبريل الماضي، لدعم قواتها في أوكرانيا، وتسلّمت هذه المناطق قوات تابعة لـ”حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني”.

من جهة أخرى، فرضت الحرب في أوكرانيا، على الدول الأوروبية المجاورة لروسيا (السويد وفنلندا)، التخلي عن حيادها العسكري التاريخي والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو ما اصطدم برفض تركي صريح، إذ اتهمت أنقرة كلاً من السويد وفنلندا بدعم تنظيم (PKK) الذي تضعه أنقرة على قوائم الإرهاب.

وتسعى واشنطن إلى تسهيل عملية انضمام الدولتين إلى الحلف في سبيل الضغط على موسكو، في الوقت الذي أعلنت فيه الخارجية التركية عن لقاء يُعقد غداً الأربعاء في أنقرة، مع وفدين من السويد وفنلندا، للتباحث حول الانضمام إلى الحلف. وتحاول تركيا استغلال الموقف الحالي لكل من واشنطن وروسيا للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب خلال الفترة المقبلة.

يقول تكين، إن “تركيا لا تنتظر موافقة أحد، لا روسيا ولا أمريكا، لتتحاور معهما، لكن في نهاية المطاف عندما تفرض الظروف العملية العسكرية فإن تركيا لا تنتظر موافقة أحد، والدليل أن العمليات السابقة جرت بالرغم من معارضة روسيا وأمريكا والأمر ذاته يحصل اليوم”، ويضيف: “موقف روسيا أصلاً موقف ضعيف في سوريا نتيجة الحرب في أوكرانيا، والأمر نفسه بالنسبة إلى أمريكا بسبب محاولات إدخال السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، ورفض تركيا لهذا الأمر لدعمهما للتنظيمات”.

تنازلات متبادلة

يتوقع تكين، أن واشنطن ستقدّم تنازلاتٍ لتركيا في نهاية المطاف، “للحصول على موافقتها في شأن انضمام فنلندا والسويد إلى (الناتو). قد توافق تركيا وهي في مرحلة تحفظ وليس في مرحلة الرفض الكامل، وهذا التحفظ قد يزول عندما تربح تركيا الأوراق من الناتو والاتحاد الأوروبي”.

من جهته، يرى أرديمول، أن العملية العسكرية المرتقبة “ستتم وفق اتفاقيات أستانا وبعمق لا يتجاوز الـ30 كيلومتراً”. ويضيف: “لا أعتقد أنه سيتم إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة لهذه العملية، لكن تركيا ستقدّم بالتأكيد بعض التنازلات في ما يتعلق بعضوية الناتو لفنلندا والسويد، مع الولايات المتحدة. في النهاية، بغض النظر عن مدى رفض أردوغان، فإن الناتو هو الذي سيقبل فنلندا والسويد كعضوين”.

ولا يمكن لأي دولة الدخول إلى الحلف من دون الحصول على موافقة جميع أعضاء الحلف من غير استثناء، علماً أن تركيا تمتلك ثاني أكبر قوة عسكرية في “الناتو”.

يعتقد تكين أن “الولايات المتحدة ستبيع التنظيمات التي تدعمها في سوريا، في سبيل أهداف أكبر تتعلق بأوروبا وحلف الناتو، وتالياً هذا مكسب جديد للدبلوماسية التركية في لعبة الشطرنج التي تنجح فيها تركيا مجدداً في هذه الفترة الحساسة”.

في المحصلة، فإن العالم الذي يعاني من أزمات اقتصادية حادة وصل إلى مرحلة من الارتباط يُحدد فيها انضمام دولتين بحجم السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، مصير ملايين السوريين المنتظرين حلاً ما لأزمتهم المستمرة منذ سنوات، وسط صعود قوى جديدة إلى الساحة الدولية في ظل الظروف الحالية.

رصيف 22

——————————–

أردوغان: سنستكمل إنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومتراً شمالي سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستكمال العمليات العسكرية “لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومتراً على طول الحدود الجنوبية مع سوريا.

وقال أردوغان في مؤتمر صحفي عقب ترؤسه اجتماعا للحكومة في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة: “المناطق التي تعتبر بؤرة الهجمات والمضايقات ضد بلدنا ومناطقنا الآمنة هي على رأس أولوياتنا”.

وتعقيباً على مساعي السويد و فنلندا للانضمام إلى الناتو قال أردوغان: لا يمكن للدول الأخرى انتظار موافقتنا على انضمام هذه الدول (السويد وفنلندا) إلى الناتو دون أن تلبيا شروط تركيا، لن نقبل انضمام الدول التي تدعم أي تنظيم إرهابي يشكل خطراً على تركيا، إلى الناتو.

أوضح أردوغان يوم السبت الفائت في اتصال هاتفي مع رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون، أنّ تركيا اضطرت إلى تنفيذ عملية “نبع السلام”، ردا على التهديدات الإرهابية القادمة من سوريا باتجاه الأراضي التركية.

وأعرب عن تطلع أنقرة لاتخاذ السويد خطوات ملموسة تراعي المخاوف التركية بشأن “حزب العمال الكردستاني” وامتداداته في سوريا والعراق.

وشدد الرئيس التركي على أن بلاده دعمت دائما سياسة الباب المفتوح للناتو، واستدرك أنّ التضامن بين أعضاء الحلف مبدأ أساسي لأمن الأعضاء والأمن المشترك.

إلغاء المجلس الاستراتيجي مع اليونان

وأعلن أردوغان إلغاء بلاده عقد اجتماع المجلس الاستراتيجي مع اليونان.

وقال أردوغان: “لا أقبل بلقاء رئيس الوزراء اليوناني إطلاقا ولم يعد هناك أحد اسمه ميتسوتاكيس بالنسبة لي”.

وحول تزويد بلاده بمقاتلات إف-16، أعرب الرئيس التركي عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة لن تأبه لما يقوله رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس عند اتخاذها القرار في هذا الشأن.

وفي سياق الحديث عن التسلح وصفقات السلاح، أشار أردوغان إلى الكيل بمكالين مع تركيا بقوله: “اليوم يتغنون بنجاحات طائراتنا المسلحة من دون طيار في أوكرانيا، لكن بالأمس كانوا يصفونها بأنها آلات قتل لدورها في حرب قرة باغ، اليوم تراهم يشيدون بدور تركيا في الناتو، لكنهم بالأمس كانوا ينتقدون إجراءات بلادنا في ليبيا وسوريا”.

وأضاف الرئيس التركي: “نواب في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين رفضوا بيع أسلحة إلى تركيا بمقابل مادي”.

——————————

أردوغان يلمح لمعركة شمالي سورية.. واجتماع مرتقب لـ”القومي التركي

في 23/05/2022

مشاركة

ألمح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان لعملية عسكرية ستطلقها بلاده في شمالي سورية، تتعلق بمشروع “المنطقة الآمنة” الذي كشف عن تفاصيله قبل أيام.

وقال أردوغان في تصريحات صحفية، اليوم الاثنين: “سنبدأ باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية مع سورية”.

وأضاف: “المناطق التي هي بؤرة الهجمات والمضايقات والفخاخ ضد بلدنا ومناطقنا الآمنة على رأس أولوياتنا العملياتية”.

وأشار الرئيس التركي إلى أن القرار النهائي بشأن المسألة المذكورة سيتخذ “في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي سيعقد يوم الخميس المقبل”، بحسب ما نقلت وكالة “الأناضول”.

وكان أردوغان قد كشف قبل أسبوعين عن مشروع تسير به بلاده، ويهدف إلى إعادة مليون لاجئ سوري في تركيا إلى “منطقة آمنة” في شمالي سورية.

وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الحدود الذي ستكون عليها هذه المنطقة، فيما لم يذكر أردوغان المناطق التي قد تستهدفها العملية العسكرية إن حصلت في المرحلة المقبلة.

وتوقع المحلل السياسي التركي، إسماعيل كايا عبر “تويتر” أن يكون قصد الرئيس التركي المنطقة الممتدة بين مناطق “درع الفرات” و”نبع السلام”.

وتشمل هذه المناطق أجزاء من ريف حلب والرقة، منها عين العرب ومنبج.

وتابع كايا: “وإذا تحدثنا عن كامل الحدود فإن ذلك يشمل المناطق الشمالية الشرقية من سوريو في ريفي الحسكة والقامشلي أيضاً”.

ومنذ عام 2016 نفذ الجيش التركي سلسلة عمليات عسكرية، كان أولها تحت اسم “درع الفرات” في عام 2016، وأتبعها بعملية سيطر من خلالها على منطقة عفرين، وحملت اسم “غصن الزيتون”.

بعد ذلك وفي أواخر 2019 أطلق الجيش التركي عملية في مناطق شمال وشرق سورية، حملت اسم “نبع السلام”، وسيطر بموجبها مع تحالف “الجيش الوطني” على مساحة جغرافية تمتد من مدينة تل أبيض في ريف الرقة، وصولاً إلى رأس العين في ريف محافظة الحسكة.

————————————-

 تطورات حساسة في أيار تحدد مصير الملف السوري؟/ عاصم الزعبي

مع مرور أكثر من 3 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، بات المجتمع الدولي بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراق سياساته الخارجية، ولعل الملف السوري هو من بين أكثر الملفات العالقة في المنطقة، وهو الذي شهد جمودا كبيرا خلال الفترة الماضية.

المستجدات الأخيرة، وخاصة في شهر أيار/مايو الحالي، أعادت الملف السوري إلى الواجهة من جديد، فقد عاد التدخل في سوريا وتبني مواقف حولها من دول كبرى ومن دول إقليمية لتبرز معالم جديدة قد تكون حاسمة في المرحلة القريبة المقبلة.

منطقة تركية آمنة

مع مطلع الشهر الحالي، أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان، عن نية بلاده إتمام مشروع المنطقة الآمنة في الشمال السوري، من أجل إعادة نحو مليون لاجئ سوري عودة طوعية بحسب قوله.

ولكن حتى الآن، لا تعرف المدة الزمنية اللازمة لإتمام المشروع، كما لم تصدر أي آراء حوله من الدول الفاعلة، سواء بالرفض أو الإيجاب، وهذا ما دعا أردوغان لابتزاز الغرب ودعوتهم لمساعدة تركيا في إنشاء هذه المنطقة مقابل احتمالية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “شمال الأطلسي” (الناتو).

من جانب آخر، وفي منتصف الشهر الحالي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عن إصدار ترخيص عام يمنح المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق في شمال غرب وشمال شرق سوريا، (ماعدا مناطق إدلب وعفرين) استثناءات من العقوبات الأميركية، وذلك بغية تحسين الأوضاع الاقتصادية.

وقد استثنت الولايات المتحدة القطاعات التالية من العقوبات، الزراعة، التمويل، البناء، المعلومات والاتصالات، البنية التحتية للشبكة الكهربائية، النفط والتخزين، الطاقة البديلة، التجارة.

انسحابات روسية

مؤخرا ومع الضغط الذي تتعرض له روسيا نتيجة لغزوها لأوكرانيا، أشارت العديد من التقارير إلى أن روسبا بدأت بسحب عدد من قواتها من سوريا، وقد أفادت مصادر لـ”الحل نت”، أن الروس سحبوا جزءا من قواتهم من شرق سوريا، كما قاموا بالانسحاب من مطار كويرس في ريف حلب وتسليمه للإيرانيين.

وعلى الرغم من هذه التقارير إلا أن الروس لم يعلقوا عليها بشكل رسمي، ما دفع العديد من المحليين إلى اعتبار أن تغييرات مهمة سوف تطرأ على الأرض ترتبط بالملف السوري خلال المرحلة القادمة.

الخبير في الشأن الروسي، سامر الياس، قال لـ”الحل نت”، إن روسيا منذ العام 2018 تقريبا، وبعد ترسيخ وتثبيت خطوط التماس في سوريا بين الأطراف المتصارعة، والقوى المسيطرة على الأرض في 2020 وحتى الآن، سعت إلى صفقة مع الولايات المتحدة، لكن الأخيرة لم تقدم لها أي عرض مناسب لصفقة في سوريا، بل على العكس شددت من قانون قيصر، وغيره من الإجراءات، كما أنها لم تنسحب من سوريا كما لوحت في السابق، مضيفا أن سوريا ورقة بيد روسيا ستقوم برميها عندما يكون الثمن مناسبا.

الجنوب السوري وتصعيد محتمل

وسط أنباء عن انسحابات روسية من محافظة درعا، وحلول ميليشيات إيرانية بدلا عنها، حذر الملك الأردني عبدالله الثاني، يوم الأربعاء الماضي، من أن النفوذ الإيراني سيزداد في سوريا لاسيما في الجنوب بعد الأنباء عن انسحابات روسية بسبب غزو أوكرانيا.

التمدد الإيراني، برز بشكل واضح في الآونة الأخيرة في سوريا، من خلال إعادة تموضع وانتشار الميليشيات الإيرانية تحت ستار الجيش السوري، بالإضافة الحركة الأخيرة لتنقلات الضباط السوريين في الجيش والأمن، حيث جيء بضباط عُرف عنهم الولاء لإيران، أبرزهم المقدم يحيى ميا في الأمن السياسي، والمسؤول عن معبر نصيب الحدودي، والذي عُرف بولائه الشديد لإيران، وزياراته لليمن في مهمات تدريبية مع حزب الله لجماعة الحوثيين، بحسب معلومات من مصادر لـ”الحل نت”.

وفي هذا السياق، قال الصحفي الأردني، خالد المجالي، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أنه من الممكن أن يكون الأردن قد تحدث عبر القنوات الدبلوماسية مع إيران مرارا حول قضية تواجدها في الجنوب، وطالبها بكف يد ميليشياتها في جنوب سوريا، ولكن ذلك لم يكن كافيا، مضيفا أن الأمور قد تصل لتصعيد أكبر دبلوماسيا، ويصاحبه عمليات أكثر جرأة في العمق السوري بالتنسيق مع حلفاء استراتيجيين للأردن، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لا سيما أن الأردن يمتلك أدلة دامغة على تورط إيران في عمليات التهريب.

تحول في المشهد السوري؟

الصحفي السوري، عقيل حسين، يرى خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أنه في ضوء كل التطورات الأخيرة، فإن الملف السوري سيشهد تحولا كبيرا خلال العام الحالي، فالإدارة الأميركية ربطت بشكل واضح بين كل الملفات التي تتعلق بروسيا وبما فيها سوريا.

وأشار حسين، إلى أن التحركات الأخيرة للولايات المتحدة تدل على أن لديها خططا بالنسبة للملف السوري، وهذا لا يعني بطبيعة الحال وجود نية لدى واشنطن لإسقاط حكومة دمشق، أو باستئناف تحرك عسكري على نطاق واسع، ولكن بالتأكيد لديها تصورات مختلفة عن السابق، وقد اتضح ذلك من خلال الاستثناءات من العقوبات لشمال غرب وشمال شرق سوريا.

وبالإضافة لذلك، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة تخطط لإعادة انتشار في شمال سوريا، بعد قيام طواقم فنية وعسكرية أميركية مؤخرا بزيارة قواعدها السابقة في عين العرب، جرابلس، وإعزاز، لتعزيز الاستقرار في هذه المناطق، وتوجيه رسالة صريحة لإيران وروسيا بأنهم عادوا إلى سوريا بقوة أكبر، بحسب حسين.

احتمالات مفتوحة بشكل غير مسبوق في سوريا، ربما تحمل التهدئة في أجزاء منها، وربما تحمل التصعيد في أجزاء أخرى، فيما يبدو أنه عاد للملف السوري الزخم مؤخرا، وهو ما سيكون ورقة ضغط إضافية على روسيا بشكل رئيسي، وعلى إيران ودمشق أيضا.

—————————-

عودة اللاجئين السوريين: هل تستطيع الحكومة التركية توفير بيئة آمنة في الشمال السوري؟/ عمار جلو

تعتبر عودة اللاجئين السوريين أحد أهم القضايا المطروحة في ساحة المزايدات السياسة الداخلية في تركيا. إذ يعتبر البعض ملف اللاجئين السوريين جانبا من مفهوم الأمن القومي التركي، مما يجعله مثارا للتجاذبات السياسية الحادة.

وفي الثالث من أيار/مايو الحالي كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمة له في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب، في مخيم كمونة بمنطقة سرمدا التابعة لمحافظة إدلب، عن “تحضير أنقرة مشروعا يتيح العودة الطوعية لمليون سوري”.

 ووعد الرئيس التركي بأن “بلاده ستستمر بمساعدة السوريين، وسيكون مئة ألف منزل على الأقل جاهزا في شمال غرب سوريا، لاستقبال اللاجئين العائدين، بحلول نهاية العام الحالي”.

وأشار الرئيس أردوغان إلى أن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وسيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في ثلاث عشرة منطقة، على رأسها إعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي، وشرقا في تل أبيض ورأس العين، في منطقة عمليات نبع السلام، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق”.

فهل الشمال السوري بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، التي يصفها أردوغان بـ”الطوعية”؟

تعقيد الوضع في الشمال السوري

“الرابطة السورية لكرامة المواطن” نظمت، بالتعاون مع منظمة “سولاريس” التركية، مؤتمرا في أنقرة، في العاشر من شباط/فبراير 2022، بعنوان “البيئة الآمنة والعودة الطوعية”، شاركت فيه شخصيات أكاديمية وسياسية وإعلامية سورية وتركية، وممثلون عن المجتمع المدني.

وعرض د.علي ظافر ساغير أوغلو، الباحث التركي، دراسة ميدانية خلال المؤتمر، أجرتها جامعة “أنقرة بيازيد”، أكدت أن “ثلاثة وخمسين بالمئة من السوريين يريدون البقاء في تركيا، ويرون أن سوريا غير آمنة للعودة، والسبب الرئيسي هو ممارسات الحكومة السورية. أما البقية فيفضل معظمهم الهجرة إلى أوروبا”.

و تابع الدكتور ساغير أوغلو أن “الوضع على الخريطة السياسية في سوريا شديد التعقيد، في ظل السيطرة القوية لقوات الحكومة السورية، بدعم روسي إيراني، فضلا عن وجود قوات حزب الله وروسيا وتركيا، وقوى أخرى كثيرة، تتشارك جميعها السيطرة على الأرض السورية، لذا فالعودة لا يمكن النظر لها من زاوية دون أخرى، فهي موضوع شامل”.

من جهتها أكدت د.زينب شاهين منجوتيك، من “مركز بون للتغيير”، خلال مداخلتها في المؤتمر، أن “الوضع في سوريا غير آمن وغير مستقر”.

أنقرة تخطط بشكل استراتيجي لعودة اللاجئين السوريين

الأستاذ طه الغازي، الناشط في قضايا حقوق اللاجئين، قال لموقع “الحل نت” إن “مشروع عودة اللاجئين السوريين من تركيا، وغيرها من دول اللجوء، قديم، ويتم التخطيط له منذ فترة”.

مذكّرا بتصريحات  وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في أيلول/سبتمبر الفائت، حين أعلن عن “وجود مسار إيجابي من قبل المجتمع الدولي للعودة الطوعية”. إضافة لما أعلن عنه أوغلو عن “تنسيق بين أربع دول (تركيا العراق لبنان الأردن) للوصول لتفاهمات وتوافقات ميدانية لإعادة اللاجئين السوريين”.

ويضيف الغازي أن “آخر تصريحات الوزير التركي، حول مشروع عودة اللاجئين السوريين الطوعية، كانت خلال لقائه مع نظيره الأردني أيمن الصفدي قبل حوالي ستة أشهر، مما يعني أن ارتباط المشروع بالانتخابات التركية، وانسياق الحكومة التركية لخطابات ونداءات المعارضة، المطالبة بإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، هو ارتباط جزئي. فأنقرة تخطط بشكل استراتيجي لإعادة السويين، بغض النظر عن تقلبات الصراع السياسي بين الأحزاب التركية”.

إعادة توطين وليس عودة طوعية للاجئين

ويشير الغازي إلى “تناقض الخطاب الحكومي التركي، فقد صرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في حديثه لقناة TGRT التركية مؤخرا، أن الشمال السوري غير آمن لعودة اللاجئين السوريين، بسبب تعرضه لقصف القوات النظامية، وأيضا ما سماه ميلشيات PPK وPYD، ما أدى لسقوط قتلى من العسكريين الأتراك. في حين تعلن الحكومة التركية نيتها تنفيذ مشروع عودة طوعية لمليون لاجئ، ما يعني اعتبارها المنطقة آمنة للعودة. وهذا يطرح أسئلة كثيرة عن رؤية الحكومة التركية للموضوع”.

معتبرا أن “الطرح الحكومي التركي لا يتطابق مع المفهوم الأساسي للعودة الطوعية. فهذا المفهوم يعني عودة اللاجئ إلى بيته ومنطقته، أما نقل اللاجئين إلى منطقة جغرافية محددة سلفا، وبأعداد محددة، فلا يمكن اعتباره عودة طوعية. فضلا عن أن العودة الطوعية تتنافى من حيث المبدأ مع تحديد أعداد العائدين”.

ويشدد الغازي على أن “عودة اللاجئين السوريين، المنحدرين من مدن مثل دمشق أو دير الزور أو اللاذقية، إلى إدلب ومناطق الشمال السوري تندرج ضمن مفهوم إعادة التوطين، وليس العودة الطوعية، ما قد يؤدي لاحقا لتغيير ديمغرافي في المنطقة. وفي حال غياب التمثيل السوري عن التنسيق والإشراف على العملية، فقد تمهد إعادة التوطين لتقسيم سوريا”.

عودة اللاجئين السوريين ستضاعف مشاكل الشمال

الأستاذ غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين، نفى إمكانية اعتبار الشمال منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، استنادا إلى تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، والتي اعتبرت كامل الجغرافيا السورية مناطق غير آمنة.

وفي حديثه لموقع “الحل نت” يشير قرنفل إلى “تعرض منطقة الشمال السوري لقصف متكرر من قبل الطيران الروسي والسوري، أو من قبل سلاح المدفعية التابع للقوات النظامية. إضافة لما تشهده المنطقة من اقتتال داخلي بين الفصائل التي تسيطر على المنطقة، رغم تبعيتها للجيش الوطني المعارض الموالي لتركيا؛ وما تمارسه هذه الفصائل من جرائم وانتهاكات بحق القاطنين في مناطق سيطرتها، مما يؤدي لانتهاك أغلب المعايير المطلوبة لتصنيف المنطقة آمنةً لعودة اللاجئين السوريين”.

وبحسب قرنفل “لا بد من توافر عناصر الأمان والحرية والكرامة في أي منطقة، لكي يمكن اعتبارها آمنة. وفي ظل عدم شعور الإنسان بالأمن على نفسه وأهله وأملاكه في مناطق الشمال السوري، لا يمكن اعتبارها مؤهلة لعودة اللاجئين السوريين”.

من جهته يتحدث طه الغازي عن “الفساد الأمني المنتشر في مناطق الشمال السوري، إلى جانب أشكال أخرى من الفساد. إضافة لما يعتري المنطقة من قصور خدمي. فالمنظومة التعليمية مهلهلة، وضاعف أزمتها انسحاب عدد من المنظمات التعليمية مؤخرا من المنطقة، ما يهدد بحرمان أربعة وأربعين ألف طفل من التعليم”.

مختتما حديثه بالقول: “في ظل الكثافة السكانية الكبيرة، التي تشهدها مناطق الشمال السوري، فإن عودة اللاجئين السورين، التي يسميها المسؤولون الأتراك عودة طوعية، ستؤدي إلى مضاعفة الاكتظاظ السكاني، مما يؤدي بدوره إلى تضاعف المشاكل المعيشية والصحية والتعليمية والأمنية، في بيئة غير آمنة أصلا”.

————————————–

==========================

تحديث 26 أيار 2022

————————–

قلق العيش السوري في تركيا/ مصطفى عبد الحق

لم تمر أحداث أنقرة، التي حصلت في شهر آب (أغسطس) العام الماضي، مرور الكرام كغيرها من الحوادث العنيفة التي حصلت سابقاً بين سوريين وأتراك، بل إنها فتحت الأبواب أمام سلسلةٍ من القرارات المتتالية بحق اللاجئين السوريين، وشدّدت الخناق عليهم بما انعكس سلباً على حياتهم اليومية. ففي صيف العام 2021 شهد حي آلتنداغ في العاصمة التركية توتراً كبيراً على خلفية مقتل المواطن التركي أميرهان يالتشين على يد سوريين. وبسبب التواجد الكثيف للأجانب في هذا الحي، وعلى رأسهم السوريين، فقد كانت تبعات الحادثة شديدة العنف، وشملت عمليات اعتداءٍ جماعي على السوريين وممتلكاتهم.

بعد أيامٍ قليلة من تلك الحادثة، اتخذت السلطات التركية جملةً من القرارات، كان أبرزها إيقاف منح بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) في ولاية أنقرة، وذلك اعتباراً من الثاني من أيلول (سبتمبر) 2021، على أن يتبع ذلك إرسال اللاجئين السوريين الموجودين في العاصمة، والمُسجَّلين في ولاياتٍ أخرى، إلى مدن تسجيلهم، وترحيل الذين ليس لديهم أي وضع حمايةٍ أو تصريح إقامةٍ إلى سوريا بشكلٍ مباشر.

أول نواقيس الخطر

ليس ذلك فحسب، بل إن أحداث أنقرة دفعت الحكومة التركية الى إطلاق مشروع «التخفيف المكاني»، والذي يهدف الى تخفيض تواجد الأجانب، وعلى رأسهم السوريين، في بعض الولايات والأحياء التركية، إذ يعيش قرابة 5.4 مليون أجنبي في تركيا، منهم 3.7 مليون سوري بحسب الإحصاءات الرسمية التركية. صحيفة حرييت التركية التي نشرت تفاصيل المشروع في شباط (فبراير) الماضي، أشارت الى أن وزارة الداخلية التركية ستعمل على تنفيذه لتحقيق شرطين أساسيين، هما: عدم السماح بأن يصبح للسوريين تجمعاتٌ في حيٍّ أو منطقة، وعدم السماح للأجانب بأن تزيد نسبتهم على 25 بالمئة من سكان أي حيّ في المدن التركية.

أما المناطق التي تجاوزت فيها نسبة الأجانب 25 بالمئة فعلياً، فسيتم معها اتخاذ خطوتين: الأولى هي إغلاق التسجيل في 800 حيٍّ تابعين إلى 52 ولاية، ومن ضمنها الولايات التي يتركز فيها السوريون، وعددها 16 ولاية هي أنقرة، أنطاليا، بورصة، أيدن، تشاناكالي، دوزجي، أدرنة، هاتاي، إسطنبول، إزمير، كيركلاريلي، كوجالي، موغلا، سكاريا، تكيرداغ،  يالوفا. وفي إسطنبول، تم إغلاق التسجيل في منطقتي الفاتح وإسنيورت على وجه الخصوص. في الخطوة الثانية، سيتم نقل السوريين الموجودين في الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية إلى مناطق وولايات أخرى بشكلٍ وصفته الخطة بـ«الطوعي».

وبالفعل، قامت وزارة الداخلية التركية بتطبيق مشروع التخفيف المكاني على حي آلتنداغ في أنقرة، والذي تجاوزت فيه نسبة الأجانب 25 بالمئة. وذكرت صحيفة جمهورييت التركية أن 4.514 لاجىءٍ سوري نُقلوا على «أساسٍ طوعي» من حي آلتنداغ إلى أماكن سكن أخرى، وتم إغلاق 177 محلٍ تجاري تعود لسوريين. وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الداخلية اختارت حي آلتنداغ كمنطقةٍ تجريبية لتطبيق المشروع، على أن يُطبّق لاحقاً في جميع أنحاء البلاد.

وقد أثار قرار الداخلية التركية مخاوف لدى اللاجئين السوريين من أن يُصار إلى نقلهم من بيوتهم نحو مناطق أخرى، كما حصل مع سوريين كانوا يقطنون حي آلتنداغ. ولكن من خلال تواصل الجمهورية.نت مع عددٍ من المصادر والصحفيين في ولاياتٍ تركيةٍ مختلفة، أكدوا أنه لم تحصل حتى الآن أي عمليات نقل لعوائل كاملة من أحياء مكتظة بالسوريين إلى أحياء أقل اكتظاظاً، وما حصل هو منع قيدِ أي سوريين جدد في تلك الأحياء، إضافةً إلى بعض عمليات الترحيل الفردية نحو الداخل السوري، والتي طالت عدداً من الشبان قالت السلطات التركية إنهم لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية أو يقيمون في غير ولاياتهم الأصلية، أو رُحّلوا نتيجة قيامهم بخروقاتٍ أمنية.

تشعر هديل بيدو من قاطني حي الفاتح في إسطنبول بالقلق من القرارات التي تستهدف السوريين في تركيا، وتركز على أكثر النقاط التي تؤرقها: «يشهد حي الفاتح تواجداً كثيفاً للسوريين، لذا نخشى أن يتم إخراج السوريين من الحي كما حصل في أنقرة، خاصةً أني قرأت أن الداخلية التركية تخطط لإخراج اللاجئين من الأحياء التي تتجاوز فيها نسبة تواجدهم 25 بالمئة». وتضيف هديل للجمهورية.نت: «لو صدر قرارٌ بخروجنا من الحي سيكون الأمر كارثياً علينا، فإيجار منزلنا حالياً مقبولٌ بعض الشيء لأنه بموجب عقدٍ قديم، لكن إذا خرجنا لن نستطيع العثور على منزلٍ بسعرٍ مناسب، فأسعار الإيجارات تتراوح اليوم بين 5 و6 آلاف ليرة تركية، وهناك بيوتٌ يصل إيجارها إلى 10 آلاف ليرة، فكيف نتحمل هكذا مبلغ؟ علماً أن راتب زوجي الشهري لا يتجاوز 5 آلاف ليرة؟».

ويرى محمود خورشيد، الصحفي المختص في الشأن التركي، أنّ إطلاق الحكومة التركية لمشروع تخفيف تواجد السوريين ضمن المدن التركية «جاء نتيجة ضغوطاتٍ من المعارضة التركية التي استغلت ورقة اللاجئين لكسب الحاضنة الشعبية، وبالتالي وجدت الحكومة نفسها تحت ضغطٍ قد يؤثر على وضعها في الانتخابات الرئاسية منتصف العام القادم، لذا بدأت بفرض سلسلةٍ من القيود على اللاجئين، ما يعني أن هذا المشروع كان بمثابة جرس إنذارٍ يشي بتغيّر سياسة تركيا تجاه اللاجئين».

وأضاف خورشيد المقيم في إسطنبول، والحاصل على الجنسية التركية، للجمهورية.نت: «سعت الداخلية التركية للقيام ببعض الإجراءات الأخرى لضمان تطبيق مشروع التخفيف المكاني، وعلى رأسها تكثيف دورات ‘اندماج السوريين مع الحياة المجتمعية’، والتعامل مع المشكلات الأمنية بشكلٍ حازم».

وتواصلت الجمهورية.نت مع أكثر من عشرين لاجئاً سورياً مقيماً في إسطنبول، بالإضافة إلى رصد الكثير من تعليقات السوريين والسوريات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبيّن أن جميع من وصلتهم رسائل لحضور دورة الإندماج يقيمون في أحياء تشهد تواجداً كثيفاً للسوريين، كالفاتح وبغجلار وإسنيورت وسلطان بيلي، ما يدل على تركيز الحكومة التركية على خلق الإندماج بين اللاجئين والأتراك في الأماكن المكتظة بالأجانب، ويبدو أن الدافع إلى ذلك هو تجنّب أي صداماتٍ مستقبلية في هذه المناطق بين الطرفين.

من جهته، وجّه مركز أبحاث الهجرة في تركيا (متين جوراباتر) انتقاداتٍ كثيرةً للحكومة التركية، بعدما أصدرت قراراً ينص على تخفيف تجمعات الأجانب، معتبراً أن اللاجئين السوريين سوف يواجهون مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة بعد صدور هذا القرار. وأشار المركز الى أن السوريين الذين غادروا حي آلتنداغ في أنقرة إلى أحياء أخرى، واجهوا صعوباتٍ كثيرةً جداً بخصوص العثور على منزلٍ أو عمل، كما أن هذا القرار سيكون عقبةً كبيرةً أمام السوريين الذين يعملون في المعامل والمصانع ويسكنون بالقرب منها.

توزيع خاطئ للاجئين

نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في العاشر من نيسان (أبريل) الماضي، خريطةً جديدةً تُظهر توزّع اللاجئين السوريين على الولايات التركية، وذلك بحسب آخر تحديثٍ أجرته المنظمة الأممية. ووفقاً للخريطة التي نقلتها وسائل إعلام تركية، فإنّ كلاً من إسطنبول وهاتاي وأنقرة وغازي عنتاب وشانلي أورفة من بين الولايات التي يقيم فيها معظم السوريين، حيث يبلغ عددهم في كلّ منها أكثر من 300 ألف شخص، بينما تستضيف كلٌّ من قونية وإزمير ومرسين وأضنة وبورصة وكلس ما بين 100إلى 300 ألف سوري.

أما بالنسبة للولايات الأقل استقطاباً للاجئين السوريين، بحسب المفوضية، فكانت ماردين وكهرمان مرعش وكوجه إيلي وقيصري من بين المدن متوسطة الاستضافة، حيث يُقيم في كل منها ما بين 50 إلى 100 ألف سوري، في حين تستضيف كل من ولايات ديار بكر وإيلازيغ ومَلاطية وأديامان وموغلا ومانيسا وسكاريا ما بين 10-50 ألف سوري.

ويُشكّل اللاجئون السوريون في تركيا نسبة 4.45 بالمئة من مجمل عدد السكان، إذ يبلغ عددهم 3.762 مليون، يعيش نحو 1.414 مليون منهم في المناطق الحدودية مثل غازي عنتاب وهاتاي وأورفا وكلس، لكن إسطنبول هي الولاية المفضّلة لدى السوريين، حيث يعيش فيها أكثر من 525 ألفاً. ويرى الصحفي محمود خورشيد أن «تطبيق خطة إعادة توزيع اللاجئين اليوم يعتبر أمراً معقداً للغاية، فكيف لك أن تطلب من لاجئٍ استقرَّ في منطقةٍ ما منذ خمس إلى عشر سنوات، وتأقلم فيها وأسَّسَ عملاً ضمنها، أن يذهب إلى منطقةٍ أخرى ويؤسس فيها حياةً جديدةً من الصفر. هذا أمرٌ صعبٌ جداً، ويُوحي بأن خطة التخفيف المكاني تعتبر في حدّ ذاتها آليةَ دفعٍ غير مباشرة للاجئين نحو العودة القسرية».

منع قيد الأجانب يشتّت السوريين

أصدرت الداخلية التركية بموجب مشروع التخفيف المكاني أوامرها إلى إدارة الهجرة بمنع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت الحماية المؤقتة، من قيد نفوسهم في المناطق التي يزيد فيها عدد الأجانب عن 25 بالمئة من إجمالي السكان. ولم تقدّم دائرة الهجرة أو النفوس أي تفاصيل معلنة ومباشرة بخصوص المناطق التي لا يحق للسوريين الإقامة فيها، ما أدخل السوريين في حالة من الإرباك والتعقيد.

عبد الرحمن لقموش لاجئٌ سوري يقيم في غازي عنتاب، وكان أحد المتضررين من قرار منع تقييد أجانب جدد: «عثرتُ على عملٍ جديد مؤخراً، لذا استأجرتُ منزلاً قريباً من مكان العمل، وحين ذهبت لتثبيت عقد الإيجار في إدارة النفوس رفضَ الموظف تقييد عنواني الجديد، وأخبرني أن هذا الحي يُمنع تقييد أجانب جدد فيه».

يضيف لقموش: «كانت صدمةً بالنسبة لي، فبعد أن دفعتُ مبلغاً قدره 15 ألف ليرة تركية (قرابة ألف دولار أميركي) كرسوم الإيجار والتأمين والكومسيون وتكاليف نقل الأثاث، أصبحتُ مضطراً للانتقال إلى منزلٍ جديد في حيٍّ آخر، وهذا يعني أني سأقيم في مكانٍ بعيدٍ عن عملي، عدا عن المشقة الكبيرة في البحث عن منزل آخر والتكاليف التي سأدفعها مجدداً من أجل الاستئجار ونقل الأثاث».

واجه أبو إياد لطوف، اللاجئ السوري في مدينة أنطاكية، المشكلة نفسها، لذلك دعا إلى «ضرورة وجود آلية تساعد السوريين على معرفة الأحياء التي لا يستطيعون تثبيت نفوسهم فيها، كي لا يقعوا في نفس المطب؛ بأن يستأجروا منزلاً ويدفعوا تكاليفه، ومن ثم يتفاجؤون بعدم إمكانية تثبيت عناوينهم في دائرة النفوس التي يتبع لها المنزل».

كما عبّر منذر عبيد، المقيم في الفاتح بإسطنبول، عن استيائه من منع تقييد سوريين جدد في الحي: «وصل أهلي إلى اسطنبول قبل شهر بموجب فيزا من بيروت، ولكني لم أستطع استئجار منزلٍ لهم قريباً مني، وذلك بسبب قرار منع تقييد سوريين جدد في حي الفاتح». اضطر عبيد للبحث عن منزلٍ في منطقةٍ أخرى. ويعلق على ذلك: «كانت مشكلةً كبيرةً بالنسبة لنا، فإسطنبول مدينةٌ كبيرة والمسافات بين الأحياء طويلة، وبالتالي لم أعد أستطيع رؤية أهلي سوى مرة أو مرتين في الشهر».

معضلة تثبيت العناوين

بدأت الحكومة التركية في تموز (يوليو) 2019 التضييق بشكلٍ كبير على السوريين، فأصدرت قراراً بضرورة تثبيت عناوين السكن، وبدأت بحملاتٍ على البيوت للتأكد من صحة العناوين ومدى تواجد أصحابها ضمن نفس العنوان. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أطلقت الداخلية التركية حملةً واسعةً في الطرقات لتفتيش هويات الأجانب، ولا سيما في ولاية إسطنبول، وقامت بترحيل كل شخصٍ يقيم في ولاية غير ولايته، ولكنّ قسماً منهم لم يُرحَّل إلى الولاية التي قُيّدت فيها إقامته، وإنما إلى سوريا بشكلٍ مباشر.

وتسبّب القرار في حينه بحالة قلقٍ وإرباكٍ للسوريين، ونظراً لخشية بعض السوريين المقيمين في ولاياتٍ غير ولاياتهم من أن يتمّ ترحيلهم الى سوريا، قرروا ترك أعمالهم وبيوتهم والعودة على نحوٍ فوري إلى ولاياتهم. يروي لنا مصطفى قدور، اللاجئ السوري المقيم في إسطنبول، ما حصل معه في 2019: «جئت الى تركيا عام 2014، وقررت الإقامة في ولاية هاتاي كونها الأقرب إلى سوريا، لكنّ ضعف سوق العمل فيها دفعني للانتقال إلى ولاية إسطنبول، وبالفعل تحسّن عملي كثيراً، إذ بدأتُ العمل في مجال الديكورات، لكن حين بدأت حملة التشديد على السوريين منتصف 2019، اضطررت لترك عملي والعودة إلى هاتاي».

يضيف قدور: «كانت عودتي إلى هاتاي مع عائلتي بمثابة الكارثة، فقد خسرتُ عملي، إضافةً إلى مصاريف الانتقال واستئجار منزلٍ جديد، كما أنّ أبنائي تركوا مدارسهم التي اعتادوا عليها في إسطنبول. ونظراً لعدم قدرتي وعائلتي على التأقلم مع الحياة في أنطاكية، اتفقت مع سمسار ليستخرج لي إذن عمل مقابل 5 آلاف ليرة تركية، وعدتُ بموجبه إلى إسطنبول من جديد». ونوّه قدور إلى أنّ انتقاله إلى هاتاي خوفاً من الترحيل، ومن ثم العودة إلى إسطنبول، كلّفه 30 ألف ليرة خلال ثلاثة أشهر، فضلاً عن خسارته لكثيرٍ من زبائنه خلال الفترة التي ترك فيها إسطنبول».

تكرّرت مطالب الحكومة التركية بوجوب تثبيت الأجانب لعناوينهم في تشرين الأول (أكتوبر) 2020 ونهاية العام 2021 وفي شباط وآذار من العام الحالي، بالترافق مع حملات على البيوت في مختلف الولايات التركية للتأكد من صحة عناوين الأجانب المُسجلة في النفوس. وطالبت مديرية دائرة الهجرة التركية اللاجئين السوريين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة بتحديث بياناتهم، ودعتْ المتخلّفين عن تحديث عنوان إقامتهم، أو الذين لم يكونوا موجودين في المنزل خلال زيارة الشرطة للتحقق من صحة العنوان، إلى حجز موعدٍ من الموقع الرسمي للوزارة على الإنترنت، وتحديث بياناتهم في أسرع وقت.

وقد صرّح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في لقاءٍ تلفزيوني في آذار (مارس) الماضي، أن 80 بالمئة من اللاجئين يعيشون في العناوين التي حدّدوها، وأن الحملة مستمرة حتى الوصول إلى معدل 90 بالمئة، مضيفاً أن ما بين 120 إلى 130 ألف لاجئٍ سوري لم يتم العثور عليهم في عناوينهم خلال الحملة التي انطلقت في بداية العام الحالي.

منعتْ الزياراتُ المحتملة والمفاجئة للشرطة التركية أم ياسين ربوع، المقيمة في منطقة إسنلر بإسطنبول، من الخروج من بيتها خشيةَ أن يأتي الموظفون فلا يجدوا أحداً. ولسوء حظها، اضطرّت في إحدى المرات الذهاب للتسوق، وحين عادت أخبرتها جارتها بأن الموظفين جاؤوا إلى المنزل فلم يجدوا أحداً. تتابع أم ياسين: «وصلت رسالةٌ إلى هاتفي وهاتف زوجي بأنه تمّ تجميد الكمليك، وعلينا خلال مدة شهر واحد تحديث بياناتنا حتى لا يُصار إلى إبطاله، لكنّ أقرب مواعيد الحجز الممكنة في إدارة الهجرة في بيازيد كانت بعد ثلاثة أشهر، وهذا أشبه بالمهمة المستحيلة، ما سبّب لنا حالة رعبٍ كبيرة، ومازلنا ننتظر الموعد رغم انتهاء المهلة المُحدّدة، ولا نعلم كيف سيكون مصيرنا».

كذلك كان الحاج أبو رياض (67 عاماً) المقيم في مرسين أحد المتضررين من قرار تثبيت العناوين. يقول: «ذهبتُ الأسبوع الماضي إلى المستوصف الموجود في منطقتي للعلاج، لكن الطبيب أخبرني أنه تم تعليق الكمليك الخاص بي بسبب عدم تثبيت عنواني، وبالتالي لا أستطيع الاستفادةَ من الخدمات الطبية المجانية، وهذا سبّب لي إزعاجاً كبيراً، فأنا أعاني من الربو المزمن وبحاجة لمعايناتٍ دورية وأدوية مستمرة. مع تجميد الكمليك سأضطر لشراء الأدوية وإجراء المعاينات المأجورة، ووضعي المادي سيٌّء جداً، ولستُ قادراً على تحمل هذه التكاليف الباهظة».

واجه آلاف السوريين المشكلة نفسها، إذ وصلتهم رسائل من مديرية الهجرة التركية باللغتين العربية والتركية، مضمونها: «تمّ إلغاء تسجيل الكمليك الخاص بك، حيث تم تحديده في تحقيق العنوان الذي أجرته الشرطة، التي تأكدت أنك لم تكن تعيش في العنوان الذي أعلنته، وأنك لم تقدم معلومات عنوانك الحالي خلال الفترة المحددة. إذا تقدّمتَ بطلب إلى إدارة الهجرة حيث تمّ تسجيلك في محافظتك، فسيتم تحديث معلومات عنوانك وسيتم تنشيط تسجيل الحماية المؤقتة مرة أخرى».

بالحديث مع  المنسّق العام لـ طاولة الحلول مهدي داود، وهي تجمّع سوري يضم أفراد ومؤسسات تُعنى بحل مشاكل السوريين عبر التواصل مع الجهات الرسمية التركية، قال إنّ تثبيت العناوين «حقُّ لأي دولة، وواجبُ على الأشخاص القاطنين على أراضيها، سواءً المواطنين أو اللاجئين، فمن حق الدولة معرفة عناوين السكان من أجل الوصول إليهم في حال ارتكابهم أي خرق أمني، أو لإيصال أي بلاغات أو دعاوى لهم، أو إعطائهم ملاحظات أو مساعدات. علماً أن المواطنين الأتراك ملزمون أيضاً بالتبليغ عن مكان سكنهم، وإلا فهناك غرامة مادية في حال عدم التبليغ عن العنوان الجديد خلال ثلاثة أسابيع».

ولكن رغم أن معرفة عناوين السكن إجراء قانوني اعتيادي تتبعه السلطات عادةً لحماية الأمن وإدارة الشؤون الخدمية، كما ذكر مهدي داود، لكن المشكلة في كيفية تطبيق هذا الإجراء من قبل السلطات التركية، إذ إن قدوم موظفي الهجرة والأمن التركي بشكلٍ مفاجئ دون إعطاء موعدٍ مسبق، أدى لإرباك السوريين وأسر حريتهم، كما ورد في شهادات عدد ممن التقيناهم.

ترحيل طوعي بنكهة قسرية

تداول ناشطون سوريون في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي تسجيلاً مصوّراً يُظهر عدداً من الشبان السوريين يحملون أوراقهم الثبوتية في تركيا، ويحتجّون على قرار ترحيلهم من الأراضي التركية، واصفين القرار بـ«القسري».

يقول أحد الأشخاص المُرحلين (فضّل عدم ذكر اسمه): «أوقفتني دورية أمن خلال مروري في ميدان إسنيورت بإسطنبول، وطلبت مني الكمليك، فأعطيتهم وثيقةً حصلتُ عليها حين سُجلتُ في مركز إدارة الهجرة، وهي ورقةٌ تمهّد لاحقاً للحصول على الكمليك، لكن الشرطة قالت لي إن هذه الورقة لا تصلح، ونقلوني إلى أقرب مخفر، حيث بقيت 24 ساعة».

يضيف المصدر ذاته للجمهورية.نت: «استفسرتُ هناك عن الإجراءات التي ستُتخذ بحقي، فأخبرني أحد عناصر الأمن أنهم سيقومون بتسوية أوراقي الثبوتية، وفي اليوم التالي جرى نقلي إلى مركز الاحتجاز بولاية توزلا. جلست هناك ليومٍ أيضاً، وبعدها تم نقلي مع مجموعة من الشبان الى ولاية كلس، ومن ثم نُقلنا إلى معبر أونجو بينار، حيث أجبرونا على البصم والتوقيع على أوراقٍ مكتوب عليها ‘ترحيل طوعي’، رغم أننا أخبرناهم أنه ليس لدينا مكانٌ نأوي إليه في سوريا، ولكن دون جدوى. أناشدُ السلطات التركية بضرورة إعادتنا إلى تركيا فوراً».

تحاصر القرارات التركية المتتالية اللاجئين السوريين، وتجعل بعضهم يفكر بالعودة غير الآمنة إلى سوريا أو الهجرة إلى أوروبا. يقول اللاجئ السوري أبو راتب درويش: «نسمع كل فترة عن قراراتٍ جديدة تزيد من الضغط علينا، عدا عن الغلاء الكبير الذي يزداد في تركيا يوماً بعد يوم بينما مستوى الدخل لا يتحسن، وهذا جعلني أفكر جدياً بالعودة إلى سوريا في ظل صعوبة السفر الى أوروبا التي باتت حلم آلاف اللاجئين في تركيا».

لماذا كل هذه القرارات؟

مع تتابع القرارات تركية المتعلقة باللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، وازدياد وتيرتها خلال الشهور الأخيرة، تحوّلت سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها تركيا منذ بداية الثورة السورية إلى سياسةٍ تتّسم بالتضييق وإغلاق الأبواب. وكانت بداية مسلسل التضييق مطلع العام 2016، حين فرضت تركيا تأشيرة دخول على السوريين الراغبين بعبور الحدود نحوها، وفي ذات العام طالبت اللاجئين باستخراج إذن سفر للتنقل ضمن الولايات التركية.

في الأشهر الماضية، وفضلاً عن قرارات وزارة الداخلية وعمليات الترحيل العشوائية، برزت دعواتٌ من مسؤولين أتراك في السلطة والمعارضة بوجوب إعادة السوريين الى بلادهم. كما قررت السلطات إلغاء إجازات العيد، وذلك رغم دخول حوالي 3 آلاف شخص إلى سوريا قبل صدور القرار، وذلك وسط مخاوف من عدم سماح تركيا لهم بالعودة من سوريا.

وطال التضييق حاملي الإقامات السياحية أيضاً، إذ قال غوكتشا أوك، وهو المدير العام للاندماج والتواصل في رئاسة الهجرة التركية، إن الإقامة السياحية ستعطى للقادمين إلى تركيا لأول مرة لمدة 90 يوماً فقط، بدلاً من عام أو عامين. ولفت المسؤول التركي إلى أنه «لا بدّ لمقدّمي طلب الإقامة تقديم أسباب ومبررات حقيقية، يوضحون من خلالها أسباب قدومهم إلى تركيا والغرض من زيارتها أو الإقامة فيها»، موضحاً أن سبب إيقاف قيود بعض الإقامات السياحية «يرجع إلى العدد الكبير الذي حصل عليها، فضلاً عن بعض المخالفات من ناحية استيفاء الشروط».

أما آخر المستجدات وأخطرها، فكان إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع الشهر الحالي عن تحضير أنقرة لمشروعٍ «يتيح إعادة مليون لاجئ سوري ‘طوعياً’ إلى 13 منطقة في الشمال السوري». وسبق تصريحات أردوغان بأيام إعلانُ صحيفة Türkiye المقرّبة من الحزب الحاكم عن «نيّة الحكومة التركية إعادة قرابة 1.5 مليون لاجئٍ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية حددتها الحكومة بين 15-20 شهراً».

من جانبها، قابلت المعارضة التركية الخطة الحكومية لإعادة اللاجئين السوريين بمشروع خطةٍ مماثلة، أعلن عنها رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كليتشدار أوغلو في حال نجاحه في الإنتخابات الرئاسية القادمة، وتتضمن التوصل إلى اتفاق سلام مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومن ثم إعادة اللاجئين إلى سوريا.

وسط كل تلك التوجهات الحكومية والتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتلاحقة، التي تضيّق على السوريين من جهة، وتدعوهم للرحيل من جهةٍ أخرى، تزداد التساؤلات حول سبب توالي صدور تلك القرارات في هذا الوقت وخلال مدة قصيرة. وفي هذا السياق، يرى مهدي داود أن «تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية حاسمة للحزب الحاكم، لذلك حاولت المعارضة الضغط على الحكومة بملف اللاجئين، وتحويله إلى ملف وطني أو أمن قومي، أو حتى عبر خطاب الكراهية والتركيز على أنّ وجود السوريين يضر بالشعب التركي، وهو ما دفع الحزب الحاكم لاتخاذ عدة قرارات لتنظيم وجود السوريين في تركيا».

بدوره، يرى مدير تجمع المحامين السوريين في تركيا غزوان قرنفل أن تغيّر السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين جاء نتيجة عاملين أساسيين: «الأول هو رغبة الحكومة في الحد من قدرة المعارضة التركية على استثمار ملف اللاجئين في الصراع الانتخابي المقبل وتوجيه هذا الملف لمصلحتها، وهو ما تمثّل في سلسلة القرارات التي صدرت مؤخراً. أما العامل الثاني فيرتبط بعملية إعادة تموضع للسياسة الخارجية التركية، تأخذ بالاعتبار أن المحيط العربي والإقليمي يعمل على إدماج الأسد عربياً وإقليمياً تمهيداً لإعادة تعويمه دولياً، وتركيا لا تريد أن تكون خارج هذا السياق».

وأشار قرنفل إلى أن «الحكومة التركية تتحدث عن عودة طوعية قانونية، لكنها تفرض على الأرض عودةً قسرية»، مُرجِّحاً أن تتابع تركيا عمليات الترحيل بعد الانتخابات «بحيث لا يبقى على أراضيها أكثر من نصف مليون سوري» بحسب رأيه، وهو ما لم تُشر إليه أية تصريحات رسمية حتى الآن على الأقل.

عينٌ على الصحافة التركية

تفاوتت طرق تعاطي الإعلام التركي مع قضية اللاجئين السوريين بين التحريض عليهم  والدعوة لترحيلهم، أو التشديد على أن عودتهم غير واردةٍ حالياً في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في سوريا.

ونشرت صحيفة Türkiye مقالاً في الخامس من الشهر الجاري تحت عنوان «خطة الفوضى في طور التنفيذ: تشكلتْ اللعبة الجديدة عن طريق اللاجئين»، تحدثت فيه عن وجود خطة جديدة تتضمن تخصيص مبلغ 60 مليون دولار لتنفيذها، وتعتمد على استغلال موجة العداء والاستفزاز ضد اللاجئين السوريين، وإثارة الفوضى في البلاد بهدف دفع الحكومة إلى الاستقالة.

ولفتت الصحيفة الى أن «جهاتٍ مدعومة من دول خارجية سوف تعمل على إشعال انتفاضة شعبية، خاصةً في المناطق المكتظة باللاجئين، إلى جانب الدعوة لتنفيذ عصيان مدني ومقاطعة مؤسسات الدولة التركية وعدم دفع الفواتير وحرق المنتجات الزراعية وإغلاق الطرق وإغلاق قطاع الخدمات في الجنوب الشرقي».

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية بأنّ «الاستعدادات للتحريض ضد اللاجئين بدأ العمل عليها منذ أكثر من عامين، وتم تأجيل تنفيذها المفترض في العام الماضي إلى صيف العام الحالي».

وكتب موقع Teyit تقريراً تحت عنوان «النازحون السوريون: هل العودة ممكنة؟»، أشار فيه إلى أن المعارضة تزعم أنها ستستطيع إعادة السوريين، لكنّ الظروف في سوريا بعيدةٌ عن تلبية متطلبات القانون الدولي. وأضاف الموقع أن المادة 33 من اتفاقية جنيف لعام 1951، والتي تعتبر تركيا طرفاً فيها، تؤكد أنه لا يمكن إعادة اللاجئين قسراً إلى مكانٍ تكون فيه حياتهم مهددة.

وتحت عنوان «العودة الطوعية سوف تكون هكذا: تأمين مسكن وعمل»، نقلت صحيفة يني شفق تعليقاً، نَسَبته لأحد السوريين العائدين من تركيا إلى مدينة الباب بريف حلب، على تصريحات أردوغان حول إعادة مليون سوري إلى الشمال: «أعيش في بيئةٍ آمنة مع عائلتي على أرضي. أطفالي يذهبون إلى المدرسة. مع المشروع المزمع تنفيذه، قد يعود 2 إلى 3 مليون سوري إلى بلدهم، وليس مليون سوري فقط. هذا المشروع سيُنهي حنين الشعب السوري إلى الوطن».

كما أوردت الصحيفة ذاتها، تحت عنوان «عاجل.. عاجل.. قرار يخص السوريين من المحكمة الدستورية سوف يزعج السلطة الحاكمة»، أن عدداً من اللاجئين السوريين «قدّموا الشهر الماضي التماساتٍ فردية ضد قرارات ترحيلهم، قائلين: ‘هناك حربٌ في بلادنا، إذا تم ترحيلنا سنتعرض إلى سوء المعاملة’، لكن المحكمة الدستورية ردّت على ذلك قائلةً: ‘لا يوجد دليلٌ ملموسٌ على أنهم سيتعرضون لسوء المعاملة في حال عادوا إلى بلادهم’».

في مقال نشره موقع Aydinlik، وهو موقعٌ تابعٌ لحزب الوطن التركي المعارض، جاء في عنوانه «الأوضاع جاهزة في سوريا لعودة مشرفة وطوعية». وزعم الموقع أن «الأسد انتصر في الحرب، وأصدر 11 عفواً في 11 عاماً، وأن قرار العفو الأخير يختلف عن القرارات السابقة، ويشمل حتى المشاركين في الأعمال الإرهابية». واعتبر الموقع المعارض أنه «في حال وجود اتفاق بين أنقرة ودمشق، فإن عودة السوريين ستكون أسهل بكثير»، موضحاً أن تركيا «تحتاج لتحديد من أيّ المناطق أتى طالبو اللجوء السوريين والاتصال بحكومة النظام لإعادتهم إلى الأماكن الخالية من الإرهاب».

كما نشرت صحيفة حرييت تقريراً بعنوان «عودة السوريين واستطلاعات الرأي»، قال كاتبه إنّ حي إسنيورت في إسطنبول هو «أحد أهم المناطق التي يعيش فيها معظم السوريين، وحتى لو تعرّض سوريٌّ لحادثٍ مروري، فإن السوريين يجتمعون جميعاً في وقتٍ واحد. إذا تشاجر سوريٌّ فسيأتي 10 أو 15 شخصاً في الحال، بينما يشعر الأتراك هناك بالوحدة». وطالب كاتب المقال، عند بدء تنفيذ مشروع العودة الطوعية لمليون سوري، بأن «يبدأ أولاً بإعادة السوريين من إسنيورت والفاتح في إسطنبول، ومن حي آلتنداغ في أنقرة».

أما استطلاع الرأي الذي يتحدث عنه التقرير، فقد أجرته شركة أوبتيمار للأبحاث، سألت فيه المواطنين الأتراك، ووفق خيارات غريبة يطرحها مصممو الاستبيان، عن «شعورهم عندما يشاهدون السوريين في الشارع». وجاءت النتائج على النحو الآتي: 21 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم يشعرون بالكراهية عند مقابلة شخصٍ سوري، و17.3 بالمئة يشعرون بالإيذاء، و11.2 بالمئة بالغضب، و6.6 بالمئة بالقسوة، و6.2 بالمئة بالقهر، و4.4 بالمئة بالشفقة، بينما 33 بالمئة من المواطنين الأتراك لا يشعرون بأيّ شيء، تماماً مثلما يحدث عند مقابلة أي شخص.

تأجيج خطاب الكراهية

تشهد تركيا مؤخراً موجةً متصاعدةً من العنصرية ضد اللاجئين السوريين، لا سيما مع دأب بعض أحزاب المعارضة على السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية من هذا الملف. وكان رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ أحد أبرز السياسيين المسؤولين عن تعزيز خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، إذ يستغل كل ظهورٍ إعلامي لتشويه صورتهم والدعوة إلى ترحيلهم.

كما موّل أوزداغ فيلماً قصيراً بعنوان الغزو الصامت، تقوم أحداثه على أنّه في الثالث من أيار (مايو) 2043 ستكون إسطنبول في حالة خراب، وأن السوريين في تركيا سوف يسيطرون على كل شيء، ويطاردون الأتراك الذين يرونهم في الشارع، أما رئيس ولاية إسطنبول السوري، فسيصبح رئيساً لتركيا في الانتخابات الرئاسية.

وأعلنت مديرية الأمن التركية في بيانٍ لها أن الفيلم يحتوي الكثير من المعلومات المضللة عن اللاجئين السوريين، ويحرّض عليهم، كما قامت وزارة الداخلية التركية وتجمّع المحامين الأتراك برفع دعوى قضائية ضد أوميت أوزداغ بسبب نشره أخباراً مضللةً للرأي العام، خاصةً في ما يخص اللاجئين السوريين في الآونة الأخيرة، كما صدر قرارٌ باستبعاد الحزب الذي يترأسه من الانتخابات الرئاسية القادمة.

وفي مشهدٍ يعكس حالة الرفض الشعبي المتصاعد لوجود اللاجئين السوريين في تركيا، قامت صحفيةٌ تركية بجولةٍ ميدانيةٍ عرضت فيها لبعض الأتراك مقطع فيديو من مجزرة التضامن بدمشق، والتي يظهر فيها عناصر النظام وهم يقتلون 41 سورياً بدمٍ بارد. ورغم المشاهد المؤلمة في الفيديو وصدمة الأتراك من فظاعتها، إلا أن معظمهم أجابوا حين سألتهم المراسلة بعد عرض الفيديو عن رأيهم بقضية اللاجئين السوريين في تركيا بأنه يجب ترحيلهم.

وفي هذا الإطار، تعبّر اللاجئة هديل بيدو عن استيائها من زيادة درجة الكراهية تجاه السوريين في إسطنبول: «تُعرف الكثيرات من السوريات من خلال طريقة لباسهن أو كيفية وضعهنّ للحجاب، لذا نتعرضُ لكثيرٍ من التنمّر والسخرية من قبل بعض الأتراك في الطريق أو في وسائل النقل والدوائر الرسمية، ومن أكثر العبارات التي أسمعُها مؤخراً ‘أوف ياااا.. يابنجي’، تعبيراً عن التذمر من الأجانب».

بات اللاجئون السوريون في تركيا اليوم أشبه بورقةٍ في مهب الريح، وأداةً لتحقيق المكاسب داخلياً وخارجياً، فمنذ عام 2016 ساومت الحكومةُ التركية الاتحادَ الأوروبي على ملف اللاجئين، وذلك بألّا تسمح لهم بالعبور إلى أوروبا مقابل رفع التأشيرة الأوروبية عن المواطنين الأتراك ومنح الأموال لأنقرة. واليوم انتقل السوريون إلى ورقةٍ بيد الأحزاب التركية المنافسة على الرئاسة والبرلمان. وبين هذا وذاك، يعيش اللاجئون ضغطاً نفسياً كبيراً، وتخوفاً من مستقبلٍ مجهولٍ لا يحمل أي نوعٍ من الاستقرار.

موقع الجمهورية

—————————

في سبر غور أردوغان/ جلبير الاشقر

من العسير بمكان أن يجد من يتابع سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منطقاً شاملاً لانعطافاته وتقلباته، غير نزواته الشخصية التي تحدّدها حسابات بقائه في الحكم بغياب أي اعتبارات استراتيجية راسخة. فحتى الاعتبار الذي قد يعتقد الناس أنه يأتي في طليعة هواجس الدولة التركية ويفرض نفسه بالتالي على رئيسها كاعتبار ثابت في تحديد سياسته، قصدنا بالطبع الاعتبار الكردي، حتى هذا الاعتبار عرف انعطافاً حاداً في ظل حكم أردوغان بين سنواته الأولى التي حقق خلالها سلاماً ديمقراطياً مع الحركة الكردية، وكانت سنوات ازدهار لتركيا شكّلت أساس شعبية أردوغان التي سمحت له بالاستمرار بمسك زمام السياسة التركية، ومنعطف عام 2015 عندما مُني حزب أردوغان بتراجع انتخابي حدا زعيمه على الانعطاف نحو التعصّب القومي التركي وإعادة إشعال الحرب مع الحركة الكردية والدخول في تحالف مع أقصى اليمين القومي التركي، ما زال قائماً إلى اليوم.

ومن بين مواضع التقلّب في سياسة أردوغان، وهي عديدة تشمل بين ما تشمله الموقف من الدولة الصهيونية ومن محور التطبيع العربي ومن المملكة السعودية وكذلك الموقف من جماعة الإخوان المسلمين ومن النازحين السوريين في تركيا، إلخ، تأتي في الصدارة تقلبات موقفه إزاء روسيا، والكل يتذكّر كيف انتقل من التبجّح بإسقاط طائرة روسية فوق الأراضي التركية عند بداية القصف الروسي لسوريا في خريف عام 2015 إلى تقديم الاعتذار لفلاديمير بوتين بعد أشهر من ذلك تمهيداً للمقايضة بين فسح روسيا المجال أمام اجتياح الجيش التركي لمنطقة عفرين، التي كانت تحت سيطرة الحركة الكردية حتى ذلك الحين، وفسح تركيا المجال أمام قوات نظام آل الأسد مدعومة بالقصف الروسي كي تجتاح شرقي حلب وتحكم السيطرة على كبرى المدن السورية وجوارها.

ومن عجائب السياسة الدولية أن تركيا، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وتستقبل على أرضها إحدى أهم قواعد الحلف المذكور، قاعدة إنجرليك الجوية، تركيا ذاتها قرّرت أن تشتري من روسيا، خصم الناتو بامتياز، منظومة صواريخ أرض ـ جو س ـ 400. واستمراراً على نهج علاقة الحب ـ البغض تلك، فإن روسيا وتركيا تساندان معسكرين متخاصمين يتحاربان على أرض سوريا بينما تتظاهر الدولتان بالتوافق في أستانة وسواها، وكأن الثلاثي المؤلف من روسيا وإيران وتركيا متفقٌ على إبقاء سوريا إلى الأبد على حالتها الراهنة التي يُرثى لها.

كما تتخاصم روسيا وتركيا في القوقاز من خلال دعم الأولى لأرمينيا مقابل دعم الثانية لأذربيجان وتتنافسان كذلك في النفوذ على آسيا الوسطى.

هذا السلوك المتناقض يؤدي في نهاية المطاف إلى أن يصبح من يسلكه «لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير»، أي أن تركيا باتت لا مع روسيا بخير ولا مع الولايات المتحدة وحلف الناتو بخير. وقد بلغ سلوكها الملتبس أوجّه إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا. والحال أن دعم تركيا للقوات الأوكرانية في حربها ضد الانفصاليين في شرقي بلادها، لاسيما بتزويد تلك القوات بالطائرات المسيّرة من طراز «بيرقدار تي بي 2»، كان من العوامل التي دفعت بوتين إلى قراره الأرعن باجتياح الأراضي الأوكرانية في محاولة فاشلة لقلب نظام الحكم فيها.

وبينما تفتخر تركيا بمفعول طائراتها في تمكين مقاومة القوات الأوكرانية للغزو الروسي، وتمنع عبور السفن الحربية لمضيقي البوسفور والدردنيل، وهو قرار موجّه ضد روسيا بوضوح، كما تحظر عبور الطائرات الحربية الروسية فضاءها الجوي، ترفض المشاركة في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وتقوم بوساطة بين روسيا وأوكرانيا وكأنها محايدة إزاء النزاع الدائر بينهما. وها أن تركيا تعترض على انتساب السويد وفنلندا إلى حلف الناتو بحجة علاقتهما بالحركة الكردية السورية، في حين أن للولايات المتحدة، زعيمة الناتو، علاقة بالحركة ذاتها أقوى من علاقة الدولتين بكثير. ويشكل الاعتراض التركي تأخيراً في تحقيق إحدى أهم النتائج العكسية التي جناها بوتين بغزو أوكرانيا، الذي دشّنه متذرّعاً بالتصدّي لتمدّد الحلف على تخوم روسيا، فانتهى به الأمر إلى إقناع جارتين تفوق قوتهما العسكرية قوة أوكرانيا بالخروج عن حيادهما التاريخي وطلب الانضمام إلى الناتو بدورهما، وهو أمر ما كان ليحصل لولا الغزو.

هذا وتلتقي تركيا في الموقف الملتبس من روسيا مع دولة أخرى عضو في حلف الناتو هي المجر، التي يشترك رئيسها فكتور أوربان مع أردوغان بالنزعة السلطوية الأوتوقراطية، مع تودّدهما لبوتين الذي يمثّل ذروة تلك النزعة، عندما تنتفي الديمقراطية تماماً بمنع قيام معارضة ديمقراطية، وذلك بطرق متعددة من السجن إلى الاغتيال، بحيث تستحيل السلطوية دكتاتورية مكتملة المعالم. وإن كان من درس يُستفاد منه أمام هذا المشهد العالمي فهو أخطار تركّز السلطات بيد حاكم منفرد، إذ يفسح ذاك التركزّ المجال أمام المواقف المتناقضة على طريقة الرئيس التركي (ناهيكم هنا عن تقلبات سياسته الاقتصادية)، وصولاً إلى المغامرات الكارثية الرعناء على غرار قرار الرئيس الروسي غزو أوكرانيا.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

——————————–

عن العملية التركية الوشيكة في شمال سوريا/ عبدالناصر العايد

وفق معلومات موثوقة، فإن العملية التركية التي تحدّث عنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ومسؤولون أتراك آخرين، ستستهدف السيطرة على ثلاث مناطق هي: عين العرب ومنبج وتل رفعت، ولا تشمل أي منطقة إلى الشرق من القامشلي كما يروّج هنا وهناك، مع احتمال فتح محور إشغال فيها لا أكثر.

في المناطق الثلاث تنتشر “قوات سوريا الديموقراطية” على الأرض، ومنها ترد على الهجمات الجوية التركية التي تستهدف عناصر وقياديين من PKK، بهجمات صغيرة أو بقصف مدفعي أو صاروخي. وقد أوقعت تلك الهجمات قتلى في صفوف القوات التركية، لم تتردد أنقرة في الإفصاح عنها، وستستخدم تلك الهجمات والخسائر غطاء لأول لعملياتها المرتقبة.

من نافل القول أن الجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا، سيكون رأس الحربة في هذه العملية، التي يتوقع أن تكون سريعة وسهلة، وقد أوعز الجيش التركي لقادة فصائل الوطني للاستعداد لمعركة على المحاور الثلاثة المذكورة.

قلنا في مقال سابق أن تركيا لن تستطيع بيع الفيتو على انضمام كل من السويد وفنلندا للدول الغربية، لأسباب عديدة، والمشتري الأقرب هو موسكو، التي تعاني من عزلة وتضييق دولي، لن تجد منفرجاً له سوى في الجنوب، حيث تركيا التي تشاركها تقاسم الأراضي السورية ومسارات القضية التفاوضية والعسكرية، وهو ما يبدو أنه تقرر عاجلاً، فالمناطق المذكورة تقع جميعها من الناحية الفعلية تحت النفوذ الروسي، وإذا لم تبادر إلى منع التوغل التركي فيها، وهذا ما لن يحدث، فإن أحداً لن يمنعه.

موعد العملية الذي لم يحدد بدقة، يبدو قريباً جداً، إذ من المقرر أن يليه انطلاق مشروع بناء مدن سكنية في منطقة نبع السلام، بهدف إعادة عشرات الآلاف من السوريين إلى داخل البلاد، ضمن ما تطلق عليه تركيا “المنطقة الآمنة”، والتي ستكون ذريعة أخرى لعمليتها العسكرية، رغم أن مشروع المدن ذاك يقع بعيداً من ميدان العملية المرتقبة.

البؤر السكنية التي يخطط لها ويشرف عليها ولاة المناطق التركية الحدودية في أورفا، كان من المقرر أن تقام على أراضي أملاك دولة إلى الغرب من مدينة رأس العين السورية، حيث الأراضي الزراعية الخصبة والمستصلحة، أو ما يعرف بأراضي الشركة الليبية، وهي مساحة من الأرض تزيد عن 185 ألف دونم، كانت حكومة النظام قد تعاقدت مع القذافي في زمن سابق لتحويلها إلى منطقة إنتاج زراعي وحيواني واستثمار مشترك. وقد اعترضت فصائل الجيش الوطني، التي تسيطر على المنطقة وتستثمرها، لدى المسؤولين الأتراك، بحجة أن المنطقة زراعية من الدرجة الأولى، واقترحت بدلاً من ذلك منطقتين غير صالحتين للزراعة تقعان ضمن ما يعرف بأراضي أملاك الدولة. الأولى جنوب شرقي تل أبيض، والثانية في منطقة حشيشة شرق سلوك. ويبدو أن الأتراك في صدد اعتماد هاتين المنطقتين، إذ قامت المجالس المحلية هناك بإبلاغ السكان المحليين، بأنهم سيكون بإمكانهم الإبلاغ والاعتراض لدى القضاء التابع للحكومة السورية المؤقتة، عن أي ملكيات خاصة في مناطق الإنشاء المزمعة خلال مهلة محددة، تحاشياً لأي مشاكل قانونية.

وتفيد المعلومات أن شركات قطرية ستتولى عملية إنشاء هذه المدن عبر مقاولين محليين.

ليس من الممكن تجاهل حقيقة أن المرحلة الثانية من هذه التطورات، أي بناء مدن سكنية، تأتي على خلفية الإعفاء الأميركي لمدينتي رأس العين وتل أبيض من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، بالتزامن مع إعفاء مناطق سيطرة “قسد” أيضاً، والذي لا نعلم بالضبط ما هو الثمن الذي قدمته أو يمكن أن تقدمه أنقرة لقاءه.

المدن

———————————

حديث المنطقة الآمنة..الظرف مناسب/ العقيد عبد الجبار العكيدي

أعاد خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين، من جديد فكرة احياء المنطقة الآمنة التي لم تدخر أنقرة جهداً في المطالبة بإقامتها على مدى السنوات العشر الماضية، كما لم تخفِ منذ العام 2013 رغبتها الشديدة في إنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية يتم بموجبها حظر دولي على طيران النظام وحلفائه، وكذلك لم تخفِ هدفها المراد من وراء هذا المطلب المتمثل بمسألتين، الأولى ذات صلة بمفهوم الأمن القومي التركي، أي الحيلولة دون قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، اما الثانية  فتكمن في رغبة تركيا بأ ن تكون تلك المنطقة ملاذاً آمناً يعفيها من عبء اللاجئين السوريين في تركيا.

الرغبة التركية لم تكن تحظى بموافقة دولية على الدوام،  بل جوبهت بالرفض من معظم الأطراف الدولية النافذة في الشأن السوري، غير ان هذا الرفض لم يحُل دون أن تبقى هذه الرغبة موجودة على الدوام لدى الأتراك، إذ لم تجد أنقرة فرصة إلا وبادرت نحو تحقيق هذا المسعى ولو بشكل جزئي، ففي آب/أغسطس 2016 قامت تركيا بالتنسيق مع فصائل الجيش الحر بعملية درع الفرات وطرد تنظيم “داعش” من مدينة جرابلس الحدودية، تلاها في شباط/فبراير 2017 طرد التنظيم من مدينة الباب بعد معركة كبيرة ارتقى فيها العديد من أفراد الجيش التركي، وفي كانون الثاني/يناير 2018 قام الجيش التركي أيضا بالتنسيق مع فصائل الجيش الوطني بطرد ميليشيا حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي ( ب ي د)، من مدينة عفرين التي تعتبر أحد أهم قلاع التنظيم، وبهذا تكون أنقرة قد نفذت شطراً مما تهدف إليه، إذ إن طرد قسد وداعش من تلك المناطق مكنها من قطع الطريق أمام تطلعات عصابات قنديل التي كانت تهدف إلى السيطرة على المنطقة الممتدة من عين العرب حتى عفرين.

في خريف 2019 عززت تركيا رغبتها الأمنية بالتوغل شرقاً فاستطاعت ان تطرد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من مدينة رأس العين في ريف الحسكة ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وربما كان الأتراك يتطلعون للمضي قدماً في تعقب فلول التنظيم لولا المعارضة الأميركية ومن خلفها الأوروبية التي أوقفت تلك العملية، الا أن توقيفها لم يوقف التفكير بإتمامها عندما تحين الفرصة.

المناخ الدولي والإقليمي الآن ربما يكون مناسباً بالنسبة إلى أنقرة أكثر من ذي قبل لإحياء فكرة المنطقة الآمنة، وذلك لبروز مستجدين اثنين، أولهما الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أوجد موقفاً دولياً مناهضاً لسياسات بوتين، ما أدى إلى حشره في زاوية ضيقة وجعله في موقف المستجدي لنصرة تركيا، بالمقابل فإن أنقرة لم توفر لحظة الضعف الروسية لتضع مصالحها في لائحة المطالب التي تريدها من بوتين، ولعل أبرزها رفع يد الروس عن منطقة عين عيسى، ومدينة تل رفعت وما حولها التي احتلتها ميليشيا (ب ي د)  في العام 2016 بمساندة القوات الروسية في أعقاب اسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي، فيما يتمثل المستجد الثاني بإعلان كل من فنلندا والسويد رغبتهما بالانضمام الى حلف الناتو الذي تُعدُّ تركيا أحد اعضائه المؤسسين، وبالتالي لن تفوت أنقرة أن تستغل رغبة هذين البلدين لتعلن عن مطالبها الرامية إلى توقف الدولتين عن دعمهما لخصمها التقليدي حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح المنظمات الارهابية، وبهذا تكون أنقرة قد وجدت المناخ الدولي مناسباً جداً لطرح فكرتها القديمة الجديدة، علها تستثمر هذه المتغيرات الجديدة في السياسة الدولية في إحداث شرخ في الموقف الأوربي والغربي عموماً يتيح لها متابعة تحقيق مطلبها في إنجاز هذه المنطقة.

ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن الطرح التركي حول تحقيق المنطقة الآمنة مع  طرحها المتزامن بإعادة مليون لاجئ سوري إلى مناطق الشمال، وربما أرادت تركيا من هذه المزامنة أن توحي للمجتمع الدولي بأن هدفها من إنشاء هذه المنطقة لا يمكن حصره بمصالحها الأمنية فحسب، بل بحل معضلة إنسانية تتمثل باللاجئين الموجودين على أراضيها والذي يناهز عددهم أربعة ملايين لاجئ.

على الرغم من هذا الزخم في الخطاب السياسي التركي حول مشروع إعادة اللاجئين وكذلك على الرغم من  لهجة التصعيد التركية، إلا أن المواقف الدولية من المسعى التركي ما زالت شبه مبهمة، بل هي مزيج من الرفض غير المعلن، باستثناء الموقف الأميركي الذي حذر من أي عملية عسكرية تستهدف المناطق التي يتواجد فيها جنود أميركيون، ولعله حتى الان لم يفلح الخطاب التركي في استثارة ردود الفعل الغربية على وجه التحديد وهذا ما يجعل المتابع غير قادر على التكهن فيما سيقدم عليه صانع القرار التركي، اذ يمكن الذهاب إلى أن المناطق التي تتطلع تركيا الى التوجه اليها لا تخضع لجهة دولية واحدة بل لجهات مختلفة تتراوح بين الولايات المتحدة وروسيا، ونظام الأسد، وما تصريح الرئيس التركي: “الآن سوف يتبين من سيأخذ مصالحنا القومية بعين الاعتبار ممن لا يعبأ بذلك”، إلا اشارة لعدم وجود ضوء اخضر من أميركا وروسيا، وكأنه يقول أن من سيعطيه الضوء الأخضر سيكون هو الحليف، في إشارة أخرى إلى أن قرار العملية وموعدها لم يحسم الا عند الجانب التركي.

ثمة معطيات يمكن أن تضيء على ما يمكن أن تلجأ اليه تركيا وذلك وفقاً لخصوصية كل منطقة، فواقع الحال يؤكد أن منطقتي عين عيسى وتل رفعت ربما كانتا أولوية تركية في الوقت الراهن، فهما تقعان تحت سيطرة النفوذ الروسي مما يجعل التفاوض مع بوتين الجريح فيه شيء من السهولة.

منطقة تل رفعت ذات الغالبية العربية، القريبة من الحدود التركية والتي تقع تحت النفوذ الروسي، وتتخذها ميليشيا قسد كقاعدة انطلاق لشن هجمات إرهابية تستهدف مناطق درع الفرات وغصن الزيتون والقواعد التركية في المنطقة، تعتبر سهلة المنال بالنسبة إلى تركيا لعدم أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لروسيا من جهة، ولأن مستجدات الحرب في أوكرانيا تجعل روسيا غير مهتمة بهذه البقعة الصغيرة إذا ما قوبل ذلك بمكسب سياسي بسيط من تركيا، فضلاً عن الوعود السابقة على لسان الرئيس التركي لأبناء هذه المناطق بتحريرها.

 في حين أن منطقة عين عيسى ذات الغالبية العربية ايضاً والتي تعتبر العاصمة السياسية لقسد، وتحظى بموقع استراتيجي هام جداً على الطريق الدولي “إم-4″، وتشكل عقدة طرق بين مناطق قسد في عين العرب والرقة والقامشلي والحسكة ومدينة منبج، وصولاً إلى حلب حيث تسيطر قوات ال”ب ي د” على حيي الأشرفية والشيخ مقصود، ومدفعيتها تطال مناطق النفوذ التركي في منطقة نبع السلام، ما يعني أنها ستكون في عين العاصفة التركية.

عين العرب المنطقة الحدودية ذات الغالبية الكردية، تحريرها بالنسبة إلى تركيا هو الأهم لسببين: أولهما أنها معقل أصيل من معاقل حزب العمال، وتشكل مصدر تهديد دائم بقصف مدفعي للبلدات التركية المحاذية للحدود (قرقميش)، والثاني أنها تعتبر صلة الوصل بين منطقة نبع السلام ودرع الفرات، إلا أن رمزيتها بالنسبة إلى واشنطن والتحالف الدولي كونها كانت بداية الانكسار لداعش في نهاية العام 2014، تجعل القيام بأي عمل عسكري نحوها يحتاج إلى تفاهمات كبيرة مع إدارة بايدن.

في حين يبقى وصول أنقرة إلى مدينة منبج منعطفاً شديد الأهمية نظراً لعدة اعتبارات هي أن تلك المنطقة ما تزال محتفظة ببنيتها التحتية وحيويتها التجارية والاقتصادية وقدرتها على استيعاب كمّ سكاني كبير، الأمر الذي يجعل واقعها متناغما مع الحاجة التركية إلى إعادة مئات الآلاف من اللاجئين، ولكن تبقى الكلمة الفصل لواشنطن وحدها كون المدينة تبدو خالية من الروس وقوات الأسد.

أمام هذا التشعب في المناطق من جهة، والأطراف المسيطرة عليها من جهة أخرى، لا يبدو أمام أنقرة سوى المفاضلة بين تلك المناطق من حيث المصالح الاستراتيجية لكل منها.

المدن

—————————–

رهان تركيا على”المناطق الآمنة” في سوريا/ رضوان زيادة

عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على الحاجة إلى المنطقة الآمنة في سوريا، مهدّداً بعملية عسكرية في الشمال السوري من أجل إبعاد قوات حزب “العمال الكردستاني” المنضوية تحت ما يُسمّى بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والسبب الآخر الذي يدعوه لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، هو أن تكون ملاذاً للاجئين الذين فاق عددهم 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، وهم عنوان حملات سياسية دائمة من قبل المعارضة التركية في هجومها على الرئيس أردوغان.

وفي نفس الوقت تعهدت دول الخليج بتحمّل تكاليف إنشاء هذه المناطق، لكن إلى الآن ليس هناك وضوح سياسي وقانوني وعسكري لما يعنيه الرئيس أردوغان بالمناطق الآمنة في سوريا.

فهل سيلجأ إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة لإصدار قانون دولي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق، وعليه ماذا سيكون موقف روسيا في مجلس الأمن، والتي مارست حق النقض (الفيتو) ست مرات فيما يتعلّق بقرارات أخف لهجة بكثير وأقل تأثيراً في مجرى تطورات الحرب السورية، وهي مشغولة الآن بحربها ضد أوكرانيا.

إذ وقفت روسيا في البداية ضد إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين نظام الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان وارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين، كما رفضت إحالة التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، فهل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية، لا سيما أنها عارضت مثل هذه الأفكار على مدى السنوات الماضية، ربما يتوقّع الرئيس أردوغان أن ينجح في إقناع أميركا وروسيا المشغولتين بحرب أوكرانيا أن هذه المناطق الآمنة هي الخيار الأفضل بالنسبة لسوريا اليوم.

هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى العسكري فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية يحتاج إلى إنشاء فرض حظر طيران جزئي على الأقل فوق هذه المناطق من أجل حماية المدنيين واللاجئين الذين سيلجؤون إليها، وهذا يفترض منه حظر طيران الأسد والطيران الروسي من التحليق فوق هذه المناطق وبالتالي تدمير أو على الأقل تحييد كل مضادات الدفاع الجوية والصاروخية لنظام الأسد التي يمكنها أن تهدّد مثل هذه المنطقة، وهو ما يعني بالتأكيد تدخلاً عسكريا أميركياً أو دولياً محدوداً في الأراضي السورية.

أعتقد أن كل القادة العسكريين الأميركيين والأتراك يعون ذلك، لكن هذا الالتزام الأميركي وحدوده غائبة تماماً من قبل الرئيس بايدن الذي من المحتمل أن يعارض أية عملية عسكرية الآن داخل الأراضي السورية، لكنه في الوقت نفسه بحاجة إلى الصوت التركي من أجل ضم فنلندا والسويد إلى الناتو وبالتالي ربما تغض أميركا طرفاً عن هذه العملية العسكرية مقابل توسيع الناتو.

الرئيس أردوغان متحمس جداً لهذه الفكرة وقد زار دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والكويت من أجل البحث في تمويل مشروع كهذا، لقد كان إنشاء المناطق الآمنة مطلباً للمعارضة السورية، منذ عام 2012، عندما ازداد القصف العشوائي ضد المدنيين السوريين من قبل نظام الأسد، وأثيرت قضية التدخل الإنساني في سوريا على مدى السنوات الست الماضية بسبب ازدياد عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير وتضاعف عدد اللاجئين، لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين تحت ضوء مذاهب ومبادئ القانون الدولي المطبق في مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصاراً (R2P).

منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن 600 ألف شخص، ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة فإن قوات النظام السوري هاجمت المدنيين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية الكثيفة بمدفعيات، ونشرت القناصين والطائرات المروحية الحربية في المدن السكنية، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وعذبت المحتجين الذين اعتقلوا، كما جرى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في أكثر من مرة، كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرّفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة، وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية.

يبدو أنّ الرئيس بايدن بعيد تماماً عن استخدام هذه اللغة، فهو صامت تماماً عن الحرب السورية، لكن لا بدّ من التأكيد هنا أن ما حصل في سوريا على مدى السنوات الست الماضية يحقق معايير التدخل الإنساني لحماية المدنيين سواء عبر المناطق الآمنة أو غيرها، فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين تعد رئيسية من أجل وقف الحرب في سوريا وضمان انتقال سياسي، وفي الوقت نفسه القضاء على تنظيم داعش، فالأمور الثلاثة مرتبطة بشكل كبير، إذ لا يمكن القضاء على المنظمات الإرهابية في سوريا من دون وجود حكومة شرعية تمثل السوريين وتعكس مصالحهم في إنهاء الحرب وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي وهو ما فشلت حكومة الأسد في تحقيقه.

تلفزيون سوريا

————————-

استعدادات تركية لتوسيع «المناطق الآمنة» في سوريا رغم التحذير الأميركي / سعيد عبد الرازق

توقعات بأن تشمل تل رفعت وعين العرب وعين عيسى ومنبج… وحكومة الأسد تتهم أنقرة بـ«جرائم حرب»

برز أمس خلاف تركي – أميركي بخصوص المنطقة الآمنة التي قال الرئيس رجب طيب إردوغان إن بلاده تسعى إلى إقامتها داخل الحدود السورية. وفي وقت اتهمت حكومة دمشق أنقرة بـ«جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية»، تحدثت تقارير عن أن «من بين الأهداف المحتملة للقوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري (المدعوم من تركيا) تل رفعت وعين العرب (كوباني) وعين عيسى ومنبج».

وقالت مصادر تركية إن بنود مذكرة التفاهم الموقعة مع الولايات المتحدة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 والمكونة من 13 بنداً أهمها انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، إلى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية الجنوبية «خلال 5 أيام»، لم تنفذ حتى الآن.

وفي غياب أي تعليق رسمي من أنقرة على الموقف الأميركي الرافض للتهديد التركي بشن عملية عسكرية لإقامة المنطقة الآمنة، قالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط»، إنه بحسب مذكرة التفاهم التي وقعت مع الجانب الأميركي من أجل وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التي كانت تركيا أطلقتها في 9 أكتوبر 2019 في مناطق سيطرة «قسد» شرق الفرات، كان مقرراً أن تتم عملية الانسحاب خلال 5 أيام لكن عناصر الوحدات الكردية لم تنسحب من المنطقة، واستمرت الهجمات الصاروخية وتسلل تلك العناصر إلى مناطق العملية التركية.

وكانت الولايات المتحدة قد حذّرت أول من أمس من أي هجوم جديد في شمال سوريا، معتبرة أنه سيقوض الاستقرار في المنطقة ويعرض القوات الأميركية للخطر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في مؤتمر صحافي الثلاثاء: «نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سوريا، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين هناك». وأضاف: «ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار في المنطقة ويعرض القوات الأميركية وحملة التحالف على تنظيم داعش الإرهابي للخطر». وقال برايس إن الولايات المتحدة تتوقع أن تلتزم تركيا بالبيان المشترك الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بما يشمل وقف العمليات الهجومية في شمال شرقي سوريا و«ندين أي تصعيد ونؤيد الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية».

وفي دمشق، قالت وزارة الخارجية في حكومة الرئيس بشار الأسد، أمس، إنها بعثت برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وصفت فيها تصرفات تركيا بأنها غير شرعية. وقالت في بيان نقلته وكالة الأنباء الحكومية: «إنها ترقى إلى توصيفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

وقال الرئيس إردوغان، الاثنين، إن تركيا ستشن قريباً عمليات عسكرية جديدة على حدودها الجنوبية لإقامة مناطق آمنة بعمق 30 كيلومتراً لمكافحة ما وصفه بالتهديدات الإرهابية من هذه المناطق، وإن مجلس الأمن القومي التركي سيبحث تلك العمليات في اجتماعه اليوم الخميس، وستنفذ العمليات عند استكمال الجيش وأجهزة المخابرات والأمن استعداداتها، معتبرا أن هذه العمليات ستكشف عمن يراعي حساسيات تركيا الأمنية ومن لا يهتم بها. وجاءت تصريحات إردوغان وسط اعتراض تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) بسبب دعمهما المزعوم لـ«حزب العمال الكردستاني» و«الوحدات» الكردية، وهما جماعتان تصنفهما أنقرة تنظيمين إرهابيين.

واعتبر مراقبون أن إعلان إردوغان المفاجئ عن الاستعداد لعمليات عسكرية في شمال سوريا، يعكس اعتقاده بأن الغرب لن يعارض مثل هذه العمليات في وقت يحتاج فيه إلى دعم تركيا لطلب انضمام الدولتين الأوروبيتين إلى «الناتو». ولفت هؤلاء إلى أن تحرك الجيش التركي ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا، والتي تعتبرها الولايات المتحدة أوثق حلفائها في الحرب على «داعش»، كان دائماً احتمالاً قائماً رغم الهدوء النسبي على امتداد الحدود التركية مع مناطق تخضع لسيطرة القوات الكردية في شمال سوريا منذ 2019. وأضافوا أنه في حين تمكنت الولايات المتحدة وروسيا من وقف عملية «نبع السلام» وتهدئة التوتر في السنوات الثلاث الماضية، فإنه «لم يتم التعامل مع صلب الموضوع بالنسبة لتركيا وهو نشاط حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية» في سوريا. وكانت روسيا أيضاً وقعت مع تركيا مذكرة تفاهم في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بهدف وقف عملية «نبع السلام»، تضمنت إنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومتراً على الحدود التركية وتسيير دوريات عسكرية مشتركة على جانبيها.

واعتبر مراقبون أن أردوغان يسعى لانتهاز قضية عضوية السويد وفنلندا في الناتو كفرصة لتحقيق هدف لديه منذ فترة طويلة لتأسيس منطقة عازلة خالية من المسلحين الأكراد على طول الحدود التركية مع سوريا.

وذهبت الصحافية التركية، آصلي أيدين طاش باش، وهي زميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن إعلان إردوغان عن العمليات العسكرية لاستكمال إقامة مناطق آمنة في شمال سوريا يهدف إلى اختبار حلفاء بلاده في «الناتو». ولفتت إلى أن «أسلوب إردوغان في مواجهة التحديات الدولية هو تصعيد الموقف، وغالباً ما ينجح الأمر في دفع الحلفاء في الناتو إلى التراجع، وقد نجح ذلك في شرق المتوسط وفي سوريا من قبل، فلم لا يحاول ثانية؟».

– أهداف محتملة للعملية التركية

وكتبت صحيفة «يني شفق» الموالية للحكومة، الأربعاء، أنه تم اتخاذ الاستعدادات لعملية جديدة بهدف توسيع «المناطق الآمنة» التي أقيمت بالفعل في شمال سوريا، مع تحديد عدة أهداف. ونقلت «رويترز» عن الصحيفة أن «من بين الأهداف المحتملة للقوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري (المدعوم من تركيا) تل رفعت وعين العرب (كوباني) وعين عيسى ومنبج». وسيطرة تركيا على البلدات التي تقع على امتداد قطاع بوسط الحدود التي يبلغ طولها 911 كيلومتراً مع سوريا أو بالقرب منه يمكن أن توسع وجودها العسكري وتعززه بالقرب من ساحل البحر المتوسط على طول ما يقرب من ثلاثة أرباع الحدود.

ولا توجد حتى الآن مؤشرات تذكر على حدوث نفس التحركات العسكرية التي سبقت عمليات التوغل التركية الأربع الماضية في شمال سوريا. وقال إردوغان إنه سيجري اتخاذ قرارات تتعلق بعمليات عسكرية في اجتماع لمجلس الأمن القومي اليوم الخميس.

وقال نوري محمود المتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» لـ «رويترز» إن الجماعة تأخذ تهديدات إردوغان على محمل الجد، مضيفاً أن «على التحالف الدولي وأميركا وروسيا الالتزام بالوعود التي قطعوها تجاه هذه المنطقة. يجب أن يكون لوجودهم في مناطقنا جدوى، بمعنى أن يوقف الهجمات المتكررة على شعبنا».

وذكرت صحيفة يني شفق أن الهدف الأهم لأحدث عملية سيكون تل رفعت التي تبعد حوالي 15 كيلومتراً عن الحدود التركية والتي قالت إن المقاتلين الأكراد يستخدمونها قاعدة لشن هجمات في عفرين وأعزاز وجرابلس التي تسيطر عليها تركيا ومقاتلون سوريون مدعومون من أنقرة.

وتقع تل رفعت شمالي مدينة حلب وإلى الجنوب مباشرة من أعزاز. وتنفيذ عملية هناك فقط لن يمثل توسعة «للمناطق الآمنة» التي أقامتها تركيا على الحدود، لكنه سيدفع قواتها إلى عمق أكبر في سوريا. وقالت دارين خليفة، المحللة المعنية بشؤون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية، إنه من غير الواضح ما إذا كان إردوغان يتحدث عن عملية في تل رفعت أو في مناطق أبعد إلى الشرق، لكنها سلطت الضوء على أهمية البلدة. وقالت إن تل رفعت يمكن أن تمنحه ما يريد، وسيجنبه ذلك إثارة مشكلة كبيرة، مضيفة «لا أعتقد أن الأميركيين يهتمون بأمر تل رفعت».

وذكرت دارين خليفة أن روسيا، التي نشرت قوات في المنطقة، لم تعالج مخاوف إردوغان بشأن هجمات المسلحين من تل رفعت على المناطق التي تسيطر عليها تركيا، وأن الرئيس التركي يقول منذ سنوات إنه ينبغي السيطرة على البلدة.

وتحدثت تقارير عن بلدة كوباني (عين العرب) ذات الأغلبية الكردية بأنها هدف محتمل آخر، بحسب تقرير «رويترز». وكان لنجاح «وحدات حماية الشعب» الكردية في هزيمة تنظيم «داعش» هناك عام 2015 دور في تحول دفة الأمور ضد التنظيم.

قال نوري محمود المتحدث باسم «الوحدات» الكردية: «كوباني تمثل قيمة انتصار عالمي في الحرب على الإرهاب». وأضاف: «ليس هناك شك في أن قواتنا ستفعل ما يلزم للدفاع» عن المنطقة.

لكن دارين خليفة هوّنت من شأن احتمالات استهداف تركيا لكوباني. وقالت: «لا أعتقد أن هناك أي رغبة في التعثر في كوباني»، مشيرة إلى التغيرات السكانية الكبيرة وردود الفعل التي ستنشأ إذا فر السكان الأكراد.

وحذر مدحت سنجار، الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تركيا، من عواقب خطط إردوغان لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة. وقال لنواب الحزب: «يجب أن نتوقع جميعا أن هذا سيؤدي مرة أخرى إلى دوامة دامية في هذه المنطقة وفي البلد».

الشرق الأوسط

———————————

تركيا تدرس خطة «المنطقة الآمنة» في سوريا/ سعيد عبد الرازق

مصادر أكدت لـ «الشرق الأوسط» ضرورة ضمان موقفي واشنطن وموسكو قبل الهجوم على مناطق السيطرة الكردية

يبحث مجلس الأمن القومي التركي في اجتماعه برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، غداً (الخميس)، اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال خطة إقامة منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لتركيا بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية. لكن مصادر دبلوماسية أكدت لـ«الشرق الأوسط» ضرورة ضمان أنقرة موافقة واشنطن وموسكو، قبل بدء الهجوم المفترض شمال سوريا.

وأعطى إردوغان إشارة إلى احتمالات القيام بعمليات عسكرية في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، بهدف إبعاد تلك القوات عن الحدود التركية لمسافة 30 كيلومتراً وتأمين المناطق المتاخمة للحدود السورية في تركيا من أي هجمات.

وقال إردوغان، في تصريحات عقب ترؤسه اجتماع الحكومة التركية في أنقرة مساء أول من أمس، إن بلاده ستشرع قريباً باستكمال إنشاء المناطق الآمنة بمحاذاة حدودها الجنوبية، شمال سوريا، مضيفاً: «سنبدأ قريباً باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً، على طول حدودنا الجنوبية… سنتخذ قراراتنا بهذا الخصوص خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الخميس». وتابع أن العمليات ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن، لافتاً إلى أن المناطق التي تعد مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة، ستكون على رأس أولويات العمليات العسكرية، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا. وذكر إردوغان أنه سيقوم بإجراء المحادثات اللازمة لضمان سير الأمور على ما يرام، مضيفاً: «تركيا ستميز مجدداً في هذه المرحلة، بين من يحترمون حساسياتها الأمنية، والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وسترسم سياساتها مستقبلاً على هذا الأساس».

وفسرت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» حديث إردوغان عن الاتصالات مع أطراف لم يحددها بأنه يعني بالأساس الولايات المتحدة، التي تعد «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قسد»، حليفاً وثيقاً لها في الحرب على «داعش» وتمدها بالأسلحة المتطورة، وهي نقطة محل خلاف بين أنقرة وواشنطن، بالإضافة إلى روسيا.

وسبق أن وقعت أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو مذكرتي تفاهم بشأن وقف العملية العسكرية المعروفة بـ«نبع السلام»، التي توقفت في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بعد أيام من انطلاقها، وتم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على ابتعاد قوات «قسد» لمسافة 30 كيلومتراً من الحدود الجنوبية لتركيا، كما تم الاتفاق بين تركيا وروسيا على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 30 كيلومتراً وتسيير دوريات عسكرية مشتركة على جانبيها لمنع أي هجمات تستهدف تركيا انطلاقاً من مناطق سيطرة «قسد»، لكن المناوشات استمرت منذ ذلك الوقت، مع تصعيد من الجانبين من وقت لآخر.

ولفتت المصادر إلى أن أنقرة لن تتحرك باتجاه شن عمليات عسكرية جديدة دون تمهيد الأرضية عبر الاتصالات مع الأطراف المعنية، موضحة أن مسألة التعاون الأميركي مع «قسد» طرحت خلال الاجتماع الأول للآلية الاستراتيجية لحل الخلافات العالقة بين أنقرة وواشنطن برئاسة وزيري خارجية البلدين في نيويورك الأسبوع الماضي، وأن أهم أسباب اعتراض تركيا على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هي إيواء البلدين عناصر من «الوحدات» الكردية، التي تعدها تركيا امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» في سوريا، وإقامتهما، وبخاصة السويد، علاقات قوية مع «قسد»، وحظرهما، ضمن دول غربية أخرى، صادرات الأسلحة إلى تركيا بسبب تنفيذها عملية «نبع السلام» العسكرية في 2019.

وأشارت المصادر إلى الدعوة التي أطلقها إردوغان إلى «الناتو» والمجتمع الدولي لدعم تركيا في إقامة منطقة آمنة على حدودها مع سوريا لإيواء اللاجئين السوريين وتأمين حدود تركيا الجنوبية. وتتهم تركيا «قسد» بعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي نزحوا منها، مشيرة إلى أنها بدأت العمل مع كل من الأردن والعراق ولبنان على تأمين «العودة الطوعية» لهم.

وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده ستواصل الحرب ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية في الوقت الذي تعمل فيه على تنفيذ خطة العودة الطوعية والآمنة لمليون سوري. وأضاف جاويش أوغلو، خلال مشاركته بمنتدى مراجعة الهجرة الدولية في الأمم المتحدة بنيويورك الأسبوع الماضي، أنه نتيجة للجهود التركية في توفير الاستقرار في المناطق السورية التي تم تطهيرها مما سماها «التنظيمات الإرهابية»، عاد نحو 500 ألف سوري إلى مناطقهم.

ولفت إلى اكتمال بناء أكثر من 57 ألف منزل بجهود تركية في شمال سوريا، وأن المستهدف حتى نهاية العام الحالي هو بناء 100 ألف منزل.

وسرعت الحكومة التركية برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان في الفترة الأخيرة من جهودها لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر بناء منازل في إدلب والإعلان عن خطة لإعادة مليون سوري إلى شمال وشمال شرقي سوريا عبر تهيئة مناطق صالحة للإقامة ومزودة بمختلف الخدمات.

وحتى الآن لا تلقى دعوات تركيا لإقامة منطقة آمنة شمال سوريا، قرب حدودها الجنوبية، والتي بدأت إطلاقها قبل 5 سنوات، استجابة تذكر من الغرب أو حلف «الناتو»، ولذلك تعمل من خلال محاولة توسيع مناطق نفوذها في شمال وشمال شرقي سوريا على إقامة شريط آمن على حدودها الجنوبية ونقل السوريين من تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها، وسط اعتراضات من أكراد سوريا على خطة إعادة المليون لاجئ، التي يرون فيها محاولة تركية جديدة لتغيير التركيبة الديموغرافية وتكريس احتلالها لمناطقهم.

الشرق الأوسط

—————————–

====================

تحديث 29 أيار 2022

———————-

“صفقة” بين بايدن وأردوغان في سوريا؟/ جورج عيسى

نجح الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان في تحويل بعض الأضواء المسلّطة على الغزو الروسيّ لأوكرانيا نحو منطقة الشرق الأوسط. أعلنت تركيا مجموعة أسباب قالت إنّها تمنعها من الموافقة على انضمام #فنلندا و#السويد إلى حلف شمال الأطلسي (#ناتو) من بينها استضافة الدولتين لعناصر من “#حزب العمال الكردستاني” وفرضهما حظراً على تصدير أسلحة إلى أنقرة. قرأ أردوغان في استعجال فنلندا والسويد الحصول على العضوية الأطلسية، كما في استعجال الناتو ضمّهما إلى صفوفه، فرصة لانتزاع بعض التنازلات.

بين البلطيق والمتوسّط

تريد تركيا إظهار أنّها ليست دولة ذات تأثير إقليميّ وحسب. تدخّلُ تركيا في مسار توسيع حلف الناتو يعدّ جزءاً من سياسة تأكيد قوّتها على الصعيد الدوليّ. مع ذلك، لا تقلّل أنقرة من أهمّيّة طموحاتها الإقليميّة. لطالما سعى الأتراك إلى تحقيق “#منطقة آمنة” في شمال #سوريا فحاولوا الاستفادة من علاقاتهم مع الروس والأميركيين لتغطية تدخّلاتهم فيها. حصلت تركيا على ضوء أخضر من موسكو لاجتياح عفرين في يناير (كانون الثاني) 2018، وعلى ضوء أخضر من الأميركيين لشنّ توغّل شرقيّ نهر الفرات في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. شمل ذلك التوغّل المنطقة الواقعة بين #تل أبيض و#رأس العين وأطلقت عليها تركيا اسم “عملية نبع السلام”. وصل عمق المنطقة الآمنة الواقعة بين هاتين المنطقتين إلى نحو 30 كيلومتراً أمّا طولها فبلغ قرابة 80 كيلومتراً.

ترى تركيا أنّ مقاتلي “#حزب الاتحاد الديموقراطيّ” الكرديّ الذين يشكّلون القسم الأكبر من “قوات سوريا الديموقراطية” فرع سوريّ لـ”حزب العمال الكردستانيّ” الذي تصنّفه على لائحة الإرهاب. اليوم، يبدو أنّ تركيا تخطّط لعمليّة عسكريّة أخرى شمال شرق سوريا وقد يكون التصعيد السياسيّ في قضيّة انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسيّ تمهيداً للحصول على ضوء أخضر لها. من شبه المؤكّد وجود رهان لدى أردوغان على عدم اعتراض الغربيين على تلك العملية بالنظر إلى حاجتهم لعدم استخدام أنقرة حقّ النقض في ما يخصّ توسيع الناتو. فهذا المسار يحتاج إلى موافقة جميع الأعضاء الثلاثين في الحلف بمن فيهم تركيا. ومن غير المتوقع أن يكون هنالك أصوات أطلسيّة أخرى معارضة للطلبين السويدي والفنلنديّ، بما فيها الصوت المجريّ.

ثقة بالماضي والحاضر

قالت الزميلة البارزة للسياسات في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” أسلي أيدينتاشباش إنّ خطوة أردوغان تهدف إلى اختبار حلفاء تركياء الأطلسيين مشيرة إلى أنّ أسلوب الرئيس في رفع التحدي على المستوى الدولي “ينجح على الدوام تقريباً في دفع حلفاء الناتو إلى أن يرمشوا”. وأضافت الباحثة المقيمة في اسطنبول: “لقد نجح في شرقي المتوسط وفي سوريا سابقاً – لماذا عدم المحاولة مجدداً”.

وبحسب بعض المراقبين الأتراك، لا يتعلّق تعهّد أردوغان في 23 مايو الحالي بتوسيع المنطقة الآمنة بمطالب أنقرة الأمنيّة وحسب. أشار محمد جليك في صحيفة “دايلي صباح” التركيّة إلى أنّ الغرب بحاجة إلى لغة ديبلوماسية جديدة وكذلك تفاهمات واسعة أخرى مع تركيا. فقد مكّنت الديبلوماسية المشتركة بين أنقرة وموسكو من تجنيبهما الاصطدام المباشر في ساحات نزاع أساسية مثل ليبيا وناغورنو كراباخ وأوكرانيا. وأضاف أنّ لتركيا ثقة بموقعها السياسيّ والديبلوماسيّ والعسكريّ بما يمكّنها من مطالبة الغرب بالتعامل معها على قدم المساواة.

تكمن إحدى مشاكل أردوغان الكبيرة على مستوى السياسة الخارجية في عدم ارتقاء العلاقات مع نظيره الأميركي جو #بايدن إلى ما كان يطمح إليه. ربّما هذا جانب من جوانب ما يقصده الأتراك حين يتحدّثون عن المساواة مع الغربيّين. ولم يخفِ أردوغان امتعاضه من هذا الواقع حين قال في سبتمبر (أيلول) 2021: “لقد تفاهمتُ جيداً مع جورج دبليو بوش، باراك #أوباما، ودونالد #ترامب، لكنّني لا أستطيع القول إنّنا بدأنا بشكل جيّد مع جو بايدن”. وكان متوقّعاً ألّا تكون العلاقات بين بايدن وأردوغان إيجابيّة بالنظر إلى الاختلافات في مقاربة السياسة الخارجية ذات الاهتمام المشترك، وحتى في مقاربة القضايا الحقوقيّة داخل تركيا.

بالفعل، تفاهم أردوغان مع ترامب إذ مال الأخير بشدّة إلى تفهّم مطالب أردوغان الأمنيّة لعدد من الأسباب، من أهمّها إعجاب الرئيس السابق بـ”الرؤساء الأقوياء” وتركيزه على فكرة إنهاء “الحروب التي لا تنتهي” وما يترتّب عليها من انتشار عسكريّ أميركيّ في الخارج كما هي الحال في سوريا. حتى أنّ ترامب لام سلفه باراك أوباما لأنّه لم يقبل بيع صواريخ “باتريوت” إلى تركيا ممّا دفع الأخيرة إلى التوجّه نحو روسيا لشراء منظومة “أس-400”. وكان لأردوغان علاقة جيّدة أيضاً مع أوباما حتى أنّه قدّر النصائح التي يعطيها نظيره التركيّ في شأن تربية ابنتيه. لكنّ علاقة الرئيسين تدهورت بعد تعاون واشنطن العسكري مع الأكراد في مواجهة “داعش” وبعد محاولة الانقلاب على الرئيس التركيّ سنة 2016.

صفقة من نوع آخر؟

ليس مؤكّداً ما إذا كانت تركيا راغبة فعلاً بشنّ عملية عسكرية جديدة في سوريا. والأمر نفسه ينطبق على النية الأميركية في إعطاء ضوء أخضر لهذه العملية. لكن حتى لو عارض بايدن خياراً تركياً كهذا، فقد يكون هنالك باب آخر للتسوية مع أنقرة بشأن قضية توسيع الناتو: بيعها مقاتلات “أف-16” الأميركية. وهذا ما يحذّر منه الباحث في “معهد المشروع الأميركي” مايكل روبين الذي رأى أنّ بيع هذه المقاتلات مع تحديث أسطولها السابق سيمكّنها من مواصلة عملياتها العسكرية لقتال الأكراد و”التغيير الديموغرافي” في شمال سوريا، لا الانخراط في مكافحة الإرهاب. وذكر أنّ القبول ببيع هذه المقاتلات يشكّل رسالة بأنّ أردوغان لن يواجه تداعيات في حال شنّ هجومه مشيراً إلى أنّ ذلك سيكون “خيانة” للأكراد تماماً كـ”خيانة” ترامب لهم، وهو توصيف استخدمه بايدن لسياسة ترامب في 2019.

يجب أن تمرّ موافقة بيع المقاتلات إلى تركيا عبر الكونغرس حيث من المتوقّع أن تصطدم هذه السياسة بمطبّات عدّة. لكن يبدو أنّ إدارة بايدن اتّخذت قرارها النهائيّ بهذا الشأن. تبقى معرفة ما إذا كان قرار الإدارة بالموافقة على بيع المقاتلات يساوي فعلاً الموافقة على شنّ أيّ عمل عسكريّ في سوريا.

نقل عن “النهار العربي”

——————————–

الطريق إلى الرئاسة التركية/ حسام كنفاني

لا يمكن فصل الإعلان التركي عن عملية عسكرية مرتقبة في الشمال السوري لإنشاء ما تسمّى “منطقة آمنة” عن المعركة الرئاسية التي يخوضها الرئيس رجب طيب أردوغان ضد المعارضة قبل موعد التصويت في 2023. فالرئيس التركي لا يعيش حالياً أفضل أيامه مع تصاعد الأصوات المعارضة في الداخل في ظل التدهور الاقتصادي المتسارع وانهيار سعر صرف الليرة التركية، وما يرافق ذلك من حملات عنصرية تستهدف اللاجئين السوريين تحديداً، وتحمّلهم مسؤولية البطالة التي يعاني منها جزء كبير من المواطنين الأتراك. ومع أن هذه الحملات ليست جديدة، إلا أنها أخذت في الآونة الأخيرة طابعاً عنفياً تجلى في اعتداءات استهدفت عدداً من تجمعات اللاجئين السوريين أو مصالح سورية في غير مدينة تركية. والجديد اليوم هو الانضمام الضمني لحزب العدالة والتنمية الحاكم إلى هذه الحملات، عبر الترويج لعمليات “عودة طوعية” لأكثر من مليون لاجئ إلى الداخل السوري. هذا إضافة إلى عمليات الترحيل اليومية لعشرات السوريين التي تجري من دون حملات إعلامية. فخلال الأشهر القليلة الماضية رُصد ترحيل أكثر من ألفي سوري إلى ما تُسمى “المناطق المحررة” في الداخل، وذلك بذريعة ارتكاب انتهاكات في الداخل التركي.

ويبدو أن أردوغان في الحملة الانتخابية الحالية يسعى إلى ملاقاة هذا التصاعد في العداء للسوريين عند منتصف الطريق عبر مشروع “العودة الطوعية”، والتي لا تزال غامضة، خصوصاً أن مئات السوريين المشمولين ضمناً بهذه الخطة غير راغبين في العودة ولا يرون إنهم سيكونون في مأمن في الداخل السوري، وهو ما تم التعبير عنه في مقابلات كثيرين مع سوريين أفصحوا عن رغبتهم في البقاء في تركيا أو التوجه إلى أوروبا بدل الداخل السوري إذا كان لا بد من المغادرة. أردوغان عمل بداية على الترويج لـ”العودة الطوعية” عبر مشاريع المدن في الشمال السوري، والتي تستهدف بالأساس استيعاب ما بين مليون ومليون ونصف المليون لاجئ من تركيا، من أصل نحو 3.7 ملايين لاجئ، بحسب الإحصاء الرسمي، يعيشون في المدن التركية المختلفة. إلا أن هذه المدن ليست جاهزة بعد، ويشكو السوريون الموجودون في الداخل من سوء عمليات البناء وعدم متانة المباني، وبالتالي أهليتها للعيش.

يترافق مشروع “العودة الطوعية” اليوم مع العملية العسكرية المتوقعة لتشكيل “المنطقة الآمنة”، والتي من المفترض أن تستوعب اللاجئين العائدين. ومع أن العملية الجديدة مرتبطة بالأمن القومي التركي، لجهة إبعاد القوات الكردية 30 كيلومتراً عن مناطق السيطرة التركية، إلا أنه من غير المرجح أن تحقق الأمان المشتق من اسمها للاجئين، وخصوصاً أن القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الراعية لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، لم تعط الضوء الأخضر للقوات التركية للدخول في العملية. ومن ثَمّ فإنّ هذه المناطق ستبقى هدفاً للقوات الكردية لمحاولة استعادة السيطرة على الأراضي التي من المفترض أن العملية التركية ستبعدهم عنها. ومن غير المستبعد أيضاً أن تؤدي العملية التركية الجديدة إلى موجات نزوح داخلي إضافية إلى المناطق التي تُخصص اليوم لاستيعاب “العائدين الطوعيين” إلى الداخل السوري.

لكن هذه الافتراضات كلها، ووضوح الرفض السوري لـ”العودة الطوعية”، لن تثني أردوغان عن المضي قدماً في مشروعه، خصوصاً أنه بات يرى فيه واحداً من الفرص الأساسية للفوز في المعركة الانتخابية التي أصبحت تدور بشكل كبير حول الوجود السوري في تركيا، وهو ما لا يمكن لأردوغان التغاضي عنه. الرئيس التركي يرى اليوم في مشروع إعادة اللاجئين أحد الطرق للمضي في مرحلته الرئاسية إلى خواتيمها السعيدة، خصوصاً أن هذه الولاية الرئاسية ستكون الأخيرة له.

العربي الجديد

———–

مستجدات المشهد السوري!/ أكرم البني

يصح القول إن المشهد السوري، الذي بات مرتهناً بشدة للعوامل الخارجية، هو الأكثر عرضة للتأثر بما يطول العالم من مستجدات ومتغيرات، ربطاً بانعكاس تلك المتغيرات على مواقع الأطراف الفاعلة فيه وأدوارها.

أولاً، ما يخلفه انشغال موسكو في الحرب على أوكرانيا من تأثير في دورها ووزنها في سوريا، خصوصاً بعد تعثرها وعدم نجاحها في تحقيق انتصار سريع وغير مكلف هناك، إن لجهة اهتزاز الثقة بها كحليف كان يعتبر كلي القدرة بين قطاع واسع من السوريين، وفي أوساط السلطة الحاكمة، وإن لجهة انحسار قدرتها على المناورة والتقرير في حقل تنافسها مع الجهات المتدخلة في الصراع السوري، كما تراجع إمكاناتها لمد النظام بما يحتاج إليه من دعم إسعافي لتخفيف حدة أزمته الاقتصادية والاجتماعية، والأهم ما يثار عن اضطرارها لإعادة نشر قواتها في سوريا، وسحب بعض قطعاتها العسكرية من مواقع كانت تعد استراتيجية، في ريف دمشق ودير الزور ودرعا والسويداء، ربما للاستعانة بها، وبما راكمه جنودها وضباطها من خبرات ميدانية، في حربها على أوكرانيا.

ثانياً، الفرصة التي باتت متاحة أمام إيران وميليشياتها لملء الفراغ الذي يتركه إعادة الانتشار الروسي، فضلاً عما قد يصيب معادلة تنازع النفوذ على الاقتصاد السوري بين طهران وموسكو من تغيير لصالح تقدم الأولى وتراجع وزن الثانية، ما يفسر توقيت زيارة رأس النظام إلى طهران لاستجرار موافقتها على خط ائتماني جديد، أساسه قرض بفائدة ميسرة لسد العجز المالي للدولة وقدرتها على توفير الأجور والمواد الأساسية والسلع المعيشية، وسيكون المقابل، بلا شك، منح إيران امتيازات اقتصادية جديدة في سوريا ليس فقط في التجارة والصناعة وتمليك الأراضي، وإنما أيضاً في موارد البلاد وثرواتها الطبيعية، والأسوأ إن تم إحياء الاتفاق النووي، حيث سيوفر رفع العقوبات عن طهران مزيداً من الموارد لتعزيز نفوذها الإقليمي ودورها في سوريا على حساب دور موسكو، التي بدأت تعاني، مالياً واقتصادياً، من وطأة تشديد العقوبات الغربية عليها، هذا من دون أن نغفل انعكاس كل ذلك في تفعيل الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية لشبكة بغيضة يتعاضد فيها، ضباط أمن ورجال أعمال مرتبطون بالنظام السوري مع ميليشيات حزب الله والحرس الثوري لتهريب الآثار وتوسيع تجارة المخدرات (الحشيش وحبوب الكبتاغون).

ثالثاً، انعكاس موقف الحكومات الغربية المتشدد من قيادة الكرملين، بتشدد موازٍ من حليفها نظام دمشق، بما يفضي ربما إلى نهاية مرحلة كان فيها الغرب يسلم لموسكو إدارة الملف السوري، ويكرّس عملياً الاستمرار في عزل النظام وتعزيز العقوبات المتخذة ضده، كما تثبيت الاشتراطات الغربية حول الانفتاح وإعادة الإعمار جنباً إلى جنب مع مقارعة المبادرات السياسية التي راهنت موسكو عليها لترتيب البيت السوري، كاتفاقات سوتشي والآستانة وإفشالها، بدليل ضحالة الاهتمام أو الرهان عموماً على نتائج ذات قيمة يمكن أن يفضي إليها مؤتمر الآستانة المرتقب، كما تصعيد المطالبة الأميركية ليس فقط بأولوية تنفيذ القرارات الأممية وإذعان النظام للتسوية السياسية، بل بضرورة مساءلته ومحاسبته على ما ارتكبه من مجازر وجرائم، وأيضاً التصريح الحاسم لمسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي على هامش مؤتمر بروكسل للدول المانحة لسوريا بأن «الاتحاد ملتزم عدم المساهمة في إعمار سوريا، وعدم رفع العقوبات، وعدم إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، ما لم يتم إنجاز انتقال سياسي حقيقي وشامل وجاد وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عام 2015».

رابعاً، انعكاس جديد الموقف الغربي من النظام ومن تنامي التغلغل الإيراني في سوريا على مواقف عربية أبدت بعض المرونة في التعاطي مع النظام السوري، ما يؤكد، مرة أخرى، أوهاماً ولنقل عدم جدوى التعويل على فك ارتباط هذا النظام مع طهران، ويمكن أن تدرج في هذا السياق تصريحات ومواقف لغير سياسي ومسؤول عربي، يعبر فيها عن القلق والتحسب من مثالب تعميق التلاحم السوري الإيراني، ومن ضمنها موقف أردني، استهجن ميل قادة النظام والميليشيات الإيرانية، لاعتبار مبادرات التطبيع مع دمشق بوادر ضعف أو استسلام لواقع الحال المفروض في سوريا، كذا! وحذر بشدة من مخاطر اقتراب الحرس الثوري وحزب الله اللبناني من حدود الأردن الشمالية ومحاولتهما استباحتها لتنشيط عمليات تهريب المخدرات، وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تكرار الاعتداءات على الجيش الأردني واشتباكات عدة مع المهربين، تم خلالها قتل بعضهم، ممن يحسبون على حزب الله اللبناني ومصادرة كميات كبيرة من الحشيش وحبوب الكبتاغون.

خامساً، بدأ يتضح استعداد أميركي للبقاء فترة طويلة في سوريا وتعزيز ذلك بتوفير حاضنة اجتماعية واقتصادية له، بدليل مسارعة واشنطن لتوسيع انتشار قواتها في مناطق جديدة من شرق سوريا، ثم مبادرتها لإعفاء أو استثناء مناطق الإدارة الذاتية الكردية وبعض مناطق سيطرة المعارضة السورية من مفاعيل العقوبات الأميركية، حيث أخرجت من قائمة العقوبات قطاعات الزراعة والاتصالات والبنية التحتية والبناء والنقل، إضافة إلى قطاعات متعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع والتجارة، وكذلك سمح الاستثناء بشراء المنتجات البترولية المكررة ذات المنشأ السوري وتنشيط الاستثمارات الأجنبية في تلك المناطق.

سادساً، جديد ما يشهده اللاجئون السوريون في تركيا على مشارف انتخاباتها العتيدة، وقد أصبحوا مادة للجدل في حلبة التنافس بين الحكومة والمعارضة، وبينما أظهرت بعض رموز الأخيرة إشارات عدائية حول حقوق اللجوء للسوريين، سارعت حكومة أنقرة لتجديد مطالبتها بدعم غربي لمشروع إقامة منطقة آمنة في القطاع الذي تسيطر عليه لاستيعاب مليون لاجئ سوري، ربطاً بما يثار عن احتمال قيامها بعملية عسكرية جديدة لتوسيع هذا القطاع، يحدوها صمت أميركي وتصعيد كردي ضد المنطقة الآمنة على أن غايتها محاصرة الوجود الكردي، وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة ووضع بذور خلافات وصراعات بين اللاجئين والسكان الأصليين.

استدراكاً، وفي ظل ما سبق من مستجدات، يصح القول إنه لا استقرار في الأفق السوري ولا حلول، بل يرجح أن يكتنف المشهد المزيد من الضياع الوطني، والمزيد من التشتت والتمزق الاجتماعي والتردي الإنساني والاقتصادي، والأسوأ، المزيد من الصراعات الدموية المجانية بين أجندات خارجية لتقاسم النفوذ وتحسين المواقع، ربما حتى آخر سوري!

الشرق الأوسط

————————-

منبج وتل رفعت في المنظور التركي/ حسن النيفي

يتزامن الحديث المتصاعد من أنقرة عن مشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق الشمال السوري مع خطاب سياسي يحمل في تضاعيفه نبرة تصعيدية تُنذر بعملية عسكرية تركية تستهدف المناطق والبلدات التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهذا ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته أمام المجمع الحكومي في أنقرة، يوم الإثنين الفائت (23–5–2022).

وعلى الرغم من أن كلمة الرئيس التركي لم تتضمن موعداً محدّداً للعملية العسكرية المشار إليها، وكذلك لم تحدّد المناطق التي يمكن أن يطولها الاستهداف التركي، إلّا أن ثمة مؤشرات تحيل إلى أولوية تركية في بعض المناطق قبل سواها، وبالنظر إلى سياق تلك الأولويات تبدو بلدة تل رفعت وما حولها من بلدات وقرى، والتي يبلغ تعدادها (24 بين بلدة وقرية)، هي الأقرب إلى تطلعات أنقرة وذلك لعدة أسباب، من أبرزها:

أن هذه البلدات والقرى كانت قد احتلتها قسد، في شباط من العام 2016 – بغطاء ودعم روسي – وذلك ردّاً على إسقاط القوات التركية لطائرة روسية آنذاك، أي إن احتلال تلك المناطق كان بدافع كيدي روسي، المُراد منه إزعاج تركيا واستفزازها بالدرجة الأولى، وليس لحاجة استراتيجية روسية.

وقد استمرت موسكو بالحفاظ على نفوذها في تلك المناطق من خلال توفير الغطاء العسكري لقوات قسد طيلة السنوات الماضية، كورقة ضغط على تركيا تُضاف إلى أوراق أخرى، إلّا أن المستجدات السياسية والميدانية التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا قد تلعب دوراً كبيراً في إبطال مفعول كثير من أوراق الضغط السابقة، فروسيا المنهمكة اليوم في حربها على أوكرانيا تواجه تحدّياً أميركياً وأوروبياً يجعلها تحرص على ألّا تبتعد كثيراً عن أنقرة، بل ومن غير المُستبعد أن تتخلى عن نفوذها في تلك المناطق إذا ما حظيت بالحفاظ على مصالح أخرى لها مع تركيا، وخاصة أن بقاء نفوذها في تل رفعت وما حولها لا يجسّد مكسباً استراتيجياً عسكرياً أو سياسياً.

أمّا من جهة الحسابات التركية فإن أوّل ما يمكن تأكيده هو أن عدد السكان الذين نزحوا من تل رفعت وما حولها إبان احتلالها يقارب 250 ألف نسمة، توجه قسم منهم إلى تركيا، والقسم الآخر يوجد في مخيمات النزوح بالشمال السوري، ولعل عودة هؤلاء السكّان إلى بلداتهم وقراهم تتماهى مع دعوة أنقرة إلى إعادة اللاجئين، بل إن عودة ربع مليون لاجئ إلى بيوتهم الأصلية ربما يسهم في إضفاء جانب من المشروعية العملية لفكرة إعادة اللاجئين.

أمّا مدينة منبج، فلعل الأمر مختلف عما هو عليه في تل رفعت، من جهة أنها تخضع للنفوذ الأميركي، منذ آب 2016، بعد طرد تنظيم داعش منها، وهي منذ تلك الفترة تحكمها قوات قسد بقيادة حزب “الاتحاد الديمقراطي – PYD”، ولعل استمرار المظلة الأميركية على تلك المنطقة هو ما حال دون وصول قوات نظام الأسد وحليفه الروسي إليها، على الرغم من وجودهما على بعد (20 كم) من جهتي الغرب والجنوب.

    لم تُخف أنقرة رغبتها في أن تكون منبج مشمولة بالمنطقة الآمنة التي تطالب بتحقيقها، ولعل اتفاق الرابع من حزيران 2018 بين أنقرة وواشنطن كاد أن يفضي إلى تحقيق ما تريده تركيا، لولا الخذلان الأميركي لمطلب أنقرة وتنصّله التدريجي من تلك الاتفاقية

لم تُخف أنقرة رغبتها في أن تكون منبج مشمولة بالمنطقة الآمنة التي تطالب بتحقيقها، ولعل اتفاق الرابع من حزيران 2018 بين أنقرة وواشنطن كاد أن يفضي إلى تحقيق ما تريده تركيا، لولا الخذلان الأميركي لمطلب أنقرة وتنصّله التدريجي من تلك الاتفاقية، ولكن على الرغم من ذلك تبقى المدينة محط أنظار جميع الأطراف وليس أنقرة فقط، لأسباب عديدة، يمكن إيجاز أبرزها بما يلي:

    ما تزال تحافظ منبج على بنيتها التحتية والعمرانية، نظراً لعدم تعرضها لحملات دمار ممنهجة كما في بقية المدن، فضلاً عن احتفاظها أيضاً بحيويتها الاقتصادية والتجارية، الأمر الذي يؤهلها كي تكون ملاذاً آمناً لأعداد كبيرة من السكان.

    ثمانون في المئة من سكانها هم من العرب، وهذا ما يدفع أنقرة لليقين بأن حاضنة حزب “الاتحاد الديمقراطي” تكاد تكون معدومة، وبالفعل فقد شهدت المدينة صيف 2021، احتجاجات شعبية عارمة ضد سلطات قسد، وما يزال ينظر كثير من أبناء المدينة إلى سلطة الأمر الواقع الحالية على أنها ذات شرعية قسرية غير منبثقة من نسيجهم السكاني والاجتماعي.

    لقد غادر منبج منذ العام 2014 ما يقارب مئتي ألف نسمة من سكانها، ومعظم هؤلاء يوجدون في مناطق اعزاز وجرابلس والباب، إضافة إلى وجود قسم منهم أيضاً في تركيا، وما من شك في أن هؤلاء يجدون في خروج قسد فرصةً لعودتهم إلى بيوتهم وبلداتهم وقراهم، وهذا ما يتماهى مع المسعى التركي، أي فكرة عودة اللاجئين.

ليس ثمة ما يوحي بعملية عسكرية تركية وشيكة باتجاه منبج، ولكن بالمقابل أيضاً هناك إلحاح تركي متزايد بالضغط السياسي والميداني حيناً، والرسائل الإعلامية حيناً آخر، لكي تبقى مدينة منبج على قائمة الأولويات التركية.

بطبيعة الحال، لا يغيب عن أنقرة أن الرفض الأميركي كان ملازماً دائماً لأي تقدّم تركي باتجاه مناطق سيطرة قسد، إلّا أن المناخ الدولي الذي أفرزته حرب بوتين على أوكرانيا ربما يدفع تركيا نحو مقاربة جديدة للموضوع، ربما اعتمدت هذه المقاربة على استثمار حاجة واشنطن الشديدة إلى تركيا، سواء من جهة الدعم الذي تقدمه تركيا لأوكرانيا من خلال تزويدها بأعداد هائلة من الطائرات المُسيّرة (بيرقدار)، أو من جهة حاجة واشنطن أيضاً إلى الحفاظ على حلف الناتو وتماسكه في الوقت الراهن، وخاصة حين تجد أنقرة أن الفرصة باتت مناسبة جداً لاستثمار طلب كلٍّ من السويد وفنلندا بانضمامهما إلى حلف الناتو، لتكون أكثر إلحاحاً في مطالبها المتمثلة بوقف الدعم والتبنّي لحزب “العمال الكردستاني” ومشتقاته في سوريا، مما يفضي إلى الظن بأن واشنطن ربما تكون أكثر حرجاً من ذي قبل أمام الحليف التقليدي التركي، فإلى أي مدى سيدفع هذا الحرج حكومة الرئيس بايدن إلى تقديم تنازلات جديدة من شأنها أن تكون قادرة على توطيد الثقة بينها وبين تركيا؟

وأما القول بوجود صلة وثيقة بين كل ما يجري من تصعيد وبين الانتخابات التركية المقبلة في العام 2023، فهو أمر ذو نصيب من المعقولية والمشروعية أيضاً.

تلفزيون سوريا

———————

تركيا بعد صبر سنوات.. ما الذي تسعى إليه في سوريا؟/ صالح عكيدي

مع التهديد التركي لشن عملية عسكرية في الشمال السوري، ترتفع موثوقية تصريحات الرئيس التركي أردوغان بخصوص شن عملية عسكرية جديدة، أو تؤكد على الأقل؛ عزم تركيا على تحقيق مكاسب معتبرة في سوريا. تزامناً مع تغيرات متسارعة في خريطة التحالفات الدولية، تبعت تورط روسيا في الساحة الأوكرانية. لتثير هذه التطورات الجدال السوري حول جدية الأتراك في تحركاتهم، فهل تفعلها تركيا وتعيد رسم الخريطة السورية؟

تستهين بعض الآراء السورية بالأهمية المصيرية التي تحملها سوريا في المنظور التركي، وبمناورات تركيا الدبلوماسية خلال الأشهر الماضية، والتي نتج عنها تطبيع للعلاقات مع دول إقليمية ودولية طالما عرقلت تحركات الأتراك في سوريا، وأخيراً بحاجة الحكومة التركية لنصر جلل قبل الدخول في انتخابات مصيرية. 

كما تفسر الآراء نفسها تحركات تركيا، خلال عشر سنوات من التدخل المباشر، بشكل معاكس لتصريحات المسؤولين الأتراك الرسمية. واضعةً تركيا في موقع الاتهام بالانحياز للمحور الروسي-الإيراني، على حساب حلفائها من الشعب السوري. أو تحصر اهتمامها في الملف السوري بتهديد “قسد” فقط.

في المقابل، يلقي الأتراك لوم ما آلت إليه الأحوال في سوريا، على الحلفاء الغربيين والعرب. فالغربيون أعماهم الخوف من صعود القاعدة وداعش، والعرب أعماهم الخوف من صعود تيار الإخوان المسلمين؛ عن أولوية إسقاط النظام السوري. ليتركوا تركيا وحيدة في المواجهة -حسب الرواية التركية.

تطور الموقف التركي

منذ اندلاع الثورة السورية، أخذت تركيا التطورات في جارتها الجنوبية بجدية. واعتبرت عبر تصريحات مسؤوليها الأزمة السورية قضية وجودية. كيف لا وحدود سوريا المشتركة تتجاوز الـ 800 كم، كذلك فإن شعبي الدولتين مترابطان فيما بينهما اقتصادياً، وثقافياً، وعرقياً. ما يعني أن تبعات الأحداث في الجارة الجنوبية ستجد طريقها للداخل التركي، وهذا ما حدث.

نتيجة لقلقها من حالة الفوضى المتوقعة، وقفت تركيا في الأشهر الأولى أمام التصعيد ضد النظام السوري، واعتمدت على وعود قدمها رأس النظام نفسه، لتهدئة شبه الإجماع الدولي على إسقاط النظام. قبل أن تدرك مستوى المكر والكذب الذي يتبناه النظام لكسب الوقت، طمعاً بإخماد الحراك الشعبي. لتتبنى موقفا حازماً ضده، وتعرض كل إمكانياتها في سبيل إسقاطه وحماية المدنيين بأسرع وقت ممكن، للحد من تأثير هذا الحدث المفصلي على شؤونها الداخلية.

عام 2016، أصبحت الصورة في سوريا كارثية في العيون التركية. خذلان الحلفاء، وانخراط روسي كامل لإنقاذ الأسد ومعه المحور الإيراني، وقوات سوريا الديمقراطية أقرب من أي وقت لتأسيس كيان انفصالي يهدد وحدة الأراضي التركية. ما دفع تركيا بحسب روايتها لتنفيذ سلسلة من المناورات الدبلوماسية والعسكرية، ابتعدت فيها عن أولوية إسقاط النظام، واقتربت عبرها من المحور الروسي الإيراني مجبرةً، في سبيل إفشال مشروع الكيان الكردي جنوباً.

أما منذ عام 2019 وحتى اليوم، وبعد إدراكها أن المكاسب الممكنة قد حُققت بالفعل، اتبعت تركيا استراتيجية “النفس الطويل” في التعامل مع الواقع الجديد. فكلفة المحافظة على الوجود العسكري أكبر بكثير من الناحية المادية واللوجستية بالنسبة لإيران وروسيا، مقارنة بتركيا. ما يعني أن عامل الزمن لصالح تركيا، حتى تتغير الموازنات بما يسمح لها بتحقيق مكاسب في عمقها الجنوبي الأهم، تليق بطموحها في الوصول لمصاف الدول العظمى.

اليوم، وفي ضوء التقلبات الحادة التي تشهدها الساحة الدولية منذ التورط الروسي في أوكرانيا، يمكن الافتراض أن “الصبر التركي” بدأ بالإثمار. فالجولات الدبلوماسية المكوكية التي تميزت فيها تركيا مؤخراً حققت اختراقات مع دول محورية في المنطقة، من الإمارات للسعودية وصولاً لإسرائيل ومصر، والحليف الغربي مستعد للتعاون والدعم على مستوى غير مسبوق. في المقابل، وصلت روسيا لأضعف حالاتها، وإيران قد تكون في مواجهة اتفاق ضمني بين القوى الإقليمية والدولية على تحجيمها. 

تبرر القراءة السابقة فرضية النية التركية بتحقيق مكاسب تعيد رسم خريطة النفوذ في سوريا لصالحها، وتنعكس إيجاباً على شؤونها الداخلية، وتعطيها بعض ما تطمح إليه من تأثير في الساحة الدولية والمنطقة. وتحاول السطور التالية، حصر هذه المكاسب تحت خمسة عناوين رئيسية، دون تقييدها بإطار زمني أو آلياتي:

    حل قوات “قسد” في الشمال السوري:

أطلق صعود قوات “قسد” في الشمال السوري، تزامناً مع ما تلقته من دعم دولي لمحاربة داعش، صافرات إنذار لم تسمع منذ سنوات في الأوساط البيروقراطية التركية. فشبح التقسيم الذي حل جنوب البلاد يهدد كيان الدولة ككل. لمعرفة مدى حساسية الموضوع، يكفي التذكير بأن الحكومة التركية كانت مستعدة للتحالف مع القوميين على حساب شعبيتها في الوسط الكردي-التركي، وللتعاون مع روسيا وإيران على حساب الحليف التقليدي الغربي -أي تغييرين جذريين على المستوى السياسي الداخلي والخارجي؛ فقط في سبيل إفشال مشروع “قوات سوريا الديمقراطية”.

نجحت تركيا نسبياً في إفشال المشروع بدخولها لمناطق استراتيجية في الشمال، لتحطم طموحات “قسد” بمنطقة نفوذ تمتد على طول الشمال الشرقي السوري. وأمام التهديد بالمزيد، دفعتهم نحو حضن روسيا والنظام السوري. ما أضعف تأثير “قسد” حتى في مناطق نفوذها، وأثار الشكوك عند الحليف الغربي.

 أدركت تركيا حينذاك استعداد النظام السوري المحتمل على التعاون لإنهاء مشروع “قسد” جذرياً مقابل تطبيع العلاقات، لكنها فضلت الانتظار، على ما يبدو طمعاً بالمزيد.

    إعادة إعمار سوريا آمنة تضمن عودة اللاجئين:

بعد سنوات من الكلفة العالية التي تحملتها في سوريا، بشكل مباشر أو غير مباشر، تتطلع تركيا للبدء بإعادة الإعمار في الجارة الجنوبية. إذ سينتعش اقتصاد تركيا الذي يعتمد بشكل ملحوظ على نشاط شركات البناء. وسيعود جزء لا يستهان فيه من اللاجئين؛ ما سيجرد المعارضة من كرت بالغت في استخدامه ضد الحكومة مؤخرا.

ويبقى العائق الرئيسي للبدء بهذه المرحلة، التي تخطط تركيا للتعويض خلالها عن خسائر السنوات؛ الوصول لحل سياسي ولو في أدنى الحدود، ينتج عنه استقرار أمني في سوريا. ما يعني ضرورة الضغط المباشر على نظام الأسد للوصول لتسوية تتماشى مع معايير المجتمع الدولي -الذي سيمول بدوره مسار إعادة الإعمار.

     كسر حصار روسيا – إيران الجيوسياسي المطبق على تركيا:

يكفي إلقاء نظرة سريعة على خريطة تركيا والجوار، لإدراك أبعاد المأزق الجيوسياسي التي تواجهه تركيا. فمحور روسيا-إيران يحاصر تركيا حرفياً من ثلاث جهات، بدءا من أوكرانيا وروسيا شمال البحر الأسود، مروراً بجورجيا وأرمينيا وإيران شرقاً، ووصولاً للعراق وسوريا جنوباً. تاركاً تركيا معزولةً عن عمقها الاستراتيجي التركي الذي يمتد عبر أذربيجان وصولاً لوسط آسيا، وعن عمقها الاستراتيجي العربي.

أمام هذا التهديد الجيوسياسي الوجودي، لا خيار أمام تركيا سوى كسر الحصار بكل السبل المتاحة. لتبرز الساحة السورية في قائمة الخيارات، إن لم تكن الخيار المتاح الوحيد.

    ضمان حقوق ودور السنة في المستقبل السوري:

تطورت خلال السنوات قناعة تامة عند الإدارة التركية بأن إيران تحاول هندسة سوريا ديمغرافياً حسب هواها. وتدرك أن للموضوع آثار قد تغير من صورة المنطقة جذرياً لمصلحة إيران على حساب تركيا والقوى الإقليمية الأخرى.

مدفوعةً بضرورة الوقوف أمام المشروع الإيراني الديمغرافي، وبمعرفتها أن هذا الموقف سيزيد من شرعية دورها في سوريا أمام قوى محلية ودولية؛ ترغب تركيا في أن تلعب دور الضامن لحقوق ودور السنة -وخاصة التركمان الذين أفرغوا من سوريا بشكل شبه كامل- في المستقبل السوري.

    القبول بدور تركيا كوسيط معتبر في المنطقة:

ترغب تركيا في الخروج من الملف السوري محققةً ما سعت إليه منذ الأشهر الأولى من انطلاقة الثورة السورية: إثبات نفسها كضامن معتبر ويعتمد عليه في المنطقة، من قبل القوى الدولية والإقليمية. ما سيتيح لها الاستفادة القصوى من موقعها الاستراتيجي الذي يصل عوالم بأخرى.

ختاماً، من الخلاف مع تنظيم فتح الله غولن، لفشل مسار السلم الأهلي مع المكون الكردي، حتى تأزم العلاقات الدبلوماسية مع الدول الإقليمية والدولية؛ يمكن تتبع أبرز الأزمات الداخلية والخارجية التي عصفت بتركيا خلال العقد الماضي وصولاً لمصدر واحد: سوريا. فهل من المستبعد، أمام هذه الفرصة التاريخية، أن تسعى البلاد لحل كثير من أزماتها الحالية في المكان ذاته؟

تلفزيون سوريا

————————

رهان تركيا على”المناطق الآمنة” في سوريا/ رضوان زيادة

عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على الحاجة إلى المنطقة الآمنة في سوريا، مهدّداً بعملية عسكرية في الشمال السوري من أجل إبعاد قوات حزب “العمال الكردستاني” المنضوية تحت ما يُسمّى بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والسبب الآخر الذي يدعوه لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، هو أن تكون ملاذاً للاجئين الذين فاق عددهم 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، وهم عنوان حملات سياسية دائمة من قبل المعارضة التركية في هجومها على الرئيس أردوغان.

وفي نفس الوقت تعهدت دول الخليج بتحمّل تكاليف إنشاء هذه المناطق، لكن إلى الآن ليس هناك وضوح سياسي وقانوني وعسكري لما يعنيه الرئيس أردوغان بالمناطق الآمنة في سوريا.

فهل سيلجأ إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة لإصدار قانون دولي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق، وعليه ماذا سيكون موقف روسيا في مجلس الأمن، والتي مارست حق النقض (الفيتو) ست مرات فيما يتعلّق بقرارات أخف لهجة بكثير وأقل تأثيراً في مجرى تطورات الحرب السورية، وهي مشغولة الآن بحربها ضد أوكرانيا.

إذ وقفت روسيا في البداية ضد إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين نظام الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان وارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين، كما رفضت إحالة التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، فهل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية، لا سيما أنها عارضت مثل هذه الأفكار على مدى السنوات الماضية، ربما يتوقّع الرئيس أردوغان أن ينجح في إقناع أميركا وروسيا المشغولتين بحرب أوكرانيا أن هذه المناطق الآمنة هي الخيار الأفضل بالنسبة لسوريا اليوم.

هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى العسكري فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية يحتاج إلى إنشاء فرض حظر طيران جزئي على الأقل فوق هذه المناطق من أجل حماية المدنيين واللاجئين الذين سيلجؤون إليها، وهذا يفترض منه حظر طيران الأسد والطيران الروسي من التحليق فوق هذه المناطق وبالتالي تدمير أو على الأقل تحييد كل مضادات الدفاع الجوية والصاروخية لنظام الأسد التي يمكنها أن تهدّد مثل هذه المنطقة، وهو ما يعني بالتأكيد تدخلاً عسكريا أميركياً أو دولياً محدوداً في الأراضي السورية.

أعتقد أن كل القادة العسكريين الأميركيين والأتراك يعون ذلك، لكن هذا الالتزام الأميركي وحدوده غائبة تماماً من قبل الرئيس بايدن الذي من المحتمل أن يعارض أية عملية عسكرية الآن داخل الأراضي السورية، لكنه في الوقت نفسه بحاجة إلى الصوت التركي من أجل ضم فنلندا والسويد إلى الناتو وبالتالي ربما تغض أميركا طرفاً عن هذه العملية العسكرية مقابل توسيع الناتو.

الرئيس أردوغان متحمس جداً لهذه الفكرة وقد زار دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والكويت من أجل البحث في تمويل مشروع كهذا، لقد كان إنشاء المناطق الآمنة مطلباً للمعارضة السورية، منذ عام 2012، عندما ازداد القصف العشوائي ضد المدنيين السوريين من قبل نظام الأسد، وأثيرت قضية التدخل الإنساني في سوريا على مدى السنوات الست الماضية بسبب ازدياد عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير وتضاعف عدد اللاجئين، لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين تحت ضوء مذاهب ومبادئ القانون الدولي المطبق في مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصاراً (R2P).

منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن 600 ألف شخص، ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة فإن قوات النظام السوري هاجمت المدنيين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية الكثيفة بمدفعيات، ونشرت القناصين والطائرات المروحية الحربية في المدن السكنية، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وعذبت المحتجين الذين اعتقلوا، كما جرى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في أكثر من مرة، كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرّفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة، وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية.

يبدو أنّ الرئيس بايدن بعيد تماماً عن استخدام هذه اللغة، فهو صامت تماماً عن الحرب السورية، لكن لا بدّ من التأكيد هنا أن ما حصل في سوريا على مدى السنوات الست الماضية يحقق معايير التدخل الإنساني لحماية المدنيين سواء عبر المناطق الآمنة أو غيرها، فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين تعد رئيسية من أجل وقف الحرب في سوريا وضمان انتقال سياسي، وفي الوقت نفسه القضاء على تنظيم داعش، فالأمور الثلاثة مرتبطة بشكل كبير، إذ لا يمكن القضاء على المنظمات الإرهابية في سوريا من دون وجود حكومة شرعية تمثل السوريين وتعكس مصالحهم في إنهاء الحرب وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي وهو ما فشلت حكومة الأسد في تحقيقه.

————————–

أردوغان يراجع سياساته… / ماجد كيالي

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يعتقد بأن الظرف الراهن هو الأنسب له لإعادة تموضع تركيا في خريطة العلاقات الدولية، السياسية والأمنية والاقتصادية، محاولة منه لتعزيز مكانتها أو لتحصينها، مستغلاً عدداً من المعطيات التي أضحت توفرها الحرب الروسية في أوكرانيا، وحاجة العالم لمصادر بديلة للطاقة، والاستعصاء الحاصل في الملف السوري.

على الصعيد السياسي أعاد أردوغان تدوير سياسته الإقليمية، لجهة الانفتاح على الإمارات والعربية السعودية، بعد جمود أو قطيعة لسنوات، وهو ما يفترض أن يستكمل بتطبيع العلاقات مع مصر، الذي سيأتي في قادم الأيام.

بيد أن قصة الانفتاح على إسرائيل هي الأبرز على هذا الصعيد، إذ تخففت تركيا من ادعاءاتها الأيديولوجية، أو السياسية، وباتت تتحدث صراحة عن رغبتها بتعزيز علاقاتها مع تلك الدولة، من مختلف النواحي، وهذا ما ظهر جلياً في الاستقبال الحافل للرئيس الإسرائيلي في تركيا (قبل شهرين)، وفي زيارة وزير الخارجية التركي لإسرائيل قبل يومين، على الضد من كل الشعارات والادعاءات السابقة.

وقد يجدر التذكير هنا بأن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية لم تنقطع طوال السنوات الماضية، رغم الجفاء المتبادل، بمعنى أن كل تلك الخطابات العدائية كانت للاستهلاك المحلي والإقليمي، وهذا هو التفسير الوحيد للحماسة التركية الظاهرة اليوم لتوطيد العلاقات مع إسرائيل. بل إن تركيا ترى في علاقاتها مع الدولة العبرية نافذة، أو مدخلاً، لتعزيز مكانتها لدى الولايات المتحدة الأميركية، كما لتحفيز إسرائيل على التعاون المشترك في استثمار حقول الغاز في البحر المتوسط، وكذلك لفرض ذاتها في الخريطة السورية، عبر سعيها الى سد الفراغ الناجم عن تخفف روسيا من وجودها العسكري فيها، ولسد الطريق على إيران، وهذا ما يناسب إسرائيل والولايات المتحدة في آن، بخاصة مع انسداد نافذة الفرص المتعلقة بإعادة الاتفاق على الملف النووي.

على الصعيد الاقتصادي، كان من الواضح أن أزمة الطاقة على الصعيد الدولي، والسعي الحثيث لدى الدول الأوروبية بحثا عن بدائل لوارداتها من الغاز الروسي، باتا يشكلان لها مدخلاً مناسباً لطرح مشاريع للاستثمار في حقول الغاز في البحر المتوسط، وتجاوز العقبات، أو الاعتراضات السابقة، الناجمة عن الخلافات بينها وبين عدد من الدول، وضمنها اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.

وربما أن تركيا في هذا المجال تراهن على حاجة الأطراف الدولية لحل هذه الأزمة، وبالتالي التدخل، في هذا الظرف الملح، لحلحة تلك الخلافات وإيجاد أطر للتعاون المشترك، وتبادل المنافع، ما يفيد الاقتصاد التركي. لذا من البديهي أن تشتغل تركيا مع إسرائيل مراهنة منها على أن ذلك يمكن أن يسرع ويسهل قيام مشروع كهذا، بالنظر إلى مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وإمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية، والحاجة الدولية الماسة لمصادر غاز جديدة.

أما من الناحية الأمنية، فإن تركيا تتحرك وفق قناعة مفادها أن التداعيات الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، بكل تشعباتها، أضحت بمثابة فرصة لها لإعادة طرح مشروعها بشأن إقامة منطقة آمنة، أي تخضع للسيطرة الأمنية التركية، على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا، بعمق 30 كلم في الشمال السوري. وتتوخى أنقرة من وراء تلك الخطوة تحقيق أهداف عدة بضربة واحدة، إذ من شأن خطوة كهذه، أولاً، تقويض أي محاولة لإنشاء كيان كردي في تلك المنطقة. ثانياً، تعزيز ما تعتبره تركيا أمنها القومي، وضمن ذلك محاولتها خلق حاجز بشري يحول دون قيام كيان كردي مستقبلاً، من خلال بناء وحدات سكنية للاجئين السوريين في تلك المنطقة. وثالثاً، تعظيم مكانة تركيا في سوريا، في مقابل الطرفين الآخرين، أي إيران وروسيا.

في الإجمال، وفيما كانت تركيا، في الفترة السابقة، توظف الملف السوري، أو ملف اللاجئين السوريين، للضغط على أوروبا، أو لابتزازها، وللعب على كل الأطراف، فهي من جهة مع روسيا وإيران في ثلاثي آستانا، وهي من جهة أخرى مع “الدول الصديقة للشعب السوري”، إذا بها اليوم تضغط على أوروبا في محاولتها عرقلة، أو ممانعة، انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”!

بيد أنه، وبغض النظر عن جدية تلك الممانعة أو عدم جديتها، فمن الواضح أن تركيا تحاول من خلال تلك الممانعة، التي لن تستمر على الأرجح، استغلال نافذة الفرص في مجالات عدة، ضمنها تخفيف الاعتراض على انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، ورفع القيود عن وارداتها من الأسلحة الحديثة، وأخذ ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، والقبول بإقامتها منطقة نفوذ آمنة في الشمال السوري، وإيجاد الفرص التي تمكنها من الخروج من أزمتها الاقتصادية.

على أي حال، وبغض النظر عن نجاح تركيا أو تعثرها في رهاناتها الجديدة، فإن السياسة التركية باتت مكشوفة، وعلى حقيقتها، من دون حمولات زائدة، في الأيديولوجيات، والتخيلات، والتوهمات، لا بتخيلها كدولة مقاومة وممانعة، ولا بتخيلها كدولة خلافة مفترضة (راجع مقالنا: “في ما يخصّ تحوّلات أردوغان وصوره المتخيّلة”وهي كلها أوهام تحمّل تركيا أكثر مما تحتمل.

النهار العربي

————————

تهديدات أردوغان السورية بين رفض واشنطن وصمت موسكو/ عبدالله سليمان علي

عادت السياسة التركية إلى ممارسة لعبة “حافة الهاوية” عبر التلويح بعمل عسكري جديد لقضم مزيد من الأراضي السورية مستندةً إلى قراءة خاصة للأوضاع الإقليمية والدولية التي شهدت تغييرات كبيرة بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا. غير أن الانفراجات التي خيمت على علاقات أنقرة بالغرب نتيجة تقاطع مصالحهما في الملف الأوكراني، أخذت، نتيجة مسارعة القيادة التركية إلى جني المكاسب بغض النظر عن الأثمان المطلوبة، تتحول إلى خناق بدأ يشتدّ تدريجياً على خيارات أنقرة الاستراتيجية، ويحشر إرادتها السياسية في زاوية ضيقة.

ورمى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سريعاً بأوراق القوة التي تجمعت في يده نتيجة تقاطع وتناقض العديد من المصالح الدولية جراء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وظنّ -ربما- أن ورقة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” ستكون بمثابة الجوكر الذي يتيح له فرض قواعد اللعبة كما يريد، فجدد تهديداته القديمة / الجديدة بخصوص إقامة منطقة آمنة في محاذاة الحدود الجنوبية لبلاده مع سوريا، ملوحاً ببدء عمل عسكري جديد ضد “وحدات حماية الشعب الكردية” لتقطيع أوصال الكيان الكردي ولمنع تأسيس ما دأبت السياسة التركية على وصفه بممر الإرهاب.

وكان الطّعم الذي حاول أردوغان استخدامه للإيقاع بخصومه في فخ الركون لأجندته التوسعيّة هو تبرير إقامة المنطقة الآمنة بتوطين مليون لاجئ سوري فيها باعتبار أن ملف اللاجئين يحظى بحساسية خاصة لدى الدول الغربية، لا سيما في ظل انشغال بعضها باستقبال ملايين اللاجئين الأوكرانيين. وفي الوقت ذاته كان أردوغان يأمل بأن يخفف مشروعه بخصوص إعادة اللاجئين السوريين من الضغوط التي يتعرض لها من خصومه في السياسة الداخلية.

وتشير مسارعة أردوغان إلى التلويح بورقة “العمل العسكري” لفرض أجندته الخاصة بإعادة اللاجئين وإقامة منطقة آمنة، إلى أحد أمرين: إما أن أردوغان بدأ يستشعر مدى خطورة ملف اللاجئين على حظوظ حزبه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها العام القادم، وإما أنه بات أسير “الرهان العسكري” معتقداً أنه الخيار الوحيد الذي من شأنه أن يرمّم به شعبيته المتآكلة في الداخل التركي نتيجة التحديات الاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار.

وأيّّاً تكن الخلفية الكامنة وراء تجديد أردوغان تهديداته بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا، فإن مما لا شك فيه أن التلويح بهذه الورقة أعاد السياسة التركية إلى ما قبل بدء روسيا الحرب ضد أوكرانيا، وبالأخص في ما يتعلق بعلاقته مع الغرب التي شهدت، بعد الحرب، انفراجات هامة نتيجة رغبة الولايات المتحدة في استقطاب تركيا لصفها بهدف فرض مزيد من العزلة السياسية والاقتصادية على روسيا.

وهكذا لم تكد تمر سوى بضعة أيام على لقاء وزيري خارجية تركيا وأميركا في إطار “الآلية الاستراتيجية” بين البلدين والتي تهدف إلى حل الخلافات على صعيد العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، والعمل من أجل التحرك معاً، حتى دفع التلويح التركي بعمل عسكري في سوريا الولايات المتحدة إلى الوقوف في وجه هذا التهديد واعتباره يمثل خطراً على “القوات الأميركية والحرب ضد تنظيم داعش” وهي لغة دبلوماسية تستبطن رفض واشنطن أي عمل عسكري تركي ضد حلفائها الأكراد.

ونظراً الى أن التهديد التركي جاء عاماً ولم يحدد منطقة جغرافية محددة، بل لم يذكر سوريا بالاسم إنّما اكتفى بالحديث عن حماية الحدود الجنوبية لتركيا وهي تشمل شريطاً حدودياً طويلاً يمتد بين سوريا والعراق، فقد بدا أن الرفض الأميركي، الذي صدر أولاً من وزارة الخارجية الأميركية قبل أن يؤكده البنتاغون في دلالة الى عدم وجود ثغرة في موقف جناحي الإدارة الأميركية إزاء الموضوع، جاء بدوره متسرعاً وقاطعاً. ويعكس ذلك إدراك واشنطن مخاطر أي عملية عسكرية تقوم بها تركيا ضد مشروع “قوات سوريا الديموقراطية”، سواء كانت العملية ضمن منطقة خاضعة للنفوذ الأميركي في شرق الفرات أم خارجه في شمال غربي سوريا، لا سيما أن العمل العسكري الذي تهدد به أنقرة سيلغي تلقائياً مفاعيل الاستثناءات التي أقرتها واشنطن على قانون قيصر وسمحت بموجبها للشركات الأجنبية بالاستثمار في قطاعات معينة من اقتصاد منطقة شرق الفرات ما عدا قطاع النفط.

ولا شك في أن موسكو شعرت بالارتياح وهي تتفرج على تصدي الولايات المتحدة للتهديدات التركية بينما كانت تلوذ هي بالصمت المطبق إزاء تصريحات أردوغان النارية. ولا يقف الارتياح الروسي عند رؤية العلاقات الأميركية – التركية وهي تخفق في تجاوز التحديات التي تحول دون تحسينها رغم الأجواء الإيجابية التي فرضها الملف الأوكراني، بل يتعدى ذلك إلى إدراك موسكو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيعود لطرق باب الكرملين من أجل السعي للحصول على صفقة ما تتيح له الظهور بمظهر القادر على تنفيذ وعيده. وقد يكون جيب تل رفعت – منغ في ريف حلب الشمالي الذي تنتشر في محيطه قوات مختلفة تتبع للأكراد وللجيش السوري والايرانيين والروس، المؤهل أكثر من غيره لاختبار مدى رغبة موسكو في عقد مثل هذه الصفقة.

وسوف يكون لدى موسكو العديد من المطالب التي ستواجه بها رغبة أردوغان في القيام بعمل عسكري يحفظ به ماء وجهه، ومن أهم هذه المطالب: رغبة موسكو في قيام أنقرة بتنفيذ تعهداتها بخصوص إنشاء ممر آمن في جنوب الطريق الدولي “أم فور”، جنوب محافظة إدلب، وفتح الطريق أمام الرحلات التجارية لإنعاش المناطق التي يسيطر عليه الجيش السوري. وكذلك مراجعة أنقرة قرارها إغلاق أجوائها أمام الطائرات الروسية التي تقل جنوداً روساً إلى سوريا، وقد يكون أهم هذه المطالب هو حث انقرة على عدم الانزلاق في موقفها من الملف الأوكراني إلى ما يلبي رغبات شركائها في حلف “الناتو” من خلال زيادة الضغوط على موسكو لعزلها سياسياً واقتصادياً.

وفي المحصلة، يبدو أن رهان أردوغان العسكري لتنفيذ أجندته التوسعية، ساهم في إلغاء الامتيازات التي قدمها الملف الأوكراني للسياسة التركية، لا سيما لجهة تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب، وقد يعيد هذه العلاقات إلى مربع التوتر، وهو الأمر الذي سيصب من دون شك في مصلحة موسكو التي أصبحت تتقن التعامل مع طموحات إردوغان ولا تمانع في إعطائه ما يرضي غروره طالما أنه يدير ظهره لمطالب حلف “الناتو” في مواجهتها.

النهار العربي

——————

العملية التركية المحتملة في سورية: ما الذي تسعى إليه القوى الفاعلة؟/ سرهات إركمن

ماذا تريد واشنطن وموسكو وطهران و”الاتحاد الديمقراطي” في ظل التوازنات الجديدة

كيف أثرت الحرب مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا والتي طال أمدها، ووصلت نتائجها بشكل ملموس إلى سورية؟ ماذا تفعل إيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحزب “العمال الكردستاني” في سورية في ظل الظروف المتغيرة؟ ماذا يمكن أن يكون رد تركيا؟

عملية جديدة في سورية على جدول الأعمال. ولكن، يوجد فرق بين العملية الجديدة المحتملة هذه المرة والعمليات السابقة لـ” درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام”، وهو أن إطارها الرئيسي ونطاقها العام وأهدافها التكتيكية ومدتها وتوقيتها لا تتأثر بالديناميكيات الداخلية للحرب “الأهلية السورية”، بل بالحرب في أوكرانيا.

في الحقيقة، تم خلال الأشهر الثلاثة الماضية مناقشة كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا على العالم، ضمن سياق مناطق جغرافية مختلفة. ولكن مع الأسف، كانت الاجوبة على السؤال المتعلق بتأثير الحرب على الشرق الأوسط، قدمت اجابات وفق رسم صورة كبيرة لا يمكن اسقاطها على أرض الواقع أو بشكل ملموس.

فكلما كانت الصورة أكبر، يصبح من الصعب فهمها، وربما لا نستطيع فهمها كلها، ومع ذلك، أعتقد أنه يمكنني أن أبين لكم تأثير النزاع في أوكرانيا على سورية، وعلاقتها بالعملية العابرة للحدود التي قد تحدث في المستقبل القريب، بترتيب زمني وحقائق ملموسة، مع التركيز على الأشهر الثلاثة الماضية.

الوضع في سورية قبل الحرب في أوكرانيا

لنعد بالقصة للخلف، قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/ فبراير 2022، وعلى مدى العامين الماضيين، لم يكن هناك ما يشير إلى أنه سيتم كسر الجمود في سورية.

وكانت إيران تحاول منذ منتصف عام 2021 تسريع أعمال توسيع نطاق نفوذها غرباً بدءاً من دير الزور. ولكن، عندما اقتربت جهود إيران من حقول النفط في الشمال، اصطدمت بالجدار الأمريكي، ومع توجهها غرباً، لم تكن تحركاتها ذات فاعلية حيث اصطدمت بالقوة العسكرية الروسية والقوات التي تدعمها في المنطقة.

يواصل الروس عملياتهم الجوية “التقليدية” في إدلب، فقد كانت الطائرات تقصف الجبال هناك دون الاكتراث بوجود مدنيين في الجوار أم لا، وصولاً إلى شهر كانون الأول /يناير من العام 2022، حيث كادت تصل الغارات الجوية الروسية على إدلب إلى مستوى التصعيد الذي بدأ في آب 2021. ولكن، كان محور التركيز الأساسي لروسيا على المنطقة الصحراوية الواقعة شرق حمص وجنوب الرقة ودير الزور، وكانت الأجزاء الوسطى من البلاد، تشهد لعبة القط والفأر التي يقوم بها “تنظيم داعش” ضد “نظام الأسد” من خلال الكر والفر، وهذا كان يستنزف معظم طاقة روسيا في سوريا، لأن إيران كانت تحاول سد الفجوة من الشرق، وكذلك الولايات المتحدة من الشمال والجنوب.

كانت “إدارة دمشق” تحاول الحصول على دعم روسيا للحفاظ على استمرارها في مناطق سيطرتها. وكان “بشار الأسد”، بعد إعلانه “الانتصار في الحرب” يبحث عن فرصة للعودة إلى العالم العربي مع التوقع لمفاوضات دبلوماسية في وقت لاحق من هذا العام. على الرغم من أنه كان يكافح لإظهار علامات الانتعاش الاقتصادي، حيث تعزز الآمال لديها في أن العودة إلى العالم العربي من شأنها أن تخلق الزخم لجمع الأموال اللازمة لإعادة الاعمار في البلاد.

كان جلّ اهتمام الولايات المتحدة في سورية موجهاً نحو الشمال الشرقي للبلاد في إطار العلاقات مع “حزب الاتحاد الديمقراطي”، إضافة للحماية الامريكية كانت “وحدات حماية الشعب”، تختبئ خلف أعلام إدارة الأسد أو إيران أو دول أخرى، كانت تنفذ هجمات صغيرة النطاق على الجيش التركي و”الجيش الوطني السوري”، لكن تأثير هذه الهجمات كان منخفضاً جداً.

ومن ناحية أخرى، كانت تركيا تنظم عمليات “نقطية” ضد منظمة حزب (العمال الكردستاني -وحدات حماية الشعب الإرهابية)، التي كان يتزايد عددها يوما بعد يوم؛ وفي المقابل، واصل “الجيش الوطني السوري”، جهوده لضمان الأمن والاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرته.

يعني باختصار؛ حتى عشية 24 شباط / فبراير، كانت لروسيا سلطة لا تتزعزع على دمشق. ووجود عسكري في جزء كبير من سورية، جعل وجود إيران غير فعال في هذا الصدد. وكانت تتوفر ميزة -بقوة الجيش الروسي-تمكنت فيها دمشق، من إخضاع خصومها في نهاية المطاف، سواء سياسياً أو عسكرياً، وكان نفوذ الولايات المتحدة في سورية عالقاً في شمال شرق البلاد.

غيرت الحرب الأوكرانية هذه الصورة.

كيف أثرت الحرب في أوكرانيا على سوريا؟

حاولت أن أشرح ما الذي تغير. والآن، دعني أخبرك كيف تغير؟. في البداية، من الضروري التأكيد وبشدة على شيء مهم للغاية. لم يكن للحرب الروسية الأوكرانية بعد تأثير استراتيجي على سورية.

ما يحدث اليوم يرجع إلى المشاكل التكتيكية واللوجستية التي تعاني منها روسيا والتغيرات الجزئية في التوازنات على الساحة الدولية. ومع ذلك، حتى هذه العملية أثرت بشكل خطير على سورية، إذا بدأت التطورات في أوكرانيا تؤثر على سورية استراتيجياً، فتخيل حجم التغيير الذي يمكن أن يحدث. عندما أقول تكتيكية، استراتيجية، أنا لا ألعب على المصطلحات. اسمحوا لي أن أشرح ما أعنيه..

فيما يلي ستجد كيف أن قدرات روسيا ونطاق عملها في سورية بات محدوداً، بسبب الحرب في أوكرانيا، وكيف تسبب ذلك في تغير الوضع في سورية.

ومع ذلك، يمكننا التحدث عن تحول استراتيجي، إذا وصلت روسيا لمستوى تفقد قوتها تماماً في سورية، في نهاية الأحداث الأوكرانية. ولا ننسى أن تدخل روسيا هو من منع الهزيمة الكاملة لـ” إدارة الأسد”، وليس إيران أو قدرة “النظام”. وهنا ادعوني أقدم جملة بسيطة ولكنها حاسمة للغاية، إذا لم تكن روسيا هناك في سورية فلا وجود لإدارة “الأسد”، فلا إيران ولا الدول الأخرى يمكنها مساعدة “الحكومة” في دمشق على البقاء.

ولكن، ليس هذا هو الحال في الوقت الحالي. فما زالت روسيا تحافظ على وجودها في سورية، فحقيقة أنها اضطرت إلى الحد من قوتها لم ولن تشكل تحولاً استراتيجياً في سورية.

نحن بعيدون كل البعد عن سيناريو رئيسي يمكن أن يؤدي إلى تحول استراتيجي. ولكن، إذا استمر الصراع في أوكرانيا لفترة طويلة وحدثت تغيرات كبيرة في العالم، فإن الوضع سيتغير، نحن نشهد حالياً ديناميكية في سورية ناتجة عن عوامل تكتيكية وليست استراتيجية. اسمحوا لي أن أؤكد على هذا للمرة الأخيرة..

العوامل الثلاثة المحركة للعملية القادمة:

لننتقل الأن إلى المعطيات التي بين يدينا..توضح المعطيات التي لدينا أنه؛ منذ 24 شباط/فبراير، بدأت تحدث تغييرات كبيرة في سورية.

سأحاول جمع بياناتنا في إطار ثلاثة عناوين رئيسية. الفئة الأولى إمكانيات وقدرات وأنشطة روسيا في سورية. والفئة الثانية هي ردود فعل الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل. الفئة الثالثة هي “الأعمال الإرهابية” لحزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب.

لماذا ركزت على هذه المعطيات الثلاثة؛ لأن العملية التركية المقبلة المحتملة عبر الحدود ترتبط ارتباطًا مباشراً بهذه المعطيات الثلاثة.

الموقف الروسي المتغير في سورية منذ حرب أوكرانيا

تفيد المؤشرات إلى أن روسيا أعادت تجميع قواتها، التي نشرتها في كل سوريةتقريباً، في مناطق معينة، وخفضت عدد جنودها ومستشاريها، وأخلت بعض مناطق القواعد، واتخذت موقفاً عملياتياً انتقائياً للغاية.

فما هي هذه المؤشرات؟ قبل 9 أيام من بدء الحرب، قام وزير الدفاع الروسي “شويغو” بزيارة مهمة إلى سورية، ثم في 22 شباط/ فبراير، أي قبل يومين من بدء الحرب في أوكرانيا، أعلن أن روسيا نشرت أسطولاً من 16 سفينة في ميناء طرطوس السوري، وقامت بتركيب أنظمة “TU-23” و “MiG 31″ و”Kinzal” في قاعدة حميميم، وكان ضباط الجيش الروسي وشركات الأمن الخاصة والفرقة 25، أهم قوة روسية بالوكالة في سورية، يقومون بعمليات داخل البلاد. ومع إطالة أمد الصراع في أوكرانيا، تغيرت هذه النظرة إلى حد كبير.

شنت روسيا 910 غارات جوية في وسط سورية في شباط/ فبراير مقارنة بـ 270 غارة في شهر اذار/ مارس و550 غارة في نيسان/ أبريل. ونحن على وشك نهاية شهر ايار/ مايو، ولا يزال هذا العدد حوالي 310 غارة.

لم تكتف روسيا بخفض عدد العمليات الجوية فحسب، بل خفضت أيضاً الجنود الروس، وعناصر من شركات الأمن الخاصة، من بعض المناطق الحساسة شرق حمص، ومن بعض القواعد حول الطبقة في الرقة، ومن قاعدة النيرب في شرق حلب، ومن السخنة في الصحراء، وجزء من تدمر. ولا يبدو أن هذا الانسحاب هو اعادة انتشار مؤقت.

إعلان تركيا في 23 نيسان/أبريل أنها لن تسمح بمرور الطائرات التي تقل عسكريين روس متجهة إلى سورية. وأنه لا يمكن استخدام المضائق التركية إلا في إطار الإذن بالعودة إلى الموانئ في البحر الأسود بسبب الحرب؛ وظهور عوامل مثل اضطرار روسيا لنقل الأفراد الذين اكتسبوا خبرة في سورية إلى الميدان الأوكراني، وحقيقة أن روسيا بدأت تدخل عنق الزجاجة في القوة البشرية في أوكرانيا، كلها عوامل توضح أن روسيا تعيد تنظيم قوتها العسكرية في سورية وتنسحب من المناطق التي لا تعتبرها حيوية.

لكن، يجب ان لا نسيئ فهم كل هذه المعطيات، فروسيا لا تنسحب من سورية بشكل متسرع وكامل. إنها تعيد نشر قواتها في المناطق التي تراها استراتيجية، فعلى سبيل المثال، قلص سلاح الجو الروسي، الذي شن 50 غارة جوية في إدلب في كانون الثاني/يناير، هذه العمليات إلى ثماني عمليات في شباط/ فبراير، وإلى 4عمليات في آذار/مارس، وزادها إلى 39 في نيسان/ أبريل.

بمعنى آخر، يبدو أن روسيا أعادت تقييم حدود المناطق التي تعتبرها حيوية واستراتيجية لنفسها في سورية، وهي دمشق ومحيطها، ولا تزال بعض النقاط الهامة على الطريق M5 الذي يربط بين دمشق وحلب، والخط الشمالي لطريق M4، وإدلب، مهمة للغاية بالنسبة لروسيا. وبدأت الأماكن الأخرى، تأخذ مكان الزاوية المهملة في أولويات روسيا الاستراتيجية.

سلوك إيران في سورية منذ اندلاع حرب أوكرانيا

الآن، لننتقل إلى معطياتنا في الفئة الثانية..بدأت إيران هجوماً كبيراً في محاولة منها ملئ الفراغ في الأماكن التي انسحبت منها روسيا.

كما بينت أعلاه، لطالما انخرطت إيران في جهد تنافسي مع روسيا لزيادة نفوذها في سورية. بدءاً من الأنبار في غرب العراق، كانت تدفع وكلائها على الارض حتى النهاية من أجل إقامة منطقة نفوذها المباشر على دمشق ولبنان، عبر إنشاء ممر متصل عبر سورية.

في الواقع، انتقلت هذه الميليشيات أولاً من الجزء الجنوبي من نهر الفرات في آذار/مارس، واستقرت إلى الغرب من بلدة ميادين ثم إلى القرى الواقعة غرب النهر. من هنا، ومع تقدم الميليشيات الإيرانية ببطء إلى المناطق الصحراوية جنوب الرقة، بدأت الأخبار تنتشر بأن روسيا ستجند متطوعين من سورية وتأخذهم إلى أوكرانيا. بعد ذلك، تحول التدافع إلى شجار بالكامل.

انسحبت المجموعات المعروفة بقربها من روسيا من غرب الفرات والمناطق الصحراوية، وحلت مكانها مجموعات قريبة من إيران. ومنذ بداية نيسان/أبريل، تسارع هذا الانتشار. حتى صار وجود “حزب الله” أكثر في شرق حمص وتدمر، وكذلك وجود ميلشيات “أبو الفضل عباس” في المناطق السكنية غرب الفرات، وفاطميون جنوب الرقة وحول حلب أكثر وضوحاً. ومع حلول بداية أيار/مايو، ظهرت جماعات موالية لإيران في العديد من المناطق السكنية الكبيرة والصغيرة في كل هذه الأماكن.

في هذه الاثناء قام “بشار الأسد” بزيارة إيران في 12 أيار/مايو. وبالنظر إلى أن آخر زيارة لـ”لأسد” إلى إيران التي كانت في عام 2019، يصبح من السهل جداً شرح العلاقة بين هذه الأحداث والزيارة.

التأثير الإسرائيلي

حسناً، ماهي نتيجة ملئ إيران للفراغ في الأماكن التي انسحبت منها روسيا؟ هنا التوقع ليس صعباً. كثفت الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل إجراءاتهما لكبح جماح إيران.

وعلى الرغم من أن البداية كانت في كانون الثاني/يناير، إلا أن الجماعات الإيرانية في دير الزور، تعرضت لقصف بطائرات مجهولة الهوية منذ آذار/مارس!.

وبما أن إسرائيل لا تفعل ذلك سراً، وبما أن الجماعات الإيرانية في هذه المنطقة لديها قواعد عسكرية تحت انوف القاعدة الجوية الأمريكية في تلك المنطقة، فليس من الصعب تخمين الجاني، ويمكنني احصاء 4 هجمات على الأقل وقعت منذ فبراير/شباط على مناطق تجمع الجماعات الموالية لإيران في دير الزور. ولكن العمليات ضد إيران لا تقتصر على ذلك.

كما كانت هناك زيادة كبيرة في العمليات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سورية، فحتى بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022 قصفت إسرائيل مواقع إيران خمس مرات، ولكن منذ ذلك الحين قصفتها ثماني مرات أخرى. وعلاوة على ذلك، نُفذ عدد كبير من الهجمات الأخيرة بطريقة أكثر شدة من الهجمات السابقة.

خطوة امريكية مثيرة جداً للتفكير

هذه التحركات ضد ايران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل هي، بطبيعة الحال، أكثر تكتيكية، ومع ذلك، هناك خطوة اتخذتها الولايات المتحدة أعتقد أن سببها يعود إلى تأثير انسحاب روسيا، وهو موضوع تحليل مختلف تماماً ويحتاج تقييم طويل الامد.

في الوقت الذي تم فيه إعادة تموضع جميع الجهات الفاعلة في سورية، أجرت الولايات المتحدة تغييراً مهماً في نطاق الحظر الذي فرضته على سورية. وبناءً على ذلك، اكتسبت المنطقة الواقعة تحت سيطرة حزب “العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي الارهابي” بعض الامتيازات التي يمكن أن تُعفى من العقوبات إلى حد كبير.

الحالات المماثلة عالمياً في التاريخ الحديث  تجعلنا نعتقد إلى أن هذا هو إعداد “هيكلي لدولة”. أليس هذا مثيراً للاهتمام؟ ولكن هذا التطور توقف، توقف، توقف، وظهر من جديد في الوقت الذي بدأ فيه نفوذ روسيا يتناقص خاصة مع تأثير حرب أوكرانيا.

هجمات منظمة PKK / YPG “الإرهابية”

لننتقل إلى فئتنا الأخيرة؛ هجمات منظمة PKK / YPG “الإرهابية”. يهاجم التنظيم منذ فترة طويلة قوات الأمن التركية والقوات التي تدعمها في سورية. بهذا المعنى، قد لا ترى اختلافاً للوهلة الأولى. ولكن، نظرة فاحصة تكشف عن وجود تغيير.

فمن ناحية، ما فتئت المنظمة “الإرهابية” لحزب” العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب” تنفذ منذ فترة طويلة هجمات إرهابية عبر عمليات تسلل واطلاق نار والمضايقات وإطلاق الصواريخ/ قذائف الهاون ومتفجرات يدوية الصنع  في مناطق عمليات نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات. في المقابل، يتم تحييد أعضاء المنظمة الإرهابية من المستوى المتوسط/العالي من خلال عمليات الطائرات بدون طيار المسلحة وغيرها من الوسائل. المؤسف، بقيت هذه العملية روتينياً لفترة طويلة في المنطقة.

ومع ذلك، أدى التداخل بين إعادة الانتشار والضعف النسبي لروسيا في سورية وعمليات “المخلب – القفل” التركية، إلى زيادة كبيرة في حركة “حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب”، بدأت الهجمات الإرهابية، التي استمرت بشكل عام بوتيرة أبطأ حتى منتصف نيسان/ أبريل، في اعزاز وعفرين ومارع والباب وكوباني وحتى كاركاميش داخل حدود تركيا، وتسبب ذلك في زيادة هجمات حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب في العديد من الأماكن منذ 22 نيسان/ابريل.

وبالرغم من أن تركيا ردت على هذه الأعمال الإرهابية فوراً، إلا انه كان لابد من تعليق الحل في المنطقتين اللتين كان من المتوقع حلهما منذ فترة طويلة، بسبب التوازنات داخل سورية، عملاً بهذه المعادلة بالضبط.

عملية محتملة

هذه هي خلفية العملية وبنيتها التحتية، التي جاءت على جدول الأعمال الذي أعلن عنه الرئيس رجب طيب أروغان بشأن سورية. من الآن وصاعداً، المدينة او القرية التي سيكون خط الجبهة الامامي فيها، بناء عليه؛ يمكن إجراء تقييمات من قبيل من ستواجه تركيا بالتفصيل.

ولكن كالعادة ، لن أذهب إلى تقييم القرية والمدينة. كما أنني لا أجد أنه من الصواب مناقشة التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر علنًا بطريقة من شأنها أن تؤثر على مسار العمليات قبل ان تكشف عنها من قبل السلطات المختصة. ومع ذلك، وبما أن وكالة الأناضول قد ذكرت أسماء تل رفعت ومنبج، يمكنني الربط بين الإطار المذكور أعلاه والتوقعات التنفيذية العامة.

لسبب وحيد، من الواضح أن تحرك تركيا مرتبط بخطوات روسيا الجديدة في سورية. وبالنظر إلى احتلال إيران الأماكن التي انسحبت فيها روسيا، وبالنظر إلى الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لضمان خروج “حزب الاتحاد الديمقراطي” بشكل أقوى من هذه العملية، لا ينبغي اعتبار التطورات القادمة مجرد عملية لمكافحة الإرهاب.

وبطبيعة الحال، فإن أي نشاط ضد منظمة “حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الإرهابية”، هو في الأساس نشاط لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، في هذه الحالة، ينبغي النظر إلى أن انهاء وجود “حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب” من تل رفعت، لا يأتي في سياق منع الهجمات على قواتنا الأمنية من هذه المنطقة فقط، ولكنه أيضاً في سياق التوازن الجديد الذي ظهر في سورية.

ومن المعلوم أن إيران التي تحاول توسيع مجال نفوذها انطلاقاً من شرق البلاد، وهي التي كانت موجودة منذ فترة طويلة عبر مجموعات الميليشيات في مناطق شمال حلب وشرق إدلب. ومن المرجح أيضاً أن ترغب روسيا في إعادة النظر لوجودها في هذه المناطق بانسحابها منها، ولهذا السبب، سيكون مهما جداً عدم ترك المجال لإيران هناك.\

ممر لربط المناطق

ولكن، الاجواء والظروف الحالية  تجعل احتمالاً أخر ممكناً

كان أحد أهم مشاكل المعارضة في شمال سورية منذ عام2019 عدم القدرة على توحيد منطقتي “درع الفرات ونبع السلام”. والأن، مع إمكانية القيام بعملية في منبج، لن يتم ضمان زيادة الكثافة السكانية في درع الفرات أو منطقة كبيرة فقط, حيث يمكن للأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى سورية من تركيا أن يستقروا فيها، ولكن أيضاً سيتم ضمان التكامل بين المناطق. لهذا السبب، من الضروري عدم التركيز على منبج فقط، ولكن أيضاً التفكير في التطورات في الشرق معاً.

إن ربط المنطقتين بممر يمكن فتحه من شمال منبج لن ينهي الوحدة الإقليمية لحزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب فحسب، بل قد يمهد الطريق أيضاً لمناقشة قضية السوريين في تركيا على مستويات أخرى.

كما اسلفت، كل هذا مرتبط بمسار الحرب الأوكرانية. الكثير من الأشياء التي ستحدث هناك ستؤثر على الساحة السورية. من عملية قبول الناتو للسويد وفنلندا، إلى الأعمال الاستفزازية لـ”حزب العمال الكردستاني”، على المدى القريب، يبدو أن هناك العديد من الأشياء التي تؤثر على عملية تركية. لكن هناك شيء واحد مؤكد، إذا كان لإطالة الحرب فقط هذه التأثيرات، فمن يدري ماذا سيحدث إذا علقت روسيا في المستنقع الأوكراني.

ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

سرهات إركمن

دكتور محاضر بقسم الأمن الدولي والإرهاب في أكاديمية قوات الدرك وخفر السواحل في تركيا. باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الأوروبية الآسيوية (ASAM)، ومركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط (ORSAM)

——————————

الإعلام التركي و”عملية” شمال سورية: هدفان لهما الأولوية ومسألة وقت

تحظى العملية العسكرية التي لوّح بتنفيذها قبل أيام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في شمالي سورية اهتمام وسائل الإعلام التركية، وخاصة المقربة من الحكومة.

وعلى الرغم من حالة “الترقب”، التي تحيط بالعملية وعما إذا كانت ستنفذ على أرض الواقع، في الأيام المقبلة أم لا، تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أنها “ستشمل هدفين” وأن البدء فيها “مسألة وقت”.

وجاء في تقرير نشره موقع قناة “سي إن إن تورك“، اليوم السبت أنه من المتوقع أن تستهدف العملية منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، حيث تواصل “وحدات حماية الشعب” (العماد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية) أنشطتها وتتحرك فيهما بشكل جيد.

وأضاف التقرير أن تركيا اتفقت في وقت سابق مع الولايات المتحدة وروسيا لإزالة “الوحدات” من تل رفعت ومنبج، “لكن لم يتم الوفاء بالوعود”، مشيراً: “في الآونة الأخيرة، أصبحت هذه المناطق معسكرات إرهابية، وازدادت الهجمات على تركيا”.

وقال أردوغان في بيان عقب اجتماع مجلس الوزراء، بداية الأسبوع الماضي: “إننا نبدأ قريباً في اتخاذ خطوات جديدة فيما يتعلق بالأجزاء المفقودة من العمل، وبدأنا في إنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية”.

وبعد ذلك الإعلان عقد “مجلس الأمن القومي التركي” اجتماعاً، وأكد في بيان أصدره عقب الجلسة أن “العمليات العسكرية المستمرة على حدود تركيا الجنوبية لا تستهدف وحدة أراضي دول الجوار وسلامتها، وهي ضرورة للأمن القومي التركي”.

“مسألة وقت”

في غضون ذلك نشرت صحيفة “تركيا” المقربة من الحكومة تقريراً، السبت، حمل عنوان: “العملية العسكرية في سورية مسألة وقت”.

ونقلت الصحيفة عن الضابط المتقاعد كوشكون باشبوغ، وهو خبير في الأمن والإرهاب قوله: “في المرحلة الأولى، يجب أن تبدأ العملية في المناطق التي تشكل تهديداً لنا ولا تزال غير مكتملة”.

وأضاف: “يتم وضع بعض الخطط في العمليات العسكرية، أي تل، أي منطقة، من، أين، كيف سيتخذ الموقع، من أين الدخول؟”.

وتابع باشبوغ: “أعتقد أن هذا العمل العسكري يبدأ في غضون أيام، وليس بعد أسابيع”.

من جهته أوضح العقيد المتقاعد ميثات إيشيك أن “الهدف الأساسي لتركيا هو إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على جميع حدودها الجنوبية، وإزالة العناصر الإرهابية من حدودها”.

فيما نقلت الصحيفة عن مصادر أمنية قولها إن “الاستعدادات للعملية العسكرية المزمع إجراؤها في شمال سورية تمت بدقة متناهية، وأن الحساسية المدنية هي القضية ذات الأولوية”.

“التحضيرات اكتملت”

في مقابل الموقف التركي شهدت الأيام الماضية موقفين من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة “قلقة للغاية” إزاء إعلان تركيا شن عملية عسكرية.

وأضاف: “ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة”.

أما روسيا فقد تحدثت وسائل إعلام تابعة لها، السبت، عن وصول تعزيزات عسكرية وطائرات حربية وروسية إلى قاعدة القامشلي في شرقي البلاد، في خطوة وصفت على أنها “رسائل تحذيرية للتهديدات التي أطلقتها أنقرة بخصوص العمل العسكري”.

وبحسب صحيفة “Haber Türk” التركية فإن التفويض الذي منحه مجلس الأمن القومي، الجمعة، يترك قرار بدء عملية عسكرية بيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقال تشتينار تشتين، منسق الأمن والسياسة الخارجية في الصحيفة، نقلاً عن مصادر عسكرية في ولاية أضنة، إن 90% من التحضيرات للعملية العسكرية في سورية جاهزة.

وهذا ما يعني أن العملية على وشك البدء بأي لحظة، ولكن هذا الأمر عائد إلى قرار الرئيس رجب طيب أردوغان، بحسب الصحيفة.

وأضافت أن الآليات العسكرية والمدرعات تتوجه إلى ولاية أضنة جنوب البلاد، ومن ثم ترسل إلى المناطق الحدودية، مشيرةً إلى أنه للمرة الأولى تنفذ تركيا عمليات في كل من العراق وسورية في نفس الوقت.

————————

هل تقوم تركيا بعملية عسكرية جديدة في سورية؟/ عمر كوش

تشي التصريحات التي أطلقها أخيراً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعدادات بلاده لاتخاذ خطوات لازمة لاستكمال إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، باقتراب قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في مناطق وجود “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تشكّل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمادها الأساسي، خصوصاً بعد أن أعطى مجلس الأمن القومي الضوء الأخضر للقيام بها، باعتبارها ضرورة للأمن القومي التركي، إضافة إلى بدء إرسال تعزيزات عسكرية تركية إلى بعض مناطق الشمال السوري.

وإذا كانت المساعي والمحاولات التركية السابقة لإقامة منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لتركيا، وبعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، لم تلق آذاناً صاغية من القوى الدولية المتدخلة في الشأن السوري، وخصوصاً من الساسة الروس والأميركيين، إلا أنها ترتبط، هذه المرّة، بجملة من العوامل الخارجية والداخلية التي يجدها الساسة الأتراك مناسبة لتحقيق مساعيهم، وذلك في ظل المتغيرات والتداعيات الدولية الكثيرة التي حملها الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتفيد تقارير وسائل الإعلام التركية بأن الأهداف المحتملة للعملية العسكرية التركية ستشمل مناطق تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” في كلٍّ من مدينة تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني) وعين عيسى، وذلك استناداً إلى تصريح أردوغان أن العملية ستبدأ “بمجرّد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن”، مشيراً إلى أن “المناطق التي تعدّ مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة ستكون في مقدمة أولويات العمليات العسكرية”، حيث تعدّ تل رفعت المدينة الأهم في العملية المرتقبة، كونها تستخدم من “قوات سوريا الديمقراطية” نقطة انطلاق الهجمات على مناطق وجود قوات تركية في عفرين وإعزاز وجرابلس، في حين أن عين العرب تُعد مركزاً لهجماتها على النقاط الحدودية التركية وعلى مناطق وجود “الجيش الوطني” السوري، الأمر الذي يرجّح ألا تشمل العملية العسكرية المحتملة مناطق الحسكة والقامشلي، بالنظر إلى أن كلّاً من الولايات المتحدة وروسيا سبق أن عارضتا توسع عملية “نبع السلام” التي قامت بها تركيا في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019 بضوء أخضر أميركي وغضّ نظر روسي، وسيطرت خلالها على المنطقة من تل أبيض إلى رأس العين.

ويبدو أن الساسة الأتراك يراهنون على حاجة كل من روسيا والولايات المتحدة إلى الموقف التركي، إذ يدرك الساسة الروس الغارقون في إرهاصات غزو جيشهم أوكرانيا أهمية دور تركيا، التي لم تتخذ مواقف دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) نفسها ضد بلادهم، كما أنها لم تنخرط في فرض العقوبات الغربية عليها، فيما تخشى دول حلف الناتو من اعتراض تركيا على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الحلف، وذلك بسبب علاقات البلدين مع وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنّفها تركيا منظمة إرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني التركي، إضافة إلى حظرهما مبيعات الأسلحة لتركيا بسبب قيامها بعملية نبع السلام، لكن البلدين باتا بحاجة ماسّة إلى موافقتها للانضمام إلى حلف الناتو، وبالتالي باتت تركيا تمتلك أوراق ضغط سياسية مهمة على كل من دول “الناتو” وروسيا، الأمر الذي تسعى إلى استغلاله من أجل الحصول على تفاهماتٍ معها، بغية بلوغ مسعاها في القيام بعملة عسكرية جديدة في الشمال السوري، وإقامة منطقةٍ آمنة فيه، والتي أضحت مطروحة بقوة على طاولة المفاوضات.

وكالعادة، لم يصدر أي تعليق رسمي من ساسة الكرملين على تصريحات الرئيس أردوغان بشأن العملية العسكرية والمنطقة الآمنة، فيما ذهبت الخارجية الأميركية إلى التعبير عن قلقها الشديد إزاء تصريحاته، مع تأييدها “الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة”، وإدانة “أي تصعيد”، لكن ذلك لا يعني أن تركيا ستشنّ عملية عسكرية جديدة من دون أن تمهّد لها من خلال الاتصالات مع الأطراف الدولية المتدخلة في القضية السورية، خصوصاً أن مسألة التعاون الأميركي مع “قوات سورية الديمقراطية” طرحت خلال لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، وذلك في إطار الاجتماع الأول للآلية الاستراتيجية لحل الخلافات العالقة بين البلدين، في نيويورك في 18 مايو/ أيار الجاري.

ويجادل الساسة الأتراك بأن كلّاً من الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما التي نصّت عليها التفاهمات التي أُبرمت بعد وقف عملية “نبع السلام”، والقاضية بإبعاد “قوات سورية الديمقراطية” مسافة 30 كيلومتراً من الحدود الجنوبية لتركيا، لمنع أي هجماتٍ تستهدف تركيا انطلاقاً من مناطق سيطرتها، لكن الاشتباكات والمناوشات استمرّت، ولم يتوقف التصعيد من الجانبين من وقت إلى آخر.

ولا يرتكز همّ تركيا على زيادة مساحة نفوذها في سورية، بل في منع قيام أي كيان كردي معادٍ لها على حدودها الجنوبية، وتقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخرجاته في الشمال السوري، إضافة إلى أن قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم لديهم حسابات داخلية، تتعلق بالتحضيرات والاستعدادات لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في يونيو/ حزيران من العام المقبل، حيث تبرز ورقة اللاجئين السوريين بوصفها الورقة الأهم فيها الحملات التحضيرية للانتخابات، وبالتالي، تريد حكومة حزب العدالة والتنمية سحب ورقة اللاجئين السوريين من سوق التداول في البازار الانتخابي من أحزاب المعارضة التركية، وإقامة منطقة آمنة لإعادة مليون لاجئ إليها، بعد بناء مساكن ومرافق فيها، ضمن تنفيذ ما تسميها خطة “العودة الطوعية”. ولذلك أكد الوزير جاويش أوغلو، خلال مشاركته بمنتدى مراجعة الهجرة الدولي، أن بلاده بنت أكثر من 57 ألف منزل في شمال سورية، وأن هدفها هو بناء مائة ألف منزل مع نهاية العام الجاري.

وفي مطلق الأحوال، لن يوقف الساسة الأتراك مساعيهم ومحاولاتهم لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، لكنهم قد لا يحقّقون كل ما يرغبون به، خصوصاً أن العملية العسكرية التي ينوون القيام بها في الشمال السوري بحاجة إلى تفاهمات مع كل الأطراف المتدخلة بالشأن السوري. وربما تكون الظروف مناسبة لقيامهم بممارسة ضغوط وإجراء مقايضات مع القوى الدولية، لكن الأمر رهن بحسابات المصالح الدولية، فيما يبقى السوريون الخاسر الأكبر في تلك الحسابات، بوصفهم هم من يدفعون الثمن.

——————

تناقضات العملية التركية و”المنطقة الآمنة”/ عبسي سميسم

جاء تهديد أنقرة بشن عملية عسكرية شمال سورية، والتي وافق مجلس الأمن القومي التركي عليها، الخميس الماضي وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هدفها استكمال “المنطقة الآمنة” على طول الحدود الجنوبية لتركيا بعمق 30 كيلومتراً، بعد أيام من حديث أردوغان عن نيته إنشاء مدن في الشمال السوري.

وقال يومها إن من شأن هذه المدن أن تعيد مليوناً ونصف مليون لاجئ سوري من تركيا، وبشكل طوعي، إلى تلك المناطق، وذلك بسبب المحفزات التي يتضمنها المشروع التركي.

وتُطرح العديد من التساؤلات حول جدوى وجدية هذين الإجراءين، أي إنشاء المدن والعملية العسكرية، في تحقيق الحد الأدنى من الأمان والاستقرار، اللذين من شأنهما تشجيع اللاجئين على العودة.

فمن ناحية لا يوجد حتى الآن أي توافق دولي على اعتماد تلك المنطقة كـ”منطقة آمنة”، وبالتالي لا يوجد أي ضمان لعدم تعرضها للاستهداف من أي طرف من أطراف النزاع.

ومن ناحية أخرى، فإن عدم الموافقة الأميركية على العملية العسكرية التركية قد يدفع واشنطن لغض الطرف، أو حتى إعطاء الضوء الأخضر إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بتنفيذ هجمات، تزعج الجانب التركي وتهدد “المنطقة الآمنة” المقرر إنشاؤها.

كما أن وجهة العملية التركية التي تم تحديدها بأنها ستستهدف “قسد”، إما في مدينة تل رفعت أو مدينة منبج وقد تمتد شرقاً باتجاه مدينة القامشلي، تشير بوضوح إلى أنها عملية لأهداف تتعلق بالأمن القومي التركي فقط، ولا علاقة لها بتحقيق استقرار للنازحين.

كما يظهر أنها لا تشكل محفزات للاجئين الذين يوجدون في تركيا، بل ستزيد من معاناة النازحين داخل سورية وستضاعف أعدادهم بدلاً من حل مشاكلهم، وذلك لأن تلك المدن تؤوي، بالإضافة إلى سكانها، عشرات الآلاف من النازحين الذين فروا من مناطق عفرين ورأس العين، التي سيطرت عليها تركيا، من خلال “الجيش الوطني”، الأمر الذي يجعلهم مهددين بالنزوح مرة أخرى.

أما اذا أرادت الدول المتدخلة بالشأن السوري، وخصوصاً تركيا، أن تسير بحل يحقق متطلبات سكان مناطق المعارضة، فإن الحل يكمن في وجهة العملية التركية. فلو توجهت أنقرة نحو جنوب إدلب، مستفيدة من تراجع روسيا في سورية وانشغالها بغزو أوكرانيا، واستعادت فقط مدينتي سراقب ومعرة النعمان اللتين نزح منهما أكثر من مليون شخص باتجاه الشمال، فإنها ستعيد كل هؤلاء إلى منازلهم من دون الحاجة لبناء مساكن، كما تخفف الضغط السكاني الهائل على المدن والمخيمات، وحينها يمكن القول إنها تؤسس لبيئة شبه آمنة لعودة اللاجئين.

—————————-

سوريا: حالة طوارئ إقليمية!

رأي القدس

ازدحمت الأنباء المتعلقة بسوريا في الأيام الأخيرة الماضية، بجملة من الوقائع والتصريحات المنذرة بتطورات عسكرية أو أمنية، صادرة عن الدول المجاورة للبلد أو الرعاة الإقليميين والدوليين الكثر للجيوش والميليشيات والكيانات المتحاربة / المتعايشة على الجغرافيا السورية.

يعكس الأمر، بداية، فشلا مستداما في إدارة الدولة السورية، التي حولها النظام إلى رهينة تحكمها طغمة عائلية تبادل سيطرتها على جزء من البلد بالرضوخ لاحتلالات ودوائر نفوذ أجنبية، وبتحويل عمليات القتل والخطف والتعذيب والسجن، كجزء من الاقتصاد الأسود للنظام، وذلك قبل أن يصعد نفوذ اقتصاد المخدرات، الذي يعد موردا رئيسيا للنظام، وانضاف إليها، في السنوات الأخيرة، عمليات شحن المرتزقة للقتال في بلدان أخرى.

عكست التبعية الخارجية نفسها على انتماءات الفرق العسكرية التي كان لها دور ضارب في القمع وإعادة احتلال المناطق المتمردة، كالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، المحسوبة على إيران، و«قوات النمر»، التي يقودها سهيل الحسن، المحسوبة على روسيا، إضافة إلى الميليشيات العراقية واللبنانية، المحسوبة أيضا على إيران، والعصابات المحلية التي تتبع الطغمة الحاكمة.

تشير التطورات الإقليمية الأخيرة إلى أن النظام بدأ التحول من دولة فاشلة إلى مارقة، تعمل مع حلفاء لها في لبنان على تهريب المخدرات عبر الحدود المجاورة، نتيجة الانهيار الكبير الذي حاق بالاقتصاد السوري بسبب الحل التدميري الشامل الذي اتبعه النظام وحلفاؤه تجاه مجمل المحافظات والمناطق السورية التي تمردت عليه، وسيطرة حزب «العمال الكردستاني» على المناطق الغنية بالنفط والحبوب في الحسكة والقامشلي ودير الزور، والعقوبات الدولية الصارمة على النظام.

أدت إدارة النظام لعمليات تصنيع وتهريب المخدرات إلى «تنسيق» بين القوة العسكرية التي تملكها هذه الإدارة وهذا «الاقتصاد الناشئ» للمخدرات، كما أدت عمليات تصدير «الفائض» العسكري، نتيجة أوضاع عالمية، كما هو حاصل حاليا في أوكرانيا، إلى مضاعفات إقليمية ودولية، واكتسب ذلك على الحدود الأردنية (باعتبارها الطريق البرية نحو السعودية ودول الخليج العربي)، خطرا مزدوجا للسلطات في عمان: تسويق المخدرات عبر أراضيها، ودخول ميليشيات محسوبة على إيران على خط التهريب هذا.

إضافة إلى استيراد القوة الروسية والإيرانية، استخدم النظام، مع بدء انتشار المظاهرات والاعتصامات والانشقاقات العسكرية ضده إلى طرف تركي متمثل بـ«حزب العمال الكردستاني»، حيث أمن له السيطرة على مناطق واسعة للكرد فيها وجود، إضافة إلى العرب وأقليات إثنية ودينية، وساهم ذلك في إنهاء سياسة تقارب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحلفائه مع الحزب، كما كان سببا إضافيا لتدخل الدولة التركية داخل سوريا، حيث بسطت نفوذها أيضا على مناطق شمال سوريا.

أدت الديناميات الداخلية والخارجية، وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى ظهور تحالف أمريكي ودولي ضده في سوريا والعراق، وبعد معارك شاركت فيها المعارضة السورية ضد التنظيم، وخسرت فيها آلاف المقاتلين، اعتمدت واشنطن وحلفاؤها حزب «العمال الكردستاني» التركي، حليفا عسكريا رئيسيا لها في سوريا، ودعمت ذلك بقوات وقواعد أمريكية على الأرض، ما أدى إلى توتر دائم بين تركيا وأمريكا، على مر الإدارات الأمريكية التي تعاقبت.

مع ازدياد أهميتها في حلف «الناتو» بسبب الوضع الحالي في أوكرانيا، وانشغال الغرب بتأمين آليات صد الغزو الروسي، وتأمين دخول السويد وفنلندا للحلف، وجدت تركيا الوضع ملائما لتطبيق خطتها التي تم حظرها من قبل واشنطن مرات عديدة، بتوسيع المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها داخل سوريا، وخصوصا لعدم التزام الولايات المتحدة بمذكرة التفاهم مع أنقرة عام 2019 والتي كان من بنودها انسحاب وحدات الحزب إلى مسافة 30 كيلومترا من الحدود التركية الجنوبية.

غير أن أمريكا جددت تحذيرها من أن التوسع التركي «سيقوّض الاستقرار في المنطقة ويعرّض القوات الأمريكية وحملة التحالف على تنظيم الدولة الإرهابي للخطر»، ومجمل هذه الوقائع تعني أن إشارة المرور الخضراء الأمريكية مفتوحة في سوريا، لطرف تركي معارض، هو «حزب العمال الكردستاني»، وإشارة المرور الحمراء مغلقة أمام الدولة التركية.

لا يجب أن ننسى أن إشارة المرور الخضراء إلى سوريا مفتوحة لإسرائيل.

القدس العربي

———————————–

سوريا: عين العرب/كوباني أكثر المناطق ترجيحا لعملية تركية محتملة/ منهل باريش

 تدرك أنقرة حساسية فتح معركة ضد المقاتلين الأكراد شرق مدينة القامشلي باعتبارها في عمق منطقة النفوذ الأمريكية، لذلك تسعى إلى كسب سهل واستراتيجي.

أيد مجلس الأمن القومي التركي، في اجتماع الخميس في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، تصريحات الرئيس رجب طيب اردوغان المتعلقة بشن عملية عسكرية داخل العمق السوري ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة على لوائح الإرهاب، وتعتبرها الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني.

وقال المجلس في بيان أصدره فور انتهاء الاجتماع الذي استمر لمدة ثلاث ساعات، إن «العمليات العسكرية الجارية وتلك التي ستُنفذ على حدودنا الجنوبية ضرورة لأمننا القومي ولا تستهدف سيادة دول الجوار».

وأوضح البيان أن الهدف من العمليات التي ستُنفذ على الحدود الجنوبية هو «تطهير المنطقة من الإرهاب ولا تستهدف بحال من الأحوال سلامة وسيادة دول الجوار، وستشكل مساهمة جادة لتحقيق الأمن والسلام لدول الجوار».

وجاء في البيان أنه جرى اطلاع المجلس على «سير العمليات التي تنفذ بعزم ونجاح ضد جميع أنواع التهديدات والمخاطر، وخاصة التنظيمات الإرهابية» مسمياً حزب العمال الكردستاني بمختلف فروعه ومسمياته السياسية والعسكرية، إضافة لتنظيمي «فتح الله غولن» وتنظيم «الدولة الإسلامية».

على صعيد العلاقات الدولية، شدد مجلس الأمن القومي على أن تركيا «التزمت دائما بروح وقانون التحالفات الدولية، وأنها تنتظر نفس المسؤولية والصدق من حلفائها». وحول اعتراض أنقرة على ضم فلندا والسويد، ألمح البيان إلى أن أنقرة وجهت «دعوة للدول التي تنتهك القانون الدولي بدعم الإرهاب للتخلي عن موقفها والأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية».

وحول الحرب الروسية الأوكرانية، طالب البيان بضرورة «إعلان وقف شامل لإطلاق النار ووقف الحرب بين البلدين وفتح الطريق أمام حل سلمي». واصفا الحل الذي يحفظ سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية بأنه سيكون «الأساس لإحلال سلام دائم في المنطقة».

وناقش مجلس الأمن القومي قضايا مثل الإجراءات الاستفزازية المتزايدة لليونان في بحر إيجه، التي تنتهك القانون الدولي والمعاهدات التي هي طرف فيها، حسب ما ذكر البيان. كما أكد مجلس الأمن القومي التركي، على أهمية «الحفاظ على الاستقرار الذي تحقق في ليبيا والحفاظ على وحدة أراضيها، وتجنب الخطوات التي تؤدي إلى نزاعات جديدة» وضرورة إجراء انتخابات «حرة ونزيهة وذات مصداقية في جميع أنحاء ليبيا على أساس التوافق الوطني بما يتماشى مع تطلعات الشعب».

وانعقد الاجتماع بعد ثلاثة أيام من إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، نية بلاده شن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، تهدف إلى إنشاء «منطقة آمنة» بعمق 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية على طول حدودها الجنوبية.

الموقف الأمريكي

علّقت أمريكا على التصريحات الرسمية التركية بخصوص خطط الأخيرة الهادفة إلى شن عملية عسكرية هي الخامسة ضمن الأراضي السورية، وعبرت عن قلقها جراء الإعلان التركي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس في إحاطة للصحافيين في البيت الأبيض: «مثل هذا التصعيد سيعرض أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة للخطر». وأدان المتحدث أي تصعيد مشيرا إلى تأييد واشنطن للحفاظ على «خطوط وقف إطلاق النار الراهنة» داعيا أنقرة للالتزام بالبيان المشترك الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. ولفت إلى تفهم بلاده للمخاوف «الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرض القوات الأمريكية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش للخطر».

في سياق رفض العملية العسكرية، أكد الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك موقف المنظمة الدولية «المدافع عن وحدة أراضي سوريا» معتبرا أن «سوريا لا تحتاج إلى المزيد من العمليات العسكرية من أي جهة. وإنما تحتاج إلى حل سياسي، والمزيد من المساعدات الإنسانية».

في الميدان، قال قائد عسكري في الجيش الوطني السوري المعارض إن اجتماعات مكثفة بين قادة العمليات العسكرية الأتراك وقادة الفصائل السوريين تجري خلال اليومين الأخيرين، وأشار القائد الذي رفض ذكر اسمه، أنه من غير الواضح حتى الآن هدف العملية، مؤكدا «استنفار كافة الوحدات والفصائل في مختلف القطاعات» ورجح القيادي العسكري أن تكون منطقة العملية العسكرية التركية «إما في تل رفعت بريف حلب الشمالي أو منطقة عين العرب (كوباني)». ولفت إلى أن «وصل منطقة تل ابيض وراس العين بمنطقة ريف حلب الشمالي يحتاج السيطرة على عين العرب». وزاد أن المدينة «فارغة وكلفة السيطرة عليها أقل على جميع الأطراف بمن فيهم أمريكا وروسيا والنظام السوري». وقارن كلفة السيطرة عليها بتعقيدات الوضع والحسابات الدولية في تل رفعت ومنبج «بالتأكيد ستكون معركة عين العرب سهلة للغاية ولا تهدد المصالح الأمريكية بشكل أساسي».

وتدرك أنقرة حساسية فتح معركة ضد المقاتلين الأكراد شرق مدينة القامشلي باعتبارها في عمق منطقة النفوذ الأمريكية، لذلك تسعى إلى كسب سهل واستراتيجي بنهاية المطاف، خصوصا مع افتراض الممانعة الروسية لشن عملية جنوب مدينة إعزاز وطرد «الوحدات «الكردية من منطقة الشهباء وتل رفعت وسفوح الجبال المشرفة على مدينة عفرين، فتفضل موسكو أن تطلق يد الجيش التركي في منطقة الانتشار الأمريكي وليس في منطقة تواجدها، فهي كما النظام، ترى المحافظة على المقاتلين الأكراد في تل رفعت وجوارها من أجل الضغط الدائم على تركيا، فتواجد «الوحدات» قريبا من الحدود التركية يبقي الأمن القومي التركي تحت مرمى نيران «الوحدات» وهو ما تدركه وتخشاه أنقرة لذلك تضغط من أجل حل مسألة تل رفعت وتطالب بطرد «الوحدات» منها.

في سياق منفصل، اعتبرت وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري أي توغل عسكري تركي في الأراضي السورية بمثابة «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية» وأعلنت الأربعاء في بيان، أنها أرسلت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وصفت فيها تصرفات تركيا بأنها «غير شرعية وترقى إلى توصيفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

ومن غير المستبعد أن تمضي أنقرة في عملية عسكرية، فالفرصة مواتية للغاية مع اشتداد الحرب الروسية الأوكرانية وتوسع الأزمة شمال أوروبا لتصل إلى السويد وفلندا. إلا أنه من الواضح أن قرع طبول الحرب التركية والتهديد بعملية عسكرية، هو أكثر قربا لعدم بدئها والاكتفاء بتحسين شروط التفاوض مع الناتو (حلف شمال الأطلسي) بخصوص السماح التركي بانضمام فلندا والسويد إليه.

ومع تزايد الارتفاع في سعر الطاقة وارتفاع معدل التضخم وتراجع سعر صرف الليرة التركية، ستتوجه أنقرة إلى الكسب اقتصادياً من حرب أوكرانيا، وهذا الأمر مرهون برفع العقوبات الأمريكية على تركيا التي وضعتها بعد صفقة إس- 400 كما أن خطأ في تقدير الحسابات سيضع تركيا في مأزق جديد مع أمريكا بخصوص ترسانتها الجوية من طائرات اف- 16 المحتاجة إلى ترميم وتعديل وترقية.

—————————-

سوريا:لماذا تُقلق العملية العسكرية التركية المرتقبة إيران؟

باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الأحد، أن بلاده تعارض العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمالي شرقي سوريا، داعياً أنقرة إلى احترام التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال مفاوضات مسار أستانة.

وقال خطيب زاده في تصريحات نقلتها وكالة “إرنا” الإيرانية، إن “إيران تعارض أي عمل عسكري واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى لحل الخلافات الثنائية”، معتبراً أن العملية تُعد “انتهاكاً لوحدة أراضي هذه الدول وسيادتها الوطنية”.

وأضاف أن “إيران تتفهم المخاوف الأمنية لدى تركيا”، موضحاً أن “الحوار واحترام الاتفاقات الثنائية مع الجيران، هي السبيل لحل هذه المخاوف إضافة إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال المفاوضات التي تمت خلال مسار أستانة” والذي ينص بحسب زاده على “احترام وحدة وسلامة الأراضي السورية الوطنية” والالتزام بمبدأ “عدم استخدام القوة”.

ولفت زاده إلى أن تجربة السنوات السابقة أظهرت ان العمل العسكري “لن يساعد في حل الخلافات الثنائية بل سيخلف تداعيات إنسانية مقلقة فضلاً عن زيادة الوضع تعقيداً في المنطقة”، داعياً الدول الصديقة والمجاورة الى حوارٍ بناء، مبدياً استعداد طهران للعب دور في “عدم تفاقم الأزمة كما كانت في السابق”.

وتعليقاً، اعتبر القيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون أن الرفض الإيراني للعملية التركية والتنديد بها “أمر طبيعي بسبب ما تحمله العملية من تقويض للنفوذ الإيراني في سوريا لصالح النفوذ التركي”، موضحاً أن “كلا البلدين يسعى إلى لعب دور إقليمي أكبر في المنطقة وليس فقط في سوريا”.

وقال حسون ل”المدن”، إن “تركيا لا تقيم وزناً للدور الإيراني بسبب الوزن الذي تشكله روسيا في سوريا لكنها في الوقت عينه لا تريد صداماً مباشرة معها”، مضيفاً أن “طهران لا تمتلك أدوات الرد إلا بطريقة غير مباشرة على أنقرة في سوريا والعراق”.

وأشار إلى أن الذريعة التي وجهها زاده لتركيا بمخالفة مسار “أستانة” الذي ينص على وحدة الأراضي السورية؛ “هو إشارة واضحة إلى أنها تعتبر وجود الجيش التركي غير شرعي”، موضحاً ان إيران تعتبر نفسها وكيلاً للدفاع عن نظام الأسد في المحافل الدولية بعد ان سحبت القرار منه رفقة روسيا.

من جانبه، رأى المحلل العسكري والاستراتيجي العميد عبد الله الأسعد أن الرفض الإيراني يأتي من الخطر الكبير الذي تشكله العملية على المشروع الإيراني من الناحية الجيوسياسية، موضحاً أن مشروعها يتعارض مع السياسة التركية الهادفة للسيطرة على مناطق سيطرة الانفصاليين في شمالي شرق سوريا.

وقال الأسعد ل”المدن”، إن “إيران اليوم لا تستطيع اليوم إيقاف العملية العسكرية إذا بدأت؛ لأن الأمر يتعلق بحسابات دولية”، مبيناً أنها “تتصرف كدولة وصيّة على سوريا إضافة إلى التنسيق مع موسكو لتشكل حاجزاً منيعاً في وجه السياسة التركية، فضلاً عن إبراز دورها كلاعب أساسي في المنطقة يمتلك القرار”.

—————————-

أردوغان يلمح لعملية عسكرية تركية جديدة بشمال سوريا ويؤكد: لا نأخذ إذنا من أحد لمكافحة الإرهاب

Turkish President Recep Tayyip Erdogan

أردوغان أعلن الاثنين الماضي أن بلاده ستنشئ قريبا مناطق آمنة على بُعد 30 كيلومترا خارج حدودها الجنوبية (الأناضول)

29/5/2022

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأحد، أن بلاده تعتزم استكمال “الحزام الأمني” الذي تعمل على إقامته على طول حدودها مع سوريا في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أن أنقرة لا تأخذ إذنا من أحد لمكافحة الإرهاب وستتدبر أمرها بنفسها.

وقال أردوغان -في كلمة وجهها إلى اعتصام للأمهات والأسر “ضحايا الإرهاب” في ولاية ديار بكر- “بمشيئة الله سنستكمل الحزام الأمني ​​البالغ عمقه 30 كيلومترًا والذي نعمل على إقامته خطوة بخطوة على طول حدودنا مع سوريا، في أسرع وقت ممكن”.

وأضاف أن “الحكومة التركية تعمل على استكمال كفاح الأمهات في ديار بكر والولايات الأخرى عبر العمليات التي تطلقها خارج الحدود (ضد الإرهابيين)”.

وشدّد على أن تركيا شرعت في إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني “بي كيه كيه” -الذي تعتبره أنقرة تنظيما إرهابيا- في الأماكن التي ينشط فيها، وأن الأخير لم يعد قادرا على خداع الأطفال وإقناع مسلحيه على البقاء في صفوفه، وفق تعبيره.

وردا على سؤال فيما إذا كان هناك تواصل مع الولايات المتحدة بشأن أي عملية عسكرية محتملة جديدة في سوريا، قال أردوغان “قبل كل شيء يتعين على الجميع القيام بما يترتب عليه بخصوص هذه المواضيع.. وإذا كانت الولايات المتحدة لا تقوم بما يترتب عليها في مكافحة الإرهاب فماذا سنفعل؟ سنتدبر أمرنا، فلا يمكن محاربة الإرهاب عبر أخذ إذن من أحد”.

وكان مجلس الأمن القومي التركي قد ذكر الخميس أن العمليات العسكرية الجارية حاليا على الحدود الجنوبية للبلاد والأخرى التي ستُنفذ “ضرورة للأمن القومي” وأنها لا تستهدف سيادة دول الجوار.

كما أشار أردوغان في تصريح سابق الاثنين الماضي إلى أن بلاده ستنشئ قريبا مناطق آمنة على بُعد 30 كيلومترا خارج حدودها الجنوبية لمكافحة ما وصفها بالتهديدات الإرهابية.

وفي ردود الفعل على العملية العسكرية التركية المحتملة، أعلنت الخارجية الإيرانية معارضة طهران لأي عملية من هذا النوع.

وبحسب وكالة تسنيم شبه الرسمية، قال المتحدث باسم الوزارة سعيد خطيب زاده، إن “إيران تعارض أي عمل عسكري واستخدام القوة على أراضي سائر الدول بهدف تسوية الخلافات بين الجانبين وتعتبره انتهاكا لوحدة أراضي هذه الدول وسيادتها الوطنية”.

واعتبر أن العملية العسكرية المحتملة من قبل تركيا ستؤدي إلى “مزيد من التعقيد والتصعيد” في سوريا.

وكانت وزارة الخارجية السورية قد اعتبرت -بعد يومين من إعلان أردوغان عن استعدادات لعملية جديدة بشمال سوريا- أنها ستعتبر أي توغل عسكري تركي في أراضيها “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”. كما عبرت الولايات المتحدة عن “قلقها” إزاء المساعي التركية.

يشار إلى أن وكالة رويترز كانت قد نقلت قبل أيام عن صحيفة “يني شفق” الموالية للحكومة التركية قولها إنه تم اتخاذ الاستعدادات لعملية جديدة بهدف توسيع “المناطق الآمنة” التي أقيمت بالفعل في شمال سوريا، مع تحديد عدة أهداف.

ومن بين هذه الأهداف -وفق الوكالة- مناطق تل رفعت وعين العرب (كوباني) وعين عيسى ومنبج، التي تخضع جميعا لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني.

المصدر : وكالات

———————————-

سوريا.. ما أكثر المصادفات هذه الأيام/ سمير صالحة

أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين المنصرم وبعد ترؤسه لاجتماع وزاري في أنقرة التذكير بأن تركيا لن تنتظر كثيرا لحسم الأمور في بعض المناطق المتبقية في شمالي سوريا كعقبة في طريق خطة المنطقة الآمنة. بيان مجلس الأمن القومي التركي وتصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو تلتقي كلها عند وعود أميركية روسية قدمت لأنقرة في تشرين الأول 2019 من أجل أن توقف هي عملية نبع السلام مقابل ضمانات بإخراج قوات سوريا الديمقراطية من المناطق الحدودية المحاذية لأراضيها ولم تنفذ حتى اليوم.

تطالب تركيا بمواقف غربية واضحة حيال المجموعات التي أعلنتها إرهابية لكن ما تريده أيضا هو حسم أميركا لموضوع داعش في شرق الفرات وفتح الطريق أمام مشروع المنطقة الآمنة وإيصاله إلى شمال شرقي سوريا. التطورات العسكرية والسياسية المحلية والإقليمية منحت أنقرة المزيد من الفرص لتحريك ورقة شمال شرقي سوريا ضد مجموعات قسد ومسد ووحدات الحماية وحسم مسألة الجزء الجنوبي الشرقي في مناطقها الحدودية مع سوريا.

تتحدث التقارير الأمنية والإعلامية التركية عن إتمام 90 بالمئة من الاستعدادات للعملية العسكرية التركية باتجاه شمال غربي سوريا وأن مركز الانطلاق قد يكون مدينة أضنه الجنوبية. خصوصية العملية العسكرية المرتقبة هذه المرة هي دمج خطة المنطقة الآمنة لتسهيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أراضيهم بهدف تركي آخر هو إنشاء المنطقة العازلة التي ترفع شعار إخلاء المناطق الحدودية من نفوذ قسد وتوفير الضمانات الأمنية التي تريدها أنقرة.

من يقطع الطريق على العملية العسكرية التركية الخامسة طبعا هو ليس صمود قوات قسد أو الاعتراض الروسي بعد الآن، بل دخول أميركي سريع على الخط لإلزام الحليف الكردي بمغادرة المناطق التي تعهدت واشنطن بوضعها تحت تصرف مشروع المنطقة الآمنة. لكن المشكلة هي أنه بين الأهداف الأهم للعملية العسكرية التركية المرتقبة هناك تطهير المناطق الحدودية من نفوذ قسد وتحييد ورقة السلاح الثقيل “الأميركي – الكردي” بيد هذه المجموعات، وإغلاق ملف داعش الذي تلعبه أميركا ضد الجميع في شرقي سوريا وتحاول إبقاءه ساخنا بوجه تركيا، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية جديدة للأزمة في سوريا بعد انسداد المشهد في عمل أكثر من منصة إقليمية ودولية. ساحة المواجهات وأهدافها والمفاجآت التي ستواكبها قد تكون كثيرة ومختلفة هذه المرة إذا، بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تناقش العملية العسكرية التركية خلالها.

يخطئ من يعتقد أن قوات النظام السوري لن تستغل فرصة تحرك القوات التركية باتجاه تل رفعت ومنبج وعين عيسى لتتم محاصرة عين العرب وإخراج المربع الأمني بكامله من يد “قوات سوريا الديمقراطية”، لتتحرك في شمال شرقي سوريا هي الأخرى بأكثر من اتجاه، في محاولة لاسترداد نفوذها في بعض المناطق الحساسة الواقعة تحت سيطرة قسد ومسد ووحدات الحماية.

المفاصلة تجري في عروقنا مثل الدم. والإشارة أعطاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل ساعات لأنقرة ودمشق على السواء وهو يتحدث عن استكمال قوات بلاده لعمليات إعادة التموضع العسكري في الكثير من المناطق التي تنوي تركيا التقدم نحوها لإكمال خطة المنطقة الآمنة وحقها في الدفاع عن أمنها في مواجهة مخططات واشنطن التفتيتية في سوريا. العقدة الأهم في كل هذه التطورات ستكون مدينة القامشلي السورية المحاذية للحدود التركية في الجنوب الشرقي. كيف سيكون المشهد ومن الذي سيأخذ المدينة وهل تسمح واشنطن بخسارة ميدانية فادحة من هذا النوع في صفوف حليفها المحلي هناك؟

تقول القيادات الأميركية إنه  لا دخل لواشنطن في النقاش التركي مع السويد وفنلندا وإن المسألة تعني حلف الناتو بالدرجة الأولى. ويرفض البنتاغون الربط بين موضوع التوسعة الأطلسية واستعدادات تركيا للقيام بعملية عسكرية واسعة في شمالي سوريا تمهيدا لإنشاء المنطقة الآمنة. لكن ما لا تتحدث عنه واشنطن حسب أنقرة، هو أسباب كل هذا الدعم العسكري الأميركي لليونان وقرار إنشاء المزيد من القواعد العسكرية الأميركية البرية والبحرية على مقربة من الحدود مع تركيا، ومقاطعة الكونغرس رئيس الوزراء اليوناني ميشوتاكيس بالتصفيق أكثر من 30 مرة وهو يطالب واشنطن بالتدخل لوقف “التهديدات التركية” وتجميد صفقة بيع المقاتلات إف 16 لتركيا. ما الذي يقلق الإدارة الأميركية هنا وما هو السيناريو المحتمل بالاتجاه الآخر في العلاقات التركية الأميركية؟

يقول المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن من شأن العملية التركية المفترضة أن “تهدد استقرار المنطقة وتلحق الضرر بجهود التحالف في حربها على داعش”. وأن بلاده تتوقع من تركيا أن تلتزم بالبيان المشترك الصادر في تشرين الأول 2019، مضيفاً “نحن ندرك المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرّض للخطر القوات الأميركية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش. ويردد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، أن الولايات المتحدة “قلقة للغاية بشأن إعلان تركيا نيتها زيادة نشاطها العسكري في شمالي سوريا”. مصادفة هي حتما أن نقرأ أن السفير الإيراني في دمشق مهدي سبحاني، يعلن أن بلاده “ترفض أي شيء يسبب انتهاك سلامة ووحدة وسيادة الأراضي السورية”. وأن تلتقي المواقف الأميركية والإيرانية في مواجهة العملية العسكرية التركية المحتملة.

الذي يقلق إدارة بايدن أكثر من العملية العسكرية التركية هو تفاصيل اللقاء الإسرائيلي الروسي بين نفتالي بينيت وفلاديمير بوتين قبل شهرين والشق السوري الإيراني في المحادثات. وما لا تريد واشنطن قبوله هو حقيقة أن التفاهمات الأميركية الإيرانية لن تمر بمثل هذه السهولة كما يبدو.

مصادفة أخرى هي ربما وما أكثر المصادفات في هذه الآونة، أن تطرح العملية العسكرية التركية بهذا الشكل الواسع وأن ينهي وزير الخارجية التركي زيارة لإسرائيل لن يستبعد احتمال مناقشة تطورات الملف السوري خلالها. إيران تريد ملء الفراغ العسكري الروسي في بعض المناطق السورية وهي ألزمت بشار الأسد – مصادفات لا تنتهي – بزيارة طهران التي تمت تحت عنوان التحولات المرتقبة في المشهد السوري واحتمال حصول تفاهمات إقليمية كبيرة على حسابها.

لم تختر أنقرة وأبو ظبي إبراز الزيارة الخاطفة والسريعة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان يوم الجمعة المنصرم إلى إسطنبول والتي استقبله خلالها الرئيس التركي في قصر دولمه بهشه حيث تم تبادل الكثير من الرسائل بطابع ثنائي وإقليمي، ومن غير المستبعد أن تكون المصادفات قد دفعتهما لبحث تفاصيل الخطة التركية والتطورات المحتملة في المشهد السوري بعد المصالحة التركية الإماراتية وانفتاح أبو ظبي على دمشق. إدارة بايدن تحتاج إلى فريق عمل سياسي وعسكري واستخباراتي جديد يرصد كل هذه المصادفات وحقيقة المتغيرات في المنطقة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية وأسباب التصلب التركي في مسألة التوسعة الأطلسية وتطورات المشهد في سوريا وشرق المتوسط.

إرضاء للبعض أيضا. حتما سيكون للعملية العسكرية التركية المرتقبة ارتداداتها على قرار الناخب التركي بعد عام. ومن المحتمل أيضا أن يقرر حزب العدالة والتنمية الذهاب المبكر إلى الصناديق إذا ما نجح في تسجيل اختراقات سياسية واقتصادية في ملفات داخلية وخارجية تعيد له ما فقده من أصوات في العامين الأخيرين.

تلفزيون سوريا

———————–

إشارة المرور صفراء.. الجيش التركي يتحرّك/ كمال اللبواني

حاول أردوغان مراراً وتكراراً فرض منطقة آمنة على حدوده مع سوريا بعرض ٣٢ كم وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (المتعلق بحق الدفاع البعيد)، لكون الدولة الجارة دولة فاشلة وتسيطر على الحدود منظمات منفلتة يعتبرها التركي إرهابية تهدد أمنه القومي، باستعراضه للتاريخ الدموي الطويل بينه وبين منظمة الـ ب ك ك (من وجهة نظره)، لكنه اصطدم على الدوام بضوء أحمر أمريكي شرق الفرات، وروسي غرب الفرات، بحسب تفاهمات روسيا وأمريكا وتقاسمهما للنفوذ والسيطرة الجوية بينهما ومع إسرائيل.

وقد استطاع سابقاً انتزاع شرعية سيطرته على مناطق غرب الفرات من روسيا بواسطة صفقات تسليم لمناطق أخرى من سوريا تسيطر عليها المعارضة (التي تعمل بأمرته)، وفق تفاهمات سوتشي ومسار أستانا، فقد سلم حلب مقابل جرابلس والباب، وعفرين مقابل ريف حماه وسراقب، وبقت تل رفعت ومنبج بحراسة روسية رغم وعودها بتسليمها له مقابل طريق M4 & M5، بينما استطاع بصعوبة الحصول على سكوت أمريكي لعمليته شرق الفرات للسيطرة على رأس العين وتل أبيض، في محاولة للأمريكي لكبح جنوح تركيا باتجاه روسيا وطلب السلاح منها ودخولها في تحالفات أوراسية طويلة المدى وشديدة الخطر على توازنات الشرق الأوسط.

اليوم كلا الطرفين، الروسي والأمريكي، بحاجة لاسترضاء التركي بسبب الحرب الساخنة في أوكرانيا، لذلك وجد أردوغان الفرصة مناسبة لقضم المزيد من المناطق دون الاصطدام بضوء أحمر روسي أو أمريكي، وعليه قرر مجلس الأمن التركي توسيع العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية بعد تطمين النظام وروسيا بأنه يحترم وحدة واستقلال سوريا ويسعى معهما لحل شامل عبر مسار جنيف عندما أصر على الائتلاف لكي يمضي قدماً دون تردد في تقديم التنازلات السياسية المطلوبة من قبل النظام، وبشكل خاص عندما قام بتعيين مندوبي النظام ومخبريه في قيادة وفد التفاوض الذي يمثل المعارضة، كجهة وحيدة معترف بها دولياً، وفق المبعوث الدولي ومسار جنيف.

لا يمانع النظام السوري من عملية عسكرية ضد قسد طالما أن قسد تعتبر أداة أمريكية وتسيطر على ثروات سوريا الهامة، فإضعاف قسد هو إضعاف للنفوذ الأمريكي، وبنفس الوقت عامل يدفعها لكي تقبل بتسوية مع النظام، ما تزال حتى اليوم تمتنع عن إبرامها بسبب الفيتو الأمريكي، وبسبب العملية العسكرية التركية قد تجد قسد مبررات أكبر قد تكون كافية لتجاهل هذا الفيتو الأمريكي، عندما تسكت أمريكا عن عمليات الجيش التركي ضدها، وهذا ما أشار إليه الأمريكي عندما أكد أن في سوريا له عدو واحد هو داعش، لا النظام ولا تركيا ولا إيران ولا روسيا، فهذا ضوء أصفر عبر عنه بمجرد تحذير شكلي من عمليات عسكرية جديدة، لكن مبررات قسد لتوقيع تفاهمها المتشوقة له مع النظام لن تكون كافية إذا كانت العملية العسكرية التركية محدودة ولم تمتد للمناطق الكردية في محافظة القامشلي.

سيتقدم الجيش التركي بحذر شرق وغرب الفرات وسيرصد ردود الفعل الروسية والأمريكية، وسيستمر طالما إشارة المرور صفراء، لكنه يعيد حساباته عندما تضيء أمريكا أو روسيا الضوء الأحمر، وهذا غير متوقع قريباً، بانتظار استكمال انضمام فنلندا والسويد للناتو، والذي سيسعى التركي والروسي لتأخيره ما أمكن، وطلباته من هذه الدول ليست ذات أهمية بقدر ما هي ذريعة لابتزاز أمريكا والغرب، وفرض شروطه كحليف لهم في وجه روسيا، لكن من دون المشاركة في العمليات ضدها، ومع الاحتفاظ بمسافة وبخطوط مع الروس كخيار ثان، فموقف تركيا التوسطي سيستمر لأنه يعطيها قوة ونفوذاً أكبر، وهو ما سيحافظ على الضوء الأصفر.

الكرد سيحاولون المقاومة والمبالغة في القتال في البداية لجلب الانتباه، لكنهم عندما يفشلون في تغيير لون الضوء، سوف يقومون بتراجعات تكتيكية، فروح القتال خارج مناطقهم، أي في حاضنة اجتماعية مضادة، لن تكون كتلك التي يدافعون بها عن قراهم، ناهيك عن أن التركي قد جهز فريقاً كردياً بديلاً عن الـ ب ي د، يضاف إلى ذلك تحول قسد باتجاه البزنس وانتشار الفساد فيها، أيضاً الجيش التركي لن يكون مقداماً في معركة خارج حدوده لا هدف لها، ولا الجيش الوطني المرتزق سيقاتل بشراسة في مناطق لا يسيطر عليها النظام، وهو أيضاً غير معني بالأهداف التركية، لذلك نتوقع أن تكون الحرب إعلامية ومسرحية وليست حرباً حقيقية، سوف يحسمها التفوق الجوي المطلق للتركي طالما أن الأمريكان والروس استمروا بالمراقبة، ستتراجع قسد وتحتفظ بمناطق ومساحات تفوق كثيراً حجم حاضنتها الاجتماعية، بينما ستتقدم تركيا قليلاً في شمال حلب وعين عرب وستتوقف المعارك من دون نتائج سياسية تذكر.

دماء مجانية سوف تسفك ودمار سوف يتوسع من دون أي فائدة للقضية السورية، فجميع المتدخلين والمحتلين سيزدادون تمسكاً بفكرة عدم الحل طالما لديهم قسم من الكعكة يتمتعون بمضغها.

————————

أردوغان يوجه رسالة لواشنطن بعد رفضها عملية عسكرية شمال سورية

أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده تعتزم  “ذات ليلة”، شن عملية عسكرية جديدة في شمال سورية، موجهاً رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية الرافضة للعملية.

وقال أردوغان، في حديثه للصحفيين خلال عودته من زيارة أذربيجان اليوم الأحد، إنه “لا يمكن أن نترك أي هجوم ضد تركيا في شمال سورية دون رد”، مضيفاً “ذات ليلة سنهاجم الإرهابيين في شمال سورية”.

وحول الاتصالات مع الولايات المتحدة الأمريكية حول العملية، اعتبر أردوغان أن واشنطن تدعم “التنظيمات الإرهابية” شمال شرق سورية، عبر تقديم أدوات ومعدات عسكرية وذخيرة.

وقال:”إذا كانت الولايات المتحدة لا تقوم بما يترتب عليها في مكافحة الإرهاب فماذا سنفعل؟ سنتدبر أمرنا، فلا يمكن محاربة الإرهاب عبر أخذ إذن من أحد”.

    #أردوغان: لا نأخذ إذنا من أحد لمكافحة الإرهاب

    “إذا كانت #الولايات_المتحدة لا تقوم بما يترتب عليها في مكافحة الإرهاب فماذا سنفعل؟ سنتدبر امرنا، فلا يمكن محاربة الإرهاب عبر أخذ إذن من أحد”.https://t.co/O1S5uVDz22 pic.twitter.com/tGt7kBX79x

    — ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) May 29, 2022

وكان الرئيس التركي ألمح الأسبوع الماضي، إلى إمكانية شن عملية عسكرية جديدة في شمالي سورية، تتعلق بتنفيذ بلاده مشروع “المنطقة الآمنة” في عمق 30 كيلو متراً شمالي سورية.

وقال أردوغان، الأسبوع الماضي:“سنبدأ باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية مع سورية”.

ولم يتحدث بالتحديد عن المناطق التي قد تستهدفها العملية التركية المحتملة، لكن وسائل إعلام مقربة من أنقرة، كانت أشارت إلى أنها قد تكون باتجاه “منبج بريف حلب، تل رفعت بريف حلب، عين العرب (كوباني)”.

وكانت  واشنطن عبرت عن قلقها من تلميحات الرئيس التركي، حول شن عملية عسكرية جديدة على الحدود الجنوبية لبلاده مع سورية، قائلة إن “أي هجوم جديد سيقوض الاستقرار في المنطقة، ويعرض القوات الأمريكية للخطر”.

ونقلت وكالة “رويترز”، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، قوله: “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سورية، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين هناك”.

 وتعتبر تركيا “قسد”التي تشكل “وحدات حماية الشعب عمادها، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة، التي تعتبر “قسد” شريكاً في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

——————————

إيران تعلن موقفها من عملية عسكرية تركية مرتقبة شمال سورية

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة (انترنت) المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة (انترنت)

مشاركة

قالت إيران إنها تعارض التحركات التركية لشن عملية عسكرية جديدة، ضد “قسد” في الشمال السوري.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، أمس السبت، أن بلاده “تعارض أي نوع من الإجراءات العسكرية واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فض النزاعات”.

واعتبر حسبما نقلت عنه وكالة “إرنا” الإيرانية، أن أي هجوم “سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد”.

لكنه أعرب في نفس الوقت عن تقدير بلاده لـ”الهواجس الأمنية لدى تركيا”، معتبراً أن “السبيل الوحيد لحلها يكمن في الحوار والالتزام بالاتفاقات الثنائية مع دول الجوار، والتوافقات الحاصلة خلال مفاوضات استانة”.

وكانت تركيا ألمحت إلى إمكانية شن عملية عسكرية جديدة في شمالي سورية، تتعلق بمشروع “المنطقة الآمنة”.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي:“سنبدأ باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية مع سورية”.

وكانت الولايات المتحدة عبرت عن قلقها من تلميحات الرئيس التركي، حول شن عملية عسكرية جديدة على الحدود الجنوبية لبلاده مع سورية، قائلة إن أي هجوم جديد سيقوض الاستقرار في المنطقة، ويعرض القوات الأمريكية للخطر.

ونقلت وكالة “رويترز”، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، قوله: “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سورية، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين هناك”.

وتعتبر إيران من الدول الثلاث “الضامنة” في اجتماعات أستانة إلى جانب تركيا وروسيا.

ويعتبر مسار “أستانة” الأطول من ناحية المسارات السياسية المتعلقة بالملف السوري، وكانت أولى جولاته قد انطلقت في مطلع عام 2017، عقب خضوع مناطق شرق حلب للنظام، وبلغت 17 جولة حتى اليوم.

وأعلنت الخارجية الكازاخية عن انعقاد الجولة 18 من محادثات “أستانة” حول سورية، في العاصمة نور سلطان في الفترة بين 14 و16 يونيو/ حزيران المقبل، بمشاركة “الدولة الضامنة” ودول أخرى بصفة مراقب.

———————————

===================

تحديث 30 ايار 2022

———————

الكرد بين مصالح بايدن وبوتين وأردوغان/ سميرة المسالمة

وسط فضاء دولي ملبد بالحروب والأزمات الاقتصادية، ومتداخلٍ في اصطفافاته المحورية، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، اقتنص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما اعتبره بمثابة الفرصة السانحة لإعلان تدخله الرابع عسكرياً في سورية، بعد عمليات “نبع السلام” و”غصن الزيتون” و”درع الفرات”، معتمداً توقيت انشغال الولايات المتحدة في تتبع حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، وتعاظم مخاوف إسرائيل والدول العربية من إحلال إيران قواتها على مساحات النفوذ الروسي في سورية، وحاجة دول حلف الناتو إلى شراء موافقته على دخول السويد وفنلندا الحلف حماية لاستقرار أمنها من اعتداءات محتملة من الجانب الروسي، ما يجعل فرص قبول عمليته أو رفضها قابلةً للاستثمار التركي الرابح في الموقفين.

وتحت عنوان لافت، وهو حاجة ضرورية للسوريين منذ عام 2012، وفي ظروف مغايرة ولأهداف مختلفة، تحاول تركيا استمالة الرأي العام العالمي للموافقة على إقامة منطقة آمنة، لكنّ مفهوم تلك المنطقة يختلف اليوم عنه سابقاً، ففي السابق، كان المفهوم منه توفير حماية دولية لتلك المناطق من قصف النظام السوري والدولتين المساندتين له (إيران وروسيا)، وتجنيب سكانها تدمير بيوتهم وأملاكهم وتهجيرهم منها، في حين أنها تجري اليوم، وفي غياب أيّ حلّ سياسي، ما يجعلها قابلة للقراءة من مفهوم أنها تسهم في تكريس الواقع الراهن، أي تكريس تقسيم سورية، والتغيير الديموغرافي، وعدم تمكين اللاجئين من العودة إلى مناطقهم وبيوتهم، وإيجاد منطقة نفوذ تركية جديدة في الشمال السوري، مع استمرار تعميق الجرج السوري ـ السوري، جرّاء مشاركة الفصائل العسكرية المحسوبة على المعارضة السورية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) في بتلك المعارك ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبتعبير أدق، تزيد من أسباب الخلاف والعداء العربي – الكردي.

وعلى أي حال، من الصعب توقع نجاح تلك الخطوة وفق النتائج التي تتأملها تركيا، لأنّ إيجاد منطقة كهذه يحتاج توفير رادع أمني دولي، كما يحتاج تمويلا دوليا، والاثنان لا توجد إرادة سياسية لهما، مع رفض الولايات المتحدة والدول الاوروبية أي حل خارج منطوق قرار مجلس الأمن 2254 (لعام 2016)، يضاف إلى ذلك أنّ اللحظة السياسية، في ظلّ الحرب الروسية الأوكرانية، غير مؤاتيةٍ البتة لأيّ حلّ في سورية، سواء أمني أو سياسي، بمعنى أن كل طرف يمكن في الظروف الراهنة أن يجمع الأوراق المؤاتية له، وفقط، في انتظار نتيجة الصراع الدولي في أوكرانيا. لكن ذلك لا يمنع أن تكون الولايات المتحدة تميل إلى أنّ تحلّ تركيا، بوصفها قوة دولية، في موقع متقدّم على كلّ من إيران وروسيا في الملف السوري، سياسياً وعسكرياً.

وفي الوقت ذاته، فإن وهم التعويل السوري، وتحديداً “الكردي”، على موقف الرئيس الأميركي جو بايدن في إفشال خطة تركيا لإقامة “منطقة آمنة” على حساب مناطق تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تتحرّك تحت الحماية الأميركية، يشبه تماما التعويل على التدخل الدولي لإسقاط النظام السوري، وإحداث التغيير في النظام السياسي، بما يرضي الشعب السوري، حيث تبقى المصالح المتبادلة بين الدول ذات الفعالية في الملف السوري هي بيضة القبّان التي ترجّح كفّة الميزان في معايرة الموقف من “المنطقة الآمنة” ومساحتها وأفق تطورها، وتداعي الاتفاقيات والتنازلات والانسحابات، بعد بدء أولى طلقات العملية وخلالها.

وربما تفيد إعادة دراسة الموقف الكردي من رغبات تركيا الأمنية وهواجسها، بعيداً عن التمنيات بدور كبير للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لوقف الحملة العسكرية، وخصوصا في ظل التقارب التركي مع الدول العربية، وتسويغ مطلبها بإعادة اللاجئين إلى داخل سورية، ووقف حملات التهجير خارج الحدود، وهو ما يرضي الغرب والدول المجاورة لسورية، وربما يقيس عليه كلّ من الأردن ولبنان لاحقاً، ما يشكّل ضغطاً دولياً يدفع ثمنه السوريون من وحدة الأراضي السورية، وإمكانية رتق الفتق الكبير في خريطتهم الجغرافية، والديموغرافية، والقومية.

ولعلّ العودة إلى التذكير بما استطاع أردوغان استثماره سابقاً لتحقيق خطواته داخل سورية يجعل من السهولة القول إن التعويل على المواقف الدولية كان وسيبقى مجرّد ورقة تتطاير حسب ريح المصالح الدولية، ففي عام 2016، استثمر الرئيس أردوغان الرغبة الروسية في استعادة حلب لإحداث تغيير حقيقي في خريطة النفوذين، العسكري والسياسي، في سورية، وانتزع الموافقة على عملية درع الفرات (24 أغسطس/ آب 2016 – 31 مارس/ آذار 2017)، ومن خلالها زرعت تركيا أولى قواعدها على مساحةٍ تقرب من خمسة آلاف كيلومتر مربع، وحققت أهدافها تحت غطاء حماية أمنها القومي، فسيطرت على المنطقة بين عفرين ومنبج، وحققت الهدف المباشر بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية إلى شرق نهر الفرات، كما أخرجت مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جرابلس ودابق والباب في محافظة حلب شمال غربي سورية.

ولعل ما نتج عن تلك العملية هو ربط مصالح “الجيش الحر” وأجنداته بتحرّكات القوات التركية وأجندتها ضد القوات “الكردية”، وهو ما أضعف مواقع فصائل المعارضة المسلحة، حتى الراغبة في مقاومة روسيا في حلب، وبالتالي، انهيارها واستعادة روسيا سيطرتها عليها نيابة عن النظام السوري.

ولم يتأخر الرد التركي على إعلان الولايات المتحدة تشكيل قوة حدودية وتدريب معظم مقاتليها من الأكراد، وبقيادة “قسد”، فتدخلت عسكرياً عبر عملية غصن الزيتون (20 يناير/ كانون الثاني – 24 مارس/ آذار 2018)، حيث أدرك أردوغان حاجة الولايات المتحدة إلى التقارب مع تركيا، منعاً لتعميق العلاقات التركية الروسية التي قد تكون على حساب المصالح الأميركية في المنطقة، وفي تلك الحملة، تمت لتركيا السيطرة على بلدات وقرى عربية خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، وأيضا على منطقة عفرين بمحافظة حلب في شمال غرب سورية.

ولم يوفر الجانب التركي الفرصة، إثر إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، عبر تغريدة له جاءت بعد إعلان البيت الأبيض سحب قوات أميركية من شمال سورية، قبيل العملية العسكرية التركية “نبع السلام” (9 أكتوبر 2019)، التي استهدفت منطقة شمال شرق سورية وطرد قوات سوريا الديمقراطية منها، وإقامة منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترا من الحدود لإعادة توطين اللاجئين السوريين فيها. لم يستطع أردوغان آنذاك الاستمرار في تقدم قواته، نتيجة الضغط الأميركي الذي أوقف العملية بعد ثمانية أيام مقابل انسحاب قوات سوريا الديمقراطية مسافة 30 كم، ثم أعقبه اتفاق روسي – تركي في 22 أكتوبر، وافقت بموجبه تركيا على تسيير دوريات مشتركة على الحدود مع سورية.

يبقى التدخل العسكري في سورية، الذي فتح أبوابه النظام السوري بداية، هو العائق الأساسي لأي حل سياسي واقعي، لأن زيادة مساحة الأراضي المنتهكة من كلّ الجيوش المتصارعة في سورية تأتي على حساب كلّ السوريين تحت حكم النظام، أو خارجه، ما يبعد، بالقدر ذاته، أيّ أمل في صيانة سلامة سورية من التقسيم ديموغرافياً وجغرافياً.

العربي الجديد

———————————

تريث تركي في إطلاق العملية شمالي سورية: الاستعدادات غير مكتملة/ جابر عمر

تتمسك تركيا بإطلاق عملية عسكرية جديدة شمال سورية من أجل استكمال إنشاء “المنطقة الآمنة”، بعمق 30 كيلومتراً، بحسب ما كان أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيراً.

لكن يبدو أن أنقرة تتريث في ما يتعلق بانطلاقها، بانتظار ما تقول إنه استكمال الاستعدادات العسكرية والسياسية، لا سيما بعد الموقف الأميركي المعارض.

وأعلن أردوغان، في كلمة عبر اتصال هاتفي وجّهها إلى فعالية أقيمت بمناسبة مرور ألف يوم على اعتصام “الأمهات والأسر ضد الإرهاب” في ديار بكر، أمس الأحد، أن بلاده “ستستكمل الحزام الأمني البالغ عمقه 30 كيلومتراً، والذي نعمل على إقامته خطوة بخطوة على طول حدودنا مع سورية، في أسرع وقت ممكن”.

وانتقد أردوغان، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام تركية، أميركا لدعمها “وحدات الحماية” الكردية، التي وصفها بالتنظيمات المسلحة الإرهابية في سورية.

وقال: “في شمال سورية هناك بؤر إرهابية، وهي نقاط تمركز، وممتدة في شمال شرق وشمال غرب البلاد، وللأسف فإن دول التحالف، وعلى رأسها أميركا، تواصل تقديم مختلف أنواع الدعم العسكري بالأسلحة والآليات والمستلزمات والذخائر لها”.

واعتبر أن “على أميركا القيام بما يلزم، وإن لم تفعل ما يجب عليها في مكافحة الإرهاب، فإننا سنعمل ذلك لوحدنا. تركيا لا تطلب الإذن من أي أحد في مكافحة الإرهاب”.

وتحدث مصدران تركيان، دبلوماسي وعسكري، مطلعان لـ”العربي الجديد”، عن التحضيرات للعملية العسكرية الجديدة شمال سورية. وبيّنا أن العملية لم تؤجل، بل هي في طور التحضيرات التي تتم على أكثر من مستوى، سواء السياسي والدبلوماسي منها، أو العسكري والميداني.

في المقابل، قال مصدر مطلع في “الجيش الوطني السوري” المعارض، فضل عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن الجانب التركي قد أبلغ قادة الفصائل بتأجيل العملية العسكرية إلى أجل لم يحدد بعد، وذلك خلال الاجتماع الذي جرى، مساء أمس الأول السبت، في منطقة حوار كلس على الحدود السورية التركية.

وأكد المصدر أن تأجيل العملية جاء بشكل مفاجئ، بعد أن تم تحديد مسارها ومراحلها خلال اجتماع جرى قبل يوم من تأجيلها. وأوضح أنه كان من المفترض أن تصل، في مرحلتها الأولى، منطقة “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي جغرافياً مع منطقة “نبع السلام” في شرقي الفرات.

تحضيرات تركية متواصلة للعملية في الشمال السوري

وقال المصدر التركي الأول، وهو دبلوماسي، لـ”العربي الجديد”، إن “التحضيرات تتواصل على قدم وساق من الناحية السياسية والدبلوماسية”. وأشار إلى أن “هناك حراكا دبلوماسيا واسعا من أجل توفير الغطاء السياسي للعمل العسكري، من خلال التواصل مع الأطراف المعنية، وهي روسيا وأميركا بالدرجة الأولى. حيث تحاول الدبلوماسية التركية الاستفادة من التطورات الجارية في العالم، كالحرب الروسية الأوكرانية، وتطورات عضوية الناتو”.

وأضاف أن “التواصل مع الجانب الأميركي ما زال مستمراً، في وقت ترى أنقرة أن ثمة تفهماً من قبل موسكو لمواقف أنقرة من العملية العسكرية، خاصة أنه من الواضح أن موسكو لديها استراتيجيات جديدة في سورية تتجلى في إخلاء المواقع العسكرية”.

الخلاف مع أميركا حول حدود العملية

وأكد الدبلوماسي أن “التواصل مع الجانب الأميركي لا يزال مستمراً، والخلافات ليست في ما يتعلق بالعمل العسكري، بل بالحدود والأبعاد. ولكن المؤكد أن تركيا ستطالب بعمق 30 كيلومتراً، ولن تتنازل عنه، وهو ما يعني إضافة عين عيسى وعين العرب لهذه المنطقة، وهما منطقتان تتمسك بهما أميركا. وبقية المناطق بحاجة أيضاً لمزيد من التوافقات، مثل منبج التي تقع على بعد أكثر من 30 كيلومتراً”.

من جهته، قال المصدر العسكري إن “العملية العسكرية الجديدة لن تجرى حتى تستكمل الاستعدادات الميدانية. وقبيل استكمال هذه الاستعدادات لن يصدر الأمر العسكري من أردوغان لإطلاق العملية. وحالياً لا تزال الاستعدادات تسير بوتيرة منخفضة، وربما تسرع في الأيام المقبلة، وعند اكتمالها يمكن الإعلان عن انطلاقها في أي لحظة”.

وأضاف أن “تسارع وتيرة الحشد العسكري والاستعدادات ستكون من المؤشرات لقرب العملية العسكرية. ومن الواضح أن الأوضاع الداخلية والخارجية هي التي ستتحكم في وتيرة الحشد والتحضير في الأيام المقبلة”.

ويُفهم من كلام المصدرين التركيين أن أنقرة تواصل محاولاتها للحصول على الضوء الأخضر لعمليتها العسكرية، إذ إن الواضح أن العقبة هذه المرة هي أميركا وليس روسيا. وتسعى أنقرة للكسب من وراء موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية وموقفها المعارض لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أن أي عمل عسكري قد توظفه الحكومة كورقة في الانتخابات المقبلة.

قصف تركي لمواقع “قسد”

ميدانياً، لا تزال أجواء التسخين قائمة على الأرض، وسط تحليق متواصل للطيران الحربي الروسي في سماء تلك المناطق. وقال مصدر من “الجيش الوطني”، لـ”العربي الجديد”، إن القوات التركية قصفت، أمس الأحد، قرية شمالي مدينة منبج بريف حلب الشرقي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وقرى أخرى بريف حلب الشمالي.

وأشار إلى أن “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا، قصف بالمدفعية مواقع “قسد” في ناحية أبو راسين شرق رأس العين ومحيط بلدة تل تمر شمال الحسكة، وكذلك قرية زور مغار غرب مدينة عين العرب شرق حلب.

وأشار المصدر إلى تحليق مروحيات روسية، صباح أمس الأحد، على علو منخفض، على طول الشريط الحدودي مع تركيا بريف الحسكة الشمالي، وذلك بعد أن نفذ الطيران الروسي غارة، ليل أمس الأول، إلا أن الصاروخ انفجر في سماء مدينة جرابلس شرق حلب، من دون وقوع أضرار أو إصابات.

وكانت روسيا دفعت، قبل أيام، بتعزيزات إلى الشرق السوري، حيث هبطت طائرتان حربيتان و6 مروحيات في مطار القامشلي في ريف الحسكة، تزامناً مع تصاعد الحديث عن قرب إطلاق تركيا عملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرة “قسد” شمال سورية.

“الإدارة الذاتية” تهاجم تركيا

من جهتها، اتهمت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية”، في بيان أمس الأحد، تركيا بالسعي إلى “خلق المزيد من الفوضى في سورية، وفي المنطقة عموماً”، من خلال خططها “توسيع رقعة احتلالها، من خلال التهديد المباشر بالهجوم والتوغّل مسافة 30 كيلومتراً على الحدود السورية الشمالية في مناطق الإدارة الذاتية”.

ورفضت “الإدارة الذاتية” ما سمته بـ”الحجج الواهية” التي تتحدث عنها تركيا “من قبيل المنطقة الآمنة وإعادة اللاجئين”. واعتبرت أن هدفها الحقيقي هو “تغيير هوية المناطق التاريخية على الحدود السورية، وتفريغها من سُكّانها، على غرار ما حدث في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وكذلك رغبة تركيا في تغيير ديمغرافي على مستوى الهوية السكانيّة كلها”.

وحذر بيان “الإدارة” من أنه ستكون لهذه السياسة “تداعيات خطيرة في مسألة التطهير العرقي، وخلق صراع طويل الأمد بين مكونات المنطقة، ما يهدد مستقبلها”.

ورأى البيان أن تركيا تخرق الاتفاقيات الدولية ذات الصلة في المنطقة، مع روسيا والولايات المتحدة. وحذر من أن السماح لأنقرة بأي عمل عسكري ستكون له “تداعيات على مصادر العيش وعلى المياه والزراعة”. كما اتهم أردوغان باستغلال الوضع في سورية لغايات انتخابية في الداخل التركي.

وكانت “قسد” دفعت، أمس الأحد، بتعزيزات عسكرية نحو جبهات عين عيسى، فيما تواصل عمليات حفر الخنادق والأنفاق وتعزيز الجبهات والمحاور، استعداداً لعملية عسكرية تركية، فيما دوّت انفجارات في محيط حقل العمر النفطي الذي تتمركز فيه أكبر قاعدة للتحالف الدولي في سورية، ناتجة عن تدريبات عسكرية مشتركة بين التحالف و”قسد”.

العربي الجديد

———————-

أنقرة تفاوض موسكو:العملية العسكرية مقابل فتح الأجواء إلى سوريا/ مصطفى محمد

مع ترقب انطلاقة العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، تسعى أنقرة لعقد ما يشبه الصفقة مع موسكو، تضمن من خلالها عدم اعتراض الأخيرة على العملية التركية.

وتعتقد أنقرة بحاجة موسكو إليها في هذا التوقيت أكثر من أي وقت مضى، وتحديداً لجهة الملف الأوكراني، و”الحياد الإيجابي” الذي لعبته أنقرة في الصراع بين روسيا والغرب.

وقال مصدر تركي مطلع إن أنقرة تسعى إلى ضمان موافقة موسكو على العملية التي تٌحضر لها في حدودها الجنوبية مع سوريا، لاستكمال إنشاء المناطق الآمنة.

وأضاف المصدر ل”المدن”، أن أنقرة تمتلك أكثر من ورقة تطالب بها موسكو، من أهمها فتح المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية العسكرية والمدنية المتجهة إلى سوريا، وكذلك تُعوّل أنقرة على حاجة موسكو ل”الفيتو” التركي على توسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو) عند حدودها الغربية (فنلندا السويد).

وكان نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف قد كشف في وقت سابق من أيار/مايو، أن موسكو تسعى لإقناع أنقرة بإعادة فتح مجال تركيا الجوي أمام الطائرات الروسية التي تقل عسكريين من وإلى سوريا.

وتشكل “لا مبالاة روسيا” في الملف السوري، بسبب التركيز على الصراع في أوكرانيا، حسب المصدر، فرصة تعتقد أنقرة أن عليها اقتناصها.

وبذلك، يرجح المصدر أن تكون منطقة تل رفعت، هي الوجهة الأكثر احتمالية لانطلاق المعركة، وخصوصاً أن المنطقة شكلت منصة لاستهداف الجيش التركي المنتشر في منطقة “درع الفرات”، وأدت إلى مقتل أكثر من جندي تركي مؤخراً.

وحسب المصدر، تشكل عين العرب (كوباني) حاجة تركية لوصل مناطق عملياتها العسكرية في الشمال السوري ببعضها، غير أن اعتراض الولايات المتحدة على العملية التركية، يُصعّب تنفيذ المهمة، منوهاً إلى أن أحد السيناريوهات المحتملة، هو الاتفاق على أن تكون المدينة محايدة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي أن روسيا حريصة في هذا الوقت تحديداً على إرضاء تركيا، وهي المنشغلة بخسائرها ومعاركها المتعثرة في شرق أوكرانيا.

وأبعد من ذلك، اعتبر المعراوي في حديث ل”المدن”، أن لروسيا مصلحة في شنّ تركيا عملية عسكرية في الشمال السوري، من شأنها إحداث وقيعة بين واشنطن وأنقرة، مضيفاً أن لروسيا مصلحة في معاقبة قسد ودفعها من خلال التهديدات التركية إلى حضن حليفها نظام الأسد.

ولم تُعلن روسيا حتى الآن عن اعتراضها على العملية العسكرية منذ إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 23 أيار، عزم قوات بلاده تنفيذها بهدف استكمال إنشاء المناطق الآمنة بعمق 30 كيلومتراً.

وفي أواخر نيسان/أبريل 2022، أعلنت تركيا أنها أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية التي تنقل جنوداً من روسيا باتجاه سوريا، وقال وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو إن إغلاق الأجواء أمام الطائرات الروسية جاء بالتشاور بين تركيا وروسيا، مضيفاً أن “تركيا كانت تعطي تصاريح مرور الطائرات الروسية التي تقل جنوداً لمدة ثلاثة أشهر، وأن هذه الطائرات كان لديها إذن حتى نيسان/أبريل 2022”.

——————————-

تركيا والحرب الروسية على أوكرانيا: الإمساك بالعصا من المنتصف/ نور الدين العايدي

في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها أوكرانيا والعالم، بفعل الغزو الروسي، تقف تركيا في موقف لا تُحسَد عليه. إذ أن تركيا من جهة، مشاطئة عبر البحر الأسود مع كلٍ من روسيا وأوكرانيا، وهي كذلك عضوٌ في حلف الناتو الذي قرر دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا ومقاطعة روسيا وفرْض عقوبات قاسية عليها. ومن جهة أخرى، تحصل هذه الحرب المتصاعدة بين دولتين حرصت تركيا طوال السنوات الماضية على الحفاظ على علاقات قوية متوازنة معهما. حيث تمتلك أنقرة علاقات مميزة -بل وحساسة- مع هاتين الدولتين ما يجعل خسارة أيٍ منهما، عبر الاصطفاف -العدائي- مع أحد طرفيْ الصراع، تهديدًا حقيقيًا لمصالح تركيا.

لذلك ومع تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا في الأشهر الماضية حاولت استغلال علاقاتها الجيدة مع الطرفيْن للوساطة،[1] لكن هذه المحاولة لم تنجح في ظل رفضٍ روسيّ متكرر.

خلال زيارة لكييف مطلع شهر شباط المنصرم، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا لا تريد حربًا بين روسيا وأوكرانيا وأن حربًا كهذه «ستكون نذير شؤم على المنطقة». ومع بدء الغزو، جدد أردوغان التعبير عن موقف تركيا المبدئي الداعم لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها ونضالها لحماية استقلالها مؤكدًا على رفضه للهجوم الروسي «غير المقبول» داعيًا روسيا إلى العودة إلى «الحوار والدبلوماسية».

في المقابل، سعت تركيا للمحافظة على خط رجعة مع روسيا من خلال تجنب المواقف العدائية تجاهها، فكانت الدولة الوحيدة، العضو في الناتو، التي لم تُغلق مجالها الجوي في وجه الطائرات الروسية، كما رفضت المشاركة في العقوبات الغربية عليها، إذ رأت أنها «ستضر تركيا أكثر من روسيا».

هذا «التوازن» في العلاقات التي تعمل تركيا لأجل الحفاظ عليه، لخصه أردوغان بالقول: «تركيا لن تتخلى عن روسيا ولا عن أوكرانيا»، في سياسة يمكن لنا أن تسمى بسياسة إمساك العصا من المنتصف.

علاقات روسية تركية متشابكة

تعود جذور هذه السياسة التركية تجاه الأزمة إلى تشابك وتعقيد علاقاتها مع طرفي الصراع.

اقتصاديًا، نمت العلاقات الروسية التركية بشكل مستمر خلال السنوات الفائتة، فمثلًا في عام 2020 بلغ حجم التعاملات التجارية بين الطرفين أكثر من 20 مليار دولار، منها قرابة 15.7 مليار واردات و5.1 مليار صادرات تركية. أمّا في عام 2021 فلقد حطم البلدان أرقامًا قياسية جديدة، حيث بلغ حجم التعاملات التجارية بينهما قرابة 35 مليار دولار، منها 29 مليار دولار واردات و5.5 مليار دولار صادرات تركية، لتحتل روسيا حينها المرتبة الثانية بعد الصين كأهم شريك تجاري لتركيا بنسبة 10.4% من المجموع الكلي للواردات التركية.

كما أن روسيا، وعلى مدى السنوات الفائتة، كانت أهم مورّد للغاز الطبيعي إلى تركيا الفقيرة بموارد الطاقة، فبلغت حصة الغاز الروسي من واردات الغاز التركية الكلية عام 2020 نسبة 33.6% أمّا عام 2021 فارتفعت النسبة لتصل 44%. كما أن مرور الغاز الروسي في تركيا، عبر خط أنابيب «ترك ستريم» عام 2020، وهو خط ينقل الغاز من روسيا عبر البحر الأسود إلى تركيا ثم إلى أوروبا، قد عزّز من المكانة التركية في سوق نقل الطاقة إلى أوروبا.

إضافة إلى الغاز، تستورد تركيا العديد من المنتجات الزراعية من روسيا، وفي 2021 كانت تركيا المستورد الأكبر لهذه المنتجات من روسيا إذ تستورد منها احتياجاتها الأساسية من البقوليات والشعير وزيت عباد الشمس، لكن أهم ما تستورده زراعيًا هو القمح بلا شك، إذ وبسبب الجفاف والصناعات التصديرية تعتمد تركيا بشكل كبير على الخارج في تلبية احتياجاتها من القمح حيث استوردت عام 2021 ما نسبته 78% من هذا المنتج الأساسي من روسيا. وعلى الجهة الأخرى تعتبر روسيا أيضًا أهم مستوردي الخضروات والفواكه التركية حيث حطمت عام 2021 رقمًا قياسيًا جديدًا، لتبلغ ما يزيد عن ثلاث مليارات دولار بحصة تزيد عن 32% من الصادرات التركية الكلية في هذا المجال.

تعتبر السياحة أحد أهم المجالات الاقتصادية في تركيا خاصة وأن عائداتها تشكل ما نسبته 5% من الاقتصاد التركي الكلي، كما وتعتبر أحد أهم مصادر العملات الصعبة التي تحتاجها تركيا في شتى المجالات لا سيما في ظل تدهور العملة المحلية. وفي السنوات الأخيرة احتل السياح الروس المرتبة الأولى بين أكثر السياح زيارة لتركيا، وقد وصل عدد السياح الروس في تركيا عام 2019 قرابة سبعة ملايين سائح بنسبة تزيد عن 15% من مجموع السياح الأجانب الكلي.

كما ويمتلك القطاع الخاص التركي استثمارات ضخمة في روسيا حيث تعمل -بحلول عام 2022- أكثر من 3 آلاف شركة تركية في قطاعات الاقتصاد الروسي المختلفة لا سيما في قطاع الإنشاءات، حيث بلغ عدد المشاريع التي تولتها الشركات التركية في السنوات الأخيرة أكثر من 150 مشروعًا في مختلف أنحاء روسيا بقيمة بلغت قرابة 22 مليار دولار.

وتتشابك العلاقات بين البلدين، كذلك، سياسيًا وعسكريًا، حيث يتواجهان بأشكال مختلفة في العديد من الساحات في المنطقة والعالم خاصة في سوريا وليبيا وقاراباخ وغيرها، ما يفرض عليهما -خاصة تركيا- الحفاظ على خط رجعة في علاقاتهما رغم كل الخلافات. فمثلًا عند تناول علاقاتهما في سوريا، يحاول الطرفان حفظ مصالحهما وتقوية نفوذهما من خلال العديد من الآليات الدبلوماسية لتقليل صداماتهما على الأرض مثل مباحثات أستانة والقمم الثلاثية الروسية التركية الإيرانية.

رغم الترابط الاقتصادي بين الطرفين إلا أن الاشتباك السياسي بينهما أثبت بالتجربة هشاشة هذا الترابط. وربما يمكن النظر إلى أزمة إسقاط الطائرة الروسية[2]عام 2015 دليلًا على ذلك، حيث توعدت روسيا تركيا «بتدفيعها ثمنًا باهظًا»، لتفرض إثر هذه الأزمة عقوبات متنوعة على تركيا. إذ وإضافة إلى تقييد عمل الشركات التركية في روسيا خاصة في مجال الإنشاءات، منعت استيراد بعض الفواكه والخضروات من تركيا لتتراجع صادرات تركيا إليها عام 2016 إلى حوالي 1.7 مليار دولار فقط. كما علقت روسيا حينها العمل في مشروع (ترك ستريم). ودفعت نحو تقييد حركة السياحة الروسية إلى تركيا لينخفض عدد السياح الروس في تركيا عام 2016 إلى أقل من مليون سائح بعوائد لم تتجاوز 478 مليون دولار ذلك العام.

كما تخشى تركيا أن تؤدي أي انتكاسة في العلاقات مع روسيا إلى زيادة الضغط عليها، ليس فقط من خلال زيادة استهداف القوات التركية في سوريا، بل وأيضًا من خلال الضغط الروسي العسكري على مناطق المعارضة في إدلب ما قد يؤدي إلى موجة هجرة جديدة ترى تركيا أنها غير قادرة على تحملها، خاصة في ظل أزمتها الاقتصادية. كما تخشى من دعم روسيا للقوى الكردية في سوريا، دعمٌ قد ينتقل من كونه سياسيًا ليصير عسكريًا، وهو ما يعتبر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ويرى العديد من المنظرين الأتراك أن إسقاط حزب العمال الكردستاني مروحية تركية في أيّار 2016 بعد أشهر من أزمة الطائرة الروسية بصاروخ إيغلا روسي الصنع هو رسالة روسية غير مباشرة.

علاقات أوكرانية تركية متشابكة كذلك

أمّا الأسباب التي تمنع تركيا من التخلي عن أوكرانيا فهي متنوعة أيضًا. فإضافة إلى الرغبة التركية بالحفاظ على تكاملها مع معسكر الناتو الداعم لأوكرانيا، تمتلك تركيا وأوكرانيا ذات الأقلية التركية-التترية علاقات مميزة وواعدة إلى درجة يمكن فيها مثلًا لمواطني البلديْن عبور الحدود بالهوية الوطنية فقط منذ عام 2017. وتعتبر تركيا رابع أكبر شريك تجاري لأوكرانيا ففي 2021 بلغت الصادرات التركية إلى أوكرانيا قرابة الثلاث مليارات دولار، والواردات قرابة أربع مليارات دولار ونصف. وتحتل أوكرانيا منذ سنوات المرتبة الثانية بعد روسيا بين أهم موردي القمح إلى تركيا حيث استوردت الأخيرة منها عام 2021 ما نسبته 12% من المجموع الكلي لواردات القمح.[3]

تعتبر تركيا كذلك من أهم الوجهات السياحية لمواطني أوكرانيا، حيث زاد عددهم عام 2021 على المليوني سائح، وهو رقم قياسي بالنسبة للعلاقات بين البلدين حيث احتلوا المرتبة الثالثة بين أكثر السياح زيارة لتركيا في هذا العام.

تعمل في أوكرانيا أكثر من 700 شركة تركية من القطاع الخاص خاصة في مجال الإنشاءات، إذ كانت أوكرانيا عام 2020 ثاني أكثر دولة يفوز فيها متعهدو البناء الأتراك بمناقصات في الخارج. كما وتولّت الشركات التركية العاملة في أوكرانيا في السنوات الثلاثة الأخيرة أكثر من خمسين مشروعًا بقيمة تزيد عن ثلاث مليارات دولار.

تركيا وأوكرانيا والصناعات الدفاعية

تُشكّل الصناعات الدفاعية أحد أهم أبواب التعاون بين تركيا وأوكرانيا حيث تعتبر الأخيرة أحد أبرز مستوردي الأسلحة التركية. تصدّر تركيا إلى أوكرانيا الطائرات المسيّرة[3] والزوارق البحرية إضافة إلى أنظمة الصواريخ والذخيرة الذكية. لكن العلاقة بين البلديْن في مجال الصناعات الدفاعية انتقلت من طور البيع والشراء إلى طور الشراكة في التصنيع من خلال اتفاقيات رسمية عبر الدمج بين التكنولوجيا التركية وقدرة أوكرانيا التصنيعية خاصة في مجال تصنيع المحركات بمختلف أنواعها كما حصل في عملية تصنيع مروحيات تركية بمحركات أوكرانية. شكّل هذا التعاون مصدرًا للسلاح والتكنولوجيا الدفاعية بالنسبة لأوكرانيا، وبوابة لتركيا لتطوير صناعاتها الدفاعية وتجاوز الحظر الذي فرضته عليها بعض الدول الغربية في مجال الصناعات الدفاعية.

وفي السياق نفسه صرّحت الشركة الوطنية الأوكرانية لتجارة الأسلحة عام 2020 عن رغبتها بالإنتاج المشترك لمسيّرات «بيرقدار تي بي 2» المسلّحة في أوكرانيا مشيرةً إلى أن الجيش الأوكراني يخطط لشراء 48 مسيّرة مسلحة عبر الإنتاج المشترك. كما أعلنت أوكرانيا قبيل زيارة الرئيس أردوغان الأخيرة إلى كييف، قبل الحرب بأسابيع، عزم الطرفين بناء مصانع للطائرات المسيّرة التركية في أوكرانيا. تتعاون شركات الصناعات الدفاعية التركية والأوكرانية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة كما هو الحال في التعاون بين شركة «بايكار»[4] التركية المشهورة بطائرات «بيرقدار تي بي 2» المسيّرة وشركة موتور سيش الأوكرانية لتصنيع محرّكات للطائرات المسيرة.

انتقدت روسيا هذه العلاقة الوثيقة في مجال الصناعات الدفاعية لا سيما الطائرات المسيرة، حيث رأت فيها أحد عوامل «زعزعة الاستقرار» بعد استخدام أوكرانيا لهذه المسيرات في الصراع في شرق أوكرانيا عام 2021 لترد تركيا بأن السلاح الذي يباع «يصبح ملك الدولة التي اشترته» في رفضٍ صريح لأي مسؤولية عن استخدام هذه الأسلحة. وقد هددت روسيا حينها بأنها ستعيد النظر في علاقات التعاون العسكري والتقني مع تركيا حال استمرت الأخيرة ببيع المسيرات إلى أوكرانيا.

ومنذ بداية الحرب تنشر القوات المسلحة الأوكرانية وبشكل احتفالي فيديوهات لضربات المسيّرات التركية ضد الجيش الروسي على وسائل التواصل الاجتماعي.[5] كما وصرّح وزير الدفاع الأوكراني في اليوم السادس للحرب بأنهم يتلقون المزيد من السلاح التركي وأن مسيّرات تركية جديدة وصلت ودخلت الخدمة، وقد تجنبت وزارة الدفاع التركية التعليق على هذه التصريحات مؤكدةً أن تركيا «تتابع إرسال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة وتعمل على إحلال السلام فيها». ويرى البعض في هذه التصريحات والتركيز الأوكراني على إبراز الدعم التركي العسكري محاولة متعمدة لإجبار تركيا على ترك سياسة الحفاظ على علاقاتها مع الطرفين واتخاذ موقف أكثر حدة تجاه روسيا.

خاتمة

أعادت الحرب بين دولتين مطلّتين على ساحل البحر الأسود المضائق التركية إلى الواجهة. إذ برزت منذ اليوم الأول للحرب أهمية هذه المضائق ما جعلها نعمة ونقمة. نعمةً لأنها تذكير لمختلف الأطراف في المنطقة والعالم بالأهمية الاستراتيجية لتركيا ونقمة من حيث كونها تشكّل عامل ضغط إضافي على تركيا للوقوف العملي مع أحد طرفي الصراع.

طلبت أوكرانيا من تركيا منذ اليوم الأول للحرب إغلاق المضائق في وجه السفن الحربية الروسية. طلبٌ قابلته تركيا بالصمت خلال الأيام الأولى، لتعود لاحقًا لنفي إغلاقها للمضائق أمام إلحاح وتصريحات الرئيس الأوكراني الملتبسة. لكن ومع التطورات الميدانية المتصاعدة في أوكرانيا قررت تركيا أن هذه الأزمة حرب وليست عملية عسكرية محدودة أو مؤقتة وبذا يحق لها تفعيل بنود اتفاقية مونترو الناظمة للملاحة في المضائق التركية. فأعلنت رسميًا إغلاق مضائقها أمام السفن الحربية الروسية في خطوة تبدو للوهلة الأولى دعمًا عمليًا لأوكرانيا لكنها في الحقيقة خطوة رمزية، وتضامنية على أبعد تقدير، ومنسجمة بالكامل مع سياسة تركيا في الحفاظ على علاقاتها مع طرفي الصراع. إذ أن ما يجعل هذه الخطوة رمزية هو أن اتفاقية مونترو وإن نصت على منع السفن الحربية للدول المتحاربة من المرور عبر المضائق خلال الحرب إلا أن مادتها التاسعة عشر تحتوي استثناءً يسمح للسفن الحربية التي انطلقت من موانئ البحر الأسود بالعودة إلى موانئها الأصلية ما يتيح لسفن أسطول البحر الأسود الروسي العودة إلى موانئها. وقد أكدت تركيا على أن هذا القرار يأتي في سياق المساعي التركية لخفض التصعيد في أوكرانيا ليعلق السفير الروسي في أنقرة على هذا القرار بقوله إن موسكو «تتفهم إغلاق تركيا مضائقها وفق اتفاقية مونترو».

 حتى الآن، تحافظ تركيا على موقف متوازن وحذر من هذه الأزمة. لكن استمرارها، حتى وإن نجح الساسة الأتراك -بمعجزة- في السير على الخيط الرفيع بين طرفيها، يضر بتركيا ومصالحها في قطاعات أساسية متنوعة مثل الطاقة والسياحة والمنتجات الزراعية. إذ أن ارتفاع أسعار منتجات أساسية مثل البترول والغاز والقمح عالميًا يزيد الضغط على الاقتصاد التركي الذي يعاني أصلًا من أزمة خانقة تتجلى في تدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم لنسبٍ قياسية. وبالمحصلة، يمكن وصف السياسة التركية الحالية تجاه هذه الأزمة بالحياد في صف أوكرانيا، لكونها في الأساس ترتكز على دعم أوكرانيا رسميًا ودبلوماسيًا دون إحراق الجسور مع روسيا عمليًا. سياسة، وفي ضوء المعطيات الداخلية والخارجية، تبدو سياسةً اضطرارية تسعى تركيا للالتزام بها مهما كان الثمن.

———————————

الأحزاب الصغيرة وتأثيرها على الخريطة السياسية في تركيا/ محمد نور فرهود

ربما الكثيرون لا يعرفون أن الحياة السياسية في تركيا تعج بـ 124 حزباً سياسيّاً نشطًا، وفق المصادر الرسمية

، وهو رقم كبير في الحقيقة فضلًا عن أنه مؤشر على وجود ديمقراطية معقولة في هذا البلد، ومع ذلك فلا يمكن القول إن جميع هذه الأحزاب فاعلة ومؤثرة، فهناك أحزاب كبيرة تتحكم بالمشهد السياسي القائم، وأخرى صغيرة تأخذ دور المساعد.

من جهة أخرى، هناك أحزاب برلمانية وأحزاب غير برلمانية، والحزب البرلماني هو الذي حصل على 10% وأكثر من مجمل الأصوات في آخر انتخابات برلمانية جرت منتصف 2018، وهذه الأحزاب هي: “العدالة والتنمية” الحاكم، وحليفه “الحركة القومية”، و”الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة، وحليفه “الجيد”، إضافة إلى حزب “الشعوب الديمقراطي”.

ما عدا ذلك، هناك أحزاب لم تحصل على 10% بالفعل، لكنها تتمتع بمقعد أو مقعدين داخل البرلمان، عن طريق “المصادفة”، مثل أن يكون برلماني انشق عن أحد الأحزاب البرلمانية المذكورة، ثم انتقل لحزب جديد أو أسس حزبًا، وبذلك يحق له الاحتفاظ بمقعده، مثل أوميت أوزداغ مؤسس حزب “النصر” على سبيل المثال، حيث انشق عن حزب الجيد ليؤسس حزبه الخاص ويحتفظ بمقعده البرلماني دون عائق.

هذه المقدمة مهمة للإلمام بعوامل القوى التي يمكن أن يتمتع بها أي حزب، ولا يبقى الأمر عند حدود ذلك بالطبع، فهناك أحزاب “صغيرة” تتمتع بقوة ما لكن عبر الاعتماد على أحزاب كبيرة، مثل حزب “السعادة” المحافظ الذي أسسه الراحل نجم الدين أربكان، ويقوده اليوم تمل كارامولا أوغلو، وهو يتمتع بحضور على المشهد السياسي، استناداً إلى شريحته المحافظة من جهة، وتحالفه مع الشعب الجمهوري والجيد من جهة أخرى.

الأحزاب الصغيرة المؤثرة

موضوعنا الرئيسي هو الأحزاب الصغيرة، وعوامل القوى التي يمكن أن تتمتع بها، ودورها في الحياة السياسية، والأهم من ذلك مدى انعكاس ذلك على المستقبل القريب، وأتحدث هنا عن الانتخابات المقبلة منتصف 2023.

لكن قبل أن ندخل في صلب الموضوع، علينا معرفة من هي تلك الأحزاب المقصودة بـ”الصغيرة”؟

بين عشرات الأحزاب السياسية الموجودة والتي لا يعرف معظمها حتى الأتراك أنفسهم، تبرز أحزاب صغيرة رئيسية، هي:

– (حزب السعادة – الحزب الديمقراطي؛ وهما حليفان للشعب الجمهوري والجيد ضمن تحالف رباعي برز في انتخابات 2018).

– (حزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو – حزب الديمقراطية والتقدم بقيادة علي بابا جان؛ وهما حزبان منبثقان عن العدالة والتنمية الحاكم).

– حزب “وطن” بقيادة محرم إنجة المرشح الرئاسي عن المعارضة في 2018 (منشق عن الشعب الجمهوري).

– حزب “النصر” بقيادة أوميت أوزداغ المنشق عن حزب الجيد.

– حزب “الرفاه مجدداً” بقيادة فاتح أربكان نجل الراحل نجم الدين أربكان (منشق عن حزب السعادة).

– حزب “الاتحاد الكبير” حليف للعدالة والتنمية الحاكم.

يمكن القول إن هذه أهم الأحزاب الصغيرة التي تلعب دوراً ما في الحياة السياسية، لكن علينا معرفة أن كل حزب منها لا يتجاوز في النهاية نسبة 1%، ناهيك عن أن حزبي السعادة، والاتحاد الكبير، هما الوحيدان اللذان يصلان لهذه النسبة، أما باقي الأحزاب فمن الممكن أن يصل كل واحد منها حتى إلى 0.5% لا سيما أنها لم تخض أي انتخابات بعد.

عوامل قوة الأحزاب الصغيرة ودورها الموجود

تختلف عوامل القوى من حزب لآخر. وبحسب المشهد السياسي الموجود؛ نجد أن أهم عنصر يغذي تلك الأحزاب هو: وجودها ضمن تحالفات سواء تحت مظلة الحزب الحاكم أو المعارضة، مثل الحزب الديمقراطي المعارض على سبيل المثال، و”الاتحاد الكبير” المؤيد للحكومة كمثال آخر.

في هذه الحالة، لو نظرنا لهذا النوع من الأحزاب فلن نجد له قاعدة انتخابية رصينة، إلا أنها تستفيد من اصطفافها بجانب حزب كبير، بغية تحصيل مكاسب مثل الحصول على مقعد برلماني، أو رئاسة بلدية، من خلال دخول الانتخابات تحت جناح الحزب الكبير.

ثانياً، يأتي عنصر الأيديولوجيا، وهنا يبرز حزب السعادة المحافظ، فهو يتمتع بتركة ثمينة خلّفها الراحل أربكان معلّم الرئيس التركي أردوغان، إلى جانب حزب “الرفاه مجدداً” الذي أسسه نجل أربكان نفسه.

وفي هذه الحالة، يحاول الحزب الحفاظ على قاعدته الانتخابية المؤدلجة، والاعتماد عليها في استقطاب أصوات من الشرائح الشبيهة، فمثلاً بينما يحاول السعادة سحب أصوات ناقمة من شريحة العدالة والتنمية، نجد أن الرفاه مجدداً يحاول سحب الأصوات نفسها من دائرة حزب السعادة.

ثالثاً، يأتي عنصر المناكفة، والمقصود بذلك الأحزاب التي انبثقت عن قواعد انتخابية كبرى سواء حاكمة أو معارضة، مثل حالتَي “المستقبل” بقيادة داود أوغلو، و”الديمقراطية والتقدم” بقيادة بابا جان، وكلاهما شغلا مناصب عليا في حكومات العدالة والتنمية، وكان من أصدقاء أردوغان المقرّبين. وفي هذا الإطار أيضاً يأتي حزب “وطن” بقيادة محرم إنجة، الذي انبثق عن الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، إثر خلافات مع رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو.

في هذا النوع، نجد أن عامل الأمان غير متوفر في هذه الأحزاب، فهي لا تضمن مستقبل غدها، لعدم وجود قاعدة واضحة، حتى ولو اعتقد بعضهم أن علي بابا جان مثلاً يحظى بفرص كبيرة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية على اعتبار أنه رجل اقتصاد برز اسمه في نهضة تركيا الاقتصادية في العقد الأول من القرن الجاري؛ إلا أن الأرقام والواقع يخبراننا بعكس ذلك، فهو لا يتمتع بشريحة أصوات معتبرة من جهة، كما أنه فشل إلى الآن في استقطاب كتل مؤثرة من العدالة والتنمية مثل برلمانيين أو رؤساء مقاطعات وما شابه، فضلاً عن وجود زعزعة داخل البيت الداخلي لحزب بابا جان ذاته، ومن حين لآخر نسمع بخروج بعض الأسماء من حزبه.

وفي هذا النوع أيضاً، يبرز عامل المعارضة لأجل المعارضة، أو لنسمّها بـ”المناكفة”، مثل أحمد داود أوغلو الذي يبدو منزعجاً من تهميشه داخل العدالة والتنمية -بغض النظر عن أحقية مطالبه أو لا-، وكمثال آخر، محرم إنجة الذي حاول جاهداً تسلّم زمام الشعب الجمهوري والتغلب على منافسه كليتشدار أوغلو، لكن حينما عجز عن ذلك لجأ إلى تأسيس حزب جديد.

رابعاً: عنصر الشعبوية، وهو أسوأ الأنواع وأخطرها، ولا شك أن عرّاب هذا المجال هو المدعو أوميت أوزداغ، من دون منازع، فهو على أرض الواقع لا يمتلك برنامجاً سياسياً شاملاً أو واضح المعالم والأطر، سوى التركيز على قضية واحدة هي اللاجئون على اعتبار أن رحيلهم يمثل الحل السحري لمعالجة جميع مشكلات وأزمات تركيا.

كأي حزب صغير، يشعر أوميت أوزداغ بالتعطش لوجود عصا سحرية يعلق عليها كل خطاباته من أجل حشد أصوات لحزبه، وهي حركة ذكية وماكرة بآن واحد. كلّ حزب جديد يحتاج لشريحة أساسية يدخل بها الانتخابات، لكن أوزداغ صاحب الخلفية القومية المتطرفة، يصرّ على تحصيل مكاسبه من خلال عداوة اللاجئين والعرب.

التأثير على المستقبل السياسي

لا أقلّل من أهمية تعدد الأحزاب حتى ولو وصلت للمئات، فهي مؤشر إيجابي على ازدهار الديمقراطية في أي بلد، لكن المشهد الموجود في تركيا هو رهن أصحاب القرار في الأحزاب الكبرى أي البرلمانية.

أما الأحزاب الصغيرة المتحالفة معها أو المستقلة عنها، فلا أعتقد أن يكون لها تأثير يذكر في الانتخابات المقبلة، حتى إن الرهان على “الطاولة السداسية” التي تجمع اليوم بين 6 أحزاب معارضة، يعتبر غير مضمون، لا سيما أنها لا تزال متنازعة حول من سيكون المرشح الرئاسي أمام أردوغان.

من جانب آخر، كل هذه الأحزاب الصغيرة داخل “الطاولة السداسية” إلى جانب حزب الجيد البرلماني، لا يعادلون مجتمعين أصوات حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، وبالتالي فنحن أمام مشهد ضبابي لا تحظى فيها الأحزاب الجديدة بموضع، سوى في المناكفة التي تخدم ربما فقط رواد مواقع التواصل لملء وقت الفراغ بمتابعة مسلسل طويل من الأخذ والرد بين تلك الأحزاب.

تلفزيون سوريا

————————–

استغلال تركيا وإيران وإسرائيل حرب أوكرانيا/ عبدالوهاب بدرخان

شكّل التدخّل في سوريا تمدّداً روسياً لوراثة النفوذ الأميركي تدريجاً في الشرق الأوسط، وفيما موسكو استخدمت دورها السوري لشراكات شتّى مع دول عربية في المنطقة، كذلك مع تركيا وإيران وإسرائيل، إلا أن بوصلتها الاستراتيجية ظلت متجّهة نحو الغرب، تحديداً أوكرانيا، ولم تقنع أو تقتنع بسوريا كـ”تعويض” عنها. فهناك كان يقلقها زحف حلف شمال الأطلسي إلى حدودها، ومحاولته حصارها، وفرض عقوبات غربية عليها بعد ضمّها شبه جزيرة القرم (2014).

أما في الشرق فلم تجد روسيا أي مصدر للقلق، وبعدما تعرّضت لتحدٍّ مبكر من تركيا، سارعت إلى مقاطعتها وتهديدها، وسط صمت أطلسي وأميركي، وما لبثت أن احتوتها ثم مكّنتها، في إطار “تفاهم” مع الأميركيين، من إنشاء منطقة نفوذ في شمال سوريا. هذا “التفاهم” مرّ بتقلّبات عدة، ويدخل حالياً مرحلة تجاذب بفعل احتدام الصراع الأميركي – الروسي، وسعي تركيا إلى توسيع “المنطقة الآمنة”، مستغلّةً رغبة الدولتين في استمالتها على خلفية حرب أوكرانيا.

لم تتأخّر روسيا، وسط انشغالها بترتيب انتشارها في سوريا (خريف 2015)، في الاتفاق على قواعد اللعبة مع إسرائيل، إذ منحتها بموجبه “حق التدخّل”، تحديداً ضدّ الوجود العسكري الإيراني في سوريا. كان “أمن إسرائيل” نقطة التوافق الوحيدة المعلنة بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب (قمة هلسنكي 2018)، مع أن الرئيس الروسي كان يبحث عن تحريك ما لملف الخلافات مع الأطلسي وعن تنازلات ما في ملف أوكرانيا، إلا أنه لم يجد لدى نظيره الأميركي استعداداً لتنفيذ وعود أطلقها خلال حملته الرئاسية وحاول فعلاً تنفيذها بالضغط على الشركاء الأوروبيين في “الناتو”، لكن غرق ترامب داخلياً في قضية التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية حال دون تطوير العلاقة بين واشنطن وموسكو، اللتين حافظتا على “تفاهمات” في سوريا وغيرها، وأهمها التنسيق العسكري والاستخباري بين روسيا وإسرائيل الذي يؤكّد الطرفان أنه مستمرّ على رغم المؤشرات إلى احتمال تغيير في تطبيقاته، فثمّة جوانب غموض طرأت على علاقتهما بسبب حرب أوكرانيا.

لم تكن واضحة دائماً طبيعة الاتفاقات التي تحكم العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا. حصلت خلافات ولم تتطوّر أو تصل إلى حدّ الصدام، لكن معادلة “الجوّ للروس والأرض للإيرانيين” ظلّت سائدة واستطاعت تنظيم حركة الطرفين وعملياتهما واستقطاباتهما لقوات النظام. حرصت طهران على إشهار أن قاسم سليماني هو مَن أقنع موسكو بالضرورة الملحّة لتدخّلها، لأن سقوط نظام بشار الأسد يُسقط مصالحها أسوةً بما حصل في ليبيا، وتبيّن سريعاً أن التدخل الروسي شكّل مظلّة لتكثيف الوجود الإيراني ومضاعفة حجم الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات، إلى جانب توسيع النفوذ الإيراني المدني في مناطق كحلب وحماة، وقد ساهم الروس في طرد المعارضة السورية منها.

الأكثر التباساً كان تعايش الإيرانيين مع ضرب مواقعهم بتنسيق علني بين الروس والإسرائيليين، والأكيد أنهم نالوا في المقابل موافقات روسية على إقامة بنى عسكرية حصينة في مناطق عديدة، بات اليوم أبرزها في الشمال الشرقي (على تواصل مع غرب العراق) كما في الجنوب (“كتائب الإمام” على تماس مع الإسرائيليين في الجولان). رفض الروس إقامة أي قاعدة إيرانية على ساحل المتوسّط، لكن المؤكد أنهم يجرون حالياً انسحابات من مناطق داخلية لا يلبث الإيرانيون أن يملأوا الفراغ فيها، بموافقة روسية. وقد أوضح سيرغي لافروف أنه “لم تعد هناك مهمات عسكرية لروسيا في سوريا”.

دفع الحدث الأوكراني تركيا وإسرائيل وإيران الى محاولة تحسين مواقعها في الإقليم، إمّا باستغلال الانشغال الدولي بالأزمة الأكبر، أو بالمراهنة على التغيير المفترض في حال استمرار الانكفاء الأميركي أمام “انتصار” روسيا، وبالتالي الصين.

تستعدّ تركيا لشن عملية جديدة في شمال سوريا، مستندة إلى حاجة الأميركيين والروس إليها، وإلى خطّتها لإعادة مليون لاجئ سوري وإسكانهم في “المنطقة الآمنة”، وهذه خطّة تتماشى عملياً مع الأهداف الدولية البعيدة المدى في سوريا، لكن هذه الأهداف مرشّحة لأن تتغيّر، لأن رفض الوجود الأميركي في الشمال الشرقي يجمع بين روسيا وإيران ونظام الأسد، كما أن الأطراف جميعاً تحاول اجتذاب ورقة الأكراد الذين يريدون الاحتفاظ بمناطق سيطرتهم ولا يثقون بأي طرف، فيما يخشون أن يُتركوا وحدهم في مواجهة الأتراك.

أما إسرائيل فترى في الانشغال الدولي بأوكرانيا غطاءً مناسباً للذهاب إلى أبعد في الضغط على الفلسطينيين، سواء بتوسيع مشاريع الاستيطان (آخرها التمهيد للاستيلاء على محمية عين العوجا الطبيعية في أريحا/ 22 دونماً) أو باستخدام القوّة لفرض سيادتها على أماكن العبادة والمقدسات في القدس، مقتربة، باعتراف أعضاء يهود في الكنيست، من تفجير “حرب دينية”. وفيما تعارض إسرائيل إعادة إعمار ما دمّرته في غزة (حرب 2021) وتمعن في عنفها المفرط في أرجاء الضفة الغربية، فإنها تستجيب لتقارب تركيا معها وتحاول الترويج لمشروع أمني ضد إيران بمشاركة “دول في المنطقة”، أي دول عربية، لكن مع استمرارها في تجاهل إصرار السعودية ومصر والأردن والاتحاد الأوروبي، وإلى حدّ ما الولايات المتحدة، على ضرورة معالجة “الجانب السياسي” من النزاع مع الفلسطينيين.

لم تترك إيران أي غموض يكتنف اصطفافها مع روسيا في أوكرانيا ومع الصين في تايوان وضد الغرب و”الشيطان الأكبر” الأميركي، وتعتبر أن رياح “النظام الدولي الجديد” تدفع باتجاه تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وأهمها أن يكون لها موقع رئيسي في أمن المنطقة، بالاعتماد على ميليشياتها، وأن يُعترف بنفوذها في أربع دول عربية وأكثر.

ساهمت حرب أوكرانيا في تأخير التوصّل إلى الاتفاق النووي الجديد، وإذ تصرّ طهران على شروطها، فإنها لم تعد متعجّلة إنجازه حتى لو بقيت العقوبات مفروضةً عليها. ومع الاحتجاز الأميركي لناقلة نفط إيرانية في اليونان وردّ “الحرس الثوري” باحتجاز ناقلتين يونانيتين في مياه الخليج، كذلك بعد اغتيال إسرائيلي مفترض لأحد ضباط “فيلق القدس” في طهران والهجوم على منشأة بارشين واستمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا، ازدادت أخيراً مؤشّرات التصعيد في الشرق الأوسط.

وما دامت العقوبات لم تُرفع، فإن إيران تواصل تطوير قدراتها النووية، ما يعزّز احتمال تدخل عسكري ضدّها، بما قد يستجرّه من إشعالٍ لجبهات لبنان وسوريا مع إسرائيل، ومن اندفاع في العراق وشمال شرقي سوريا إلى “طرد الأميركيين”، ومن هجمات حوثية ضد السعودية أو غيرها من دول الخليج.

النهار العربي

————————-

هل تنوي تركيا القيام بعملية عسكرية جديدة في سوريا؟/ عمر أنهون

هيمنت الحرب في أوكرانيا على الأجندة السياسية الدولية، ومع ذلك، يشهد الملف السوري نشاطاً كبيراً هو أيضاً. ففي الآونة الأخيرة، تصدرت عناوين الصحف تصريحات الرئيس إردوغان في 23 مايو (أيار)، بأن تركيا في طريقها لإجراء عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا. ولم يحدد الرئيس التركي موعد انطلاق العملية؛ لكنه أشار إلى منطقة أمنية عمقها 30 كيلومتراً من الحدود مع سوريا، وأكد أن الهدف سيكون تأمين الأماكن التي لم تتمكن القوات التركية من السيطرة عليها خلال العمليات العسكرية السابقة.

وأفاد مسؤولون أتراك بأن هذه المناطق يجري استخدامها من قبل «وحدات حماية الشعب» لشن هجمات. والآن، يتركز الجدل حول ما إذا كان إردوغان ينوي حقاً التحرك، أم أنه يمارس المناورة فحسب.

جدير بالذكر هنا أنه في بداية الأزمة في سوريا عام 2011، عملت تركيا على تحقيق مصالحة بين الأسد وخصومه، ثم تحولت إلى موقف مناهض للأسد بشدة. وفي مواجهة التهديدات والتحديات شديدة الخطورة القادمة من خارج الحدود، توصل الأتراك إلى أفكار مختلفة، مثل: «المناطق الآمنة»، و«مناطق حظر الطيران»؛ لكنهم لم يتمكنوا من إقناع شركائهم في حلف «الناتو» والدول الأخرى ذات التفكير المماثل، للمضي قدماً في تنفيذ هذه الأفكار.

بعد ذلك، اتخذت تركيا إجراءً أحادي الجانب، واستندت فيه إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (بند الدفاع عن النفس). وفي هذا الإطار، نفذت تركيا العمليات العسكرية الثلاث التالية في شمال سوريا:

– عملية «درع الفرات» في أغسطس (آب) 2016.

– عملية «غصن الزيتون» في يناير (كانون الثاني) 2018.

– عملية «نبع السلام» في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

تجدر الإشارة هنا إلى أن مساحة هذه المناطق تقدر في مجملها بحوالي 8300 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 2.3 مليون نسمة. وتخضع هذه المناطق لسيطرة «الجيش الوطني السوري»، بدعم من القوات المسلحة التركية، وتديرها مجالس محلية، والحكومة المؤقتة للمعارضة السورية، بدعم مالي وتقني جاد من جانب تركيا.

وعلى الرغم من الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة المعارضة، وبعض مزاعم سوء الإدارة والفساد، فإن هذه المناطق تعد آمنة بشكل عام، وفي حالة أفضل من المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد أو «وحدات حماية الشعب» الكردية.

من ناحية أخرى، تبدو إدلب حالة مختلفة. فهي آخر منطقة متبقية من مناطق «خفض التصعيد» التي أقرت نتيجة لاتفاق بين تركيا وروسيا في إطار عملية آستانة. وتخضع إدلب لسيطرة «هيئة تحرير الشام»، وتديرها هيئة إدارتها المدنية، «حكومة الإنقاذ الوطني». ومن المهم أن نتذكر أن «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) مدرجة على أنها تنظيم إرهابي.

وتستضيف إدلب أعداداً هائلة من اللاجئين من أرجاء أخرى من سوريا. وحول منطقة باب الهوى، المجاورة لتركيا، يعيش مليونا نازح سوري في مخيمات مؤقتة. ويبلغ إجمالي عدد السوريين الذين يعيشون في الأجزاء التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» في إدلب (3100 كيلومتر مربع) حوالي 4 ملايين نسمة. وتتمركز القوات التركية كذلك في إدلب، بهدف منع الهجمات ضد المدنيين، وبالتالي منع تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى تركيا.

أما فيما يخص الاعتبارات الرئيسية لتركيا والمتعلقة بشمال سوريا، فيمكن إيجازها على النحو التالي:

– مواجهة تهديدات «وحدات حماية الشعب» و«داعش» ونظام الأسد وغيرها.

– توفير مناطق آمنة يمكن للسوريين الذين يعيشون في تركيا العودة إليها.

وفيما يتعلق باعتبارات الأمن:

– فقد تنظيم «داعش» السيطرة على أراضٍ؛ لكنه لا يزال يحتفظ بالقدرة التشغيلية والأدوات التي تمكنه من إلحاق أضرار جسيمة.

– يحتفظ الأسد بمقعده إلى حد كبير بفضل الدعم الروسي والإيراني.

– تسيطر «وحدات حماية الشعب» (الذراع السورية لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنف رسمياً كمنظمة إرهابية في عدة دول) على حوالي 23 في المائة من سوريا. وتحظى «وحدات حماية الشعب» بدعم من الولايات المتحدة وعديد من الدول الغربية، باعتبارها شريكاً إقليمياً في محاربة تنظيم «داعش» ومنظمات متطرفة أخرى. وتتولى «وحدات حماية الشعب» التي أعادت تسمية نفسها بـ«القوى الديمقراطية السورية»، إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها عبر ما تسمى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ونجحت في بناء هيكل يشبه الدولة.

ومن خلال عمليات عسكرية، كان آخرها عام 2019، تولت تركيا تأمين نصف الحدود التركية السورية (911 كيلومتراً إجمالاً)؛ لكن «وحدات حماية الشعب» لا تزال تسيطر على بعض الجيوب في البلدات والمناطق، بالإضافة إلى شرق رأس العين.

يذكر أنه في عام 2019، وقَّعت تركيا اتفاقيات منفصلة مع الولايات المتحدة وروسيا. ومع ذلك انسحبت «وحدات حماية الشعب» على نحو جزئي، إلى الجنوب من منطقة «إم 4»، ولذلك تدعي تركيا أن هذه الاتفاقات لم يجرِ تنفيذها على نحو كامل بعد.

وفيما يخص اللاجئين، أصبحت عودة أكبر عدد منهم إلى سوريا بمثابة وعد انتخابي. وأعلن الرئيس إردوغان عن مشروعات لبناء منازل من الطوب على الجانب الآخر من الحدود.

والآن: ماذا يمكن أن يكون رد الفعل المحتمل لبعض الأطراف الرئيسية تجاه عملية تركية جديدة؟

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال إن شن هجوم جديد في شمال سوريا من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي، ويضر بالحملة ضد «داعش». وتحدث السكرتير الصحافي لـ«البنتاغون» على المنوال نفسه.

وربما يكون لدى إيران التي قيل إنها توسع نفوذها في سوريا، مخاوف مماثلة تجاه تركيا فيما يتعلق بطموحات «وحدات حماية الشعب»، وستعارض عملية عسكرية تركية.

من ناحيتها، لم تعترف روسيا قط بـ«حزب العمال الكردستاني» كتنظيم إرهابي، وتربطها علاقة جيدة بـ«وحدات حماية الشعب». ومن حيث المبدأ، ستعارض موسكو هي أيضاً العملية العسكرية لتركيا؛ لكنها قد ترى في ذلك، في الوقت ذاته، فرصة لخلق انقسام بين الحلفاء الغربيين، وجذب الانتباه بعيداً من أوكرانيا، نحو مناطق أخرى.

على أي حال، تحمل سوريا أهمية كبيرة لروسيا من نواحٍ كثيرة. وربما تعيد موسكو هيكلة وجودها في سوريا؛ لكنها لن تنسحب. جدير بالذكر أن لدى روسيا قرابة 20 قاعدة داخل سوريا، أشهرها قاعدتا حميميم الجوية وطرطوس البحرية. وربما لا تضيع هذه المكاسب. أيضاً، تنظر روسيا إلى سوريا باعتبارها منطقة مهمة يمكنها من خلالها ممارسة ضغوط على دول «الناتو» التي تعارضها في أوكرانيا.

وتتمثل قضية مهمة أخرى في المستقبل القريب، في تسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي. ومن المفترض أن ينتهي سريان قرار مجلس الأمن رقم 2585 الذي ينظم هذه المساعدات بحلول 10 يوليو (تموز) 2022. وهذه المرة، صرحت روسيا بمعارضتها تمديد القرار.

ختاماً، مثلما ذكرت في بعض المقالات السابقة، لم يتبقَّ سوى عام، أو نحو ذلك، على عقد انتخابات في تركيا، ولا يمكن اعتبار أي شيء مستقلاً عن هذه الانتخابات، بما في ذلك قضايا الأمن واللاجئين المتعلقة بسوريا.

من ناحيتها، لدى تركيا مخاوف (فيما يتعلق بـ«وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني») وتشعر بأن الحلفاء خذلوها. ومن هذا المنطلق أيضاً يأتي اعتراضها على عضوية السويد وفنلندا في «الناتو». وقد يشير وجود القوات المسلحة التركية على الأراضي السورية إلى خلاف ذلك؛ لكن تركيا تدعم وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية. وقد صرحت بأنها ستغادر بمجرد زوال التهديد.

من ناحية أخرى، تدّعي الولايات المتحدة أنها تدعم وحدة أراضي سوريا، ولن تدعم الطموحات الانفصالية. إلا أن سجل الولايات المتحدة -ليس فقط في سوريا، وإنما كذلك في أفغانستان- يجعل تأكيدات الولايات المتحدة بشأن أي شيء يصعب تصديقه. في الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة تزويد «وحدات حماية الشعب» بالأسلحة والمعدات، كما تبدو الإعفاءات الأخيرة من العقوبات من قبل الولايات المتحدة شكلاً آخر من أشكال الدعم القوي.

وعلى الرغم من الصعوبات المختلفة، وخطر نشوب نزاعات جديدة محتملة مع الحلفاء الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، والدخول في مواجهة مع أطراف أخرى، لا يزال من الممكن أن تتخذ تركيا الخطوات التي تراها ضرورية.

* خاص بـ«الشرق الأوسط»

————————

البنتاجون يكشف عن موقفه من العملية العسكرية التركية المرتقبة في سوريا

قال الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، جون كيربي، إنهم قلقون للغاية، بعد أن أشار مجلس الأمن القومي التركي إلى اقتراب توغل جديد في سوريا ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقال مجلس الأمن القومي التركي في بيان بعد اجتماع استمر أربع ساعات لكبار الجنرالات برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “العمليات الحالية والجديدة التي سيتم تنفيذها تهدف إلى تطهير حدودنا الجنوبية من تهديد الإرهاب”، في إشارة إلى العمليات المستمرة في شمال العراق ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني والتخطيط لإطلاق عملية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.

تقود وحدات حماية الشعب قوات سوريا الديمقراطية، التي تساعد تحالفًا دوليًّا مشتركًا بقيادة الولايات المتحدة شكل من أجل هزيمة تنظيم داعش.

قال كيربي يوم الخميس، إن قلقهم يتعلق بسلامة السكان المدنيين في المنطقة، وتأثير التوغل العسكري على القتال ضد داعش، حيث يبتعد أعضاء قوات سوريا الديمقراطية عن عمليات مكافحة داعش في الشمال لصد التقدم التركي.

أعلن أردوغان، قبل ذلك أن تركيا تخطط لشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا لإنشاء منطقة آمنة في وتأمين الحدود الجنوبية لتركيا.

وقال أردوغان إن الهدف من العملية هو استئناف الجهود التركية لإنشاء منطقة آمنة بطول 30 كيلومترًا على طول حدودها مع سوريا.

تأتي تصريحات الرئيس التركي في وقت تعترض فيه تركيا على عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي، مستشهدة بالدعم المزعوم لحزب العمال الكردستاني والجماعات الأخرى التي تعتبرها تركيا إرهابية، وكذلك قرارهما بفرض قيود على المبيعات العسكرية إلى تركيا في أعقاب توغل الجيش التركي في سوريا عام 2019.

وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية فرعًا من حزب العمال الكردستاني المسلح الذي ينفذ هجمات إرهابية ضد تركيا منذ عام 1984، والذي يصنفه -إلى جانب تركيا- كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية

عندما سئل عن موقف البنتاجون من تهديد تركيا بشن عملية عسكرية جديدة ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، قال كيربي: “فيما يتعلق بتركيا، أعتقد أننا قلقون للغاية بشأن إعلان الأتراك أنهم يعتزمون زيادة نشاطهم العسكري في شمال سوريا”.

—————————–

====================

تحديث 02 حزيران 2022

———————-

العقبات التي تواجه خطة العملية التركية الجديدة في سورية/ فهيم تاشتيكين

تبرز مناطق “كوباني ومنبج وتل رفعت” في الهدف العسكري الجديد المحتمل لتركيا، ويمتلك أردوغان في “تل رفعت” الفرصة لاصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، كما يمكنه تضييق الأهداف التي يسعى لتحقيقها لتجنب التوتر مع أمريكا.

أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتمال القيام بشن عملية عسكرية تركية جديدة في سورية، محاولاً مرة أخرى الدفع لتنفيذ خطة منطقة آمنة بعمق حوالي 30 كيلومترًا (19 ميلاً) على أساس طريق M-4 في سورية الموازي للحدود التركية، وهي خطة كان عليه وضعها على الرف في تشرين الأول/أكتوبر عام2021، وذلك بعد الفشل في الحصول على الضوء الأخضر من روسيا والولايات المتحدة في حينها.

يعتقد “أردوغان”، الذي أصبح زعيماً “يُبحث عنه” في حرب أوكرانيا، أنه يستطيع الآن المضي قُدماً في سورية، دون تفويت الفرصة باستخدام “حق النقض” التركي في حلف الناتو ضد عضوية “فنلندا والسويد” كورقة مساومة.

ووفقاً لحسابات أنقرة يمكن لواشنطن أن تُذعن لتحرك تركي في سورية، لتمهيد الطريق أمام توسع تاريخي لحلف شمال الأطلسي، واعتماداً على الأهداف التي تحددها تركيا، يمكن أن تتماشى العملية مع الخطط الأمريكية لفتح جبهة ثانية لروسيا في سورية، كما تعتقد انقرة أن روسيا لن تكون قادرة على التركيز على سورية وهي منشغلة بأوكرانيا وستكون غير مستعدة لإثارة غضب تركيا التي وفرت لها شريان الحياة ضد وابل العقوبات الغربية.

هناك أيضًا جوانب من الظروف التي تواجه الجمهور المحلي: ففي الوقت الذي تحشر فيه قضية اللاجئين الحكومة في الزاوية، يروج أردوغان للعملية العسكرية ويربط بين خطة التوغل وهدف إعادة اللاجئين، ولحشد الدعم الشعبي يطرح بأن العملية العسكرية ستوفر مساحة آمنة لعودة اللاجئين بما يحقق إضعاف تركيز الجمهور على المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

وكما كانت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن الأهداف الحالية هي “تل رفعت ومنبج” غربي الفرات، و”كوباني وعين عيسى وتل تمر” في شرقي الفرات.

وتم التأكيد على أن “كوباني” بحاجة إلى “التنظيف” لأنها تفصل بين مناطق درع الفرات ونبع السلام، كما أنها تحمل أهمية رمزية كمكان يسيطر عليه “الأكراد” السوريين المنتمين إلى حزب “العمال الكردستاني”، وهي الجماعة المسلحة المصنفة على أنها “إرهابية” في تركيا، ولأنها المكان الذي أعطى فيه أردوغان الأخبار السارة بقوله “ستسقط” عندما كانت على وشك الوقوع في أيدي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في عام 2014، مما أدى إلى اندلاع أحداث 6-8 تشرين الأول/ أكتوبر وكان فيها بدء المساعدات الأمريكية لـ”الأكراد”.

وتعتبر “عين عيسى وتل تمر”، الواقعة في جنوب “تل أبيض ورأس العين”، واللتين خضعتا لعملية “نبع السلام”، مهمة لتأمين طريق M-4 وقطع الاتصال بين المناطق الخاضعة لسيطرة “الأكراد”، ولكن منذ عملية “نبع السلام” عام 2019 انتشر “الجيش السوري” في هذه المناطق في وقت كان فيه الروس حاضرين بالتنسيق والدوريات والشرطة العسكرية، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد فتحت بطريقة ما الطريق أمام تركيا بالانسحاب من “منبج والطبقة وكوباني  وعين عيسى وتل تمر” في عام 2019، ولكنها ليست في نطاق العملية العسكرية الجديدة.

وكذلك يتوقع “الأكراد” مرة أخرى موقفاً رادعاً من الولايات المتحدة الامريكية الضامن لوقف إطلاق النار الموقع في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ومن روسيا الضامن لاتفاقية “سوتشي” التي تمت بتاريخ 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

وفيما أعربت إدارة “بايدن” عن اعتراضها على العملية التركية المحتملة على أساس أن التدخل سيؤثر سلباً على جهود القتال ضد “داعش”، فإن روسيا تُعطي إشارات متناقضة مع مقاربتها لتوسيع الصدع التركي-الأمريكي، فبينما يُنظر إلى كلام وزير الخارجية “سيرغي لافروف” -الذي يبرر مخاوف تركيا الأمنية-على أنه دعم للعملية التركية يقوم الروس على الأرض بخلق أجواء معادية حيث أرسلت روسيا طائرتين حربيتين وستة مروحيات إلى مطار القامشلي، كما حلقت طائرات هليكوبتر على الخطوط الأمامية، وبالإضافة إلى مناطق “عامودا والدرباسية وكوباني” قامت روسيا بدورية مشتركة مع “سوريا” و”وحدات الحماية الشعبية” (YPG) في “الدرباسية” لأول مرة، كما ذكرت صحيفة “الوطن” -السورية- أن روسيا أرسلت قوة عسكرية قوامها عشرات الآليات إلى بلدة “الكلطة” جنوب عين عيسى، ووصفت ذلك بأنه تحذير لتركيا.

قبل اعلان “أردوغان” عن خطة العملية بقليل، كانت هنالك مزاعم بأن روسيا بدأت في الانسحاب من سورية، وأن إيران تملأ الفراغ مكانها، ولكن نفى المتحدث باسم “الجيش السوري” “عمر رحمون” المزاعم حول إخلاء مواقع روسية في “القامشلي وتل تمر وعين عيسى وحلب وإدلب”، كما أفادت الجبهة الوطنية للتحرير السورية المعارضة، بأن الجنود الروس يواصلون العمل في جميع النقاط بريف إدلب وحماة واللاذقية.

يتعين على تركيا أن تأخذ مواقف كل من روسيا وامريكا بعين الاعتبار في مناطق شرق الفرات، ولكن أمريكا قد تغض الطرف عن المناورات التركية في منطقتي “تل رفعت ومنبج” غربي النهر.

تخضع “تل رفعت” التي تسيطر على الجزء الشمالي من حلب وقاعدة “منغ” الجوية القريبة منها لسيطرة “وحدات حماية الشعب” منذ شباط/ فبراير 2016، بالتزامن مع دخول “الجيش السوري” المنطقة.

وكانت انسحبت “القوات الكردية” التي خسرت “عفرين” في 2018 إلى “تل رفعت”- ويوجد هناك حوالي 140 قرية “كردية” شمال حلب تزيد من نفوذ “وحدات حماية الشعب” في المنطقة- في ذلك الوقت اعطت روسيا الضوء الأخضر للتدخل التركي في “عفرين” ولكنها رسمت خطاً أحمر عندما تعلق الأمر بـ” تل رفعت” وبتكتيك مماثل أرسلت روسيا “الجيش السوري” إلى “ريف منبج” لوقف تركيا، وبموجب شروط اتفاق “سوتشي” بين التركية و روسيا لعام 2019 كان من المقرر نقل عناصر “وحدات حماية الشعب” وأسلحتهم إلى عمق 30 كيلومترًا بعيداً عن الحدود التركية، بالإضافة إلى إخراج “وحدات حماية الشعب” من “منبج وتل رفعت”، في وقت تُصر أنقرة على أن هذه التعهدات لم يتم الوفاء بها.

لاقت حجج تركيا بشأن “تل رفعت” تفهماً كبيراً إلى حد كبير، لكن من المرجح أن تؤدي الخطوة العسكرية على “كوباني” إلى احتجاجات دولية بسبب كثافة السكان في المدينة، وبسبب صدمات عام2014 وارتباط اسم” كوباني” بالمقاومة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وذكرت مصادر عربية أن “وحدات حماية الشعب” تحتل مواقع في قرى “سوغانكا وقنطاري وسموقة وحساجك وسد الشهباء” قرب تل رفع؛ وتشير تركيا أن “وحدات حماية الشعب” تستخدم تلك المواقع لمهاجمة القوات السورية المدعومة من تركيا في “عفرين وجرابلس وإعزاز ومارع والباب”، وتؤكد على حجتها والحاجة لعملية جديدة لمنع الهجمات على المناطق التي سيطرت عليها في عمليتي “درع الفرات وغصن الزيتون”.

يبرز سيناريوهان متباينان فيما يتعلق بـ “تل رفعت”: الأول هو أن روسيا يمكن أن تذعن لتحقيق تركية مكاسب محدودة في تل رفعت، شريطة ألا تهدد حلب من أجل إفساد العلاقات التركية الأمريكية ودفع “الأكراد” إلى دمشق.

ثانيًا، قد تفيد الاشتباكات في تل رفعت الولايات المتحدة بحيث يؤدي إلى تعطيل التقارب التركي-الروسي، ووضع روسيا في مأزق وزيادة الضغط على إدارة “الأسد”، فقد حدث سابقاً وواجهت تركيا وروسيا بعضهما البعض وقتل 34 جندياً تركياً في القصف الروسي  في العملية التي ادت لانتقال السيطرة على طريق M-5 إلى “الدولة السورية” في عام 2020.

بالنسبة “لاردوغان” تشكل “تل رفعت” هدفاً يحقق له عدة مكاسب يمكن توظيفها في نواح عديدة، حيث تحتل تل رفعت موقع مناسباً لإبقاء حلب تحت الضغط من الشمال، ولطالما كانت السيطرة الكردية على “تل رفعت” تقطع الصلة بين إدلب وقوات المعارضة في شمال حلب، إذا سيطرت تركيا عليها فإنها ستقطع تماماً وصول “وحدات حماية الشعب” إلى عفرين، وكذلك ستبقي “القوات السورية” تحت الضغط في شمال حلب، وستمهد الطريق لوحدة بين القوات التي تدعمها تركيا في إدلب وريف حلب.

 وأيضاً في حالة تغيير السيطرة على “تل رفعت” سيتم تطويق بلدتين “شيعيتين” مرة أخرى باتجاه عفرين، وهذا السيناريو يثير قلق إيران حيث يحمي “حزب الله” والمليشيات الشيعية المحلية بلدتي “نبل والزهراء” اللتين حاصرتهما القوات المدعومة من تركيا بين عامي 2012 – 2016، وكذلك يوجد “جيش سوري” في المنطقة.

والجدير بالذكر أيضاً أنه بعد إشارة تركيا إلى العمل العسكري، تحركت القوات المرتبطة بإيران حول حلب وبحسب صحيفة “القدس العربي” أجرى الحرس الثوري الإيراني تجارب على صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في جنوب “الرقة” بعد عقد اجتماع في “الميادين”، وذكرت الصحيفة أيضاً أن التدخل في “تل رفعت” سيؤثر على “نبل والزهراء” وذكّرت بالحساسيات الإيرانية.

كما ان حقيقة وجود “القوات السورية” المنتشرة في نقاط تقاطع مع “الأكراد” منذ عام 2019 تزيد من المخاطر المرتبطة بالعملية العسكرية الجديدة، وكانت كتبت وزارة “الخارجية السورية” رسالة إلى الأمم المتحدة تفيد بأن الوجود العسكري التركي وأعماله لا يمكن تحديدها إلا بالهجوم والاحتلال والتطهير الديموغرافي.

بالنظر إلى الميدان يمكن ملاحظة أن العملية تطورت في عدة اتجاهات، وبحسب مصادر عربية انتشرت مليشيات تابعة للجيش الوطني السوري في مواقع لاستهداف “كوباني ومنبج وتل رفعت” فيما استمرت الرحلات الاستطلاعية على خطوط التماس في هذه المناطق الثلاث، ووصل رتل عسكري تركي مؤلف من 56 دبابة و11 قاذفة صواريخ وعشرات الآليات المحملة بمعدات لوجستية إلى خط “منبج”.

نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 30 أيار 2022 على موقع “AL-MONITOR“

ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

فهيم تاشتيكين

صحفي تركي

——————————

ليلى محمد ومستقبل السوريين في تركيا/ بكر صدقي

أثارت جريمة التنكيل بالسبعينية السورية ليلى محمد في مدينة غازي عنتاب موجة غضب عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك فيها أتراك أيضاً إضافة إلى السوريين.

وقعت هذه الجريمة في جو سياسي محموم بين السلطة والمعارضة حيث يدور «نقاش» صاخب منذ أشهر حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مرفقاً بكمٍ كبير من الأكاذيب والتحريض الرخيص على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. القصد من هذه الإشارة هو أن جو التحريض هذا يتحمل مسؤولية مباشرة عن هذه الجريمة والاعتداءات الأخرى المتواترة على سوريين في مختلف المدن التركية.

غير أن للجريمة الجديدة وجوهاً أخرى لا بد من الإشارة إليها، أهمها المعدل المرتفع للجرائم الواقعة على النساء في تركيا، بوصفهن نساء. وفقاً لتقرير منصة «سنوقف الجرائم الواقعة على النساء» للعام 2021، تم قتل 280 امرأة في العام المذكور، إضافة إلى العثور على جثث 217 امرأة متن بصورة غامضة. وفي أكثرية الحالات يكون القاتل زوج الضحية (124) أو صديقها المقرّب (37) أو رجل من معارفها (24) أو زوجها السابق (21) أو أحد اقربائها (16) أو صديقها المقرب السابق (13) أو رجل غريب (3) أو رجل يلاحقها (1)…

ليس القصد هو إدراج حادث التنكيل بليلى محمد في إطار الجرائم الواقعة على النساء، بل الإشارة إلى استسهال الجاني للتنكيل بها بوصفها سورية وامرأة أيضاً، مما يضاعف من دوافعه الإجرامية.

يذكر أن الجاني شاكر جكر هو من أصحاب السوابق الجرمية (9 جرائم بينها تسهيل الدعارة)، وتم إلقاء القبض عليه فأخذت إفادته وأخلي سبيله، ثم ألقي القبض عليه مجدداً بأمر من النيابة العامة فأدلى بأقواله أمام المحكمة التي أحيل إليها ثم أودع السجن موقوفاً. من جهة أخرى قام والي المدينة برفقة زوجته بزيارة الضحية في المستشفى تعبيراً عن التضامن معها. هذه سابقة لافتة لم نر ما يشبهها في وقائع أخرى مماثلة، الأمر الذي قد يمكن تفسيره برغبة السلطة في امتصاص موجة الغضب لدى السوريين، مع حسبان الحساب لنحو مئتي ألف سوري تم تجنيسهم في السنوات الأخيرة، وقد يجوز إضافة كتلة لا بأس بحجمها من عرب تركيا ذوي الأصول السورية.

وفقاً لنتائج دراسة نشرت في وقت سابق من هذا الشهر للباحثين روج غيراسون ومحمد آلغان، يقدّر عدد العرب المواطنين في تركيا بما يتراوح بين مليونين ومليونين ونصف من السكان (بنسبة 1,4 من عموم السكان) يتوزعون بين ولايات عدة كهاتاي (لواء اسكندرون) وأضنة ومرسين وأورفة وماردين إضافة إلى الحواضر الكبرى. ولا تشكل الهوية العربية رائزاً مهماً لدى هؤلاء، فغالبيتهم مندمجة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية ويستخدمون اللغة التركية في حياتهم اليومية، في حين أن الأجيال الجديدة منهم لا يجيدون اللغة العربية.

سياسياً، لا يتصرف عرب تركيا ككتلة واحدة، وفقاً للدراسة المشار إليها، وتلعب العوامل المحلية دورها في خياراتهم السياسية، مع إشارة الباحثين إلى اختلاف هذه الخيارات بين السنة والعلويين، جنباً إلى جنب غياب تأثير هذه الهوية المذهبية والثقافية لدى قسم آخر يتصرفون كمواطنين أفراد.

لا يمكن التنبؤ منذ الآن حول مدى التأثير المحتمل لإضافة نحو خمسة ملايين من السوريين النازحين في العقد الأخير إلى أولئك العرب الأصليين، هل سيوقظ لديهم ذلك شعورهم بهويتهم الأصلية (العربية) أم لا؟ والسؤال نفسه يطرح بشأن القادمين الجدد: هل سيميلون مع الزمن إلى الاندماج في المواطنة التركية أم سيشكلون تكتلاً ثقافياً سياسياً على أساس الهوية السورية؟ ذلك لأن الباحثين ينطلقان من فكرة أساسية هي أن أكثرية كبيرة من النازحين السوريين في السنوات العشرة الأخيرة سيبقون بصورة دائمة في تركيا، سواء حصلوا على الجنسية أو تأخر حصولهم عليها لسنوات إضافية.

يخالف الباحثان في توكيدهما هذا الرأي العام الطاغي على النقاش في الحياة السياسية التركية، حيث تتنافس الأحزاب السياسية ومعهم صناع الرأي في إطلاق الوعود والوعيد بإعادة السوريين طوعاً أو قسراً، جزئياً أو كلياً، سواء تم تطبيق حل سياسي مستدام في سوريا أم لا. بالمقابل فإن من يتبنون موقفاً إيجابياً من السوريين وغيرهم من المهاجرين ينطلقون عموماً من نظرة عقلانية تبدأ بالإقرار بوجودهم وبقائهم، فيحاولون قدر استطاعتهم مواجهة موجة العداء للأجانب والمهاجرين التي لا يمكنها أن تقدم حلولاً للمشكلة بقدر ما تجلب عار العنصرية التي لا يرونها تليق ببلدهم.

كاتب سوري

القدس العربي

———————

ماذا لو كانت أسماء الأسد مكان ليلى محمد في تركيا؟/ نورهان شرف الدين

ليلى لم تكن الأولى. كما أن أشباه شاكر كثر. قد نشترك مع شاكر بكرهنا للنظام السوري. لكننا نختلف معه بقدرتنا على فصل النظام السوري عن الشعب السوري.

وُضع السوريون أمام خيارين منذ بدء الحرب في سوريا: الموت داخل البلاد ببطء أو والموت والتشرد خارجها. لذلك، اضطر كثيرون إلى الهجرة. لكن العالم لم يكن مرحباً بهم على رغم التعاطف حصدوه على المنصات الإلكترونية.

وبذلك، تتكرر الاعتداءات على اللاجئين في الدول التي هاجروا إليها، وكان آخر الفصول اعتداء الشاب شاكر شاكر على ليلى محمد اوهي في السبعين في تركيا بحجة أنها “تخطف الأطفال” . وثق الشاب لحظات الاعتداء هذه بينما ضرب المسنة وركلها على عينها لينتشر الفيديو على مواقع التواصل قبل القبض على المعتدي الذي كان أدين مرات عدة بجرائم سرقة وتعاطي المخدرات.

بعد ساعات من الحادثة، زار محافظ غازي عنتاب، حيث وقعت الجريمة، اللاجئة ليطمئن وسائل الإعلام إلى أن العدالة أخذت مجراها. وهي خطوة جيدة عادة لا تطبق في دول أخرى ينتشر فيها اللجوء السوري بيد أنها لم تنبع من حرص على حقوق الإنسان. لكن هل هذا يكفي؟ بالطبع لا. فمن يحمي اللاجئين من التمييز ومن مشاريع “العودة الطوعية” التي تعد تركيا عدتها؟

قد نشترك مع شاكر بكرهنا للنظام السوري. لكننا نختلف معه بقدرتنا على فصل النظام السوري عن الشعب السوري.

المؤسف أن قرار شاكر شاكر بأخذ الدور البوليسي والوصي على ليلى محمد لم يكن قراراً شخصياً، بل نفشل في تفسيره إن لم نؤطره في سياق سياسي يخلق نظرة دونية تجاه اللاجئين لإضفاء شرعية تفتقدها السلطات التي تهرول، في البلدان التي تحيط بسوريا، للاستفادة من الحرب قدر الإمكان. اما بالضغط على الدول الأوروبية بتهديدها بإرسال اللاجئين إليها حتى يصبحوا بضاعة غير مرغوبة تشحن من مكان إلى آخر مواجهة القتل المتعمد أو الغرق. أو قد يستخدمون كورقة ضغط ديموغرافية كمسلمين يهددون “وجود الطوائف الأخرى” كما يحدث في لبنان.

أو، في أحسن الأحوال، يلقى اللوم عليهم عند مفترق كل ضائقة اقتصادية. غالباً ما يحدث ذلك في البلدان التي ينتشر فيها الفساد وتضطرب علاقتها مع بقية الدول فيلام اللاجئون لتقصير أهل البلد المسؤولين الحقيقيين عن الانهيار. ينتشر خطاب الكراهية بشدة ولا يلقى الضوء على السوريين الذين يستثمرون في البلدان التي يلجأون إليها أو يؤمنون يداً عاملة محترفة. أو في أسوأ الحالات، يستغلون لأنهم “غرباء” مخيرين بين أدنى مقومات الحياة والحرب فيعملون بمعاشات زهيدة لأنهم مجبرون على العمل لينجوا من الحرب.

ينظر الى هذه الفئة كسارقي أشغال أهل البلد، بيد أن أصحاب المؤسسات يؤثرونهم على غيرهم من العمال لخفض كلفة الإنتاج فلا يكون اختيار توظيفهم نابعاً من تقبل اللاجئين وضمهم إلى سوق العمل. لكن هذا التمييز لا ينطبق على رجال الأعمال أو التجار السوريين الذين يحظون بمكانة مرموقة ويؤسسون أعمالاً وشركات في دول اللجوء في المنطقة، وبذلك تكون الحرب طبقية، وتحديداً ضد الفقراء من اللاجئين حصراً… فشاكر وسواه لن يجرؤ على الاعتداء على أسماء الأسد أو أي امرأة من “الطبقة المخملية”، لكن ضرب مسنة مسكينة أمر متاح ويصنّف في إطار الدفاع عن الوطن.

في المقابل، غذت المساعدات التي وزعت للسوريين اقتصادات الدول التي “استقبلت” اللاجئين. وخلقت وظائف جمة لكثيرين من أهل البلد في قطاعات عدة. لا يمكننا أن ننكر أن اللجوء يشكل عبئا على الخدمات والمرافق العامة لكنها حجة تستخدم في بلدان لا تشكل بؤرة للفساد ولا ترسل جنودها للقتال في سوريا ولا تمول الإرهاب ولا تتحالف مع النظام السوري. كما قد تجوز هذه الحجة في البلدان التي تمتلك مرافق عامة تعمل جيداً وتؤمن أدنى مستوى من الخدمات.

ليلى لم تكن الأولى. كما أن أشباه شاكر كثر. قد نشترك مع شاكر بكرهنا للنظام السوري. لكننا نختلف معه بقدرتنا على فصل النظام السوري عن الشعب السوري. ولا نتبنى، بعكس شاكر، سرديات سياسية تصب في مصلحة النظام الذي نكرهه. بل قد لا يعي شاكر وأشباهه من العنصريين أن تصرفهم هذا بصلبه سياسي بيد أن “مبرراته” التي خلقها اقتصادية.

بعكس شاكر، نفهم أن الثورة السورية، التي فشلت بالإطاحة بالأسد، نجحت بكسر الصورة النمطية التي تكرس منطق أن جميع السوريين يؤيدون الأسد. وهو منطق يسعى الرئيس لاعادة تكريسه مرة أخرى، على أساس أن الدولة بأسرها، شعباً وأرضاً ونظاماً، تختصر بشخص “سيادة الرئيس”.

هذه العبارة وسواها، ستتجدد فيها الحياة بعد فتح الحضن العربي للنظام وسنطبع علاقتنا معها مرة أخرى. أو قد يتبنى آخرون خطاباً سياسياً مغايراً ضد الديكتاتورية سرعان ما ينحدر الى آخر يشبه كثيراً خطاب الديكتاتور لمحاربة “سوريا الأسد” بكامل عناصرها شعباً وأرضاً لكن باستخدام سلاح الرئيس، إن لم يكن المعسكر الثاني أيضاً قد تحول إلى سلاح آخر للأسد يرهب السوريين ويبسط قوة الرئيس حتى خارج نطاق أراضيه.

درج

————————-

اللاجئون السوريون في تركيا.. حياة مضطربة وخيارات صعبة/ أحمد بكوره

سنوات طويلة منذ بدء الحراك الثوري السوري في وجه الدكتاتورية الأسدية في سورية، وما تبع ذلك من مآس وأهوال مرّت وتمر على رأس المجتمع السوري الحر، كثمن طبيعي لمسيرة التغيير نحو دولة العدل والحرية والقانون.

اللجوء من أقسى التجارب التي عاشها ويعيشها السوريون في قارّات العالم أجمع، ومما زاد هذه المرحلة صعوبةً طول أمد الأزمة السورية، ودعم بعض الجهات الدولية الدكتاتور بشار الأسد في حربه على الشعب السوري، في ظل تقاعس باقي الدول الفاعلة عن محاولة إنهاء هذه الكارثة، وفشل النخب السورية في إيجاد مخرج حقيقي للسوريين من هذه الحرب الظالمة للوصول إلى دولة سورية تضمن حقوق الجميع.

منذ بداية الأحداث، برزت تركيا أكبر مستضيف للاجئين السوريين، وكانت الدولة الأكثر تفاعلاً بإيجابية مع اللاجئين السوريين أيضاً، لذا عانت وتعاني من تبعات ملفّ اللجوء السوري على المستوى الداخلي مع الاستغلال البشع الذي تقوم به بعض الجهات السياسية لاستهداف السلطة الحاكمة، والاستفادة من الملف السوري في الحصول على أصواتٍ انتخابية أكثر، ما جعل الحكومة التركية في حالة ارتباك، للموازنة ما بين تحدّيات الاستجابة الإنسانية لأزمة اللجوء السوري وتحدّيات الأمن القومي للدولة التركية والضغط الشعبي المتزايد بسبب تشويه طبيعة قضية اللجوء السوري من بعض العنصريين.

في السنوات والأشهر التي تبعت الانتخابات البلدية أخيراً، والتي خسر فيها حزب العدالة والتنمية التركي بلديات مهمة، في مقدمتها بلديتا أنقرة الكبرى وإسطنبول الكبرى، ترسَّخت لدى القوى السياسية التي تفتقد إلى رؤية وبرنامج سياسي حقيقي أهمية استغلال ملف اللجوء السوري في محاولة لكسب الانتخابات التركية، حيث أطلقت حملاتٍ عنصرية محملة بخطاب كراهية ضد اللاجئين السوريين باتت تتصاعد وتيرتها في الأشهر الأخيرة بشكل خطير وممنهج، ضاربة عرض الحائط الآثار الكارثية المترتبة على ذلك.

درج تحميل اللاجئين السوريين تبعات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مثل التضخم والأزمات التي عصفت بالأسواق التركية كما عصفت بأسواق دول العالم بعد أزمة كورونا، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات التركية وتزايد استغلال جهات تركية معارضة الملف سياسياً وإعلامياً، سعياً إلى إثارة حالة من الغضب لدى الشارع التركي، في محاولة لحصد أصوات الناخبين المناهضين لسياسة الحزب الحاكم تجاه ملف اللجوء، وبدأت تبعات هذه الحملات، وما نتج عنها من غضبٍ عند بعض شرائح المجتمع التركي تلقي آثارها السلبية الخطيرة على اللاجئين السوريين، الأمر الذي برز بوصفه أحد انعكاسات خطاب الكراهية المستمر ضدهم، من حيث تهديد استقرارهم وأعمالهم وحياتهم وإعاقة اندماجهم وتأقلمهم.

عدم حصول السوريين على الصفة القانونية للجوء في تركيا بسبب موانع في القانون التركي أدّى إلى ضعف المكانة القانونية وصعوبة الوصول إلى استقرار قانوني للسوريين الذين حصلوا على حق الحماية المؤقتة، بحسب قانون أصدرته السلطة التنفيذية في عام 2013، لتنظيم وجودهم على الأراضي التركية، وكذلك من يحمل منهم الإقامات الأخرى على اختلاف أنواعها، جعلهم في وضع قانوني هشّ، ما يجعل اللاجئ السوري يعيش حالةً من القلق حيال المطالبة بحقوقه عبر مؤسسات إنفاذ القانون في تركيا، خوفاً من أن يجد نفسه في مراكز الترحيل، كما حصل مع بعض السوريين، وغير ذلك من التجارب والقصص التي تؤكّد ضعف المكانة القانونية للسوريين في تركيا.

الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها اللاجئون، وما يتبعها من اختلاف البيئات الاقتصادية التركية والسورية، ومن ثم الأزمات العالمية وتأثيرها على الاقتصاد التركي من تضخّم وغيره، وغياب حالة الاستقرار والحماية لدى التجار والعاملين السوريين، أسهمت وتسهم في ضعف أحوال السوريين، وتراجع إمكانية تأقلمهم مع المجتمع التركي، وسعيهم إلى البحث عن هجرة جديدة إلى بلدانٍ تكفل لهم وضعاً اقتصادياً أكثر استقراراً.

ضعف الاتصال بين المجتمع السوري اللاجئ والجهات المختصة بشؤون اللاجئين في تركيا ولّد تحدّيات كثيرة لجميع الأطراف، خصوصاً مع فقدان قنوات الاتصال المباشرة، وبالتالي صعوبة وصول خطط الحكومة ومطالبها إلى المجتمع السوري، وأيضاً صعوبة الإحاطة بقضايا المجتمع السوري من الحكومة التركية، ما يعني زيادة صعوبة التعامل مع تحدّيات اللجوء السوري في ظل التعداد الكبير للاجئين السوريين وطول المدة، والظروف المحيطة بملف اللجوء السوري في تركيا.

الفوضى الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن يقف خلفها من جهاتٍ ذات أجندات عنصرية، تستغل ملف اللاجئين السوريين، مستخدمةً شتّى أنواع الحيل والأكاذيب لصناعة صورة “السوري الافتراضي”، كما تريد له هذه الأجندات العنصرية (جاهل، غير مبال، لا يحب بلده، السوري يشكل خطراً على المجتمع والهوية التركيين، وغير ذلك من الصفات التي لا تناسب وحقيقية اللاجئين السوريين في تركيا)، فتصوّره عدواً للمجتمع، في محاولة لبناء جدار فصل نفسي بين المجتمعين، التركي والسوري، وبالتالي منع أي فرصة مستقبلية للتأقلم بين المجتمعين، خوفاً من فقدان الورقة الانتخابية الوحيدة من يد بعض الجهات السياسية التركية المعارضة.

غياب إمكانية تطبيق استراتيجية فعالة لمعالجة ملف الهجرة في تركيا بسبب الحملات العنصرية المتصاعدة التي تستهدف هذا الملف والعاملين فيه، وتراكم القرارات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية التي أوجدت حالة من القلق عند المجتمع السوري، وبالتالي قيّضت شعور السوريين بالأمان والاستقرار.

وإلى جانب غياب البرامج الفعالة للتعامل مع زيادة التحدّيات والضغوط التي يرزح تحتها المجتمع السوري اللاجئ، برز غياب هيئة رسمية مختصة بشؤون اللاجئين السوريين في دول اللجوء حول العالم، تعمل على مواجهة العقبات والتحدّيات التي تعترضهم، وتسعى إلى تحسين ظروف لجوئهم وتدعم تكيفهم في دول اللجوء، كأحد أهم أسباب هذه التحدّيات.

باتت الأمور تفوق قدرة السوريين على احتمال التغيرات المتسارعة، وما تحمله من حالة خوف وترقب وعدم استقرار، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات التركية التي سوف تمتد بين انتخابات رئاسية ومحلية لسنتين على أقل تقدير، وما سيتبعها من ردود فعل غير منضبطة، يمكن أن تودي بحياة عوائل كثيرة غرقاً في رحلة لجوء جديدة، أو إيجاد مجتمعات منغلقة تشكّل بيئة جاذبة للأفكار السلبية. لذا وعلى الرغم من التحدّيات والصعوبات الكبيرة، ما زال الوقت متاحاً للقيام بمبادرة استجابة جريئة وسريعة تتخذ خطوات فعالة لمعالجة ملف اللجوء السوري في تركيا. ويمكن لدبلوماسية إنسانية فاعلة تتبناها الدول والمؤسسات الدولية المهتمة بالشأن السوري أن تعمل على إيجاد حلول عملية للتخفيف من وطأة الضغوط على ملف اللجوء في تركيا، من خلال:

أولاً، إتاحة خيار اللجوء إلى بلد ثالث لقسم من اللاجئين السوريين في تركيا. ثانياً، دعم المجتمع المدني السوري، وتنمية قدراته في مجال الاتصال والحماية وحقوق الإنسان. ثالثاً، العمل على تهيئة الشروط الضرورية لمشروع العودة الطوعية المستدامة لمن يرغب من اللاجئين السوريين من الأمن والاحتياجات الأساسية والبنية التحتية الملائمة والتماسك الاجتماعي وتهيئة البيئة الاقتصادية. خامساً، تأسيس الهيئة الوطنية للاجئين والمهجّرين السوريين كمنظومة مدنية تحت إشراف المسؤولية المجتمعية المشتركة بين كل من الجهات الرسمية المتمثلة بالائتلاف الوطني السوري ومؤسسات المجتمع المدني التخصصية وهيئاته، مع ضمان استقلالية الهيئة إدارياً ومالياً لتمكينها من القيام بمهامها والوفاء بالتزاماتها، تبدأ بصياغة رؤيتها وأهدافها ونظامها الداخلي، وتعمل على متابعة شؤون اللاجئين السوريين، وتحسين ظروفهم، وفق المواثيق الدولية والقرارات الأممية والقانون الدولي الإنساني، كما تعمل على ضمان الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية السابقة في الاستجابة للنزاعات وقضايا اللجوء، وما تبعها من مواثيق ومبادرات دولية تناولت حلولاً استثنائية عاجلة، وما قدّمته من أدوات ووسائل مرتبطة مع هيئات الأمم المتحدة لتنظيم المجتمع المهاجر في شتى الدول.

العربي الجديد

———————–

إردوغان يحدد نطاق عملية عسكرية محتملة شمال سوريا

مندوبة أميركا في الأمم المتحدة ستبحث في تركيا إيصال المساعدات للسوريين

أنقرة: سعيد عبد الرازق

حدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نطاقاً للعملية العسكرية المحتملة ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا، قائلاً إن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بـ«نشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين».

وقال إردوغان، في كلمة أعضاء نواب حزب العدالة والتنمية بالبرلمان التركي أمس (الأربعاء)، إن الذين يحاولون إضفاء الشرعية على «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي» وأذرعه تحت تسميات مختلفة لا يخدعون سوى أنفسهم.

وتصنف تركيا حزب العمال الكردستاني تنظيماً إرهابياً، وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قسد»، امتداداً له في سوريا وتحاول إنهاء وجودها على حدودها الجنوبية. وشنت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا باسم «نبع السلام» في مسعى لإبعاد تلك القوات عن حدودها لمسافة 30 كيلومتراً، توقفت بعد أيام بموجب مذكرتي تفاهم مع الولايات المتحدة وروسيا.

وقال إردوغان إن «الجهات التي تقدم السلاح للإرهابيين مجاناً وتمتنع عن بيعه لتركيا تستحق لقب دولة إرهاب لا دولة قانون».

وتعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية أوثق حلفائها في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وتمدها بالسلاح لهذا الغرض. وحذرت من أن قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في المنطقة سيتسبب في تعريض قواتها المشاركة في الحرب ضد «داعش» للخطر. ودعت تركيا للالتزام بمذكرة التفاهم الموقعة في 17 أكتوبر 2019. كما حذرت روسيا بدورها من أي تحرك عسكري تركي جديد في المنطقة، داعية أنقرة إلى الالتزام بمذكرة التفاهم الموقعة في سوتشي في 22 أكتوبر 2019.

ومطلع الأسبوع، قال إردوغان إن بلاده لن تنتظر إذناً من أحد لتنفيذ عمليات عسكرية في شمال سوريا بهدف استكمال إقامة مناطق آمنة بعمق 30 كيلومتراً لتأمين حدودها الجنوبية، منتقداً عدم وفاء الولايات المتحدة بتعهداتها بموجب مذكرة التفاهم الموقعة في 2019.

وأضاف إردوغان: «لا يمكننا ترك أدنى هجوم يتم شنه على تركيا من شمال سوريا دون رد».، هناك بؤر تتركز فيها «التنظيمات الإرهابية» المعروفة شمال سوريا، في إشارة إلى وحدات الشعب الكردية، التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، في سوريا. ولمح إلى أن بلاده ستطلق العملية العسكرية في أي وقت.

وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تصريحات خلال زيارته لأبوظبي أول من أمس، إن القوات المسلحة التركية بجنودها ومركباتها وأسلحتها وتجهيزاتها وبالمعنويات العالية وخبرتها، مستعدة لأي مهمة تكلف بها ضد من وصفهم بـ«الإرهابيين»، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية.

وقال أكار إن بلاده لن تقبل بوجود إرهابيين على حدودها الجنوبية شمال سوريا، وإنها مستعدة لأي مهمة بهذا الخصوص.

وفي الإطار ذاته، واصلت القوات التركية تصعيد هجماتها على مناطق سيطرة «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا. ونفذت جولة جديدة من القصف المدفعي على مناطق خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، حيث استهدفت المدفعية التركية مواقع في منطقة شركة الإسمنت بريف تل أبيض الغربي، وأماكن أخرى في منطقة عون الدادات بريف منبج شمال شرقي حلب، ومحيط شركة لافارج بريف عين العرب (كوباني) في منطقة كانت تتمركز بها سابقاً قاعدة عسكرية سابقة للتحالف الدولي للحرب على «داعش».

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بأن القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها نفذت، صباح أمس، قصفاً صاروخياً على قريتي أبو نيتوله وكيجقران الواقعتين بريف منطقة عين عيسى، ضمن الريف الشمالي لمحافظة الرقة، الخاضعتين لسيطرة قسد.

على صعيد آخر، أكدت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عزمها زيارة تركيا قريباً للاجتماع مع الشركاء الإنسانيين لبحث ملف إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا.

وقالت توماس: «سأسافر قريبا إلى تركيا للحصول على إحاطات واجتماعات مع الشركاء الإنسانيين ومسؤولي الأمم المتحدة في المنطقة… يجب علينا أن نجدد ونوسع التفويض الذي يسمح بتدفق الغذاء الحيوي والمياه النظيفة واللقاحات والأدوية إلى الملايين من الناس في سوريا قبل 10 يوليو (تموز) المقبل».

ومن المقرر أن ينتهي العمل بآلية المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا، والتي مددها مجلس الأمن الدولي العام الماضي، في يوليو. وتقدر الأمم المتحدة أن 14.6 مليون سوري يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق. ويواجه 12 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا الآن انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، بزيادة بلغت 51 في المائة منذ عام 2019. وتخدم الآلية العابرة للحدود بشكل أساسي نحو 3 ملايين شخص يعيشون في منطقة إدلب شمال غربي سوريا، التي لا تزال هي المنطقة الوحيدة خارج سيطرة النظام السوري.

الشرق الأوسط

—————————

فرصة أردوغان لتعديل حدود سايكس-بيكو/ سميح صعب

يحمل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عزمه على استكمال إنشاء “المنطقة الآمنة” في سوريا بعمق 30 كيلومتراً أكثر من رسالة في هذا التوقيت الذي يرى أن أميركا وروسيا كلتيهما، في حاجة إليه بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، وعليه فإنه لن يواجه معارضة لخططه هذه المرة.

أولاً، يريد أردوغان جعل “المنطقة الآمنة” مكاناً لإسكان مليون لاجئ سوري من أصل ثلاثة ملايين ونصف لاجئ يقيمون في تركيا منذ بداية الحرب السورية. وتزايدت في السنوات الأخيرة المطالبات في الداخل التركي بضرورة إعادة اللاجئين إلى بلادهم، خصوصاً في ضوء الأزمة الإقتصادية التي تجتاح تركيا. واللاجئون، ورقة رابحة في يد المعارضة التركية قبل سنة من الانتخابات الرئاسية، التي تزيد استطلاعات الرأي حولها، من منسوب القلق لدى الرئيس التركي.

وعلى هذا الأساس، لم يجد أردوغان مفراً من التعاطي مع هذه المسألة الملحة، لا سيما أنها مصدر تذمر لدى الكثيرين من الأتراك الذين يصبون جام غضبهم على اللاجئين ويعتبرونهم سبباً في الضائقة الإقتصادية، ومزاحماً رئيسياً على فرص العمل، كون اللاجئين يقبلون بأجر أقل من الأجر الذي يطلبه التركي.

بصرف النظر عن الدوافع التي تبث نزعة الاضطهاد لدى الأتراك للاجئين السوريين، فإن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم منذ أكثر من 22 عاماً، لم يتوانَ في السنوات العشر الماضية عن توظيف ورقة اللاجئين في خدمة سياساته. فهو استخدمها عام 2015 في وجه الاتحاد الأوروبي عندما دفع بمئات الآلاف منهم إلى التوجه إلى أوروبا عبر اليونان. ولم يجد الأوروبيون مفراً من مساومة أردوغان والوقوف على مطالبته الاتحاد الأوروبي بدفع مليارات الدولارات لأنقرة في مقابل وقف موجات اللجوء إلى القارة الأوروبية.

واليوم، يستخدم أردوغان أيضاً ورقة اللاجئين السوريين بطريقة معكوسة، من خلال العمل على إعادتهم “طوعاً”، وفق ما يقول، إلى الشمال السوري وإقامة مساكن دائمة لهم في “المنطقة الآمنة”، التي يعتزم توسيعها للتواؤم مع مشروعه، بينما عينه في الأساس على نزع ورقة بالغة الأهمية من يد المعارضة التركية قبل الانتخابات الرئاسية.

ويراهن أردوغان على أن واشنطن في حاجة إليه كي يرفع الفيتو عن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي في وقت تعتبر أميركا أن انضمام هاتين الدولتين إلى الحلف بمثابة ورقة ضغط قوية على روسيا التي تواصل هجومها في أوكرانيا.

كما أن موسكو في حاجة إلى تركيا كي لا تنضم إلى العقوبات الغربية على موسكو، وكي لا تنقلب أنقرة على اتفاق “خفض التصعيد” في إدلب وتوسيع عمليتها العسكرية في اتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية في المحافظة أو في محافظتي حلب واللاذقية.

وتبعاً للموقع المتميز الذي تحتله تركيا إقليمياً في الوقت الحاضر، يريد أردوغان انتهاز الفرصة كي يوظف كل ذلك في الاستراتيجية التي يعمل عليها من أجل ضمان فوزه بولاية رئاسية أخرى.

هل الطريق معبدة أمام خطة أردوغان الجديدة؟   

رد الفعل الأميركي الأول، كان التحذير من مغبة الإقدام على الخطوة، لا سيما في اتجاه المناطق الكردية الواقعة تحت سيطرة ما يعرف بـ “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، التي تعتبر الحليف الأقرب للولايات المتحدة في قتال “داعش”.

بيد أنها ليست المرة الأولى يبرز فيها تناقض في المصالح التركية-الأميركية خلال أكثر من محطة من محطات الحرب السورية.

اليوم، واشنطن في حاجة قوية إلى ورقة فنلندا والسويد ضد روسيا. وأردوغان يخوض معركته الرئاسية من الشمال السوري، في محاولة لإزاحة عقبة رئيسية من أمامه في الداخل التركي.

وبالقدر نفسه، تحتاج موسكو إلى أردوغان، ولن تجازف بخسارته في هذا الوقت العصيب الذي تمر به حملتها على أوكرانيا وأوسع مواجهة تخوضها مع الولايات المتحدة منذ إنتهاء الحرب الباردة.

وعليه، يرى أردوغان أن الوقت مناسب له ليوسع نفوذه الإقليمي بقضم المزيد من الأراضي السورية والعراقية والتخلص من حدود سايكس-بيكو، التي طالما اعتبرها القادة الأتراك أنها رسمت على حساب “الإمبراطورية” في لحظة مرضها.

النهار العربي

————————–

أردوغان.. الكابوس والرهانات/ خورشيد دلي

يعيش أردوغان هاجس الصعود الكردي في سوريا والعراق وتركيا والمنطقة عموماً، وبات هذا الصعود يشكل قلقاً يخيم بظلاله على أحلامه التوسعية، لطالما بات الكرد يكسبون أوراق القوة من خلال التحالف مع القوى الدولية الكبرى، ويؤسسون لتجاربهم الخاصة، ويمتلكون السلاح، ويبنون البنى التحتية المعبرة عن كينونتهم القومية في البنيان الحضاري العام للمنطقة بعد قرن من محاولات محو هويتهم ووجودهم، أمام هذا الحضور الكردي المتصاعد، تستقيظ هواجس تركيا الدفينة، خاصة أنها ترى في الكرد قنبلة تاريخية في خاصرة دولتها القومية التي قامت على دفن الهويات القومية للشعوب غير التركية بعد أن قسر أتاتورك كل شيء لصالح من هو تركي ضد كل من هو غير تركي، والقضية هنا لا تتعلق بالداخل التركي فقط بل بالجوار الجغرافي التركي الذي توزع الكرد فيه بحكم الاتفاقيات الدولية التي رسمت خرائط وحدود دول المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى، وعليه باتت أنقرة ترى في كل تحرك كردي، شأناً تركياً داخلياً يهدد أمنها القومي، حتى لو كان الأمر يتعلق بعضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

من كوباني التي ألحقت أول هزيمة بداعش، مروراً بأربيل التي تعيش كينونة شبه دولة مستقلة، وصولاً إلى البرلمان التركي الذي أوصل إليه حزب الشعوب الديمقراطية أصوات نحو سبعة ملايين كردي وتركي، لا تنام العقارب المعششة في رأس أردوغان المحمل بالأحلام الجامحة، وكلما ضاقت به الأمور، لا يجد أمامه سوى التهديد بعملية عسكرية جديدة ضد الكرد، رافعاً شعار حماية الأمن القومي التركي، مستغلاً موقع تركيا الاستراتيجي في خريطة الصراعات الدولية، معتمداً على أدواته التي صنعها من رماد الحرب السورية التي أحرقت الأخضر واليابس معا، وعليه عندما وجد أن شجرة سلطته تهتز مع اقتراب موعد الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية، وأن ثمة فرصة وفرها الصراع الدولي الناتج عن الحرب الروسية – الأوكرانية، وجد في التصعيد ضد شمال شرقي سوريا فرصة ذهبية لإجبار الكرد على التجاوب مع المقولة التركية التاريخية، وهي قول (حاضر أفندم) وإلا فإن الفناء سيلحق بكم، وهو بهذه الخطوة يريد تحقيق مجموعة من الأهداف دفعة واحدة، لعل أهمها:

1- إسقاط أي طموح لدى الكرد، وتحميل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مسؤولية ذلك، بوصفها تابعة لعدوه اللدود حزب العمال الكردستاني، مع أن تركيا تحارب الكرد في كل مكان بغض النظر عن أيديولوجياتهم ومشاربهم واختلاف مدارسهم الفكرية والسياسية.

2- التخلص من قضية اللاجئين السوريين في الداخل التركي، وتحويلهم إلى أداة للتغيير الديمغرافي والسياسي في شمال شرقي سوريا، على أمل أن يزيد كل ذلك من شعبية أردوغان في الداخل بعد أن تحول اللاجئون السوريون إلى قضية جدل سياسي بامتياز مع انطلاق معركة الانتخابات التركية مبكراً، إذ أن مثل هذه الخطوة ستزيد من شعبيته التي تتراجع يوماً بعد آخر، فضلاً عن أنها تعزز نفوذه في الأوساط القومية التركية المتطرفة. 3- وضع تركيا يدها بشكل نهائي على قسم من الأراضي السورية، وفرض التقسيم الفعلي في سوريا، خلافاً لشعاراته المرفوعة التي تتحدث عن ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهو شعار يريد من تحت ستاره كسب الشرعية لخطواته من قبل بعض الأوساط العربية القومية والإسلامية.                                                                     4- ابتزاز أوروبا وأمريكا من خلال ربط ما هو مطلوب منها في إطار عضويتها في الناتو بدفع الأخير إلى دعمها ضد الصعود الكردي، مع أن الكرد والحلف في تحالف واحد في الحرب ضد الإرهاب، لاسيما داعش، فعلى الأقل هذا ما تمارسه تركيا في قضية انضمام كل من السويد وفنلندا إلى عضوية الحلف.

5- في العمق، وبعد تخلي أردوغان عن الإخوان المسلمين من أجل التقارب مع مصر ودول الخليج العربي وإسرائيل، يرى في مجمل استراتيجيته السابقة طريقة لعودة “داعش” مجدداً إلى الساحة، وإمكانية استخدامه من جديد لتهديد الدول والشعوب في المنطقة من أجل فرض أجندته.

في الواقع، يدرك أردوغان أن الصعود الكردي بات العامل الوحيد الذي يلجم أطماعه التوسعية، وعليه يستغل كل شيء لوقف هذا الصعود، من خلال محاولاته المستميتة لدفع الانقسام الكردي إلى حرب كردية – كردية مدمرة للطرفين من جهة، ومن جهة ثانية محاولة استغلال الأزمات الدولية من أجل كسب أوراق سياسية لصالح حربه المستمرة ضد الكرد، وهو في كل ذلك يستغل عامل المصالح في العلاقات الدولية، ويدرك في الوقت نفسه جيداً أهمية استغلال منطق الميكافلي الذي يحرك السياسة الغربية، في حين أن هذا المنطق بات مدمراً لاستراتيجية الغرب نفسه بعد أن وصل ابتزاز أردوغان إلى حد تشكيل تهديد حقيقي للغرب ومنظومته الأطلسية، إذ لم تعد مصلحة الغرب نفسه تقتضي مسايرة أردوغان ومنطقه، بل في وضعه أمام مسؤولياته حتى لو اقتضى ذلك رؤية تركيا خارج الأطلسي، حيث بات هذا الأمر يشكل تحدياً للأطلسي مع الدعوات التي تطلق بهذا الخصوص، وربما مصير هذه الدعوات بات متوقفاً على مآلات الحرب الروسية – الأوكرانية، خاصة إذ استمر أردوغان في ابتزاز الغرب في قضية انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الناتو.

نورث برس

——————-

سيناريوهات التعامل الروسي مع عملية عسكرية تركية في سوريا

الحرب الأوكرانية منحت أنقرة أوراقاً أقوى للضغط.

موسكو: رائد جبر

هل حصل الرئيس التركي على ضوء أخضر من نظيره الروسي فلاديمير بوتين لإطلاق عمليته العسكرية في الشمال السوري؟ السؤال بات الأكثر تردداً بعد إعلان إردوغان أنه بحث مع الرئيس الروسي «ضرورة» إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود السورية – التركية، خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بين الزعيمين أول من أمس.

إردوغان ذكر وفقاً لبيان الرئاسة التركية، بأن أنقرة وموسكو، اتفقتا عام 2019 على إنشاء «منطقة مطهرة من الإرهاب»، بعرض 30 كيلومتراً على طول الحدود التركية – السورية، إلا أنها لم تبصر النور حتى الساعة، وشدد على أنه «من الضروري جعل هذه المنطقة آمنة».

يبدو الموقف الروسي ملتبساً حيال العملية العسكرية المرتقبة، إذ تجنبت موسكو الإعلان عن موقف رسمي حيال التحضيرات التركية. وكانت الإشارة الوحيدة التي صدرت عن موسكو على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، قبل أيام، تشير إلى أهمية المحافظة على نظام التهدئة، مع التأكيد على عنصرين: الأول أن روسيا «تتفهم» المصالح الأمنية لتركيا، لكن في الوقت ذاته هي تريد تنفيذ الاتفاقات المتعلقة بإدلب والتي «تسير ببطء وصعوبة». والثاني إدانة متجددة لتشجيع الولايات المتحدة النزعات الانفصالية في الشمال السوري، مع توجيه لافروف دعوة جديدة إلى المكون الكردي، بالتخلي عن «أوهام الحماية الأميركية» وانتهاج سياسة براغماتية تحقق مصالحهم عبر تنشيط قنوات الحوار مع دمشق.

في هذا المجال، أشارت تقديرات في موسكو، إلى أن الروس ليست لديهم مصلحة في اشتعال جبهة جديدة في سوريا، وموسكو المنخرطة في معركتها في أوكرانيا لا تريد هزات كبرى على موازين القوى وخرائط توزيع النفوذ في سوريا حالياً.

أكثر من ذلك، فقد ذهبت أوساط روسية إلى الانطلاق من قناعة، بأن إردوغان في الحقيقة لا يريد تفجير الموقف، وأن مطالبه حول المنطقة الأمنة لا تزيد على كونها مناورة لحمل حلف شمال الأطلسي على تقديم تنازلات لأنقرة، في مقابل موافقتها على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الغربي. لكن إردوغان أوضح لاحقاً من دون شك، أنه مقبل بالفعل على تطور ميداني مهم.

في مقابل هذه التأكيدات، بدأت تبرز إشارات في وسائل الإعلام الحكومية الروسية، إلى أن موسكو لن تقبل بـ«زعزعة الوضع» خصوصاً أن بين الأهداف المحتملة للعملية التركية، مناطق منبج وتل رفعت، وفي حالة منبج فهي تعد تقاطع طرق استراتيجياً مهماً، يمر منها الخط الدولي إم 4 الذي وصفه محللون روس، بأنه «خط أحمر لموسكو لا يمكن أن تتراجع عن موقفها حيال ضرورة فتحه وأن يكون آمناً». ودفع ذلك إلى بروز تكهنات حول تباين جلي في المواقف بين تركيا وروسيا، عززتها تقارير تحدثت عن تنشيط نشر قوات روسية في المناطق المحيطة بمنطقة الاستهداف التركي، كما أشارت تقارير إلى استهداف الطيران الحربي مواقع فصائل مدعومة من جانب تركيا.

في هذه الأجواء، جرت المكالمة بين إردوغان وبوتين، وكان ملاحظاً أن الكرملين لم يتطرق في بيانه حول مجرياتها إلى العملية العسكرية المحتملة، لا من باب الموافقة ولا من باب الرفض الروسي لها.

يشير خبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، إلى أن مساحة الخلاف بين موسكو وأنقرة «أصغر بكثير مما تشير تقديرات بعض الأوساط» وأن الملفات التي تحظى بتفاهم بين الجانبين، «أوسع كثيراً». بهذا المعنى، يركز بعضهم على أن موسكو قد لا تعارض عملية تركية، خصوصاً أنها سوف تسفر عن اتساع الشرخ بين أنقرة وواشنطن، فضلاً عن أن موسكو، سوف يمكنها استخدام التطور في ممارسة مزيد من الضغط على المكون الكردي لحمله على الاقتراب أكثر من دمشق.

لكن في مقابل هذا التحليل، نشرت صحف روسية، بعض السيناريوهات لتصرف روسيا المحتمل في حال نفذ إردوغان وعيده وأطلق المعركة المنتظرة. وانطلقت التوقعات، من أن خيارات روسيا صعبة في مواجهة عملية عسكرية تركية مرتقبة في سوريا، ورأت أن روسيا وتركيا أصبحتا في وضع غير متكافئ هناك. وأن إردوغان عزز مواقفه بفضل الحرب الأوكرانية.

ووفقاً لهذا المدخل، فإن السيناريو الأول، أن تقف موسكو ضد التصعيد الجديد وأن تسعى إلى التوصل لاتفاق مع أنقرة. وقد يكون هذا، الخيار الأمثل لموسكو، لكن ثمنه المرجح يمكن أن يكون مرتفعاً بالنسبة لروسيا، فقد تطالب تركيا بأفضليات تجارية واقتصادية، وربما أفضليات أخرى تتعلق بالوضع الميداني في سوريا.

والسيناريو الثاني هو خيار التصعيد، ويمكن أن يقوم على تبادل للأراضي. ورأت الصحيفة الروسية، أن سيناريو مبادلة جبل الزاوية في إدلب بهجوم القوات المسلحة التركية على المواقع الكردية «محتمل تماماً». وسيكون الأهم بالنسبة لتركيا، أن تحصل مقابل منطقة جبل الزاوية على إمكانية توحيد كل المناطق الخاضعة لها في منطقة واحدة. ورأى واضعو السيناريوهات، أن هذا الخيار ربما كان محتملاً أكثر قبل 24 فبراير (شباط)، أي موعد انطلاق الحرب في أوكرانيا. أما الآن، فإن تركيا باتت في وضع أفضل بكثير من روسيا، بمقدورها أن تضع موسكو أمام عدد من الشروط.

أما السيناريو الثالث المتوقع، فيقوم على تعامل هادئ من جانب موسكو وعدم القيام بردة فعل. وفقاً له، فقد تترك روسيا العملية التركية الجديدة من دون رد. وبالتالي، يمكن أن تحصل أنقرة على جزء من مناطق «الإدارة الذاتية» لكنها لن تتوغل في أراضي «الإدارة الذاتية» خشية الاصطدام بالقوات الأميركية. في ظل هذا السيناريو، قد تتلقى روسيا ضربة لسمعتها، لكن يمكنها استخدام الموقف لإقناع الأكراد بالتفاوض مع حكومة دمشق الرسمية، كما لن تضطر موسكو إلى تقديم تنازلات لأنقرة، لكن مع هذا السيناريو، فإن دور تركيا في المفاوضات بشأن أوكرانيا، سينخفض بشكل كبير، ورأى محللون روس، أن هذا الخيار قد يكون «الأكثر واقعية بالنسبة لروسيا».

أخيراً، يبقى السيناريو الرابع، الذي يقوم على أن موسكو، قد تشجع دمشق على شن عملية مقابلة في إدلب رداً على العملية التركية، لكن بالنسبة لروسيا، من غير المربح تبديد مواردها العسكرية في هذه الظروف. بالإضافة إلى ذلك، لن تدخل موسكو بالتأكيد في مواجهة مباشرة مع أنقرة في إدلب.

الشرق الأزسط

————————-

النظام السوري يستثمر التهديدات التركية للقوات الكردية… والهدف مكاسب اقتصادية وعسكرية/ وائل عصام

يتطلع النظام السوري إلى استثمار مخاوف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من التهديدات التركية باجتياح مناطقها، ويعقد لهذا الغرض اجتماعات محمومة مع «قسد» برعاية روسية. وحسب مصادر تابعة للنظام، أجرى الأخير أكثر من اجتماع مع «قسد» بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن بلاده بصدد تحركات عسكرية عند حدودها الجنوبية لاستكمال إنشاء المناطق الآمنة.

وذكر المتحدث باسم «المصالحة الوطنية» التابعة للنظام عمر رحمون، أن الاتفاق الشامل مع «قسد» بات قاب قوسين، موضحاً على حسابه في «تويتر» أن «الاتفاق يبحث منع العملية التركية مقابل تسليم المنطقة للجيش العربي السوري مع دخول كافة مؤسسات الدولة والشق الأكبر من «قسد» مع المصالحة مع الدولة باستثناء بعض القيادات المخترقة لصالح تركيا» حسب تعبيره.

وعند كل تهديد أو تصعيد من تركيا، تحاول «قسد» الاستنجاد بالنظام السوري، كما يؤكد المتحدث باسم «مجلس القبائل والعشائر السورية» الشيخ مضر حماد الأسعد. ويضيف الاسعد لـ«القدس العربي»، أن النظام كعادته يستغل هذا الوضع لزيادة مكاسبه في شرق سوريا، موضحاً أن «النظام يخطط لاستثمار الضغط التركي بتحسين شروطه الاقتصادية مع «قسد»، أي من خلال زيادة حصته من النفط والغاز والحبوب». وكذلك ينطبق الحال على حصة النظام من الكهرباء التي ينتجها سد الفرات الخاضع لسيطرة «قسد»، حسب حماد الأسعد، الذي أشار إلى المكسب الأهم، وهو زيادة الانتشار العسكري من جانب النظام في المزيد من المناطق التي كانت خارج سيطرته، وتحديداً في المناطق الحدودية مع تركيا في الحسكة التي تعد مركز ثقل «قسد»، مثل عامودا والمالكية.

وتابع حماد الأسعد، بأن النظام يتطلع كذلك للخزان البشري لمد قواته بالمقاتلين من أبناء المحافظات الشرقية، مبيناً أن «المحافظات الشرقية السورية تضم أعداداً كبيرة من الشباب المطلوبين للخدمة الإلزامية في جيش النظام». وكان نائب الرئاسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية» التابعة لـ»قسد» فنر الكعيط، قد أعلن قبل يومين أن إدارته جزء لا يتجزأ من سوريا، مؤكداً أن «الباب مفتوح للحوار مع دمشق، والإدارة تؤمن بالحل والحوار السوري السوري». وأضاف أن «التهديدات التركية الأخيرة هي خطر على السلم والأمان وتبعاتها كارثية على المنطقة، وأي اجتياح تركي جديد سيؤدي لموجات كبيرة من النازحين ومزيد من الضحايا».

وفي العام 2019 عندما أطلقت تركيا معركة «نبع السلام» شرقي نهر الفرات، توصل النظام إلى اتفاق مع «قسد» على نشر قواته في مناطق مهددة بالتقدم التركي، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى توقف العملية دون استكمالها من جانب تركيا، التي تطالب بإبعاد التنظيمات الكردية التي تتهمها بـ»الإرهاب» عن حدودها بمسافة لا تقل عن 30 كيلومتراً في العمق السوري وهو لم تتمكن تركيا ايضا من تحقيقه رغم اتفاقين مع واشنطن ثم موسكو.

وقال المحلل والكاتب الصحافي أسامة آغي، إن الاجتماعات بين «قسد» والنظام السوري لم تنقطع، مبيناً أن «لدى منظومة «العمال» الكردستاني» حلم بتأسيس دولة على أسس قومية عرقية، وهو ما يتعارض مع هدف ومصلحة النظام».

والأحد اتهمت «الإدارة الذاتية» تركيا بالسعي إلى «خلق المزيد من الفوضى في سوريا، وفي المنطقة عموماً، من خلال خططها إلى توسيع رقعة احتلالها، من خلال التهديد المباشر بالهجوم والتوغّل مسافة 30 كيلومتراً على الحدود السورية الشمالية في مناطق الإدارة الذاتية». في المقابل جددت تركيا تمسكها بإقامة مناطق آمنة عند حدودها مع سوريا، وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الأحد إن بلاده «ستستكمل الحزام الأمني البالغ عمقه 30 كيلومتراً، والذي نعمل على إقامته خطوة بخطوة على طول حدودنا مع سوريا، في أسرع وقت ممكن».

القدس العربي

—————————-

روسيا أم أميركا… من يقطع الطريق على التوغل التركي بشمال سوريا؟/ مصطفى رستم

تترنح دبابات الجنود والمدرعات العسكرية التركية على طول الطريق الواصل بين حدود البلاد الجنوبية والشمال السوري، فلا هي تحثّ خطاها نحو العملية المزمع شنها على مناطق النفوذ الكردية، ولا تقفل عائدة أدراجها إلى ثكناتها بما تحوي من قوات مشاة مدججين بالسلاح.

طريق طالما مثّل شريان حياة يكاد يكون الوحيد الواصل لمناطق خاضعة لسيطرة المعارضة وقواتها المدعومة تركياً، لم يعد بمقدور هذه القوات الموالية تحديد خيارات أنقرة تجاه العمل العسكري المرتقب بين الهجوم أو التريث إلى حين، في وقت تسري أنباء عن إبلاغ إسطنبول قادة فصائل المعارضة السورية بتأجيل العمل العسكري، وذلك يوم 29 مايو (أيار) دونما تحديد موعد لاحق.

قرار التوقف عن شن العملية القتالية نحو مناطق النفوذ الكردية نزل كالصاعقة على قوات المعارضة التي تتأهب منذ زمن لخوض معركة حاسمة للحد من اتساع نفوذ القوات الكردية في شرق الفرات والتي ما زالت تتشاطر معها بخطوط تماس ساخنة، وبالتالي فإن التقدم للوصول إلى هذه المناطق ستفضي إلى رسم خريطة بملامح جديدة أكثر إثارة إذ ستشكل تهديداً مباشراً باقترابها من مدينة حلب.

حطب المعركة

في غضون ذلك يرى مراقبون أن تأجيل العملية العسكرية التي أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن عزم بلاده شنها بهدف توسيع المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومتراً قد وأدت، ويظهر جلياً مدى التطابق الروسي – الأميركي حول إجهاضها، والوقوف بوجهها، وهذا التحرك قد قطع الطريق على أنقرة للتوغل ثانية بعد عمليات عسكرية مماثلة شمال في شرق البلاد منذ العام 2019 وسعت خلالها نفوذها تحت ذرائع تهديدات من قبل حزب العمال الكردستاني والأحزاب الموالية له، والتي تقول إنها فصائل إرهابية تهدد أمنها القومي، علاوة عن مساعي إسطنبول بمواصلة بناء جدار عازل يعد ثالث أكبر جدار فصل في العالم.

ويرى الباحث السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو في حديثه لـ “اندبندنت عربية” أن ما يدور حول العملية العسكرية المرتقبة والدفع بها أو توقفها تندرج ضمن الحرب السياسية أكثر من كونها حرب عسكرية. وأردف: “الموضوع معقّد، وليس بهذه السهولة، فالروس يفاوضون في هذه القضية وكذلك الأميركيون، وكل ما تريده أنقرة الحصول على نقاط متقدمة استراتيجياً أكثر” كما ويعتقد أن العملية العسكرية تمثل أكثر نقاط الضغط التركية المؤثرة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء، لا سيما ما تشهده الساحة الدولية من حرب روسية – أوكرانية.

ويرجح أن تحقق العملية العسكرية هدفها باستكمال المنطقة الآمنة حتى بدون هجوم قتالي تشنه أنقرة حيث سيفضي انسحاب قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى مناطق حددتها تركيا مع منع تسليحهم بشكل كبير.

الروسي يعود إلى الشرق

في هذه الأثناء يفاجئ الروس عبر تحركاتهم الميدانية والتكتيكية كل التوقعات التي روجت سابقاً عن انسحابهم من مناطق يسيطرون عليها لحساب الفصائل الإيرانية، وهذا الأمر يستبعده مراقبون على اعتبار الجهد المبذول من قبل القوات الروسية واشتباكها في العديد من الجبهات والأماكن منذ حضورها عام 2015 وإلى اليوم.

وفي طبيعة الحال ما إن يحدث أي إجلاء لقواعدها ونقاطها سيعلن عنه، ومن المتوقع تسليمه لقوات النظام السوري، وإلا ستكون هذه النقاط أهدافاً وصيداً ثميناً للمقاتلات الإسرائيلية بحال واحدة حين تسلم دفة قيادتها للفصائل الإيرانية أو الموالية لها.

كما وتشير المعلومات من مصادر ميدانية عن تحرك دوريات للجيش الروسي في مناطق خاضعة لقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، والمدعومة أميركياً ومن قوى التحالف في سابقة من نوعها بغية قطع الطريق عن أي عمل تركي.

وعزز مركز المصالحة الروسية الواقع في ريف اللاذقية من خطوط التماس ضمن قاعدة عين عيسى شرقاً، وأعلنت كذلك استنفاراً واسعاً في قاعدتها بالقامشلي، مرسلة بالتوازي تعزيزات ومقاتلات وحوامات.

في حين عزت قوات “قسد” هذه التحركات البرية والجوية للقوى الدولية الضامنة في عين عيسى، أكبر معاقل القوات الكردية، وكوباني/ عين العرب تأتي ضمن إطار الحفاظ على الاستقرار والالتزام بخفض التصعيد بمواجهة أي تصعيد تركي محتمل، وفق بيان صادر عن المركز الإعلامي لقوات قسد.

تحذير أميركي

إزاء ذلك أرسلت الولايات المتحدة عدة رسائل عبر الأقنية الدبلوماسية والإعلامية عن عدم قبولها بالعمل العسكري تجاه الأكراد، معللّة ذلك بخطر يتهدد أرواح العسكريين الأميركيين في المنطقة نفسها، وهو ما ألمح إليه صراحة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس حيث يعتقد أن الأمر سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي.

ومازال التوجس من شن أنقرة للعملية وارداً، ومن المتوقع أن يكون مباغتاً وسريعاً، وبدون إنذار مسبق لكن المخاوف جمة في حال دارت رحى المعركة فما هو مصير حوالى عشرات الآلاف من أسرى تنظيم “داعش”، والذي يقدر عددهم بما يناهز 70 ألفاً من عناصر وقياديين؟ فمن الوارد أن مآلاهم الإفلات من السجون والمعتقلات.

وتتكفل قوات سوريا الديمقراطية بحراسة عناصر “داعش” والإشراف على معسكرات ومخيمات الاعتقال لعائلاتهم إذ تشير التقديرات إلى ما ستشهده هذه الأماكن من حالات تمرد واسعة قد تتسع مع دخول العملية القتالية حيز التنفيذ.

ومع هذه المخاطر لن تتوانى واشنطن وموسكو بالتزام موقفهما بصد الهجوم، وعدم الموافقة عليه للمرة الثانية خلال عام، وتتشاطر الدولتان رؤية عن عدم جدوى تحريك المياه الراكدة في أماكن فيها تشابك بالمصالح، إضافة إلى حضور لأفراد تنظيم “داعش” بعد القضاء على رموزه إذ ما زالت تلوح بين الفينة والأخرى إطلالة له في البادية إبان محاولات متكررة وكثيرة، مقابل ذلك لا زالت التوقعات بالتوغل التركي قائمة مهما تأجلت العملية العسكرية التي يكتنفها الغموض والترقب.

اندبندنت عربية

————————-

منبج وتل رفعت.. مناطق استعصت على الدبلوماسية التركية منذ سنوات فهل يحسمها الخيار العسكري؟/ إسماعيل جمال

منذ إطلاق الجيش التركي أولى عملياته العسكرية في شمالي سوريا (درع الفرات) عام 2016، وضعت تركيا نصب أعينها السيطرة على المنطقة الحدودية من منبج ومنطقة تل رفعت الاستراتيجية، وسعت إلى ذلك خلال عمليتي “غصن الزيتون” ولاحقاً “نبع السلام” إلا أنها لم تتمكن من ذلك نتيجة التعقيدات السياسية والعسكرية مع الجانبين الأمريكي والروسي طوال السنوات الماضية.

وطوال السنوات الماضية، هددت تركيا مراراً بالقيام بعمليات عسكرية للسيطرة على منبج وتل رفعت، وحشدت قواتها في أكثر من مرة، وهو ما كرره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، حيث هدد بأن العملية العسكرية التي تهدد تركيا بالقيام بها منذ أيام في شمالي سوريا سوف تستهدف منطقتي منبج وتل رفعت، ما أعاد المنطقتين إلى الواجهة مجدداً.

وما زال من المبكر جداً التكهن حول ما إن كانت التهديدات التركية هذه المرة سوف تتحول بالفعل إلى عملية عسكرية ضد هذه المناطق، أم أنها ستكون حلقة جديدة في سلسلة التهديدات السابقة، التي انتهت دون مهاجمة المناطق التي باتت رهينة لحسابات سياسية وعسكرية معقدة، تدخل في إطارها روسيا وأمريكا وقوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية، إلى جانب الوحدات الكردية التي تنتشر في هذه المناطق بشكل مباشر.

وفي السابق، لعبت روسيا دوراً محورياً في إعاقة المخططات التركية السابقة للسيطرة على منبج وتل رفعت، حيث يتمتع الجيش الروسي بالكلمة العليا في تلك المناطق، التي تقول تركيا إنها تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، وأن تنظيم بي كا كا والوحدات الكردية يتخذانها معقلاً ومقراً لشن الهجمات على القوات التركية المنتشرة في شمالي سوريا والحدود التركية.

وتقول أنقرة إن تل رفعت تعتبر القاعدة الأساسية للوحدات الكردية للقيادة والتخطيط وإعداد المتفجرات والصواريخ لتنفيذ الهجمات ضمن مناطق انتشار الجيش التركي في حدود عمليات “نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون”، كما تقول إن السيطرة على منبج مهمة جداً من أجل قطع التواصل بين مناطق سيطرة الوحدات الكردية، وضرب مخطط إقامة ما تسميه أنقرة “كياناً انفصالياً إرهابياً” تعتبره بمثابة “التهديد الأول للأمن القومي التركي”.

وعلى الدوام ارتبطت العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا بالحسابات السياسية قبل العسكرية، واحتاجت أنقرة للتوصل إلى تفاهمات سياسية متفاوتة لمنع الاشتباك قبيل عملياتها السابقة في سوريا، ولكنها لم تنجح في إقناع روسيا وأمريكا بتجنب الاشتباك في حال تنفيذ عملية عسكرية تهدف للسيطرة على منبج وتل رفعت.

وهذه المرة، لا يعرف ما إن كانت أنقرة قد نجحت أو أنها ستنجح بالفعل في الأيام المقبلة بالتوصل إلى اتفاق مع الجانبين الروسي والأمريكي لمنع الاشتباك في تل المناطق للبدء بتنفيذ العملية، أم أن أنقرة اتخذت قرارها بشكل قطعي بالبدء بالعملية حتى لو لم يتم التوصل إلى هذه التفاهمات، لا سيما عقب تصريحات أردوغان وعدد من وزراءه بأن بلادهم “لا تحتاج إذن من أحد” من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية التي تهدد أراضيها.

والأربعاء، قال أردوغان إن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة بشأن قرارها إنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترا شمالي سوريا، و”تطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين”، وقال في كلمة أمام الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم: “من يحاولون إضفاء شرعية على تنظيم “بي كا كا” الإرهابي وأذرعه تحت مسميات مختلفة لا يخدعون إلا أنفسهم”، معتبراً أن “الجهات التي تقدم السلاح للإرهابيين مجانا وتمتنع عن بيعه لتركيا تستحق لقب دولة إرهاب لا دولة قانون”.

والثلاثاء، أكد أردوغان أن “إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كم بات ضرورة ملحة”، وذلك في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما اعتبر بمثابة رسالة تركية رسمية لروسيا بنية أنقرة القيام بعملية عسكرية قريبة في تلك المناطق.

وتعتقد أطراف تركية مختلفة بقدرة أنقرة على إقناع روسيا وأمريكا بإفساح المجال أمام قواتها للتحرك ضد الوحدات الكردية هذه المرة، وذلك استناداً إلى الحسابات السياسية والعسكرية الجديدة التي فرضها الحرب في أوكرانيا لا سيما تزايد المصالح التركية الروسية إلى جانب رغبة واشنطن في ترغيب تركيا بدعم طلب قبول فنلندا والسويد في حلف الناتو وذلك من خلال إبداء تفهّمها لحاجة أنقرة لمحاربة التهديدات الإرهابية ضد أراضيها.

القدس العربي

—————————-

مأزق أردوغان/ كمال اللبواني

استغلّ الرئيس التركي طلب انضمام فنلندا والسويد للناتو لكي يطالب الناتو بسياسة أكثر تفهماً للمخاوف التركية من التهديد الكردي المزعوم بتقسيم بلاده، مشكلته ليست مع السويد أو فنلندا فقط، بل مع معظم دول الناتو، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

فالقضية الكردية هي استثمار استراتيجي بعيد المدى لمنع قيام تحالفات تعيد أمجاد الدولة العثمانية، كما هو الحال في دعم الغرب للتمدد الإيراني نحو المتوسط، فكلا المشروعين يمنعان تلقائياً تركيا من استغلال فشل الدول العربية لاستعادة ما خسرته في الحرب العالمية الأولى.

مشكلة فنلندا والسويد أنهما بعد تقديم طلبهما تعيشان قلقاً من العدوانية الروسية التي استفزتهما، لذلك تستعجل قرار قبولها لتحصن نفسها ضد العدوانية الروسية، وهنا خرج أردوغان للعلن ورفض انضمامهما مشترطاً عليهما شكلاً، وعلى الولايات المتحدة ضمناً، أن تغيرا سياساتهما تجاه الحزب المسلح الكردي بفروعه كافة (أقصد PKK) متهماً إياه بالعنف اليساري والميول للنظرية الشيوعية، والإرهاب الذي يستهدف المدنيين، من دون تقبل مطالب الشعب الكردي التي يتبناها الحزب، محاولاً السير في الفجوة التي تحدثها الصراعات الكردية التي تجلت في انقسام الكرد بين قسد والمجلس الوطني ووقوف أربيل ضد قسد، متوهماً أن المناخ مناسب لشن عملية عسكرية ضد قسد في سوريا.

الأمريكي هو الذي يدعم قسد، مادياً وعسكرياً وسياسياً، كونه الطرف الكردي الذي يملك قوة عسكرية منظمة، تحكم أرضاً واسعة، بينما فنلندا والسويد يطبقان تجاه قسد سياسة الاتحاد الأوروبي، ومعظم دوله أعضاء في الناتو، فهم لا يضيفون جديداً على المعادلة التي تحكم علاقة تركيا بالناتو وعلاقة الناتو بالكرد المسلحين. وهم ليسوا قادرين على تغيير سياسة الناتو كما يطلب أردوغان، لذلك وصلت المفاوضات بينهما لطريق مسدود منذ اليوم الأول، عندما حيدت أمريكا نفسها وطلبت منهم التفاوض المباشر لحل مشاكلهم البينية، متجاهلة مطالب التركي الموجهة لها عبر البريد السويدي والفنلندي.

وبانتظار اجتماع الناتو القريب، لا تملك السويد سوى رمي الكرة في ملعب الناتو الداخلي وتطلب منه جواباً جماعياً سريعاً على طلبها، وهذا يعني معركة شد شعر بين الأمريكي والتركي، ونظراً لموقف أمريكا البارد وعدم رغبتها بتقديم أي تنازل للتركي، فإن انضمام هاتين الدولتين أصبح صعباً، وهذا يطرح احتمال توقيع اتفاق من دون تركيا كحل، وهو ما سيجعل تركيا عملياً عضواً منبوذاً في الناتو، وما سوف يثير غضب تركيا ويدفعها للتورط عسكرياً في حرب مع قسد التي ستحظى بدعم غربي، مما سيجعل من سقوط أردوغان في الانتخابات القادمة أمراً مرجحاً وهذا ما يطلبه الغرب حالياً، أمريكا تريد توريط تركيا في صراع عسكري لا يحقق أي نتائج استراتيجية حاسمة، غير استنزاف أردوغان.

لذلك على تركيا أن تعيد حساباتها كاملة وتركز على استقرارها والانتخابات القادمة بدل المغامرة بكل شيء، كما فعل صدام، فاستقرار تركيا مرهون بفوز أردوغان في الولاية الجديدة، وغيابه سيفتح أبواب الصراع لعدم توفر نضوج سياسي كافٍ يمكنه استلام السلطة الشمولية بعده.

كما أن خروج تركيا خارج الناتو وتحالفها مع الروس والصين سيقلب المعادلة كلياً في الشرق الأوسط وسيدفع الغرب لزعزعة استقرار تركيا بوسائله المعروفة، الاقتصادية والسياسية والمخابراتية. هنا تدخل إسرائيل على خط التهدئة وصياغة تعايش مؤقت جديد بين الغرب وتركيا بانتظار حسم مسألة الخطر الإيراني الوشيك والخطير، من دون التضحية بالمشروع الكردي البديل عن المشروع الإيراني الذي يجب أن يفصل تركيا عن امتدادها جنوباً نحو الصحاري العربية.

لا أتوقع عمليات عسكرية كبيرة بل مجرد تسخين عسكري لملف سياسي ستخسره تركيا نتيجة حساباتها العاطفية.. تورّط تركيا بعملية عسكرية جدية واسعة ستعني نهاية أردوغان على الأقل، الذي لا يملك عملياً سوى إمكانية التحرك المحدود والمقيد الذي لا يغير من المعادلة.

حلّ القضية الكردية غير ممكن بشكل عسكري، ولا بد من الحوار الطويل والبحث عن صيغ تعايش جديدة للقوميات في المنطقة، وهو الطريق الوحيد للاستقرار وللاستقلال وتقليص التدخل والتلاعب الغربي بمصير وشعوب المنطقة الاستراتيجية التي تسمى بالشرق الأوسط الكبير.

———————-

واشنطن: أي هجوم تركي جديد في سورية “يقوض الاستقرار الاقليمي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الدفاع خلوصي آكار (انترنت) الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الدفاع خلوصي آكار (انترنت)

مشاركة

اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن،  أن شن تركيا لعملية عسكرية جديدة في سورية “سيعرض المنطقة للخطر”.

وجاء تحذير بلينكن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، أمس الأربعاء.

وقال بلينكن إن “القلق الكبير الذي يساورنا، هو أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي، وأن يوفر للأطراف الفاعلة الخبيثة إمكانية لاستغلال عدم الاستقرار”.

وأضاف “لا نريد رؤية أي شيء يعرض الجهود التي بذلناها، لإبقاء تنظيم الدولة الإسلامية في الصندوق الذي حبسناه فيه للخطر”، مؤكداً معارضة واشنطن لأي عملية عسكرية.

تحذيرات بلينكن تزامنت مع إصرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على نية بلاده تنفيذ عملية عسكرية جديدة، ضد مواقع تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”.

وقال أردوغان، خلال كلمة له أمام أعضاء حزب “العدالة والتنمية” في البرلمان التركي، أمس الأربعاء، إن بلاده ستنتقل قريباً إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بشن عملية عسكرية شمالي سورية، لإنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً.

ومنذ أسبوع صدرت تصريحات من مسؤولين أتراك، عن التجهيز لشن عملية عسكرية جديدة شمالي سورية.

لكن واشنطن حتى الآن تعبر عن رفضها للعملية، إذ نقلت وكالة “رويترز” في وقت سابق، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، قوله: “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سورية، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين هناك”.

ورداً على الموقف الأمريكي، اعتبر أردوغان أن واشنطن تدعم “التنظيمات الإرهابية” شمال شرقي سورية، عبر تقديم أدوات ومعدات عسكرية وذخيرة.

وقال:”إذا كانت الولايات المتحدة لا تقوم بما يترتب عليها في مكافحة الإرهاب فماذا سنفعل؟ سنتدبر أمرنا، فلا يمكن محاربة الإرهاب عبر أخذ إذن من أحد”.

ورغم عدم تحديد المناطق التي قد تستهدفها العملية التركية المحتملة، لكن وسائل إعلام مقربة من أنقرة، كانت أشارت إلى أنها قد تكون باتجاه “منبج بريف حلب، تل رفعت بريف حلب، عين العرب (كوباني)”.

وأكد الرئيس التركي أمس، بأن العملية العسكرية التي تنوي بلاده تنفيذها في سورية، تستهدف السيطرة على منطقتي تل رفعت ومنبج بريف حلب.

—————————————

أردوغان يحدد نطاق العملية العسكرية المرتقبة في سورية.. ماذا تشمل؟

قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن العملية العسكرية التي تنوي بلاده تنفيذها في سورية، تستهدف السيطرة على منطقتي تل رفعت ومنبج بريف حلب.

وخلال كلمة له أمام أعضاء حزب “العدالة والتنمية” في البرلمان التركي، اليوم الأربعاء، قال أردوغان إن بلاده ستنتقل قريباً إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بشن عملية عسكرية شمالي سورية، لإنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً.

ومع غياب التفاصيل الدقيقة حول توقيت العملية العسكرية التركية، حدد الرئيس التركي، اليوم الأربعاء، نطاق العملية، مشيراً إلى أنها ستشمل منطقة منبج، الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتل رفعت الخاضعة ليسطرة “قسد” وقوى أخرى.

    نحن بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارنا المتعلق بإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترا شمالي #سوريا وتطهير تل رفعت ومنبج من الإرهابيين

    الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان pic.twitter.com/VAVm8ITB8d

    — ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) June 1, 2022

وتسيطر “قسد” على مدينة منبج ومعظم ريفها، وتعتبر المدينة محط خلاف بين تركيا وأمريكا من جهة وبين تركيا وروسيا من جهة أخرى، وسط غموض في الاتفاق بين هذه الدول على مصير المدينة.

فيما تنتشر في جيب تل رفعت عدة قوى عسكرية، بينها قوات الأسد و”وحدات حماية الشعب”، إلى جانب عناصر من الشرطة الروسية، وقوات أخرى محسوبة على الميليشيات التي تدعمها إيران.

ويأتي حديث أردوغان عن نطاق العملية العسكرية بعد يومين من مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ناقشا خلالها ملفات عدة، بينها الملف السوري.

وحتى الآن لا توجد مؤشرات عن توقيت العملية العسكرية التي هددت بها تركيا منذ أسبوعين، وعما إذا كانت ستتم بالفعل في الأيام المقبلة.

وبالتزامن مع التهديدات التركية، شهدت الأيام القليلة الماضية،  سلسلة تحركات عسكرية روسية “مريبة” في مناطق شمال وشرق سورية، في خطوة ربطتها وسائل إعلام مع التهديدات التي أطلقتها تركيا بشأن شن عملية عسكرية هناك.

وذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية، السبت الماضي، أن تعزيزات عسكرية جديدة بينها طائرات مروحية وحربية وصلت إلى مطار القامشلي، والذي يضم إحدى القواعد العسكرية الروسية.

وتضم التعزيزات معدات عسكرية حربية، إضافة إلى سرب من الطائرات المروحية وعددها ستة وطائرتان حربيتان.

يُشار إلى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سيجري زيارة رسمية إلى تركيا، الأسبوع المقبل، لمناقشة ملفات عدة، أبرزها الملف الأوكراني، وسط توقعات بمناقشة العملية العسكرية التركية المحتملة أيضاً.

وتنتشر القوات الروسية في مناطق متفرقة في شمال وشرق سورية، وجميعها تخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”

—————————–

روسيا وتركيا والعملية العسكرية في الشمال السوري.. تحالف خاسر؟/ محمد وسام

يتعقد الموقف التركي بشأن العملية العسكرية في مناطق شمالي سوريا، بحجة إقامة “المنطقة الآمنة“، وذلك مع رفض جميع الأطراف الدولية لأي تحرك عسكري من قبل تركيا في عمق الأراضي السورية، لتلجأ أنقرة إلى المناورة مع روسيا أملا في الحصول على موافقة من شأنها السماح لها بشن هجمات محدودة.

تعاون تركي روسي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أجرى اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الإثنين، وذلك لبحث سبل التعاون في تحقيق الأهداف التركية للدخول بعمق الأراضي السورية والوصول إلى “المنطقة الآمنة“.

وقال أردوغان بحسب بيان صادر عن الرئاسة التركية، إن: “إنشاء منطقة آمنة في سوريا على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كم بات “ضرورة ملحة“، مشيرا إلى أنه بحث العديد من القضايا مع بوتين في مقدمتها الحرب الدائرة في أوكرانيا.

ويتعقد الموقف التركي فيما يتعلق بالتهديدات التي أطلقها أردوغان قبل أيام، لا سيما وأن التعاون مع الروس لا يبدو أنه سيأتي ثماره مع رفض كافة الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي رفضت بشكل صريح ومعلن أي تحرك عسكري للأتراك شمالي سوريا.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش، أن المنطقة الآمنة التي تتحدث عنها تركيا في الشمال السوري “صعبة التحقيق“، وذلك لأسباب عدة في مقدمتها رفض الأطراف الدولية في المرحلة الراهنة للتهديدات التركية.

قد يهمك: “مرتزق” سوري يروي قصة نقله من تركيا للقتال في ليبيا

موافقات دولية مفقودة

ويقول كوش في حديثه لـ“الحل نت“: “هذا الأمر يتطلب، موافقات دولية على المستوى الحقوقي، وتحتاج أيضا إلى موافقة مجلس الأمن وهذا صعب المنال، ليس هناك إجماع دولي على إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري كما تطمح له تركيا“.

وحول تفاصيل التحركات العسكرية في سوريا، يؤكد كوش أن تركيا فيما إذا أرادت الدخول بمعركة غرب الفرات، فتطلب ذلك موافقة روسيا، ولذلك لجأ أردوغان إلى الحديث مع بوتين.

ويضيف: “هذه المنطقة تخضع للنفوذ الروسي، لكن روسيا هي الأخرى في موقف صعب على المستوى الدولي بعد غزو أوكرانيا، أما إذا كانت العملية التركية شرق الفرات، ستطلب موافقة مزدوجة بين أميركا وروسيا، وهذا غير مطروح الآن، أميركا لن تسمح بذلك.. العملية العسكرية ليست في متناول يد تركيا،“.

وحول أسباب لجوء أردوغان لروسيا لدعم موقفه في العملية العسكرية، يعتقد الحقوقي حسان الأسود، أن مناورات أردوغان مع الروس، هي لرفع وتيرة الضغط من قبل تركيا على الأميركيين والأوروبيين.

ويقول  الأسود في رسالة إلى “الحل نت“: “لا أعتقد أنّ الأتراك سيتوقفون عن محاولة الدخول إلى شمال سوريا والاستيلاء على مزيد من الأراضي بحجّة ملاحقة أوكار حزب العمال الكردستاني.. كما أن أردوغان يسعى للفوز بالانتخابات القادمة بأي ثمن، لذلك سيكون التفاهم مع الأمريكيين والأوروبيين هو توجه بعيد المدى، أما مناوراته مع الروس فهي للحصول على أوراق تفاوض أكبر“.

ويختم رسالته بالقول: “مع كل ذلك، لم يفقد الروس وزنهم النوعي في سوريا رغم الأزمة المستفحلة في أوكرانيا، ولذلك سيضغطون بدورهم على الأتراك لتقديم تنازلات تفيدهم هناك، وقد يكون الثمن هو إعادة فتح المجال الجوي التركي أمام الطيران الروسي“.

حكومة دمشق علقت أخيرا على التهديدات التركية بشأن عملية عسكرية شمالي البلاد، حيث قال وزير خارجية دمشق فيصل المقداد الإثنين، إن: “ممارسات النظام التركي الاستعمارية في المنطقة تلحق أضراراً بيئية واقتصادية كبيرة في كل من سوريا والعراق وإيران ودول أخرى” حسب قوله.

وأضاف خلال لقائه بمعاون الرئيس الإيراني، أن: “محاولات إنشاء ما تسمى “منطقة آمنة” في شمالي سوريا سيؤدي إلى إحداث تغييرات ديموغرافية وبيئية خطيرة في دول المنطقة“.

ومنذ 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس) التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب التي كانت يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وتلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019. هذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ“حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.

ماذا عن المنطقة الآمنة؟

بالتوازي مع التهديدات التركية بشن عمليات عسكرية في الشمال السوري، كان الرئيس التركي قد دعا الدول الأعضاء بـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) الحليفة لبلاده إلى دعم جهودها الرامية لإقامة منطقة آمنة على الحدود مع سوريا، لاستيعاب اللاجئين وضمان أمن حدود تركيا الجنوبية، وفق تعبيره.

وتابع خلال حديثه مؤخرا أمام نواب حزب “العدالة والتنمية “الحاكم بالبرلمان التركي “علينا أن نخاطب كل الحلفاء في المنطقة، وأيضا الحلفاء في حلف (الناتو)… فلتقفوا مع تركيا أمام هذه التحديات، ولا تمنعوها من السير قدما في إنشاء هذه المنطقة الآمنة، وإكمالها وتأمين الرفاهية فيها“.

أميركا لن تسمح بذلك

المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، قال في مقابلة صحفية خاصة مع موقع “الحل نت” إن واشنطن تدين أي تصعيد وتدعم الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في سوريا، مبديا القلق الشديد للولايات المتحدة بشأن التقارير حول زيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، لما في ذلك من تأثير على المدنيين السوريين.

وربيرغ بيّن خلال حديثه لـ“الحل نت” حول إمكانات إنشاء “المنطقة الآمنة” بأن الولايات المتحدة تدعو كافة الأطراف إلى وقف إطلاق النار وعدم التصعيد لأن هذا لا يصب في مصلحة الشعب السوري، كما أن وقف إطلاق النار هو الذي سيضمن ويساهم في استقرار المنطقة على المدى الطويل. “نبقى على اتصال بالمسؤولين الأتراك للحديث عن أي مخاوف أمنية، ولكن في الوقت الحالي من المهم جدا المحافظة على خفض التصعيد“.

الحل نت

—————————

السوريون في تركيا..هل حان وقت الترحيل؟/ محمد السكري

غداة إعلان التحالف الحكومي المتمثل بالشعب والذي يضم حزبي العدالة والتنمية، والحزب القومي التركي عزمهما على إعادة مليون سوري إلى المناطق الآمنة، بدأت الأضواء تتجه نحو ملف اللاجئين السوريين في تركيا، وعن ماهية تلك الإعادة.

بادئ ذي بدء، أتى هذا الإعلان من خلال تصريحات مختلفة بدأها رئيس الحزب القومي دولت بهجلي، خلال دعوته لعودة اللاجئين. ومن ثم، أتبعت بتصريحات مختلفة من كل من وزير الداخلية التركية سليمان صويلو، وكذلك الأمر وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في ذات الإطار.

قبل أن يعلن عن تفاصيلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 3 أيار/ مايو 2022 خلال افتتاح مجمعات سكنية “مسبقة الصنع” على أطراف مدينة إدلب معلناً عزم بلاده على إعادة مليون سوري تحت مسمّى برنامج “العودة الطوعية”.

في حين، تزامن ذلك مع تصريحات سابقة أدلى بها وزير الخارجية، كشف من خلالها عن مساع تقودها الأمم المتحدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام السوري من خلال مشروع مع دول إقليمية مختلفة منها؛ الأردن، لبنان، العراق.

مفصحا أنَّ هذه العودة في الغالب ستكون تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة من خلال حرص الأخيرة على توفير بيئة آمنة ومحايدة لعودة اللاجئين.

المعارضة التركية.. السوريون حامل انتخابي وحيد:

تستمر المعارضة التركية، باستخدام ورقة اللاجئين السوريين كحاملٍ انتخابي، ضد تحالف الشعب، مستندةً في ذلك على رأي شارع المعارضة الذي تشكل أهم أولوياته ملف اللجوء على رأسها السوري بطبيعة الحال.

عملياً، استطاعت المعارضة في تركيا، بتحويل هذا الملف إلى رأي عام مساند لها، من خلال الدعايات الإعلامية المشوّهة التي قامت ببثها بشكل مستمر حول ملفات مختلفة منها المساعدات الإنسانية، والتعليم، والصحة.

وقد تطور الأمر ليشمل عدم دفع الضرائب العامة للدولة، دون أن يكون هناك تصحيح لهذه المعلومات من قبل الحكومة إلا بعد مرور وقت طويل بشكل خجول. ومما رفع منسوب الخطاب غياب “الشفافية” بخصوص هذا الملف مع الشارع التركي.

إذ تبنى التحالف الحكومي خطاب فضفاض لا يفصح عن مصادر التمويل من قبل الاتحاد الأوربي بموجب اتفاقية الهجرة “2016” وبقي مصراً على القول إنَّ هذه المساعدات تقوم بها تركيا.

ولعلّ، الإعلان عن الأرقام المختلفة كانت تساهم بشكل مباشر بتأجيج الشارع ضد السوريين. في حين كانت المعارضة تعتمد على هذه التصريحات لانتقاد الحكومة وصولاً لمشهد اليوم في ملف اللجوء الذي أصبح معقداً للغاية.

مع ذلك، تستمر الخلافات حتّى داخل تحالف المعارضة التركية الأساسي “الطاولة السداسية” حول ملف اللجوء إذ لا يدعم حزبي التقدم والديمقراطية، والمستقبل عودة السوريين بالطريقة المطروحة من قبل المعارضة التركية. بينما الأحزاب الأخرى مثل النصر الذي يمثل حاملا أساسياً في هذا الملف ما زال خارج القائمة الأساسية الخاصة بالأحزاب التي ستخوض الانتخابات القادمة والتي قامت الهيئة العليا للانتخابات بالإعلان عنها نهاية العام 2021، ومن ثم أتبعتها بقائمة جديدة لم تشمل حزب النصر في أيار/ مايو، 2020 ليرتفع عدد الأحزاب إلى 26 حزباً، دون أن يعني ذلك أن فرص الأخير لخوض الانتخابات غير ممكنة.

على أيّة حال، تُقدّم المعارضة التركية تصورات مختلفة وتشترك في العنوان العريض لإعادة السوريين، إذ تتمحور من بوابة إعادة العلاقات مع النظام السوري. في اعتقادٍ منها بأنّ الموقف التركي هو المسبب الأساسي لموجة اللجوء.

وهذا غير صحيح، فالموقف اللبناني المؤيد للنظام السوري، والموقف الأردني الذي تغير لم يساعد تلك الدول على إعادة اللاجئين. على العموم، ما عدا ذلك لا تقدم المعارضة التركية أيّ طرحٍ اتجاه التفاهمات الثنائية التي عقدتها أنقرة مع أطراف محلية سورية أو دولية مثل تفاهمات “آستانة وسوتشي” لأنَّ الملف هو أكبر من قدرتها على ذلك.

يمكن القول إذا ما استطاعت المعارضة التركية، الوصول إلى السلطة من المستبعد أن تستطيع ضبط المنطقة الحدودية “لو أعادت العلاقات مع النظام”، أو تعيد اللاجئين له.

في الأصل هذا الأمر غير مرتبط بإعادة العلاقات مع النظام السوري لأن الأخير لا يسيطر على تلك الجغرافيا، والتعاون معه يعني انخراط المعارضة التركية بحربٍ من نوع مختلف هذه المرّة ضد فصائل المعارضة السورية.

وهذا يدفع للقول إنّ هذه المؤشرات تنفي رواية المعارضة التركية، بأنّها ستعيد العلاقات مع النظام فقط لأجل إعادة اللاجئين، لأنّ الملف السوري ليس ملفا سياسيا فقط بل أمنيا، فمن الصعب أن تقبل فصائل المعارضة السورية تسليم المنطقة كما تعتقد المعارضة التركية.

أضف إلى أنَّ التنازل عن ورقة اللجوء يعني خسارة أنقرة ورقة مهمة في الإطار الدولي وهي تفاهمات اتفاقية الهجرة “2016” مع الاتحاد الأوربي فضلاً عن تبعات هذا الملف على الصعيد الدولي، لذلك، يبقى هذا البرنامج ضعيف وصعب التحقيق، ويهدف فقط لاستقطاب شرائح مجتمعية للانتخابات القادمة دون أن يعني القدرة على إعادة السوريين.

التحالف الحكومي… لا خيارات كثيرة:

من الواضح، أن خيارات الحكومة التركية قليلة بشأن اللاجئين السوريين، لذلك هي ترى أنّ إعادة المليون سوري إلى مناطق المعارضة السورية، قد يساعد على التقليل من حالة الاستياء من اللاجئين في تركيا، بالتالي سحب أهم أوراق المعارضة التركية.

ومن المفترض أن ينفذ برنامج “العودة الطوعية” على عدة مراحل تبدأ باستهداف المخالفين الذين في الغالب يقطنون في ولايات غير مسجلين بها بغاية العمل، أو هؤلاء الذين توقفت بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بهم، إضافةً لشرائح مختلفة من العمال ولا سيما ممن لا يمتلك إذن قانوني للعمل. أضف لذلك اللاجئين المقيمين في مخيمات داخل الأراضي التركية.

فضلاً عن الشرائح التي ليس لديها مشاكل أمنية مع النظام السوري، والتي تتنقل بين دمشق وتركيا بين الفينة والأخرى هذا الشريحة في الغالب تحوز على “الإقامة السياحية” لذلك ترى أنقرة أن الجهود الإقليمية في إطار ملف اللاجئين والذي باتت تقوده الأمم المتحدة مع النظام السوري قد يساعد على إعادة شرائح معينة لمناطق النظام.

أنقرة، تعمل أو تتدعي أنها تعمل على تعزيز البنية التحتية في مناطق المعارضة السورية، على الأقل في المنطقة التي تبسط بها نفوذاً كاملاً في ريف حلب وريف الرقة جزئياً من خلال إنشاء الملاعب والمنشآت الصناعية.

أضف على الإصلاحات داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي من الأساس مرتبط بمسار تطوير الجانب التنفيذي في تكتل المعارضة من خلال دعم إعادة تثقيل وتمثيل المجالس المحلية. بالتالي، توسيع نفوذ المؤقتة داخل كيان المعارضة الرسمي بما ينسجم مع الرغبات والتوجهات التركية في هذا الإطار.

مع ذلك، ورغم تلك المساعي، لا يمكن اعتبار هذه المنطقة آمنة لحد هذه اللحظة بسبب استهدافها بشكل مباشر من قبل القوى الأخرى ولا سيما النظام السوري، وقد أكّد ذلك وزير الخارجية التركي سليمان صويلو، خلال لقاءٍ أجراه بقوله إن هذه المنطقة ما زالت غير آمنة وحتى الجنود الأتراك يتعرضون للاستهداف.

وهذا ما يدفع للقول، لا يمكن تسمية هذه المنطقة بأنّها آمنة إذا لم تتوفر بها أبسط مقومات البيئة المحايدة، وهذا من الأساس يحتاج إلى تفاهمات في إطار الملف السوري كاملاً والمضي قدماً في العملية السياسية دون ذلك لا يمكن اعتبار أي منطقة سورية بأنّها آمنة.

———————

==================

تحديث 03 حزيران 2022

———————

في معنى تأييد عملية تركيّة جديدة في سوريا/ صادق عبد الرحمن

يتحدث أردوغان عن عمليات عسكرية تركية جديدة قادمة في الشمال السوري، ولا شك أن إبعاد مسلحيّ الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني عن الحدود هو أحد أهداف هذه العمليات المتكررة، لكن مجمل السياسات المتّبعة في مناطق سيطرة الجيش التركي وأتباعه تقول إنه ليس الهدف الوحيد، وإن من أهدافها أيضاً إحداث تغييرات اجتماعية وإدارية وثقافية يصعب التراجع عنها في الشمال السوري، بما في ذلك تغييرات ديمغرافية في المناطق ذات الغالبية الكردية على ما يشرح مثال عفرين. نعرف أن مزيجاً من التعصّب القومي والدعاية الحكومية المضلّلة يدفع أتراكاً كثيرين لتأييد عمليات كهذه، لكن هل يسعنا أن نعرف ما هو المزيج الذي يدفع سوريين إلى تأييد عمليات تركية جديدة في الشمال السوري اليوم؟

على صفحات التواصل الاجتماعي نقاشاتٌ كثيرةٌ غاضبة بين معارضين سوريين مؤيدين للعملية التركية ومعارضين سوريين رافضين لها، وتنتهي حجج أنصار العملية التركية منهم إلى أربع: الأولى هي ضرورة التحالف مع «إخوتنا الأتراك» في مواجهة «ملاحدة الأكراد» أو «الميليشيات الانفصالية» أو «الأقليات الطائفية»، والثانية هي الانتقام من المسلحين الأكراد في قوات سورية الديمقراطية بسبب ما ارتكبوه سابقاً بحق قوى الثورة والمعارضة (أو بحق أهل السنّة أو بحق العرب… حسب خلفية المتحدّث وخطابه)، والثالثة هي تأسيس منطقة آمنة لِلاجئين ونازحين ومهجّرين سوريين بمن فيهم مُرَحَّلون و«عائدون طوعاً» من تركيا، والرابعة هي تأمين عودة المهجّرين على يد قسد إلى ديارهم في تل رفعت وغيرها.

لا يسعنا نقاش الحجّة الأولى على نحو جاد، لأن أصحابها لا يخرجون عن احتمالين: إما أنهم لا ينطقون عن قناعاتهم بل عن مقتضيات التبعية للحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية، أو أنهم ينطقون فعلاً عن قناعاتهم التي تستند إلى موقف طائفي أو قوميّ متعصّب غارق في الكراهية على نحو يستعصي نقاشه. كذلك، لا يمكن الخوض بعيداً في نقاش أصحاب الانتقام، ذلك أن الانتقام ليس عدلاً ولا باباً إلى العدل، وهو ليس إلّا مطيّة لكل أنواع التعصّب والكراهية القومية والطائفية، وهو فوق ذلك لا ينفع صاحبه في شيء، لكنه قد ينفع من يستثمر فيه لتعزيز السلطة أو اكتسابها.

أما ما يتعلّق بتأسيس منطقة آمنة للّاجئين، فواضحٌ تهافتُ هذه الحُجّة من ثلاثة وجوه. فأولاً، لن تكون هذه منطقة آمنة محمية دولياً، بل هي محميةٌ، شأنها شأن مناطق السيطرة التركية اليوم، بتفاهمات مع روسيا يمكن أن تنهار في أي لحظة، وليس مفهوماً ما الذي يمكن أن يُضيفه توسيع مساحتها إلى الأمر. وثانياً، هي تأتي في سياق مشاريع للتغيير الديمغرافي وتخليص تركيا والمجتمع الدولي من عبء أزمة اللاجئين، وهي فوق ذلك ستكون هدية للنظام وحلفائه الإيرانيين الراغبين في تحويل جرائم التهجير التي ارتكبوها إلى تغييرات ديمغرافية دائمة. وطبعاً، لا يُمانع عاقلٌ في أن يتم تنفيذ مشاريع لتخليص نازحين من حياة الخيام ونقلهم إلى بيوت إسمنتية، ولكن ما علاقة ذلك بعمليات عسكرية جديدة؟ وثالثاً، فإن نظرة سريعة إلى الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في مناطق سيطرة الفصائل السورية التابعة لتركيا تكفي لأخذ فكرة عن نوع «الأمان» الذي يمكن أن توفّره هذه المنطقة الآمنة.

تبقى الحُجّة الأخيرة المتعلّقة بإعادة مهجَّرين إلى بيوتهم، ولعلّه يمكن التعاطف معها للوهلة الأولى، لكنَّ نظراً متأنياً فيها يقودنا إلى القول إنها تعني، في نهاية المطاف، استعادةً لحقوق أشخاص على حساب حقوقِ غيرهم، إذ ستؤدي العمليات الجديدة إلى تهجير آخرين دون شك، فضلاً عن الموت والدمار والانتهاكات التي ستنجم عنها، على ما شهدنا ونشهد في عفرين وشمال الجزيرة السورية. وطبعاً، قد لا يكون سهلاً أن يَرُدَّ أحدنا على مزاودةٍ من قبيل: «عليكَ أن تجد حلّاً لأبناء تل رفعت المهجّرين قبل أن تعطينا دروساً في حقوق الإنسان»، إذ لا ردّ ممكناً سوى أن يُقال من قبيل السُخرية المريرة: «لماذا لا تجد أنتَ حلاً للقضية الكردية قبل أن تعطينا دروساً في حقوق المهجّرين».

على أي حال، تندرج هذه الحجج كلّها في سياق تبرير جرائم جديدة بجرائم أقدم، أو في سياق البحث عن حلول لأوضاع إنسانية صعبة عبر دفع أشخاص آخرين إلى أوضاع إنسانية صعبة، وحتى دون أن تكون الحلول المطروحة مضمونة ولو بالحدّ الأدنى. دعونا نتذكر معاً؛ لقد تحدّثَ كثيرون عن إعادة أبناء تلّ رفعت المهجرين في سياق تبرير الغزو التركي لعفرين عام 2018، واليوم لا يزال أبناء تل رفعت مهجرين، وفوق ذلك تم تهجير كثيرين من عفرين وتحويل حياة الباقين فيها إلى جحيم، وخاصة من الأكراد الذي يتعرضون لشتى أنواع الاستضعاف والجرائم والانتهاكات. تكفي هذه الواقعة لتكون صورة مكثّفة عن التدخلات العسكرية التركية في سوريا ونتائجها المحتملة.

لكن ما يثير الاستغراب فعلاً هو أن مؤيدي العملية التركية معارضون للنظام السوري، ويُفترَض أنهم يريدون إضعافَ النظام تمهيداً لحلّ يزيل الحكم الأسدي ويكفّ يد المخابرات السورية ومجموعات الشبيّحة، بما يُفضي إلى عودة المهجَّرين والنازحين واللاجئين جميعاً إلى بيوتهم. وقد بات واضحاً، منذ الغزو التركي لعفرين على الأقلّ، أن المشاريع العسكرية التركية في سوريا تسير عكس هذا الاتجاه تماماً، إذ بينما كان النظام وحلفاؤه يشنّون حرب إبادة وتهجير ضد سكّان غوطة دمشق عام 2018، كان مَن يُفترض أنهم «مقاتلون معارضون للنظام» يشاركون في اجتياح عفرين دفاعاً عن «الأمن القومي التركي». وبعدها كانت العملية التركية في الجزيرة السورية عام 2019، التي أسماها أصحابها «نبع السلام»، مدخلاً أساسياً لعودة قوات النظام إلى مناطق عديدة في الجزيرة السورية. وفوق ذلك، بينما ينبغي ممارسة كل ضغط ممكن لإجبار النظام على تقديم تنازلات في المفاوضات، تدفع تركيا أتباعها في المعارضة للانخراط في محادثات سخيفة بشأن الدستور، وتقود المسار السياسي السوري بالتعاون مع إيران وروسيا في دهاليز مسار أستانا، التي تم تصميمها لتجاوز ما تفرضه القرارات الأممية بشأن ضرورة تأسيس هيئة حكم انتقالي في سوريا تحلّ محلّ النظام.

لن تنطلق أي عملية تركية دون تفاهمات مع روسيا والولايات المتحدة، وهو ما نجحت الحكومة التركية في الحصول عليه قبل ذلك مراراً عبر شتى أنواع المساومات. وقد تؤدي عمليات تركية في تل رفعت ومنبج إلى إعادة بعض المُهجَّرين إلى بيوتهم فعلاً، وهو ما سيكون خبراً سعيداً للعائلات العائدة دون شك، لكنه لا يُلغي سياقاً كاملاً من تسخير السوريين وقضيتهم ودمائهم لصالح ما تعتبره الحكومة التركية مقتضيات أمنها القومي، ولا سياقاً من الانتهاكات بحق عموم السوريين، والأكراد منهم على وجه الخصوص. في الواقع، لا شيء يخصّ السوريين في العمليات التركية سوى أن مقاتلين منهم ينخرطون فيها على جانبي القتال، وأنهم سيدفعون أثمانها الكارثية اليوم وفي سنوات قادمة، وأن السوريين المعارضين سيخسرون مزيداً من رصيدهم الأخلاقي والسياسي نتيجتها، عبر مزيد من التبعية ومن تمريغ قضيتهم في أوحال جرائم وانتهاكات تُرتكب باسمِ ثورتهم على نظام الأسد.

في آخر الأمر، لقد ارتكب الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني انتهاكات مروعة في سوريا دون شك، غير أنه لا يَسعُ من يعتبر نفسه طرفاً في صراع عادل أن يبرّر دوسَ العدالة تحت أي ذريعة، ولهذا فإن الموقف الأخلاقي ضد العمليات التركية ليس ترفاً بالنسبة لخصوم النظام السوري، بل لعلّه الرصيد الوحيد الباقي بين أيدينا بعد أن انتصر حلفاء النظام في كل الميادين. ولكن فضلاً عن الجانب الأخلاقي، يحتاج تأييد عمليات عسكرية تركية جديدة من قبل معارضين سوريين إلى مزيج مُدمّر من قصر النظر السياسي والتعصّب.

موقع الجمهورية

————————

ليلى محمد ليست الأولى وربما ليست الأخيرة… أفق السوريين في تركيا مسدود/ يامن المغربي

سريعاً انتشر تسجيل مصوَّر يُظهر ضرب رجل تركي لامرأة سورية مسنّة تجلس على كرسي في مدينة غازي عنتاب (جنوب تركيا)، وسط ذهولها وعجزها، وذهول من شاهد التسجيل، إذ لم يتردد الرجل في رفس السيدة السورية الجالسة على الكرسي، على وجهها، قبل أن تضع ليلى محمّد يدها على وجهها وتنظر إلى عدسة التصوير بالذهول نفسه الذي قد يصيب كل من شاهد التسجيل، لكنها الضحية التي لا حول لها.

التسجيل الذي لا تتجاوز مدته الثواني المعدودات، أثار غضباً واستياءً عارماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في تركيا أو في خارجها، من قبل السوريين والأتراك والعرب الذين أعربوا عن تضامنهم مع الضحية.

يقول ابن شقيق ليلى المحمد، قدور دعاس، لرصيف22، إنهم (أي العائلة)، “واثقون بالقضاء التركي”، مشيراً إلى وجود 17 محامياً سورياً وتركياً تطوعوا للدفاع عنها، والإجراءات القانونية مستمرة عبر هؤلاء المحامين”.

بروي ابنها محمود حجو، في تصريحات صحافية، أن والدته تعاني من اضطراب عقلي نتيجة فقدانها ولدها في تركيا، قبل عشر سنوات، مما أضرّ بصحتها النفسية بشكل كبير، وتطور الضرر حتى أصابها بمرض “الزهايمر”، قبل عامين، وسبّب لها ما يُعرف بـ”الخرف المبكر”. وأضاف أنه “في يوم الحادثة، أوقفها بعض الأشخاص واتهموها بأنها تخطف الأطفال، ثم اتهموها بأنها رجل متنكر في زي النساء، وتحدّثوا معها باللغة التركية، وهي كانت ترد باللغة العربية من دون أن تفهم ما يقولون، ليُقدم أحدهم على ركلها على وجهها، وحدث هذا كله أمام مكتب مختار الحي”.

احتقان سياسي

يأتي حادث الاعتداء هذا، في ظل احتقان سياسي/ اجتماعي كبير، في تركيا، قبل عام من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتصاعد حدة الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتغذّي هذا الخطاب شخصيات تركية سياسية معارضة تتوعد اللاجئين بمجرد وصولها إلى الحكم بعودتهم مجبرين، أو بقرار شخصي، إلى بلد مصنف من ضمن أخطر بلدان العالم، في ظل وضع اقتصادي وسياسي وأمني سيء للغاية في سوريا.

الاعتداء الذي تعرضت له ليلى محمد، ليس الأول ضد السوريين، إذ سُجلت خلال الشهور الماضية حوادث اعتداء عدة على سوريين في إسطنبول ومدن تركية أخرى، بالإضافة إلى ظهور عبارات تحريض وخطاب كراهية على جدران عدد من الشوارع دعت إلى طرد السوريين والعرب.

ما حصل خلال الأيام الماضية، يفتح الباب بشكل مباشر أمام سؤالين مهمين يتعلقان بالوجود السوري في تركيا اليوم، الأوّل حول جدوى حملات التضامن الإلكترونية مع السوريين في تركيا (مع أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الإنسان اليوم)، والثاني حول أفق السوريين في تركيا.

حملات التضامن

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد تسلية في حياة الإنسان اليوم، بل تلعب دوراً مهماً كبيراً في ما يخص المعلومات والأخبار والشائعات وتشكيل حملات الضغط، ومن هذه النقطة تبرز أهمية حملات التضامن ضد العنصرية الممارسة على اللاجئين في تركيا أو في غيرها.

لكن هذه الحملات لا تبدو كافيةً لتغيير الواقع الذي يعيشه اللاجئون، أو التخفيف من الحملات العنصرية ضدهم، إن لم تترافق مع إجراءات قانونية وحملات كبيرة على الأرض. ويقول الناشط والحقوقي، طه غازي، لرصيف22: “هذه الحملات قد تؤثر على طريقة تعاطي المواطن التركي ورؤيته إلى حقيقة الوجود السوري في بلاده”.

ويربط غازي نجاح هذه الحملات وزيادة تأثيرها بعملية “المناصرة وحشد الدعم التي تستهدف الصورة المترسخة عن السوريين في أذهان شريحة من المجتمع التركي”، ويضيف: “للأسف الشديد خلال السنوات الماضية، دأبت المؤسسات السورية والإعلام السوري والمنظمات السورية في تركيا على تقديم اللاجئ السوري وفق نمطية الإنسان المحتاج إلى الصدقة، وما زالت. وهذه الصورة رسّخت في ذهن المواطن التركي بعد فترة زمنية، أن اللاجئ السوري عبء وحمل ثقيل وعالة على المجتمع، لذا فإظهار الجانب الإنساني مهم بالطبع، ولكن حملات المناصرة يجب أن تُظهر أن المجتمع السوري بعد عشر سنوات من وجوده في تركيا، بات فئةً منتجةً وقادرةً على إدارة شؤونها بنفسها من دون الاعتماد على أحد”.

ليست كافيةً

تشير مديرة الاتصال في اللجنة السورية المشتركة، إيناس نجار، لرصيف22، إلى أنه “لا يُمكن القول إن الأتراك جميعهم عنصريون، لكن الحالة العنصرية موجودة كما في كل بلدان العالم”. ومن هذا المنطلق، ترى أن “حملات التضامن ليست كافيةً، ولكنها ضرورية أيضاً لنفسية السوريين ليشعروا بأن الجميع ليسوا عنصريين، فالواقع يختلف عن وسائل التواصل الاجتماعي. لو كانت الحال كما هي عليه على مواقع التواصل، لكانت الدماء تسيل في الطرقات”.

تضيف: “من الضروري أن تترافق هذه الحملات مع دعم من المنظمات السورية في تركيا حتى لا يتراجع من يتعاطف نتيجة الضغط الذي يتعرض له”.

ويعيش في تركيا حالياً، وفق الأرقام الرسمية الصادرة في أيار/ مايو الماضي، عن دائرة الهجرة التركية، ثلاثة ملايين و762 ألف سوري و686، يعيش منهم أكثر من 542 ألفاً في مدينة إسطنبول، وإلى جانب هذه الأرقام فإن معظم الهيئات السياسية المعارضة، بمن فيهم أعضاء في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية”، و”المجلس الإسلامي السوري”، وعشرات المنظمات المدنية ووسائل إعلام سورية موجودة في تركيا، ومعظم هذه الهيئات لم تنجح في إقامة حملات مناصرة أو توعية، أو التحرك في اتجاه تخفيف الضغط عن اللاجئين السوريين.

ما الأفق؟

يعيش السوريون في تركيا، وكذلك في لبنان والأردن، قلقاً من نوع آخر، فمن جهة ليست لديهم القدرة على العبور إلى القارة الأوروبية، والحصول على أوراق قانونية أو فرص عمل أفضل، ومن جهة أخرى ليست لديهم القدرة على العودة إلى سوريا في ظل الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية الحالية، بغض النظر عن المناطق السورية التي ينتمون إليها.

ومن جهة أخيرة، فإن الأزمات المعيشية والاقتصادية والسياسية الحالية في البلدان المجاوة، تجعل شكل معيشة السوريين فيها أكثر صعوبةً، لذا يبدو السؤال حول “الأفق المتاح أمام السوريين في تركيا ومستقبلهم” ملحّاً، على وجه خاص. ويُضاف إلى ما سبق، إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال الشهر الماضي، عن “مشروع العودة الطوعية”، الذي يستهدف مليون سوري.

يرى غازي أن “اللاجئ السوري يتيقن أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين تيارات من المعارضة وتيارات في الحكومة التركية، الغاية منه الضغط على اللاجئ السوري وإلزامه وإجباره على التفكير في العودة إلى الداخل السوري، وهذا ما تزامن مع إطلاق مشروع العودة الطوعية إلى سوريا”.

ويقول: “الوصول إلى أوروبا في هذه الفترة صعب جداً، والبقاء في تركيا في ظل هذا الفراغ القانوني وغياب بيئة قانونية وحقوقية تحمي السوريين، يعني أننا قد نشهد في المرحلة المقبلة عودة قسم من الأسر السورية إلى الريف الشمالي في حلب أو إدلب، بشكل قسري أو مكرهةً، لأنها لن تجد بديلاً آخر لتتخلص من الوضع الحالي الذي يشهد غياب الاستقرار النفسي والوظيفي”.

ووفق غازي، فإنه وبقدر ما “تتحمل تيارات أو شخصيات من المعارضة التركية مسؤولية الوضع الحالي، فإن الحكومة التركية تتحمل المسؤولية أيضاً، لأنه كان يجدر بها أن تتعامل بصرامة وحزم مع كل شخصية حكومية تتبنّى هذا الخطاب، ولكن تعامل الحكومة بلا مبالاة وعدم مساءلتها شخصيات تركية ومحاكمتها، أعطى دافعاً لفئات أخرى في المجتمع التركي لتمشي في الاتجاه نفسه”.

من جهتها، تقول نجار إن “الوضع في تركيا من صعب إلى أصعب، خاصةً بعد استغلال اللاجئين بهذه الطريقة، ولكن علينا دور أيضاً عبر الالتزام بالقوانين التركية وعدم تعريض النفس لمواقف قد تؤدي إلى العنصرية أو إلى حالة من الحالات القضائية، وتعتقد أنه “لا يمكن إنهاء الحالة العنصرية لا الآن، ولا في المرحلة المقبلة، خاصةً أن ملف اللاجئين هو ملف دولي والهجرة ليست وليدة اليوم”.

رصيف 22

——————–

اللاجئون السوريون في تركيا: كباش سياسي ومساومة إقليمية/ كريم شفيق

مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا، بدأت خطابات القادة السياسيين تتضح أكثر، بخاصة في ما يتعلق باللاجئين السوريين.

لا تعدو اللافتات المنتشرة في شوارع تركيا، وتصاعد خطاب كراهية والتعبئة ضد اللاجئين السوريين، بالتزامن مع إعلان تنفيذ عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، كونها أمراً طارئاً أو مباغتاً. إذ إنّ ثمة سوابق لاستعانة الرئيس رجب طيب أردوغان بملف اللاجئين، بين الحين والآخر، لتحقيق أغراضه السياسية والإقليمية الموقتة. مع الأخذ في الاعتبار أنّ الرئيس التركي يواجه منافسة عنيفة مع قوى المعارضة التي تستخدم الملف ذاته في السباق الانتخابي بينما يتجه إلى تقليل فعالية خطاب خصومه السياسيين مع اقتراب الانتخابات، المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو 2023.

“ارجعوا إلى بلادكم”. كانت اللافتة التي قام رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، المنتمي لـ”حزب الشعب الجمهوري”، بتعليقها في أحد الشوارع الرئيسية، بينما وثق حدوث ذلك بتغريدة في “تويتر”. وأعلن مكتب المدعي العام في مدينة بولو، فتح تحقيق ضد رئيس البلدية، بتهمة “الكراهية والتمييز”، وأمر بإزالة اللافتة، وفق موقع وكالة أنباء تركيا.

مشروع “العودة الطوعية” الذي يواجه انتقادات حقوقية واسعة في ظل شبهات جمّة بوجود عودة قسرية للاجئين السوريين، ووقوعهم تحت وطأة مخاطر عديدة، برز باعتباره خطاباً سياسياً يختلف عن الخطاب السابق لأردوغان المنفتح على وجود اللاجئين. والخطاب الأخير يهدف للتشويش على خطاب المعارضة، واستمالة الناخبين المترددين، بما يعكس درجة الاستقطاب القصوى بينهما على خلفية السباق الانتخابي.

ومن ثم، فإنّ زوال “الحماية الموقتة” المحتمل للاجئين، والتي تبدو صيغة هشّة للتعاطي معهم، بينما تتآكل بفعل الاستعمال النفعي والانتهازي، قد تضطر مليون سوري من أصل ثلاثة ملايين و762 ألف لاجئ (وفق آخر إحصائية رسمية تركية)، إلى القبول بإعادة التوطين في “المناطق الآمنة” دون أي  ضمانات حقوقية، عملياً.

إذا كان الاقتصاد هو أول العوامل التي ستؤثر في الانتخابات المقبلة، فإن مشكلة اللاجئين في تركيا ستكون في المرتبة الثانية.

لين معلوف، نائبة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة “أمنستي إنترناشونال” قالت: “تصريحات أردوغان أنه يخطط لإعادة مليون لاجئ إلى سوريا تتعلق بشكل أساسي بالزخم الانتخابي وهي مثال حول الكيفية التي يتم فيها استخدام الملف السوري حسب الهوى”. وأردفت: “برغم عودة بعض اللاجئين إلا أن البعض أجبروا على العودة، في السنوات الماضية، وتطبيق هذه السياسة يعني خرقا لالتزامات تركيا المتعلقة بعدم إجبار اللاجئين على العودة بالقوة”.

منتصف آذار/ مارس الماضي، عرج أردوغان على قضية اللاجئين السوريين، أثناء مشاركته في حفل توزيع “جوائز الخير الدولية، وألمح إلى استغلال المعارضة، أو بالأحرى ملاسناتهم، بشأن ملف اللاجئين، وقال: “قادة المعارضة في هذا البلد الجميل تقول إنّنا سنرسل اللاجئين إلى بلادهم عندما نفوز في الانتخابات، أما نحن فلن نرسلهم لأنّنا نعرف جيداً من هم (الأنصار) ومن هو (المهاجر). سنواصل الاستضافة”.

إذاً، مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا، بدأت خطابات القادة السياسيين تتضح أكثر، بخاصة في ما يتعلق باللاجئين السوريين، وفق الباحث والكاتب السياسي التركي، تورغوت أوغلو، لافتاً في حديثه لـ”درج” إلى أنّه “إذا كان أثر الأزمة الاقتصادية على السياسة واضحاً، فإنه وبخلاف المتوقع تبدو تأثيرات قضية اللاجئين أيضاً على السياسة مباشر بهذا الحجم المؤثر”.

واستخدمت وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة أردوغان هذا الخطاب المعادي للاجئين، في الفترة الماضية، لكن الجميع باغته استطلاع رأي يشير إلى أنّ 84 في المئة من مؤيدي “حزب العدالة والتنمية” الحاكم يطالبون بإعادة السوريين إلى بلدانهم، وفق أوغلو.

ويردف: “بالفعل، كان هذا التطور غير متوقع من قبل مسؤولي الحزب، ما جعل أردوغان يقول، الأسبوع الماضي، في برنامج الإفطار مع السفراء إننا (نبذل قصارى جهدنا من أجل ضمان العودة الطوعية والكريمة لأشقائنا وأخواتنا السوريين)”.

ويلفت أوغلو إلى أنّه إذا كان الاقتصاد هو أول العوامل التي ستؤثر في الانتخابات المقبلة، فإن مشكلة اللاجئين في تركيا ستكون في المرتبة الثانية.

يتابع: “نعم، تراجعت الحكومة في ما يتعلق باللاجئين السوريين إلى خط الإعادة دون إيذاء، الذي كان يقول به حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الخير. وسيكون لهذا التراجع تأثير في حزب المستقبل والدواء والسعادة التي كانت تأمل أن تستقطب الأصوات الهاربة من الحزب الحاكم. وكان رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو يقول: إن القول بإعادة اللاجئين دون تهيئة الظروف المناسبة لعودتهم قد يبدو خطاباً لكنه ليس واقعياً”.

ويشير الباحث والكاتب السياسي التركي إلى أنّ أردوغان لعب على قضية اللاجئين، وكلما أراد الحصول على المساعدات التي يريدها من الاتحاد الأوروبي كان يلوح لهم بـ”شماعة اللاجئين مهدداً بفتح الحدود وإرسال موجات من اللاجئين”.

وهذه المرة تبدو القضية مؤثرة في الوضع الداخلي والمحلي، وقد أصبحت مشكلة اللاجئين تضرب بثقلها في السياسة الداخلية أيضاً. وبرغم أنه لا يمكن تجاهل البعد الإنساني لقضية اللاجئين السوريين، الذين يبلغ عددهم حوالى 4 ملايين شخص، وفق إحصاءات حقوقية، فإنّه لا يمكن استبعاد تضحية حكومة “حزب العدالة والتنمية” باللاجئين الذين كانت تدافع عنهم، منذ عشر سنوات، من أجل الفوز في الانتخابات. يقول أوغلو.

وتكاد لا تختلف الأوضاع بين عامي 2020 و2022، التي تؤكد طبيعة الدور الوظيفي لملف اللاجئين في العقل السياسي البراغماتي لأردوغان، وذلك منذ عاودت الأزمة الظهور، مجدداً، في سياق متفجر جديد يتماثل في بعض تفاصيله وشروطه مع بداياته السابقة. فالتضخم يواصل ارتفاعه وقفزاته الجنونية (69.97 في المئة)، وهو أعلى معدل وصل إليه منذ عقدين، وقيمة الليرة تواصل سقوطها الحر أمام الدولار.

وعليه، فإنّ تحريك ملف اللاجئين يبدو ملحاً على أكثر من مستوى، سواء لاعتبارات كسب أصوات الناخبين بتركيا وخرق الحواضن التي تشكلها المعارضة، أو للتداعيات الإقليمية والمرتبطة بالتحولات الجيوسياسية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، ووجود تركيا باعتبارها لاعباً في المنطقة ويضع أقدامه في مناطق مؤثرة وحيوية، بداية من سوريا ومروراً بليبيا وحتى مناطق في آسيا.

وبحسب أصلي أيدن طاشباش، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن “المناخ الجيوسياسي بات محفزاً لأردوغان كي يزيد من مطالبه وتحديد مظاهر القلق الأمني قد يؤدي إلى تنازلات من النظراء الغربيين بسبب الحرب في أوكرانيا”. مضيفة أن “السوريين الذين تحدثت إليهم في إسطنبول وبقية المدن يعيشون هنا مع عائلاتهم وحياتهم هنا ولا يريدون العودة إلى سوريا، ولا أعرف كيف ستؤدي منطقة عازلة لخلق زخم للعودة”.

درج

———————–

ماذا يريد أردوغان من العملية العسكرية المرتقبة في سوريا؟/ تورغوت اوغلو

هل يهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من عملية عسكرية في سوريا إلى الفوز بالانتخابات أو إلغائها؟ الجواب نعم، الهدف هو كلاهما معاً؛ وبعبارة أخرى، فإن إلغاء الانتخابات هو الأولوية الأولى للحكومة، وإذا فشلت في القيام بذلك، فستحاول إنشاء صورة بطل عظيم أمام الشعب من خلال “فتح” صغير.

هذا الوضع أيضاً مؤشر إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة إلى الرئيس أردوغان، وأنه بحاجة ماسة إلى المغامرة بإحداث فوضى أو حرب يتذرع من خلالها لإلغاء الانتخابات، وإذا لم يستطِع الإلغاء، فإن “فتحاً” في الأراضي الخارجية سيكون وسيلة في يديه لرفع مستوى الدعم والأصوات في الانتخابات.

تُرى هل سيكون هذا متاحاً؟

في خطابه بعد اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، قال أردوغان، “بدأنا باتخاذ خطوات من أجل اكتمال ما يتعلق بالعمل الذي أطلقناه لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية (السورية)”. وأشار إلى أن “هذه العمليات ستبدأ بمجرد أن تكمل قواتنا المسلحة والاستخبارات والأمن استعداداتها”.

أليس هذا مثيراً للاهتمام!؟ ولماذا تريد دولة تعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها أن تفتح جبهة حرب؟

في العادة، مع اقتراب موعد الانتخابات، لا ينخرط أي زعيم في خطط ومشاريع قد تفرض عبئاً اقتصادياً، ولكن لسبب ما، خطرت فجأة ببال حكومة حزب “العدالة والتنمية” الرغبة بتنفيذ عملية بالمناطق الكردية في الأراضي السورية. ووفق ما هو معلن، هناك خطتان رُسمتا للعملية العسكرية: الأولى تحقيق نصر جزئي في بقعة صغيرة بحجم تل رفعت على الحدود التركية شمال سوريا ليتم وصفه على أنه “فتح” مبين و”انتصار” للقوات المسلحة خارج البلاد، ما يدغدغ المشاعر القومية لشريحة كبيرة من المواطنين، وبالأخص عندما يتم تشييع جثامين “الشهداء” في حفلات شعبية عريضة مشحونة بالمشاعر القومية والدينية. والخطة الثانية إعادة ضريح سليمان شاه، والد أرطغرل غازي الذي وضع اللبنات الأولى لتأسيس الدولة العثمانية إلى مكانه السابق، علماً أن الضريح كان نُقل عام 2015 عندما كان أحمد داوود أوغلو رئيساً للوزراء، من تلّة مرتفعة شمال تل “قره قوزاق” (30 كيلومتراً إلى الشرق من منبج) إلى قرية شمسي السورية، وذلك عندما كان تنظيم “داعش” يحاول فرض سيطرته على المنطقة التي يقع فيها القبر. وبدورها نقلت أنقرة الضريح إلى غرب مدينة كوباني على الحدود السورية التركية داخل الأراضي الواقعة تحت السيطرة التركية.

بهذه الطريقة، تريد حكومة حزب “العدالة والتنمية” فرض ضغط شعبي وجماهيري على المعارضة.

لأنه في مثل هذه الظروف، لم تبقَ في يد الحكومة أوراق سوى أن تخلق بيئة من الفوضى، ما يجعل المواطنين في جو من الرعب ليصوتوا للحكومة، تجنباً لانجرار الأوضاع إلى الأسوأ بسبب عدم الاستقرار في إدارة الدولة. وسبق لهذه الحكومة أن جرّبت هذه الطريقة واستفادت منها، وها هي الآن تريد أن تعيدها ثانية. ولكن ليس من المؤكد أن يصب ذلك في مصلحتها في ظل الظروف الراهنة.

ولفت زعيم المعارضة، رئيس “حزب الشعب الجمهوري” كمال كليتشدار أوغلو أخيراً الأنظار إلى هذه النقطة، مؤكداً أنه تلقى وثيقة رسمية من مسؤول مهم في الدولة، مفادها بأن الحكومة تهدف إلى إلغاء الانتخابات من خلال خلق جو من الفوضى والبلبلة في الشارع التركي، وأن مهمة تقويض أمن الانتخابات ستتولاها شركة “سادات” للأمن العسكري التي أسسها الجنرال المتقاعد عدنان تانريفردي (كبير مستشاري أردوغان سابقاً)، وبرزت الشركة إلى الواجهة من خلال تدريب ميليشيات تابعة لـ”داعش” والتنظيمات الإرهابية المماثلة. وذهب زعيم المعارضة الرئيسة إلى باب هذه الشركة وأعلن هناك عن هذه الخطة الخطيرة. كما صرّحت ميرال أكشينار، رئيسة حزب الخير المعارض أيضاً أن هذه الشركة “أقامت معسكراً للميليشيات في تركيا”. وأخيراً، يوم السبت الماضي، غرد عضو مجلس إدارة هذه الشركة أرسان أرجور، “أُخذ هذا الوطن بالدماء، وسيتم الدفاع عنه بالدم، ولن نُسلّم هذا الوطن في صناديق الاقتراع لمن يتعاون مع أعداء تركيا… لن نسلّم”. ومن خلال تصريحات هذين الزعيمين تأكدت تلك المعلومات التي تشير إلى استعدادات هذه الشركة لتعكير الأجواء السياسية إبان الانتخابات.

إضافة إلى ذلك، فإن العملية العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها في المناطق التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” (حزب العمال الكردستاني) في سوريا ستفتح أيضاً مجالاً لأولئك الذين يريدون خلق اضطرابات عربية كردية في الداخل. لأن أردوغان أعلن صراحة أنهم لن يستخدموا الجنود الأتراك فحسب، بل سيشارك العرب السوريون أيضاً في العملية المخطط لها ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية.

من ناحية أخرى، فإن لهذه العملية أيضاً جانباً على صلة بالعلاقات الدولية، وأعتقد أن أنقرة لم تتلقَّ بعد الموافقة من الولايات المتحدة وروسيا على عملية محتملة. فهناك فرصتان في يد أردوغان: إحداهما أن موسكو في الظروف الحالية لا تستطيع تحويل انتباهها إلى سوريا لأنها في مأزق الحرب في أوكرانيا، والأخيرة فرصة للتفاوض مع واشنطن في حال استخدام تركيا حق النقض (الفيتو) ضد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، ولن تفوّت حكومة حزب “العدالة والتنمية” استغلال كل هذه الفرص والاحتمالات التي يمكن أن ترفع من شعبيتها وتجلب صوتاً واحداً من الناخبين.

في الختام، لو كانت أنقرة تريد حقاً حل المشكلة هناك، لكانت فعلت ذلك من خلال التحدث إلى الجهات الفاعلة في المنطقة، وليس من خلال عملية عسكرية؛ فمن الواضح أنه ستكون هناك كُلف سياسية واقتصادية ناجمة عن العملية بالنسبة إلى تركيا. ولن تأتي بحل للمشكلات التي يعاني منها المواطنون، بل بالعكس، ستخلق تحركات جديدة من شأنها أن تعمق الأزمات، كما أنها تحمل مخاطر إنتاج مأزق آخر في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لم تستقر بعد. وستزيد من تعقيد المشكلة في سوريا. ولكن إذا نجحت هذه الخطة “المقامرة” بالنسبة إلى أردوغان فسيصبح بطلاً، وإذا لم تنجح فإن العاقبة المشؤومة ستكون بانتظاره في نهاية الطريق.

اندبندنت عربية

————————–

القوات التركية والفصائل الموالية لها تتنظر «ساعة الصفر» لمهاجمة «قسد»/ فراس كرم

تواصل القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» المدعومة من أنقرة، إرسال التعزيزات والأرتال العسكرية إلى خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مناطق منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني)، شمال سوريا، فيما تواصل فصائل المعارضة لليوم الثالث على التوالي، إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، وإتمام الاستعدادات العسكرية الكاملة للمعركة المرتقبة، ضد قوات «قسد»، في وقت قصفت فيه الأخيرة مناطق في تل أبيض بريف الرقة ومناطق بشمال حلب، ما أسفر عن مقتل وجرح 7 مدنيين.

‏وقال مصدر عسكري في «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة: «تواصل لليوم الثالث فصائل المعارضة في (هيئة ثائرون للتحرير) وفصائل أخرى في (الجيش الوطني السوري)، وبحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة في المعارضة، إجراء مناورات عسكرية متقدمة، بالذخيرة الحية، في مناطق قريبة من خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شمال حلب، إتماماً للاستعدادات العسكرية للمعركة المرتقبة، ضد الأخيرة، تزامناً مع إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة لفصائل المعارضة، شملت مئات المقاتلين والآليات العسكرية، إضافة إلى دخول رتل عسكري تركي من منفذ باب السلامة الحدودي شمال حلب، وانتشاره بالقرب من خطوط التماس مع قوات (قسد) في مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني)، شمال شرقي حلب، وسط استنفار كبير في صفوف فصائل (الجيش الوطني السوري)، والقواعد العسكرية التركية في مناطق أعزاز ومارع والباب بريف حلب، شمال سوريا، وترافق ذلك مع تحليق مكثف للمقاتلات وطائرات الاستطلاع والمسيّرات التركية نوع (بيرقدار) في أجواء مناطق ريف حلب الشمالي». وأضاف: «يمكن القول بأن فصائل المعارضة السورية في شمال حلب وريف الرقة أكملت كامل استعداداتها العسكرية بالإضافة إلى القوات التركية، وبانتظار ساعة الصفر للبدء بالعملية العسكرية ضد (قسد) وتحرير مناطق تل رفعت ومنبج، من خلال التنسيق والتعاون العسكري مع القوات التركية».

وقال أحمد الشهابي وهو ناشط (معارض)، في شمال حلب، إن «قصفاً صاروخياً مكثفاً مصدره (قسد) استهدف مساء أول من أمس (الأربعاء) 1 يونيو (حزيران)، الأحياء السكنية في مدينة تل أبيض بريف الرقة شمال سوريا، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين وإصابة 4 آخرين بجروح خطيرة، ودمار في الممتلكات، وتسبب القصف بحالة هلع ورعب شديدين في صفوف المدنيين، الأمر الذي دفع بفصائل المعارضة السورية والقوات التركية، إلى الرد على مواقع عسكرية تابعة لـ(قسد)، في محيط قريتي أم الكيف وتل جمعة في ناحية تل تمر بريف الحسكة ومواقع أخرى بالقرب من قريتي صيدا والمعلق بريف عين عيسى شمالي الرقة، وأطراف بلدة تل رفعت شمالي حلب، فيما قصفت القوات التركية محيط مطار (منغ) العسكري شمالي تل رفعت، وأُصيب اثنان من قوات النظام السوري، وآخرون من (قسد)، أعقبها قصف للأخيرة بالصواريخ معبر أبو الزندين وقرية الغوز بريف مدينة الباب والراعي شمال حلب، وتحليق سرب من 7 مروحيات روسية عسكرية في أجواء مناطق تل رفعت والقرى المجاورة، خاضعة لسيطرة (قسد)، وسط حالة استنفار قصوى في صفوف قوات الأخيرة في المنطقة».

وفي إدلب، قال ناشطون: «شهدت خطوط التماس بين قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية من جهة ومن جهة ثانية فصائل المعارضة المسلحة، في ريف اللاذقية الشرقي، شمال غربي سوريا، اشتباكات عنيفة بين الطرفين بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، وطال قصف قوات النظام منطقة كفرتعال بريف حلب ومناطق مجاورة، فيما قصفت فصائل المعارضة السورية المسلحة في غرفة عمليات (الفتح المبين)، مواقع عسكرية لقوات النظام في مناطق كلز ومحيط كفرتعال ومحور الصراف بأرياف اللاذقية وحلب، ووقوع خسائر بشرية في صفوف الأخيرة، حسب مراصد (معارضة)».

وفي سياق منفصل، انفجر مستودع للذخيرة لفصائل المعارضة السورية في منطقة قريبة من الحدود السورية التركية ومخيمات للنازحين، دون معرفة الأسباب. وأدى الانفجار وتطاير الشظايا إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة آخرين بجروح واشتعال النيران بعدد كبير من خيام النازحين.

وقالت منظمة «منسقو استجابة سوريا»، العاملة في شمال غربي سوريا، في بيان، إن «انفجاراً ضخماً وقع في أحد المواقع العسكرية في بلدة بابسقا شمالي إدلب، أدى إلى حدوث أضرار بشرية ومادية في مخيمات النازحين في المنطقة، حيث تضرر أكثر من 17 مخيماً للنازحين، نتيجة تساقط الشظايا على الكثير من الخيام، واحتراق أكثر من 19 خيمة ومسكناً مؤقتاً ضمن تلك المخيمات، فضلاً عن سقوط ضحايا وإصابات بين المدنيين».

وأضافت أن «الانفجارات تسببت بحركة نزوح نحو 3500 مدني من المخيمات القريبة من موقع الانفجار ومعظمهم من النساء والأطفال وانتشارهم على الكثير من الطرقات وفي العراء خوفاً من تساقط الشظايا، في حين ساعدت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) النازحين، في إخلاء عدد من المخيمات نتيجة قربها من موقع الانفجار». وأوضحت أن «عدد المخيمات التي تأثرت في محيط موقع الانفجار ضمن قطاع بابسقا بلغ 21 مخيماً، أما في المناطق المجاورة والتي وصلت إليها الشظايا هو 7 مخيمات، وتركزت الأضرار بشكل كامل في بلدة بابسقا، في حين وصلت بعض الأضرار الجزئية في مناطق سرمدا وكفردريان ومشهد روحين شمال إدلب».

ويأتي ذلك عقب زيارة قامت بها السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، ووفد أميركي مرافق، إلى معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا، حيث اجتمعت مع فريق من متطوعي الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، أول من أمس (الأربعاء)، 1 يونيو. جرى خلال الاجتماع مناقشة الأوضاع الإنسانية وحماية المدنيين في سوريا، إضافةً إلى تطبيق القرار 2254 للأمم المتحدة، ومناقشة مخاطر إغلاق معبر باب الهوى (شريان الحياة) على أكثر من 4 ملايين مدني، بعد نية روسيا استخدام الفيتو لمنع تمديد إمدادات الأمم المتحدة المرسلة عبر الحدود.

وأكدت السفيرة، خلال الاجتماع، موقف بلادها «الداعم لتمديد تفويض آلية إدخال المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح عبر الحدود، ومواصلة الضغط لتمديد التفويض، لما فيه من تجنيب كارثة إنسانية تهدد حياة 4.1 مليون شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، بما في ذلك أن أكثر من مليوني نازح داخلياً، يعتمدون على المساعدات الإنسانية والطبية التي تقدمها الأمم المتحدة، ولا يوجد في الوقت الحالي أي خيار آخر لإيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع إلا ببقاء معبر باب الهوى مفتوحاً».

وأشارت خلال ذلك إلى «أهمية استمرار الدعم المنقذ للحياة، بما فيه الدعم للقطاع الطبي، والحفاظ على سلامة المدنيين، وتأمين الرعاية الصحية والعلاج لهم، وحماية مستقبل الأطفال لما فيه من ضمان لمستقبل سوريا».

الشرق الأوسط

—————————-

القامشلي:روسيا تنشر صواريخ “بانتسير”..تحذير إضافي لتركيا؟/ مصطفى محمد

نشرت روسيا الجمعة، منظومة دفاع جوي من طراز “بانتسير-اس 1″، في مطار القامشلي بريف الحسكة، بحسب مراسل تلفزيون النظام السوري في الحسكة.

وأوضح المراسل أن نشر منظومة الدفاع الجوي القصيرة والمتوسطة المدى في مطار القامشلي، يأتي بعد نشر قاذفات روسية تكتيكية ومروحيات هجومية في المطار في ظل تهديدات تركية بعملية عسكرية في الأراضي السورية.

وتأتي التحركات الروسية هذه قبيل زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى تركيا في 8 حزيران/يونيو، وعلى وقع ارتفاع منسوب التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، بهدف استكمال إنشاء المناطق الآمنة بعمق 30 كيلومتراً.

ويبدو أن روسيا بدأت باتخاذ موقف متشدد من العملية العسكرية التركية، بعد أن كانت مواقفها “باهتة وغير واضحة”، وهو ما عكسه “قلق” الخارجية الروسية من أن تؤدي التحركات التركية إلى عدم الاستقرار، والطلب من أنقرة وقف أي تحركات قد تؤدي إلى تدهور خطير في الوضع المعقد بعض الشيء في سوريا.

ويؤشر كلام المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عندما قالت: “في حين أن روسيا تتفهم رغبة تركيا في ضمان أمنها على طول الحدود السورية، إلا أن أفضل طريقة لتحقيق الأمن هي السماح للقوات السورية الحكومية بالتمركز على طول الحدود”، إلى رفض روسي ضمني للعملية العسكرية التركية.

ويُفهم من الموقف الروسي، أنها تفضل نشر قوات النظام السوري في المناطق المهددة بالاجتياح التركي، بعد سحب قوات قسد منها، في إعادة للاتفاق الذي جرى بين موسكو وأنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، عند شن الجيش التركي عملية “نبع السلام”.

غير أن تركيا تؤكد أن الاتفاق مع روسيا والذي قبله مع الولايات المتحدة لم يُنفذ، وتحديداً لجهة انسحاب “قسد” من المناطق الحدودية معها.

ويقول المتحدث باسم “مجلس العشائر والقبائل السورية” الشيخ مضر حماد الأسعد من الحسكة إن روسيا دخلت في مرحلة استثمار التهديدات التركية لصالح حليفها نظام الأسد، حيث تحاول توظيف الضغط التركي على قسد، لدفع الأخيرة إلى تقديم تنازلات لصالح النظام.

ويضيف الأسعد ل”المدن”، أن الخطة الروسية الواضحة تهدف لضمان موافقة قسد على نشر قواته في المناطق الحدودية والنفطية، والأخيرة تبدو مضطرة لعدم الاعتراض، مدفوعة بخوفها من التقدم التركي.

وحسب الأسعد، فإن نشر روسيا للمنظومة الجوية واستقدام الطائرات الحربية والمروحية إلى المطار ذاته، يأتي خدمة لهدفين: الأول زيادة الضغط على قسد، من خلال زيادة منسوب الخطر لدى القوات الكردية بقرب التحرك التركي. والثاني، يتصل باستعراض القوة بمواجهة تركيا، والقول إن وجودها في سوريا ما زال قائماً، وإن أي تغيير على خريطة السيطرة السورية، لا بد أن يكون بموافقتها.

لكن رغم ذلك، تبدو أنقرة مصممة على التحرك العسكري في الشمال السوري، وتسعى إلى عقد اتفاقات مع الولايات المتحدة وروسيا، وخصوصاً أن الأخيرة كان لها دور بارز في عدم استكمال الأهداف التركية في سوريا.

المدن

———————-

أنقرة تبلغ واشنطن تصميمها على العملية العسكرية شمال سوريا

أبلغ نائب وزير الخارجية التركية سادات أونال مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غينفيلد أن بلاده “مصممة على اتخاذ التدابير اللازمة ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي في سوريا”.

ووفق بيان لوزارة الخارجية التركية، أعربت المندوبة الأميركية خلال اتصال هاتفي مع أونال، عن قلق بلادها حيال العملية العسكرية التي تستعد تركيا لتنفيذها شمالي سوريا.

وقال أونال إن “تنظيم بي كي كي يشكّل تهديداً وجودياً ليس فقط لوحدة أراضي سوريا، بل أيضاً على الأمن القومي التركي”، مشدداً على أن “بنود الاتفاقيات التي توصلت إليها تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الروسي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 لم يتم الوفاء بها حتى اليوم”.

وأشار الدبلوماسي التركي إلى أن “خطر الهجمات الإرهابية ازداد من هذه المنطقة ضد تركيا بشكل أكبر في الآونة الأخيرة”، وفق ما نقلت وكالة “الأناضول”. وأكد أنه “لا يمكن توقع أن تظل تركيا غير مبالية حيال هذه الهجمات التي تستهدف قواتها والمدنيين داخل حدود تركيا أيضاً، وحيال دفع الأجندة الانفصالية في المنطقة”.

وأوضح أونال أن بلاده “ستواصل اتخاذ التدابير اللازمة ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد مصالح الأمن القومي الحيوية لتركيا”.

والأربعاء، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “أنقرة تخطط لتطهير تل رفعت ومنبج في سوريا من الإرهابيين”. وقال أمام أعضاء كتلة حزب “العدالة والتنمية” بالبرلمان التركي، إن “الذين يحاولون إضفاء الشرعية على تنظيم بي كي كي، وأذرعه تحت مسميات مختلفة لا يخدعون سوى أنفسهم”، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية المتهمة بصلاتها مع حزب “العمال” الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب.

والخميس، أكدت توماس-غرينفيلد معارضة واشنطن للعملية العسكرية التركية في شمالي سوريا. وقالت خلال زيارة لولاية هاتاي التركية بالقرب من الحدود السورية: “تواصلنا مع الحكومة التركية. أشرنا إلى معارضتنا لأي قرار بالقيام بعمل عسكري على الجانب السوري من الحدود. نعتقد أنه لا ينبغي فعل أي شيء يمثل خرقا لخطوط وقف إطلاق النار القائمة بالفعل”.

وأضافت أن أي عمل من هذا القبيل لن يؤدي فقط إلى زيادة المعاناة، ولكن سيؤدي أيضا إلى زيادة عدد النازحين، بما في ذلك محاولات البعض عبور الحدود إلى تركيا، وفقاً لوكالة رويترز.

—————————–

الجيش التركي يشدد ضرباته ضد “قسد”..هل بدأت العملية العسكرية؟

صعّد الجيش التركي من عمليات القصف التي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي من سوريا، بالتزامن مع مؤشرات سياسية من المسؤولين الأتراك، وعسكرية على الأرض توحي باقتراب العملية، الأمر الذي يدفع نحو التساؤل هل حصلت تفاهمات تركية-روسية للبدء بالمعركة.

وقالت مصادر محلية ل”المدن”، إن قصفاً صاروخياً تعرضت له منبج شمالي حلب مصدره الجيش التركي ما أدى إلى مقتل عنصرين من قسد وإصابة آخرين، كما طاول القصف مدينة تل رفعت من دون ورود أنباء عن خسائر بشرية.

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع التركية الخميس، عن مقتل 11 عنصراً من قسد في منطقة عمليات “نبع السلام”، موضحة أن العناصر كانوا بصدد تنفيذ هجمات استفزازية ضد الجيش التركي في المنطقة.

وفي السياق، قالت وكالة “هاوار” المقربة من الإدارة الذاتية أن الجيش التركي قصف مناطق واسعة من ناحيتي زاركان وتل تمر في ريفي الحسكة والرقة، مشيرة إلى سقوط جرحى وأضرار مادية.

وجاء التصعيد العسكري بالتزامن مع تصريحات متتالية للمسؤولين الأتراك أكدوا فيها عزم أنقرة على شنّ الهجوم العسكري، آخرها كانت كلمة للرئيس التركي رجب الطيب أردوغان الأربعاء، قال فيها إن بلاده “تستعد لتطهير منطقتي منبج وتل رفعت من الإرهابيين”.

وتعليقاً، اعتبر الباحث السياسي المختص في الشأن التركي محمود علوش أن أردوغان أراد بتصريحاته إرسال رسالة أكثر وضوحاً إلى الأطراف المعنية في هذه المسألة، روسيا والولايات المتحدة؛ بأن “تركيا حسمت قرارها بخوض العملية العسكرية ضد قسد”.

وقال علوش ل”المدن”، إن “تأخير تنفيذها يرجع بشكل أساسي إلى مساعي أنقرة بالوصول إلى تفاهمات مع هذه الأطراف بخصوص المناطق التي ستشكل هدفاً للجيش التركي”. وأضاف أنه “بالنظر إلى المنطقتين اللتين خصهما أردوغان، فإنهما تقعان في مناطق نفوذ موسكو وليس واشنطن، وبالتالي أي تحرك عسكري تركي في هذه المنطقة ينطوي على مخاطر دون التفاهم مع روسيا”.

وتابع أن “الإشارات التي تصدر من موسكو متضاربة”، فيما يتحدث وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن مشروعية مخاوف تركيا الأمنية، “نجد تحركات للجيش الروسي على الأرض تفضي باستعدادها لردع الجيش التركي عن العملية”.

ولفت إلى أن موسكو “ستسعى إلى الموازنة ما بين تلبية احتياجات تركيا الأمنية من جانب، ومن جانب آخر ستسعى إلى منع أنقرة من قضم مناطق جديدة كبيرة تؤدي إلى زيادة مساحة سيطرتها في سوريا”، مبيناً أن الحرب في أوكرانيا دفعت روسيا للتفكير في منح تركيا مزيداً من الحركة في سوريا.

وعلى ضوء تصريحات الرئيس التركي، دفعت إيران بحشدٍ عسكري لميلشياتها نحو منطقتي تل رفعت ومنبج، فضلاً عن دفع النظام بحشد مماثل على هاتين الجبهتين.

ووفقاً لعلوش، فإن الدفع بهذه الحشود سيفضي بالنهاية إلى مواجهة عسكرية مع الجيش التركي على غرار مواجهة 2020، موضحاً أن النظام ومن خلفه إيران “يخشون من أن تشكل سيطرة الجيش الوطني على تل رفعت خطراً على سيطرتهم في مدينة حلب”، مشيراً إلى أن روسيا ستلعب على نزع فتيل مواجهة جديدة بينهما.

من جهتها، قالت قوات سوريا الديمقراطية في بيان الخميس، إن “الاعتداءات التركية، والقصف المدفعي والصاروخي الشامل والعشوائي” الذي تنفذه تركيا في الشمال السوري وصلت إلى “مستوى خطير”.

وأضافت قسد أن القصف استهدف “عشرات القرى والبلدات الآهلة بالسكان في مناطق شمال وشرق سوريا”، وأوضحت أن أكثر من 30 قرية، إضافة إلى العشرات من التجمعات السكنية تعرضت منذ الصباح الباكر لاستهداف تركي “بأكثر من 370 قذيفة مدفعية وصاروخية إضافة إلى استهداف موقع بواسطة طائرة مسيّرة انتحارية”.

————————

موسكو تستبق محادثات مع أنقرة..بمعارضة العملية التركية في سوريا

اعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الخميس، أن بلادها تأمل أن “تحجم” تركيا عن شن هجوم في شمال سوريا، وذلك قبل محادثات مزمعة بين مسؤولين روس وأتراك حول الوضع في سوريا.

وقالت زاخاروفا في بيان: “نأمل أن تحجم أنقرة عن (اتخاذ) خطوات يمكن أن تؤدي الى تدهور خطير للوضع الصعب أصلاً في سوريا”. واضافت أن “إجراءً مماثلاً، مع عدم موافقة الحكومة الشرعية للجمهورية العربية السورية، سيشكل انتهاكاً مباشراً لسيادة ووحدة أراضي” سوريا “وسيؤدي الى تصعيد جديد للتوتر في هذا البلد”.

وتابعت المتحدثة: “نتفهم قلق تركيا في ما يتصل بالتهديدات التي تطاول الأمن القومي انطلاقاً من المناطق الحدودية” مع سوريا، معتبرة أن المشكلة يمكن حلها “فقط” إذا نشر النظام السوري جنوداً في هذه المنطقة.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الفائت، التحضير لهجوم جديد في شمال سوريا يستهدف وحدات حماية الشعب الكردية. وتتهم أنقرة المقاتلين الاكراد بأنهم فرع لحزب “العمال” الكردستاني الذي تصنفه تنظيماً إرهابياً.

وتأمل أنقرة باقامة منطقة عازلة تفصل بين أراضيها والمناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الاكراد الذين سبق أن دعمتهم الولايات المتحدة في مواجهة تنظيم “داعش”.

وبموجب اتفاق توصلت اليه مع أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، تعهدت روسيا الداعمة لنظام بشار الاسد بإبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب بالتنسيق مع قوات النظام السوري الى ثلاثين كيلومتراً على الاقل من الحدود التركية، وتسيير دوريات مشتركة مع الجيش التركي.

وبعدما حذر نهاية الاسبوع الفائت من أن تركيا لن تنتظر “إذن” الولايات المتحدة لشن هجوم جديد في سوريا، كرر أردوغان تهديداته الاربعاء. كذلك، ذكّر نظيره الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء، بأن الاتفاق الموقع في 2019 بين البلدين ينص على إقامة منطقة “خالية من الارهاب” على طول الحدود التركية السورية، مؤكدا أن “إقامتها أمر واجب”.

وقال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف إن روسيا ستجري اتصالات مع نظرائها في تركيا حول موضوع العملية العسكرية الجديدة التي تعتزم أنقرة القيام بها. وطلب “عدم الانخراط” في وضع تكهنات حول موضوع العملية العسكرية قبل الاتصالات.

بدورها، نقلت وكالة “تاس” الروسية الخميس، أن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف سيزور تركيا مع وفد من ممثلي وزارة الدفاع الروسية، “حيث توجد مواضيع عسكرية أيضاً على جدول الأعمال”.

وقال بوغدانوف: “نحن على وشك إجراء اتصالات ومفاوضات ذات أهمية كبيرة، سوف يشارك لافروف في الاجتماعات القادمة، سيكون هناك عنصر عسكري، زملاؤنا من وزارة الدفاع ونظراؤهم الأتراك سيكونون حاضرين”.

وأكد أن روسيا تدعو إلى حل جميع القضايا من خلال المفاوضات، قائلاً: “هناك آليات ذات صلة، وأعني صيغة أستانة التي يشارك فيها السوريون والضامنون (روسيا وإيران وتركيا)، وأعتقد أن جميع القضايا المتعلقة بضمان وقف إطلاق النار وتسوية جميع القضايا وفق تلك الصيغة”، وأن “الاتفاقات التي تم التوصل إليها من قبل يجب أن تُناقش في إطارها”.

——————————–

====================

تحديث 05 حزيران 2022

———————-

لماذا تتريث تركيا في عمليتها الجديدة في سوريا؟/ محمود علوش

يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تركيا الأربعاء المقبل لإجراء محادثات مع المسؤولين الأتراك حول مشروع فتح ممر بحري لتسهيل عبور الصادرات الأوكرانية من القمح والحبوب إلى العالم. تصدّرت هذه القضية أجندة المحادثات الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين. مع ذلك، لا يجب تجاهل قضية أخرى تصاعدت إلى الواجهة مؤخراً وهي اعتزام تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمالي سوريا.

وعلى الرغم من أن أردوغان تحدّث عن العملية قبل أسابيع، إلاّ أن تركيا لا تزال تتريث في تنفيذها ويبدو أنها تتطلع إلى إبرام صفقة مع روسيا بشأنها. في البداية، سارت تكهنات عديدة بخصوص المناطق المحتملة التي ستستهدفها العملية التركية، لكنّ أردوغان حسم الأمر عندما تحدث بشكل رئيسي عن منطقتي تل رفعت ومنبج. بالنظر إلى أن هاتين المنطقتين، تقعان في مناطق سيطرة روسيا في غرب الفرات، فإنه من المفهوم أن تسعى تركيا للتفاهم مع روسيا بشأن العملية وليس الولايات المتحدة. منذ عملية نبع السلام التي شنتها تركيا ضد الوحدات الكردية عام 2019، لوّح المسؤولون الأتراك مراراً باحتمال تنفيذ عملية عسكرية جديدة وشرعت أنقرة في مفاوضات مع موسكو وواشنطن بهذا الخصوص. لكنّ هذه المساعي لم تفض إلى موافقة البلدين على مساعيها لتقليص حجم المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة التنظيم في شرق الفرات وغربه.

عندما شنت تركيا أول عملية عسكرية لها في سوريا قبل ست سنوات، سعت إلى إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع سوريا بعمق ثلاثين كيلومتراً. وكان الهدف الرئيسي لهذه المنطقة إبعاد الوحدات الكردية على الحدود مع تركيا وإنشاء منطقة آمنة كبيرة لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إليها. في العمليات الثلاث التي نفذها الجيش التركي بدءاً من درع الفرات إلى غصن الزيتون ثم نبع السلام في 2019، نجحت تركيا بالفعل في إنشاء بعض الجيوب الآمنة، وقضت على مشروع الوحدات الكردية بوصل مناطق سيطرتها بين شرق الفرات وغربه، لكنّها لم تتمكن من القضاء تماما على المشروع الانفصالي. لا تزال الوحدات تسيطر على مساحات واسعة من شمال شرقي البلاد ولديها وجود في مدينتي منبج وتل رفعت، كما حافظت على ما يسمى بالإدارة الذاتية الخاصة بها ولا تزال تحظى بدعم سياسي وعسكري من الولايات المتحدة وأقامت علاقات أيضاً مع روسيا. على عكس السنوات الثلاث الماضية التي لم تتوفر فيها الظروف المناسبة لأردوغان لتوسيع مشروع المنطقة الآمنة بفعل ضغوط العقوبات التي تعرض لها من جانب الغرب والتفاهمات غير المستقرة مع روسيا في سوريا، فإنه يجد في الانشغال العالمي الراهن بالحرب الروسية الأوكرانية وما أحدثته من تداعيات كبيرة على الحسابات الجيوسياسية الغربية فرصة لزيادة النفوذ التركي في سوريا.

كانت الإشارات التي صدرت من روسيا مؤخراً بشأن خطط العملية التركية ضبابية وغير واضحة. فمن جهة، تحدث لافروف عن مخاوف أنقرة المشروعة في سوريا وفُهمت تصريحاته على أنها موافقة روسية ضمنية على العملية العسكرية التركية المحتملة. ومن جانب آخر، شرع الجيش الروسي خلال الأيام الأخيرة في سلسلة تحركات عسكرية في شرق الفرات وفهمت على أنها رسالة لردع أي هجوم تركي. إذا كانت التحركات العسكرية الروسية حصلت بالفعل، فهي تقتصر على منطقة شرق الفرات، وبالتالي، لا يُمكن فهمها على أنها رسالة ردع لتركيا، لا سيما أن النطاق الجغرافي الذي يتحدث عنه أردوغان يقع في غرب الفرات. لذلك، تكتسب المحادثات المرتقبة للافروف في تركيا أهمية خاصة على هذا الصعيد ومن المقرر أن يصاحبه وفد عسكري روسي، ما يعني أن نتائج المحادثات لن تقتصر فقط على تفاهم سياسي بين البلدين بخصوص الهجوم التركي المحتمل، بل ستتناول كذلك مسائل تقنية وعسكرية. من المؤكد أن تركيا لن تستطيع التحرك في غرب الفرات من دون إبرام تفاهم مع روسيا، على اعتبار أن الجيش الروسي يُسيطر عملياً على الأجواء السورية في هذه المنطقة، وبالتالي، ستجد أنقرة صعوبة في استخدام قوتها الجوية في المنطقة دون موافقة موسكو.

في اتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا في أكتوبر 2019، تعهدت موسكو بإخراج جميع عناصر وحدات حماية الشعب من منبج وتل رفعت بأسلحتهم. مع ذلك، لم تف بهذا الوعد وربطت ذلك بعدم إيفاء تركيا بوعودها بفصل جبهة النصرة عن فصائل المعارضة في إدلب. مع ذلك، فإن ظروف التفاهم الآن حول المنطقة أكثر تعقيداً. توجد ميليشيات إيرانية بالفعل في هذه المنطقة ما يُحتم على أنقرة الأخذ بعين الاعتبار موقف طهران التي سارعت إلى معارضة أي عملية تركية. من شأن هذا الوضع أن يضع النظام وإيران في مواجهة محتملة مع تركيا في تل رفعت. على مدى السنوات الماضية، لم يُخف المسؤولون الإيرانيون انزعاجهم من التفاهمات التي أبرمتها تركيا وروسيا في سوريا واعتبرت على حساب طهران والنظام. كما أن الوجود العسكري الإيراني في حلب ومحيطها ذو أهمية كبيرة في الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، حيث تخشى إيران والنظام من أن تؤدي سيطرة فصائل المعارضة على تل رفعت إلى تشكيل خطر على مدينة حلب. كما تخشى طهران على وجه الخصوص من محاصرة المعارضة لمنطقتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب.

إن التنافس الإيراني التركي على النفوذ لا ينحصر فقط في سوريا. ففي العراق، تتعاون ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من طهران مع حزب العمال الكردستاني في سنجار. وتسعى طهران للحد من التأثير التركي في شمالي العراق. ولطالما تبادلت أنقرة وطهران الاتهامات بشأن العراق. وفي سوريا، سبق أن دخلت تركيا والنظام في مواجهة عسكرية كبيرة في أعقاب الهجوم الدموي الذي استهدف الجيش التركي في إدلب قبل عامين وأسفرت عن مقتل ستة وثلاثين جندياً تركياً. وقد شنت تركيا رداً على الهجوم عملية عسكرية واسعة ضد النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانية أطلقت عليها عملية درع الربيع. لكنّ موسكو سُرعان ما أبرمت تفاهماً مع تركيا لوقف التصعيد حينها.

مع اقتراب العملية العسكرية المحتملة التي تتوعد بها تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، من المرجح على نطاق واسع أن يتجدد الصدام بين أنقرة وكل من دمشق وطهران في شمال غربي البلاد في حال لم تشمل أي تسوية بين أنقرة وموسكو كلاً من طهران والنظام. سيكون دور روسيا محورياً في منع أي صدام جديد على غرار مواجهة 2020.

————————–

عندما يصعّد أردوغان المواجهة مع الغرب/ محمود علوش

كان الشهر الماضي (مايو/ أيار) حافلاً في السياسة الخارجية التركية على أكثر من صعيد. في الأسبوع الأول منه، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان معارضة بلاده خطط ضم فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ثم تلا ذلك إعلان عن اعتزام تركيا شنّ عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سورية. وبعد ذلك، قرّرت أنقرة وقف المحادثات رفيعة المستوى مع اليونان، ردّاً على ما اعتبرته تحريضاً من رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، للكونغرس الأميركي لعرقلة مشروع بيع تركيا مقاتلات من طراز إف 16. التوتر الدائم بين أنقرة والغرب هو القاعدة الأساسية التي تُدير العلاقات منذ سنوات، وبالتحديد بعد عام 2014، فيما الهدوء الذي يطرأ على العلاقات بين الفينة والأخرى استثناء ولا يصمد طويلاً. على الرغم من أن العلاقات التركية الغربية لم تكن مستقرّة تماماً عقودا طويلة، إلاّ أن هذه الحالة لا تبدو طبيعية، وتعكس بصورة رئيسية حجم المأزق الذي وصلت إليه الشراكة بين الطرفين، بفعل السياسات المتناقضة لهما في معظم القضايا الخارجية التي تعني الطرفين. كانت النزعة الاستقلالية لتركيا في سياستها الخارجية عن الغرب المغذّي الرئيسي لتراجع العلاقات إلى مستوى متدنٍّ في السنوات الأخيرة.

لدى كل من أنقرة والعواصم الغربية تفسيرات مختلفة لسبب تراجع العلاقات ومبرّرة لكلا الطرفين. فمن جانب، ترى تركيا أن الدعم الغربي وحدات حماية الشعب الكردية بعد 2014، وموقف الغرب الباهت من محاولة الانقلاب العسكري ضد أردوغان في 2016، واصطفاف أوروبا إلى جانب اليونان وقبرص الجنوبية في نزاعهما مع أنقرة سبباً رئيسياً لهذا التراجع. فيما يرى الغربيون أن ابتعاد تركيا في ظل حكم أردوغان عن القيم الديمقراطية وتقاربها مع روسيا يُشكلان تهديداً لمفهوم الشراكة التركية الغربية. في الواقع، يُمكن المجادلة في مدى صوابية كل هذه التفسيرات، لكنّ الحقيقة التي يُجمع عليها الطرفان أن هذه الشراكة لا تزال حاجةً لكليهما. في الواقع، عزّزت التداعيات التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية على السياسات الدولية هذه الحقيقة، ودفعت الجانبين إلى الانخراط في جهود لإعادة ترميم العلاقات. تكمن المشكلة الرئيسية في المعضلة التي تواجه العلاقات التركية الغربية في أن الغرب تجاهل على مدى الأعوام الماضية معالجة المشاكل التي تسببت بها سياساتها تجاه أنقرة. وقد ولّد هذا التجاهل ردّات فعل من تركيا ودفعها إلى تبنّي سياسات خارجية متمايزة عن الغربيين في قضايا دولية كثيرة.

رغم أنّ معظم المسؤولين الغربيين يُلقون باللوم على حكم الرئيس أردوغان في تردّي العلاقات، إلاّ أن الحقيقة التي لا يُمكن للغرب نكرانها أن هذه العلاقات لم تشهد تطوراً كبيراً إلاّ في عهد أردوغان. لقد دفعت رغبته في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مطلع العقد الأول من الألفية الثانية إلى تطوير العلاقات التركية الأوروبية على نحو كبير. كما انخرطت تركيا بفعالية أكبر في حلف الناتو. كانت تركيا الدولة المسلمة الوحيدة التي أرسلت قوات ضمن الحلف إلى أفغانستان بعد الغزو الأميركي لإنهاء الحرب في هذا البلد. كما ساهمت معارضتها الحرب الروسية على جورجيا في 2008، ثم ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 في الحفاظ على توازن القوى مع موسكو في البحر الأسود، من دون الحاجة إلى تدخل “الناتو”. وفي الحرب الروسية أخيرا على أوكرانيا، لم تحل الشراكة التركية الروسية في دفع أنقرة إلى تبنّي موقف معارض لهذه الحرب، والوقوف إلى جانب كييف، وتزويدها بطائرات مسيّرة. كما أغلقت البحر الأسود في وجه السفن الحربية الروسية التي تعبر إلى البحر المتوسط، وقيّدت أيضاً مجالها الجوي أمام روسيا من سورية وإليها. من المفيد سرد هذه الأحداث لتأكيد أن النهج المتوازن الذي تسعى أنقرة إلى تبنّيه في العلاقة بين روسيا والغرب ذو فائدة كبيرة للغرب، وليس لها وحدها.

شكّلت الحرب الروسية الأوكرانية فرصة مناسبة لتركيا والغرب على حد سواء، لإعادة تشكيل علاقتهما. وعلى الرغم من الرغبة المشتركة التي أبداها الطرفان في هذا المجال، لم يُصدر الغرب أي إشارات عملية تفيد باستعداده لتسوية القضايا الخلافية مع أنقرة، باستثناء بعض خطوات أميركية، كإبداء إدارة بايدن استعدادها لتزويد تركيا بمقاتلات إف 16 تسوية محتملة لأزمة إخراجها من تصنيع مقاتلات إف 35. علاوة على ذلك، ما زال الاتحاد الأوروبي يتبنّى موقفاً منحازاً لليونان وقبرص الجنوبية، رغم ميل تركيا إلى تهدئة الصراع في شرق المتوسط خلال العامين الماضيين، وموافقتها على استئناف المحادثات الاستكشافية مع أثينا. وعلى صعيد مسألة وحدات حماية الشعب الكردية، فإنه على الرغم من انتفاء مبرّرات مواصلة الدعم الغربي لها بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لا تزال الولايات المتحدة متمسّكة بشراكتها مع هذا التنظيم الذي يُشكل امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً ليس لدى أنقرة فحسب، بل أيضاً لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وضع تركيا الفيتو على توسع حلف شمال الأطلسي، وتلويحها بشنّ عملية عسكرية جديدة ضد الوحدات الكردية في شمال سورية، إلى جانب تصعيد موقفها ضد اليونان، يُشير إلى رغبة أردوغان في فرض كل هذه القضايا على الأجندة التركية الغربية مقدمة لأي عملية لإعادة إصلاح العلاقات. على عكس السنوات الماضية، التي استطاع فيها الغرب التهرّب من تسوية هذه القضايا، إلاّ أن الظروف الراهنة لا تبدو مساعدةً له لمواصلة هذه اللعبة التي تسبّبت بإفساد العلاقات على نحوٍ لم يعد من الممكن إصلاحها بسهولة. يبرز الموقع الجيوسياسي المتميز لتركيا في السياسات الدولية نقطة قوة لها في تحسين موقفها في العلاقات إن مع الغرب أو مع روسيا، إلاّ أنّه، في المقابل، يجعلها أكثر عرضة للضغط من هذه الأطراف. رغم محاولات أنقرة والغرب ربط النزاعات بينهما خلال العامين الماضيين، إلاّ أن عودة الخلافات إلى الظهور تؤكّد أن تكاليف مواصلة النهج الغربي في إدارة العلاقات مع تركيا ستكون باهظةً على نحو أكبر من الماضي في حال لم يتعامل الغربيون بجدّية مع هواجس أنقرة المشروعة.

يجب على الدول الغربية أن تأخذ عزم أردوغان على عرقلة توسع “الناتو” وتوسيع حدود المنطقة الآمنة في شمال سورية وتصعيد الخلاف مع اليونان على محمل الجدّ، وليس مجرّد مناورة لابتزازهم كما تعتقد. لم تعد تركيا قادرةً على التعايش مع الدعم الغربي لتنظيمٍ يُشكّل تهديداً لأمنها القومي، كما لم تعد مستعدّة لقبول تحويل اليونان إلى قاعدة عسكرية أميركية لمحاصرتها كما قال أردوغان مرّة. لقد أثبتت التجارب أن مواصلة تجاهل الغرب مصالح تركيا الأمنية سيدفعها إلى تبنّي سياسات أكثر استقلالية عن الغربيين، وسيُعمق شراكتها مع روسيا. كما أن سياسة العقوبات التي انتهجها الغرب مع تركيا لم تُفلع في ثنيها عن هذا التوجه. ينظر الغربيون إلى تركيا شريكاً مزعجاً، لكنّ سياساته تجاهها لعبت دوراً رئيسياً في جعلها مزعجةً لهم. بالنسبة لأردوغان، معركته الجديدة مع الغرب مكملة لمعاركه السابقة، لكنّها تختلف، هذه المرّة، من حيث النتائج التي ستفرزها، فهي ستحدّد ما إذا كان الغربيون مستعدّين لإعادة تشكيل العلاقات مع تركيا على أسس جديدة، والنظر إليها شريكاً استراتيجياً لا يمكن لعلاقة مع تنظيم مسلح أو شراكة استراتيجية مع دولة أوروبية مجاورة لها أن تعوّضا مكانة أنقرة في المنظومة الأطلسية.

العربي الجديد

————————–

أبعد من اعتداء على سورية مسنّة في تركيا/ عمر كوش

أحدث مقطع فيديو انتشر أخيراً، ويظهر فيه شاب تركي يركل مسنّة سورية على وجهها في غازي عنتاب، ضجّة كبيرة في الشارع التركي، وغضباً شديداً في أوساط اللاجئين السوريين. ولاقت الحادثة إدانة ناشطين كثيرين، فيما فتحت السلطات التركية تحقيقاً، فأصدر والي المدينة، داود غل، بياناً أكّد فيه احتجاز المدّعي العام المعتدي، الذي تبيّن أنّ له سجلاً جنائياً يتعلق بالمخدّرات والسرقات، بحسب تقارير صحافية تركية.

وبالنظر إلى المشهد الصادم لحادثة الاعتداء وإرهاصاتها، فإنّها أثارت موجة واسعة من التضامن والتعاطف مع السيدة، وخصوصا من جمعيات حقوقية وقادة في حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، حيث أجرى رئيس اللجنة الإدارية في البرلمان التركي، النائب من “العدالة والتنمية” علي شاهين، اتصالاً بالمسنّة التي تمكث في أحد مستشفيات غازي عنتاب، للاطمئنان على حالتها، ودان الحادثة المتحدّث باسم الحزب، عمر جيليك، معتبراً أنّ “العنف ضد والدتنا ليلى محمد البالغة 70 عاماً أحزننا جميعاً” وأنّ “كلّ أفراد أمتنا الواعين يقفون إلى جانب الوالدة الضحية”.

تعاني السيدة من خرف وعائي، متزامن مع ألزهايمر، منذ مدة، ومن مشكلاتٍ في الذاكرة، مثل التشوُّش وتراجع القدرة على تنظيم الأفكار والتصرّفات، وانخفاض القدرة على تحليل المواقف. ولاعتداء الشاب التركي عليها حيثياته الخاصة، ويضاف إلى جملة اعتداءات تعرّض لها لاجئون سوريون في بعض المدن التركية، ولا يخرج عن إطار حملات الكراهية والعنصرية وموجاتهما ضد اللاجئين السوريين التي زادت أخيراً، وذلك بعدما تغذّت من خطاب أغلب قادة أحزاب المعارضة التركية، بمن فيهم زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، الذي لا يكلّ من تكرار وعده بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم “خلال عامين مع الطبل والزمر” فور تسلّم حزبه السلطة. وكذلك زعيمة الحزب الجيد، ميرال أكشنير، فضلاً عن الخطاب العنصري الذي تعمل على بثّه الأحزاب القومية وأحزاب اليمين المتطرّف خصوصا، مثل “النصر”، برئاسة أوميت أوزداغ، الذي لا يطرح سوى قضية طرد اللاجئين، ويبدو حزبه وكأنه حزب شخص واحد، ولا يمتلك سوى قضية واحدة.

ولا تبتعد حيثيات الاعتداء على المسنّة السورية عما أثارته حملات تحريض مستمرّة، بوصفها من نتاجات الخطاب الشعبوي التحريضي ضد الوجود السوري في تركيا، وعدم اتخاذ إجراءاتٍ عقابيةٍ كافية لردع منتجيه ومروّجيه، خصوصاً أنه خطابٌ يأخذ منحىً تصاعدياً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية التركية في العام 2023، إذ توظّف قضية اللاجئين ورقةً في البازار الانتخابي، لكسب صوت الناخب التركي. وتأتي الحادثة بالتزامن مع تحوّل مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى مادّة يومية لأغلب وسائل الإعلام التركي، وارتفاع حدّة الأصوات الداعية إلى طردهم من تركيا، كما في بعض وسائل إعلام المعارضة، أو إلى إعادتهم إلى سورية ضمن “العودة الطوعية”، كما في وسائل الإعلام المقرّبة من الحكومة، الأمر الذي يزيد منسوب الكراهية ضدّهم، وتحميلهم وزر (وأسباب) ما يعانيه عامة الأتراك من تبعات الأزمة الاقتصادية والصعوبات المعيشية منذ سنوات.

ويعود رواج خطاب كراهية السوريين والعنصرية ضدّهم إلى التحريض الكامن في مفردات (وبنية) الخطاب القومي الشعوبي لقادة الأحزاب التركية، بيمينها ويسارها، وذلك كي يغطّوا على افتقادهم برامج وخططاً عملية لمعالجة تردّي الأوضاع المعيشية وتقديم اقتراحاتٍ حقيقية لمعالجة أزمات الاقتصاد وقضايا الفساد والحكم والحريات، خصوصاً قادة حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب النصر، ومن دار في فلكهم. وباستثناء حزب الشعب الجمهوري، فإن هذه الأحزاب لا تمتلك قاعدة شعبية عريضة، بل ثلّة من القوميين المتشدّدين، وجميعها تعتاش من خطاب كاره للآخر.

وبات أصحاب الخطاب القومي الشعوبي، خصوصاً قادة أحزاب اليمين المتطرّف، مثل أوميت أوزداغ Ümit Özdağ، وبعض غلاة الكارهين للآخر والمطالبين بطرد السوريين، مثل رئيس بلدية بولو تاتجو أوزجان، يحظون بمساحات إعلامية واسعة، ويظهرون بشكل متكرّر على شاشات وسائل الإعلام التركية، إلى جانب نشاطهم على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، ولقاءاتهم مع الجمهور العام في الشوارع والساحات والمنازل، فضلاً عن استطلاعات الرأي التي تتناول حصرياً الوجود السوري في تركيا، الأمر الذي أفضى إلى تكوين رأي عام في الشارع التركي كارهٍ للسوريين، انعكس في حوادث عنفٍ ضدهم، مثل حرق ثلاثة شبان سوريين في إزمير العام الفائت، وركل المسنّة السورية في غازي عينتاب، وسواهما.

ويركز الخطاب القومي الشعبوي للأحزاب القومية المتطرّفة في تركيا على قضية واحدة، معاداة اللاجئين، خصوصاً السوريين، محاولاً إثارة الشعور بالتهديد والخوف عبر إظهار الأجانب سبب قلق الأتراك، بدلاً من البحث عن حلول لمشكلات المجتمع الأساسية، ثم يضع جميع الأحزاب الحاكمة والمعارضة في سلة واحدة، فيما يضع في سلة أخرى أفراد الشعب الذين يخاطبهم، ويحاول إنقاذهم من “الغزو الصامت” الذي يهدّدهم، والذي سمحت النخب الشريرة به. لذلك لم يتوانَ أوميت أوزداغ عن الإقرار بأنّه هو من أنتج الفيلم العنصري القصير “الغزو الصامت” الذي انتشر أخيراً في تركيا، ويصوّر إسطنبول في 3 مايو/ أيار 2043 وكأنها مدينة أشباح، ويعتريها الخراب والدمار نتيجة سيطرة السوريين على كلّ شيء فيها، وأنّ السوريين يطاردون الأتراك في شوارعها. أما رئيس “ولاية إسطنبول” السوري، فيصبح رئيساً للدولة التركية في الانتخابات الرئاسية. وعليه، يحذر الفيلم سائر الأتراك من اللاجئين السوريين، ويطالبهم بإجراءات ضدهم، لأنّه “إذا لم تفعلوا شيئاً اليوم، فسيحدث مثل هذا غداً”.

العربي الجديد

————————

سكوت روسيا العاجز عن العملية التركية/ بسام مقداد

في حين تعلن واشنطن بالفم الملآن رفضها للعملية العسكرية شمال سوريا، تصمت روسيا الرسمية عن التعليق على العملية، ويكتفي إعلامها بذكر ما تعلنه السلطات التركية، أو بالحث على الصدام بين تركيا والولايات المتحدة. ويرى مراقبون أن إعلان تركيا عن العملية العسكرية قد يكون، في  جزء كبير منه، ورقة تركية في المساومة مع الولايات المتحدة حول التوسع اللاحق لحلف الناتو.

تواصلت “المدن” مع الخبير الروسي بالشؤون التركية يوري مافاشيف، وطرحت عليه اسئلة تتمحور حول أسباب الصمت الروسي الرسمي عن العملية التركية المحتملة في شمال سوريا، وما إن كان إنهماك روسيا في  الحرب على أوكرانيا يعرقل تخصيص قوى وموارد تدعم أي رد محدد من الكرملين، على قول محللين روس. 

قال مافاشيف بأنه يوافق مع زملائة المحللين الروس الذين يفسرون “صمت” روسيا بصعوبات تخصيص قوى وموارد تدعم “رداً محدداً” بشأن العملية. ويعتقد أن الكرملين يحاول بما أوتي أن يظهر عبر وسائل إعلامه ووسائل أخرى أن المشكلة هي بين تركيا والولايات المتحدة، أي، وبكلام آخر، السلطات الروسية تحاول بكل قواها جعل الأتراك يصطدمون بالأميركيين. وهو ليس واثقاً من أن هذا التكتيك، والذي تصر عليه روسيا، سيساعدها في الوضع الراهن، علماً أن العملية تمس بشكل مباشر مصالحها. فالعملية العسكرية التي تستطيع تركيا بالتأكيد القيام بها، تعني 100% إضعاف مواقع روسيا، “لكن موسكو وبوتين ليس بمقدورهما فعل شيئ حيال الأمر”.

منذ عامين، وعلى خلفية الدور التركي في جنوب القفقاز، نشر موقع  Kasparov المعارض نصاً لكاتب سياسي روسي قال فيه بأن بوتين، ومن الموقع الضعيف، يواصل لعب “الدور الثاني” مع إردوغان. ورأى أن بوتين بدخوله إلى سوريا “فتح الباب أيضاً لإردوغان”، وفشل في المشاركة بدعم اليونان في صراعها مع إردوغان حول جرف شرقي المتوسط، إضافة إلى دخول روس في أجهزة كمبيوتر الأساقفة اليونانيين أثناء الصراع حول إنفصال الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية عن الكنيسة الروسية. وتجرأ إردوغان، وهو “يرى ضعف القيصر الروسي”، على إخضاع آيا صوفيا نهائياً.

في العودة إلى العملية التركية المحتملة حالياً، يتلطى الكرملين في صمته حيالها وراء تصريحات نواب سوريين عن رفضهم لها و”حرصهم على سيادة سوريا ووحدة أراضيها”، وخلف ما ينسبه إعلامه إلى تركيا محاولتها الحؤول دون نشوب صراع مباشر مع روسيا، ويستدل بعضه على ذلك بآراء  محللين سياسيين أتراك يحاولون تخفيف وقع العملية على صعوبة أن تتخذ روسيا موقفاً محدداً من العملية. فقد نشر موقع وكالة نوفوستي في القرم crimea.ria.ru آخر الشهر المنصرم نصاً لمستشرق روسي بعنوان ” عملية تركيا الخاصة، لماذا يحتاجها إردوغان وكيف سترد روسيا”. يقول المستشرق بأن تركيا، وعبر العملية العسكرية، عازمة على معالجة مهمات سياسية وإستراتيجية في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، لكن تحقيقها يدخل في تناقض مع المصالح الروسية، مما سيجعل أنقرة تحاول تفادي مجابهة مباشرة مع موسكو.

بين المهمات الإستراتيجية التي تسعى أنقرة لجعل العملية العسكرية أحد عناصر حلها، يرى المستشرق ضمان أمن الطاقة التركية على حساب إحتياطيات الهيدروكربونيات في جرف شرق البحر المتوسط. وثاني هذه المهمات يراها في شغل تركيا موقعاً أساسياً على الخريطة السياسية للشرق الأوسط والبحر المتوسط. ولحل هاتين المهمتين الإستراتيجيتين تسعى تركيا لضمان أمنها في المناطق الحدودية في سوريا والعراق، والتي تنشط فيها الوحدات المسلحة لحزب العمال الكردستاني. ويؤكد أن جميع هذه المهمات السياسية التي تسعى تركيا لتحقيقها “لاتتوافق بحال من الأحوال” مع المهمات التي رسمتها روسيا لنفسها في هذه المنطقة، وبالتالي تركيا في هذه الحالة “منافس لروسيا”.

وما يعزز وضع تركيا منافساً لروسيا، برأي المستشرق، هو طموحاتها في القفقاز التي تتحقق في إطار “العالم التركي”، وتؤثر، إن لم يكن بشكل مباشر، فبشكل غير مباشر على طبيعة العلاقات التركية الروسية. 

ويرى المستشرق أن القفقاز يمثل لروسيا مشكلة ومهمة أكبر بما لا يقاس مما تمثله سوريا. وحين كانت الأمور هادئة في جنوب القفقاز كانت سوريا في مركز إهتمام روسيا لأنها كانت موطئ قدم لتغلغلها الجديد في الشرق الأوسط.

صحيفة  Kommersant السياسية الروسية التي تدور في فلك إعلام الكرملين (كانت مستقلة في وقت غير بعيد)، قالت في النص الذي نشرته في 30 الشهر المنصرم أن المحادثة الهاتفية بين إردوغان وبوتين في اليوم عينه تركزت حول أوكرانيا. لكن الكرملين، وفي إشارة سريعة، ذكر أنها تناولت مسائل إقليمية أيضاً. أما الجانب التركي فقد أشار إلى أن إردوغان ذكّر بوتين بأن الفصائل الكردية المسلحة تواصل هجماتها على تركيا والمدنيين في سوريا. كما أبلغ بوتين عدم وجود منطقة آمنة من الإرهابيين في سوريا بعمق 30 كلم عن الحدود التركية.

صحيفة NG الموالية نشرت في 25 الشهر الماضي نصاً بعنوان “العملية الجديدة في سوريا ستجعل تركيا تصطدم بالولايات المتحدة”، وأرفقته بآخر ثانوي  “أنقرة تنجز الإستعداد لتوجيه ضربة للقوات الكردية”. تشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة  قابلت “بعدائية” الأنباء عن الإستعداد للعملية ، وتنقل عن الناطق بإسم الخارجية الأميركية قلقه العميق بشأن إحتمال تنشيط العمليات الحربية في شمال سوريا، وكذلك إدانته لأي تصعيد ودعمه لوقف النار السائد حالياً.

تنقل الصحيفة عن خبير روسي قوله بأن المنطقة الآمنة يجب أن تمتد، برأي تركيا، على طول الحدود السورية التركية، يضاف إليها الجيبان الكرديان منبج وتل رفع، اللذان تزمع تركيا إحتلالهما وتسليمهما للحكومة المؤقتة للجيش الوطني السوري. ويشير الخبير إلى أن منبج يقسمها الأوتوستراد M4 إلى شطرين، كانت العمليات التركية السابقة تتوقف عنده، ويعتقد بوجود “تفاهم نظري” بين روسيا وتركيا على إعتبار الأوتوستراد خطاً أحمر.

وبشأن إمكانية تنفيذ العملية التركية، يرى الخبير بأنها لا تزال موضع تساؤل إذا أخذنا بالإعتبار تواجد العسكريين الأميركيين في المنطقة المفترضة للعملية. فإذا كانت الولايات المتحدة عازمة على عرقلة العملية التركية، فقد يؤدي ذلك إلى “القطيعة النهائية” بين تركيا والولايات المتحدة.

صحيفة الإزفستيا المخضرمة، وفي نص نشرته في 26 المنصرم، نقلت عن النائب الأول  لرئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما (البرلمان) قوله بأنه، على الرغم من أن تركيا تخرق  إتفاق العام 2019 مع روسيا، إلا أن مجلس الدوما يرى أن من الممكن معالجة المسألة بالحوار.

تنقل الصحيفة عن بروفسور تركي في الجامعة التركية الألمانية قوله بأن الهدف الرئيسي للعملية التركية هو إقامة منطقة آمنة للاجئين في شمال سوريا، والذين أصبحت قضيتهم مهمة في تركيا على خلفية الإنتخابات الرئاسية العام 2023. يقول البروفسور بأن الإتفاقية مع روسيا والولايات المتحدة آن الأوان لتعديلها لأن “الوضع يتغير على الأرض”. ويرى أن الظروف مناسبة لتركيا للقيام بعمليتها، وذلك لأن الأمر يتعلق بصوت تركيا بشأن ما إن كانت فنلندا والسويد ستنضمان إلى الناتو.

بوليتولوغ تركي قال للصحيفة أيضاً بأن العمليات التركية الثلاث السابقة جرت أيضاً من دون موافقة الولايات المتحدة التي لا تزال تركيا حتى الآن تعتبرها الممول الرئيسي للفصائل الكردية.

المدن

————————–

لعبة “السبع حجار” في سوريا؟/ سمير صالحة

قرَّب قرار تركيا القيام بعملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا، المواقف الأميركية والإيرانية في رفض هذا التحرك. فهل يتحول ذلك إلى تنسيق وتفاهمات بينهما في سوريا؟ وهل تقبل أنقرة أن تتراجع عن قرارها هذا بسبب رفض واشنطن وطهران للعملية؟ وما الذي سيحدث إذا ما أعطت القيادات السياسية التركية الضوء الأخضر لقواتها بتنفيذ الجزء المتبقي من خطة المنطقة الآمنة على جانبي نهر الفرات، خصوصا وأن الميليشيات الإيرانية غير بعيدة اليوم عن منطقة تل رفعت تحت ذريعة دعم قوات النظام؟ هل تجد تركيا نفسها في ورطة مواجهة إيرانية بقرار أميركي في الشمال السوري؟ أم أن هناك أصابع تدير كل هذه اللعبة بالتنسيق مع إيران لإفشال الخطة التركية أولا. ثم لإخراج أميركا من العرس بلا قرص ثانيا؟

أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أن طهران تعارض أي نوع من الإجراءات العسكرية واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فض النزاعات. وقال إن “الإجراءات العسكرية على أراضي الدول الأخرى تشكل انتهاكا لوحدة الأراضي والسيادة الوطنية لتلك الدول وستؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد”.

التصريحات الإيرانية جاءت مواكبة لتحذيرات أطلقها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وهو يحذر تركيا، من القيام بعمل عسكري في شمالي سوريا، لأنه “سيعرض المنطقة للخطر ويقوض الاستقرار الإقليمي ويعرقل خطط المواجهة مع تنظيم داعش” الذي تلعب “قوات سوريا الديمقراطية” حليف واشنطن دورا أساسيا فيه.

إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن استعدادات لإطلاق عملية عسكرية خامسة في شمالي سوريا بهدف إكمال خطة المنطقة الآمنة، سيؤدي حسب طهران إلى أزمات سياسية وأمنية جديدة في سوريا ويهدد الاستقرار الذي تم التوصل إليه في تفاهمات أستانا وسوتشي. ويضعف الحرب المعلنة على مجموعات داعش في سوريا بالتنسيق بين القوات الأميركية ومجموعات قسد حسب واشنطن.

أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أتعجب.

خطيب زاده لا علم له بوجود مئات “المستشارين” في صفوف الحرس الثوري وفيلق القدس والمقاتلين المحسوبين على إيران وميليشياتها من لبنان والعراق على الجبهات السورية منذ عقد.

وبلينكين لا علم له بالمطالبة التركية اليومية في حسم مسألة إرسال أطنان السلاح والتمويل لمجموعات قسد لأن ما تبقى من داعش لا يحتاج إلى كل هذه الاستعدادات، إلا إذا كان البعض يريد أن يلعب أوراق مئات السجناء من التنظيم في شرقي سوريا ضد تركيا ودول المنطقة وأمنها في مرحلة لاحقة.

تقلق العملية العسكرية التركية إيران:

– لأنها ستعزز النفوذ التركي في الشمال السوري. وتعطي أنقرة ما تريده من سيطرة ميدانية تحول دون التوغل الإيراني باتجاه الحدود التركية السورية عبر قوات النظام.

– وهي تقلق طهران أيضا لأنها قد تتم بالتفاهم المباشر بين أنقرة وموسكو صاحبة النفوذ العسكري والسياسي الأقوى على الأرض مما يعني تراجع الثقل الإيراني وتعطيل مشروع إيران القديم الجديد بالوصول إلى سواحل البحر الابيض المتوسط لتكون شريكا استراتيجيا اقتصاديا أمنيا وسياسيا في تقاسم النفوذ هناك.

– ولأن التمدد العسكري التركي سيترك إيران أمام خيارات محدودة أصعبها الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع القوات التركية والجيش الوطني للحؤول دون الانتشار العسكري التركي الجديد.

– ولأن العملية التركية ستضعف أكثر “شرعية” الوجود الإيراني العسكري نتيجة الانفتاح العربي الأخير على دمشق والذي كان بين شروطه الأساسية إخراج إيران من المشهد في سوريا.

– ولأن طهران قد تجد نفسها في موقف صعب وحرج أمام شريكها الروسي في سوريا، وهي تقترب من واشنطن في طروحاتها الرافضة للخطة التركية خصوصا إذا ما أشعل الكرملين الضوء الأخضر أمام أنقرة لتتحرك في مناطق النفوذ الروسي في غرب الفرات.

– ولأنها تدرك حجم ومخاطر التنسيق التركي الإسرائيلي المحتمل في الملف السوري بعد التقارب الأخير بين أنقرة وتل أبيب والذي سيكون الوجود الإيراني في سوريا في مقدمة أهدافه. خصوصا وأن هذه التطورات تزامنت مع مفاوضات إسرائيلية روسية جديدة من المحتمل أن تكون قد تحولت إلى تفاهمات على إنهاء الوجود الإيراني في سوريا وهو ما يؤيده العديد من العواصم الإقليمية والغربية.

وتقلق العملية العسكرية التركية واشنطن:

 – لأنها تضعف سياسة أميركا، الداعمة لمشروع قسد الانفصالي في سوريا.

– ولأنها تدرك أن تركيا ستسقط ورقة مجموعات داعش من يدها عاجلا أم آجلا، فأنقرة تستعد لمطالبتها بإنهاء هذا الملف وإغلاق السجون عبر إيجاد صيغة قانونية سياسية تسقط جرة العسل هذه من يد أميركا.

– ولأن تركيا قد تحرمها من خلال عملية عسكرية تقوم بها بموافقة الروس، فرصة التصعيد في الشرق الأوسط ومحاصرة النفوذ الروسي على خط البحر الأسود وشرق المتوسط.

– ولأنها تدرك أن تركيا في النهاية لن تعطيها ما تريده في موضوع التوسعة الأطلسية التاسعة عبر إدخال السويد وفنلندا دون إسقاط ورقة التنظيمات التي تتهمها هي بالإرهاب فيما تنسق واشنطن وغيرها من العواصم الغربية مع هذه المجموعات وتوفر لها الحصانة والرعاية السياسية والاقتصادية والدعائية فوق أراضيها.

من سيعطي إيران ما تريده في سوريا وهي في عزلة سياسية هناك؟ إدارة بايدن طبعا إذا ما شعرت أن الرياح السورية تجري بعكس ما تشتهيه واشنطن. فهل تقدم على خطوة انتحارية من هذا النوع لعرقلة التفاهمات التركية الروسية الإسرائيلية الجديدة بغطاء إقليمي في سوريا؟ وهل تضرم النار بلعبة تحالفات إقليمية بنتها بهدف منع العملية العسكرية التركية على حدودها الجنوبية فقط لإظهار أنها قوة عالمية فاعلة في المنطقة لا يمكن الخروج عن التوازنات والمعادلات التي أشرفت على تشييدها في الشرق الأوسط وشرق المتوسط وإيجه والبحر الأسود؟

كان السؤال دائما يتعلق بمعرفة موعد المواجهة الأميركية الإيرانية في سوريا، لكن يبدو أن مواجهة أميركية تركية في شمال شرقي سوريا هي الأقرب. الشراكة التركية الأميركية تشهد أصعب أيامها في هذه الآونة. الانفجار في مسار العلاقات بسبب الملف السوري كان دائما بين التوقعات لكن لحظة حدوث ذلك لم تكن جلية. التقارب التركي الروسي ورفض أنقرة الإصغاء لما تقوله واشنطن في سوريا يسرع الأمور ويحمل معه سيناريو بحث واشنطن عن خيارات بديلة تحمي مصالحها في سوريا فمع من وكيف ستفعل ذلك؟

هنا يبرز السؤال الآخر هو حول احتمال التنسيق الأميركي الإيراني في إطار صفقة سياسية إقليمية متعددة الجوانب لسد العجز المحتمل في سياستهما السورية نتيجة “التمرد” التركي بدعم روسي على الحليف الاستراتيجي فهل يحدث ذلك؟

رددت طهران ولسنوات أن تركيا هي من يدعم مجموعات داعش في سوريا. تقارب المواقف الإيرانية والأميركية هنا لافتة طبعا. التصعيد الإيراني هذا لا يمكن أن يكون سوى حلقة من خطة التقارب بين طهران وواشنطن، وخطوة تساعدهما على الانفتاح ما دامت لغتهما وأدواتهما بدأت تتوحد في الأشهر الأخيرة.

ترفض أميركا فتح الطريق أمام العملية العسكرية التركية. وترفض مساعدة أنقرة على إقامة المنطقة الآمنة لأنها تتعارض مع كل حساباتها ومصالحها في سوريا. فهل تواصل رفضها لما تريده تركيا وهي لا تملك الكثير من الخيارات هناك سوى البديل الإيراني التي كانت واشنطن تقول إنه بين أسباب تمسكها بالبقاء عسكريا في شرق الفرات وتنتقد أنقرة بسبب رفضها إعلان القطيعة الكاملة مع طهران في الملف السوري؟

قناعة تركية جديدة تعتبر أن التوتر التركي الإيراني في سوريا والعراق كان لا بد منه نتيجة التقارب والانفتاح التركي العربي والإسرائيلي الجديد. خصوصا وأن حلفاء تركيا في الغرب تركوها وحيدة في مواجهة أزمة شمالي سوريا وموضوع اللجوء. هدف الحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا هو اليوم القاسم المشترك الذي يوحد الكثيرين في المنطقة. فهل الرد سيكون عبر التنسيق الأميركي الإيراني لحماية مصالحهما “المشتركة” في سوريا؟

دخلت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا على الخط في آخر لحظة لتقول إن موسكو تتفهم مخاوف تركيا من تهديدات أمنها القومي في المناطق الحدودية. لكنها لم تتردد في دعوة أنقرة للامتناع عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير في الأوضاع السورية. “تلقينا تقارير مثيرة للمخاوف عن مثل هذه العملية العسكرية.. ضمان الأمن على الحدود السورية التركية لا يمكن أن يتم إلا بنشر قوات الأمن السورية النظامية”.

ذكرتنا موسكو فجأة بزمن “زاروب كنيعو” في بيروت ولعبة “السبع حجار” هناك، حيث كنا نصف الأحجار ونسقطها لساعات دون ملل. مرة أخرى تخلط موسكو.. الأحجار في سوريا.

تلفزيون سوريا

——————————

رغم الرفض الدولي.. لماذا يجدد أردوغان تهديداته على الشمال السوري؟/ شيلان شيخ موسى

على الرغم من الرفض الدولي، عاود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتجديد تهديداته بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، بحجة إنشاء “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلومترا، وبالتالي إبعاد “وحدات حماية الشعب” المكون الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن حدوده والذين يشكلون خطرا –بحسب أنقرة- على الأمن القومي التركي.

وسط الرفض الدولي وبالتحديد واشنطن لهذه العملية العسكرية التركية. يبدو أن أردوغان تراجع في خطابه خلال اليومين الماضيين، حيث حدد بوضوح أمام البرلمان أن العملية العسكرية لن تشمل شرق الفرات، بل غرب النهر فقط، وتحديدا في منبج وتل رفعت.

اليوم وقبل أي وقت مضى، يسعى أردوغان جاهدا، بين إطلاق التهديدات وتصعيد اللهجة، في سبيل الحصول على مكان في قلب الساحة الدولية-الإقليمية، فمن من الحرب الروسية-الأوكرانية والممرات البحرية إلى توسيع حلف شمال الأطلسي وتهديداته في سوريا، والتوتر مع اليونان المجاورة، حيث توجد أنقرة في كل هذه الملفات الإقليمية، فضلا عن بعض الملفات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة ذات الطبيعة الإقليمية، مع الإشارة إلى قرب الانتخابات الرئاسية التركية في العام المقبل والتي تبدو نتائجها غير أكيدة. ومن ملف إلى آخر وربما أهمها ملف شراء أنقرة نظام الدفاع الروسي “أس-400″، يضرب يده على الطاولة مبررا ذلك في الوقت نفسه على أمن ومصالح بلاده.

ومن هذا المنطلق، يبدو أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لأردوغان، وأنه بحاجة ماسة إلى المغامرة بإحداث فوضى أو حرب ما، في سبيل كسب أو حلحلة بعض الملفات، وبالتالي ربما يُحظى ببعض الأصوات خلال الانتخابات القادمة في تركيا.

تركيا تريد مساومة واشنطن؟

وبالتزامن مع هذه التصريحات، وسعت أميركا انتشار قواتها ودورياتها وسيرت طائرات شرق الفرات، لتأكيد حماية حلفائها وردع الجيش التركي. كما أعلنت واشنطن وأبلغت أنقرة عبر مندوبتها إلى الأمم المتحدة ليندا غريفيلد رفضها أي هجمات عسكرية، معتبرة أن ذلك سيضر بالاستقرار الإقليمي.

وجاء التهديد مع قرب انعقاد قمة “الناتو” في إسبانيا آواخر الشهر الجاري، وسط الجدل حول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما تعارضه أنقرة التي تعتبر أنهما يؤويان “إرهابيين” من “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.

ورغم الرفض الدولي المتكرر لتهديدات أردوغان بشن عملية عسكرية تركية على شمال سوريا، يجدد أرودغان بتصريحات (خطابية فقط) بشن عمليته العسكرية في تلك المناطق، وضمن هذا الإطار، يرى المحلل السياسي، كريم شفيق، أن الرئيس التركي يواصل تهديداته بشأن العملية العسكرية في شمال سوريا وتحديدا استهداف منطقتي منبج وتل رفعت السوريتين رغم وجود اصطفاف سياسي رسمي أميركي برفض أي تصعيد والذي من شأنه وضع المدنيين في خطر غير أنه على ما يبدو يحتاج أردوغان لتلك الحرب لتحقيق جملة أهداف ومصالح بعضها محلي والآخر خارجي إقليمي.

وفي اعتقاد المحلل السياسي خلال حديثه مع موقع “الحل نت”، أن “أردوغان يسعى للاستفادة أو استغلال الصراع الدولي المحتدم وتناقضات الأزمة العالمية بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الحرب في أوكرانيا فضلا عن توظيفه لقضية انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ومناورته للتفاوض مع واشنطن عبر إمكانية استخدام حق النقض الفيتو ضد هذا الانضمام وبالتالي فإنه يحاول اللعب على أعناق تلك التناقضات للحصول على مكاسب”.

ويضاف لذلك فإن هذه الورقة التي يمررها أردوغان إنما ربما تحقق له ضمن أهدافه حلحلة ملف السلاح الذي تسبب في أزمات مع واشنطن بعد شراء منظومة الصواريخ من روسيا “أس-400″، وفق تعبيره لـ”الحل نت”.

من جانب آخر، يعتقد يكتان ترك يلماظ، الباحث في جامعة أوروبا الوسطى في فيينا، إن أردوغان “يحاول تحويل (مسألة الحلف الأطلسي) إلى فرصة دبلوماسية”. في إشارة إلى استغلال مسألة انضمام فنلندا والسويد لحلف “الناتو” لمصالحه السياسية فقط.

ويشير المحللون الذين تحدثوا للوكالات الغربية، إلى أمل تركيا في الاستفادة من ملف الحلف الأطلسي وتهديداته العسكرية في شمال سوريا، في مسألة مقاتلات “أف-16” الأميركية، وهي الطائرات التي طلبتها ودفعت ثمنها جزئيا، لكن واشنطن علقت العقد بعدما اشترت أنقرة نظام الدفاع الروسي “أس-400”.

8

أردوغان يستغل الظروف الدولية

يعتقد المراقبون، أن تهديدات أردوغان في هذا التوقيت بالتحديد مثيرا للاهتمام، خاصة وأن تركيا تعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، لذا فلماذا تريد أن تفتح جبهة حرب، وبالتالي فإن هذه التهديدات ليست سوى لتحقيق بعض المكاسب.

وأنه بهذه الطريقة، يريد أردوغان فرض ضغط شعبي وجماهيري على المعارضة، لأنه في مثل هذه الظروف، لم تبقَ في يد الحكومة أوراق سوى أن تخلق بيئة من الفوضى، ما يجعل المواطنين في جو من الرعب ليصوتوا للحكومة، تجنبا لانجرار الأوضاع إلى الأسوأ بسبب عدم الاستقرار في إدارة البلاد. وسبق لهذه الحكومة أن جرّبت هذه الطريقة واستفادت منها، ولكن ليس من المؤكد أن يصب ذلك في مصلحتها في ظل الظروف الراهنة.

وضمن هذا السياق، يرى المحلل السياسي كريم شفيق، أن تهديدات أردوغان “تبدو فرصة جيدة في سياق الانتخابات التركية المزمع إجراؤها في حزيران/يونيو 2023 حيث إنه أردوغان سيجعل منها فرصة للشحن القومي واستثماره لحصد أصوات القوميين أو ربما يتسبب في تعطيل الانتخابات كسيناريو محتمل (وبعيد) لكنه في كل الأحوال حيلة لتفويت فرص ممكنة لصعود المعارضة وتقوية مستقبلها السياسي بحيث يؤدي لانحسار حزب “العدالة والتنمية” التي تبدو في وضع مأزوم نتيجة أوضاع داخلية معقدة”.

وعليه، فإن الأيام المقبلة كفيلة بكشف مآلات التصعيد التركي ضد الشمال السوري، وهل هو تفاوضي قبل انعقاد قمة “الناتو” في مدريد نهاية الشهر الجاري، والتي أيضا ستقرر مصير طلبي السويد وفنلندا والصدام الروسي-الغربي، أم استباقي باقتناص اللحظة الدولية، بحيث يفرض أردوغان الوقائع على الأرض قبل السفر إلى إسبانيا، وفق مراقبين.

———————————–

الدوافع التركية لعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري/ عدنان علي

الحديث التركي مجددا عن عملية عسكرية في الشمال السوري، يندرج في إطار رغبة أنقرة في استثمار ما تعتبره ظروفا إقليمية ودولية مواتية لاستكمال خططها القديمة المعلنة في إقامة “منطقة آمنة” بعمق 30 كلم على طول حدودها الجنوبية مع سوريا.

وقد اتخذت تركيا من طلب كل من السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، مدخلا لمساومة الغرب في تأييد العملية، والمشروع الآخر المرتبط بها كما يبدو، أي إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى مناطق الشمال السوري.

ووفق ما ذكر الرئيس التركي أردوغان في معرض إعلانه عن العملية العسكرية المحتملة، فإن المناطق التي تعدّ مركز انطلاق للهجمات على القوات التركية، ستكون على رأس أهدافها فيما أعطى مجلس الأمن القومي التركي الضوء الأخضر للمباشرة بهذه العملية.

وفي رسائل إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا، قال أردوغان أن “تركيا ستميز مجدداً في هذه المرحلة، بين من يحترمون حساسياتها الأمنية، والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وأنها ستصوغ سياساتها مستقبلاً على هذا الأساس”، وهو تصريح فهم منه البعض أن تركيا حصلت على موافقة إحدى هاتين الدولتين لشن العملية، لكن المواقف التالية الصادرة عنهما أظهرت تواصل التحفظات الروسية والأميركية، فيما أعلنت موسكو عن نيتها المباشرة بجهود لدى أنقرة لوقف هذه العملية.

وفق تسريبات للصحف التركية، ومصادر أخرى، فان العملية التركية ان حدثت بالفعل، سوف تستهدف بالدرجة الأولى مدن تل رفعت وعين العرب (كوباني) وعين عيسى ومنبج، وهو ما يمنح أنقرة السيطرة على نحو ثلاثة أرباع الحدود مع سورية البالغ طولها 911 كلم.

ويبدو أن الهدف الأهم هو تل رفعت التي تبعد حوالي 15 كلم فقط عن الحدود التركية والتي تقول تركيا إن المقاتلين الأكراد يستخدمونها قاعدة لشن هجمات في عفرين وإعزاز وجرابلس التي تسيطر عليها قواتها والفصائل الموالية لها. وكانت هذه المدينة من ضمن أهداف العملية التركية السابقة في عفرين، لكن تعقيدات وجود قوات روسية فيها، جعلها بمنأى عن ذلك.

واليوم مع انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا، واضطرارها لسحب بعض قواتها من سوريا، تعتقد تركيا أن الاعتراضات الروسية لن تكون قوية، كما أن الأميركيين لم يسبق لهم أن أظهروا أي اهتمام بمصير تل رفعت البعيدة عن مناطق نفوذهم، وتمركز قواتهم في شرق الفرات.

أما الحديث عن مدينة كوباني (عين العرب) ذات الأغلبية الكردية، فهو أكثر تعقيدا للأتراك نظرا للرمزية التي حملتها المدينة بعد نجاح “وحدات حماية الشعب” الكردية بدعم من التحالف الدولي في طرد تنظيم “داعش” منها عام 2015، إضافة لكثافتها السكانية، وغالبيتهم من الأكراد الذين لن يرحبوا بأية قوات تركية، أو موالية لها.

ومن نافل القول، أن أية عملية عسكرية، لن تشمل مناطق الشمال الشرقي من سوريا (الدرباسية والمالكية والقامشلي) لأنها مناطق مفتوحة على الحدود مع جبال قنديل، وتعدّ مركز ثقل حزب العمال و”قسد”، فضلا عن الحضور الكبير للقوات الأميركية هناك، إضافة لقوات النظام السوري في محيطها.

أما المدينة التي من المرجح بشدة أن تطالها العملية إن تمت فهي منبج، حيث لا توجد فيها غالبية كردية، وبالتالي لا تمثل رمزية بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي وقسد، على عكس (كوباني) التي تحظى بمكانة استثنائية لديهما، ناهيك عن رمزيتها بالنسبة للغرب حيث تشكل التحالف الدولي لمكافحة داعش من أجل مواجهة التنظيم في هذه المدينة.

كما أن مدينة عين عيسى التي تعتبر العاصمة الإدارية للإدارة الذاتية، مرشحة بقوة لأن تكون هدفا للعمليات العسكرية.

ورغم أن البعض يرى أن الحديث التركي عن هجوم جديد ضد “قسد” مجرد حديث سياسي أكثر منه عسكري، بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب بالتزامن مع المفاوضات بين الغرب وتركيا بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، فانه من غير المستبعد أن تنجح تركيا في انتزاع تنازلات من روسيا المأزومة في أوكرانيا، أو من الولايات المتحدة التي ترغب بدور تركي في أزمة أوكرانيا، ومواجهة الغزو الروسي، عبر السماح لتركيا بتوغل محدود في منطقة لا تعدّ حساسة بالنسبة للأكراد، مثل منطقتي عين عيسى ومنبج أو حتى تل رفعت، ما يعني أن العملية المحتملة لن تتطلب معارك واسعة أو شرسة إذا ما جاءت في إطار صفقة بين تركيا والغرب أو تركيا وروسيا، حيث تنسحب قسد من مناطق محددة بعد معارك محدودة.

والواقع ان لدى تركيا العديد من الدوافع لإطلاق عملية عسكرية في هذا الوقت مستفيدة مما تعتقد أنها ظروفا دولية مواتية، وفي مقدمة ذلك التمكين أكثر لمشروعها المتزامن المتمثل في بناء مدن سكنية في الشمال السوري بهدف إعادة مليون لاجئ سوري ضمن ما تطلق عليه “المنطقة الآمنة”، وما تسميه الإدارة الذاتية (تغييرا ديمغرافيا)، وهو مشروع كان من المقرر أن يقام على أراضي أملاك دولة إلى الغرب من مدينة رأس العين السورية.

حيث الأراضي الزراعية الخصبة أو ما يعرف بأراضي الشركة الليبية، وبعد اعتراضات محلية، على كون المنطقة زراعية، جرى اقتراح منطقتين غير صالحتين للزراعة تقعان جنوب شرقي تل أبيض، وفي منطقة حشيشة شرق سلوك. ويبدو أن الأتراك في صدد اعتماد هاتين المنطقتين، مع معلومات بأن شركات قطرية ستتولى عملية إنشاء هذه المدن عبر مقاولين محليين.

وتأمل تركيا بأن إخراج “قسد” من مدن مثل تل رفعت ومنبج سوف يمهد الطريق على إعادة آلاف اللاجئين إلى منازل أو مخيمات التي تعمل تركيا على إقامتها هناك، كما أن المشروع التركي قد يمتد لاحقا إلى المناطق الجديدة التي تسعى أنقرة للسيطرة عليها..

وإضافة إلى عمل تركيا على تقويض أية فرصة لإنشاء إقليم كردي منفصل شمال سوريا، تسعى أيضا إلى التخلص مما تقول انها تهديدات أمنية على مواقعها العسكرية في سوريا، وتصبو أيضا إلى تقليص المخاطر التي مصدرها موالون أو مقربون من حزب العمال الكردستاني عن حدودها الجنوبية، ورغبتها في فرض مزيد من الضغوط العسكريّة على الحزب في المنطقة عموماً، حيث مثل هذه العملية ستسهم في استنزاف قدرات الحزب وموارده بشكل أكبر، بالتوازي مع تواصل عملية (المخلب – القفل) التي أطلقتها تركيا ضده في العراق.

وعلى الصعيد الدولي، تسعى تركيا للحصول على ثمن مقابل موافقتها على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، لأن هذه الموافقة ستؤثر سلباً على علاقتها مع روسيا، وهو ما قد يلحق بتركيا خسائر سياسية واقتصادية.

وأخيرا، فان الرئيس التركي أردوغان يحتاج قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023 إلى تحقيق “إنجازات” خارجية، خاصة في قضايا حساسة مثل قضية إعادة اللاجئين التي طالما عزفت عليها أحزاب المعارضة، وتحولت إلى قضية تشغل الرأي العام التركي.

———————————-

«تقاسم» سوريا يقترب من الإنجاز… بتواطؤ دولي/  إياد أبو شقرا

ما لم تخنّي الذاكرة، لم تصدُق «نظريات المؤامرة» في أي مكان من العالم كما صدقت في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

إنها منطقة لعب فيها الاقتصاد والتاريخ والجغرافيا وتسييس الدين، أدواراً مهمة في ازدهارها وشقائها، واستقرارها واضطراباتها. فهي تقع في وسط «العالم القديم» رابطة ثلاث قارات، وتتحكّم في العديد من الأجسام والممرات المائية، وتشكل شعوبها أحد أكبر مكوّنات العالم الإسلامي المتاخمة للعالم المسيحي في أوروبا… وحضارات الشرق الأقصى وجنوب آسيا ودياناتها. ثم إن في هذه المنطقة ثروات واحتياطيات وموارد تعدينية واقتصادية هائلة تتقاطع مع مخاطر بيئية تتوازى في نمو سكاني سريع يشكل تحدياً جدياً لخطط التنمية من جهة، ونجاح «الحكم الرشيد» من جهة أخرى.

في قلب هذه المنطقة الشاسعة المساحة تقع بلاد الشام… ومركز دائرتها سوريا. سوريا… البؤرة الحيوية ومفتاح الأمن وشفير الفتن وبوتقة الانصهار وحلبة الصراعات ونقطة تقاطع الهويات والمصالح… ومنبت الأوطان ومدفنها.

ولئن كانت منطقة الشرق الأوسط – وبالذات، ركنها العربي – «البطل بالرغم منه» في «نظريات المؤامرة»، فإن هوية سوريا كانت «البداية» و«النهاية» لكل ما أعد ويُعد وسيُعد للمنطقة ككل… واستطراداً، كان ولا يزال وسيظل حالة تفاعل وتأثير في تقلب الحسابات الدولية.

ليس جديداً الكلام عن مستويين من «لعبة الأمم» التي تمارَس على أرض سوريا وأنقاض دولتها ومصالح – بل مصائر – أبنائها منذ عام 2011 على الأقل. المستوى الأول إقليمي، حيث تتنازع ثلاث قوى إقليمية، هي إسرائيل وإيران وتركيا، النفوذ على أرض سوريا ومحيطها… تحديداً العراق ولبنان والأردن وفلسطين. والثاني هو المستوى الدولي المتمثل بحسابات القوى العالمية الكبرى، وفي طليعتها الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي.

قبل عام 1979 كانت التوازنات الإقليمية رهينة حسابات «الحرب الباردة» وصراع «الشرق» و«الغرب». غير أن الاعتمالات السياسية والاجتماعية والفكرية في الشرق الأوسط كانت تتبلور بالتوازي مع تغيّر ميزان القوى العالمي، وأيضاً مع تعريفَي «الحليف» و«العدو» في عواصم القرار العالمي.

ومن ثم، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (1990 – 1991) وانتهاء «الحرب الباردة» بهزيمة «الشرق» – نظرياً – تبدّلت المعطيات والموازين داخل منطقتنا، كما تبدّلت على مستوى العالم. ومقابل تراجع البديلين اليساري والقومي المتحالفين مع «الشرق» في كل من المشرق العربي و«جيرانه» من غير العرب، ازداد ثقل البديل الديني مع بروز «الإسلام السياسي» بشقيه السنّي والشيعي… عربياً وإيرانياً وتركياً. وكذلك انتهى دور ريادة العماليين (الاشتراكيين الصهاينة المؤسِّسين) في إسرائيل وانهار نفوذهم أمام صعود اليمينين الديني والفاشي في مؤسسة السلطة الإسرائيلية. وبفعل الاستقطابين الديني والمذهبي، على امتداد المنطقة، برزت مصطلحات ومعايير جديدة لتعريفي «الحليف» و«العدو»… سواءً بالنسبة للاعبين الإقليميين أو كبار اللاعبين العالميين.

من المصطلحات والمعايير اللافتة التي ظهرت بقوة مع العد العكسي لنهاية «الحرب الباردة» و«الثنائية القطبية» مصطلحات «الإرهاب» و«الدول المارقة» و«احترام حقوق الإنسان». وكان مفهوماً – في ظل واقع انتصار «الغرب» – أنها كانت من إنتاج أروقة صناعة القرار في واشنطن قبل غيرها.

في الشرق الأوسط، كما رأينا لسنين، طبّقت هذه المصطلحات بصورة انتقائية تخدم مصالح اللاعب القوى والكبرى مصالح والأعظم تأثيراً.

وكانت سوريا – ومعها «محيطها العربي» – الضحية الأولى للانتقائية والاستنسابية مع هذه الحالة.

لقد كان نظاما طهران ودمشق، مثلاً، يتبوآن دائماً صدارة تقييمات وزارة الخارجية الأميركية لرعاية «الإرهاب». ولفترة غير قصيرة اقتنع العالم – كما اقتنع من قبل الشعبان الإيراني والسوري – بأن إيران وسوريا «دولتان مارقتان» يرعى حكامهما «الإرهاب» ولا يقيمون وزناً لـ«حقوق الإنسان».

ولكن منذ عام 2015، شهدنا صفقة «تعايش نووي» غربي – إيراني كانت ممنوعة تماماً على العراق، كذلك قرّرت القوى الغربية بقيادة واشنطن أن الشعب السوري لا يستحق الحرية وحق تقرير المصير… ونظاماً غير نظام الأسد، رغم قتله (منذ 2011) مليون شخص وتهجيره وتشريده 12 مليوناً آخرين.

ثم إن هذا الاعتبار لم يقتصر على القوى الغربية، بل شمل «العملاقين» المنافسين روسيا والصين، اللذين يواصلان علاقاتهما الودية مع نظامي طهران ودمشق. وكذلك، وإنْ بصورة ضمنية، الحكم الإسرائيلي الذي طالما نظر بعين الارتياح للتدمير الممنهج الذي يمارسه هذان النظامان في سوريا، وأيضاً في العراق ولبنان، حيث ضربت طهران في البلدين كل مقوّمات وجود الدولة واستمرارها.

واليوم، على الرغم من كل ما حصل في العراق وسوريا ولبنان، لا تزال القوى الغربية صامتة إزاء ما تفعله طهران في المنطقة… وصولاً إلى اليمن. وبالمناسبة، أبلغني خبير سياسي لبناني صديق أنه خلال لقائه أخيراً مع سفير دولة غربية كبرى سمع منه قوله «كفّوا عن لوم (حزب الله) واتهامه بأنه وراء مشاكلكم. كل ما في الأمر أن طبقتكم السياسية فاسدة».

هذا التواطؤ مع إيران وأدواتها في المنطقة بات جلياً. أيضاً جلية مصالح إسرائيل في الشكل النهائي لسوريا المستقبل ولبنان المستقبل على حدودها الشمالية. ولئن كانت إسرائيل قد اطمأنت منذ 2006 إلى وضع جنوب لبنان، لا سيما انتقال اتجاه صواريخ إيران من حيفا إلى حلب، فإنها ترصد الآن «الحدود» و«السقوف» المسموح بها للوجود الإيراني في سوريا. وفي تقرير صحافي نشر أخيراً، يتبين أن القيادة الإسرائيلية ترصد مستوى الحضور الروسي – في خضم الحرب الأوكرانية – قبالة الحضور والاستيطان الإيرانيين على أراضي سوريا، بما في ذلك «تشييع» دمشق ومناطق في حوران. وتقول إنها مهتمة الآن بتحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض لنظام الأسد ورعاته.

مع هذه الخلفية، يغدو التعامل مع العمليات التركية في الشمال أكثر عقلانية وواقعية. فأنقرة باتت تدرك أن التقاسم الفعلي لكيان سوريا يسير على قدم وساق. وهي ترى أنه إذا كان الروس قد حجزوا لهم موطئ قدم في الشمال الغربي، والأميركيون رتّبوا أمورهم مع الأكراد شرق الفرات، والإسرائيليون يدرسون «السيناريو» الذي يناسبهم في الجنوب السوري، فمن الطبيعي أن تتوقع أنقرة «احترام مصالحها» في شمال سوريا. وهنا، لا يحقق الأتراك فقط حلماً قومياً قديماً، بل يمنعون أيضاً نشوء كيان انفصالي كردي قابل للحياة يهدد تركيا مباشرة، ويشكل عدواً مشتركاً لهم وللإيرانيين.

بناءً عليه، فإن الكلام الذي تردد كثيراً عن تحويل «تقسيم» المشرق العربي إلى «تفتيت» يؤكد أن «نظريات المؤامرة» قد تكون صادقة أحياناً…

الشرق الأوسط

—————————

ميدل إيست آي: العملية التركية الجديدة على حدود سورية اختبار مدروس لكسب دعم الغرب

أثار إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن شن حملة عسكرية جديدة ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية شمال سورية الجدل حول الحاجة إلى مناطق آمنة؛ فالعملية الجديدة تسعى إلى ربط منطقتين خاضعتين مسبقاً للسيطرة التركية، بهدف إزالة التهديدات الأمنية وتوسيع المساحة المتاحة لإعادة توطين اللاجئين السوريين.

لقد ظلّ خطاب السياسة الخارجية لتركيا بشأن المناطق الآمنة على حاله لسنوات. ترى أنقرة أنّ وحدات حماية الشعب مجموعة إرهابية لا يُمكن السماح بوجودها على طول حدود تركيا الجنوبية. لكن على الرغم من العمليّات العسكرية التركية الثلاث في شمال سورية منذ عام 2016، ما تزال وحدات حماية الشعب تُسيطر على مساحات شاسعة من المنطقة الحدودية.

ساعدت تركيا التي تستضيف حوالَيْ 4 ملايين لاجئ سوري، في إعادة توطين مئات الآلاف في وطنهم. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن أردوغان عن خطط لبناء 200 ألف منزل شمال سورية لإعادة التوطين الطوعي لمليون لاجئ هناك. تعاني المجتمعات الموجودة داخل المناطق التي تحميها تركيا من الاكتظاظ ونقص البِنْية التحتية اللازمة. وتعتقد تركيا أنه إذا تمت السيطرة على المزيد من الأراضي من وحدات حماية الشعب، فقد يعود المزيد من الأشخاص إلى سورية.

يُمكن للعملية العسكرية الجديدة أن تجلب أيضاً مزايا محلّية لتركيا، التي تواجه أزمة اقتصادية مستمرة، لا سيما أنّ العمليات السابقة قد حظيت بدعم واسع النطاق وتجددت ثقة الشعب في الحكومة، والعملية العسكرية الجديدة التي تلوح في الأفق مع الانتخابات يمكن أن تمنح أردوغان الدفعة اللازمة مع تصاعُد المشاعر المُعادية للاجئين.

يأتي هذا الإعلان أيضاً وسط ظروف دولية مثالية بالنسبة لتركيا؛ حيث دفعت الحرب الروسية الأوكرانية السويد وفنلندا إلى التقدّم لعضوية الناتو، وهي خطوة تتطلب موافقة تركيا. انتقدت أنقرة دولتَي الشمال الأوروبي بسبب “موقفهما المُنفتح تجاه المنظمات الإرهابية”، في إشارة إلى حزب العُمّال الكردستاني. كما أنّ تركيا غاضبة من فرضهما حظر أسلحة عليها عقب عمليتها في سورية عام 2019. وقد اتهمت تركيا السويد وفنلندا بإيواء أشخاص لهم صلات بحزب العُمّال الكردستاني.

مقاومة انضمام الدول الإسكندنافية إلى حلف شمال الأطلسي

سافر وفد من السويد وفنلندا مؤخراً إلى تركيا في محاولة لتغيير موقفها، لكن أردوغان قال لاحقاً إنّه ما يزال ينوي عرقلة طلب انضمام هاتين الدولتين للناتو، وإن المحادثات لم تكن “على المستوى المتوقع”، مشيراً إلى أنّ المخاوف الأمنية لتركيا لم تتم معالجتها.

إضافة إلى ذلك بينما كانت المناقشات جارية، ظهر زعيم سابق في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) له صلات بوحدات حماية الشعب وحزب العُمّال الكردستاني على التلفزيون الحكومي السويدي، ممّا دفع أردوغان للتشكيك في صدق المحادثات.

يُنظر على نطاق واسع إلى انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو على أنّه خُطوة حاسمة للناتو، ويعتقد أردوغان أنّ الغرب لن يقاوم عملية تركية أخرى في سورية في وقت يحتاجون فيه إلى دعمه. بهذه الطريقة، تختبر أنقرة ما يمكن أن تحصل عليه من الغرب مقابل الموافقة على طلب الانضمام للناتو.

في الوقت نفسه اتّبعت تركيا نهجاً متوازناً تجاه الصراع “الروسي – الأوكراني”، حيث عارضت الحرب علناً بينما تتجنب الجهود الغربية لمعاقبة موسكو. يُمكن لروسيا أن تُقدّم لتركيا ضمانات مُعينة مقابل قيام أنقرة بعرقلة محاولة السويد وفنلندا الانضمام للناتو، وهي تُعتبر نقطة قوّة لصالح تركيا في مواجهتها لروسيا، التي لديها قواعد عسكرية في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب.

من منظور جيوسياسي تتمتع تركيا بالظروف المُثلى لعملياتها العسكرية في سورية، وهو وضع مشابه لثلاثينيات القرن الماضي، عندما انضمّت هاتاي، التي كانت في السابق تحت الانتداب الفرنسي لسورية، إلى الدولة التركية في عام 1939 بعد استفتاء. وجاء الاتفاق الفرنسي مع أنقرة بالتوازي مع معاهدة تركية فرنسية تضمن “الصداقة” التركية خلال الحرب العالمية الثانية.

اليوم تحتاج القُوى الغربية إلى تركيا، وبالتالي قد يكون ردّها صامتاً على عملية تركية محتملة في سورية.

دور واشنطن

تُسيطر روسيا على المجال الجوي السوري منذ عام 2015، وخلال عملية عفرين في 2018 أبرمت أنقرة اتفاقاً مع موسكو لاستخدام ذلك المجال الجوي في حملتها العسكرية. كما تحرّكت القوات الروسية من عفرين إلى تل رفعت لتسهيل العملية التركية. في الواقع أيّ عملية في منطقة شمال سورية التي تتمركز فيها القوات الروسيّة يجب أن يتم تنسيقها مع موسكو.

الأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن القوات الروسية في سورية لم يتبقَّ لها أي مهام عسكرية تقريباً، مشيراً إلى أنّ وجودها وأعدادها على الأرض تُحدّدها مهام مُعيَّنة. مع استمرار حرب أوكرانيا، أفادت بعض التقارير بأنّ روسيا سحبت بعض قواتها من سورية من أجل إعادة انتشارها في أوكرانيا، وهو ما يُمثّل أولوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

من جهتها انتقدت واشنطن -التي قدّمت تدريبات ومساعدات عسكريّة لوحدات حماية الشعب الكردية بذريعة محاربة تنظيم “داعش”- خطط تركيا لشنّ عملية عسكرية جديدة شمال سورية. وقد جاءت آخِرُ عمليات المنطقة الآمنة لأنقرة على الفور عقب انسحابٍ مفاجئٍ للقوات الأمريكية من المنطقة. وفي مواجهة انتقادات بشأن الانسحاب توسّطت إدارة ترامب لاحقاً لوقف إطلاق النار.

حاليّاً يكمن الفارق بأن الديمقراطيين -الذين ضغطوا عام 2019 على إدارة ترامب لفرض عقوبات على تركيا- يتولّون الرئاسة، ممّا قد يجعل من الصعب على أنقرة إقناع واشنطن بالتزام الصمت بشأن عمليّة جديدة. في السياق الحالي يبدو أنّ الأزمة الأوكرانية والضغط الغربي لتوسيع الناتو هما أقوى ورقة ضغط لصالح لتركيا.

——————————

«قسد» تدعو قوات النظام لاستخدام الدفاعات الجوية ضد الطيران التركي

قال قائد «قوات سوريا الديمقراطية» لوكالة «رويترز» للأنباء، اليوم (الأحد)، إن التحالف المدعوم من الولايات المتحدة سينسق مع القوات الحكومية السورية لصد أي غزو تركي لشمال البلاد، مضيفاً أنه يجب على دمشق استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات التركية.

وتعهدت أنقرة بشن هجوم جديد على مناطق من شمال سوريا تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي مجموعة مسلحة تقودها «وحدات حماية الشعب» الكردية.

وسلطت التهديدات الجديدة الضوء على شبكة العلاقات المعقدة في شمال سوريا، ففي حين تعد تركيا «وحدات حماية الشعب» الكردية منظمة إرهابية، فإن واشنطن تدعم القوات الكردية السورية التي تنسق أيضاً مع الحكومة السورية وحليفتها روسيا.

وقال مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، اليوم الأحد، إن قواته «منفتحة» على العمل مع القوات الحكومية السورية للتصدي لتركيا، لكنه قال إنه ليست هناك حاجة لإرسال قوات إضافية.

وأضاف في مقابلة عبر الهاتف من مكان مجهول في شمال سوريا: «الشغلة الأساسية للجيش السوري للدفاع عن الأراضي السورية هي استخدام الدفاعات الجوية ضد الطيران التركي».

—————————–

اللاجئون موضوع ساخن في السياسة التركية/ عائشة كارابات

عند تدهور الاقتصاد يصبح اللاجئون كبش فداء. سياسة حكومية تركية تجاه اللاجئين مرتجلة وغير محسوبة وغير واضحة تجعل من السوريين هدفاً سهلاً للمعارضة التركية. تقرير عائشة كارابات من إسطنبول لموقع قنطرة.

في 29 نيسان/أبريل من عام 2011، هربت مجموعة من 252 شخصاً، معظمهم من الأطفال وذويهم، من الأعمال الوحشية لحكومتهم وعبرت الحدود من سوريا إلى تركيا، حيث رُحِّب بهم. كانت هذه المجموعة هي الأولى، وتبعها ملايين آخرون.

لم يكن أحد يعرف أنّ أعدادهم ستصل إلى 3.7 مليون في السنوات الـ 11، التي تلت دخول هذه المجموعة الأولى، وأنه لن يعود مرحّباً بهم من قِبَل المجتمع المضيف.

من الممكن لمتابعي السياسة التركية أنّ يتنبؤوا بأنّ المعارضة ستستغلُ، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور، الغضبَ الشعبي المتزايد تجاه اللاجئين السوريين بوصفه قضية ساخنة من المتوقع أن تشكّل المشهد السياسي في الأشهر التي تسبق الانتخابات العامة في عام 2023.

فسياسيون مثل تانجو أوزجان، وهو رئيس بلدية مدينة بولو الشمالية الغربية وينتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي (CHP)، يزعمون أنّ هناك علاقة بين اللاجئين السوريين والأزمة الاقتصادية.

وقد خاطب أوزجان السوريين من خلال اللوحات الإعلانية في مدينته باللغتين العربية والتركية في 19 أيار/مايو، ليقول لهم: “تشاهدون الأزمة الاقتصادية في بلدنا، شبابنا بدون عمل، وتعيش العوائل تحت حد الجوع. بهذه الشروط لم يبق لدينا خبز ولا ماء حتى نتشارك معكم”.

وبعد ذلك بيوم، أمر المدعي العام بإزالة هذه اللوحات الإعلانية.

يبلغ عدد سكان مدينته 320 ألف نسمة، ويعيش فيها حوالي 5000 لاجئ سوري مسجّل. وهذا لا يشكّل عدداً كبيراً مقارنة بمحافظات مثل هاتاي وغازي عنتاب، والتي تقع في الجنوب على الحدود مع سوريا، حيث يتجاوز عدد اللاجئين 25% من عدد السكان. ونتيجة لذلك، تشعر البلديات هناك بالضغط وعليها التعامل مع التوترات الحتمية بين السكان المحليين.

سياسة لاجئين ليبرالية وغير مُخطّط لها

في البداية وُضِع السوريون في مخيمات للاجئين. ولكن في عام 2014، حين اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية مساحات كبيرة من الأراضي السورية، تسارع تدفق السوريين تجاه تركيا وتزايدت أعداد اللاجئين. وسرعان ما أصبحت المخيمات الـ 26 غير كافية. ولذلك، لمدة 3 سنوات، سُمِح للسوريين بالاستقرار في أي مكان، من دون تنظيم أو إشراف رسمي.

وكتب مراد إردوغان، مدير مركز أبحاث الهجرة بجامعة أنقرة: “حتى عام 2017، كان بإمكان السوريين الاستقرار في أي مكان يريدون. نفّذت تركيا برنامج توطين اللاجئين الأكثر ليبرالية في العالم”.

ويشير إلى أنّ الكثير من الدول الأخرى، مثل ألمانيا، اهتمت بموضوع تخطيط وتوزيع أعداد اللاجئين لمنع تشكّل ما يسميه “غيتو”. بينما في تركيا، أدى توطين اللاجئين غير المخطّط له إلى كثافات عالية من السوريين في مناطق معيّنة، مما منعهم فعلياً من الاندماج مع المجتمع المضيف.

ووفقاً لمراد إردوغان، لم تتمكن الحكومة من تقييم مخاطر الحركة الجماعية غير المنظّمة واستهانت بها منذ البداية. فكما يقول مراد إردوغان: حتى حين تكون الهجرة منظّمة ومخطّط لها ستخلق مشاكل للبلد المضيف من دون أدنى شك.

وخلال سياسة الباب المفتوح في تركيا، بدأ أيضاً لاجئون من بلدان أخرى بالوصول إلى تركيا على أمل العبور إلى أوروبا. وأولئك الذين فشلوا في دخول الاتحاد الأوروبي بقوا في تركيا. فإضافة إلى السوريين، وصل إلى تركيا منذ ذلك الحين مهاجرون من العراق وإيران وأفغانستان. ووفقاً لبيان صادر عن مكتب رئاسة إدارة الهجرة في أيار/مايو 2022، يعيش حوالي 320,450 فرد تحت الحماية الدولية في تركيا حالياً.

إضافة إلى ذلك، يوجد تدفق مستمر للاجئين غير النظاميين وغير المسجَّلين إلى تركيا. فقد أعلن مكتب والي إسطنبول، في بيان صحفي في 17 أيار/مايو، أنّ 17116 لاجئ غير نظامي قد اعتُقِلوا خلال أسبوع.

وجود اللاجئين غير مؤقت

في عام 2017، أكملت تركيا عملية تسجيل اللاجئين السوريين ومنعتهم من الاستقرار في 16 مدينة وأكثر من 800 حي. كما نُقِلوا من الأماكن التي تجاوز فيها عدد اللاجئين 25% من إجمالي عدد السكان المحليين. وقد جُرِّبت هذه السياسة في منطقة ألتين داغ في أنقرة حيث تعرّضت ممتلكات ومنازل وأماكن عمل اللاجئين للهجوم في عام 2016 بعد مشكلة بين اللاجئين والسكان المحليين [وفي عام 2021 كذلك].

تشير مؤسِّسة جمعية أبحاث الهجرة ورئيستها ديدام دانيش، من جامعة غلطة سراي، إلى أنّ تركيا قد وقعت في البداية في الفخ ذاته الذي وقعت فيه ألمانيا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فقد اعتقدت تركيا أنّ وجود اللاجئين سيكون مؤقتاً، تماماً كما توصلت ألمانيا إلى استنتاجات خاطئة حول “عمالها الضيوف” [الأتراك وغيرهم].

في عام 2011، أشارت الحكومة التركية إلى السوريين بوصفهم ضيوفا؛ ومن ثم حُدِّد وضعهم رسمياً بوصفهم الأشخاص “الخاضعين لحالة الحماية المؤقتة” (TPS) في عام 2014.

تقول ديدام لموقع قنطرة: “وجودهم هو حقيقة اجتماعية، وحتى إن انتهت الحرب في سوريا فسيبقى على الأقل نصفهم هنا (في تركيا). حوالي 45% من السوريين الذي يخضعون للحماية المؤقتة هم تحت الـ 18 من العمر. وينبغي على تركيا التركيز عليهم، لأنّ مشاكل الاندماج ستكون أكثر شدة مع الجيل الثاني”.

أكثر من 80% من الأتراك يريدون عودة السوريين إلى بلادهم

كشف استطلاع حديث للرأي، أجرته شركة “متروبول Metropoll” للأبحاث، عن مدى هذه المخاوف. فوفقاً للاستطلاع يريد 81.7 من الأتراك عودة السوريين إلى بلادهم. و84% على الأقل من ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم يقولون إنّ على السوريين العودة إلى بلادهم. وهذه النسبة أعلى بين مؤيدي المعارضة: 89% من ناخبي حزب الشعب الجمهوري، 97% من ناخبي الحزب الجيد المعارض (القومي)، و87% من مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد يريدون التخلّص من اللاجئين.

تقول دانيش: “حين يتدهور الاقتصاد يبدأ المجتمع بالبحث عن كبش فداء. وهنا، تُستهدف الفئة الأكثر ضعفاً، أي اللاجئين”، وأضافت أنّ مخاوف المجتمع التركي المتعلّقة باللاجئين تُرجِمت إلى كراهية ضدهم. وتقول إنّ بعض الأحزاب السياسية تستفيد من هذه الكراهية، ويجري تداول سرديات تمييزية وعنصرية بشكل واسع، ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي.

أحد هذه الفيديوهات المناهضة للاجئين، عبارة عن فيلم قصير مدته 9 دقائق بعنوان “الغزو الصامت”، والذي أصدره حزب النصر القومي المتطرف في أيار/مايو (2022). ويحاكي الفيلمُ الحملةَ المناهضة للهجرة التي قام بها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في عام 2019. إذ يتوقع فيديو حزب النصر مشهد تركيا في عام 2043، التي تجتاحها العصابات السورية، ويوجد في السلطة في إسطنبول حزب بقيادة سورية، كما تصبح اللغة العربية هي اللغة الرسمية.

قد يحظى حزب النصر بتأييد 0.5% من أصوات الناخبين فحسب، لكن سياسات رئيسه أوميت أوزداغ المعادية بشدة للاجئين جلبت له أكثر من 1.3 مليون متابع على تويتر.

كما أنّ هناك مجموعة تطلق على نفسها أسم “أخوة أتامان Ataman Group”، تنشر مقاطع فيديو لأعضائها وهم يضربون المهاجرين. وفي واحد من هذه المقاطع، تقول المجموعة: “إما أن تغادروا يا فئران الصحراء بلادنا، أو سنجعلها قبراً لكم”.

بيد أنّ هذه الجماعات اليمينية المتطرفة ليست الوحيدة التي تتحدث عن إعادة السوريين إلى بلادهم. إذ يزعم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو أنه في حال فوز حزبه بالانتخابات في عام 2023، فإنهم سيتوصلون إلى اتفاقية مع الرئيس السوري بشار الأسد ويضمنون عودة آمنة للسوريين إلى بلدهم. وأضاف أنّه من المحتمل أنّ إردوغان يخطّط لمنح الجنسية التركية للسوريين لرفع عدد أصواته المتقلّصة.

وقد وصف رجب الطيب إردوغان تصريح المعارضة بأنه كراهية للأجانب وقال إنّ حزبه سيقف دائماً إلى جانب المظلومين. ذلك على الرغم من أنّ حكومته قد أعلنت أيضاً مؤخراً أنّ استراتيجيتها الأساسية تتمثّل في العودة الآمنة والطوعية والمشرِّفة للاجئين.

بينما مراد إردوغان وديدام دانيش مقتنعان بأنّ سياسات الاندماج هي الطريقة الوحيدة لتخفيف بعض من مخاوف المجتمع التركي المفهومة.

إذ قالت دانيش لموقع قنطرة إنّ: “الحكومة بحاجة إلى وضع سياسة واضحة وشفافة، وإبلاغ الجمهور بكل خطوة تتخذها، على النقيض من استراتيجيتها إلى الآن. كما ينبغي على المعارضة الامتناع عن تسخير هذه القضية من أجل مصالحها السياسية”.

“ما نحتاج إلى وضعه في الاعتبار كمواطنين هو أنّ اللاجئين بشر. ينبغي أن نراقب ما نقوله على وسائل التواصل الاجتماعي لأنّ ذلك قد يؤدي إلى تعرض طفل لاجئ للتنمّر في المدرسة”.

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de

———————-

=================

تحديث 07 حزيران 2022

———————–

هل تغامر أنقرة بعملية عسكرية شمال سورية؟/ أحمد رحّال

على مدار أكثر من عشر سنوات، شكلت المنطقة الآمنة هاجساً ومطلباً لحاضنة الثورة السورية، كونها ملاذاً آمناً للمدنيين الفارّين من طائرات نظام الأسد وإيران وحزب الله وصواريخهم وبراميلهم. ومع تزايد أعداد اللاجئين إلى تركيا، وتجاوزهم حدودها نحو أوروبا، انضمت تركيا إلى قافلة المطالبين بإيجاد منطقة آمنة، توقف هجرة ملايين اللاجئين العابرين للحدود السورية.

مطالب السوريين، وبعدهم الأتراك، كانت دائماً ما تصطدم بفيتو روسي داخل أروقة مجلس الأمن، كون إنشاء تلك المنطقة يحتاج إلى مظلة قانونية يستتبعها إيجاد آليات مراقبة ومتابعة ورصد ومحاسبة، وقد تحتاج المنطقة الآمنة إلى قوات أممية من قوات حفظ السلام، وذاك أمرٌ يرفضه الفيتو الروسي في مجلس الأمن كونه (حسب الادعاء الروسي) يُنقص من سيادة الدولة السورية، ويعيق مهمّة “الحرب على الإرهاب” التي اتخذتها موسكو شعاراً وجوازاً للعبور إلى سورية ونصرة نظامها في دمشق.

وفي ميثاق الأمم المتحدة، وبمفردات المادة 51 بالتحديد، وجدت تركياً مدخلاً قانونياً يتيح لها تجاوز اتفاقية أضنة المعقودة عام 1998، والمعدّلة عام 2010 مع النظام السوري (تتيح لأنقرة التوغل في عمق حدود الأراضي السورية لمسافة 5 إلى 10 كم في قضايا مكافحة الإرهاب، وكل ما يهدّد الأمن القومي التركي ومن دون حاجة لإذن من دمشق). وتتيح المادة قانونياً لدول مجاورة لدولة فاشلة غير قادرة على ضبط حدودها التدخل وإنشاء منطقة أمنية (وليس آمنة)، تحافظ من خلالها على أمنها القومي، وتمنع الهجمات الإرهابية التي تهدّد مواطنيها، وإن قال بعضهم إن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تشترط ليس فقط أن تكون الدولة فاشلة في حفظ حدودها، بل يجب أن تكون تلك الدولة موضوعةً تحت وصاية الأمم المتحدة، وهذا شرط غير محقّق مع الدولة السورية التي ما زالت تحظى بشرعية دولية وقانونية، رغم كلّ الجرائم التي ارتكبها نظامها بحق الشعب السوري.

انطلاقاً من تفسيرها، انخرطت تركيا، بمشاركة فصائل الجيش السوري الحر، ولاحقاً “الجيش الوطني”، بأربع عمليات عسكرية منذ عام 2016 عبر عملية درع الفرات، و2017 عندما طردت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مدينة الباب، وعام 2018 بعملية غصن الزيتون، وآخرها عام 2019 بعملية نبع السلام، التي أوقفها الأتراك بعد تعهدات أميركية – روسية بإبعاد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وقوات سورية الديمقراطية (قسد) وأسلحتهم الثقيلة مسافة 32 كم عن الحدود التركية الجنوبية.

وقد أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن عملية عسكرية مرتقبة على حدود بلاده الجنوبية لإنشاء منطقة آمنة، حيث طالب بتنفيذ اتفاق وتفاهمات عام 2019. وقال إن وعود واشنطن وموسكو لأنقرة، بعد إيقافها عملية نبع السلام في 2019، لم تُطبق على الأرض، وإن إبعاد خصومها عن الحدود لم يتم ولم ينفذ، كما هي وعود أميركية سابقة وعدت أنقرة بإخلاء مدينة منبج من قوات “قسد” وتسليمها لـ”الجيش الوطني”. وتهدف أنقرة من عمليتها العسكرية الجديدة، إضافة إلى إنشاء المنطقة الآمنة، القيام بإبعاد قوات “قسد” مسافة 30 كم عن حدودها، وتدمير الأسلحة الثقيلة التي تتهددها، وسحب ورقة الحرب على “داعش” من يد “قسد”، وأخيراً إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى الداخل السوري.

تركيا اليوم، على الرغم من فائض أوراق القوة التي تمتلكها، بما يخص موقفها من الحرب الأوكرانية، وورقة المضائق الدولية (البوسفور والدردنيل)، وورقة إغلاق أجوائها أمام الطائرات الروسية العسكرية، وورقة قرابة ثمانية ملايين لاجئ سوري على أراضيها أو تحت حمايتها في الداخل السوري، إضافة إلى ملف الإرهاب، بعد تعرّض نقاطها العسكرية في الداخل السوري، أو قراها ضمن الحدود التركية لهجمات من “قسد” هدّدت حياة مواطنيها. وعلى الرغم من كلّ تلك الأوراق، تحتاج تركيا إلى توافقات مع موسكو أو واشنطن أو كليهما (كما العادة في العمليات السابقة)، إن أرادت عملية عسكرية في سورية لا تصطدم فيها مع مصالحهما، على الرغم من أنّ تصاعد نبرة تصريحات القادة الأتراك تؤكّد، وبما لا يترك مجالاً للشك، أنّ العملية قائمة لا محالة، بل إن الرئيس أردوغان حدّد جغرافيتها، عندما قال: “ننتقل إلى مرحلة جديدة في عملية إقامة منطقة آمنة من 30 كيلومتراً عند حدودنا الجنوبية، سننظف منبج وتل رفعت من الإرهابيين، وسنعمل خطوة خطوة في مناطق أخرى”.

وبسرد جغرافي للمواقع المحتملة للعملية العسكرية التركية المزمعة نجد ثلاث مناطق مؤهلة لأن تكون مسرحاً لمعاركها: منطقة تل رفعت، مطار منغ، حربل. وكانت “قسد” قد سيطرت على مناطق تل رفعت ومنغ ومطارها وحربل وقرى مجاورة في أثناء انشغال فصائل الجيش الحر بقتال تنظيم داعش في مدن مارع ومحيطها بداية عام 2016. وعند قيام “الجيش الوطني” بعملية درع الفرات وغصن الزيتون، حافظت “قسد” على تلك المناطق، بعد إدخال الروس ومليشيات إيرانية نوعاً من التوازن، وقبلت تركيا، من خلال “تفاهمات أستانة” بهذا الواقع، لكنّ تلك المنطقة، وكما تقول أنقرة، تحوّلت إلى جيب يشغله حزب العمال الكردستاني، المعروف بعدائه المطلق لتركيا. وشُنت من خلال هذا الجيب هجمات عدة على مواقع مدنية وعسكرية للأتراك و”الجيش الوطني”. وبالتالي، أصبحت تلك المواقع أحد أهم الأهداف للعملية العسكرية التركية المرتقبة.

وفي مجمل العمليات العسكرية التركية داخل سورية (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام)، كانت تركيا تصطدم بحماية أميركية روسية لمناطق منبج وعين عيسى وعين العرب، تمنعها، مع حليفها “الجيش الوطني” الاقتراب من تلك المناطق والسيطرة عليها، وكانت قاعدة “خراب عشق” الأميركية مع نقاط انتشار لنظام الأسد وللروس في محيط منبج، ترسم حدوداً لمناورة النفوذ التركي، وأيضاً في “أستانة” كان هناك اتفاق أذعنت له أنقرة بوضع نقاط حرس حدود تابعة لنظام الأسد ما بين عين العرب (كوباني) على الحدود التركية ومدينة تل أبيض. وبذلك، فشلت أنقرة بوصل مناطق نبع السلام مع درع الفرات، نظراً إلى أهمية “كوباني” لدى الأكراد في سورية. وأيضاً التنافس الروسي التركي بالسيطرة على طريق “الإم فور” يدخل في سياقات الرفض الروسي أي عملية عسكرية تركية تستحوذ فيها أنقرة على هذا الشريان الحيوي الذي تطمح إليه موسكو.

ومنذ ضغطت واشنطن على أنقرة لوقف عملية نبع السلام، وتركيا تعتبر أنها خُدعت بوعود أميركية لم تطبق، وهي تسعى إلى تصحيح أخطاء سابقة، لكنّ الموقف الأميركي واضح، برفضه أيّ عملية عسكرية جديدة. وهذا ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس: “نتوقع من تركيا أن تلتزم بالبيان المشترك الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2019”. وأضاف: “نحن ندرك المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكنّ أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي، وسيعرّض للخطر القوات الأميركية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش”.

يشترك الموقف الأميركي الرافض مع موقف روسي لا يختلف عنه برفض أيّ عملية عسكرية تركية، والحديث التركي عن حاجة تركية لمنطقة مترابطة ما بين مناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون لإسكان مليون سوري (وتوطينهم)، ستتم إعادتهم (طوعاً) من تركيا، قابله عرض أميركي بأن تكون الوجهة لإسكان هؤلاء في مدن خان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب في ريف إدلب، بعد تحريرها من قبضة نظام الأسد والروس وإيران، دونما الحاجة لإعمار وبناء، باعتبار تلك المدن شبه مؤهلة لاستيعاب تلك الأعداد من السوريين.

وميدانياً كانت هناك زيارات تركية أميركية مشتركة للحدود السورية، ومعلومات عن عودة القوات الأميركية لتشغل قاعدة “خراب عشق” في جنوب مدينة عين العرب التي أخلتها أميركا في مرحلة سابقة، والعودة الأميركية شكلت رسالة واضحة لأنقرة برفض أي عمل عسكري في مناطق منبج وعين العرب وعين عيسى وكامل شرق الفرات.

أيضاً، وبعد رفض إيران أي عملية عسكرية تركية جديدة، قام الروس بتعزيز نقاط وجودهم في قاعدة عين عيسى في شمال مدينة الرّقة. وفي مطار القامشلي الذي يضمهم مع مليشيات من الحرس الثوري الإيراني. وتلك أيضاً رسالة روسية إلى أنقرة، أنه وعلى الرغم من الوفاق الكامل والرضا الروسي الكامل عن مواقف أنقرة أخيراً، بما يخص الحرب الأوكرانية والتنسيق في أستانة بما يخص الملف السوري، لكنّ موسكو ترفض قطعياً أي عملية عسكرية تركية جديدة، رغم أنّ معلومات غير مؤكدة أفادت بانسحاب روسي من مناطق تل رفعت ومنغ، لكنها لا تعني موافقة روسية على أي تغيير في خرائط النفوذ في سورية.

وتدرك قوات سورية الديموقراطية أنّ حلفاءها في اللحظات الحرجة دائماً ما يبتعدون ويتركونها لمصيرها، باستثناء بعض الضغوط السياسية. مع ذلك، رفعت هذه القوات جاهزيتها، ونقلت عددا من ألويتها من منطقة الباغوز، إضافة إلى عناصر من القوات الخاصة تدربوا أخيرا على يد التحالف الدولي قرب قواعد التحالف في حقل العمر ومعمل كونيكو شمال دير الزور، لكن الأميركيين أوصلوا رسالة واضحة لقيادة “قسد”: “عليكم عدم استفزاز الأتراك والجيش الوطني، والتوقف عن أي استهداف لمواقعهم العسكرية أو داخل الأراضي التركية”.

… تقرأ تركيا الواقع السياسي والتغيرات الإقليمية الحالية جيداً، فالموقف الإقليمي والدولي لا يحتمل تسخين ساحاتٍ أخرى، بعد الذي يحصل في أوكرانيا، وتدرك معها أنقرة أيضاً أنّ العودة إلى سياسة الوزير السابق أحمد داود أوغلو “سياسة صفر مشكلات مع الجوار” تتطلب الحكمة في اتخاذ القرارات. وتدرك أيضاً أنّ زياراتها الأخيرة، وانتهاج دبلوماسية جديدة مع الإمارات والسعودية ومصر تحتاج نفسا وصبرا طويلين. وتدرك أنقرة أن الفيتو الأميركي والروسي لأي عمل عسكري جديد ما زال هو الأوضح. لذلك، برغم كلّ الحشود العسكرية التركية التي وصلت إلى ولاية أضنة، واعتبارها نقطة تجميع وخط انطلاق لبدء عملية عسكرية في سورية قد تشمل مدينة القامشلي (وفق مصادر تركية)، فقد يكون تأجيل العملية أو تأخيرها، وفقاً لمصادر تركية، يهدف إلى إعطاء واشنطن وموسكو فرصة أخيرة لمراجعة تعهداتهما وتفاهماتها مع أنقرة وتطبيقها، ولو متأخرة. وفي المقابل، قد تعلن أنقرة، عند ملامسة المخاطر حدود أمنها القومي أو تجاوز خطوطها الحمراء، بدء عمليتها، حتى وإن على بقعة محدودة، ولن تنتظر الموافقة من أحد.

هل تتروى أنقرة أكثر لتقطف ثماراً سياسية وانتخابية بعد تصعيدها وتهديدها بعمل عسكري على كامل حدودها الجنوبية بديلاً عن مغامرة عسكرية قد لا تكون محسوبة النتائج، أم أنّ صبر أنقرة وصل إلى نهايته، وأصبح الكيّ آخر العلاج؟

العربي الجديد

————————

قسد” الكردية في الوعي السوري المعارض وتأييد مغامرة أردوغان/ إيلي عبدو

الحرب هي عنصر، لشد العصبية والتلاحم داخل الجماعة، وتفسر تعلق الأكراد بـ”قسد” برغم سلوكها القمعي المدان. لكن، العنصر الحاسم هو ارتباط “قسد” بالقضية الكردية، وترجمتها عبر كيان جغرافي يضم الأكراد بعد عقود من الاضطهاد والغبن.

يقلل معارضون سوريون من تمثيل “قسد” القضية الكردية، مستعينين بمكونات سياسية أخرى، أبرزها “المجلس الوطني الكردي”، قرينةً على عدم احتكار هذا التمثيل. وغالباً ما يتطور الطعن بتمثيل “قسد”، إلى فصل بينها وبين الأكراد وإدراجها ضمن مقولة، “معارضة باتت مكرورة”، ومفادها وجود احتلالات عدة في سوريا. فتصبح القوة الكردية مسلوبة الإرادة من “العمال الكردستاني”.

 ولأن الأخير أجنبي، فإن “قسد” احتلال، لا يقل سوءاً عن الأميركي والإسرائيلي والتركي والإيراني والروسي. والطعن والفصل، يحضران بشدة، في الآونة الأخيرة، كحاملين، للكثير من المواقف السورية المؤيدة، للعملية التركية المرتقبة ضد مناطق تحت سيطرة “قسد”.

يوزع أصحاب هذه المواقف مبرراتهم المؤيدة للعملية، بين تصوير الأخيرة بوصفها استهدافاً للقوة المستولية على الأكراد، وليست استهدافاً للأكراد، وبين اختصارها بـ”الكردستاني” فقط، ليصبح الهجوم حرباً ضد “أجنبي”، “متعاون”، بحسب رواية معارضة شائعة، مع النظام السوري.

وفي اتهامهم أو طعنهم بضعف تمثيل “قسد” الأكراد، أو فرض هذا التمثيل بالقوة، يهمل معارضون سوريون، واقع الحروب التي لا تتوقف، والتي تؤثر في صياغة وعي الجماعات حيال من يمثلها، فتصبح “قسد”، برغم تجاوزاتها وقمعها والاتهامات التي تطاولها بخصوص التهجير والتجنيد الإجباري، بالنسبة إلى الكردي المعرض لهجوم دموي، أقرب إليه، من أي مكون سياسي كردي آخر.

الحرب هي عنصر، لشد العصبية والتلاحم داخل الجماعة، وتفسر تعلق الأكراد بـ”قسد” برغم سلوكها القمعي المدان. لكن، العنصر الحاسم هو ارتباط “قسد” بالقضية الكردية، وترجمتها عبر كيان جغرافي يضم الأكراد بعد عقود من الاضطهاد والغبن.

لا يراعي الوعي المعارض الناقد لـ”قسد”، أن القضية الكردية، ممتدة على 4 بلدان، تركيا والعراق وإيران وسوريا، والسلطات في هذه البلدان، برغم تفاوت قمعها الأكراد، فهي لم تساعد على خلق أوضاع مريحة تتيح للنخب الكردية، إنتاج تصورات محلية لقضيتهم، ترتبط بالبيئات التي يعيشون فيها. على العكس، القمع فاقم من التصلب القومي عند الأكراد، وجعل القضية تفيض وتتداخل مع أوضاع البلدان التي تمتد عليها، باستثناء كردستان، التي تتعامل كدولة لها مصالح، فتدعو مثلاً إلى خروج “الكردستاني” من سنجار شمال العراق، لأنه يؤثر في نفوذها في المنطقة، وفي علاقتها مع بغداد وأنقرة. هذا التأرجح بين صعوبة ترتيب أوضاع كردية محلية، وبين فيض القضية الكردية على 4 بلدان، قد يفسّر جزئياً، وجود “الكردستاني” ضمن “قسد”، ضمن تساكن مع أمزجة أخرى، بينها القريب من الأميركيين.

وتعدد الأمزجة، داخل “قسد” تستفيد منه الجماعة الكردية، في بناء شبكة تحالفات متناقضة مبنية على موازين القوى وتغيرها، فبرغم تسليحها الأميركي، تمد “قسد” صلات مع روسيا، وتصعد وتهبط علاقاتها مع النظام تبعاً لخريطة النفوذ على الأرض. وممارسة “قسد” السياسة، انطلاقاً من الوضع الحربي القائم، وتناقضات الفاعلين فيه، تترجم عند معارضين سوريين، كـ”انتهازية” و”أنانية”، ويتم اتهام القوة الكردية بالتحالف مع محور معادٍ لـ”الثورة”، إيراني- روسي، برغم أن إعلام هذا المحور لا يمل من اتهام “قسد” بـ”العمالة” لأميركا و”الارتزاق” لها.

وبهذا تكتمل دائرة الفهم القاصر لدى المعارضين السوريين لـ”قسد”، فقمعها وانتهاكاتها المدانة بشدة، قرينة على عدم تمثيلها الأكراد وفرض نفسها بالقوة، وليس قرينة على أن هذا التمثيل مشوب بوضع حربي، يمنع إنتاج تمثيل للجماعات بأدوات أكثر ديموقراطية. ووجود “الكردستاني”، دليل على وجود “أجنبي” يتحكم بـ”قسد” ويستولي على قرارها بالضد من مصالحها السورية، وليس دليلاً على فيض القضية الكردية على 4 بلدان وصعوبة تطوير أوضاع محلية. وتوزيع التحالفات ضمن موازين القوى لضمان تحقيق مكاسب، دليل على الانتهازية، لا على ممارسة السياسة ضمن ما هو متاح.

والفهم القاصر هذا، انعكاس لوعيين داخل المعارضة السورية، واحد، يتوهم بوجود “وطنية سورية” قابلة للتطوير، فيقترح إدراج القضية الكردية ضمنها، كـ”حل وطني”، ويضيف مفهوم “الدولة- الأمة”، لتجميل طروحاته، وآخر قومي إسلامي، يتجاوز سوريا ويتوحد مع نزعات إمبراطورية خلف الحدود. ومع أن الوعيين ينهلان من جذر إيديولوجي واحد، حيث لا تفكير بـ”الوطنية السورية” استناداً إلى المجتمع بل بتخيله وإسقاط الإيديولوجيات عليه، فإن أصحاب الوعي الأول يستخدمون مفاهيم الحداثة السياسية التي تفتقر للحوامل التاريخية في منطقتنا، لخلق عالمهم الطوباوي الخاص الذي يتيح لهم الترفع عن الانحياز لأي طرف في الحرب التركية المرتقبة ضد “قسد”، وذلك على نقيض، الوعي الثاني، حيث لا يتأخر حاملوه عن إعلان تأييدهم العملية التركية، إذ يستقيم هذا التأييد مع انحيازهم للأمة وممثليها أينما وجدوا.

والفارق ضئيل جداً، بين، عدم الانحياز أو تأييد العملية التركية، إذ إن وعي الأمة، يتلون شكليا بالحداثة السياسية، فيفرز “الوطنية السورية” المتوهمة، والتي يريد أصحابها التفكير نيابة عن الأكراد، الذي يملكون وعياً جماعياً يفرز ممثلين سياسيين على وقع الحرب والتهديد.

درج

————————–

المحنة السورية..أطرقوا على الرؤوس/ صبا مدور

هذا النص عسير ومؤسف، وكنت أرجو أن لا يكتب، فهو يسترجع بعض صدى محنتنا الاستثنائية، لكن الصدى في نهاية المطاف لا ينتظر إشارتنا أو ما نريد، فهو سيرتد أكثر قوة، محدثا جلبة لا بد منها، للطرق على كل الرؤوس، لا سيما تلك التي  خطر لها أن السوري اللاجئ هو السوري الضعيف والسوري العاجز والسوري الرخيص.

لم أنسَ قضية بلادي يوما، لكن الركلة على عين ليلى محمد، أحدثت دويا في بصيرتي، أرجعتني إلى تيه السنوات الأحد عشرة الماضية. مرت بخاطري رحلة الثورة، وما حققته فينا من بعث للروح لم يعرفه جيلنا على الأقل من قبل، ثم ما شابها وأصابها، وما قام به النظام من شريط جرائم طويل وقاس ملئ بالدم والدموع والقهر والوجع، والحرب ودمار المدن وحرق البشر والحجر، ثم تلك التغريبة الكبرى لنحو 10 ملايين سوري توزعوا في أرجاء الأرض منفيين بلا زاد ولا متاع ولا راعٍ، متشابهين في الحاجة، لا فرق بين غني وفقير ومتعلم وجاهل، كلهم في المنافي سواء ، خرجوا بما عليهم هاربين من الموت إلى المجهول والغربة وأحيانا إلى موت آخر.

أول ما طرحته الركلة على وجه ليلى، هو صورة السوري اللاجئ، وسأضيف، صورة السورية اللاجئة، فهل كان ذلك المعتدي مستعد لتوجيه نفس الركلة لمواطنة من بلاده أو ربما من بلاد أخرى، بل وحتى لرجل من السوريين اللاجئين؟ بالطبع أعرف أن الأمر ليس نمطيا في تركيا، والدليل هو ما أثارته من ردود فعل مستنكرة بين الأتراك انفسهم، ليس فقط لأنه تعدى بكثيرأشكال التجاوزات التي نسمع عنها، بل لأن الأمر أيضا يخص سيدة مسنة، والأتراك يحترمون النساء ويحترمون المسنين.

المشكلة ليس في أن الحدث وقع في تركيا، وليس في أنه مجرد حدث فردي، فكل ذلك يمكن استيعابه، المشكلة هي في الضرر الجسيم الذي تسببنا به نحن لأنفسنا حينما لم نتعامل مع اعتداءات أكثر من ذلك بكثير جدا تعرض لها لاجئونا وتحديدا النساء منهم في بلدان أخرى، بلغت حدا يقارب الاسترقاق والنخاسة بشكل حرفي. لسوء الحظ، أهملنا ذلك أو عبرناه لنجد أن الأحداث تتغير، لكن الصورة تظل وتكبر وتترسخ، حتى تصبح الإساءة نمطا، والعنصرية جزءا من الثقافة الاجتماعية، تنتقل عبر المجتمعات، وكأنها قدر أو وصمة، فتتحول صورة اللاجئ من منفي إلى (متسول) ومن هارب من القمع والموت، ليعتبر ثقلا على الاقتصاد والمجتمع والثقافة، وشماعة لكل الأزمات ونتائج الفساد وسوء الحكم في بلد اللجوء، وهكذا حتى يصبح الاعتداء على كرامة اللاجئ وعرضه وشرفه أمرا اعتياديا ليس له رادع قانوني ولا اجتماعي.

أقول، أن جزءا من الخطأ يتعلق بنا، لأننا لم نتصدَّ كما يجب كسوريين ومن يناصرنا، بوضوح وقوة لهذه الأشكال من الاعتداءات والتنمر ووحشية التعامل وفوقيته، واستغلال اللاجئين وحاجاتهم، والتعرض خصوصا لشرف اللاجئات وابتزازهن بوقاحة وانعدام شرف وضمير. لقد فاتنا الكثير من الجهد اللازم أفرادا ومنظمات، فسمحنا لمن هب ودب أن ينال منا، ويعتدي علينا ويرسم لنا صورة منطبعة مشوهة، هي بالأصل تجسيد لروحه المريضة وانعدام مروءته.

المؤلم، أن يستوعب الغريب الغربي الملايين منا دون ضجيج، فيستفيد من ابداع السوري ومهاراته وذكائه وشغفه بالعمل، ويمنحه بالمقابل الأمن والكرامة والاحترام، ولا عليكم بحالات فردية من العنصرية هنا وهناك، فذاك يمارسه العنصريون ضد كل الأجانب، ومنهم المسلمون، لكن ليس هناك نمط يستهدف السوري تحديدا ولا صورة تسيء له وتمتهن كرامته، بل على العكس، فالسوري في الغرب، هو اللاجئ المضطهد في بلاده المضطر لتركها، والقادرعلى خدمة بلد اللجوء ليحصل مقابلها على غالبية حقوق مواطنيه، ومنها تولي مناصب رفيعة.

وبالمقابل كان بعض القريبين أكثر الناس شططا وإيذاءا وفجورا بنا، وبما يتجاوز بكثير صورة الركلة على وجه ليلى، فقد أثارت المحنة السورية عند كثيرين من أبناء بعض دولنا العتيدة هوس الاستباحة، وكان أول ما خطر لهم أن الدول الفاشلة تكون (لحوم) بناتها رخيصة، فعادوا إلى عنصرهم البدائي قبل الحضارة، وبتنا نسمع عن ذكور في أمتنا يتطلعون إلى اللاجئة والنازحة السورية كسلعة متاحة ومستباحة، وكان من غير هؤلاء من تعامل مع السوريات، ممن فقدن معيلهن زوجا أو أبا أو أخا في سجون النظام وقصف قواته، كرقيق للعمل شبه المجاني مقابل السلامة والإقامة.

هل نستعيد ما خطر للبعض من زاوية وحيدة للحرب في أوكرانيا تمثل باللاجئة الشقراء المستعدة (لكل شئ) مقابل السلامة؟ لكن أولئك (الشقراوات) حفظت لهن أوروبا كرامتهن، ولم يمر عليهن ما واجهته لاجئات سوريات في بلدان عربية، فأصبحن هدفا لزيجات شكلية بمهور بسيطة وحقوق مهدورة، لا سيما صغيرات السن منهن دون الثامنة عشرة، وقد سجل في مخيمات النزوح السوري في الأردن ولادة عدد كبير من الاطفال بسبب هذا النمط من الزيجات القسرية الشكلية، التي اقيمت لها مكاتب (سمسرة) خاصة. وليس المتهمون بهذا الاستغلال الفاحش لأوضاع اللاجئات من أبناء البلد بالضرورة، فهناك من دول عربية أخرى من (شد الرحال) إلى الأردن لهذا الغرض.

وفي دراسة قامت بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأسكوا) فإن اللاجئات السوريات في لبنان يتعرضن لأشكال مختلفة من الانتهاكات على أساس جنسهن، ومن بين ذلك، تعرضهن للتحرش والابتزاز الجسدي، مقابل العمل، مع حرمان من الحقوق الانسانية والقانونية والاجتماعية، مما يضطرهن الى العمل من البيوت أو عدم العمل على الإطلاق. وقبل تقرير الإسكوا، كانت منظمة العفو الدولية، قد توصلت إلى نفس النتائج حول أوضاع اللاجئات السوريات في لبنان، لكن أيّا من التقريرين لم يحدث فرقا، ولم نجد لا السلطات ولا المجتمع ومنظماته قد تنبه لحجم الجرائم الإنسانية والأخلاقية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون والنساء منهم خاصة.

والآن، هل ستحقق الركلة على وجه ليلى ما فشلت فيه ركلات سابقة على وجوهنا جميعا؟ أخشى أن تمر من جديد، فننسى، أو نعتقد أن الصورالنمطية تتغير من تلقاء نفسها، أو أن الحقوق تسترد دون مطالب. في حقيقة الأمر، لا تسير الأمور على هذا الشكل، وسواء كان اللاجئ يعيش في الغرب أو في مخيمات لجوء ببلدان عربية، أو حتى نازحا في بلده، فوصمة السوري اللاجئ ستناله، ما لم يقم كل سوري بالانتصاف لهويته، واسترداد كرامة انتسابه الوطني، والتاكيد أنه عزيز النفس أينما حل وارتحل، والضرب على كل رأس يفكر عكس ذلك، مهما كان ومن أي جحر خرج.

المدن

——————————–

تركيا التي تحتلّ أراضينا/ عمار ديوب

تحاول تركيا منذ أكثر من أسبوع فرض منطقة آمنة، وإعادة أكثر من مليون سوري إلى سوريا كراهية وإجباراً، واستغلّت مؤخراً طلب السويد وفنلندا للدخول بحلف الناتو، لمقايضة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي للسماح لها بتشكيل تلك المنطقة، والاستفادة من كل ذلك بفرض احتلالها لمناطق جديدة في سوريا، وبالوقت ذاته تثقيل أردوغان لحزبه في السياسة الداخلية التركية والفوز بانتخابات 2023.

لا أرى كسوريٍّ خطأً في إعادة السوريين، فالأصل ألّا يغادروا، وألّا يكونوا بحاجة لتركيا أو أية دولة في الإقليم أو العالم لاستقبال السوريين المهجرين؛ القضية تتعلق بمسؤولية النظام أولاً وبالمعارضة ثانياً، المعارضة التي لم تمثل مصالح السوريين، وسلّمت قضيتهم بالرخيص للدول، قبالة تبعية انتهازية منحطة، وهذه لا شك تنال عليها الفئات الفاعلة في الائتلاف ومؤسساته الكثير من الأموال والمصالح الذاتية.

تركيا، تستغلّ التغيرات الدولية من أجل صراعاتها الداخلية، وبالتالي من الطبيعي أن تفكر بعملية عسكرية تستهدف الشريط الحدودي، وستكون موجهة بصفة خاصة ضد قوى الأمر الواقع المسيطرة في قسد. لا يمكن لوطنيٍّ سوريٍّ إلّا أن يرفض تلك العملية، ولو كانت موجهة بصفة خاصة إلى أكراد سوريا، وبغضّ النظر عن سياساتهم ومشاريعهم المرتبطة بالدعم الأمريكي. إن الرفض قضية وطنية بامتياز، وضمناً كافة أشكال التدخل في سوريا مرفوضة؛ الداعمة للنظام أو للمعارضة أو لقسد أو لأسبابها الخاصة، وبالطبع كل تدخل ينطلق من أجل مصالح دولته أولاً، وبالتأكيد لا يمكن أن يكون التدخل لدعم ثورة شعبية أو من أجل مشروع وطني.

المناوشات الأخيرة، والتي تجريها تركيا عبر الفصائل السورية الإسلامية، التابعة لها، وتصريحات أردوغان بأن جيوشه ستحتل تل رفعت ومنبج، تقول بأن تلك لعملية ستتم، سيما أن روسيا بحاجة لاستمالة تركيا، أو لإبقائها على الحياد في حربها ضد أوكرانيا، أو حاجة أمريكا لتركيا لأسباب كثيرة، وأيضاً من أجل حصار روسيا، وربما بسبب نتائج إخفاق الاتفاق النووي مع إيران، حيث إمكانية توقيعه أصبحت تواجه الكثير من التعقيدات، وفي حال الإخفاق سيكون هناك تعقيدات، وتحالفات جديدة في المنطقة، وهناك من يرى بأن الإدارة الأمريكية ستستعيد تموقعها من جديد إلى جانب حلفائها “التاريخيين”، والكيان الصهيوني من جديد.

إذاً تستغلّ تركيا الشروط الدولية من أجل غزوتها الجديدة، سيما أن الشروط الدولية تتجاهل القرارات الدولية التي تتضمن حلاً، أو بداية حلٍّ للمسألة السورية، ينطلق من هيئة كاملة الصلاحيات، تقود مرحلة انتقالية، وتطوي كل أشكال الصراع منذ 2011، وتفكك النظام القائم، وتكون نتيجتها نظاماً يمثل كل السوريين.

تركيا تعي غياب الشروط الدولية المنصِفة للسوريين، فتتحرك بشروطها الخاصة، ومن أجل خدمة سياسات أردوغان وحزبه، والتي تتحدد في معاداة أكراد سوريا، وانطلاقاً من اتفاقية أضنة لعام 1998، والتي تتيح لها التدخل في سوريا، وبعمق 30 كيلومتر، حماية لأمنها القومي.

مشكلتنا في سوريا ليست في سياسات تركيا هذه، بل في المعارضات وقوى الأمر الواقع، والتي لا تجد مدخلاً جاداً وتحالفات كبيرة لرفض تلك السياسات، ولا تعمل شيئاً من أجل ذلك، وفي ذلك تستوي قسد ومسد والائتلاف الوطني والفصائل التابعة لتركيا. احتلّت تركيا مناطق واسعة من قبل، وهددت تجربة قسد، واحتلت عفرين خاصة، والسؤال ماذا فعلت القوى أعلاه، لتتجاوز الوضع السوري المعارض والمتأزّم بشدة؟

لا شيء على الإطلاق. الائتلاف لا وزن له ضمن الفصائل، وكافة مؤسساته تابعة للدولة التركية، أي لا يضع على طاولة قراراته السياسية رفض العملية التركية، وماذا فعلت قسد ومسد وتحالفاتهما من أجل التقارب مع المجتمعات المحلية، ولا سيما العرب وبقية القوميات في شرق وشمال سوريا؟

أيضاً لا شيء، بل والأنكى أنّ مشكلات جديدة تبرز وتوضح البعد والفجوة بين تلك القوميات، ولا سيما لدى العرب، وبالتالي لا تهتم قسد بالبحث عن مشتركات في مناطق سيطرتها، تستطيع من خلالها مواجهة الغزو التركي الجديد، واستعانتها بالإدارة الأمريكية، وتنبيهها لها، بأن كل مواجهة مع تركيا، أو السماح للأخيرة بالغزو سيضعف المواجهة مع داعش؛ أقول هذه سياسات فاشلة بامتياز، وهي كذلك لأن تلك الإدارة لطالما ابتزّت قسد، ودفعتها للحوار مع روسيا والنظام، بل وتركيا. الآن الوضع الدولي اختلف، والتأزّم شديد بين روسيا وأمريكا، ويمكن فعلاً أن تدعم الإدارة الأمريكية قسد، ولكنها، بحاجة إلى تركيا، والأخيرة ستستغل ذلك من أجل تحقيق مصالحها في غزوة جديدة، وإعادة بعض اللاجئين، وسحب مناطق واسعة من سيطرة قسد.

لا معنى للبكاء على أطلال مناطق كانت تسيطر عليها قسد وخسرتها، وأهمها من قبل عفرين، والآن هناك تل رفعت ومنبج وربما عين عرب. ما يغير المعادلات أن تتغير العلاقات المقطوعة بين قوميات شرق وشمال سوريا، وأن تقطع قسد علاقتها بحزب العمال الكردستاني، كما تطالبها الإدارة الامريكية بذلك، وعموم السوريين، وتركيا، ويُغيّر بالمعادلات أن يستقل القرار السوري للمعارضة عن التبعية لتركيا أو دول الخليج، المختلفة في سياساتها إزاء سوريا، والمتفقة في تغييب الاستقلالية للمعارضة وانتهاج سياسات وطنية.

تركيا احتلّت من قبلٍ كامل لواء إسكندرون، وتمّ الأمر باعتراف النظام قبل 2011، ولطالما انتُقد على ذلك، وهي الآن تحتل مناطق جديدة بتبرير من قبل الائتلاف الوطني ولا سيما قواه الإسلامية، من إخوان مسلمين وفصائل إسلامية، وبذلك تكمل المعارضة ما بدأ به النظام. الأمر أسوأ من ذلك بكثير؛ فسوريا ومنذ أن بدأت ثورتها، تقاسمها النظام والمعارضة وتكاملا في اجتثاث الثورة وتمزيق سوريا، وما الاختلاف بين قسد والائتلاف، وتبعية قسد للإدارة الأمريكية والائتلاف لتركيا إلا جزئية في إطار تمزيق سوريا، وبالطبع رفض النظام للغزوة التركية لا معنى له، فهو من رفض الاعتراف للسوريين بحقوقهم، عرباً وكرداً، وسواهم، وهنا أصل الكارثة السورية.

————-

قسد” أمام خيار التحالف مع النظام وروسيا شمالي سورية/ أمين العاصي

للمرة الثالثة خلال أربع سنوات، بعد عمليتي “غصن الزيتون” (شنّتها تركيا في عفرين في يناير/ كانون الثاني 2018) و”نبع السلام” (في أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، تجد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على مساحات واسعة في الشمال الشرقي من سورية، نفسها أمام الخيارات الصعبة، مع تصاعد التهديد التركي بشن ّعملية واسعة النطاق ضد هذه القوات. وتعوّل “قسد”، لتجنب هذه العملية، على موقفين إقليمي ودولي رافضين لأي مسّ بخريطة السيطرة في الشمال السوري.

“قسد” تعول على رفض دولي للعملية التركية

وأعلن القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، في حديث لوكالة “رويترز”، أمس الأحد، أن قواته ستنسق مع قوات النظام السوري لصد أي هجوم تركي شمال البلاد، مضيفاً أن “المهمة الأساسية للجيش السوري للدفاع عن الأراضي السورية هي استخدام الدفاعات الجوية ضد الطيران التركي”. وقال عبدي إن زيادة التنسيق العسكري مع النظام لن يهدد حكم القوات الكردية في مناطقها. وأضاف “الأولوية هي الدفاع عن الأراضي السورية، ولا أحد يجب أن يفكر باستغلال الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض”.

وحذّر من أن أي هجوم تركي جديد سيؤدي إلى تشريد نحو مليون شخص وإلى “معركة أشد وانتشار أوسع”، ولكنه لم يذكر ما إذا كانت “قسد” سترد بشن هجمات على الأراضي التركية نفسها. وحذر من أن ذلك قد يؤدي أيضاً إلى عودة ظهور تنظيم “داعش”.

وأبدى أمله في أن يؤدي الاجتماع المرتقب بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتركي مولود جاووش أوغلو، المرتقب في 8 يونيو/ حزيران الحالي، إلى خفض التصعيد. ولكنه قال إن أي تسوية يتم التفاوض عليها يجب أن تشمل وقف هجمات الطائرات المُسيرة التركية في شمال سورية. وقال إن هذه “ستكون من مطالبنا الأساسية”.

وكان عبدي قد كشف عن لقاءات تجريها قواته مع كل من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري لبحث تهديد تركيا بشنّ عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية. وقال في حديث مع فضائية “روناهي” الكردية، يوم الجمعة الماضي، إن “مواقف الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا وحكومة دمشق هي ضد الهجمات التركية حتى الآن”.

وجدّد عبدي استعداده للحوار، قائلاً: “هدفنا هو حل كافة الأزمات والمشاكل عبر الحوار، ونعمل لحل مشكلة المناطق المحتلة عبر الحوار والطرق السلمية”. وأشار عبدي إلى التزام قواته باتفاقية أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة وتركيا توقفت بمقتضاها عملية “نبع السلام” التركية في شرق الفرات)، “لكن الجانب التركي غير ملتزم”، كما قال.

وقضت الاتفاقية الموقّعة بين واشنطن وأنقرة والمتعلقة بوقف إطلاق النار بانسحاب قوات “قسد” من الحدود السورية ـ التركية لمسافة 32 كيلومتراً، مقابل وقف تركيا عمليتها العسكرية آنذاك، أعقبها اتفاق مشابه بين أنقرة وموسكو. وتعتبر أنقرة قوات “قسد” امتداداً سورياً لحزب العمال الكردستاني، وتتهمها بعدم الالتزام باتفاق عام 2019، واستهداف ضباط وجنود أتراك في ريف حلب الشمالي مرات عدة.

وتعوّل “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية ثقلها الرئيسي، على رفض إقليمي ودولي لأي تغيير في توازنات الصراع في الشمال السوري لتجنب عملية عسكرية تركية جديدة، تشير كل الدلائل إلى أنها ربما لن تتأخر وهدفها الأول مناطق سيطرة “قسد” في غربي نهر الفرات في تل رفعت ومنبج الواقعتين في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي.

وتخشى “قسد” من السيناريو الأسوأ، وهو تقدّم الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية الموالية له من أكثر من محور في ظل تفوق عسكري تركي لا يمكن لهذه القوات مواجهته، على الرغم من الدعم العسكري الذي تتلقاه من الولايات المتحدة.

وتسود الشارع السوري الكردي مخاوف من سيطرة الأتراك على منطقة عين العرب (كوباني) شرقي الفرات، والتي يشكّل الأكراد غالبية سكانها، وبذلك تكون قوات “قسد” قد خسرت أهم معقلين لها، وهما عفرين التي طُردت منها مطلع عام 2019، وعين العرب التي تبدو أنها من ضمن الأهداف التركية الحالية.

خيارات مؤلمة ما قبل العملية التركية

وتبدو كل الخيارات صعبة أمام “قسد” في حال شرع الجيش التركي في العملية التي يلوّح بها منذ العام الماضي، إذ ستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات جديدة للروس والنظام السوري في منطقة شرقي الفرات، ربما تصل إلى تسليم مناطق، أو تعزيز وجودهما فيها.

وكانت “قسد” قد اضطرت إلى توقيع اتفاق “عسكري” أواخر عام 2019 مع الروس لإيقاف العملية التركية آنذاك، سمح لموسكو بإنشاء قواعد لها في شرقي الفرات بحيث باتت لاعباً مهماً إلى جانب أنقرة وواشنطن، في المنطقة الغنية بالثروات.

وأعرب محمد موسى، وهو سكرتير حزب “اليسار” المنضوي ضمن “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، عن أمله في ألا تحدث عملية عسكرية تركية ضد المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه الإدارة، لكنه رأى أن المؤشرات تدل على أن هناك عملية مقبلة.

وأشار موسى، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى وجود تحرك سياسي من قبل “الإدارة الذاتية” التابعة لقوات “قسد” بهدف “ردع الجانب التركي عن الهجوم على الشمال الشرقي من سورية”. وأكد أن “قوات قسد لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي اجتياح تركي للشمال السوري”. كذلك أعرب موسى عن اعتقاده بأن الجانبين الروسي والأميركي لن يسمحا للجانب التركي باجتياح مناطق جديدة في شمال سورية، “لكن إذا حدث هذا الاجتياح لن نتردد في مواجهته بأقصى ما نملك من طاقات وإمكانات”.

ومن المنتظر قيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة إلى أنقرة في 8 يونيو/حزيران الحالي (الأربعاء المقبل) ربما يُحدد خلالها مصير أي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري. ومن المرجح أن تستغل موسكو مخاوف “قسد” والأكراد السوريين من الجانب التركي للحصول على مكاسب واسعة للنظام السوري الذي يتطلع لاستعادة شرقي الفرات لإنقاذ اقتصاده من الانهيار تحت وطأة العقوبات الدولية.

ويبدو أن الإدارة الأميركية ترفض أي تحرك عسكري ضد “قسد” التي تُعتبر الذراع البرية لمواجهة أي عودة محتملة لتنظيم “داعش” إلى الشمال الشرقي من سورية. ولكن تبدّل الكثير من المعادلات السياسية في المشهد الدولي نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، ربما يفضي إلى تغيير في الموقف الأميركي إزاء الشمال السوري، وهو ما تخشاه “قسد”.

ويحتفظ الأميركيون بوجود عسكري واسع شرقي الفرات، ولكن هذا الوجود بعيد عن الأهداف التركية المحتملة والتي تقع ضمن النفوذ الروسي، خصوصاً منطقة تل رفعت، ومدينة عين العرب وريفها.

ويبدو خيار المقاومة المسلحة من قبل “قسد” غير مجدٍ في ظل التفوق التركي، إذ لم ينجح هذا الخيار في عملية “غصن الزيتون” التركية تجاه عفرين في عام 2018، وفي عملية “نبع السلام” في أكتوبر من عام 2019 حيث اضطرت هذه القوات في النهاية إلى الانسحاب.

ورأى المحلل السياسي فريد سعدون، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “في حال قيام الجانب التركي بأي عمل عسكري واسع النطاق في شمالي سورية، فأمام قوات قسد خياران لا ثالث لهما، إما المقاومة أو تسليم المنطقة المستهدفة لقوات النظام السوري”.

واستدرك سعدون بالقول: “هناك خيارات متاحة قبل الغزو التركي، من قبيل الاتفاق مع النظام السوري برعاية روسية، أو الاتفاق مع الروس والانضواء ضمن الفيلق الخامس (مدعوم من موسكو)، أو عقد صفقة مع الأميركيين للدفاع عن المنطقة”. وأشار إلى أن أمام قوات “قسد” خياراً آخر “وهو الاتفاق مع المجلس الوطني وتشكيل إدارة جديدة للمنطقة ترضى عنها تركيا”. وقال: “هذه خيارات قبل الاجتياح، أما إذا وقع فلا خيارات”.

—————————

قسد”تفخخ المنازل في تل رفعت..وتفعّل اتصالاتها الدولية

يواصل الجيشان، التركي والوطني السوري، التحضير للمعركة العسكرية المرتقبة، بموازاة استعدادات مماثلة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة بـ”قسد” على جبهات الشمال والشمال الشرقي في سوريا، فيما فعّلت “قسد” جهودها الدبلوماسية بالتواصل مع الاطراف الدولية الفاعلة، في مسعى لثني أنقرة عن عمليتها.

وقال الناشط مهند العبد الله لـ”المدن” إن “قسد” عمدت إلى تلغيم بعض البيوت على الجبهة القريبة من مناطق سيطرة الفصائل في مدينة تل رفعت في شمال حلب، مضيفاً أن أنفاقاً وشوارع في المدينة أمست بحكم الملغمة بشكل كامل في المدينة.

وكان الرئيس التركي أعلن أن تركيا تستعد لـ”تطهير” مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشمالي في إطار العملية العسكرية التي تهدف لإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً على الحدود السورية -التركية.

ومساء السبت، دفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية إلى القواعد العسكرية في ريف حلب على تخوم الجبهة التي تفصله مع “قسد” في هاتين المدينتين، كما توجه قسم من هذه التعزيزات اللوجستية نحو القواعد العسكرية على تخوم الجبهة التي تفصلها عن قوات النظام السوري في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.

وفي منطقة “نبع السلام” شمالي شرقي سوريا، واصل الجيشان التركي و”الوطني السوري” الأحد، القصف الصاروخي والمدفعي لمناطق انتشار “قسد” في قرى وبلدات تل تمر بريف الحسكة الغربي، كما شهدت قرى وبلدات في ناحية عين عيسى بريف الرقة الشمالي قصفاً مماثلاً.

وتزامناً مع القصف، أعلنت وزارة الدفاع التركية الأحد، مقتل 16 عنصراً من “قسد” قالت إنهم حاولوا الهجوم على مناطق سيطرة “الجيش الوطني” في منطقتي “نبع السلام” و”غصن الزيتون”.

وفي سياق رفع الجاهزية العسكرية استعداداً للمعركة المرتقبة، قالت “ثائرون للتحرير” السبت، إنها أجرت مناورات عسكرية مع الجيش التركي في منطقة عمليات نبع السلام شرقي الفرات، مضيفة أن المناورات هدفها تفقد الجاهزية العسكرية لعناصرها من أجل خوض المعركة العسكرية إلى جانب الجيش التركي ضد “قسد”.

من جانبه، دفع النظام السوري بتعزيزات عسكرية ضمت مدافع ودبابات إضافة الى آليات عسكرية، باتجاه منطقة ناحية عين عيسى في ريف الرقة الشمالي بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. وأوضح أن التعزيزات هدفها التصدي للعملية العسكرية التركية.

اتصالات دولية

وتحاول الإدارة الذاتية الدفع باتجاه خفض التصعيد للحيلولة دون قيام أنقرة بالعملية المحسومة سلفاً لصالحها. وتقود الإدارة الذاتية حملة جهود دبلوماسية مع الأطراف الدولية الفاعلة بالملف السوري لاسيما الولايات المتحدة وروسيا، من أجل الضغط على تركيا التي يبدو أنها حسمت قرارها بشنّها.

وقال القائد العام لـ”قسد” مظلوم العبادي إن قسد تعقد لقاءات مع التحالف الدولي وروسيا والنظام السوري من أجل بحث التهديدات التركية.

وأضاف عبادي في حديث لوكالة “روناهي” المقربة من الإدارة الذاتية، أن “واشنطن وموسكو والنظام السوري يرفضون العملية التركية بشكل قاطع”، مطالباً النظام بتحمل مسؤولياته تجاه تلك التهديدات، معتبراً أن العملية التركية تقوض جهود حل الأزمة السورية.

كما عبّر عبادي عن التزام “قسد” باتفاقية 2019، إلا أنه اتهم تركيا بعدم الالتزام بها، في حين تتهم أنقرة “قسد” بعدم الالتزام بها وتدفع واشنطن كونها الضامن لتنفيذ الاتفاق لتنفيذ الخطة، بحسب حديث سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وتنص اتفاقية تشرين الأول/أكتوبر 2019، على ضمان واشنطن انسحاب “قسد” مسافة 32 كيلوا متراً داخل الحدود الشمالية لسوريا، شرط إيقاف أنقرة لعمليتها العسكرية حينها التي أفضت الى سيطرتها على مدينتي تل أبيض ورأس العين بريف الحسكة شمالي شرق سوريا، كما وُقّعت بالتوقيت نفسه، اتفاقية مشابهة بين أنقرة وموسكو في مدينة سوتشي الروسية.

——————————

اتفاق روسي – أوكراني بمشاركة تركية لإخراج القمح من أوديسا: ممر الحبوب

كشفت صحيفة “إزفيستيا” الروسية، اليوم الاثنين، أن موسكو وضعت مع كييف وأنقرة صيغة أولية لإخراج السفن الأوكرانية المحملة بالحبوب من ميناء مدينة أوديسا المطلة على البحر الأسود.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع رفيع قوله: “تقتضي الآلية قيام العسكريين الأتراك بإزالة الألغام من المنطقة القريبة من الساحل في محيط أوديسا. وستخرج السفن من الميناء إلى المياه الإقليمية للبحر الأسود حتى الإحداثيات المحددة. ثم سترافقها سفن روسية حتى البوسفور لضمان المرور عبر البحر الأسود بأمان، ومنع وقوع استفزازات. وجرى تنسيق هذه الآلية مع تركيا وأوكرانيا، ويبقى تدقيق المسار النهائي للسفن”.

وأوضح المصدر أن أوكرانيا وافقت على السماح بدخول السفن التركية إلى مياهها الإقليمية لإزالة الألغام من المنطقة المتفق عليها وإقامة “ممر الحبوب”.

وأضاف أن “خريطة الطريق” ستُعتمد أثناء زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين، سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، إلى تركيا يومي 8 و9 يونيو/حزيران الجاري.

وفي الشأن ذاته، قالت وزارة الزراعة الأوكرانية، اليوم الاثنين، إن صادرات البلاد من الحبوب بلغت 47.2 مليون طن حتى الآن في موسم يونيو/حزيران-يوليو/ تموز 2021-2022، بما يشمل 148 ألف طن في الأيام الخمسة الأولى من الشهر الجاري.

وأضافت الوزارة، حسب رويترز، أن الكمية الإجمالية تشمل 18.578 مليون طن من القمح و22.4 مليون طن من الذرة و5.7 ملايين طن من الشعير. وأشارت إلى أن شحنات الذرة هيمنت على صادرات يونيو/ حزيران. وصدرت أوكرانيا ما يصل إلى ستة ملايين طن من الحبوب شهريا قبل الغزو الروسي، لكن الكميات قلت في الأشهر القليلة الماضية إلى نحو مليون طن.

واعتادت أوكرانيا، وهي دولة إنتاج زراعي كبرى، تصدير معظم سلعها عبر موانئ بحرية، لكن الغزو الروسي أجبرها على تصدير السلع والحبوب بواسطة السكك الحديدية عبر حدودها الغربية، أوعبر موانئ أصغر على نهر الدانوب.

وقال مسؤولون في قطاعي الزراعة والنقل إن أوكرانيا تستهدف زيادة طاقتها التصديرية من موانئ نهر الدانوب، ما قد يسمح بشحن الحبوب لموانئ رومانيا على البحر الأسود.

—————–

أحزاب كردية وعربية تدعو لمقاومة تركيا وقطع الطريق أمام تقسيم سوريا

القامشلي: كمال شيخو

أدانت أحزب سياسية كردية وعربية ومسيحية عاملة في مناطق شمال شرقي سوريا، التهديدات التركية بشن عملية عسكرية ضد مناطق «قوات سوريا الديمقراطية»، وقالت بعد اجتماع موسع عقد في مدينة القامشلي، إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصعد التهديد في مسعى لتحقيق المنطقة الآمنة، بغية تقسيم سوريا وتغيير تركيبتها السكانية وهويتها التاريخية عبر توطين سكان غرباء، على غرار ما يحصل بعفرين وتل أبيض ورأس العين، في وقت طالب فيه تحالف كردي معارض، بإدارة المناطق الكردية، لحمايتها من توغل عسكري مرتقب، واتهم خصومه في «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري، بالترويج لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي لإعطاء ضوء أخضر تركي بشن هجوم.

وأعلن 31 حزباً يعملون في مناطق نفوذ «الإدارة الذاتية لشمال شرقي» سوريا في بيان، نشر أمس، بعد اجتماع عقد في مدينة القامشلي، عن التكاتف بقوة في الدفاع «بكل ما نملك ضد هذه المشاريع، كما دافعنا ووقفنا ضد (داعش) ومثيلاتها من الذين حاولوا خرق مناطقنا لجعلها بؤرة تآمر على سوريا ووحدتها وعلى مستقبل شعبها». الأحزاب المنضوية تحت مظلة «مجلس سوريا الديمقراطية» والإدارة الذاتية، اتهمت تركيا باستثمار الأزمات والصراعات الدولية، لتمرير مشاريعها وأجنداتها السياسية على حساب الجغرافية السورية وأبناء شعوب المنطقة، بهدف «منع الاستقرار ومعاداة إرادة الشعوب والمشاريع التي تحقق الأمان والحقوق المشروعة لهذه الشعوب، لخلق الفوضى وإعادة المعنويات المنهارة لمرتزقة (داعش) بعد هزيمتهم بسجن الصناعة في الحسكة».

وقالت آسيا عبد الله الرئيسة السابقة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» إحدى أبرز الجهات السياسية الموقعة على البيان لـ«الشرق الأوسط»، إن التصعيد التركي وإعلانه عن تنفيذ مخططات المنطقة الأمنة، هو «بمثابة مشروع إبادة حقيقي يتقاطع مع كافة المشاريع الاحتلالية والإبادة التي تقوم بها تركيا في سوريا، لأن هدفها غير محصور بشمال شرقي البلاد، وإنما يمثل خطراً على كامل الأراضي السورية». وحذرت القيادية الكردية من تقسيم سوريا وعرقلة مساعي الحل والتوافق الوطني، وطالبت دول التحالف الدولي والجهات الفاعلة بالحرب السورية، بـ«ردع تركيا ورئيسها إردوغان وكف يدها عن التدخلات السافرة في جميع الأمور والقضايا السورية، وعدم استثمار الأحداث والتطورات الدولية وجر الناتو لمصالحه الشخصية».

بيان الأحزاب من جهته، ناشد جميع القوى الفاعلة في سوريا والموجودة على الأرض، بضرورة التحرك والوقوف في وجه العملية التركية، داعياً إلى تبني مواقف رادعة وواضحة، «تمنعها من تهديد استقرار المنطقة وخلق الفوضى والصراعات والحفاظ على المكاسب التي تحققت، ضد الإرهاب على مدار السنوات التي مضت من خلال تضحيات الآلاف من أبنائنا وبناتنا». وتوجه البيان بالنداء إلى المنظمات الأممية والجهات الحقوقية لملاحقة تركيا والجهات العسكرية السورية التابعة لها، «لما تقترفه من تجاوزات على القوانين والعهود والمواثيق الدولية بما فيها التهجير القسري والتوطين والاحتلال المدمر».

ورغم معارضة جميع الأحزاب السياسية الكردية الناشطة في مناطق الإدارة الذاتية لأي توغل تركي جديد؛ اتخذت أحزاب كردية أخرى، مواقف مختلفة، وحملت مسؤولية التصعيد التركي الأخير إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي السوري»، وسياساته التبعية لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي. وعبر رئيس «حزب يكيتي الكردستاني» وعضو الهيئة الرئاسية للمجلس «الوطني الكردي» المعارض سليمان أوسو، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن موقف المجلس من العملية التركية، بقوله: «المجلس يرفض أي اجتياحٍ للمناطق الكردية الحدودية من قبل تركيا»، مشيراً إلى أن الإدارة الذاتية التي يهمين عليها «حزب الاتحاد»: «تروج لحزب العمال الكردستاني التركي، في المناطق الكردية بسوريا، عبر نشاطاتها التي تدخل في خانة الدعوة الرسمية لتركيا لاجتياح تلك المناطق».

وذكر المسؤول الكردي، أن وفداً من مكتب العلاقات الخارجية للمجلس، عقد اجتماعاً مع الخارجية الفرنسية في العاصمة باريس، نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، وقدم مشروعاً خطياً للتوسط لدى تركيا لتجنيب المناطق الكردية الحدودية من عملية عسكرية جديدة.

وأضاف أوسو: «خلال لقاء رفاقنا بالمسؤولين الفرنسيين، قالوا لهم إن الحل العسكري ليس ممكناً من قبل أي طرف كان، والحرب تزيد من تفاقم الأوضاع ولن تجلب سوى المزيد من المآسي لسكان المنطقة»، ولتبديد مخاوف أنقرة من انتشار مقاتلين من قوات «قسد» ووجود أعضاء من «حزب العمال الكردستاني» التركي في تلك المناطق، أشار إلى أن الوفد الكردي، نقل للدبلوماسيين الفرنسيين: «بأن المجلس وحلفاءه (جبهة السلام والحرية) ومكونات أخرى، مستعدون لإدارة تلك المناطق، شريطة تعاون كل الأطراف المعنية وعلى رأسها أميركا وفرنسا وتركيا وقوات (قسد)، لتجنيب المنطقة حرباً جديدة»، لافتاً إلى أن المسؤولين الفرنسيين أبدوا اهتماماً واستمعوا إليهم جيداً واستفسروا عن محتوى الخطة الكردية وآليات تطبيقها على الأرض.

يذكر أن القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، مظلوم عبدي، توجه بدعوة إلى الحكومة السورية لحماية حدود البلاد واستخدام الدفاعات الجوية ضد الطيران التركي، وكشف في حديث تلفزيوني مع قناة «روناهي» الكردية، الجمعة الماضية، أن روسيا وعدت بأنها لن تقبل بتعرض مناطق سيطرتها في شمال شرقي لهجوم تركي، وأن لقسد، اتصالات يومية مع المسؤولين الأميركيين لقطع الطريق أمام التحرك التركي.

—————–

===================

تحديث 08 حزيران 2022

———————-

تركيا والسير وسط حقل ألغام/ علي العبدالله

أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ في سورية لاجتثاث ما أسماه الإرهاب، ما أثار طائفة متنوّعة من ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية، تجسّدت بمواقف سياسية وتحرّكات ميدانية واسعة، على خلفية تأثير العملية العسكرية المزمعة بالتوازن القائم على الأرض السورية، وانعكاس ذلك على مصالح الدول المنخرطة في الصراع في سورية وعليها، وبالتوازن الجيوسياسي العام.

جاء الإعلان التركي مترافقاً مع حملة إعلامية وسياسية على منظّمات كردية، حزب العمال الكردستاني (التركي)، المصنف منظمة إرهابية في تركيا ودول غربية، بما فيها الولايات المتحدة، وربيبه حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري) وجناحه العسكري، وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، باعتبارها تهديداً للأمن القومي التركي؛ ومع تحرّك عسكري متصاعد، قصف مدفعي وصاروخي وغارات بالمسيَّرات، على طول خطوط التماسّ مع “قسد”، شمال شرق وشمال غرب نهر الفرات، وقد ربط الإعلان العملية العسكرية بإقامة منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية بعرض 30 كيلومتراً، وبعدم تنفيذ الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية بنود اتفاقيتي عام 2019 معهما، القاضيتين بإبعاد هذه القوات عن الحدود المسافة المتفق عليها، 30 كيلومتراً، واستغلال “قسد” الموقف لتنفيذ اعتداءات على الأراضي التركية واستهداف المدنيين، وبإعادة مليون لاجئ إليها، عودة طوعية، وفق النظام التركي، بحيث تضمن سلامة المنطقة الحدودية والأمن القومي التركي.

لا يعكس الإعلان تغيّراً في الموقف التركي، فالدعوة إلى إقامة منطقةٍ آمنةٍ على طول الحدود السورية التركية أطلقت، منذ عام 2013، باعتبارها أولويةً تركية، في ضوء ما تعتبره خطراً وجودياً تمثله وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري)، ورفضها اعتبار إعادة تحويل وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى قوات سوريا الديمقراطية، حلاً مناسباً، لأن الأخيرة خاضعةٌ لسيطرة وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني بالتالي. ولمّا لم تنجح في تحقيق اختراقاتٍ في مواقف الدول المنخرطة في الصراع على سورية من طلبها، اندفعت نحو الدخول في مساوماتٍ ومقايضاتٍ مع القوتين المهيمنتين في الشمال السوري، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، في إطار تبادل المصالح، وحصلت على موافقاتٍ على تنفيذ عمليات عسكرية “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، احتلت عبرها مساحات واسعة هناك، حوالى 10% من الأرض السورية. ولكن من دون أن تعتبر ما تحقق كافياً لأمنها، في ضوء الدعم العسكري والمالي الأميركي الكبير والمتواتر لـ”قسد”، وهيمنة حزب العمال الكردستاني التركي على مفاصل القرارين، السياسي والعسكري، في “الإدارة الذاتية” الكردية شرق الفرات.

دفع الإعلان التركي الدول والقوى السياسية والعسكرية المحلية إلى التعبير عن مواقفها من العملية العسكرية المزمعة، وإلى القيام بخطوات ميدانية على الأرض، من استنفار قواتها، إلى نقل قوات وأسلحة وذخائر إلى نقاط التماسّ والمواقع التي يتوقع أن تكون هدفاً للهجوم الموعود، وتعزيزات تركية لمواقعها على خطوط التماسّ، واستنفار قوات الجيش الوطني السوري، الموالي لتركيا، وإجرائه مناوراتٍ بالذخيرة الحية استعداداً للمشاركة في العملية العسكرية، واستنفار “قسد” على خطوط التماس، واستقدام قوات النظام تعزيزات إلى منطقة عين عيسى شرق الفرات، وتل رفعت ومنبج غرب الفرات، وتحريك مليشيات إيرانية نحو مواقع متقدّمة على خطوط التماسّ في ريف حلب الشمالي الغربي، إرسال عتاد أميركي من كردستان العراق إلى القواعد الأميركية شرق الفرات، وإرسال تعزيزاتٍ عسكرية روسية إلى شرق الفرات (مطار القامشلي بشكل رئيس)، وقاذفات قنابل ومروحيات قتالية وصواريخ مضادّة للطائرات متوسطة المدى من طراز بانتسير- إس1، مع تسيير دوريات برّية وأخرى جوية على طول الحدود السورية التركية، تعبيراً عن مواقفها من العملية العسكرية، وتحسباً لانعكاساتها المحتملة على مصالحها في سورية والإقليم.

جاء الإعلان التركي في لحظةٍ سياسيةٍ حبلى بالفرص والمخاطر، حيث أتاح لها موقعها الجيوسياسي وعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعلاقتها القوية بروسيا وأوكرانيا التحرّك لالتقاط الفرصة التي فتحها الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجة دول الحلف لمشاركة تركية أكبر في محاصرة روسيا وتطويقها، من جهة، وحاجة روسيا إليها لإضعاف العقوبات الغربية عليها عبر إبقاء أبوابها مفتوحة لها، اقتصادياً، وتوظيف العلاقة معها في الاتصالات الدبلوماسية مع أوكرانيا، من جهة ثانية، والمناورة بأوراقها لتحقيق مكاسب في أكثر من ملفّ، بدءاً من قبول طلبها شراء 40 طائرة أميركية من طراز إف 16، وتحديث ما تملكه منها من الأجيال القديمة، والسعي للعودة إلى المشاركة في إنتاج طائرة إف 35 وإتمام صفقة المائة طائرة التي طلبتها منها، ودفعت جزءاً من ثمنها، 1.5 مليار دولار، ومحاصرة حزب العمال الكردستاني وجماعة الخدمة، التي يتزّعمها فتح الله غولن، بالضغط على دول في الحلف، لوقف التعاطف والتعاون معهما، عبر ربط سحب اعتراضها على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف بتحقيق هذه المطالب، والضغط على الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لقبول فكرتها بإقامة منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية، عبر الحصول على ضوء أخضر لتنفيذ العملية العسكرية. غير أن الفرص المتاحة قابلتها مخاطر كثيرة، حيث استدعى التصعيد التركي ردود فعل الدول الأخرى التي عبّرت عن مواقفها مما يحصل، ومما قد يحصل، إذا نُفِّذ التهديد التركي، وتحرّكت لاحتواء التحرّك التركي السياسي والعسكري للحفاظ على التوازن القائم، والحدّ من فرص تركيا في فرض مطالبها وتكريس نفسها قوة دولية. من هنا جاء الاعتراض الأميركي المباشر والصريح على تنفيذ العملية العسكرية، عبر كلام صريح وعلني، وحشد قوات وتسيير دوريات على الحدود السورية التركية، والتعبير عن دعمها القوي لانضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، مع التلويح بتقديم جائزة ترضية لتركيا بتمرير صفقة طائرات إف 16.

لم تكتفِ روسيا بالتحرّك الميداني لردع التحرّك التركي، على خلفية الحفاظ على التوازن القائم، خصوصاً أن أي تغيير في التوازن سيجيّر لمصلحة الولايات المتحدة، بل توسّعت في الإجراءات من أجل تجيير نتائج تحرّكها لمصلحة النظام السوري، عبر إشراكه في المساومات على مستقبل المنطقة، بدفعه إلى إرسال قواتٍ إلى نقاط التماسّ وتسيير دورية مشتركة مع قوات النظام و”قسد”، ودفع الأخيرة إلى التفاهم معه، ونشر موارد عسكرية روسية كبيرة، طائرات قاذفة ومروحيات قتالية ومسيّرات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة، وتسيير دوريات برّية وجوّية على طول نقاط التماسّ، وإرسال وفد سياسي وعسكري إلى تركيا، سيصل اليوم (8 يونيو/ حزيران)، بمشاركة وزير الخارجية، سيرغي لافروف، للتفاهم على الموقف، والضغط على تركيا للتخلي عن العملية العسكرية، عبر مطالبتها بتنفيذ بنود اتفاق سوتشي القاضية بالفصل بين الفصائل المسلحة المعتدلة والمتشدّدة وفتح طريق إم 4 من دون استبعاد حصول مقايضة بين تل رفعت وجبل الزاوية. إيران هي الأخرى لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث حشدت مليشياتها إلى جوار قوات النظام و”قسد” في شمال ريف حلب، قرب تل رفعت، و”قسد” بدورها حشدت قواتٍ وسرّعت عمليات تحصين المواقع عبر حفر أنفاق وإقامة سواتر ترابية. وهذا دفع النظام التركي إلى تحديد المساحة المستهدفة بالعملية في تل رفعت ومنبج الواقعتين غرب الفرات، واللتين تحسبان على مناطق النفوذ الروسي، في محاولة لإضعاف التحفظ الأميركي الذي لن يعترض على أي تحرّك ضد المصالح الروسية. غير أن فرص نجاح هذه المناورة غير واضحة، في ضوء التوجّه الروسي لتفنيد الدعاية الغربية حول انهيار القوات الروسية تحت وقع ضربات الجيش والمقاومة الأوكرانية، وإثبات عدم صحة ذلك، عبر لعب دور في الاشتباك بشأن العملية العسكرية التركية، واستغلال سخونة الموقف بتعزيز حضورها شرق الفرات لمنافسة الحضور الأميركي فيه، والبرهنة على قدرة قواتها من خلال الانخراط في أكثر من معركة في الوقت نفسه.

رجّح محللون ومعلقون سياسيون أن تكتفي تركيا بالضغط السياسي والقصف البري والجوي للدفع بمطالبها إلى الطاولة وتحقيق مكاسب معينة على طريق إقامة المنطقة الآمنة من دون اجتياح برّي. فيما رأى محللون ومعلقون آخرون أن تراجع فرص تحسّن الاقتصاد دفع النظام التركي إلى تحريك ورقة المنطقة الآمنة، لتحقيق مكسب “قومي” يسجّل لمصلحته، فيحسّن صورته ويزيد شعبية رئيسه، قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2023، ما رجّح لديهم تنفيذ العملية العسكرية المزمعة.

أياً كان الرأي الراجح، فإن عملية عسكرية محدودة أو واسعة لن تغلق ملف القضية الكردية، لا في تركيا ولا في الدول الأخرى، بل سيُبقيها اعتماد الحل العسكري جرحاً نازفاً يستنزف جهود دول المنطقة وشعوبها وإمكاناتهما؛ يفقدها استقرارها وفرص ازدهارها، وإن الحل بالجلوس إلى طاولة التفاوض والتفاهم مع القادة الكرد على حل توافقي. وهذا يستدعي من هؤلاء إدراك مخاطر اللحظة السياسية ودقة خياراتهم وممارساتهم التي قادت إلى وقوعهم تحت ضغوط كبيرة من أكثر من طرف، وأن ينحازوا إلى خيارات واقعية، حتى لو كانت لا تلبّي كل تطلعاتهم المشروعة.

العربي الجديد

————————–

سورية في بازار الدول/ مروان قبلان

بعد اندلاع أزمتها مطلع عام 2011، لم يأخذ الأمر وقتا طويلا لتتحوّل سورية إلى “حالة لبنانية كبيرة”، تتم على أرضها تصفية حسابات أو عقد “صفقات” بين القوى الإقليمية والدولية ذات الشأن على حساب السوريين ومصالحهم. أول الصفقات الكبرى أبرمت في أثناء المفاوضات التي بدأت سرًا في سلطنة عُمان بين واشنطن وطهران في أواخر عهد “المتشدّد”، أحمدي نجاد، وأثمرت، في بداية عهد “المعتدل”، حسن روحاني، عن اتفاق جنيف المرحلي، وافقت إيران، بموجبه، على التنازل عن برنامجها النووي في مقابل توقف واشنطن عن محاولات تقويض مشروعها الإقليمي، في سورية تحديدًا. المرة الثانية التي ارتهنت سورية فيها لصراعٍ دوليٍّ كبير ارتبطت بأزمة القرم وحرب دونباس في أوكرانيا عام 2014، إذ أدّى رفض الرئيس الأميركي، باراك أوباما، التفاوض مع روسيا بشأن أوكرانيا إلى دفع هذه الأخيرة إلى تعطيل مفاوضات جنيف 2 بشأن التسوية السياسية في سورية، تطبيقا لقرار مجلس الأمن 2118 الذي جرى التوصل إليه بتوافق روسي – أميركي بعد اتفاق الكيماوي في سبتمبر/ أيلول 2013. في ربيع عام 2015، ومن أجل الحصول على دعمها الاتفاق النووي مع إيران، سمح أوباما لدول الخليج العربية برفع مستوى تسليح المعارضة السورية، لكنه تسامح، في المقابل، مع التدخل العسكري الروسي في سورية في خريف العام نفسه، لأن من شأن ذلك ضبط الاندفاع التركي نحو إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، ووضع حد للطموحات الانفصالية الكردية، ما يعقّد حرب أوباما التي بدأها على تنظيم الدولة الإسلامية في سبتمبر/ أيلول 2014.

في عام 2019 – 2020، ارتبط التنافس الروسي – التركي في الشمال السوري بالصراع في ليبيا، حتى صار مستقبل إدلب مرتبطا بنتائج المعارك حول طرابلس بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه من مرتزقة فاغنر الروس، من جهة، وقوات حكومة الوفاق التي تدعمها المسيرات التركية ومقاتلون سوريون جنّدتهم أنقرة للدفاع عن طرابلس، من جهة ثانية. في خريف العام 2020، ارتبط اسم سورية بقوة بحرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، والتي اتهم في أثنائها كل طرف الآخر بتوظيف “مرتزقة” سوريين للقتال معه، في وقت ازدادت المخاوف من حصول ارتدادات لهذه الحرب في شمال غرب سورية، في حال فشلت التفاهمات الروسية – التركية بشأن إقليم ناغورنو كاراباخ. ومع استئناف مفاوضات إحياء اتفاق 2015 النووي بين إيران وإدارة الرئيس بايدن في إبريل/ نيسان 2021، برزت سورية من جديد باعتبارها أكثر الساحات الإقليمية تأثرا بنتائج هذه المفاوضات، سواء ارتبط الأمر بمصير المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في سورية أو بالوضع الاقتصادي – الاجتماعي للنظام الايراني، وانعكاسه على الحليف السوري. ومع اندلاع الحرب أخيرا في أوكرانيا، عادت سورية مادة لتسويات ومقايضات محتملة، أركانها الأساسيون تركيا والولايات المتحدة وروسيا، لكنها تشمل أيضا إيران وإسرائيل، نظرا إلى ارتباط مفاوضات إيران النووية بتداعيات الحرب الأوكرانية، سواء في موضوع إمدادات النفط أو الجهة التي ستتسلم مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب في حال التوصل إلى اتفاق (كانت روسيا في اتفاق 2015). وكانت تركيا وروسيا عقدتا سابقا مقايضات ثنائية عديدة في سورية بدأت صيف عام 2016، عندما وافقت روسيا على عملية درع الفرات التركية (تشمل مثلث جرابلس – أعزاز –الباب) في مقابل سحب أنقرة قوات المعارضة السورية من شرق حلب في الشتاء. وأعقب ذلك سلسلة تفاهمات حول عفرين (فبراير/ شباط 2018) وإدلب (سبتمبر/ أيلول 2018) وشرق الفرات (أكتوبر/ تشرين الأول 2019) وأخيرا اتفاق سوتشي (مارس/ آذار 2020) والذي رسم مناطق نفوذ الطرفين في شمال غرب سورية. الآن، تغتنم تركيا حاجة الطرفين، الروسي والأميركي – الأوروبي، إليها في المواجهة الدائرة في أوكرانيا، سواء بشأن عدم/ تطبيق العقوبات المفروضة على موسكو أو منع/ توسع “الناتو”، لفرض إقامة المنطقة الآمنة التي طالما طالبت بها على الحدود للتخلص من عبء اللاجئين السوريين في سنة انتخابية حاسمة، وتوجيه ضربة جديدة للمليشيات الكردية.

إذا استمر الوضع على هذه الحال، واستمر السوريون في تناحرهم وانتحارهم بعيدًا عن أي رؤية وطنية جامعة للحل، واستعادة زمام المبادرة، فالأرجح أنه لن يبقى من سورية، في بازار المقايضات الدولية والإقليمية، سوى أشلاء، خصوصا مع احتمال دخول الصين على الخط. عندها سيغدو مصير سورية مرتبطا بالصراع على بحر الصين الجنوبي، أو “بالواق واق” ربما، فهل فينا رشيد؟

العربي الجديد

——————————

المأزق التركي في خضمّ المواجهة الروسية الأطلسية على الأرض الأوكرانية/ أنطوان الحاج

يرسم الواقع الجغرافي مسار التاريخ وملامح المستقبل للدول، ويفسّر الكثير من وقائع الحاضر. انطلاقاً من ذلك يكون النظر إلى الدور والموقف في كل مسألة من المسائل العالمية، وما أكثرها هذه الأيام وعلى الدوام…

ولّد ويولّد الغزو الروسي لأوكرانيا مجموعة كبيرة من التحديات لتركيا. فالدولة الأطلسية قريبة عموماً من حلفائها الغربيين في دعم كييف، لكنها في الوقت نفسه لا تنسف الجسور مع موسكو. فنراها تحاول الاضطلاع بدور الوسيط بين الطرفين المتنازعين من جهة، وتواصل تعاونها العسكري مع أوكرانيا (خصوصاً بيعها طائرات مسيّرة من طراز «بيرقدار») من جهة أخرى.

كيف ستتعامل تركيا مع هذه المعادلة الصعبة، وهل تنجح على المدى الأبعد في إرضاء الحلفاء الغربيين والجار الروسي في آن واحد؟

لا شك في أن تركيا عضو مهم في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي انضمت عليه عام 1952، لأنها دولة كبيرة وجيشها قوي، وتقع على الطرف الجنوبي لجغرافيا الحلف، وعلى تماس مع روسيا، الخصم الكبير للكتلة الغربية.

تحاول تركيا بقيادة رجب طيب إردوغان، صاحب الرؤى التوسعية الطموحة، الخروج من نطاق الدور الإقليمي إلى مدى عالمي أرحب. وفي هذا السياق، طوّرت صناعتها العسكرية وأصبحت مصدّرا لعتاد متنوع وخصوصاً للطائرات المسيّرة التي تكتسب في الميدان أهمية متزايدة. وقد اشترت أوكرانيا مسيّرات من طراز «بيرقدار تي بي 2» واستخدمتها بفاعلية لضرب القوات الانفصالية الموالية لروسيا في حوض الدونباس حيث قامت منذ العام 2014 «جمهوريتا» دونيتسك ولوغانسك، الأمر الذي أثار رد فعل غاضباً من موسكو. ومعروف أن هذه المبيعات مستمرة، وعمليات الصيانة كذلك، في تعاون عسكري يعزز مكانة تركيا في الناتو.

مسيّرة تركية من طراز «بيرقدار تي بي 2» (رويترز)

في المقابل، اعتمدت أنقرة موقفاً متحفظاً حيال العقوبات الغربية التي تنهمر على روسيا من كل حدب وصوب. وفي ما يخص مضيقي الدردنيل والبوسفور التزمت اتفاق مونترو (سويسرا) الذي عُقد عام 1936 ومنح تركيا السيطرة على المضيقين، مع ضمان حرية مرور السفن المدنية وتقييد مرور السفن الحربية في أوقات الحرب.

إلا أن المشهد ما لبث أن ازداد تعقيداً مع تقديم فنلندا والسويد طلبي انضمام إلى الناتو خروجاً عن مبدأ الحياد العسكري، علماً أن الانضمام لا يتحقق إلا بموافقة إجماعية من الدول الثلاثين الأعضاء. فقد رفضت تركيا انضمام الدولتين الأوروبيتين الشماليتين بدعوى دعمهما لقوى كردية تعتبرها أنقرة «إرهابية»، بالإضافة إلى أن فنلندا تمنع بيع تركيا أي عتاد عسكري بسبب المسألة الكردية. ولم تنجح المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي حصلت مع تركيا في تليين موقفها حتى الآن، إلى درجة أن الاتحاد الأوروبي أقفل الباب عملياً في وجهها بسبب هذا الموقف المتصلب من المسألة الأطلسية.

وليس من المستبعد، في عالم السياسة الواقعية والدبلوماسية الخفية، أن تستفيد تركيا من هذا الموقف للحفاظ على تقاربها مع روسيا الذي زخّمه إردوغان منذ العام 2016، وفي الوقت نفسه انتزاع المزيد من «التنازلات» الأطلسية والأوروبية.

ولا ننسى هنا الخلاف الكبير الذي حصل بين واشنطن وأنقرة بعد شراء الثانية منظومة صواريخ «إس 400» الدفاعية الروسية، واعتبار القادة العسكريين الأطلسيين أن وجود هذه الصواريخ في تركيا يخرق جدار المناعة لكثير من الأسلحة والمنظومات العسكرية الأطلسية ويكشفها أمام «الأعين» الروسية. وكانت النتيجة السلبية الكبرى لذلك إخراج تركيا من برنامج تدريب طياريها ولاحقا بيعها مقاتلات «إف 35» الأميركية المتطورة.

ثمة من يعتقد أن إردوغان سيليّن في النهاية موقفه من انضمام السويد وفنلندا إلى العائلة الأطلسية مقابل الحصول على بعض المكاسب. وفي المقابل، ثمة من يقول إن إردوغان لا يملك ترف التنازل في وقت حساس للغاية، كونه على موعد مع استحقاق كبير يوم 18 يونيو (حزيران) 2023 مع إجراء الانتخابات العامة التي تشمل منصب الرئاسة والمقاعد البرلمانية. والرجل يقترب من هذا الامتحان فيما الوضع الاقتصادي في بلاده لا ينفكّ يتراجع مع هبوط قيمة الليرة التي فقدت نحو 20 في المائة من قيمتها منذ بداية العام، وهو يتمسك بخفض الفائدة (لتشجيع الاستثمار) منقلباً على سياسته السابقة القاضية برفعها (حفاظاً على قيمة الليرة). لكن في الحالتين يستمر التعثر الاقتصادي ومعه الوضع المعيشي الذي يُعتبر عند أي ناخب في العالم المعيار الرئيسي لدى ملء ورقة الاقتراع…

وقد لا يجد إردوغان بداً لترميم وضعه الداخلي المتراجع من محاولة تعزيز صورته كلاعب عالمي، عبر إبداء التصلب في الشأن الأطلسي، والحفاظ على الموقف المتمايز من الحرب الأوكرانية، وصون الأمن التركي من خلال إطلاق عملية عسكرية على الحدود الجنوبية ترمي إلى إنشاء حزام بعمق 30 كيلومتراً داخل الشمال السوري لدرء «الأخطار الإرهابية» عن الأراضي التركية، بالإضافة إلى تشدده حيال اليونان واستعراضاته العسكرية في بحر إيجه، وإسباغ صفة المطار المحلي التركي على مطار تمبو (اسمه التركي إركان) في الشطر الشمالي من قبرص، وهو ما اعتبرته السلطات القبرصية اليونانية خطوة في اتجاه ضم جمهورية «شمال قبرص التركية» – التي لا تعترف بها سوى أنقرة – إلى تركيا.

يلعب الرئيس التركي لعبة معقدة منذ أن انطلق الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي: دعم عسكري بـ «صوت خافت» لكييف في موازاة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع روسيا ومحاولة الاستفادة من الثروات المحاصَرة للأوليغارشيين الروس الذي يُعتبرون سنداً أساسيا للرئيس فلاديمير بوتين. إلا أن هذه اللعبة تزداد صعوبة مع مرور الوقت، وتَبَلور صورة الحرب كمواجهة أطلسية – روسية على الأرض الأوكرانية، وبالتالي سيضيق حتماً هامش المناورة لدى الرئيس التركي الذي سيكون عليه حسم موقفه من هذه المواجهة عاجلا أم آجلا، وهذا ما يراكم همومه قبل الاستحقاق الانتخابي المثقل بالعبء الاقتصادي الثقيل.

الشرق الأوشط

—————————–

إشكالية الأغلبية في سوريا/ عمار ديوب

أصبحت سوريا دولة وشعباً مؤقلمة ومدولة؛ أصبحت سوريات وشعوب.

المحيط الإقليمي والدول العظمى يفرضان سياساتهم وتدخلاتهم في الشؤون السورية، وبما لا يحقق مصلحة السوريين، وإنهاء مأساتهم بحلٍّ سياسيٍّ؛ يجد تسوية لكافة مشكلاتهم.

لم يستطع النظام تشكيل أغلبية في مناطق سيطرته، ويحكمها بالحديد والنار؛ وكذلك بقية مناطق سيطرة قوى الأمر الواقع.

تستغل الدول المتدخلة ذلك للإمعان في عدم تشكل أيّة أغلبية سوريا، تعطي السوريين القدرة على المناورة والرفض وتشكيل مشروعٍ وطني، يؤسس لسوريا واحدة ولشعبٍ واحد، متعدد القوميات بالضرورة.

سهولة أن تسيطر تركيا على فصائل مسلحة، وكتل شعبية، أو إيران أو روسيا أو أمريكا تتأتى من رفض النظام لتشكيل تلك الأغلبية، وهي لا تنحو نحو هوية وطنية دون أن تنال حقوقها، وكذلك الأمر في بقية مناطق قسد والفصائل وهيئة تحرير الشام.

الآن تركيا تعدّ العدّة لعملية عسكرية جديدة وبدأت بمناوشات هنا وهناك، وتعلن أنها ستغزو تل رفعت ومنبج، وتقف الفصائل معها، وكذلك الائتلاف الوطني، وهناك كتل اجتماعية خارجة عن سيطرة النظام تؤيد العملية، وبالطبع هناك كتلة أخرى ترفض العملية.

ماذا ستفعل قسد ومسد إزاء ذلك، ستستعين بالتأكيد بأمريكا وروسيا وبالنظام حتى، وهذا سياق طبيعي في ظل غياب تلك الأغلبية، واصطفاف قطاعات شعبية مع العملية أو ضدها، ولكن ليس على أسس “وطنية”.

مشكلة قسد الآن ليس في دعم الإدارة الأمريكية لها، بل في غياب التأييد الشعبي الواسع في مناطق سيطرتها، والأمر عينه في مناطق سيطرة الفصائل، التي لا تتوقف عن الصراع فيما بينها، ويتضرّر الشعب في مناطق سيطرتها، وهذا يؤدي إلى انفكاك قطاعات شعبية عنها وعن السيطرة التركية، باعتبار الأخيرة، هي المسيطرة الفعلية هناك، وسياساتها هناك تساهم في غياب تشكيل إدارة “ذاتية” موحدة لتلك المناطق، وتوحيد للفصائل.

التوجه الوطني سيعني بالضرورة قوة حقيقية للفصائل، وهو ما ترفضه تركيا، وتريدها فصائل تحت الطلب، و بها تشن الغزوات ضد الداخل السوري، ولا سيما مناطق سيطرة قسد.

إذا كانت الفصائل تتصارع فيما بينها، ولا تملك أصلاً مشروعاً وطنياً للنهوض بمناطق سيطرتها، وتنتظر الأوامر التركية، ومثلها الائتلاف وكافة مؤسساته، فكذلك قسد ومسد؛ فهما لا تستوعبان الخلاف مع أحزاب المجلس الوطني الكردي، وبالتالي، كيف ستمثلان مصالح الشعب بتنوعاته القومية في مناطق الإدارة الذاتية إذاً.

إن مصلحة السوريين تكمن في مشروعٍ وطني يمثل سوريا بأكملها؛ الإدارة هناك تتلاقى مع الفصائل في عدم البحث في المشتركات، والأمر عينه لدى الائتلاف الوطني، والأخير بكافة مؤسساته، يُكفر قسد ومسد، وهو بالأصل لا يمثل المناطق التي تسيطر عليها الفصائل.

تُركت هيئة تحرير الشام لتسيطر على الفصائل في منطقتها، وهي تسيطر هناك بمعرفة كل من تركيا وروسيا ولم تسع الإدارة الأمريكية إلى محاربتها كما داعش! وهي أيضاً لا تحوز على أية أغلبية في إدلب ومناطق سيطرتها.

النظام بدوره، لا يبحث عن تلك الأغلبية، التي يقمعها ويجوعها، ويتحالف مع روسيا وإيران لنهبها.

إن اللحظة الوحيدة التي كادت أن تتشكل فيها أغلبية سورية هي لحظة الثورة في 2011، بعدها، ومع سيطرة قوى الأمر الواقع، وانقساماتها لم يعد الأمر ممكناً، ومنذ ذلك الحين بدأت الدول الإقليمية والعظمى تسيطر على الداخل السوري وتحارب أية مشاريع وطنية شعبية، ساعية نحو تشكيل تلك الأغلبية السياسية الوطنية.

لا إمكانية لتشكيل أغلبية وطنية بمشاريعٍ إسلاميّةٍ أو قومية أو أهلية أو طائفية وسواها.

الخارج لا يريد ذلك، فهذا سيشكل كتلة وازنة، استقلالية، وقوى الأمر الواقع تشكلت على أرضية رفض تلك الأغلبية، ولنقل لم تتمكن حواراتها النادرة مع بعضها، من إيجاد أية مشتركات وخلق تلك أغلبية، وبذلك أصبحت رهينة هذه الدولة أو تلك.

 وقبل ذلك، وقعت مناطق واسعة “محررة” تحت سيطرة القوى السلفية والجهادية، حيث طرحت الأخيرة نفسها ممثلة للسنة، وللثورة، وتلاقت مع النظام في تفكيك الأغلبية  الثورية في 2011، واستند النظام إلى محاربة الأخيرة بأيديولوجيات، وأفكار وسياسات تخوينية، كالطائفية، والتبعية للخارج، واجتثاث الأقليات ولا سيما العلويين، وهذا بدوره عزّز أشكال من الوعي غير الوطني، والمستعد للتبعية للخارج، وسهل سيطرة القوى الطائفية على الأغلبية الثورية، وهذا بدوره ما تعزز مع الوقت، وصارت سوريا، كما قلنا سوريات وشعوب.

رغم هذا الميل، هناك تضرّر واسع من السوريين تحت ظل قوى الأمر الواقع، ومن الدول الداعمة لها، وهذا سيقود منطقياً إلى التفكير وطنياً برفض ذلك الواقع والبحث عن مشتركات وطنية.

هذه الفكرة في صلب الوعي السوري، وفي كافة المناطق، وهي أحد أشكال وعي “الشعوب” السورية.

إن عدم تراكم هذا الوعي يتعلق بقمعية تلك القوى، والتأزم المستمر بين مناطق قوى الأمر الواقع، وبسبب الحروب التي لا تتوقف، وبالتالي هناك ضرر واسع يقع على شعوب المناطق المقسمة، ويدفعها نحو تفكيرٍ وطنيٍّ وضرورة الخلاص من الأزمات و الاحتلالات.

يريد صاحب المقال هنا التنبيه إلى وجود أغلبية سورية فعلية، وليست من بنات خياله.

نعم، هناك متضررون كثر من ممارسات قوى الأمر الواقع، وهي قوى متهمة بالتقسيمية والتبعية، وممارساتها مليئة بالفساد والنهب وإذلال الناس، وإذا كانت الأغلبية السورية لا تدافع عن هذه الفكرة نظراً لما أوردناه من أسباب، فإنها أيضاً تجد نفسها متضررة من استمرار تلك القوى ومن التداخلات الخارجية، وهذا استعصاء حقيقي.

لا يمكن أن تتشكل أغلبية سورية على أسس قومية أو دينية. يمكن أن تتشكل فقط على أسس وطنية، وبلحظة الثورة كان الميل الشعبي نحو ذلك.

لحظة الثورة ليست لحظة هامشية، أو أن التطورات اللاحقة اجتثتها كلية.

إن ممارسات قوى الأمر الواقع، وبعكس ما قد يتوهم كثيرون أنها فرضت رؤيتها وسياساتها، وهي فعلت ذلك نسبياً، وفي بعض المراحل من سيطرتها ولا شك، ولكنها ومع تحولها إلى سلطات قمعية، وتابعة، وناهبة، وتماثل ممارساتها ممارسات النظام فإن الأغلبية التي أدافع عنها، أرى أنها في وجدان ووعي السوريين في مناطقهم المقسمة، وذاكرتهم عن 2011 سبباً إضافياً لوجودها.

المشكلة تكمن في رفض هذه الفكرة من قوى الأمر الواقع والدول الداعمة لها، وبالتأكيد يتحمل النظام المسؤولية الأولى عن استمرار هذا “المقسمات” وعن غياب أغلبية سورية.

لا إمكانية لإيقاف تركيا عن محاولة فرض هيمنتها على المناطق الحدودية وتشكيل منطقة آمنة دون تشكل تلك الأغلبية، وهناك أربع غزوات قامت بها تركيا، وحققت لنفسها أهدافاً منها، والأمر عينه بالنسبة للأكراد، فلا يمكنهم مواجهة تركيا عبر الدعم الأمريكي فقط، وقد رأينا كيف أعطى الأخير تركيا عفرين وسواها.

 وأيضاً لا يمكن للنظام أن يحوز على أية كتلة حقيقية ودعم فعلي من الشعب دون الاعتراف للشعب بحقوقه، ودون التخلص من عقليته التكفيرية للشعب وإعطائه حقوقه.

 هيئة تحرير الشام وأية فصائل إسلامية مرفوضة بالكامل، وممارساتها السلفية والجهادية لا تجعلها تسيطر على “السنة”، هذه بدورها محض أوهام.

بإمكانها السيطرة على بعض القطاعات الشعبية، ولكنها مرفوضة من أغلبية من تسيطر عليهم تلك الفصائل.

ننهي بالقول، هناك قطاعات شعبية متضررة من قوى الأمر الواقع، ودون أن تغير الأخيرة من ممارساتها القمعية والنهبية للشعب، ستظل القوى هذه رهينة الدول الداعمة لها، وستجد نفسها لاحقاً على مذبح أية تسوية قد تتوصل إليها الدول المتدخلة في الشأن السوري؛ الآن ستظل قوى الأمر الواقع رهينة سياسات الدول المتدخلة، وتركيا قد تتمكن من السيطرة على تل رفعت ومنبج وربما لاحقاً عين عرب أيضاً، وهذا لن يكون خارج التوافق مع الإدارة الأمريكية والروسية!.

———————-

المنطقة الآمنة.. وقول ما لا يقال/ عبد الناصر الحسين

مرّت السياسة التركية المتعلقة بالشأن السوري بمرحلتين: مرحلة ما قبل اعتذار الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» من نظيره الروسي «فلاديمير بوتين» عن إسقاط الطائرة الروسية، في يونيو/ حزيران 2016، والمرحلة التي تلت تلك الحادثة.

فقبل الحادثة ومخلفاتها تبنت تركيا بقيادة «حزب العدالة والتنمية» فكرة ترحيل «النظام السوري»، على أن يكون «الإخوان المسلمون» هم البديل القادم لحكم سوريا، وعملت على تمكين الإخوان من كل مفاصل الحراك الثوري، مستعينة بالأموال القطرية.

في ذلك الوقت كانت تركيا تنسق العمل مع «الولايات المتحدة الأمريكية»، لكن دون إظهار النوايا التي تضمرها السياسة التركية، والمتعلقة بدعم الفصائل الجهادية على حساب الفصائل المعتدلة، لجعلها «رأس الحربة» في عملية التغيير، مقابل المحافظة على كوادر الإخوان، ليحكموا «سوريا ما بعد الأسد».

وبعد تصالح أردوغان مع بوتين تغيرت السياسة التركية تماماً في القضية السورية، فلم يعد «إسقاط نظام الأسد» وارداً في الحسابات التركية، وذلك تماشياً مع الرؤية الروسية، لتنخرط تركيا مع روسيا وإيران في اتفاقات «خفض التصعيد» في مؤتمرات «أستانا».

من خلال تفاهمات أستانا، عمل هذا الثلاثي «روسيا وتركيا وإيران» على رسم خرائط «التغيير الديمغرافي» في سوريا، بحيث يحاصر السوريون المعارضون للنظام والذين دفعوا ثمناً باهظاً، في الشمال السوري، لتقوم تركيا بإنشاء «المنطقة الآمنة» وتسترد روسيا معظم المناطق السورية لصالح نظام الأسد، فيما يمكن تسميته «سوريا المفيدة».

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بداية الشهر الماضي، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح «العودة الطوعية» لمليون سوري إلى بلادهم. وقال، في رسالة مصورة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، إن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها «إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين»، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

وأعلن أردوغان أن القوات التركية ستطهر «تل رفعت ومنبج من الإرهابيين»، في إشارة إلى «الوحدات الكردية» و«قوات سوريا الديمقراطية» المتواجدة في المنطقة. وقال أردوغان في اجتماع مجموعة حزب العدالة والتنمية، إن القوات التركية ستنشئ ممراً آمناً بطول 30 كم على الحدود المشتركة مع سوريا.

المنطقة الآمنة الممتدة على طول 480 كم وعرض 30 كم سوف تحكمها إدارات محلية كلها من كوادر «الإخوان المسلمين»، وسوف يتحول «الجيش الوطني» إلى «حرس حدود» لتركيا وإلى قوات «شرطة مدنية» لضبط الأوضاع الأمنية داخل المنطقة.

تخطط تركيا لجعل تلك المنطقة تابعة بالمطلق للدولة التركية، سياسياً واقتصادياً وإدارياً، معتمدة اللغة التركية والعملة التركية بدلاً من مقابلاتها السورية. كما تخطط لقطف ثمار «التكنوقراط السوري» من المتفوقين في اختصاصاتهم، ومن خريجي الجامعات التي ستعتمد المناهج التركية.

وسوف تعتمد تركيا كلياً على الإخوان المسلمين بتطويع الناس للنهج التركي محاولة جعل الولاء تابعاً لتركيا «العثمانية»، على أمل إجراء استفتاء مستقبلي على الانفصال الكامل عن سوريا حين تسمح الظروف، مثبتين بذلك أنهم هم الذين يعملون على تقسيم تركيا، أكثر مما ظهر من «قسد».

أمريكا رفضت الخطط التركية مهددة تركيا بعقوبات قاسية فيما لو أقدمت على ضرب حلفائها من «قوات سوريا الديمقراطية»، مشيرة إلى أن «قسد» انتصرت على تنظيم «داعش» الإرهابي، وأشرفت على احتوائهم في المعتقلات.

الشعب السوري رفض برمته الخطة التركية مطالباً الفصائل بفتح الجبهات وإعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم. مستنكراً السياسات التركية العنصرية والانتهازية ضد الشعب السوري.

لكن الذي «لا يقال» ويجب قوله هو أن مثل تلك الخطط كانت تتم عادة بالتنسيق مع روسيا، عبر صفقات «استلام وتسليم» لكنها هذه المرة مختلفة تماماً، فروسيا ليست طرفاً في صفقة «الحزام التركي مقابل جبل الزاوية» بسبب انشغال موسكو بالحرب على أوكرانيا وبسبب رفض أمريكا لأي تحرك روسي ضد إدلب.

هنا تقدم نظام الأسد ليكون هو الطرف الثاني في الصفقة، بدلاً من روسيا، لكن المفاجأة هي بتحريك النظام لـ«هيئة تحرير الشام» الفرع السوري لتنظيم القاعدة، ليقوم بالدور، بحيث تتمدد «النصرة» للقضاء على بعض فصائل الشمال السوري، بالتعاون مع حركة «أحرار الشام»، بقيادة «حسن صوفان» الذي افتضح أمره مؤخراً بتبعيته لمخابرات النظام، وصولاً إلى منطقة «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، ثم تسليم منطقة جبل الزاوية وأريحا، وغيرها من المناطق إلى النظام مباشرة، لتكون نفوذاً لنظام الأسد، حيث أثبتت الوقائع، أن نفوذ الهيئة هو نفوذ للنظام.

المخططات التركية بإقامة «إقليم الشمال السوري» لن يكتب لها النجاح، لأسباب كثيرة، منها أن الفصائل والمؤسسات السورية التابعة لتركيا فشلت فشلاً ذريعاً فيما يسمى بـ«المحرر». ويضاف إليها تردي الأوضاع الاقتصادية التركية، ورفض أمريكا والسوريين لتلك المخططات.

—————————-

مقايضة روسية تركية في سوريا.. تل رفعت ومنبج مقابل جبل الزاوية؟/ عاصم الزعبي

السياسة والمصالح هي من تغير مجريات الأمور الميدانية على الأرض السورية، فمن الواضح أن العملية التركية التي ينادي بها الرئيس التركي أردوغان في الآونة الأخيرة في طريقها للبدء في أي وقت حسب المعطيات والتحركات على الأرض، بالإضافة لمواقف الأطراف الفاعلة على الأرض السورية لاسيما الروس الذين يواجهون ضغوطا قد تدفعهم للقبول أكثر بمقايضة مع تركيا، يكون مضمونها القبول بعملية عسكرية في الشمال السوري في غربي الفرات تحديدا، بمقابل الاستحواذ على مناطق جديدة في ريف إدلب الجنوبي وبالتحديد في منطقة جبل الزاوية.

في ضوء الحديث عن قرب حدوث عملية عسكرية تركية في غرب الفرات تشمل مناطق منبج وتل رفعت ومدن أخرى مثل منغ ودير جمال، فإن احتمالية التحرك العسكري هناك ضمن توافق روسي تركي يقضي بتبادل نفوذ في مناطق الشمال السوري، بحيث تسيطر تركيا على تل رفعت ومنبج مقابل استحواذ الروس على جبل الزاوية.

العملية القديمة الجديدة

بحسب الخبير العسكري العقيد مصطفى الفرحات، خلال حديثه لـ”الحل نت”، فإن هذه العملية يتحدث عنها الأتراك منذ العام 2013، في الوقت الذي تعلن فيه الأطراف الفاعلة منذ ذلك الوقت عن رفضها، لكن الأمر الجديد هو الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي دخل على خط الأزمة السورية، في كل تفاصيلها وجزئياتها، ومن بينها “المنطقة الآمنة” التركية التي تطالب بها أنقرة.

نتيجة لهذا الغزو، بات الموقف الروسي أقرب إلى الليونة مع الجانب التركي بخصوص مطالب أنقرة في سوريا، ولكن إلى أي مدى سيكون عمق تلك العملية العسكرية، وكيف ستكون آلية تنفيذ هذه المقايضة إذا ما رسم ملامحها اجتماع وزراء خارجية الطرفين (لافروف وجاويش أوغلو) نهاية الأسبوع الحالي.

التوافق على العملية

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن التوافق التركي الروسي لن يكون فيه تبادل مناطق نفوذ، بل سيكون فيه توسيع لمناطق نفوذ تركيا، أما روسيا حاليا فهي غير معنية بتوسيع مناطق نفوذها في سوريا، وذلك بالنظر لانسحاباتها من عدة مناطق كانت تتواجد فيها ودخول الميليشيات الإيرانية بدلا عنها.

ويضيف الجاسر، أن روسيا تهتم بتثبيت نفوذها حاليا في الساحل السوري، وقاعدة حميميم، والمناطق التي تراها حيوية بالنسبة لها، خاصة ما تسميه سوريا المفيدة أي المياه الدافئة التي ترغب روسيا بأن تتواجد فيها.

من جهته، يرى الفرحات، أن روسيا اليوم تطلب الود التركي بشكل كبير، لأسباب تتعلق بعدم انخراط تركيا بالعقوبات الاقتصادية على روسيا، وإمكانية الاستفادة من تركيا في المجال الاقتصادي.

المصالح فوق كل شيء

روسيا تسعى من خلال تركيا لتحقيق العديد من المصالح الاقتصادية، لذلك تعتبر العملية التركية عملية تبادل مصالح، فروسيا تنظر إلى إعادة فتح المضائق أمام السفن الروسية المتجهة من وإلى البحر الأسود، بالإضافة لفتح ممرات تجارية مع تركيا، وتسهيلات من المنافذ البحرية التركية، وبهذا قد لا يهمها السيطرة على الأرض.

ويعتبر صدام الجاسر، أن روسيا تفضل مصالحها الاقتصادية مع تركيا، فهي تبحث عن منافع اقتصادية مع تركيا وغيرها، ومن ذلك زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دول الخليج قبل أيام، والتي كانت للطلب من دول الخليج عدم زيادة الإنتاج النفطي من خلال منظمة “أوبك”، فتخفيض الإنتاج سيجعل أسعار النفط ترتفع وسيكون هناك ضغط دولي كبير للتعامل مع روسيا في استيراد نفطها وبالتالي الحد من قيود العقوبات المفروضة عليها.

احتمالات المقايضة

القوات الحكومية السورية قامت بالتصعيد عسكريا ضد جبل الزاوية في ريف إدلب خلال الأيام الأخيرة بقصف المنطقة بعدد كبير من القذائف، وهذا ما يدفع للتساؤل حول إمكانية إجراء مقايضة روسية تركية، تقضي بسيطرة تركيا على مناطق تل رفعت ومنبج ومنغ، مقابل سيطرة روسية على جبل الزاوية.

وحول ذلك، يرى مصطفى فرحات أنه قد لن يكون من مصلحة تركيا إجراء أي مقايضة فيما يخص جبل الزاوية، خاصة في ظل وضع دولي يخدم المطالب التركية، ففي الوقت الحالي، لا يريد الطرفان الروسي والغربي خسارة تركيا، وبالتالي يرغبون بتثبيت الوضع القائم وهو الأقرب للاستمرار، باستثناء إمكانية تقدم تركيا نحو تل رفعت ومنبج ومنغ ليس أكثر من ذلك.

أما الجاسر، فيرى أن تصعيد القوات الحكومية على جبل الزاوية فهو يمكن وضعه في الخانة الإيرانية، فدمشق وطهران تسعيان لتعطيل أي اتفاق روسي تركي حاليا، لأن دمشق ستكون الخاسر منه، وهذا التصعيد المدفوع إيرانيا يستهدف الضغط على روسيا المسيطرة على تل رفعت ومنبج.

ويوضح الجاسر، أن الأتراك يدركون الموقف الروسي غير المعني بالسيطرة على الأرض، لذلك يسعون للاستفادة بأقصى ما يمكنهم من ناحية زيادة نفوذهم في سوريا.

من الواضح أن تركيا تحاول استغلال الظروف الدولية الحالية، لتحقيق مصالحها، بينما تبقى سوريا الخاسر الوحيد في ظل تبعية حكومة دمشق للروس تارة وللإيرانيين تارة أخرى، لتكون الأرض السورية مشاع لمصلحة دول وأطراف إقليمية.

—————————–

لقاء روسي تركي حاسم بشأن سوريا.. ما التوقعات؟/ رامز الحمصي

بعد أن أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال الأسبوع الفائت، عزمه على بدء عملية عسكرية في سوريا، ورصد “الحل نت” بعض المؤشرات التي تفيد بقربها، تتطلع الأنظار إلى اللقاء الروسي – التركي المزمع عقده يوم غدا الأربعاء، في أنقرة، إذ من المتوقع أن يبحث الاجتماع العديد من الملفات من بينها الملف السوري، وما يتعلق بالمصالح المشتركة بين الطرفين.

اللقاء الروسي – التركي، الذي يشوبه العديد من التكهنات، ربما يحسم إمكانية حدوث العملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري، إذا ما عملت أنقرة على فرض قبول “المنطقة الآمنة” التركية على روسيا، والتي بدورها ربما توافق ولو ضمنيا على المشروع التركي مقابل مصالحها المتعلقة بحرية حركة الطيران الروسي من وإلى سوريا عبر الأجواء التركية، وكذلك دفع أنقرة لمنحها حرية التحرك في المضائق التركية، بعد أن فعّلت تركيا مؤخرا اتفاقية “مونترو” ومنعت أي نشاط للسفن الروسية المستخدمة في غزو أوكرانيا، وعليه يبقى السؤال المتداول في الشارع السوري، فما الذي ستكشفه الساعات المقبلة؟

دستور “الناتو” خط أحمر؟

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وعدد من قادة الجيش الروسي، سيزورون غدا العاصمة التركية أنقرة، من أجل إجراء مناقشات تشمل عددا من الملفات، بينها سوريا، حيث قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية “الكرملين”، ديمتري بيسكوف، الاثنين الفائت، إنه لا يستبعد أن يناقش لافروف العملية العسكرية التركية المحتملة في سوريا، فيما أشار نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى أن “اللقاء سيتناول مواضيع عسكرية”.

المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، استبعد أن تمنح تركيا الحرية المطلقة للسفن الحربية الروسية، لاستخدامها في الغزو الروسي على أوكرانيا، بسبب التفاهمات بين الدول الأوروبية وأنقرة، في حين أن روسيا برأي بريجع لن تضغط على تركيا بهذا الخصوص، “لأنها لا تريد خسارتها”.

وأوضح بريجع، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن التفاهمات بين الرئيس التركي أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، مختلفة سواء في أوكرانيا أو بما يخص سوريا، حيث لا تؤيد تركيا الغزو الروسي على أوكرانيا، في حين أنها تدعم كييف بالسلاح، وفي سوريا ترى موسكو أن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لا تمثل خطرا على المصالح الروسية أو على مصالح دمشق، كما تتحدث تركيا.

وعلى العكس، ترى موسكو أن وجود المجموعات العسكرية التابعة للمعارضة السورية التي تدعمها أنقرة في “المنطقة الآمنة” التي تروج لها تركيا، خطرا على المصالح الروسية وقواعدها في سوريا، لذلك وبحسب بريجع، ربما يخلص الاجتماع إلى تفاهم بتعهد أنقرة إيقاف أي هجوم من قبل هذه المجموعات – الجيش الوطني المعارض- على المصالح الروسية والسورية.

مساومة تركية – روسية

قد يكون للفشل العسكري الروسي الحالي في أوكرانيا تأثيرا خطيرا على موقف موسكو في سوريا، وبحسب المحلل العسكري، وضابط الارتباط السابق مع القوات الروسية في جنوب سوريا، العقيد عبد الله حلاوة، فإنه من المتوقع أن يؤثر قرار تركيا بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية على قدرة موسكو في وقف العملية التركية، ولكن من غير المرجح أن تعرض هذه الخطوة العلاقات بين موسكو وأنقرة للخطر.

وأوضح حلاوة، أنه بعد أن منعت تركيا ممر البحر الأسود للسفن البحرية الروسية في 28 شباط/فبراير الفائت، لم تتخذ روسيا أي إجراء انتقامي، لذلك ليس من المستغرب أن يكون “الكرملين” وضع حدود العملية العسكرية التركية لأنقرة كرد إذا ما حدثت تفاهمات جوهرية في اللقاء القادم.

واستنتاج حلاوة، نابع مما قالته ماريا زاخاروفا، الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، سابقا إن “موسكو تتفهم قرار أنقرة إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا”.

وأكد حلاوة، أنه من المفترض أن تسعى تركيا للاستفادة من الموقف الجيوسياسي غير المواتي لموسكو وتأمين بعض مصالحها في سوريا، مبينا أن أنقرة ستناقش في الاجتماع تمديد حدود عملياتها العسكرية لتصل إلى منبج وعين عيسى، وبالأخص إلى حدود القواعد الروسية هناك، بالإضافة إلى أنها ستمنع أي تحرك روسي – سوري نحو جبل الزاوية في إدلب.

رفض روسي للعملية التركية

لم يتعد رفض موسكو للعملية العسكرية التركية على شمال سوريا، سوى على المستوى الإعلامي، فحسب ما رصده “الحل نت” لم تتخذ القوات الروسية أي إجراءات عسكرية حول المناطق التي ستشن أنقرة عمليتها العسكرية عليها.

سابقا، حثت روسيا تركيا على عدم شن هجوم في شمال سوريا، بعد أن جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التهديدات بشن حملة عسكرية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في بيان الخميس الفائت، “نأمل أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير في الوضع الصعب بالفعل في سوريا”.

وأضافت، أن “مثل هذه الخطوة، في غياب اتفاق الحكومة الشرعية للجمهورية العربية السورية، ستكون انتهاكا مباشرا لسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية”، وستؤدي إلى “تصعيد إضافي للتوترات في سوريا”.

وقالت زاخاروفا، “نحن نتفهم مخاوف تركيا بشأن التهديدات للأمن القومي المنبثقة من المناطق الحدودية” مع سوريا، لكنها أشارت إلى أن المشكلة لا يمكن حلها إلا إذا تم نشر القوات السورية في المنطقة.

——————————

سوريا التي وقعت وتتكاثر سكاكينها/ موفق نيربية

هذا مثل» قومي عربي» ضارب في أرض العروبة من أدناها إلى أقصاها، مع أنه يتلوّن قليلاً بين بلدٍ وآخر وبيئة وأخرى. هو في البوادي المشرقية» الجمل إذا طاح» أو» اليَمَل» أحياناً؛ والبقرة في الحواضر والأرياف، وقد تغدو ثوراً أيضاً. كلّها تتحدّث عن» عزيز قومٍ ذَلّ»، وعن نذالة فطرية تحثّ القوم على شحذ سكاكينهم حين يقع ويتعثّر أحدهم، لينهشوا في لحمه.

سوريا لم تكن» عزيزَ قومٍ» في عام 2011، بل كانت تتعثّر باستمرار منذ حكمها حزب البعث عام 1963، واستبدّ بها آل الأسد منذ 1970. وبمستوى ذلك التعثّر السابق، كانت الناس تنهش في لحم البلاد ودهنها. لكنّ مستوى ذلك النهش وحجم وصوت السكاكين وهي تُشحذ وتُجهز عليها ازداد بشكل لوغاريتمي منذ عام 2011، عام الثورة السورية، حين استفحل الأمر وأصبح استمراره مستحيلاً، مهما كانت العواقب.

بالطبع لا يُمكن إعذار أهل السكاكين، مهما رأى البعض أنهم معذورون في كون من سبقهم برمي الجمل أرضاً وتعثيره هو المؤتمن عليه رسمياً. حسب الشرائع الدولية أو القانون الدولي: هو من يمسك بالبقرة ويحلبها، ثمّ يقوم بكلّ ما من شأنه إيقاعها أرضاً، منفتحة على سكاكين الأرض. يصف صندوق السلام الدولة الفاشلة بأنها الدولة التي تصل إلى الخصائص التالية: فقدان السيطرة على أراضيها، أو احتكارها الاستخدام المشروع للعنف، إضافةَ إلى تآكل القدرة الشرعية في اتخاذ القرارات العامة، كذلك العجز عن تقديم الخدمات العامة، ويعتمد تصنيف الدول الفاشلة أو الهشة على درجة» التماسك» التي يُعبّر عنها بحالة الأمن والنخب المختلفة وحجم تذمّر الجماعات البشرية؛ وعلى الحالة الاقتصادية من تدهور وتطور غير متكافئ ونزوح بشري أو نزيف الكفاءات؛ وعلى الحالة السياسية من حيث درجة شرعية الحكم والخدمات العامة وأوضاع حقوق الإنسان وسيادة القانون؛ وعلى الحالة الاجتماعية من حيث الضغوط الديموغرافية وحجم لجوء ونزوح السكان، وأخيراً مقدار الدور والتدخّل الخارجي في الدولة المعنيّة.

في مؤشّر 2021 لهشاشة دول العالم، حلّت سوريا في المركز الثالث اعتباراً من آخر قائمة من 179 دولة. كان قبلها اليمن والصومال، وبعدها جنوب السودان فالكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وتشاد.

ربّما يبرّر هذا أو يفسّر ما فعلته قوى عديدة حين نفضت يدها من هذه البلاد، لكنه لا يكفي لمنع تأثيرات الحالة السورية في الأمن الإقليمي والدولي، مع كلّ الإعراض الذي نراه عن سلوك درب المتطلبّات المتوازنة والاستراتيجية، من أطراف ترتبط مباشرة بالحالة تلك وما وصلت إليه. بعض تلك القوى ينطلق غالباً من اعتبارات انتخابية محضة، وبعضها من أخرى «جيوستراتيجية» ترى في سوريا والشرق الأوسط كله ورقة فات زمانها، وانزاحت أهميتها إلى أماكن أخرى من «المعمورة». آخرون ربّما من الاعتبارين معاً، أو من مسائل عابرة. كلّ الخبرة الدوليّة تركّز على مقولة مشتركة، إنّ السياسة الخارجية في ذيل اهتمام الناخبين، وأمور المعيشة والاقتصاد في مقدمّته، وبين الحدّين هناك الأمان وراحة البال. ولكنّ هذا ليس مطلقاً، فقد حدثت شروط مختلفة في التاريخ المعاصر، أيامَ حرب فيتنام ثمّ حرب العراق، على سبيل المثال. يتعلّق الأمر بدرجة التفاعل الاجتماعي مع الحدث عينه، لكنّ تلك النظرة تتحرّك مؤخّراً، ليس لاهتمام مباشر بالسياسة الخارجية، بل لتأثير ذلك في السياسات الداخلية. لمسائل الهجرة وموجات اللاجئين أثر في ذلك التحوّل، وللوباء- أو الأوبئة- وقضايا البيئة التي أخذت تزداد فعلاً وأثراً.

حرب روسيا على أوكرانيا، في قلب أوروبا، تؤثّر مباشرة في التوقّعات والسياسات الانتخابية، من خلال عامل الاستقرار والأمن والخوف، وكذلك من الانعكاسات الدرامية وغير المحسوبة بدقة على استراتيجيا الطاقة، وعلى الاقتصاد عموماً. بالطبع أيضاً على حركة اللجوء المليونية الجديدة والطارئة، التي كانت رادارات الغرب تراقبها من الشرق فجاءت من» الغرب»، إلى الغرب.

بغضّ النظر مؤقّتاً عن انعكاسات الحرب في أوروبا على هشاشة سوريا وآفاقها، هنالك انعكاسات – كما يبدو- للانتخابات القريبة جغرافياً، وعليها أيضاً؛ ومن ذلك الانتخابات اللبنانية مؤخّراً، لكنّ الانتخابات التركية في العام المقبل تبدو منذ الآن ذات مفاعيل جذرية إلى هذا الحدّ أو ذاك، لا نستطيع إهمال دور العامل الانتخابي ذاك، في التصعيد التركي الجديد المهدّد باجتياح أجزاء جديدة من «المنطقة الآمنة» على الحدود بعمق 30 كيلومترا، ما يقارب ثلاثة أضعاف مساحة لبنان. بلغة مختلفة، يجري الحديث عن إبعاد قوات سوريا الديمقراطية تلك المسافة، وإسكان أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في ذلك الشريط، في تكرارٍ حديث للحركات الديموغرافية في تركيا وحولها، منذ قرن مضى، وقتذاك في أجواء الخروج من «سفر برلك» ونتائجها السلبية، والدخول في الحرب الوطنية بقيادة أتاتورك، التي أوقفت تمدّد مفاعيل التفتيت نحو ما أصبح تركيا المعاصرة.

في العقود الأخيرة، استحوذت المسألة الكردية على الكرد الأتراك والأتراك، وهاجرت قيادات «حزب العمال الكردستاني» مع نواة قواته الصلبة إلى جبال قنديل شمال شرق العراق، وأصبحت مواجهته هناك أصعب لأسباب متنوعة. ولكن، بغضّ النظر عن مجريات الأمور في العراق، تتقدّم المسألة السورية اهتمامات السياسة الخارجية والأمنية منذ فترة، من خلال مسألتي اللاجئين والكرد معاً، عن طريق التدخّل العسكري من جديد في أجواء انشغال العالم بما يجري في أوكرانيا، لإقامة المنطقة الآمنة المفترضة التي تتعامل مع المسألتين بضربة واحدة. أفزع ذلك كلّ السوريين، خصوصاً كردهم ونازحيهم في شمال سوريا، الشرقي والغربي. لا يريد المهجّرون من قبل النظام من مناطق شتّى في البلاد، كان تجمعها تسمية» مناطق خفض التصعيد»، وهم أكثر من مليوني نازح، أن يتمّ «توطينهم» في مُجمّعات سكنية قبيحة تقيمها الحكومة التركية. يعني لهم ذلك مباشرة انتهاءَ حلمهم بالعودة إلى مساكنهم الأصلية، بل يرون في ذلك ما يشبه النكبة، وابتدأوا حراكاً شعبياً مستنكراً ومضاداً لها. كما- بالطبع- لا يريدها الكرد، الذين تعني لهم إحياءً وتجديداً وتوسيعاً لفكرة «الحزام العربي» التي استنّها حزب البعث منذ عقود لإبعاد الكرد عن الحدود وفرط تجمعاتهم. وهي، بتصميمها المعمّم والمعلن تكاد تنهي، لو تمّ تنفيذها مستقبلهم الذي يريدونه أكثر ضماناتٍ وأقلّ هواجسَ.

إضافة إلى وعد الناخبين الأتراك بحلّ جزء رئيس من مشكلة اللاجئين التي ظهر القلق بسببها، خاصة بعد تزايد استخدامها من قبل المعارضة هناك.. فإن الحكومة التركية تعلن استهداف حزب العمال الكردستاني- المصنّف إرهابياً- في شمال شرق سوريا وفي منبج وتل رفعت. توجد على الأرض في تلك المناطق قوات سوريا الديمقراطية، التي ترى فيها تركيا جسماً مقنّعاً يخفي وراءه حزب العمال وقواه الإرهابية. كذلك يوجد التحالف الدولي ضد الإرهاب، الذي هزم إلى حد كبير قوى «داعش» – بالتعاون مع قسد- ولم يُجهز عليها؛ وقوات روسية. لم تلغِ قسد وجود النظام السوري إدارياً هناك، وإلى حدٍّ أقلّ أمنياً، وأقلّ منه عسكرياً. وهي بذلك تحاشت حروب احتلال المدن جزئياً ومنعت انهيار مؤسسات الدولة وخدماتها الرسمية، ليس بشكل ناجز وكامل.

يشكّل حزب الاتّحاد الديمقراطي النواة الصلبة سياسياً وعسكرياً لمسد وقسد، وهو بالفعل حزب نشأ على أفكار وأيديولوجيا عبدالله أوجلان مع تحديثاته وتكييفاته الخاصة، لكنّه يبتعد بالتدريج عن الصلة المباشرة بكلّ الأشكال عن حزب العمال المذكور، وما زال أمامه طريق محتّم في ذلك الاتّجاه. تؤكّد بعض الدراسات الواقعية ذلك – ما صدر عن مركز جسور في إسطنبول مثلاً- لكنّ الجماعات الأقرب إلى الصلة العضوية بجبال قنديل على الأرض تجهد للتشويش على كلّ ما يبعد مسد عن النظام السوري، وعن كلّ ما يشغلها عن بقاء أعينها وأسلحتها على حذر ومواجهة مع الأتراك، وكذلك لتعطيل أيّ محاولة للحوار الكردي- الكردي، كما حدث مؤخراً بإحراق مجموعات شبه عسكرية لمقرات المجلس الوطني الكردي. ذلك يعني توافق سياسات قنديل وأنقرة بشكل غير مباشر، وخدمة كلّ طرف لاستراتيجية الطرف الآخر، رغم العداء العضوي العميق بالأساس.

هنالك أجواء تنذر بالمزيد من التفتّت والبعد عن حلّ القضية السورية سياسياً حسب قرار مجلس الأمن رقم 2254. وهناك معارك انتخابية – بأسلحتها المستخدمة- تهدّد وجود سوريا ذاته. يلتقي ذلك مع النشاط الإيراني المحموم لملء الفراغ الروسي والتمدّد في كلّ الاتّجاهات… وهو يلتقي أيضاً – كذا- مع ما يريده ويعمل له نظام الأسد الذي أصبح مجمّعاً للعصابات لا يرتقي حتى إلى مستوى الجريمة المنظمة؟

.هي البقرة التي لم تكن» لا شِيةَ فيها»، حين عمل نظام الأسد على تأمين عثارها، فاجتمعت عليها الآن السكاكين!

كاتب سوريا

القدس العربي

——————————

سوريا: النظام يدفع بتعزيزات عسكرية لمطار تسيطر عليه قوات كردية شمالي حلب/ وائل عصام وإسماعيل جمال

وسط أنباء عن دفع «الفرقة الرابعة» التابعة للنظام السوري بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى مطار «منغ» العسكري، المحاذي لمدينة تل رفعت الوجهة الأكثر احتمالية للعملية التركية المُرتقبة في الشمال السوري، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الثلاثاء في بيان، عن استعدادها للتنسيق مع قوات النظام السوري لصد «أي غزو تركي للشمال وحماية الأراضي السورية».

ويأتي ذلك بعد استقدام «الفرقة الرابعة» تعزيزات عسكرية تضم راجمات صواريخ وسيارات دفع رباعي جميعها إلى مطار منغ العسكري بريف حلب الشمالي من ريف دمشق. ويكتسي مطار «منغ» الخاضع حالياً لسيطرة «قسد»، أهمية خاصة للنظام السوري والميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، لكونه يقع بالقرب من الحدود التركية، وعلى مقربة من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين.

وتسعى تركيا للتوصل إلى تفاهمات سياسية وعسكرية قبيل إطلاق العملية العسكرية التي هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أسابيع بتنفيذها شمالي سوريا، وقال إنها قد تشمل في مرحلتها الأولى منطقتي تل رفعت ومنبج، وهي مناطق لدى روسيا نفوذ كبير فيها.

وفي حال عدم التوصل إلى تفاهمات واضحة بين موسكو وأنقرة، يمكن أن تتوسع المعارك على غرار ما جرى في إدلب قبل نحو عامين، حيث اشتبكت قوات النظام السوري مع الجيش التركي وتلقت قوات النظام دعماً لوجستياً واسعاً من القوات الروسية التي زودتها بطائرات وأنظمة دفاعية متطورة استخدمتها ضد الجيش التركي.

واليوم، يصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تركيا على رأس وفد عسكري رفيع لبحث التطورات في أوكرانيا وسوريا، حيث تسعى تركيا للتوصل إلى توافق مع روسيا حول العملية العسكرية المقبلة أو بالحد الأدنى فتح المجال الجوي في تلك المناطق أمام الطائرات التركية، وبالتالي تحييد الدفاعات الجوية الروسية، وهي خطوة لا بد منها قبيل تحديد موعد إطلاق العملية العسكرية التركية.

ويبدو أن التحركات العسكرية من جانب قوات النظام السوري المتزامنة مع إعلان «قسد» المتكرر تنسيقها مع دمشق ضد العملية التركية، تؤشر إلى تفاهمات أوشكت على النضوج بين حكومة الأسد و»قسد» ، تتمحور حول عودة قوات النظام السوري الى مراكز المدن والحدود مع تركيا شمالي سوريا، مقابل منح القوى الكردية ضمانات بحقوق ذاتية وصلاحيات إدارية في الحكم المحلي في المناطق ذات الأغلبية الكردية.

ويقول الصحافي الكردي شيرزان علو، إن تصريحات «قسد» هذه ليست الأولى، موضحاً لـ»القدس العربي» أن الأخيرة أكدت في أكثر من مناسبة استعدادها للتنسيق مع النظام ضد أي هجوم تركي.

وأشار علو إلى التنسيق الذي جرى بين «قسد» والنظام في عام 2019، عندما شنت تركيا عملية «نبع السلام»، حيث سمحت «قسد» للنظام بنشر قواته عند الحدود السورية التركية التي تقع تحت سيطرتها.

وأثبتت العمليات العسكرية التي خاضها الجيش التركي في السنوات الأخيرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أن المسيّرات القتالية التي طورتها مؤخراً الصناعات الدفاعية التركية باتت تلعب دوراً مدمراً وحاسماً في المعارك العسكرية، كما أنها قللت الاعتماد على الطائرات الحربية التقليدية المأهولة التي تواجه دائماً خطر الإسقاط وبالتالي سقوط قتلى أو أسرى من الطيارين في أرض المعركة.

القدس العربي

————————

عملية متوقعة شمالي سوريا.. المسيرات التركية سلاح مُدمر وحاسم لكن لا بد من تحييد الدفاعات الروسية/ إسماعيل جمال 

أثبتت العمليات العسكرية التي خاضها الجيش التركي في السنوات الأخيرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أن المسيرات القتالية التي طورتها مؤخراً الصناعات الدفاعية التركية باتت تلعب دوراً مدمراً وحاسماً في المعارك العسكرية، كما أنها قللت الاعتماد على الطائرات الحربية التقليدية المأهولة التي تواجه دائماً خطر الإسقاط وبالتالي سقوط قتلى أو أسرى من الطيارين في أرض المعركة.

هذا التحول الاستراتيجي انعكس بدرجة أساسية على قدرة الجيش التركي على المناورة العسكرية واتخاذ قرارات تتعلق بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة في مناطق خطيرة تواجه فيها الطائرات الحربية التقليدية صعوبة ومخاطرة أكبر في تنفيذ مهامها وهو ما ينطبق على العمليات العسكرية في شمالي سوريا الذي تتداخل فيه مناطق النفوذ التركي والروسي والأمريكي بالإضافة إلى النظام السوري والمليشيات الداعمة له والوحدات الكردية المنتشرة هناك بطبيعة الحال.

وطورت تركيا في السنوات الأخيرة مجموعة من الطائرات المسيرة القتالية أبرزها طائرات “بيرقدار” والنسخة الأحدث والأكثر تطوراً “أقنجي” إلى جانب طائرات “عنقاء” و”أق سونغور” وجميعها مسيرات قتالية قادرة على الطيران على ارتفاعات عالية وحمل صواريخ بأحجام وأوزان مختلفة واستهداف معظم الأهداف الثابتة والمتحركة في أرض المعركة.

وفي المعارك السابقة في سوريا “درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام، درع الربيع” استخدم الجيش التركي هذه الطائرات بكثافة في استهداف مئات الدبابات والعربات العسكرية المختلفة والأنظمة الدفاعية والمدافع والأنفاق والبنايات وتجمعات المسلحين وغيرها الكثير من الأهداف ومنحت الجيش التركي تفوقاً غير مسبوق في أرض المعركة.

إلا أنه وعلى الرغم من التطور الكبير جداً الذي حققه الجيش التركي في هذا المجال، إلا أن العمليات العسكرية لا يمكنها الاستغناء تماماً عن مشاركة الطائرات الحربية التقليدية خاصة من طراز إف 16 التي تستخدم في استهداف المباني الكبيرة والأنفاق العميقة عبر قنابل بأوزان كبيرة لا تستطيع المسيرات حملها، وهو ما يفرض على الجيش التركي إقحام هذه الطائرات بالمعركة وبالتالي حمايتها من أي تهديد قد يعترضها في أرض المعركة.

ويتمثل الخطر الأكبر على الطائرات الحربية التركية بشمالي سوريا في الأنظمة الدفاعية الروسية المتطورة سواء كانت منظومة إس 400 الدفاعية التي يتحكم بها الجيش الروسي بشكل مباشر، أو أنظمة إس 300 التي يتحكم بها النظام السوري إلى جانب أنظمة بانتسير وغيرها، وأنظمة باتريوت في مناطق النفوذ الأمريكي شمال شرقي سوريا، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف التي قد تمتلكها الوحدات الكردية والمليشيات الإيرانية وهي أقل تهديداً من الأنظمة الدفاعية النظامية.

وفي هذا الإطار، تسعى تركيا للتوصل إلى تفاهمات سياسية وعسكرية قبيل إطلاق العملية العسكرية التي هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أسابيع بتنفيذها شمالي سوريا، وقال إنها قد تشمل في مرحلتها الأولى منطقتي تل رفعت ومنبج وهي مناطق لدى روسيا نفوذ كبير فيها.

وفي حال عدم التوصل إلى تفاهمات واضحة بين موسكو وأنقرة، يمكن أن تتوسع المعارك على غرار ما جرى في إدلب قبل نحو عامين حيث اشتبكت قوات النظام السوري مع الجيش التركي وتلقت قوات النظام دعماً لوجستياً واسعاً من القوات الروسية التي زودتها بطائرات وأنظمة دفاعية متطورة استخدمتها ضد الجيش التركي.

وفي هذا الإطار، جرى اتصال هاتفي بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل نحو أسبوع تطرق إلى بحث العملية العسكرية التركية المتوقعة، كما جرت اتصالات عسكرية على مستويات مختلفة بين البلدين، كان آخرها، الثلاثاء، بين وزيري دفاع البلدين حيث جرى بحث العملية العسكرية التركية المتوقعة.

والأربعاء، يصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تركيا على رأس وفد عسكري رفيع لبحث التطورات في أوكرانيا وسوريا، حيث تسعى تركيا للتوصل إلى توافق مع روسيا حول العملية العسكرية المقبلة أو بالحد الأدنى فتح المجال الجوي في تلك المناطق أمام الطائرات التركية وبالتالي تحييد الدفاعات الجوية الروسية وهي خطوة لا بد منها قبيل تحديد موعد إطلاق العملية العسكرية التركية.

وبينما يؤكد خبراء عسكريون على أن مشاركة الطائرات الحربية التقليدية عامل حاسم ومهم في العملية العسكرية، يرى خبراء عسكريون أتراك أنه في حال تعذر ذلك يمكن للمسيرات التركية المتقدمة وخاصة من طراز بيرقدار وأقنجي القيام بالإسناد الجوي الكافي للقوات البرية إلى جانب تحييد الأنظمة الدفاعية القريبة وفتح المجال أمام المهام الحساسة للمقالات التقليدية وهو تكتيك عسكري استخدم سابقاً في إدلب.

——————–

العملية التركية في سوريا..تبدأ هذا الأسبوع

قالت صحيفة “حرييت” التركية في تقرير الأربعاء، إن العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ستبدأ خلال هذا الأسبوع في بلدتي منبج وتل رفعت شمالي سوريا.

ونقلت الصحيفة عن مراسلين زاروا منطقة العمليات التي يفترض أن تشكل مسرحاً للعملية التركية، أن “النشاط العسكري ازداد بشكل ملحوظ في المنطقة”، موضحة أن “وحدات تركية عسكرية انتشرت على الخطوط الامامية في مدينتي منبج وتل رفعت بانتظار أوامر البدء بالعملية”، متوقعة أن يصدر قرار التنفيذ “خلال هذا الأسبوع”.

وكان الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان أكد أن بلاده تستعد لشنّ عملية عسكرية على حدودها الجنوبية مع سوريا، بهدف طرد المنظمات “الإرهابية” التي تشكل خطراً على الأمن القومي التركي على حدودها الجنوبية، مضيفاً أن العملية تأتي أيضاً في سياق استكمال إنشاء المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

ووفقاً للصحيفة فإن الطائرات التركية أغارت على مواقع حزب “العمال” الكردستاني في مدينتي منبج وتل رفعت شمالي حلب، مشيرة أن الهدف هو “تطهير” المنطقتين من الإرهاب”، وإعادة أكثر من نصف مليون سوري إلى مناطقهم.

وفي وقت سابق، أكد أردوغان أن العملية التركية ستستهدف بشكل أساسي منطقتي منبج وتل رفعت، بهدف “تطهيرهما” من وجود التنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي.

ويأتي حديث الصحيفة عن موعد العملية بالتزامن مع زيارة يجريها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى أنقرة تمتد ليومين، لبحث قضايا دولية وإقليمية، بحسب وكالة “الأناضول” التركية. ويرافق لافروف وفد عسكري، الأمر الذي اعتبره محللون عسكريون لوضع الخطوط العريضة للعملية التركية.

والثلاثاء، أبلغ وزير الدفاع التركي خلوصي آكار نظيره الروسي سيرغي شويغو خلال اتصال هاتفي، أن بلاده “سترد على جميع التحركات التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار المنطقة”.

وقال وزارة الدفاع التركية في بيان، إن آكار أبلغ شويغو بأن “الأعمال التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار الذي تحقق في المنطقة ستلقى الرد المناسب، معبراً عن رفضه لوجود “الإرهابيين” على حدود بلاده، واصفاً الأمر ب”غير المقبول”. وأضاف البيان أن آكار “ذكّر نظيره الروسي بضرورة الالتزام بالاتفاقات السابقة المبرمة بين الجانبين”.

————————–

===================

لافروف إلى أنقرة..لتحديد شروط العملية التركية في سوريا

وعلى الرغم من تحديد تشاووش أوغلو للعنوان الرئيسي لزيارة نظيره الروسي، وهي قضايا متعلقة بالحرب الأوكرانية، إلا أن مرافقة وفد عسكري للوزير الروسي تزامناً مع نيّة أنقرة شنّ عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يشي بأن تكون العملية أبرز الملفات المطروحة للتوافق بين الجانبين، والتي ستكون وجهتها بشكل رئيس مدينتي منبج وتل رفعت.

وفتحت التحركات العسكرية الروسية التي فُسرت بسبب محللين سياسيين وعسكريين بأنها رفض روسي ضمني للعملية، الباب نحو التفاهمات التي سيتوصل إليها الجانبان للبدء بها على الأرض، وخصوصاً أن مدينتي منبج وتل رفعت تخضعان للنفوذ والمسؤولية المباشرة من روسيا.

الملف السوري حاضراً

ورأى الباحث المتخصص في السياسة الروسية سامر إلياس أنه على الرغم من كون الزيارة مكرسة أساساً لبحث قضايا متعلقة بالحرب الأوكرانية، وخصوصاً مسألة تصدير القمح، إلا أن مرافقة الوفد العسكري سيكون لمناقشة القضية السورية في ما يتعلق بالعملية العسكرية التركية، معتبراً أن الملف سيكون جزءاً أساسياً من المباحثات.

وقال إلياس ل “المدن”، إن ” تركيا مهتمة بالحصول على الضوء الأخضر الروسي للبدء بالمعركة على غرار العمليات السابقة”، معتبراً أن أنقرة تملك “فائضاً من القوة بسبب الموقع الجيوستراتيجي وتأثير ذلك كان مباشراً على الحرب الأوكرانية، عدا عن امتلاكها لمفاتيح الدخول إلى البحر الأسود، مشيراً إلى أن هنالك تنافساً بين موسكو وواشنطن على كسب ود أنقرة.

هل ستمنح روسيا الموافقة؟

وأضاف إلياس أن “التفاهمات التي ستنتج عن الزيارة مفتوحة على أكثر من احتمال، إلا أن الجانب الروسي مهتم بمنح ذلك الضوء الأخضر كي لا يبدو ضعيفاً أمام تركيا، التي على ما يبدو حسمت خيارها بالبدء بالعملية، فضلاً عن المكاسب التي قد تحققها موسكو من استمرار أنقرة بالتلويح بالعملية الشاملة، أو جعلها محدودة فقط بمدينتي منبج وتل رفعت”.

واعتبر أن موسكو تمتلك عناصر القوة التي تمكنها من منع العملية التركية، إلا أن العقوبات المفروضة على موسكو والتي ترى أن السماح بتصدير القمح الأوكراني نقطة البداية لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، والذي ستكون تركيا لاعباً أساسياً فيه، سيجعل روسيا مجبرة على الذهاب باتجاه منح الموافقة على العملية وتعقيلها قدر المستطاع لتكون محدودة.

من جانبه، أكد الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش ما ذهب إليه إلياس بمنح الموافقة على العملية خلال الاجتماع المرتقب، موضحاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يميل في الوقت الراهن إلى منح أردوغان ما يحتاجه في سوريا لرغبته في عدم استفزاز تركيا، ودفعها إلى تبني موقف مناهض لها في الصراع بينها وبين الغرب.

وقال علوش ل “المدن”، إن “لدى الروس هواجس من محاولة تركيا السيطرة على المزيد من المناطق، لكنّهم يسعون إلى الموازنة بين هذا المبدأ وبين منح تركيا ما تحتاجه من شراكتها مع روسيا في سوريا في 2019″، مشيراً إلى إمكانية التوصل لاتفاق بين الطرفين يقضي بتحرك عسكري تركي محدود.

تركيا لن تقبل بنشر قوات النظام

وترددت أنباء عن نيّة روسية التقدم بمقترح لنشر قوات تابعة للنظام بالمناطق التي تسيطر عليها “قسد”، الأمر الذي اعتبره إلياس غير وارد بسبب الاعتبارات الانتخابية القادمة في تركيا، والذي سيرفضه الرئيس رجب طيب أردوغان بطبيعة الحال، مشيراً إلى أن بقاء أردوغان وحزبه في الحكم مصلحة وضرورة قصوى لدى روسيا ورئيسها، وبالتالي عدم الممانعة بشكل كبير لرفض تركي على هذا المقترح.

واعتبر أن نشر قوات النظام في هذه المناطق سيعتبر بمثابة القضاء على الحلم التركي ببناء منطقة آمنة على حدودها، عملت على تحقيقه على مدى 10 سنوات من عمر الحرب السورية، متوقعاً الرفض المباشر لهذا الموضوع.

أما علوش، فاعتبر أن عدم وفاء روسيا بالتزاماتها السابقة المتمثلة بإخراج الوحدات الكردية من تل رفعت ومنبج، كافية لرفض أنقرة لمقترح من هذا النوع، فضلاً عن تهديد عودة قوات النظام إلى هذه المناطق لمشروع المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لإنشائها.

وأوضح أنه من حيث المبدأ، لا تعارض تركيا عودة سيطرة النظام على هذه المناطق إذا ما أخرجت الوحدات الكردية منها، ثم استدرك بقوله: “لكنّ هذا الأمر سيفتح النقاش أمام إمكانية عودة النظام إلى المناطق الخاضعة للإدارة التركية، وهذا مرهون بتسوية سياسية شاملة للصراع. في الوقت الحالي”، مبيناً أن أنقرة تفضل السيطرة العسكرية على هذه المناطق.

تنازلات تركية

وأضاف علوش أن موسكو “ستسعى بالمقابل إلى انتزاع بعض التنازلات من تركيا خلال اللقاء المرتقب”، موضحاً أنها ستكون على صعيد القيود التي فرضتها أنقرة مؤخراً على حركة وصول روسيا إلى سوريا إن كان عبر الأجواء أو عبر المضائق البحرية، كما يُمكن لموسكو أن تطلب بعض التنازلات كتلك المتعلقة بالمناطق المحيطة بالطريق الدولي “إم-4”.

المدن

——————————

العملية التركية تقرّب بين النظام و”قسد”: موسم للابتزاز/ أمين العاصي

يدفع الوعيد التركي بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، للتقارب مع النظام السوري، الذي يبدو أنه يستغل مخاوفها من أجل الحصول على مكاسب في شرق الفرات، وهو ما ترفضه هذه القوات حتى اللحظة، ولكن ربما تضطر لتقديم تنازلات لدرء خطر وجودي يتهددها.

التقارب بين النظام و”قسد”

وفي خطوة متوقعة، دعا قائد “قسد” مظلوم عبدي، في تصريحات صحافية، أول من أمس الأحد، النظام السوري إلى “استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات التركية”، مؤكداً في تصريح لوكالة “رويترز”، أن قواته “منفتحة” على العمل مع قوات النظام للتصدي لتركيا، غير أنه استدرك قائلاً: “ليست هناك حاجة لإرسال قوات إضافية”.

وأشار عبدي إلى أن “الأولوية هي الدفاع عن الأراضي السورية”، مضيفاً: “لا أحد يجب أن يفكر باستغلال الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض”.

وأبدى أمله في أن يؤدي اجتماع وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف وتركيا مولود جاووش أوغلو، غداً الأربعاء، إلى خفض التصعيد، ولكنه شدّد على أن أي تسوية يتم التفاوض عليها يجب أن تشمل وقف هجمات الطائرات المُسيرة التركية في شمال سورية.

ولكن يبدو أن النظام يعتبر التهديد التركي لقوات “قسد” فرصة للحصول على مكاسب منها. ووصفت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، عبدي بـ”متزعم مليشيات قوات سورية الديمقراطية”، مشيرة إلى أن “العبارات التي استخدمها دلت على مواصلة قسد رفضها تسليم المناطق التي تسيطر عليها للجيش العربي السوري، للدفاع عنها ضد أي عدوان تركي”.

وادّعت الصحيفة أن رفض قوات “قسد” تسليم منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي لقوات النظام، أدى إلى سيطرة الجيش التركي عليها في مارس/ آذار 2018.

وكانت “قسد” قد سمحت، وفق مذكرة تفاهم عسكرية، لقوات النظام السوري بإنشاء مخافر على طول الحدود السورية التركية في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، نتيجة العملية العسكرية التركية في شرق الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

كما سمحت للنظام السوري والجانب الروسي باستغلال جانب من مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي، لتجميع قوات ونقلها إلى قاعدة عسكرية في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.

وليس من المتوقع أن تقدم قوات “قسد” أي تنازلات للنظام على الأرض، في حال اقتصرت العملية العسكرية التركية على منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.

ولكن أي توغل تركي واسع في شرق الفرات ربما يجبر “قسد” على إبرام اتفاق جديد مع الروس يعطي قوات النظام مكاسب واسعة، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن النظام سيكون المستفيد الأكبر من أي عملية عسكرية مقبلة.

ولا يملك النظام قوات يمكنها الدفاع عن المنطقة، ولكن عودته إليها يمكن أن تبدد مخاوف تركيا من فرض إقليم انفصالي ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية.

وأشار سيهانوك ديبو، عضو المجلس الرئاسي في “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “مذكرة التفاهم بين الجيش السوري وقسد صمدت طيلة هذه السنوات”.

وأبدى اعتقاده بـ”أن حواراً حقيقياً وبناءً بين دمشق من جهة ومسد والإدارة الذاتية من جهة أخرى مع أطراف سوريّة أخرى سينتهي إلى وضع بداية الحل وإنهاء هذه الأزمة ويحقق سورية دولة لامركزية ديمقراطية، لتكون الإدارة الذاتية جزءاً من النظام الإداري السوري العام”.

النظام يرفض التنازل عن شرق الفرات

وسبق أن عُقدت عدة جولات حوار بين “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية التابعة لقوات “قسد”، والنظام السوري في العاصمة دمشق، إلا أنها فشلت في التوصل للحد الأدنى من التفاهمات حول مستقبل منطقة شرقي نهر الفرات.

ويرفض النظام بالمطلق الاعتراف بأي وضع قانوني أو دستوري لـ”الإدارة الذاتية” وقوات “قسد” التي تطالب بأن تكون جزءاً من المنظومتين الأمنية والعسكرية للنظام، وأن تبقى شرقي الفرات تحت سيطرتها، على أن يجري التفاهم حول تقاسم الثروات النفطية والزراعية.

وتشير المعطيات إلى أن النظام يريد كل شيء من “قسد” في مقابل “حقوق ثقافية” محدودة للأكراد السوريين في أماكن تمركزهم، وهو ما ترفضه هذه القوات التي تعتمد على دعم غربي كبير، خصوصاً من فرنسا والولايات المتحدة، كونها القوة التي حاربت تنظيم “داعش” منذ تأسيسها في أواخر عام 2015.

ويعتقد الباحث السياسي المقرّب من “الإدارة الذاتية” إبراهيم مسلم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التهديدات التركية ربما تدفع باتجاه “تفاهمات” بين هذه الإدارة والنظام.

ويرى أن التنازلات ستكون من الطرفين وليس من جانب “الإدارة الذاتية” فقط، مضيفاً: سيتنازل النظام ويقبل بوجود “الإدارة الذاتية” في شرق الفرات، وبـ”قسد” كقوة محلية، كما سيبدي مرونة في ملفات أخرى، مثل النفط.

ويعتبر مسلم أن “الإدارة الذاتية ستقبل بوجود أكبر للنظام في شمال شرقي سورية من خلال روسيا في حال التفاهم على المسائل الخلافية”.

من جانبه، يعتبر الباحث في مركز “جسور” للدراسات أنس شواخ أن “التنسيق لم ينقطع بين قسد والنظام”، مضيفاً في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “توسيع هذا التنسيق هو أحد السيناريوهات المطروحة، في حال شن الجانب التركي عملية عسكرية في الشمال السوري”.

ولكنه يقلّل من شأن أي اتفاق بين النظام و”قسد” حيال الأوضاع في منطقة شرقي الفرات، مشيراً إلى أن “التفاهمات التي جرت في أواخر عام 2019 بين النظام و”قسد” بضمانة روسيا، والتي أدت إلى نشر قوات النظام على الحدود السورية التركية وبعض نقاط التماس، لم تحقق النتائج التي كانت تريدها أنقرة”، مشدّداً على أن “تركيا لن تقبل بتكرار سيناريو عام 2019”.

العربي الجديد

—————————

===============

———————————-

أوكرانيا على مذبح المعسكريَن: أوقفوا هذه الحرب!/ فواز طرابلسي

١

محطتان من تداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي.

الأولى: دعوة ميخائيل غورباتشوف إلى بناء منطقة أمنية مشتركة باسم «أوراسيا» تمتدّ من الأورال إلى الأطلسي. خرّبت الولايات المتحدة المشروع خشية قيام دولة عظمى تنافسها وتُفقدها السيطرة على أوروبا.

المحطة الثانية: عام ١٩٩٠، تعهدَ غورباتشوف بعدم التدخل في توحيد ألمانيا وانضمامها إلى الحلف الأطلسي مقابل تعهد من الرئيس الأميركي رونالد ريغان، ومن رؤساء الحكومات البريطانية والألمانية والفرنسية، بألّا يتعدى الحلف حدود ألمانيا الموحدة بـ«بوصة واحدة».

بعد أقلّ من عقد، بدأ كلينتون ضمّ دول من الكتلة الشرقية سابقًا إلى الحلف الأطلسي وتبعه بوش الأب والابن، وانتهت العملية بضمّ ١٤ دولة في أوروبا الشرقية إلى الحلف. دعت الإدارة الأميركية في عهد بوش وأوباما أوكرانيا للانضمام إلى الحلف، فتحفظت ألمانيا وفرنسا وحذّر بريجنسكي وكيسنجر من عواقب الخطوة. مع ذلك، ظلّت الإدارات الأميركية تسلّح أوكرانيا وتضغط من أجل انضمامها إلى الحلف.

هكذا انتهت الحرب الباردة بحلّ حلف وارسو. وبدلاً من حلّ الحلف الأطلسي، ونزْع السلاح النووي، كما حلمت أكثرية سكان الأرض، توسعَ الحلف وطوّق الاتحادَ الروسي بقواعد عسكرية وأسلحة نووية، وعاد سباق التسلّح، ومعه تجار الحروب والحروب.

٢

منذ أن عيّنه الرئيس بوريس يلتسين خليفةً له العام ١٩٩٩، ارتبط الصعود السريع لضابط الـ«كا جي بي» فلاديمير بوتين، بدوره في أزمات روسيا بالتسعينيات وأبرزها مآسي الانتقال إلى الرأسمالية المافيوية والخصخصة والانهيار المالي وتدهور قيمة الروبل وحرب الشيشان. لجَم فورات بيع القطاع العامّ، واستخدم عائدات النفط والغاز لتحديث الاقتصاد وتنويع منتجات قطاعه الصناعي المتخلّف وتعزيز القطاع المالي والاستيرادي. وبنى بوتين نظامًا استبداديًّا فرديًّا على قاعدة رأسمالية دولة عسكرية- أمنية تسيطر على النفط والغاز، بشراكة من طغمة من الأوليغارك، الاسم الشائع للأثرياء الجدد الذين جنوا الأرباح الطائلة من خلال قطاع الخصخصة والموارد والمال والعقارات. وفي عهده، خصصت موسكو موازنات ضخمة لتعزيز قدرتها العسكرية (أكبر عدد من الرؤوس النووية في العالم) وترسانتها من الصواريخ الباليستية بعد انسحاب جورج بوش من اتفاق الحدّ من السلاح الباليستي. وأخيرًا وليس آخرًا، أعاد للكنيسة الأرثوذكسية دورها في الضبط الأيديولوجي وسخّرها لسياساته.

يطبّق بوتين نظرة إلى العالم تقوم على حق كل دولة بمدًى حيوي على حساب الجوار، ويرى إلى العلاقات الدولية على منافسة بين قوى عظمى. ويعرّف إيفان ايلين- المنشقّ السوفييتي السابق وأبرز المنظّرين لسيد الكرملين- الدولةَ على أنها جماعة عضوية يقودها قائد فرد تعني الحرية في ظلها أن يعرف كلٌّ مكانه ويلتزم به. والاقتراع هو التعبير عن الدعم الجماعي للقائد وليس انتخابًا له أو منحه الشرعية والثقة. كأنك تقرأ مبايعة حافظ الأسد رئيسًا يشكر فيها المبايعون القائد على قبوله السلطة عليهم!

أما فيلسوف القصر ألكسندر دوغين فيرتقي بالمنافسة بين القوى العظمى إلى الأوجّ. يهدد الولايات المتحدة الأميركية بأن تعترف بأنها لم تعد السيّد الأوحد في العالم وإلا فالحرب: «المسألة هي مسألة مَن يحكم العالم. ووحدها الحرب تستطيع أن تقرر من يحكم العالم حقًّا».

٣

منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، تقلّبت الحياة السياسية في أوكرانيا، المنفصلة حديثًا عن الاتحاد السوفييتي، بين زعيمين: يانوكوفيتش، داعية أوثق العلاقات مع روسيا، ويوفشنكو، داعية التوجه نحو أوروبا. انتصر الأول بفارق بسيط في الأصوات وسط اتهامات بالتزوير من الفريق الخاسر، فنشبت أزمة سياسية وانطلقت حركات شعبية في الشوارع والساحات سمّيت «ثورة مخملية» العام ٢٠٠٤ دفعت مجلس القضاء الأعلى إلى إبطال الانتخابات. انتصر يوفشنكو في الدورة الجديدة وتنحّى يانوكوفيتش لكنه عاد إلى الرئاسة في انتخابات ٢٠١٠.

هكذا نشأ في أوكرانيا نظام برلماني، تتربّع على السلطة الاقتصادية فيه، كما في روسيا، طغمة من الأوليغارك من كبار الأثرياء جنوا ثرواتهم السريعة من تصفية القطاع العامّ والمضاربات العقارية والاقتصاد المالي الذي اقتحم حياة البلد. وهم وثيقو الصلة بالسلطة السياسية ويموّلون أحزابًا فاسدة وسياسيين فاسدين، ولهم الدور الأبرز في فوز هذا المرشح للرئاسة أو ذاك.

٤

خلال العامين ٢٠١٣- ٢٠١٤ شهدت أوكرانيا تظاهرات حاشدة في ساحة «الميدان» ضد الرئيس يانوكوفيتش الذي رفض توقيع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. وقع قتلى وجرحى في اشتباكات مع الشرطة، فبادرت فرق قومية يمينية متطرّفة إلى احتلال مبانٍ حكومية واقتحام البرلمان حيث اعتقلت المليشيات نواب الأكثرية، وفرضت تنحية الرئيس. سُمّي الانقلاب «ثورة الكرامة». ومن أول إجراءاته منع «الحزب الشيوعي»، وإزالة معالم الحقبة السوفييتية، وإلغاء استعمال اللغة الروسية كلغة رسمية. فاز بوروشنكو بالرئاسة وشكّل حكومة لم تعترف بها روسيا. لكن الانقلاب حظي بدعم الإدارة الأميركية.

ردّت روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم على البحر الأسود. وأعلن الانفصاليون في منطقة الدونباس الشرقية «جمهورية سوفييتية» في لوهانسك ودونيتسك. فاندلع اقتتال أهلي شكلت خلاله القوات النظامية مليشيات من المتطوعين أبرزها «كتيبة آزوف» القومية المتطرفة ذات الاتجاهات النازية. خلال ثماني سنوات من الاقتتال قُتل الآلاف وهُجّر عشرات الآلاف من المدنيين من شرق البلاد نحو الغرب. وبين أيلول/ سبتمبر ٢٠١٤ و٢٠١٥ وقعت اتفاقية مينسك ١ و٢ بوساطة من فرنسا وألمانيا وبولندا و«منظمة الأمن والتعاون الأوروبية» لكنها لم تنجح في منع تجدد القتال. وانعقدت اتفاقية مينسك ٢ على شكل قمة جمعت بوتين وميركل وهولاند وبوروشنكو وقائدين عسكريين عن منطقة الدونباس. قضت الاتفاقية بالاعتراف باللغة الروسية، ومنح المنطقتين الشرقيتين حكمًا محليًّا مؤقتًا، والاعتراف لهما بـ«وضع خاص» وتنفيذ برنامج ثقافي اقتصادي لإعادة دمجهما بسائر أوكرانيا. رفضت المليشيات الاتفاق فتجدد القتال. كل ما نجحت اتفاقية النورماندي في تحقيقه هو أنها فرضت على البرلمان الأوكراني التراجع عن قراره إعادة ضمّ القرم وجمهوريّتَي دونباس إلى أوكرانيا.

في تلك الأثناء، في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٦، وافق الاتحاد الأوروبي على طلب أوكرانيا الانضمام إلى عضويته وعيّن مرحلة تأهيل انتقالية تنتهي العام ٢٠٣٠. وطوال تلك الفترة، كانت أوكرانيا تتلقى مساعدات عسكرية أميركية برغم معارضة ألمانيا وفرنسا، بلغت ٥،٤ مليارات دولار عشية الحرب. وظلّت المليشيات تتلقى التدريب والسلاح إلى أن قرر الكونغرس وقف تمويلها العام ٢٠١٩ لاعتباره «كتيبة آزوف» «جماعةً إرهابيةً ذات اتجاه نازي جديد». ولكن لم يتوقف القتال في الشرق إلى حين الهجوم الروسي مع أنّ بوتين وبايدن اتفقا عام ٢٠٢١ على استمرار الجهود الديبلوماسية للتوصل إلى اتفاق.

٥

في نهاية العام ٢٠١٩ أحرز فولوديمير زيلينسكي فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية على بوروشنكو على أساس برنامج لمكافحة الفساد والوحدة مع المناطق الشرقية والاتفاق مع روسيا. ينتمي زيلينسكي إلى الاتجاه القومي اليميني، ومعروف عنه أنه دعم الجيش في دونباس وتبرّع للمليشيات من ماله الخاص. وعندما تسلّم الرئاسة، رفض الحوار مع ممثلي جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك والالتزام باتفاقيات مينسك ونورماندي وكرّر طلب الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وإلى الحلف الأطلسي. إلى ذلك، حلّ المزيد من الأحزاب المعارضة في البرلمان وخارجه. وحكم من دون معارضة.

مطلع ٢٠٢١ ظهرت حشود روسيّة على الحدود مع أوكرانيا. أعلن بوتين أن توسع الحلف الأطلسي بعد العام ١٩٩٧ يشكل تهديدًا لروسيا وطالب بمنع أوكرانيا نهائيًّا من الانضمام الى الحلف. شكك بحق أوكرانيا في أن تكون دولة مستقلة، وركز على نفوذ النازيين الجدد وأعلن نهاية اتفاقيتي مينسك والنورماندي واتهم أوكرانيا بارتكاب «إبادة أجناس» بحق السكان الروس في دونباس. وفي اليوم التالي، اعترفت الحكومة الروسية بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك. وفي ٢٤ منه، دخلت قواتها أراضي أوكرانيا من عدة جبهات في ما سمّي «عملية عسكرية خاصة» لنزع سلاح أوكرانيا و«اجتثاث النازية» فيها.

٦

مطلع الحرب، صعّد بوتين التحذير النووي، فأثار ما يكفي ويزيد من ذكريات الرعب النووي في أوروبا خصوصًا. بعد ذلك، أعلن بايدن «لا جزمات أميركية على الأرض» في أوكرانيا ولم تستجب قيادة الحلف الأطلسي لاستغاثة زيلينسكي فرضَ منطقة حظر جوي وتزويد بلاده بمقاتلات، على اعتبارها «أسلحة هجومية». هددت قمة الحلف الأطلسي المنعقدة في بروكسل بـ«الرد» إذا استخدمت القوات الروسية الأسلحة الكيميائية، وحذرت الصين من «عواقب اقتصادية» إذا هي ساعدت روسيا عسكريًّا، فلم يبقَ من الردّ الغربي على العدوان الروسي غير عقوبات اقتصادية بالغة القسوة يعترف بايدن نفسه بأنها لا تردع لكنها تضعف الخصم على مرّ الشهور. وقد ردت موسكو على العقوبات بأنها ستتلقى ثمن الغاز بالروبل.

مهما يكن، فالوطأة الأكبر للعقوبات ستقع على الشعب الروسي، وعلى شعوب أوروبا وعلى سائر الشعوب التي تتّكل على صادرات أوكرانيا الزراعية والتي ستعاني من نقص النفط والغاز وارتفاع الأسعار.

٧

على الرغم من أن الهجوم الروسي يلقى مقاومة من الجيش الأوكراني أقسى من المتوقع، بما فيها صد هجمات على عدد من المدن، يبدو أن العدوان حقق أول أهدافه – التدمير واسع النطاق للبنية التحتية للجيش الأوكراني بما فيها المطارات.

ميدانيًّا، خرقت القوات الروسية في الساحل الجنوبي وتقدمت لاستكمال السيطرة على ساحل البحر الأسود حيث توجد قاعدة للبحرية الروسية في سيباستوبول. في الشرق، تحوّل التدخل الروسي غير المباشر في الدونتاس إلى وجود عسكري متكامل. إلى هذا كله، يشتدّ الحصار على كييف وعدد من المدن الأخرى، وقد تكاثرت أعمال القصف المتعمّد للأماكن الآهلة وتسريع وتائر التهجير التي زادت عن الثلاثة ملايين من العجّز والنساء والأطفال.

هذه حرب غير متوازية بين دولة معتدية ودولة وشعب معتدى عليهما. العدوان الروسي يستوجب الإدانة وتستحق مقاومة الشعب الأوكراني كل الدعم والتأييد. لكن هذا يعني أمرًا واحدًا: الدعوة الملحّة لوقف الحرب فورًا. هذه حرب يصعب تصوّر أن ينتصر فيها طرف على آخر: لن تستطيع القوات الروسية احتلال كامل أوكرانيا والسيطرة عليها بالرغم من وجود مقاومة شعبية مدعومة بكثافة من الخارج وقابلة لأن تحوّل الحرب في أوكرانيا إلى أفغانستان ثانية. في المقابل، لن يستطيع الجيش الأوكراني ولا مقاومة الشعب الأوكراني إخراج روسيا من البلد.

٨

لا بد من تعليق على دعايتين سائدتين في الإعلام الغربي. الأولى، هي اعتبار الحرب في أوكراينا حربًا بين نظام ديموقراطي ونظام دكتاتوري. وهي مناسبة لتكرار التأكيد على أنّ أعتى القوى الإمبريالية هي دول ديموقراطية في أنظمتها الداخلية، وهذا لم يمنعها من أن تكون قوى طغيان وسيطرة واستغلال على سائر شعوب العالم، أي أن تكون إمبريالية وحربية. لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تحتفظ بـ٧٥٠ قاعدة عسكرية في ٧٠ بلدًا بعد انتهاء الحرب الباردة. وهي تواصل خنق كوبا وفرض العقوبات على عشرات الشعوب عبر العالم، وقد غزت واحتلّت لسنوات أفغانستان والعراق، بالنتائج الكارثية المعروفة، وهي تدعم حاليًّا الحرب السعودية على اليمن حتى لا نتحدث عن دعمها غير المحدود لإسرائيل، القوة الإمبريالية الفرعية التي تحلّ محلها في حفظ أمن النفط في الخليج العربي. والولايات المتحدة هي الداعم الدائم للدكتاتوريات والأنظمة الرجعية والعنصرية عبر العالم، ويقع الأفدح عندما تشنّ الحروب وتحتلّ الشعوب بحجة فرض «الديموقراطية»، والشواهد حاضرة في العراق وغير العراق.

الأمر الثاني هو المهزلة- المأساة في تبرئة الإعلام الأميركي للنازيين الجدد في أوكرانيا، بل نفي وجودهم وتأثيرهم، بإشهار حجة يهودية الرئيس على اعتبار أنه لا يمكن تصوّر وجود نازيين نقلوا حقدهم العنصري من اليهود إلى أبناء شعبهم الروس وإلى الروس عمومًا! وكأنّ النازيين الجدد في أوروبا لا يعطون الأولوية للعداء للمهاجرين من العالم العربي والإسلامي وأفريقيا على عدائهم التاريخي لليهود أو يضيفونه إليه! أمّا دعم زيلينسكي العلني للحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وإعلانه أمام الكنيست الإسرائيلي أنّ أوكرانيا وإسرائيل «تواجهان عدوًّا واحدًا» فانحياز سافر إلى المحتلّ والمعتدي ضد شعب يقاوم الاحتلال، عدا عن أن كلام الرئيس الأوكراني ينمّ عن جهل بائس بحقيقة أنّ الوجود العسكري لـ«عدوّه المشترك» في سورية، الذي لا يبعد كثيرًا عن كونه احتلالاً، يغطّي غارات الطيران الإسرائيلي «الصديق» ضد أهداف داخل سورية منذ سنوات.

٩

تجري هذه الحرب في إطار من اختلال بين قوة أميركية عسكرية متراجعة وقوتين صاعدتين ترفضان استمرار الانفراد الأميركي في تقرير مصائر الحياة الدولية، وقد تكرّس اتفاقهما في لقاء أخير بين الرئيسين الروسي والصيني. روسيا تمارس الدفاع الهجومي والتوسع مدفوعة بحنين سوفييتي وتمثل العظمة القيصرية للسيطرة على محيطه وقد بلغ «المياه الدافئة» من خلال سورية. أما الصين، فتفوّقها الاقتصادي وبدء تمددها العسكري يدفع الولايات المتحدة إلى سحب القسم الأكبر من قوّاتها من منطقة الخليج باتجاه الصين.

هذه حرب بين معسكرين تدور رحاها بالواسطة في أوكرانيا وعلى أوكرانيا. ولا بدّ من الاعتراف بأنها افتتحت «حربًا باردة» يصعب التوقّع منذ الآن بمسارها، لكنّ المؤكد أنها ليست استمرارًا للحرب الباردة السابقة لأنها تقع في زمن آخر وبين قوى ووفق تحالفات مختلفة وفي ظل توازنات قوى جديدة.

١٠

إلى أين؟

في آخر تصريحاته، ردّ زيلينسكي على الشروط الروسية بالقول إنها تتعارض مع سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها– يقصد ما يتعلق بشبه جزيرة القرم والدونباس- لكنه لمّح بإشارتين إلى انضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي: اشتكى من أنّ أعضاء الحلف يرفضون عضوية أوكرانيا؛ وطالب بضمانات دولية لأمن أوكرانيا من روسيا وأميركا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. لا تفهم هذه الإشارات إلا في سياق مداولات ووساطات للتسوية.

والسؤال: لو أنّ أوكرانيا ارتضت سحب طلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي وطبّقت اتفاقيات مينسك ونورماندي، هل كان بالإمكان تفادي الحرب؟ وعكسًا: هل أن منطق الحرب سوف يفرض على أوكرانيا أن تقدّم تنازلات أقسى من تلك التنازلات وفوقها دمار الحرب وضحاياها؟

 بدايات

———————————

=====================

تحديث 09 حزيران 2022

———————-

سوريا تدفع في شمالها وجنوبها ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا/ حازم الأمين

سوريا ستدفع في شمالها لتركيا وفي جنوبها لإسرائيل ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا. أما نظام البعث، فهو خارج حسابات الربح والخسارة، وشرطه الوحيد بقاء رئيسه في قصر المهاجرين، حتى لو اقتصرت سلطته على محيط القصر.   

من المستحيل ضبط إيقاع الدور الروسي في سوريا على فكرة أو موقف أو حساب غير حساب المصلحة العارية من أي التزام. واليوم جاء دور تركيا، ذلك أن موسكو ستدفع لأنقرة في سوريا ثمن عدم انحيازها في أوكرانيا. سنحصل جراء ذلك على مشهد سوري غريب عجيب. فموسكو راعية ومسهّلة الدور الإسرائيلي في سوريا، ستقوم بالمهمة نفسها مع تركيا! لن تعيق إنشاء “المنطقة الآمنة” التي تتحضر تركيا لإقامتها في عمق ثلاثين كيلومتراً على طول حدودها مع سوريا!

المهمة التركية بالغة الفداحة، فهي تتطلب نوعاً من “الترانسفير” سيكون ضحيته السكان الأكراد، ونوعاً موازياً من “الاستيطان”، إذ أنها ستدفع بنازحين سوريين يقيمون فيها إلى هذا الحزام. وسيتكرر مشهد “المستوطنات” العربية التي أشادها نظام البعث في مناطق سكن الأكراد في شرقي وشمالي سوريا.

وفي هذا الوقت بدأت تصدر أصوات “استغاثات” كردية بالنظام السوري، يعتقد أصحابها أن مصلحة مشتركة بينهم وبين النظام تقتضي مواجهة الخطوة التركية. النظام في سوريا لا تربطه مصلحة مع غير رعاته الروس والايرانيين، وهو وإن “استجاب” لإستغاثات كردية، فسيتولى في اليوم الثاني خنقها بيديه.

روسيا، بوصفها صاحبة نفوذ كبير في سوريا لن تمانع على ما يبدو الخطوة التركية، مع ما يترتب عليها من تبعات ليس أقلها تمرير النظام السوري لهذه الخطوة.

النظام السوري مرر لموسكو ما هو أفدح من “المنطقة الآمنة”. مرر لها صمتاً على الغارات الإسرائيلية اليومية على معظم مناطق انتشار قواته وقوات حلفائه الإيرانيين. وهو اليوم يشعر بمرارة حيال انسحابات جزئية روسية من مناطقه، بسبب مساعي طهران إشغال هذه المساحات. ففي اعتقاده أن فقدان توازن النفوذ بين طهران وموسكو لمصلحة الأولى لن يكون لصالحه.

سوريا صارت فعلاً مساحة عصية على التفسير. الثورة هُزمت لكن ليس من منتصرٍ. النظام نجا إلا أنه يتخبط بما لا يحصى من الوقائع. لا أحد يمكنه أن يحدد لمن الكلمة في دمشق. كل “الحلفاء” يملكون القرار، لكن كلهم أيضاً عاجزون عن الذهاب بنفوذهم إلى حد الإطاحة بنفوذ خصومهم أو شركائهم.

ما هي المنطقة الآمنة التي تزمع تركيا إقامتها على طول حدودها مع سوريا؟ ما هي وظيفتها؟ لم يسبق أن سمعنا أن الأمن داخل تركيا كان عرضة لخروقات عبر هذه الحدود! المخاوف الكردية تبدو في مكانها، فالمسألة تتعلق بتغيير ديموغرافي عبر إحلال سكان عرب مكان السكان الأكراد.

المدن والبلدات الكردية على طول الحدود لها امتدادات سكانية داخل تركيا. المهمة قطع هذا الامتداد، مع ما ينجم عن هذه المهمة من مآسٍ، ومن تأسيس لضغائن جديدة هي امتداد لضغائن أسهمت فيها امبراطوريات ما قبل الحرب العالمية الثانية وأنظمة ما بعدها.

لن يضير موسكو طبعاً تزخيم الضغائن العربية الكردية وشحنها بمادة جديدة. أما رجب طيب أردوغان، فهو بصدد زج النازحين السوريين في معضلة أخرى غير معضلة نزوحهم القصري من بلادهم.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في تركيا لمناقشة قضية ممر آمن لتصدير الحبوب الأوكرانية، وعلى هامش هذه المهمة ستناقش أنقرة معه “المنطقة الآمنة” في سوريا، والثمن عدم انخراط أنقرة في منظومة العقوبات الدولية على موسكو. روسيا ليست في أحسن أحوالها، وهي ستقبل أن تدفع الثمن في سوريا. وقريباً سيزور لافروف تل أبيب وسيفاوض على ثمن في سوريا لقاء عدم قبول إسرائيل بيع منظومة القبة الحديدية إلى أوكرانيا.

سوريا ستدفع في شمالها لتركيا وفي جنوبها لإسرائيل ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا. أما نظام البعث، فهو خارج حسابات الربح والخسارة، وشرطه الوحيد بقاء رئيسه في قصر المهاجرين، حتى لو اقتصرت سلطته على محيط القصر. 

درج

—————————–

العملية التركية في سورية: طموح أميركي بأن تكون “محدودة”/ فكتور شلهوب

فوجئت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، عن عملية توغل عسكري قريبة في الأراضي السورية لإقامة منطقة أمنية خالية من “وحدات الحماية الشعبية” الكردية التي تعتبرها أنقرة “منظمة إرهابية”.

ورغم أن علاقة واشنطن متوترة أصلا مع الرئيس التركي إلا أن الإعلان عن العملية التركية في سورية أضاف شحنة جديدة من التوتر مع أنقرة. وفي أول تعليق لها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الإدارة “تعترف بقلق تركيا الأمني المشروع على حدودها، لكن أي هجوم جديد من هذا النوع من شأنه تقويض الاستقرار الإقليمي وتعريض قواتنا هناك للخطر”.

واكتفى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، هو ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، بالتحذير “من الإقدام على عمل عسكري من هذا النوع”، مع أن العملية صارت على عتبة التنفيذ حسب السوابق والتقديرات.

والواضح من هذه الصيغة واللهجة التي خلت من لغة الوعيد والتلويح بالعواقب، أن الرد الأميركي على التوغل لن يتخطى لغة الخطاب الدبلوماسي، إذ إن البدائل إما غير متاحة بسبب الانشغال بحرب أوكرانيا وإما لأنها غير فعالة مثل العقوبات التي فشلت في 2019، أو حظر بيع تركيا السلاح، وهو محظور تقريبا منذ فترة، فضلاً عن أن أنقرة تمسك الآن بورقة قبول السويد وفنلندا في حلف “الناتو”، والذي تريد واشنطن تحقيقه بأقرب وقت، يضاف إلى ذلك، وفق بعض القراءات، أن واشنطن تفضل في الوقت الحالي وجود قوات تركية في شمال سورية، بدلا من “حضور إيراني بدأ يطل لسد الفراغ الذي تركه انسحاب قوات روسية من هناك في الفترة الأخيرة”.

مناورات مشتركة بين “قسد” والأميركيين، مارس الماضي (دليل سليمان/فرانس برس)

وعلى هذه الخلفية، انطوى رد واشنطن على إشارة بالتعايش مع العملية العسكرية التركية إذا بقيت “محدودة”، على غرار محدودية عملية “ربيع السلام” عام 2019. وجرى التوافق حينها، بعد 3 أيام من التفاوض الأميركي التركي في أنقرة، على إقامة المنطقة الآمنة من دون تحديد حجمها وكيفية ضبطها مع سحب “قوات سورية الديمقراطية” معداتها العسكرية من منطقة الحدود.

واللافت أن الرد الروسي جاء بالصيغة نفسها تقريباً، وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الآخر عن “التفهم لمخاوف تركيا الأمنية” وبما جرى تفسيره أيضا بأنه “موافقة روسية ضمنية” على عملية تركية “محدودة”، ولهذا الموقف حيثياته، إذ ترى موسكو أن “أردوغان منفتح على التفاهم مع حليفها الأسد”، ثم إن دخول القوات التركية من شأنه في الحسابات الروسية أن يؤدي إلى “إضعاف قوات الدفاع الشعبي الكردية، وبالتالي التعجيل برحيل القوات الأميركية”.

والمعروف أن الرحيل الأميركي من سورية دار حوله جدل كبير في زمن ترامب الذي أراد الانسحاب التام من سورية لولا اعتراض وتدخل المعنيين إلى حدّ التزوير في تقليص عدد القوات الموجودة في سورية – وهذا باعتراف المبعوث الخاص آنذاك السفير جيمس جيفري – لإقناع الرئيس ترامب بصرف النظر عن الانسحاب على أساس أن حجم القوات الأميركية في شمال شرق سورية ضئيل إلى حد لا يستدعي الإعلان عن سحبه.

والمفارقة أن أردوغان باختياره لهذه اللحظة، جمع بين الخصمين اللدودين موسكو وواشنطن في عدم الاعتراض على خطوته السورية، بل في قبولهما لها وإن بصيغة ملتوية. وتتجاهل إدارة بايدن في الأساس الملف السوري، وسبق للسفير جيفري أن حذر من تبعات هذا التجاهل. ويلعب الرئيس أردوغان الآن ورقته، في وقت يحتاجه بوتين كما بايدن، ولو كل لحساباته وبما يجعله يمسك بقواعد اللعبة. ويبقى السؤال: إلى أين ستؤدي عمليته العسكرية الجديدة؟

العربي الجديد

————————-

المعارضة السورية تكلف «مجالس عسكرية» مهمة «تحرير» منبج وتل رفعت

إدلب: فراس كرم

كَلفت فصائل المعارضة المنضوية في «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة، المجالس العسكرية التي تشكلت أخيراً لمدينتي تل رفعت ومنبج بريف حلب، بقيادة العمليات العسكرية، بالتعاون مع القوات التركية، لـ«تحريرهما» من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).

وقال المقدم المهندس عدنان أبو فيصل، وهو قائد المجلس العسكري لمدينة منبج، إنه «تماشياً مع التطورات العسكرية المهمة في شمال حلب، والتحضير للعملية العسكرية الجديدة من قبل فصائل (الجيش الوطني السوري) والقوات التركية بهدف تحرير تل رفعت ومنبج من (قوات سوريا الديمقراطية) (قسد)، أوكلت مهمة قيادة العمليات العسكرية إلى المجالس العسكرية المشكلة مؤخراً في هاتين المدينتين، لمعرفتها بطبيعة المنطقة». وأضاف: «بالنسبة لمهام مجلس منبج العسكري، فإن الهدف الأساسي والرئيسي هو قيادة معركة تحرير تل رفعت ومنبج من قوات (قسد) بالتعاون مع الحليف التركي، والأمر الآخر هو حماية المدينتين والمدنيين من أي عمليات تخريبية أو انتهاكات قد تقوم بها مجموعات أو خلايا تخريبية تتبع لجهات مجهولة، وتوجيه فرق الهندسة لإزالة مخلفات الحرب». وأشار إلى أن عدد سكان منبج يبلغ نحو 120 ألف نسمة «غالبيتهم من العرب».

من جهته، قال قيادي في فصائل المعارضة، إن «جميع فصائل (الجيش الوطني السوري) أعلنت خلال الساعات الماضية جاهزيتها القتالية، وهي بانتظار ساعة الصفر لإطلاق العملية العسكرية بالاشتراك مع القوات التركية، ضد (قسد)»، مشيراً إلى أن المناطق التي ستشملها العملية هي تل رفعت ومنبج والقرى المجاورة لهما.

وأضاف أنه «جرى خلال اليومين الماضيين، تنسيق كبير بين قوات (قسد)، وقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، ما أفضى إلى السماح لعدد من قوات النظام بالتمركز في عدد من المواقع العسكرية لـ(قسد) في مناطق تل رفعت ومنطقة منغ بريف حلب، وتقدم عدد من أفراد الميليشيات الإيرانية إلى مواقع قريبة من خطوط التماس في منطقة الشهباء شمال غربي حلب». وتحدث عن «رصد وصول تعزيزات عسكرية جديدة لقوات النظام إلى مطار منغ، وأيضاً مئات العناصر من الميليشيات الإيرانية إلى منطقة دير حافر والسفيرة شمال شرقي حلب».

وقال ناشطون إن «المئات من المدنيين في قرية عون الدادات بريف منبج الشمالي، خرجوا بتظاهرة احتجاجية ضد (قوات سوريا الديمقراطية) (قسد)، حيث توجه المحتجون إلى معبر العون وحاجز معمل الزعتر، تنديداً بممارسات (قسد) ومواصلتها زرع الألغام في المناطق المدنية».

في سياق منفصل، حذرت منظمات محلية بينها منظمة الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» من خطر تدهور الأمن الغذائي في شمال غربي سوريا، في ظل استمرار القصف البري والجوي لقوات النظام والمقاتلات الروسية، واستهدافها المنشآت الصناعية والزراعية، ومحاولة روسيا منع إدخال المساعدات الإنسانية للسوريين عبر الحدود، ومطالبتها بإغلاق منفذ باب الهوى (شريان الحياة)، أمام المساعدات الإنسانية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي للسوريين. وقال نشطاء في حماة وإدلب، شمال غربي سوريا، إن «مساحات كبيرة من مزارع القمح والشعير في القسم الشمالي من سهل الغاب (70 كيلومتراً شمال غربي حماة) تعرضت للحرائق بفعل القصف المتعمد من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتمركزة في معسكرات البحصة وجورين، ما ألحق الضرر بأكثر من ألفي دونم من القمح والشعير، فضلاً عن قصف مزارع الزيتون والتين في مناطق جبل الزاوية جنوب إدلب».

الشرق الأوسط

———————————

أنقرة مصرة على عمليتها العسكرية..وموسكو تتفهم مخاوفها

أعرب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن تفهمه للمخاوف التركية من التهديدات المجاورة قائلاً إن بلاده “تأخذ بعين الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم، بما في ذلك تأجيج المشاعر الانفصالية في المناطق التي تسير عليها الوحدات الأميركية المتواجدة في سوريا بشكل غير قانوني”.

تصريح لافروف جاء خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو الأربعاء، بعد لقائهما في المجمع الرئاسي التركي بالعاصمة أنقرة لمناقشة العلاقات الثنائية وملفات إقليمية ودولية.

وتطرق الجانبان إلى الملف السوري حيث قال أوغلو إنه “يجب تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا”، مضيفاً أن تركيا لا يمكنها أن تتسامح مع الهجمات التي تتعرض لها.

ورداً على سؤال حول اجتماعات لجنة صياغة الدستور، قال أوغلو إن الموقف السلبي للنظام السوري أدى إلى فشل الجولة الثامنة لتلك الاجتماعات، مضيفاً أن تركيا تؤيد استمرار المباحثات، ورأى أن الحل الوحيد للأزمة السورية “سياسي”. وقال: “يجب جلوس النظام مع المعارضة المعتدلة على طاولة المفاوضات من أجل إقرار مستقبل البلاد”.

كما أكّد أوغلو على التمييز بين أكراد سوريا ووحدات حماية الشعب الكردية، لافتاً إلى دعم بعض الدول للتنظيم وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مستطرداً: “روسيا والولايات المتحدة تعهدتا بتطهير مناطق في شمال سوريا من التنظيم الارهابي ومن حقنا أن نطالب بالوفاء بتعهداتهما”.

من جهته قال وزير الخارجية الروسية إن موسكو وأنقرة ستواصلان تعاونهما في مسألة سوريا، متهماً المجتمع الدولي والغربيين بمفاقمة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في سوريا من خلال العقوبات المفروضة على النظام وبأن الولايات المتحدة “خنقت” سوريا بالقيود.

وتسعى أنقرة للحصول على دعم روسيا للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري، في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية، التي ترى فيها أنقرة واجهة لحزب العمال الكردستاني. وقبل أيام قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام البرلمان: “ننتقل إلى مرحلة جديدة في عملية إقامة منطقة آمنة من 30 كيلومتراً عند حدودنا الجنوبية. سننظف منبج وتل رفعت”، متوعداً بالتقدم خطوة خطوة في مناطق أخرى.

—————————–

روسيا “مستعدّة” مع تركيا..لضمان سلامة سفن الحبوب الأوكرانية

أكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الأربعاء، أن روسيا “مستعدّة” لضمان سلامة السفن التي تنقل حبوباً والتي تغادر الموانئ الأوكرانية، بالتعاون مع تركيا.

وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو: “نحن جاهزون لضمان سلامة السفن التي تغادر الموانئ الأوكرانية (…) بالتعاون مع زملائنا الأتراك”.

ووصل لافروف مساء الثلاثاء إلى أنقرة، للبحث في إنشاء ممرات آمنة لتسهيل تصدير الحبوب إلى البحر الأسود. وعرضت تركيا، بناءً على طلب من الأمم المتحدة، مساعدة لمرافقة هذه القوافل من الموانئ الأوكرانية، رغم وجود ألغام كُشف عن بعضها قرب السواحل التركية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا.

واعتبر تشاوش أوغلو أن “خطة الأمم المتحدة منطقية وقابلة للتحقيق. على أوكرانيا وروسيا قبولها”. وأضاف أن الخطة تشمل الاتفاق المشترك بين جميع الأطراف، وهي روسيا وأوكرانيا بالإضافة إلى تركيا، مشيراً الى استعداد تركيا تمهيد الطريق أمام العالم لاستيراد هذه المنتجات من أوكرانيا وروسيا.

وبحسب أوغلو، فإنه “يجب مناقشة الإجراءات من أجل إنشاء خط ملاحة آمن للسفن”، مشيراً الى استعداد تركيا استضافة الاجتماع في اسطنبول. وأوضح أيضاً جاهزية تركيا لاستضافة المحادثات بين البلدين من جديد، في حال استعداد الطرفين للجلوس الى طاولة الحوار.

وأضاف أن بلاده تعتبر أن طلب موسكو رفع العقوبات عن الصادرات الزراعية الروسية لتسهيل الصادرات الأوكرانية “مشروع”.

وقال: “إذا كان علينا فتح السوق الأوكرانية الدولية، نعتقد أن إزالة العقبات أمام الصادرات الروسية أمر مشروع”. وتحدث تحديداً عن صادرات “الحبوب والأسمدة” التي لا تتأثر بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، لكنها في الواقع تمنعها من التبادلات المصرفية والمالية مع الخارج.

من جهتها، أعلنت أوكرانيا ترحيبها بالمفاوضات المتعلقة بتصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، مؤكدة أن أي قرار بشأن هذه المسألة يفترض تسليمها أسلحة “لحماية أوديسا”.

وقال وزير الخارجية الأوكرانية دميتري كوليبا في مؤتمر صحافي الأربعاء، إن كييف تتفاوض لحل أزمة الغذاء وفك الحصار عن الموانئ الأوكرانية، في المقام الأول من خلال الأمم المتحدة، مؤكدا أن “جميع المسارات والجهود الأخرى نرحب بها، ولكن بشرط واحد: يجب أن يأخذ القرار النهائي في الاعتبار مصالح أمن أوكرانيا بنسبة 100 في المئة”.

وأضاف كوليبا أن أمن أوكرانيا بنسبة 100 في المئة، يعني توفير “كمية كافية من الأسلحة القادرة على حماية أوديسا وهذا الجزء من ساحل البحر الأسود من البر”، فضلاً عن إنشاء “مهمة للقيام بدوريات لحماية ممر توريد الحبوب من قبل سفن الدول التي يمكن أن تثق بها أوكرانيا”. وأضاف “في هذا الصدد، يمكننا، على وجه الخصوص، أن نثق في القوات البحرية التركية”.

وكانت أوكرانيا، وهي رابع أكبر مصدّر للذرة في العالم، على وشك أن تصبح ثالث أكبر مصدّر للقمح في العالم قبل أن يبدأ الغزو الروسي. وأدى النزاع في أوكرانيا منذ 24 شباط/فبراير إلى رفع أسعار المواد الغذائية، ما يهدّد بحدوث مجاعة في الدول التي تعتمد على الصادرات الأوكرانية، خصوصًا في إفريقيا والشرق الأوسط.

وكانت كييف قبل الحرب تُصدّر 12 في المئة من إجمالي القمح و15 في المئة من الذرة و50 في المئة من زيت عباد الشمس في العالم.

وقال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الاثنين: “في الوقت الحالي، 20 إلى 25 مليون طن من الحبوب عالقة، وقد ترتفع الكمية في الخريف إلى ما بين 70 إلى 75 مليون طن”.

وبحسب وزير الزراعة التركي وحيد كيريشتشي، “تحمي أوكرانيا موانئها التجارية حاليًا بالألغام” وتخشى أن “تتعرض لهجوم روسي” إذا انسحبت.

————————–

«قسد» ترفع جاهزيتها وتنسّق مع قوات النظام السوري

القامشلي: كمال شيخو

أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وهي تحالف كردي – عربي، رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، مشيرة إلى أنها أنهت الاستعدادات العملياتية كافة لمواجهة الهجوم التركي المرتقب في شمال سوريا. وفي حين حذّرت من الدخول في حرب طويلة الأمد، فإنها أبدت أيضاً استعدادها للتنسيق مع قوات حكومة الرئيس بشار الأسد لصدّ العملية التركية و«حماية» الأراضي السورية.

وجاء هذا الموقف بعدما عقدت القيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» اجتماعاً استثنائياً لقادة المجالس العسكرية والوحدات القتالية بحضور قائد القوات مظلوم عبدي في مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، أمس. وبحث الاجتماع التهديدات التركية ببدء عملية عسكرية مرتقبة ضد مناطق نفوذ «قسد» في شمال وشمال شرقي البلاد.

وقالت «قسد» في بيان نشر على موقعها الرسمي «اطّلعت القيادة العامة بشكل مفصل على الاعتداءات التركية التي استهدفت بلدات تل تمر وزركان ومنبج والشهباء، وتأثيرها على حياة المدنيين وسبل حمايتهم». وأوضحت، أن الاجتماع أكد أولوية الالتزام بخفض التصعيد و«الاتفاقات المبرمة مع الجهات المعنية». وأكدت استعداد «قوات سوريا الديمقراطية» لحماية المنطقة وسكانها «من أي هجمات محتملة… ونؤكد رفع الجاهزية وإتمام الاستعدادات لمجابهة العدوان التركي بحرب طويلة الأمد».

وحذّر البيان من تأثير الهجوم التركي على استقرار سوريا ووحدة أراضيها، مشيراً إلى أن «مشاريع الاحتلال، بما فيها التهديدات الأخيرة، ليست سوى مقدمة لتقسيم سوريا، لكن لن تقتصر مواجهته في المناطق المستهدفة فقط، إنما سيتوسع نطاقها ليشمل مناطق أخرى داخل الأراضي السورية المحتلة». وأكدت القيادة العامة لـ«قسد» استعدادها للتنسيق مع القوات الحكومية الموالية للرئيس بشار الأسد «لصدّ أي هجوم تركي محتمل وحماية الأراضي السورية بمواجهة الاحتلال».

وفي تعليقه على تصاعد وتيرة التهديدات التركية بتنفيذ عملية عسكرية جديدة، قال عضو القيادة العامة في «قوات سوريا الديمقراطية» حسين كوجر لـ«الشرق الأوسط»: «إذا جرت معركة فإنها ستسير عكس توقعات الأعداء، فأرضنا ستكون مقبرة لهم، وإذا فكروا بالدخول إلى مناطقنا ستكون نهاية النظام التركي». وتابع «ستسير المعركة عكس ما يتوقعون، وسننتصر فيها». وأشار القيادي الكردي إلى أن الهجوم التركي سيخلف كارثة إنسانية في مناطق نفوذ «قسد» و«سيعيد السوريين إلى المربع الأول من الأزمة». وتابع، أن ما وصفه بـ«الغزو التركي» سيؤثر على الحرب التي تقودها «قسد» مع شركائها في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، مشيراً إلى ازدياد «خطورة خلايا (داعش) التي استفادت من الهجمات الأخيرة التي نفذتها القوات التركية ضدنا». وتابع، أن على الدولة التركية «أن تعي جيداً أننا لسنا كما كنا من قبل، فالمعارك التي خضناها ضدها وضد (داعش) أعطتنا الخبرة القتالية، ونحن على أتم الاستعداد لأي حرب ستشن علينا».

وتشهد مناطق وأجواء شمال شرقي سوريا تزاحماً دولياً وإقليمياً براً وجواً بين الجيش الأميركي والقوات الروسية والطائرات التركية المسيّرة؛ في حين استنفرت جميع الجهات السورية المتحاربة ورفعت جاهزيتها وعززت مواقعها ونقاطها العسكرية على طول خطوط الجبهة. فقد أرسلت قوات «قسد» المزيد من التعزيزات العسكرية إلى نقاط التماس في كل من ريف حلب الشرقي والرقة الشمالي والحسكة من جهة ريفها الشمالي الغربي، في حين وصلت حشود من القوات الحكومية السورية إلى مواقعها في نقاط التماس، سيما في ريف حلب الشمالي وبلدة تل رفعت الاستراتيجية. أما الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا والقوات التركية، فقد حشدت قواتها في مناطق عملياتها العسكرية: «نبع السلام» بالحسكة والرقة، و«غصن الزيتون» بحلب.

من جانبه، قال المتحدث باسم قوات «مجلس منبج العسكري» التابعة لـ«قسد» شرفان درويش لـ«الشرق الأوسط»، إن «أي هجوم تركي على المنطقة ستكون له عواقب وخيمة وكارثية على مستقبل سوريا والحرب ضد الإرهاب»، لافتاً إلى أن قوات المجلس في ريف حلب الشرقي امتلكت الخبرة الكافية للتصدي لأي هجوم. وأوضح «خلال 6 أعوام استطعنا إنشاء منظومة دفاعية قوية بالتدريب والانضباط، فقواتنا لديها خبرات كبيرة جداً إلى جانب تكاتف شعبنا معنا في سبيل ردع تركيا والوقوف في وجه مطامعها الاحتلالية التوسعية». وذكر القيادي العسكري، أن الوضع السياسي في سوريا يحتاج إلى حلول سياسية لا عسكرية و«كل المبررات والحجج التي تتحدث عنها تركيا لحماية أمنها القومي كاذبة، فالحروب والاحتلالات لا تجلب سوى الخراب والدمار، يجب البحث عن الحلول ولغة الحوار لحل الأزمة وأي هجمات ستفاقم الأزمة أكثر».

يذكر، أن مدينة منبج بريف حلب الشرقي وبلدة تل رفعت بريفها الشمالي من بين الأهداف التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال العملية العسكرية المرتقبة. وتعد منبج صلة وصل تمتد أراضيها جغرافياً إلى مدينة حلب شمالاً وريف محافظة الرقة شرقاً ومنها إلى دير الزور والحسكة، بينما تقع تل رفعت على الطريق الدولية المعروفة بـ(214)، وهي طريق تجارية تربط مدينتي غازي عنتاب التركية بمدينة حلب السورية.

———————

تسيطر عليهما قوات “سوريا الديمقراطية” منذ 2016.. أي أهمية لمدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب؟/ عمر يوسف

أنعشت العملية المرتقبة، التي تعتزم أنقرة إطلاقها شمال سوريا، آمال الآلاف من النازحين السوريين من سكان تل رفعت في ريف حلب بالعودة إلى الديار، سيما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خص هذه المدينة بالذكر، إلى جانب منبج الواقعة في ريف حلب غربي نهر الفرات، كأبرز الأهداف القادمة.

ومع تصاعد التصريحات التركية الرسمية يأمل سكان المدينة، التي خرجت مبكرا عن سلطة النظام السوري بداية الثورة السورية عام 2011، أن يعودوا إليها بعد نزوح مستمر منذ 6 سنوات يقضونه في مخيمات عشوائية قرب الحدود مع تركيا.

– أعزاز – نازحون من تل رفعت يتظاهرون تأييدا للعملية العسكرية التركية أملا في العودة لديارهم – عمر يوسف (الجزيرة نت)

نازحون من تل رفعت يتظاهرون تأييدا للعملية العسكرية التركية أملا في العودة لديارهم (الجزيرة)

أهداف العملية

وفي الأثناء، تسيطر ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية على تل رفعت منذ عام 2016، وتعتبر المدينة أشبه بقاعدة عسكرية لها، وتشهد مؤخرا استعدادات عسكرية غير مسبوقة من أبرزها حفر أنفاق عسكرية وتلغيم المداخل الرئيسة المحيطة.

رئيس المكتب السياسي لمدينة تل رفعت، بشير عليطو، أكد أن العملية التركية تلك تحقق أهدافا عدة، من أبرزها تأمين حدود تركيا من خطر الإرهاب، وحماية مدن وبلدات ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، مثل أعزاز ومارع، التي تقصفها قوات “سوريا الديمقراطية” انطلاقا من تل رفعت المجاورة.

وقال عليطو -في حديث للجزيرة نت- إن الآلاف من سكان المدينة يتمنون العودة لبيوتهم، لتحسين حياة أطفالهم وتعليمهم ورفع المعاناة عن النساء والشيوخ والعيش بحياة كريمة، مؤكدا أنهم يشعرون بالخذلان من المجتمع الدولي لأنهم كانوا أول من قاتل تنظيم الدولة الإسلامية.

ورأى أن العودة إن تحققت فسوف يعمل الأهالي على جعل المدينة نموذجا من حيث الخدمات والتعليم، مستبعدا أن تكون هناك أية تخوفات من حدوث فوضى أو تجاوزات، لما يمتلكه الأهالي من تجربة سابقة ناجحة في إدارة الشؤون المدنية.

مدينة محتلة

بدوره، رأى محمد أبو وحيد عضو المكتب الإعلامي لتل رفعت أن مدينته محتلة بالكامل وتوجد فيها عوائل من قوات “سوريا الديمقراطية” وأخرى للنظام السوري، في حين يسكن أهلها بمخيمات النازحين، وسط ظروف إنسانية صعبة.

وقال أبو وحيد -للجزيرة نت- إن سكان المدينة يتخوفون على منازلهم وممتلكاتهم، بعد الأخبار التي وصلتهم عن قيام قوات “سوريا الديمقراطية” بتلغيم المنازل وحفر الأنفاق وتدمير البنى التحتية.

ليس بعيدا عن تل رفعت، تبدو منبج بريف حلب الشرقي، وهي الأقرب لنهر الفرات، الهدف المتوقع الثاني القادم للعملية العسكرية التركية، نظرا لما تحمله من أهمية إستراتيجية يقدمها موقع المتحكم بين مناطق شرق وغرب الفرات.

وتسيطر قوات “سوريا الديمقراطية” على المدينة منذ منتصف عام 2016، بعد انسحاب تنظيم الدولة منها، ويسكنها آلاف النازحين من مناطق محافظات الرقة وحلب ودير الزور.

وتختلف منبج عن تل رفعت لكونها مركزا اقتصاديا نشطا، وتحوي على عدد من كبير من المنشآت الصناعية النشطة المتخصصة في الأغذية والأدوية والدهانات والأدوات الزراعية.

سيطرة فصائل المعارضة السورية والقوات التركية على منبج تعني ضم إحدى أكبر المدن الشمال السوري للمنطقة الآمنة، والتي يمكن أن تستوعب مع ريفها قرابة نصف مليون شخص، وفق مدير مركز “جسور للدراسات” محمد سرميني.

ويشير سرميني إلى أن المنطقة تحوي على سد تشرين الذي يُعتبر أحد أهم مصادر إمداد المنطقة بالكهرباء، وستكون لدى المعارضة فرصة عسكرية أكبر للوصول إلى منطقة عين العرب (كوباني) في حال عزمت لاحقا بدعم من أنقرة على استعادة السيطرة عليها.

ويقول -في حديث للجزيرة نت- إن السيطرة على منبج تعني حرمان قوات “سوريا الديمقراطية” من إحدى أهم المناطق التجارية التي كانت تعتمد عليها، عدا إنهاء وجود وأنشطة حزب العمال الكردستاني بشكل نهائي من غرب الفرات، وبالتالي تقويض مشروع الإدارة الذاتية بشكل أكبر.

المصدر : الجزيرة

———————-

واشنطن لا تستطيع إيقاف العملية العسكرية التركية في سوريا. زمان تركية

قالت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة تخشى أن تشن تركيا هجوما جديدا في شمال سوريا رغم تحذيرات واشنطن.

وقالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، في جلسة استماع بالكونجرس يوم الأربعاء: “نشعر بقلق عميق إزاء التصريحات المتزايدة من تركيا مؤخرًا بشأن التحركات العسكرية المحتملة في شمال سوريا”.

وأكدت الدبلوماسية الأمريكية أنهم كثفوا من التزاماتهم الدبلوماسية في محاولة لوقف وقف ذلك التحرك العسكري المحتمل في شمال سوريا.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت أنقرة ستتخلى عن مثل هذه الخطط في ضوء الجهود الأمريكية، أجابت ليف: “لا أستطيع أن أؤكد لكم أنهم سوف يفعلون ذلك.”

هددت حكومة حزب العدالة والتنمية منذ أواخر مايو / أيار بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا لاستهداف المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل تركيا ووشنطن وبروكسل.

غير أن الغرب والولايات المتحدة يفرقون بين حزب العمال الكردستاني وجماعات كردية أخرى، مثل وحدات حماية الشعب(YPG)، حيث تتحالف معها ضد تنظيم داعش.

حذرت واشنطن مرارًا وتكرارًا من عملية جديدة تركية في سوريا، وسط انشغال الناتو بقضية انضمام السويد وفنلند إلى الحلف وروسيا بالحرب في أوكرانيا، معتبرة أن مثل هذه العملية تهدد بزعزعة استقرار المنطقة وتعرض مكافحة الجهاديين للخطر.

——————-

تباين تركي ـ روسي بشأن العملية العسكرية المحتملة شمال سوريا/ سعيد عبد الرازق

لافروف ذكّر أنقرة بتعهدات سوتشي واتهم واشنطن بدعم تنظيمات بشكل غير قانوني

عكست المباحثات بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في أنقرة أمس (الأربعاء)، تباينات في مواقف بلديهما بشأن الملف السوري والعملية العسكرية التركية المحتملة ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا؛ إذ ذكّر لافروف أنقرة بتعهداتها في سوتشي والقاضية بوقف العمليات العسكرية وإنشاء منطقة منزوعة السلاح.

ووقّع الرئيسان الروسي والتركي مذكرة تفاهم في سوتشي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 التزمت تركيا بموجبها بوقف عملية «نبع السلام» العسكرية. وتضمنت أيضاً إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين القوات التركية والفصائل الموالية لها وتسيير دوريات روسية – تركية مشتركة على جانبيها لضمان وقف إطلاق النار.

والأسبوع الماضي حذّرت روسيا من أي تحرك عسكري تركي في المنطقة، مؤكدة أن الحل يكمن في نشر قوات أمن سورية على الحدود مع تركيا.

وقال جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع لافروف عقب المباحثات، إن «هناك تهديداً متصاعداً من التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا، وعلينا اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه التهديدات»، مضيفاً «أكدنا خلال المباحثات ضرورة حماية الحدود التركية – السورية من التنظيمات الإرهابية»، في إشارة إلى «قسد»، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية غالبية قوامها، وتعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، المصنف لديها كمنظمة إرهابية، في سوريا.

وتابع جاويش أوغلو «يجب تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا… الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تدعم الإرهابيين في شمال سوريا»، لافتاً إلى أن اعتراض بلاده على انضمام السويد وفنلندا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) «ليس لها أي سبب آخر سوى دعمهما للتنظيمات الإرهابية» التي تعمل ضدها.

وأضاف «نحن نعلق أهمية خاصة على وحدة أراضي سورية، لكن هناك صعوبات يجب التعامل معها… تركيا تتوقع من الولايات المتحدة وروسيا الوفاء بالتزاماتهما بشأن تطهير سوريا من الإرهابيين»، في إشارة إلى مذكرتي التفاهم الموقعتين مع كل من واشنطن وموسكو في 17 و22 أكتوبر 2019 بشأن وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية وانسحاب «قسد» إلى مسافة 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية.

وأشار جاويش أوغلو إلى أن نظام الأسد لا يبدي أي استعداد للتقارب كطرف في الحل السياسي السوري، ومن الضروري زيادة الضغوط عليه للجلوس إلى مائدة الحوار.

من جانبه، اكتفى لافروف رداً على سؤال عن العملية العسكرية التركية المحتملة، بالقول «إننا نأخذ في الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم». وأضاف، أن «الولايات المتحدة ترعى تنظيمات عدة في سوريا بشكل غير قانوني». وأشار لافروف إلى أن «الاتفاقات مع تركيا بشأن إدلب تنفذ ببطء، لكن الطرفين ملتزمان بها». وأضاف «تم إبرام أكثر من اتفاق خلال لقاءات بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين، بما فيها مذكرة سوتشي عام 2019… المذكرة تناولت ضرورة حل المشكلة في منطقة خفض التصعيد في إدلب. في كلتا الحالتين، يتم تنفيذ الاتفاقات التي تم إبرامها ببطء».

وقبل المباحثات، كشف مسؤول تركي كبير لوكالة «رويترز» عن أن لافروف سيسأل عن معلومات المخابرات، التي قال إنها تشير إلى وصول قوات من جيش النظام والميليشيات المدعومة من إيران إلى تل رفعت أو تتجه إلى هناك، مؤكداً أن تركيا ستنفذ العملية العسكرية في شمال سوريا بطريقة أو بأخرى.

ونقلت الوكالة عن مسؤولين أتراك وآخرين في المعارضة السورية المسلحة، أن جيش النظام عزز قواته في شمال سوريا، في وقت تستعد فيه تركيا لشن عملية عسكرية تستهدف إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

وبحسب المتحدث باسم الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، يوسف حمود، تعزز روسيا مواقعها بالقرب من تل رفعت ومنبج والضواحي الجنوبية لعين العرب (كوباني) وعين عيسى، وتقع جميع هذه البلدات على بعد 40 كيلومتراً من الحدود التركية.

وأضاف حمود لـ«رويترز»، «منذ الإعلان عن العملية التركية، أعلن النظام السوري وميليشياته الإيرانية التعبئة ويرسلون تعزيزات إلى وحدات حماية الشعب الكردية. وأنهم رصدوا طائرات هليكوبتر روسية تهبط في قاعدة جوية قريبة من تل رفعت».

في الوقت ذاته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القوات الروسية أرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدتها في «المباقر» بريف تل تمر شمال غربي الحسكة، الواقعة تحت سيطرة «قسد» والنظام، تتألف من ناقلات جند ومدرعات وعربات عسكرية مغلقة، بالإضافة إلى رادارات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة بينها مضاد للطيران.

كما يواصل الطيران الحربي الروسي تحليقه المكثف يومياً على طول خطوط التماس بين قوات «قسد» والنظام من جهة، وفصائل «الجيش الوطني السوري» والقوات التركية من جهة أخرى بريف مدينة منبج شرق حلب، مروراً بالقامشلي ووصولاً إلى أبو راسين وعامودا والدرباسية بريف الحسكة الشمالي والشمالي الغربي، عند الحدود السورية – التركية.

وصعّدت القوات التركية والجيش الوطني من قصفهما على مدينة منبج والأرياف التابعة لها خلال الأيام العشرة الماضية منذ إعلان الرئيس رجب طيب إردوغان عن عملية عسكرية محتملة ستشمل منبج وتل رفعت، وأطلقت 445 قذيفة على المنطقة، وفق ما أعلن المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها التابع لـ«قسد».

وذكر مجلس منبج العسكري، في بيان أمس، أن القوات التركية والجيش الوطني استهدفا القرى المأهولة بالسكان بشكل يومي بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

الشرق الأوسط

—————————-

أفكار لقوى كردية لتجنيب شمال سورية عملية عسكرية تركية/ أمين العاصي

لم تنقطع المحاولات الهادفة إلى تجنيب الشمال السوري تدخلاً عسكرياً تركياً جديداً، بعدما تحولت المنطقة إلى ميدان تنافس بين مختلف الفرقاء الفاعلين في المشهد السوري.

وتطرح عدة تيارات ومجالس كردية سورية، وغير كردية، رؤى للحيلولة دون عملية عسكرية تركية واسعة النطاق، من المرجح أن يكون أكراد سورية أكبر المتضررين منها.

وفي هذا الصدد، دعا المجلس الوطني الكردي، الذي يضم عديد الأحزاب السورية الكردية وينضوي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حزب العمال الكردستاني إلى ترك “الساحة السورية”.

وتعتبر أنقرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على منطقة شرق الفرات، ومناطق أخرى في غربه، نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني. ودعا المجلس، على لسان القيادي فيه، فؤاد عليكو، أنصار هذا الحزب إلى “حوار هادف” للتفاهم على إدارة

وأعرب عليكو، في تصريح لموقع “باسنيوز” الكردي أمس الأول الثلاثاء، عن اعتقاده أن الولايات المتحدة لم تعط تركيا ضوءاً أخضر لبدء عملية عسكرية في شمال سورية، و”لن تفعل ذلك لأسباب عدة، أبرزها خشية واشنطن من ترك قوات سورية الديمقراطية المناطق التي تسيطر عليها في الرقة ودير الزور، الأمر الذي يوفر مناخاً مناسباً لعودة تنظيم “داعش” إلى تلك المنطقة مجدداً، وهذا ما لا ترغب فيه أميركا”.

ويُعَدّ وجود حزب العمال الكردستاني في سورية السبب الرئيسي للجانب التركي للتدخل في الشمال السوري، حيث يتخوف الأتراك من تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرق سورية، يتحول إلى تهديد مباشر لأمنهم القومي.

ونشط الطيران التركي المسيّر في الآونة الأخيرة باستهداف قياديين في “العمال” غير سوريين، موجودين داخل الأراضي السورية، آخرهم كان القيادية مزكين بوتان، التي تحمل الجنسية الإيرانية، والتي قُتلت قبل أيام جراء استهداف سيارتها في قرية بيت حنون بريف مدينة القامشلي.

وبيّن المنسق العام لـ”حركة الإصلاح الكردي”، عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي”، فيصل يوسف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المجلس يرى أن “التدخلات العسكرية تعقد الأوضاع المتأزمة في البلاد وتسهم في استفحالها”.

الحل بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بسورية

وأضاف: نعتقد أن الحل يكمن في تطبيق القرارات الدولية الخاصة بسورية. بات معلوماً للمجتمع الدولي موجات النزوح واللجوء والمآسي التي حدثت للمواطنين في أعقاب أي تدخل عسكري.

وأوضح يوسف أن المجلس “أسمع موقفه للرأي العام ولقوى المعارضة السورية والولايات المتحدة وبعض الدول”، مشيراً إلى أن “المجلس فصيل سياسي معارض يسعى للحل وفق القرارات الدولية، التي يجب أن تنهي معاناة الشعب السوري، بكل مكوناته الدينية والقومية، وبناء دولته بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والدولية”.

ولطالما سعى المجلس الوطني الكردي لإدخال قوات البشمركة السورية المتمركزة في شمال العراق إلى شرق الفرات وتولي حماية الحدود السورية التركية، إلا أن “قسد”، التي تهيمن عليها “الوحدات” الكردية، ترفض أي مشاركة في القرارين الأمني والعسكري من قبل أي طرف آخر.

وكانت هذه المسألة سبباً رئيسياً في إفشال الحوار بين أحزاب الإدارة الذاتية، بقيادة “الاتحاد الديمقراطي”، والمجلس الوطني الكردي، رغم الرعاية الأميركية لهذا الحوار، الذي توقف منذ أكثر من عام.

ويرفض حزب الاتحاد الديمقراطي مبدأ فك الارتباط بحزب العمال الكردستاني لتهيئة الأرضية لحوار محتمل مع المعارضة السورية، التي ترفض الجلوس إلى أي طاولة تفاوض مع “الإدارة الذاتية” أو “مجلس سورية الديمقراطية” (الواجهة السياسية لـ”قسد”) قبل خروج كوادر حزب العمال الكردستاني من سورية.

ضغط أميركي على تركيا لمنع العمل العسكري

وفي السياق، رأى القيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية بشير إسحق سعدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “يمكن تجنب العملية العسكرية التركية في الشمال السوري”، موضحاً أن على قيادة “الإدارة الذاتية” إقناع الجانب الأميركي بالضغط على تركيا لمنعها من الشروع بأي عمل عسكري.

وأشار إلى ضرورة أن يترافق هذا الأمر مع تقديم ضمانات للجانب التركي بإجراء هيكلة جديدة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، لتكون معبّرة عن حقيقة القوى السياسية والاجتماعية بالمنطقة دون هيمنة لحزب دون آخر.

وقال: “يجب أن تختفي شعارات وصور شخصيات غير سورية عابرة للحدود (في إشارة إلى عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا)، من الشمال الشرقي من سورية”.

واعتبر أن “إجراء انتخابات حرة ونزيهة لاختيار إدارة جديدة تعكس حقيقة اللوحة السياسية والاجتماعية بالمنطقة، وسيلة لسحب الذريعة التركية التي تدعي أن عمليتها تهدف إلى محاربة التنظيم الإرهابي“، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي.

وفي المقابل، يبدو أن رابطة الأكراد السوريين المستقلين، المنضوية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، ترحب بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري من قبل الجانب التركي، وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به.

وفي هذا الصدد، أعرب نائب رئيس الرابطة رديف مصطفى عن اعتقاده أن “عملية عسكرية تركية مشتركة مع فصائل الجيش الوطني ضد مليشيا العمال الكردستاني وشيكة”.

إنشاء المنطقة الآمنة مصلحة مشتركة

كذلك أعرب عن اعتقاده، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “إنشاء المنطقة الآمنة مصلحة سورية تركية مشتركة، فتركيا تحافظ على أمنها القومي، والسوريون يحررون مناطقهم من العمال الكردستاني، وهذا يفيد بعودة قسم من النازحين والمهجرين إلى ديارهم. ويفيد بالمعنى الاستراتيجي العملية السياسية، ويمنح المزيد من القوة لقوى المعارضة والثورة في العملية التفاوضية”.

وأشار مصطفى إلى أن “محاولات قسد للتوسل لنظام الإبادة، أو الروس، أو الإيرانيين، أو الأميركيين، لن تجدي نفعاً”، موضحاً أن فكرة دخول قوات البشمركة السورية لحماية الحدود مع تركيا “مستبعدة في الوقت الراهن”، مشيراً إلى أن هذا الأمر “خاضع لاتفاقات إقليمية ودولية”.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أنقرة أمس الأربعاء، إنه “يجب تطهير سورية من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا”، مشدداً على أن “تركيا لا يمكنها أن تتسامح مع الهجمات التي تشنها التنظيمات الإرهابية عليها”.

وأكد جاووش أوغلو ضرورة التمييز بين أكراد سورية و”الوحدات” الكردية وحزب العمال الكردستاني، لافتاً إلى دعم بعض الدول للوحدات، وفي مقدمتها أميركا. وتابع: “روسيا والولايات المتحدة الأميركية تعهدتا بتطهير مناطق في شمال سورية من التنظيم الإرهابي، ومن حقنا أن نطالب بالوفاء بهذه التعهدات”.

ورداً على سؤال عن اجتماعات لجنة صياغة الدستور السوري، قال جاووش أوغلو إن “الموقف السلبي للنظام السوري أدى إلى فشل الجولة الثامنة لتلك الاجتماعات”. وشدد على أن “تركيا تؤيد استمرار مباحثات أستانة”، مبيناً أن “هذه المباحثات تحظى بدعم الأمم المتحدة أيضاً”. واعتبر أن “الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي. يجب جلوس النظام مع المعارضة المعتدلة إلى طاولة المفاوضات لإقرار مستقبل البلاد”.

من جهته، اتهم لافروف الولايات المتحدة بأنها ترعى عدة تنظيمات في سورية بشكل غير قانوني. وشدد على أن “روسيا تأخذ بالحسبان قلق أصدقائها الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم”، مشيراً إلى أن موسكو وأنقرة ستواصلان تعاونهما في مسألة سورية.

العربي الجديد

—————————-

بشار الأسد يتحدث عن “المقاومة الشعبية” لمواجهة عملية تركية محتملة

علق رأس النظام، بشار الأسد، على العملية العسكرية التركية المرتقبة شمال سورية، معتبراً أن ما أطلق عليها “المقاومة الشعبية”،هي من “ستواجه أي غزو تركي للأراضي السورية”.

وجاء ذلك خلال تسجيل فصير، نشرته “رئاسة الجمهورية” من مقابلة للأسد، ستُبث كاملة اليوم على قناة “روسيا اليوم”.

وقال:”إذا كان هناك غزو سيكون هناك مقاومة شعبية في المرحلة الأولى”، مشيراً إلى أنه “عندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة سنفعل هذا الشيء”.

وأضاف بأنه قبل عامين ونصف حصل صدام عسكري بين الجيش التركي وقواته، معتبراً أن “الجيش السوري تمكن من تدمير بعض الأهداف التركية التي دخلت الأراضي السورية، وأن الوضع سيكون نفسه بحسب ما تسمح الإمكانيات العسكرية، عدا عن ذلك سيكون هناك مقاومة شعبية”.

وتزامن ذلك مع وصول تعزيزات عسكرية من قوات الأسد إلى ريف حلب، حسب ما نشرت الصفحة الرسمية لقوات “الدفاع الوطني“، الرديفة لقوات الأسد.

ويظهر التسجيل حشوداً عسكرية، ومُسلحين يرفعون أعلام النظام وصور بشار الأسد.

وقالت الصفحة، إن التعزيزات العسكرية توجهت إلى منبج وتل رفعت للتصدي لما أسمته “العدوان التركي” المحتمل.

في حين نقل موقع “المنار” التابع لحزب الله اللبناني عن مصادره، أن “أرتالاً تضم آليات ومصفحات وجنود وصلت إلى محاور التماس في ريف حلب الشمالي، استعداداً لمواجهة أي عدوان قد تنفذه تركيا باتجاه الأراضي السورية”.

وكان قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، طالب قوات الأسد بتأمين أنظمة دفاع جوي ضد الطائرات المُسيرة، في حال شنت تركيا عملية عسكرية جديدة شمال سورية.

وقال عبدي في مقابلة مع وكالة “رويترز“، الأحد الماضي، إن “قواته منفتحة على العمل مع القوات السورية للقتال قبالة تركيا، لكن دون حاجة لإرسال قوات إضافية”.

وأضاف أن “الشيء الأساسي الذي يمكن أن يفعله الجيش السوري للدفاع عن الأراضي السورية، هو استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات التركية”.

يأتي ذلك في وقت تستعد فيه تركيا لشن عملية عسكرية محتملة، ضد “قوات سوريا الديمقراطية” شمال سورية.

وذكرت صحيفة “صباح” التركية، اليوم الخميس، أن الاستعدادات للعملية العسكرية في سورية قد اكتملت بانتظار الأوامر من أنقرة.

وأشارت إلى أن الهدف الرئيسي من الهجوم على منبج هو بلدة كاراكوزاك، والتي كانت تضم مقبرة سليمان شاه جدّ مؤسس السلطنة العثمانية.

كما أكدت أن الخطة التركية تهدف للوصول إلى سد تشرين على نهر الفرات، الذي يعتبر ذو أهمية استراتيجية، مشيرة إلى أن السيطرة على السد سيؤدي إلى حل مشكلة المياه والكهرباء في منطقة درع الفرات.

——————————

مسؤولة أمريكية: تركيا لن تتراجع عن شن العملية العسكرية في سورية

اعتبرت نائبة مستشار وزارة الخارجية الأمريكية، باربارا ليف، أن تركيا لن تتراجع عن العملية العسكرية، التي تهدد بشنها في شمالي سورية.

جاء ذلك في كلمة لها، أمس الأربعاء، خلال جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، حول مناقشة الوضع الإنساني في سورية.

وأعربت ليف عن “القلق البالغ”، من تصاعد خطاب تركيا، حول شن عملية عسكرية، ضد “قسد”، مشيرة إلى أن واشنطن كثفت محادثاتها الدبلوماسية مع المسؤولين الأتراك للتهدئة.

وفي ردها على سؤال أحد أعضاء اللجنة حول إمكانية تراجع تركيا عن العملية، قالت ليف:”نحن نعبر عن مخاوفنا، لكن لنكن صريحين فهم (الأتراك) لا يتراجعون”، حسب ما ذكرت وكالة “الأناضول” التركية.

وكانت واشنطن عبرت، خلال الأسبوع الماضي، عن قلقها من تلميحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول شن عملية عسكرية جديدة على الحدود الجنوبية لبلاده مع سورية.

وتزامنت التصريحات الأمريكية، مع تباين المواقف الروسي حيال التهديدات التركية، بشأن العملية العسكرية المحتملة.

وخلال مؤتمر صحفي لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، أمس الأربعاء، كان تعليق لافروف على العملية العسكرية مقتضباً.

واكتفى لافروف بالقول، رداً على سؤال حول موقف روسيا من العملية العسكرية التركية:”إننا نأخذ في الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم”.

وكانت روسيا حذرت الأسبوع الماضي، من أن تحرك عسكري في شمالي سورية، واعتبرت أن الحل يكمن في نشر قوات من نظام الأسد على الحدود التركية.

وجهة جديدة

في المقابل أكدت صحيفة “صباح” التركية، اليوم الخميس، أن الاستعدادات للعملية العسكرية في سورية قد اكتملت بانتظار الأوامر من أنقرة.

وقالت الصحيفة إن القوات المسلحة التركية و”الجيش الوطني السوري”، أكملوا استعداداتهم، بانتظار أمر من أنقرة لبدء العملية العسكرية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف الرئيسي من الهجوم على منبج هو بلدة كاراكوزاك، والتي كانت تضم مقبرة سليمان شاه جدّ مؤسس السلطنة العثمانية.

كما أكدت أن الخطة التركية هي الاستيلاء على سد تشرين على نهر الفرات، الذي يعتبر ذو أهمية استراتيجية، مشيرة إلى أن السيطرة على السد سيؤدي إلى حل مشكلة المياه والكهرباء في منطقة درع الفرات.

 وكان الرئيس التركي رجب طيب أردزغان، قد قال منذ أيام، أن العملية العسكرية التي تنوي بلاده تنفيذها، تسعى لاسنكمال مشروع “المنطقة الآمنة” في عمق 30 كيلو متراً شمالي سورية.

وتعتبر تركيا “قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة، التي تعتبر “قسد” شريكاً في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

—————————

====================

تحديث 10 حزيران 2022

————————

عملية جديدة في سورية؟/ مارك بييريني و فرانشيسكو سيكاردي

أطلقت تركيا أربع عمليات عسكرية على طول حدودها مع سورية بين العامَين 2016 و2020. ففي 26 أيار/مايو، تبنّى مجلس الأمن القومي التركي إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان بأن أنقرة ستنفّذ عملية عسكرية جديدة في شمال سورية “لتطهير حدودها الجنوبية من خطر الإرهاب”. يُشار إلى أن المدفعية التركية قصفت مواقع عدة في المنطقة منذ مطلع حزيران/يونيو، فيما كثّفت روسيا تسيير دورياتها العسكرية في الأجزاء الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري. لكن لماذا اختارت تركيا هذا التوقيت لتنفيذ عملية جديدة؟

تسيطر أنقرة على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال سورية، بيد أن محاولاتها السابقة الرامية إلى إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود التركية-السورية باءت بالفشل. فالقوات التركية والقوات التابعة لها لم تنجح في السيطرة على منطقة تبلغ قرابة 70 كيلومترًا وتمتدّ شرق مدينة كوباني وغربها، ومساحة أكبر من الأراضي المحيطة بمدينة القامشلي، وصولًا إلى نهر الفرات في الشرق. ففي هذه المناطق، أوقفت القوات الروسية مرارًا التوغّل التركي، فيما اتفقت موسكو وأنقرة على تنفيذ “دوريات مشتركة”.

يبدو أن تركيا باتت واثقة الآن من قدرتها على تجديد محاولة السيطرة بشكل كامل على بعض هذه المناطق، ما دفع أردوغان إلى الإعلان عن هذه العملية على الملأ. كذلك، صرّح الرئيس التركي بأن القوات التركية ستستهدف في البدء مدينتَي منبج وتل رفعت الواقعتَين غرب كوباني.

يبدو أن ثمة أربعة أسباب أساسية خلف هذه العملية. أولًا، سيشكل إحكام السيطرة الكاملة على منطقة آمنة إضافية على طول الحدود التركية-السورية استمرارًا منطقيًا للعمليات التركية السابقة في شمال سورية. ويندرج ذلك أيضًا في إطار المحور الأساسي للسياسة التركية، وهو محاربة حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة تنظيمًا إرهابيًا، وحليفه السوري المتمثّل بوحدات حماية الشعب. لا جديد في هذا الصدد سوى كسر الوضع القائم الذي تم الاتفاق بشأنه مع القوات الروسية على الأرض حين أُوقفت عملية نبع السلام في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019.

ثانيًا، ربما تعتقد أنقرة أن روسيا، المنهمكة بغزوها المديد لأوكرانيا، قد لا تملك الوقت والموارد اللازمة لمنع التوغّل التركي الجديد، ولا الشرعية السياسية للاعتراض عليه نظرًا إلى العمليات التي تشنّها في دونباس. لكن تجدر الإشارة إلى أن روسيا، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أرسلت تعزيزات إلى قاعدتها في مطار القامشلي تضمّ طائرات ومروحيات وصواريخ مضادة للطائرات. وكشف المصدر نفسه عن تواجد قوات أميركية أيضًا في الطرف الجنوبي لتلك المنطقة.

ثالثًا، ترى الدول الغربية أن ثمّة من دون شكّ بعدًا سياسيًا محليًا لمثل هذه العملية، على غرار اعتراض تركيا على توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليشمل فنلندا والسويد. ففيما يواجه أردوغان نتائج غير مؤاتية إلى حدٍّ كبير في استطلاعات الرأي لمرحلة ما قبل الانتخابات ووضعًا اقتصاديًا مزريًا، بما في ذلك معدلات تضخم مرتفعة ومستويات متدنية من الاستثمار الأجنبي، تبدو محاولاته الرامية إلى حشد الناخبين وكمّ أفواه منتقديه من ائتلاف المعارضة حول قضية متعلقة بالمصلحة الوطنية واضحة. علاوةً على ذلك، كلما زادت القوى الأجنبية وتيرة انتقاداتها للعملية، كلما رأت فيها القيادة التركية فائدة أكبر، إذ إنها تسعى دائمًا إلى تصوير نفسها كقوة مستقلة عن روسيا والغرب.

رابعًا، إذا أثبتت العملية نجاحها واستدامتها، قد تعزّز خطة أنقرة التي تقضي “بإعادة اللاجئين السوريين ]في تركيا[ طواعيةً إلى وطنهم”، وبالتالي قد تسجّل نجاحًا جديدًا على الساحة السياسية الداخلية، وسط تزايد الاستياء من وجود اللاجئين في البلاد.

لكن المسألة الأساسية بالنسبة إلى القيادة التركية تتمحور حول تقييم المخاطر التي تنطوي عليها هذه العملية، إذ لا شكّ أن الولايات المتحدة ستُعارض عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سورية. وجاء تأكيد ذلك على لسان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 1 حزيران/يونيو، حين قال إن واشنطن “تدعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية”. وبالتالي، قد يعمد الاتحاد الأوروبي إلى تبنّي الموقف عينه.

تُبقي الولايات المتحدة فرقة صغيرة قوامها 900 جندي في شمال شرق سورية، وتهدف في الدرجة الأولى إلى منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. وقد شكّل تعاون واشنطن مع وحدات حماية الشعب في هذه المنطقة إحدى أكثر المسائل الشائكة التي تواجه العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة. وبالتالي، قد تصطدم أي عملية تركية جديدة بالمصالح الأميركية على الأرض، ما قد يفاقم بشكل إضافي الخلاف الدبلوماسي بين تركيا وحلفائها الغربيين حول بيع الطائرات الحربية الأميركية، والعلاقات مع روسيا، وتوسيع نطاق الناتو.

بالإضافة إلى ذلك، من المستبعد أن يحظى أمل تركيا بجذب المساعدات الإنسانية الدولية لإعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سورية بدعم كبير، وذلك لأسباب واضحة، أبرزها أن العمليات المتتالية في شمال سورية لا تمتلك أي تفويض دولي. وتبرز مؤشرات على حدوث تغيير ديموغرافي ضخم، إذ إن غالبية اللاجئين السوريين المتواجدين راهنًا في تركيا هم من العرب السنّة، لذا من شأن نقلهم إلى شمال سورية أن يساعد تركيا على تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تحجيم وجود السكان الأكراد الذين يعيشون هناك. وتأمل أنقرة أن تمكّنها هذه الخطوة من ضمان أمنها على المدى الطويل. علاوةً على ذلك، تُبدي المناطق السورية الأخرى الخاضعة للسيطرة التركية مؤشرات الاستمرار، إذ إن أنقرة تعيّن الهياكل الإدارية والأمنية المحلية، وتقوم بإدارة الخدمات العامة كالصحة ومكاتب البريد، ناهيك عن أن العملة المستخدمة بحكم الأمر الواقع هي الليرة التركية.

وفي 2 حزيران/يونيو، أعربت روسيا أيضًا عن معارضتها تنفيذ عملية مماثلة بعبارات واضحة ولا لبس فيها، ومفادها: “نأمل أن تمتنع أنقرة عن تنفيذ أي خطوات من شأنها التسبّب بتدهور خطير للوضع الصعب أساسًا في سورية”. لكنها عبّرت في الوقت نفسه عن تفهمها “للتهديدات التي تطرحها المناطق الحدودية على الأمن القومي [التركي]”.

وأشار بيان رسمي صادر عن رئاسة الجمهورية التركية إلى أن العملية المخطط لها في الشمال السوري جرى التداول بشأنها في مكالمة هاتفية بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 30 أيار/مايو، لكن لم يتطرّق بيان موازٍ من الكرملين إلى هذه المسألة. لا بدّ من الإشارة إلى أن روسيا تدعم نظام الأسد في سورية، وتؤيّد سيادة البلاد الكاملة ووحدة أراضيها. وعلى الرغم من الثقة التي أبدتها الدوائر الرسمية في أنقرة، من الصعب فهم سبب سماح روسيا لعضو في الناتو بالتحرّك بمثل هذا التصميم ضدّ سياستها في سورية، فيما تواجه موسكو التكتّل الغربي بأكمله بعد غزوها لأوكرانيا. فأي فشل لموسكو في حماية مصالحها في المنطقة سيُعتبر على نطاق واسع أنه مؤشّر ضعف.

إن العلاقة بين أردوغان وبوتين معقّدة، وقد وقعت خلال السنوات الأخيرة أحداث خطيرة للغاية بين جيشَيهما على الأراضي السورية وفي المجال الجوي السوري. وإن لم نفترض وجود تفاهم سريّ قائم، قد تكون المخاطر المحيطة بأنقرة هذه المرة أكبر من ذي قبل.

مؤسسة كارنيغي

———————————

الشمال السوري بين التهديد التركي والاستثناء الأميركي من العقوبات/ شفان إبراهيم

تتضارب التوقعات حول تأجيل الضربة التركية في شمال سورية (أو تنفيذها) وما بين جدّية الإدارة الأميركية في استثناء هذه المنطقة من تداعيات عقوبات قانون قيصر، أو عدّها كغيرها من الوعود والتصريحات الأميركية بشأن المنطقة، فالرئيس أردوغان والإعلام التركي يقرعان طبول الحرب على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تزعم تركيا أنها استكمال لمشروع المنطقة الآمنة التي تسعى إلى تنفيذها، وجدد الرئيس أردوغان الحديث لوسائل إعلام تركية عن اقتراب موعد عملية عسكرية جديدة في شمالي سورية، مؤكداً أن بلاده تقوم بـ”خطوات لازمة” في المنطقة، وأنهم لا “يريدون أن يزعجهم أحد”، وأنهم مزّقوا الممر المراد تشكيله على حدودهم، في إشارة إلى عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ودرع الربيع والمخلب في سورية، والقفل في العراق.

ويشهد الشمال السوري تسخيناً ميدانياً، سواء في مناطق سيطرة “قسد” في شمال تل تمر وعين عيسى واستمرار المسيرات التركية باستهداف مواقع أو شخصيات عسكرية ومدنية، أو قصف بعض نقاط تمركز الجيش السوري في غرب تل تمر، عدا عن اشتباكات بالرشاشات الثقيلة على محوري ريف إدلب وريف حلب الغربي، فيما استهدفت فصائل المعارضة تجمّعات الجيش السوري على محور الفوج 46 غربي حلب. في المقابل، قصفت القوات الحكومية السورية بالمدفعية ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وأطراف شرقي جبل الزاوية في ريف إدلب، حيث انتشار قواعد ونقاط تمركز القوات التركية. وفي الجانب الآخر من معادلة إدارة المناطق الحدودية الشمالية، فوّض الرئيس الأميركي بايدن وزير الدفاع لويد أوستن بالصلاحيات المطلوبة لاتخاذ القرارات بشأن الترخيص للشراكات المستثناة في الشمال السوري من العقوبات. وقال بيان صادر عن البيت الأبيض إن الرئيس “بموجب السلطة المخولة له وفق دستور وقوانين الولايات المتحدة، فوّض وزير الدفاع بالسلطة والمهام المخوّلة للرئيس لتفويض الدفاع الوطني للتنازل عن قيود معينة على تكلفة مشاريع البناء والإصلاح لدعم حملة مكافحة داعش في العراق وسورية.. ويتضمن اتخاذ أي قرارات متعلقة، وتقديم أي إخطارات متعلقة بالترخيص بشأن العقوبات للكونغرس”.

في قراءة الموقفين – الحدثين: أولاً، التعزيزات العسكرية للجنوب التركي المحاذي لمنبج وتل رفعت، حيث تسيطر “قسد” منذ 2016، أو القصف المدفعي على باقي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فإن خمس مُحدّدات مرتبطة مرتقبة حول تلك العملية، أولها: من خلال سياقات المسارات السياسية لسورية والمؤتمرات الدولية، قضية مياه سد الفرات، العمليات العسكرية السابقة، والتهديدات المستمرّة. الواضح أن تركيا لن تسمح بوجود كيان سياسي مرتبط عضوياً بـ”العمال الكردستاني”، كما أن مستقبل المنطقة الكردية سيبقى مرهوناً بمدى التوافق والمصالح التركية معها ونوعية وآلية إدارة المنطقة وحجم النفاذ الاقتصادي لأنقرة في كامل الشمال السوري. وثانيتها: إصرار تركي على تنفيذ مشروعها “الحلم” في إبعاد “قسد” 30 كلم لا يزال يراود مخيلة القيادة التركية السياسية والعسكرية. وثالثتها: غضب تركي رسمي لعدم تنفيذ واشنطن وموسكو التفاهمات والتعهدات مع أنقرة بالشكل الكامل، خصوصا الاتفاقيات خلال عملية نبع السلام. لذلك يتكرّر سيناريو التلويح بالعمليات العسكرية بين حين وآخر، ورابعتها: مخاوف تركية من استغلال إيران سياسة ملء المكان في حال حدوث أي انسحاب روسي ولو جزئي، والتي عبرت وزارة الخارجية السورية عن رفضها العلني تلك العمليات. وذكرت أن التدخل العسكري يُعتبر “تناقضاً مع تفاهمات مسار أستانة ومخرجاته وتهديداً لسلم المنطقة وأمنها، وأن تلك الهجمات ستؤدي إلى نسف التفاهمات السابقة برعاية دولية، في ما يخصّ خطوط مناطق خفض التصعيد”، والذي تشترك موسكو في مخاوفها مع أنقرة من تمدد قوات إقليمية عديدة إلى هناك، خاصة أن تل رفعت يقع بالقرب من بلدتي “نبل والزهراء” ذواتي الغالبية الشيعية والتي توجد فيها قوات إيرانية، وهما بلدتان تحاذيان الطريق العام الرابط بين حلب وأعزاز الحدودية مع تركيا التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وليس من مصلحة إيران والقوات الحكومية السورية أن تسيطر تركيا على تل رفعت، لأن ذلك سيعني ربط الطريق البرّي بين حلب وتركيا لتنشيط حركة التجارة. وخامستها: لا يمكن إعادة سبب تأخر تنفيذ تركيا تهديداتها إلى إنها قضية تتعلق بالتحضيرات اللوجستية فحسب، بل ثمّة شبكة معقدة من العلاقات وتوفير “الأمان السياسي” لتسويغ العملية، ومحاولة تركيا الحصول على موافقة أغلب الأطراف الفاعلة في الشأن السوري. ولعل تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف عن نية أميركا تقسيم سورية عبر دعم الكرد، قرأته تركيا إشارة إلى موافقة ضمنية لأي عملية عسكرية تركيا في “شرق الفرات”، والابتعاد عن غربه. لذا، يدخل التهديد التركي في منحيين، أولهما: الضغط على واشنطن وموسكو للإيفاء بالتزاماتهما، وفي حال تحققها، ربما تؤجّل العملية، في الوقت الراهن. أو إن التنفيذ التركي لن ينتظر موافقة الدولتين، ولن تكون عملية واسعة النطاق، بالرغم من إنها أحد أبرز الأهداف التركية المرحّلة، وتبقى ضمن عمق التطلعات المستقبلية وبنيتها إلى حين الحصول على ظروف استراتيجية لجانبها تشكل صلابة الاعتماد عليها لتنفيذ مخططها.

جديد التهديدات التركية، هذه المرّة، يدور حول نوعيتها من حيث التوقيت والسياق العام المرتبط بالحرب الروسية على أوكرانيا، والتي جعلت موسكو مشغولة عن الملف السوري إلى حدٍ ما، ورغبة تركيا باستغلال أي فراغ محتمل أو ضعف للوجود الروسي والسرعة لملء المكان. لذا، ارتفاع حدّية الخطاب والتهديدات التركية الحقيقية ضد مناطق نفوذ “قسد” هي رسالة توكيد قوة أنقرة ووجودها في الساحتين، الإقليمية والدولية، تمكّنها من لعب أي دور ينيطه بها من الغرب، وإمكانيتها العمل منفردة عنه، خصوصا خلال الأحداث أخيرا، ولعبها دور “فاعل الخير” بين موسكو وكييف”، ودور أنقرة في مواجهة التحدّيات المتربصة بقضايا الغاز والطاقة في أوروبا، والظهور بدور القوي في حلف الناتو، ورفضها انضمام فنلندا والسويد لها، ما لم تتحقّق مطالبها، خصوصا ضد “قسد”، إضافة إلى أبرز ورقة قوة بيدها (اللاجئون السوريون) والتهديد المستمر بإعادة مليون سوري إلى الداخل، وأحد أبرز متطلبات تنفيذ المشروع هو ما تسميها أنقرة “المنطقة الآمنة”.

ثانياً: قرار الاستثناء: واضح أن قرار إعفاء الشركات من العقوبات في الشمال السوري يتطوّر، وإن ببطء، لكن التنفيذ يتطلب جملة من الشروط، في مقدمتها، في المرحلة الأولى، تقريب هياكل الحكم المحلية في الشمال السوري، فوجود شركات أميركية – أوروبية يعني، بالضرورة، وجود قانون ونظام سياسي يحميان تلك الشركات، في حين أن أغلب القوانين الموجودة والقرارات يُمكن لها أن تتغير في أيّ لحظة، وتلك الشركات العالمية تمتلك رؤوس أموال ضخمة جداً، غالباً ما تساهم في صناعة القرارات الدولية، لن تدخل في منطقةٍ من دون تغيير جذري في بنيتها السياسية والإدارية. وهو ما يتطلب تعديلا كاملا في الوثائق السياسية والعقد الاجتماعي والتشبيك الإداري، وإيجاد صيغة تفاهم بين القوى العسكرية – السياسية الموجودة في شمال شرق غرب سورية. إذ إن الوضع الإداري والحوكمي وآلية اتخاذ القرارات ومزاجية تعديل أي قرار أو اتفاق، وعدّم وجود أسّ قانوني رصين وتوافق سياسي محلي خاصة في شمال شرق سورية، يجعل من عمل تلك الشركات محل خطورة. وإذا كان الوضع في الشمال الشرقي معقدا ومتداخلا، ويشهد دوماً توترات سياسية، وتكرارا للمطالب الشعبية ذاتها دوماً، لكن الشمال الغربي يئن تحت صراع الأجنحة الحكومية، ورُبما جاز القول إن “مجموع الحكومات” في الشمال الغربي يشكل ضعفاً في بنية عمل الشركات. ونجاح القرار الأميركي يرتبط بتغيير بنية العملين، الإداري والسياسي، في الشمال السوري، والفصل بين السلطات، ما يتطلب حكماً تغير النمطية والقوانين في كامل الشمال السوري، وضرورة توفير مناخ سياسي ومصالحات داخلية.

ثالثاً: الربط بين الموقفين – الحدثين: هذه الشركات ستدخل حتماً مباشرة أو عبر وسطاء وممثلين من شركات محلية تركية، أو في كردستان العراق، فالمنطق السياسي والإداري يقول إن دول الجوار هي أكثر الدول استعداداً للمشاركة في القرار. ويرتبط الشمال السوري بجملة من المعابر مع تركيا وكردستان العراق، وحتّى لو استمرّ الفيتو التركي على معبر تل كوجر/ اليعربية، فإن معبر بيشبابور- سيمالكا يُمكنه لعب دور رئيسي وأساسي في حركة تلك الشركات. ويتطلب هذا الأمر إجراء مراجعات واضحة في سياسات الهياكل الحكومية السياسية والإدارية والعسكرية لكامل الشمال السوري، وحصول التوافق الكردي – الكردي ثم الكردي مع باقي المكونات، سيسهل عمل الإدارة الذاتية داخلياً، ومع المعارضة السورية، وتالياً تركيا التي ستسعى إلى استثمار ضخم في قرار الاستثناء. ومن الممكن ولادة نظام سياسي جديد للشمال السوري ربما يكون مخالفا للفيدراليات أو اللامركزيات بشكلها المتعارف عليه، لأن تطبيق القرار سيعني نقل الشمال إلى طوْر جديد، وأقل التغيرات أنه لن يكون لتركيا الحق بالقيام بأي تدخل عسكري، طالما أنها تحفظ دورها الاقتصادي في المنطقة، وتزيل ما تسميها “التهديدات على أمنها القومي”.

العربي الجديد

———————

الاجتياح التركي الصامت/ عبير نصر

من يتابع التدخلات العسكرية والاقتصادية التركية في المنطقة العربية، سيكتشف تمدداً تركياً واضحاً مستنداً إلى مشروعٍ إمبراطوري متخيل، خيّم على المنطقة وشعوبها، طيلة أربعمائة سنة، كان السبب في تخلفها، ومنع كلّ سبل التطور والحضارة عنها، بعدما حاول العثمانيون باسم الدين والعقيدة تتريكها وطمس لغاتها وثقافاتها.

واليوم تحاول الدولة التركية إرجاع عجلة التاريخ للوراء، عبر التدخل العسكري في الدول المؤثرة، ودعم المليشيات الخارجة عن الشرعية والقانون، بغية زعزعة الاستقرار فيها، بتبنّي سياسة التخريب عبر الوكلاء، لإيجاد قدمٍ ثابت لها، وتحقيق الحلم العثماني على حساب سيادة هذه الدول وحياة مواطنيها. ولعل أدلّ مثال على ذلك سعي السلطات التركية لتتريك المناطق السورية التي احتلها الجيش التركي بعد عام 2011. حيث تُستخدم اللغة التركية في المدارس، وتُربط المدن والبلدات بالولايات الحدودية التركية إدارياً، وترفع العلم التركي، وتبث في وسائل إعلامها تاريخاً مزوراً لهذه المناطق السورية، بوصفها من “تركة” السلطنة العثمانية. هذا بالتزامن مع نشر “ميتين غلونك”، وهو عضو في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، تغريدات تدعو إلى تركيا الكبرى، التي تضم مساحات واسعة من شمال اليونان وجزر بحر إيجه الشرقية، ونصف بلغاريا وقبرص وأرمينيا في مجملها، ومناطق واسعة من جورجيا والعراق وسوريا. بطبيعة الحال، في الذهنية التركية القديمة، تُعتبر كلّ المناطق الحدودية هي مناطق نفوذ تركي تاريخية، وبالتالي لا بدّ من إخضاعها. وعليه، ومنذ اندلاع الحرب السورية، بدأت تركيا بوضع خطط التوسع في الشمال السوري، لتشنّ، بدايةً، عملية عُرفت بـ”درع الفرات” ضد تنظيم داعش، بموجبها سيطرت على مساحة واسعة تقدر بـ(3900) كم2. ولم يتوقف الأمر هنا، إذ استمرت عملية التمدّد لتصل إدلب، خصوصاً بعد تسليم مدينة حلب نهاية العام 2016 إلى روسيا والمليشيات الإيرانية، مقابل التوسع في بناء التحصينات في ريفي إدلب وحماة، والتي ما زالت تحت السيطرة التركية.

وفي الواقع قيام القوات التركية بعملياتٍ عسكرية واسعة في الشمال السوري مرتبطة بأطماعها التاريخية، تعكسها السياسات التركية من خلال دعم التنظيمات الراديكالية. يعزز هذه الحقيقة، إدراج خريطة قديمة في المناهج الدراسية للتلاميذ الأتراك، تضم شمال سوريا من الساحل مروراً بشمال حمص وإلى شمال العراق، بالإضافة إلى جزيرة قبرص، على أنها أراضٍ تركية، وهو ما تحدث عنه رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو، والذي شغل قبل ذلك وزارة الخارجية، في كتابه (العمق الاستراتيجي)، حيث يعتبر أنّ البنية الدفاعية التركية تُلزمها بتطوير استراتيجيةٍ دفاعية، تذهب إلى أبعد من مجرّد الحدود الدولية الموجودة على الواقع، وداخل حدودها القانونية فحسب، بل يفرض عليها التدخل في أيّ وقت في قضايا متعددة خارج حدودها. لنكن أكثر مباشرة: تبرز خشيةٌ تركية من أنّ المكاسب التي حققها الأكراد السوريون ستشجعهم على إنشاء ولاية محصنة، تابعة لحزب العمال الكردستاني على حدودها، وتعطي نقاط القوة العسكرية والسياسية والإقليمية التي يتمتعون بها، أوراق مساومة قوية في أي حلّ سياسي بسوريا، يطالبون من خلاله بالاعتراف بحقوق الأكراد وإلغاء مركزية السلطة، وهو ما تسعى تركيا لمنعه.

ولذا ليس من الغريب أن تتصدر العمليةُ العسكرية التي هدّد بشنّها الرئيس التركي مؤخراً في شمالي سوريا، حديث الساسة والمعلّقين في العالم. وفي وقتٍ لم يتضح المشهد فيه أكثر، من زاوية “توقيت إطلاقها” أو إن كانت ستبدأ بالفعل أم لا، سادت سلسلة من المواقف العالمية “اللافتة”، كنوعٍ من رد الفعل. إذ لاقى تهديد أردوغان، الذي أكد أن “تركيا ستميز مجدداً في هذه المرحلة، بين من يحترمون حساسياتها الأمنية والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وأنها ستصوغ سياساتها مستقبلاً على هذا الأساس”، لاقى معارضة من جانب أميركا التي اعتبرت على لسان وزير خارجيتها العمليةَ العسكرية بأنها “ستهدد الاستقرار الإقليمي”. أما روسيا وعلى الرغم من المعارضة الضمنية التي أبدتها، إلا أنها تركت الباب مفتوحاً، أمام سيناريوهات عدّة. إذ من المقرر أن يزور وفدٌ روسي (سياسي– عسكري) العاصمة التركية خلال الشهر الجاري. وبحسب تصريحات لنائب وزير الخارجية الروسي، فإن “اللقاء سيناقش مواضيع عسكرية”. مضيفاً: “ستكون هناك اتصالات مع الزملاء الأتراك. لذلك، يجب أن ننتظر. هناك الكثير من التكهنات الآن، لكنني أعتقد أنه لا جدوى من التكهن”. ما يثير القلق أنه وبينما كان لكلّ عملية عسكرية تركية في السابق ظرفها الخاص، يأتي التلويح بالخامسة في ظلّ مستجدات إقليمية ودولية. إذ جاءت تهديدات أردوغان بالتزامن مع قضية الطلب الذي قدمته فنلندا والسويد من أجل الانضمام لحلف (الناتو). وهو الأمر الذي تصر أنقرة على رفضه، وتشترط “ضمانات” تتعلق بالمنظمات التي تعتبرها إرهابية على طول حدودها. كما تأتي التهديدات في وقت تتحول فيه أنظار العالم إلى الحرب الروسية-الأوكرانية. في المقابل اعتبر مراقبون أنّ الحديث المتعلق بــ”توسيع المنطقة الآمنة” يرتبط بعوامل داخلية، تتعلق بشكل أساسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وما يرافق ذلك من ضغوطات تمارسها أحزاب المعارضة التركية، بشأن ملف اللاجئين السوريين، وضرورة إعادتهم إلى بلادهم. وعليه نستطيع الجزم أنه عندما أطلقت أنقرة عملية “نبع السلام” عام 2019، لم تستطع توسيع حدود هذه المنطقة أكثر من المساحة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، بسبب الضغوط الأميركية والغربية والروسية التي مورست عليها في تلك الفترة، أما اليوم فيبدو الوضع مختلفاً، وعلى أكثر من صعيد.

في الحقيقة، غالباً ما يسود التهديد لغة خطاب الرئيس التركي، ولم يتوانَ أبداً عن تهدد أوروبا بإطلاق سيول اللاجئين لإغراقها، بعدما وافق البرلمان الأوروبي على تجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وثمة من يؤكد أن تركيا “تبتز” أوروبا وتهدف من خلال فتح الحدود إلى “جرها” إلى مستنقع الحرب السورية. فهي تريد من جهة أن تحصل على تأييد أوروبي لعملياتها العسكرية في شمال سوريا، خصوصاً في إدلب، كما أنها تريد، من جهة أخرى، الحصول على مزيد من الأموال من أوروبا. ما استجدّ اليوم أنه وبعد التلاعب المستمر بورقة اللاجئين السوريين، اتخذ أردوغان قراراً مغايراً لنهجه المعتمد بحقهم، وأعلن عن رغبته بإعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري الى الشريط الحدودي الذي تحتله تركيا “طواعية”، حسب زعمه، وذلك بعد إطلاقه مشروع مدن الطوب، لإسكان اللاجئين في ثلاث عشرة بلدة ومدينة سكنية، تمتد من جرابلس غرباً وحتى رأس العين شرقاً، وبذلك يكون أردوغان قد ختم تاريخاً طويلاً يمتد لعمر الأزمة السورية من العزف على معاناة اللاجئين السوريين والمتاجرة بآلامهم، خاصة في ظل تصاعد مشاعر الكراهية ضد السوريين، ولن تكون آخر تلك المظاهر، بالطبع، ركل وجه امرأة سورية مسنّة من قبل رجل تركي متطرف بحجة أنها تخطف أطفالاً.. ثمة فيلم تركي صامت لا تزيد مدته عن ثماني دقائق، لقي اهتماماً كبيراً عبر وسائط التواصل الاجتماعي. الفيلم يتحدث عن ملف اللاجئين في تركيا، راسماً صورة افتراضية قاتمة لمستقبل البلاد التي تستضيف نحو أربعة ملايين لاجئ، حيث يُظهر الفيلم صورة مدينة إسطنبول في عام 2034، وقد تحولت إلى مدينة مدمرة، يُلاحَق فيها الأتراك من قبل السوريين في الشوارع.

 ليفانت – عبير نصر

—————————-

واشنطن تتمسك باتفاق 2019 ..وتسعى لمنع الهجوم التركي بسوريا

واشنطن – بيير غانم 

تسببت تركيا بقلق شديد وبعض الغضب لدى الأميركيين بسبب تهديداتها الأخيرة بالهجوم على شمال شرق سوريا. فالولايات المتحدة أعادت النظر في سياستها تجاه سوريا منذ أشهر ولم تكن تنتظر ولا تتمنّى أن تسعى أنقرة إلى تأجيج الأوضاع هناك.

فقد أكدت ثلاثة مصادر مختلفة في العاصمة الأميركية، للعربية/الحدث أن الحكومة التركية وسفارتها في واشنطن تكرران ما فعلتاه عام 2019 قبل أن يبدأ الاجتياح التركي للحدود السورية.

اتهام الأكراد

حينها مهّد الأتراك بحملة دبلوماسية وإعلامية زعمت أن القوات الكردية في سوريا هي ذاتها قوات حزب العمال الكردستاني، وعرضت على الصحافيين والمسؤولين الأميركيين سلسلة طويلة من الاعتداءات التي قامت بها تلك القوات ضد الأراضي التركية، انطلاقاً من سوريا.

كما أكدت تركيا حينها أنها لا يمكن أن تقبل بهذه الاعتداءات على أراضيها من فصيل تصنّفه الولايات المتحدة إرهابيا.

وها هي الحكومة التركية تنتهج الآن الطريقة ذاتها، حيث روّجت لدى الحكومة الأميركية أن قوات سوريا الديموقراطية قامت بألف اعتداء على القوات الموالية لتركيا في سوريا كما نفذت اعتداءات عابرة للحدود.

تسريب أسلحة للكردستاني

إلى ذلك، كشفت مصادر العربية أن الحكومة التركية اتهمت “قسد (قوات سوريا الديموقراطية) بتسريب أسلحة أميركية سلّمتها واشنطن لها في السابق لكي تواجه تنظيم داعش، إلى قوات كردية في شمال العراق، مضيفة أن حزب العمال الكردستاني يستعمل تلك الأسلحة في اعتداءاته على الأتراك كما يستعملها في منطقة سنجار.

وأبدت تركيا مخاوف كبيرة أمام الإدارة الأميركية من تصرفات “قسد”، التي تعتبرها جزءا من حزب العمال الكردستاني.

كما قالت للحكومة الأميركية إن كمية الأسلحة التي تتلقاها تلك القوات من واشنطن تفوق حاجتها للسيطرة على تنظيم داعش ومنع عودته للنشاط الإرهابي، مشددة على ضرورة أن توقف واشنطن هذا التسليح الذي تعتبره خطراً عليها.

القلق الأميركي

فالموقف التركي لم يتغيّر من “الجيب الكردي” في شمال شرق سوريا، إذ تتمسك أنقرة برفضها لوجود أي كيان كردي على حدودها، كما ترفض أي سيطرة لفصيل “كردي” على منطقة في سوريا.

في المقابل، أخذ الأميركيون تلك التهديدات التركية باجتياح مناطق من سوريا بكثير من الجدّ. وقال مصدر في وزارة الدفاع الأميركية “إن ما سمعناه حتى الآن بشأن تحركات عسكرية تركية في شمال شرق سوريا يبقى على مستوى الأقوال لكنه مقلق”.

كما أضاف “أي كلام عن تحركات عسكرية يتسبب بقلق، أولا لأنه يسبب تغييرا وربما أذى للسكان في المنطقة، ثانيا يبعد القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة عن مهمتها الرئيسية، ألا وهي محاربة داعش ومنع داعش من العودة إلى نشاطها الإرهابي” .

فيما أكد مصدر أميركي آخر أن دائرتي الشرق الأوسط وأوروبا في وزارة الخارجية تعملان معاً لمعالجة المشكلة المتصاعدة، مشددا على أن واشنطن لا تريد تصعيداً.

لكنه أوضح أن إدارة الرئيس جو بايدن قلقة جداً من تطور الأوضاع، خصوصاً أن تركيا حليف وعضو في حلف شمال الأطلسي، فيما قوات سوريا الديموقراطية شريك في مكافحة الإرهاب، وتعمل بالتنسيق مع واشنطن لمنع عودة داعش، كما تعمل مع القوات الأميركية على احتواء مخيم الهول والسجون حيث تتمّ محاصرة عناصر داعش وعائلاتهم.

الاجتياح السيئ

إلى ذلك، أضاف المصدر الأميركي أن التصعيد لن يوصل إلى نتائج جيدة خصوصاً بالنسبة للمدنيين فيما تدعم الحكومة الأميركية “الاستقرار ومساعي وقف إطلاق النار” وقد خصصت مبالغ جديدة للإنماء في هذه المنطقة وتشعر الآن أن اتفاق 17 أكتوبر 2019 بات مهدداً.

وكان نائب الرئيس الأميركي حينذاك مايك بنس توصّل إلى هذا الاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأقرّ وجود “منطقة آمنة تجاوباً مع دواعي الأمن القومي التركي”، وأشار إلى سحب الأسلحة الثقيلة من يد الأكراد، وتفكيك تحصيناتهم ومواقعهم القتالية في هذه المنطقة.

ومنذ ذلك الحين، شهدت المنطقة توزيعاً جديداً لمناطق النفوذ، لكن الاتفاق تسبب بقدوم القوات الروسية إلى المنطقة، حتى بدأت الأنباء تتكاثر منذ أسابيع عن انسحابها.

ومع تهديد القوات التركية بالاجتياح، بدأت قوات سوريا الديموقراطية التحدّث عن إعادة حساباتها بما في ذلك التعامل مع النظام السوري فيما يريد الأميركيون الاحتفاظ بالوضع كما هو الآن.

أسوأ ما يمكن

إلا أن أسوأ ما يمكن أن يحدث بين الأميركيين والأتراك هو مواجهة بين جنود الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي، لكن هذا الأمر مستبعد، بحسب ما تؤكد المصادر.

فقد شدد مصدر في وزارة الدفاع الأميركية لـ العربية والحدث أن “لا خطر على القوات الأميركية العاملة في هذه المنطقة خصوصا أن لديها قوات عمل واتصال واضحة مع الأتراك، ولا قلق من وقوع أي احتكاك بينهما، لاسيما أنهما عضوين في حلف شمال الاطلسي.

يبقى الخوف الأكبر من أن ينقلب الأكراد إلى حلفاء للنظام السوري وتخسر الولايات المتحدة موطئ قدم وحليف لها في سوريا، جراء العملية التركية.

————————–

كيف تنتقل تركيا من “مهزوم” إلى “ند” في علاقتها مع الغرب؟/ عبدالسلام معلا

يعني الاعتماد المتبادل قيام علاقة بين طرفين على أساس مراعاة مصالحهما معاً، ودون أن يكون أحدهما مستفيداً منها دون الآخر، وهي حالة تنشأ في واقع يشهد استقلال شخصيتهما، وسياساتهما عن بعضهما البعض. وهذا يستلزم التكافؤ في العلاقة، وانتفاء تبعية أحدهما للآخر أو مسايرته لسياساته، حيث يفرض التوازن والتبادلية نفسيهما في صلب العلاقة بينهما، وإلا لأضحى مفهوم الاعتماد المتبادل بلا معنى. من الملاحظ أن العلاقة التركية الغربية لم تعبر فيما مضى عن هذا المفهوم، بل مثلت علاقة تبعية ومسايرة من طرف ضعيف تجاه طرف قوي. وفي ضوء المحاولات التركية في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عقدين من الزمان لإعادة شكل العلاقة بينهما لتصبح على أساس الندية والتكافؤ وتبادل المصالح، فإن المقالة تحاول فحص إمكانية اشتغال منظور الاعتماد المتبادل في السياق التركي الغربي الراهن، ومن ثم استشراف مستقبل العلاقة التركية الغربية في ضوء ذلك.

هناك تشابك كثيف في العلاقات التركية الغربية، فضلاً عن وجود عوامل كثيرة يمكن أن تؤثر على شكل ومستقبل العلاقات بينهما، الأمر الذي يجعل من قبول الغرب بتغيير أسس العلاقة بين الطرفين بعيد المنال، فيما تظل هذه الممانعة سبباً لتوتر العلاقة بين الطرفين حتى يستطيع أحدهما إملاء مواقفه على الآخر.

العوامل المحددة لطبيعة العلاقة التركية الغربية

أولاً: الرغبة التركية بالاستقلال والنهوض، إذ لا تخطئ عين المساعي التركية الراهنة الهادفة للانبعاث من جديد، وإعادة تعريف الذات والآخر، وما يعنيه ذلك من جهد يهدف للتغيير العميق في المواقف والسياسات التركية، والانتقال من وضع التابع والمساير للغرب تحديداً، إلى وضع الند والمشارك في رسم السياسات، والمؤثر في الآخرين سواء بسواء. وهي محاولة تهدف لتغيير القواعد والأسس التي يتعين قيام العلاقة بين الطرفين بناء عليها، ولهذا يمثل هذا المدخل أحد مستويات تحليل العلاقة بينهما واستشراف مآلاتها المستقبلية.

يشكل مبدأ التكافؤ النسبي في العلاقات الدولية من جهة، ومراعاة كل طرف مصالح الأطراف الأخرى من جهة أخرى، مقوماً مهماً في نجاح وديمومة تلك العلاقات، ويمكّن ذلك كل طرف من تحقيق الحد الأدنى المقبول من مصالحه ومطالبه، ويستدعي فحص ما إذا كانت العلاقة التركية الغربية تستند إلى أسس صحيحة أم لا، التعريج على ملابسات قيام العلاقة أساساً. من الواضح أن العلاقات التركية الغربية قد قامت منذ قرن من الزمان على أساس هزيمة الدولة العثمانية على يد القوى الغربية، وهي تندرج في سياق المساعي الهادفة أساساً لسلخ تركيا عن إرثها العثماني وتاريخها المديد، وفصلها عن محيطها الشرقي ببعديه العربي والإسلامي.

ولذلك فقد تأسست العلاقة على قاعدة مهزوم ومنتصر، ضعيف وقوي، تابع ومتبوع، وقد خلت تماماً من أي مقوم من مقومات التكافؤ، وهذا يستلزم القول إن العلاقة بينهما هي علاقة قسرية لا اختيارية؛ لأنها جاءت تتويجاً لهزيمة الدولة العثمانية الحاسمة أمام الغرب، وقد نجم عن ذلك إلحاق تركيا بالغرب سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً.

ولذلك فإنه يمكن القول إن واقع العلاقة التركية الغربية يستند لأسس شاذة وغير طبيعية، ويشكل هذا المعطى السبب الرئيس، وربما الوحيد لتوتر العلاقات التركية الغربية منذ وصول حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم للسلطة، حيث يسعى الحزب لإعادة رسم خطوط العلاقة بين الطرفين بطريقة متوازنة وتبادلية، وتستند إلى إطار الندية وتحقيق المصالح المشتركة بين الطرفين.

التوجهات التركية الجديدة

بدوره يمانع الغرب بشدة بقبول التوجهات التركية الجديدة؛ لأن الانتقال بالعلاقة بين الطرفين من حالة التابع والمتبوع، إلى حالة الأنداد ستترتب عليه مكاسب تركية كبرى ستكون بالتأكيد على حساب المصالح الغربية، الأمر الذي يؤسس لدورة تاريخية مختلفة من العلاقات بين الطرفين، بحيث لا تضمن العلاقة الجديدة- وفقاً للمنظور التركي- هيمنة الغرب أو تبعية تركيا. غني عن القول إن علاقة التكافؤ المنشودة وفقاً للموقف التركي ستصب في صالحه، تماماً كما أن العلاقة التاريخية بين الطرفين (تابع/متبوع) كانت في صالح الغرب، ووفقاً لذلك فإن ثمة إشكالية كبيرة تصبغ علاقة الطرفين في الوقت الراهن وفي المستقبل.

ثانياً: الحضور التركي الكبير في الغرب، حيث الجاليات التركية المنتشرة في العديد من الدول الغربية المؤثرة، ويمكن لهذا المعطى أن يشكل عاملاً مهماً يؤهل تركيا للتأثير الكبير في المجتمعات الغربية في حال إعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين على أسس متوازنة. إن من شأن توظيف تركيا لهذا العامل في المواجهة السياسية والاقتصادية والثقافية مع الغرب يمثل رافعة مهمة، تمنحها اليد الطولى للتأثير في المجتمعات الغربية، فضلاً عن السياسات والتوجهات والاستراتيجيات الحكومية.

ثالثاً: تعاظم القدرة التنافسية للمنتجات التركية في الأسواق الأوروبية، كانعكاس تمليه النهضة الاقتصادية والصناعية التركية، وتزايد نفوذها السياسي الإقليمي والدولي، ويشكل ذلك أداة مهمة يمكن أن تسخرها تركيا بذكاء في سياق التدافع الحضاري بين الفريقين.

رابعاً: الإسلاموفوبيا، ويشكل ذلك عاملاً آخر يوسع الفجوة القائمة بين تركيا والغرب؟ ويتفاعل هذا العامل من خلال زاويتين، تتركز أولاهما حول الجالية التركية المسلمة في الغرب المشار إليها آنفاً، والتي ستنحاز مع مرور الوقت للمظلة الثقافية الإسلامية في مقابل الثقافة الغربية، وما يعنيه ذلك من فرصة لخلْخلة الهيمنة الثقافية الغربية، فيما تتركز الثانية حول توجهات الحكومة التركية منذ عهد العدالة والتنمية الذي لا يخفي الانحياز لإرثه الإسلامي، كما لا يخفي مساعيه للانفتاح والتعاطي الإيجابي مع محيطيه العربي والإسلامي، وما يعنيه ذلك من تداعيات تؤثر داخل تركيا، أو عبر علاقاتها الخارجية، وهي حالة تغذي الصعود الحضاري الإسلامي الذي يؤرق صناع القرار في الغرب.

خامساً: يشكل التاريخ العثماني/الغربي محدداً مهماً لطبيعة ومستقبل العلاقة بين الطرفين. إذ لا يمكن تجاهل وصول تركيا العثمانية لقلب أوروبا، وإخضاع مساحات واسعة منها تحت سلطانها لعقود أو قرون طويلة فيما مضى؛ الأمر الذي يبقي على المخاوف الغربية حاضرة إزاء احتمالات تكرار ذلك مستقبلاً مع حركة الانبعاث التركية الحالية.

وفي المحصلة يدفع ما سبق باتجاه رفض الغرب إعادة نسج العلاقة مع تركيا على أساس الاعتماد المتبادل؛ لأن من شأن ذلك أن يقلب العلاقة بينهما رأساً على عقب، فيما ترفض تركيا من جهتها بقاء العلاقة بينهما وفقاً لأسس غير متوازنة، ويشكل هذا التعارض وقوداً للتدافع الخفي (حتى اللحظة) بين الطرفين، وسيوسع دائرة التنافر بينهما، فيما سيلعب التغيير في معادلات القوة لصالح تركيا دوراً مهماً في تسريع وإنضاج حالة الصراع بين الطرفين مع مرور الوقت.

————————

ريف حلب:كل الأطراف أكملت استعداداتها للحرب/ خالد الخطيب

بات الآلاف من مقاتلي الفصائل المعارضة جاهزين للمشاركة في العملية العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) شمالي سوريا. ففي ريف حلب أنهت الفصائل مناوراتها العسكرية ورفعت جاهزية تشكيلاتها المسلحة بانتظار إشارة البدء. وبدأت الفصائل فعلياً تستطلع بالنيران الثقيلة مواقع قسد في المحاور الاستراتيجية التي من المفترض أن يبدأ الزحف من خلالها مع بداية الهجوم.

تركيز القصف

واستهدفت الفصائل المعارضة الأربعاء، موقعاً عسكرياً متقدماً لقسد في بلدة منغ جنوبي أعزاز بريف حلب الشمالي. وقال مصدر عسكري معارض ل”المدن”، إن “الموقع المستهدف بالصواريخ هو غرفة عمليات متقدمة تدير قسد من خلالها جبهاتها مع الفصائل في منطقة شمال تل رفعت، وأسفر القصف عن مقتل عدد من قادة وعناصر قسد المتواجدين في الموقع الذي تم تدميره كلياً”.

ولم تعترف قسد رسمياً باستهداف موقعها العسكري، بينما نفى إعلامها الرديف وقوع خسائر كبيرة في المبنى. وأشاعت قسد بين الأوساط الشعبية في مناطق الشهباء الواقعة تحت سيطرتها، والتي تضم تل رفعت وأكثر من 30 بلدة وقرية، معلومات تتحدث عن توصلها لاتفاق مبدئي مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية يضمن الدفاع عن مناطق الشهباء في مواجهة العملية العسكرية التركية، وذلك من خلال غرفة عمليات مشتركة جرى إنشاؤها مؤخراً في تل رفعت.

ودعمت التعزيزات العسكرية التي أرسلتها قوات النظام والمليشيات إلى تل رفعت والشيخ عيسى وأم القرى مزاعم قسد حول غرفة العمليات المشتركة مع النظام، والتي كانت تحاول من خلالها تهدئة الأوساط الشعبية المتوترة التي بدت قلقة جداً على مصيرها في المنطقة في حال كررت قسد سيناريو عفرين وانسحبت من دون مقاومة.

تعزيزات هزيلة للنظام

وشملت تعزيزات قوات النظام نحو تل رفعت عدداً من الدبابات والمركبات العسكرية وأعداداً متواضعة من الجنود جرى توزيعهم على عدد من المقار في مركز المدينة، وفي عدد من القرى حولها. وكان الحشد الأكبر لقوات النظام والمليشيات في القرى المحيطة ببلدتي نبل والزهراء.

وقال مصادر عسكرية ل”المدن”، إن “التعزيزات العسكرية لقوات النظام في تل رفعت وجبهات الشهباء لن تكون عثرة أمام العملية العسكرية في حال توصلت تركيا لتفاهم مع روسيا، ولقاء وزيري الخارجية التركي والروسي الأخير يوحي بأن هناك تفاهماً ما يجري وضع لمساته الأخيرة، ففي العام 2018 فعل النظام في عفرين ما يفعله اليوم في تل رفعت، وتمت العملية حينها وانسحبت قوات النظام بأمر روسي في وقت قياسي، لكن في حالة تل رفعت مناطق الشهباء هناك محددات مسبقة للمعركة”.

وأضافت المصادر أن “العملية لن تستهدف كامل مناطق قسد في الشهباء شمال حلب، والهدف البارز هو تل رفعت وعدد من القرى في محيطها، وسيُترك جزء من المنطقة تحت سيطرة قسد، كما أن العملية لن تستهدف المنطقة القريبة من بلدتي نبل والزهراء معقل المليشيات الإيرانية”.

تصعيد تركي

وفي إطار إضعاف دفاعات قسد بريف حلب، حوّل الجيش التركي خلال اليومين الماضيين تركيز نيرانه البرية على موقع قسد في منطقة منبج شمال شرقي حلب، وكثفت طائرات الاستطلاع التركية من تحلقيها في سماء المنطقة، واستهدفت النيران التركية وقصف الفصائل مواقع مجلس منبج العسكري التابع لقسد على أطراف قرى الهوشرية والجات والتوخار وعون الدادات، والمحسنلي وعرب حسن وأم عدسة والصيادة واليالنلي وقرت، وويران وكورهيوك والحمرا والبوغاز والكاوكلي وبلدة العريمة.

وعززت الفصائل مواقعها القريبة من خطوط الاشتباك مع قسد شمال وشرق منطقة منبج، وتركزت القوة الهجومية للفصائل في قيراطة والحلونجي والياشلي والشيخ الناصر والزرزور، وشويحة والاشلي وغيرها.

ولمنطقة منبج أهمية أمنية وعسكرية بالنسبة لقسد، إذ كانت منطلق العمليات الأمنية وإدارة خلايا التفجيرات التي كانت تنشط في مناطق سيطرة الفصائل، وهي المنطقة الوحيدة التي تسيطر عليها قسد غربي الفرات، وفي الوقت ذاته متصلة جغرافياً مع مناطق شمال شرقي سوريا وعقدة مهمة على الطريق الدولي إم-4 (حلب-الحسكة).

حساسية منبج

ويمكن القول إن السيطرة على منطقة منبج أكثر أهمية بالنسبة للجيش التركي من تل رفعت، وذلك لأسباب أهمها، أنها يمكن أن تصل مناطق سيطرة الفصائل في درع الفرات بريف حلب بمناطق سيطرتها بمنطقة نبع السلام مروراً ببلدة صرين، أي الوصول إلى مشارف عين عيسى شمالي الرقة، وهذا يعني بالضرورة محاصرة عين العرب (كوباني) أبرز معاقل قسد شرقي الفرات. ولا يمكن أن تتحقق هذه الفرضية إلا إذا تمددت العملية العسكرية المرتقبة لتشمل ريف منبج الشرقي، والمسافة بين منبج ونبع السلام تصل إلى 50 كيلومتراً تقريباً.

وقال عضو مكتب العلاقات العامة في الفيلق الثالث هشام سكيف ل”المدن”، أن “كلتا المنطقتين، تل رفعت ومنبج، مهمة بالنسبة لنا، فمدينة تل رفعت لها رمزية ثورية وقد احتلتها ميليشيات قسد من الجيش الحر وليس من داعش كما أنها تعتبر مصدر تهديد لكامل المنطقة فكل عمليات القصف على أعزاز وعفرين كان مصدره تل رفعت المحتلة، أما منبج فلها أهمية استراتيجية كونها ذات ثقل سكاني وكونها ستربط المناطق ببعضها بحيث تصل تل أبيض شرق الفرات بجرابلس غربه”.

وقد ينافس النظام المعارضة للسيطرة على مدينة منبج. وفي حال لم تمنع تعزيزات النظام عملية عسكرية محتملة على منبج فإنها على الأقل توفر للنظام تمدداً برياً في ريف المنطقة الجنوبي والذي يسعى النظام للسيطرة عليه، وأن يضع قدماً في مناطق شرق الفرات بريف محافظة حلب.

——————————

“قسد” تجدد دعوتها للنظام لـ”مواجهة تركيا”.. والأسد يصفهم بـ”العملاء”

جددت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) دعوتها للنظام السوري للتعاون من أجل “مواجهة” العملية العسكرية التي تهدد تركيا بشنها، منذ أسابيع، في الوقت الذي وصفهم بشار الأسد بـ”العملاء”.

وقال فرهاد شامي الناطق باسم “قسد”، اليوم الجمعة: “لقد أعربنا سابقاً عن استعدادنا للتنسيق مع من يوجّه سلاحه للاحتلال التركي. وحكومة دمشق هي إحدى تلك القوى التي تقول إنّها ضد المحتلين”.

وأضاف: “قلنا يمكن أن نتعاون في النضال ضد الاحتلال، ومناقشة باقي المشاكل لاحقاً”.

وكان النظام السوري “ينظر للخلف كثيراً وتجري المساومات في المرات السابقة”، بحسب تعبير شامي.

وتابع: “نقول إنّ على حكومة دمشق هذه المرّة النظر إلى الأمام ورؤية الاحتلال التركي جيداً، واتّخاذ موقفٍ عسكري فاعل، وعدم الاكتفاء بالمشاهدة وحسب”.

ويأتي ما سبق في ظل تأكيد تركيا على إطلاق عملية عسكرية تستهدف مواقع انتشار “قسد” في مناطق متفرقة شمالي سورية، على رأسها منبج وتل رفعت بريف حلب.

كما أنه يتبع طلب قائد “قسد”، مظلوم عبدي من قوات الأسد، قبل أيام، بتأمين “أنظمة دفاع جوي ضد الطائرات المسيرة”، في حال شنت تركيا عملية عسكرية جديدة شمال سورية.

وفي مقابلته مع قناة “روسيا اليوم“، أمس الخميس، كان رأس النظام، بشار الأسد قد وصف “القوى الكردية” في شرق سورية بـ”العملاء”.

وقال: “مشكلة الاحتلال، أيّ احتلال في أيّ بلد، أو بأي غزو هي ليس الغزو بحد ذاته مهما كان الجيش كبيراً، المشكلة هي العملاء الذين يسيرون مع الغازي، هنا تكمن المشكلة وهذا موجود في سورية”.

وأضاف: “هناك قوىً تعمل تحت سلطة الأمريكي بالنيابة عنه ضد وحدة المجتمع السوري. طالما أنّ هناك عمالة فسيبقى المحتل قوياً”.

وخلال الأيام الماضية صدرت تصريحات من قبل مسؤولين أتراك، أكدوا فيها عزم بلادهم، شن عملية عسكرية ضد “قسد” شمال سورية.

وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، أن العملية العسكرية التي تنوي بلاده تنفيذها في سورية، تستهدف السيطرة على منطقتي تل رفعت ومنبج بريف حلب.

وكانت مفاوضات جرت بين “قسد” ونظام الأسد برعاية روسية، العام الماضي، بعد تهديدات تركية مماثلة حول دخول قوات الأسد إلى المنطقة، إلا أن هذه المفاوضات باءت بالفشل.

وفي أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، قال القيادي الكردي، صالح مسلم، عضو الهيئة الرئاسية لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، إن نظام الأسد وروسيا طلبوا من “الإدارة الذاتية” تسليم مدينة منبج شرقي حلب، إلى تركيا.

وقال مسلم في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط”، إن “موسكو ودمشق ادعتا مراراً أن الجيش التركي سيهاجم مدينة منبج، وقالتا لنا عليكم تسليمها للأتراك وإذا لم تسلموها فسنهاجم نحن (أي موسكو ودمشق)”.

كما أعلنت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) إلهام أحمد، في نوفمبر العام الماضي، رفض عرض روسي بإدخال مقاتلين من قوات الأسد إلى مدينة “عين العرب”(كوباني).

وقالت أحمد إن “مسؤولي شمال شرقي سورية رفضوا مقترحاً روسياً بإدخال ثلاثة آلاف عنصر من القوات الحكومية إلى مدينة كوباني (عين عرب)”.

وأوضحت أن سبب الرفض هو منع سيناريو درعا في “عين عرب”، حسبما نقلته وكالة “نورث برس” المحلية.

—————————-

معظمها مرتبط بسوريا.. صحيفة تركية تكشف 10 شروط تركية لقبول السويد وفنلندا بالناتو

كشفت صحيفة تركية عن 10 شروط معظمها لها صلة بالملف السوري أصرّت عليها أنقرة من أجل قبول عضوية كل من السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي الناتو.

وقالت صحيفة “يني شفق “اليوم الخميس، إن تركيا تصرّ على موقفها الرافض لانضمام السويد وفنلندا إلى الناتو ما لم تستجب هاتان الدولتان لمطالبها المتمثلة بالتخلي عن دعم المنظمات الإرهابية في المنطقة، وهو ما كان قد أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً بالقول: “لن نغيّر موقفنا حتى تتحقق توقعاتنا التي أعلنّاها لقبول طلب السويد وفنلندا للانضمام لحلف الناتو”.

الشروط العشرة

وأشارت الصحيفة إلى أنها حصلت من مصادر خاصة على 10 مطالب اشترطتها تركيا خلال المفاوضات الأخيرة مع كل من السويد وفنلندا اللتين تسعيان للانضمام إلى الحلف، ولا سيما مع تنامي مخاوف الدولتين إثر الغزو الروسي لأوكرانيا وتنامي المخاوف الأمنية لديهما من غزو مشابه من طرف روسيا.

ووفق “يني شفق” فإن معظم الشروط ذات صلة بسوريا وتمسّ بشكل مباشر ميليشيا قسد التي تصنّفها تركيا على قوائم الإرهاب لديها، وقد تمثّلت الشروط بما يلي:

أولاً: طُلب من البلدين دعم تركيا في حربها ضد التنظيمات الإرهابية (بي كا كا – DHKP – داعش- غولن) وجميع الكيانات التابعة لها، وذلك يعني أذرع التنظيمات الموجودة في سوريا وفي مقدمتها ميليشيا “ب ي د “.

ثانياً: التأكيد على ضرورة قيام السويد وفنلندا، بصياغة اللوائح والبنية القانونية اللازمة لمكافحة الإرهاب، وهو ما من شأنه أن يضيّق الخناق على ميليشيا “ب ي د ” التابعة لتنظيم “بي كا كا” ويحدّ من حركة قياداتها.

ثالثاً: التأكيد على ضرورة منع محاولات فتح مكاتب تمثيلية أو أي توسع جديد لتنظيم “بي كا كا” الإرهابي الذي يمتلك العديد من المكاتب له في السويد وفنلندا.

رابعاً: طُلب من الدولتين عدم السماح بممارسة أي أنشطة للمنظمات التي تصنّفها أنقرة على قوائم الإرهاب، وإغلاق المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام التابعة لها.

خامساً: تجميد الأموال وإغلاق الجمعيات المرتبطة بالإرهاب.

سادساً: التأكيد على إبعاد وتسليم الأفراد الذين تطلبهم أنقرة من الدولتين، ومنهم قياديون شاركوا بأعمال إرهابية في سوريا.

سابعاً: عدم السماح للتنظيمات الإرهابية مثل تنظيمي “بي كا كا” و DHKP-C (جبهة–حزب التحرر الشعبي الثوري) بالتظاهر ورفع علم التنظيمين في السويد وفنلندا.

ثامناً: تبادل المعلومات الاستخباراتية مع تركيا، الأمر الذي يضع قسد في ورطة، خاصة أن الدول الأوروبية تحتضن العديد من مكاتبها وقياداتها.

تاسعاً: رفع قيود وحظر الصناعة الدفاعية عن تركيا.

عاشراً: في حال قبول تركيا انضمام الدولتين لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، يتوجب على فنلندا والسويد الوفاء بهذه الالتزامات.

يأتي ذلك في وقت تتعالى فيه التصريحات التركية بقرب إجراء عملية عسكرية في الشمال السوري من أجل تطهيرها من التنظيمات الإرهابية، وفق ما قال مسؤولون أتراك.

وقبل أيام، جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته بتنفيذ عملية عسكرية شمال سوريا، قائلاً إنها ستستهدف الإرهابيين.

——————————-

=====================

تحديث 11 حزيران 2022

———————–

سوريا تدفع في شمالها وجنوبها ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا/ حازم الأمين

سوريا ستدفع في شمالها لتركيا وفي جنوبها لإسرائيل ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا. أما نظام البعث، فهو خارج حسابات الربح والخسارة، وشرطه الوحيد بقاء رئيسه في قصر المهاجرين، حتى لو اقتصرت سلطته على محيط القصر.   

من المستحيل ضبط إيقاع الدور الروسي في سوريا على فكرة أو موقف أو حساب غير حساب المصلحة العارية من أي التزام. واليوم جاء دور تركيا، ذلك أن موسكو ستدفع لأنقرة في سوريا ثمن عدم انحيازها في أوكرانيا. سنحصل جراء ذلك على مشهد سوري غريب عجيب. فموسكو راعية ومسهّلة الدور الإسرائيلي في سوريا، ستقوم بالمهمة نفسها مع تركيا! لن تعيق إنشاء “المنطقة الآمنة” التي تتحضر تركيا لإقامتها في عمق ثلاثين كيلومتراً على طول حدودها مع سوريا!

المهمة التركية بالغة الفداحة، فهي تتطلب نوعاً من “الترانسفير” سيكون ضحيته السكان الأكراد، ونوعاً موازياً من “الاستيطان”، إذ أنها ستدفع بنازحين سوريين يقيمون فيها إلى هذا الحزام. وسيتكرر مشهد “المستوطنات” العربية التي أشادها نظام البعث في مناطق سكن الأكراد في شرقي وشمالي سوريا.

وفي هذا الوقت بدأت تصدر أصوات “استغاثات” كردية بالنظام السوري، يعتقد أصحابها أن مصلحة مشتركة بينهم وبين النظام تقتضي مواجهة الخطوة التركية. النظام في سوريا لا تربطه مصلحة مع غير رعاته الروس والايرانيين، وهو وإن “استجاب” لإستغاثات كردية، فسيتولى في اليوم الثاني خنقها بيديه.

روسيا، بوصفها صاحبة نفوذ كبير في سوريا لن تمانع على ما يبدو الخطوة التركية، مع ما يترتب عليها من تبعات ليس أقلها تمرير النظام السوري لهذه الخطوة.

النظام السوري مرر لموسكو ما هو أفدح من “المنطقة الآمنة”. مرر لها صمتاً على الغارات الإسرائيلية اليومية على معظم مناطق انتشار قواته وقوات حلفائه الإيرانيين. وهو اليوم يشعر بمرارة حيال انسحابات جزئية روسية من مناطقه، بسبب مساعي طهران إشغال هذه المساحات. ففي اعتقاده أن فقدان توازن النفوذ بين طهران وموسكو لمصلحة الأولى لن يكون لصالحه.

سوريا صارت فعلاً مساحة عصية على التفسير. الثورة هُزمت لكن ليس من منتصرٍ. النظام نجا إلا أنه يتخبط بما لا يحصى من الوقائع. لا أحد يمكنه أن يحدد لمن الكلمة في دمشق. كل “الحلفاء” يملكون القرار، لكن كلهم أيضاً عاجزون عن الذهاب بنفوذهم إلى حد الإطاحة بنفوذ خصومهم أو شركائهم.

ما هي المنطقة الآمنة التي تزمع تركيا إقامتها على طول حدودها مع سوريا؟ ما هي وظيفتها؟ لم يسبق أن سمعنا أن الأمن داخل تركيا كان عرضة لخروقات عبر هذه الحدود! المخاوف الكردية تبدو في مكانها، فالمسألة تتعلق بتغيير ديموغرافي عبر إحلال سكان عرب مكان السكان الأكراد.

المدن والبلدات الكردية على طول الحدود لها امتدادات سكانية داخل تركيا. المهمة قطع هذا الامتداد، مع ما ينجم عن هذه المهمة من مآسٍ، ومن تأسيس لضغائن جديدة هي امتداد لضغائن أسهمت فيها امبراطوريات ما قبل الحرب العالمية الثانية وأنظمة ما بعدها.

لن يضير موسكو طبعاً تزخيم الضغائن العربية الكردية وشحنها بمادة جديدة. أما رجب طيب أردوغان، فهو بصدد زج النازحين السوريين في معضلة أخرى غير معضلة نزوحهم القصري من بلادهم.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في تركيا لمناقشة قضية ممر آمن لتصدير الحبوب الأوكرانية، وعلى هامش هذه المهمة ستناقش أنقرة معه “المنطقة الآمنة” في سوريا، والثمن عدم انخراط أنقرة في منظومة العقوبات الدولية على موسكو. روسيا ليست في أحسن أحوالها، وهي ستقبل أن تدفع الثمن في سوريا. وقريباً سيزور لافروف تل أبيب وسيفاوض على ثمن في سوريا لقاء عدم قبول إسرائيل بيع منظومة القبة الحديدية إلى أوكرانيا.

سوريا ستدفع في شمالها لتركيا وفي جنوبها لإسرائيل ثمن ترنح روسيا في أوكرانيا. أما نظام البعث، فهو خارج حسابات الربح والخسارة، وشرطه الوحيد بقاء رئيسه في قصر المهاجرين، حتى لو اقتصرت سلطته على محيط القصر.  

درج

———————–

“قسد” تختبر تحالفها مع الأسد قبل ساعة الصفر/ إبراهيم الجبين

ليس كل ما تزعمه الأطراف الفاعلة في المشهد السوري، حين تطوّقها الحسابات والتفاهمات الدولية، قادراً على الصمود أمام استحقاقات لا مفرّ منها في نهاية المطاف، ولعبة التحالفات وإن طال أمدها تبقى خاضعة لميزان دقيق لا مكان فيه لـ”صديق الجميع”، وهو ما حاولت ما تسمّى بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” تطبيقه جاهدة خلال السنوات الماضية.

تبدو تركيا غير مستعجلة على البدء بالعملية العسكرية التي تلوّح بها على حدودها الجنوبية، طالما أن هذه العملية التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفصّلاً في خرائطها وعمقها داخل الأراضي السورية، تتمكن من إحداث تغيير مّا في مكان آخر، حتى دون أن يقرع فيها جرس ساعة الصفر.

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، العائد من جولة قادته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كان قد وقّع مذكرتي تفاهم بغرض تطوير العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية، إحداهما تتعلق بالتعاون الصناعي بين رابطة مصنّعي صناعة الدفاع والطيران الأتراك ومجلس الإمارات للشركات الدفاعية، أما الثانية فتخص التعاون في مجال الاختبار والاعتماد بين شركة “تي آر تيست” ومجلس “التوازن”. ما يعني أن التنسيق العسكري حول الأمن القومي للبلدين في أفضل حالاته اليوم. أكار وضع أيضا، الثلاثاء الماضي، نظيره الروسي سيرجي شويغو بصورة القرار التركي بشن عملية عسكرية على الحدود والذي اعتبره رداً على التحركات التي تستهدف أمن بلاده في شمال سوريا.

ولا يظهر نافلاً عن سياق تطبيع العلاقات التركية الخليجية، تصنيف رئاسة أمن الدولة السعودية مؤخراً للأخوين حسام وبراء قاطرجي على قوائم الإرهاب، على خلفية “تسهيلهما تجارة الوقود لتنظيم داعش الإرهابي، والتعاون مع التنظيمات الأخرى مثل الحرس الثوري الإيراني”. فهذا ليس كل ما فعله الأخوان قاطرجي، بل إن نشاطمها الأساسي الآن هو التنسيق مع “قسد” بعد شراكة طويلة مع داعش. وهي رسالة سعودية بليغة إلى تركيا بتخلي الرياض عن داعمي الميليشيا الكردية وحلقة وصلها القوية مع نظام الأسد، في تغيير لمسار دعم سعودي استمر طويلاً، وصل إلى درجة إرسال السفير السعودي ثامر السبهان لزيارة المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في المنطقة الشرقية السورية.

الأسد سيقف موقف المتفرج أملاً بأن ينهك الطرفان بعضهما بعضاً، حتى تحين الساعة المناسبة ليحصد ثمار صبره الاستراتيجي المعهود، مغفلاً أن تركيا إنما تخوض حرباً امتدت لعقود

في الخلفية ما زالت تدور مفاوضات مع السويد وفنلندا بشأن موافقة أنقرة على انضمامهما إلى الناتو، الأمر الذي تضع تركيا دون تحقّقه شروطاً تريد من البلدين الالتزام بها، وعلى رأسها دعم ستوكهولم وهيلسنكي لحزب العمال الكردستاني الذي يمثل قيادة “قسد” المباشرة والذي أنكره السويديون إنكاراً قطعياً، لولا أن عرض لهم الأتراك صور الأسلحة والقاذفات سويدية الصنع التي تم تسليمها لميليشيا “بي كي كي”، إضافة إلى أن الدعم السياسي لستوكهولم لم يتوقف لحظة واحدة لقيادة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وليس أدلّ على ذلك من استضافة العاصمة السويدية للقاء سياسي أشرفت عليه وحضّرت له وشاركت فيه إلهام أحمد عضو اللجنة المركزية لـ”بي كي كي” ورئيسة اللجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطي “مسد” الذي يحكم المحافظات السورية الثلاث الرقة ودير الزور والحسكة.

والواقع أن معادلة الأكراد في هذا المشهد أكثر تعقيداً مما تبدو عليه، فالنواة الصلبة لهذا المشروع الذي يشكو من التهديدات التركية اليوم، هي بالفعل مسألة تركية – تركية صرفة، يمثلها “بي كي كي” الذي قام بتشكيل سلسلة من التحالفات منذ أن قرّر نقل البندقية عبر الحدود من حرب في جنوب تركيا، إلى حرب أخرى شمال سوريا.

تحالفت النسخة السورية من ميليشيا “بي كي كي” والتي تسمّى “وحدات حماية الشعب” الكردية من البداية مع النظام السوري، وقامت بعمليات تسليم واستلام متبادل، ضمنت له فيها الأمن في المنطقة الشرقية، مقابل عقود تم تسريبها وفضح أمرها لاحقاً تتصل بالاستفادة من آبار النفط والغاز، على أن تبقى رموز سيادة الدولة السورية وصور بشار الأسد ومقرات حزب البعث والأجهزة الأمنية وغيرها دون المساس بها، وهذا الاتفاق صمد بصعوبة، لكنه مستمر حتى اللحظة.

مع ظهور داعش عقدت الولايات المتحدة مع ميليشيا “بي كي كي” صفقة تنص على أن يحاربوا التنظيم على الأرض مقابل أن تطلق يدهم كشرطي للمنطقة الشرقية السورية يضبط الأمن، ولكن شريطة خلق نوع من الغطاء السياسي الذي سمّي بمجلس سوريا الديمقراطية “مسد” وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وهذه الصفقة صمدت بدورها رغم أن القوانين الأميركية تصنّف “بي كي كي” منظمة إرهابية ويضعه الناتو على قوائم الإرهاب.

وبقي أكراد سوريا وأحزاب المجلس الوطني الكردي يرفضون هيمنة حزب يرونه أجنبياً مارس ضدّهم القمع وأحرق مقراتهم واعتقل قياداتهم السياسية، ولا يخفي هؤلاء أنهم يخشون ليس فقط من عمليات التجنيد الإجباري التي تطبقها “قسد” على أبنائهم وبناتهم، بل حتى على مستقبل الأجيال الكردية التي عاشت وتعيش تحت سيطرة “قسد” لأن لغتهم الكردية المستعملة في سوريا أخذت بالذوبان لصالح ما جلبه معه “بي كي كي” من تركيا وشمال العراق وإيران وأرمينيا، وهي البلدان التي قدم منها مقاتلوه إلى سوريا.

لم تنته السلسلة بعد، فالحزب الذي ينظر إلى نفسه كمنظمة ثورية قادمة من زمن النضال الأحمر، على مستوى الشكل، ولا مانع لديه من مدّ اليد إلى الشيطان من أجل تحقيق أهدافه، وجد أن الروس حليف محتمل في الخارطة الراهنة، فأقام تفاهمات مع موسكو وصلت حدّ التنسيق العسكري والأمني المباشر.

ولم يبق من لاعبي خشبة المسرح السورية الدامية سوى الإيرانيين، وهؤلاء أساساً يحتفظ “بي كي كي” بعلاقة وثيقة معهم عبر قيادته العليا في جبل قنديل شمال العراق التي لا تحرّك ”قسد“ ساكناً دون أن تتلقى الأوامر منها.

أكار أبلغ شويغو أن “الأعمال التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار الذي تحقق في المنطقة ستلقى الردّ المناسب كما أن وجود إرهابيين في المنطقة أمر غير مقبول”، مذكّراً إياه بضرورة الالتزام بالاتفاقات السابقة بشأن هذه المسألة. ما يعني عزفاً تركياً على وتر العلاقات الوثيقة مع موسكو التي يحرص الرئيس فلاديمير بوتين على عدم المسّ بها في الوقت الراهن وإبقائها على ما هي عليه، لاسيما بعد أن انفردت تركيا بموقف رافض للعقوبات الغربية المطبقة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

لم يبق من لاعبي خشبة المسرح السورية الدامية سوى الإيرانيين، وهؤلاء أساساً يحتفظ “بي كي كي” بعلاقة وثيقة معهم عبر قيادته العليا في جبل قنديل شمال العراق

القائد العسكري لـ”قسد” فرهاد شاهين المعروف باسم مظلوم عبدي، كشف عن فشل المفاوضات الجارية مع دمشق والتي كانت تقوم بها الوفود التي يرسلها إلى العاصمة السورية، فلم يجد سوى الإعلام ليرفع صوته من خلاله مستنجداً بالأسد، فدعا “الحكومة السورية” لحماية حدود بلادها في وجه التهديدات التركية.

بدا عبدي كمن يلعب بالأوراق كلها دفعة واحدة، فكما حثّ الأسد على حماية قواته، بيّن أن الروس كانوا قد وعدوه برفض أيّ عملية عسكرية تركية محتملة، وافترض أن واشنطن لا بد وأن يكون لها موقف “أكثر وضوحاً حيال الهجمات”.

بذلك يؤكد عبدي أن الموقف الأميركي “ليس واضحاً” عليه تماماً، الأمر ذاته كرّره حين تحدث عن موقف الأسد وقال بالحرف “المطلوب من الدولة السورية هو أن تكون صاحبة موقف، لأنه في النهاية جزء من الأرض السورية يتعرض للهجمات والاحتلال”.

ومع التلويح بخطر عودة داعش، والتذكير بما أطلق عليهم عبدي تعبير “آلاف العائلات من ذوي عناصر ومسلحي داعش” في مخيمات الاعتقال التي تقيمها “قسد” على الحدود السورية العراقية، فهناك، على حد قول عبدي، مخيمات تؤوي أسر مرتزقة كمخيمي الهول وروج، بالإضافة إلى عدد من المخيمات الصغيرة الثانية على طول امتداد المنطقة، وعن ذلك أشار عبدي إلى أن أيّ هجوم جديد ستخرج معه تلك المخيمات عن السيطرة.

في هذه الصورة تبدو غالبية العوامل المتحكمة بالمنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا غير قابلة للتغير، ثابتة بقوة التفاهمات السياسية والأمنية القائمة والمستجدة، باستثناء قرار قد يأتي من رئيس النظام السوري بشار الأسد.

غير أن السؤال هنا ليس عن طموحات “قسد” ومصالحها وتوقعاتها من حلفائها المتناقضين، بل حول مصلحة الأسد في تلبية كل تلك المخاوف، فلماذا سيرفض عودة داعش؟ ولماذا سيقلق من إضعاف “قسد” التي ما يزال خطابه الرسمي يسميها الميليشيات الانفصالية، ويرفض طلبها بالانضمام إلى جيش وطني واحد تشكل فيها تشكيلات قومية وفق مبدأ اللامركزية؟

في حال شنت تركيا عمليتها العسكرية الجديدة، لن يتدخل أحد، وسيكون على الولايات المتحدة أن تحسب ما يمكن أن تخسره على جبهة الناتو، في حال عرقلت تقدم القوات التركية، إلا في حال تم تقديم ضمانات لأنقرة داخل الحلف، لكن كيف سيكون شكل تلك الضمانات إن لم تكن تخلياً عن دعم “قسد” و”بي كي كي”؟

الأرجح أن الأسد سيقف موقف المتفرج أملاً بأن ينهك الطرفان بعضهما بعضاً، حتى تحين الساعة المناسبة ليحصد ثمار صبره الاستراتيجي المعهود، مغفلاً أن تركيا إنما تخوض حرباً امتدت لعقود مع “بي كي كي” لعب فيها والده حافظ الأسد دوراً أساسياً في دعم التنظيم الكردي الانفصالي وتسليحه وتدريبه على الأراضي السورية واللبنانية قبل أن يتخلى عنه ويطرد زعيمه عبدالله أوجلان ثم يسرّب للأتراك إحداثيات تواجده ليتمكنوا من القبض عليه وإيداعه في سجن “إمرالي”.

العرب

————————

 العملية العسكرية التركية شمال سوريا… تصطدم برفض أميركي ـ روسي/ سعيد عبد الرازق

لم تخرج حتى الآن عن نطاق التصريحات وتصعيد الهجمات على مواقع «قسد»

لم تتوقف حملة التصريحات التركية حول عملية عسكرية محتملة تستهدف مواقع ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) – ذات الغالبية الكردية – في شمال سوريا منذ أول إعلان للرئيس رجب طيب إردوغان يوم 23 مايو (أيار) الماضي، أن بلاده ستشن قريباً عمليات عسكرية جديدة على حدودها الجنوبية لإنشاء «مناطق آمنة» بعمق 30 كيلومتراً لمكافحة التهديدات الإرهابية من هذه المناطق. في البداية حدد إردوغان نطاقاً مكانياً واسعاً للعملية على حدود تركيا الجنوبية، لكنه لم يحدد لها نطاقاً زمنياً حتى الآن. إذ تكلم عن «عمليات» تمتد في مناطق سيطرة «قسد» (تناقصت رقعتها لاحقاً)، التي تغلب على عديدها ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية». غير أنه، في حين ترى واشنطن في «قسد» حليفها الأوثق في «الحرب» على تنظيم «داعش» الإرهابي، تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً يشكل امتداداً لحزب «العمال الكردستاني»

التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وأركان حكومته، ولا سيما وزيري الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي أكار، ضيقت رقعة العملية المهدد بها في الشمال الحدودي السوري؛ إذ قال إردوغان، قبل أيام إنها ستركز على المنطقة المحيطة بمدينتي منبج وتل رفعت، وهما مدينتان تشكلان عقدة اتصال بين «قسد» في المناطق الواقعة على جانبي نهر الفرات غرباً وشرقاً، وتوجد فيهما قوات روسية إلى جانب مسلحي «قسد» والنظام السوري.

عمليات عسكرية ثلاث نفذتها تركيا من قبل، هما اثنتان في غرب الفرات، عرفت الأولى بـ«درع الفرات» عام 2016 في حلب، والثانية بـ«غصن الزيتون» 2018 في عفرين، أما الثالثة «نبع السلام» فقد نُفّذت في شرق الفرات، التي أطلقت في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بيد أنها أوقفت خلال بضعة أيام بعد تدخل الولايات المتحدة وروسيا وتوقيع تفاهمين يقضيان بتأمين انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى مسافة تتراوح بين 5 كلم و30 كلم جنوبي الحدود التركية. وهذا، مع العلم أن أنقرة لا تحدد مواعيد لعملياتها، بل يقول إردوغان دائماً، إننا «سنأتيهم بين ليلة وضحاها».

الرئيس التركي قال السبت الماضي أمام تجمع من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في إحدى ضواحي العاصمة أنقرة، إن بلاده تواصل «بعناية» الأعمال المتعلقة باستكمال الخط الأمني على حدودها الجنوبية، عبر عمليات جديدة في شمال سوريا. وأضاف «لقد مزّقنا الممر الإرهابي المُراد تشكيله على حدودنا الجنوبية من خلال عمليات (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام) و(درع الربيع) في شمال سوريا، و(المخلب – القفل) في شمال العراق». وأردف «المنطقة الممتدة بعمق 30 كلم بمحاذاة حدودنا الجنوبية هي منطقتنا الأمنية، ولا نريد أن يزعجنا أحد هناك، وسنقوم بخطوات في هذا الخصوص».

وقبل ذلك بيومين، تعهد الرئيس التركي بذهاب قواته إلى مناطق سيطرة مسلحي «قسد» في شمال سوريا و«دفنهم فيها». وحدد نطاقاً للعملية المحتملة، قائلاً إن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين «من دون انتظار إذن من أحد». كما انتقد قلة التزام الولايات المتحدة بتعهداتها عبر مذكرة التفاهم الموقعة معها في 17 أكتوبر عام 2019، والتي أوقفت بمقتضاها عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شرق الفرات.

– تحذير أميركي ـ روسي

فور إعلان إردوغان عن العملية المحتملة في 23 مايو، حذّرت واشنطن من أن أي عملية عسكرية في شمال سوريا ستشكل خطراً على قواتها المشاركة في عمليات مكافحة «داعش» في المنطقة. وتعالت تحذيرات من وزارة الدفاع (البنتاغون) والكونغرس الأميركيين من احتمالات تعرض تركيا للعقوبات إذا ما أقدمت على خطوة جديدة لمهاجمة حليف واشنطن الكردي في سوريا.

بالنسبة إلى منبج، كانت أنقرة قد أعلنت يوم 4 يونيو (حزيران) 2018 التوصل إلى «خريطة طريق» مع واشنطن لانسحاب مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردية» من المدينة الخاضعة لسيطرة «قسد»، وتسيير دوريات تركية أميركية مشتركة حولها، لكن أنقرة اشتكت دائماً من قلة التزام واشنطن بـ«خريطة الطريق» هذه. وفي 15 أكتوبر 2019، أعلنت واشنطن انسحاب قواتها من منبج بشكل كامل باتجاه الحدود العراقية، ذاكرة أن قوات «التحالف» تنفذ انسحابا مدروساً من شمال شرقي سوريا، وأنها انسحبت من منبج أيضاً، بالتزامن مع بدء الجيش التركي عملية «نبع السلام». ولكن، مع الانسحاب الأميركي عاد مسلحو «قسد» والنظام السوري بدعم من روسيا للانتشار في المدينة.

وعلى غرار الولايات المتحدة، حذرت روسيا من أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، مؤكدة أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية التركية إلا بنشر قوات الأمن (النظامية) السورية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن موسكو تأمل في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سوريا. وكذلك أن موسكو تتفهم مخاوف تركيا من تهديدات أمنها القومي من المناطق الحدودية، «لكنها ترى أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية – التركية إلا بنشر قوات الأمن التابعة للحكومة السورية (أي النظام)».

هذا، وكانت تركيا قد أبرمت مذكرتي تفاهم منفصلتين مع الأميركيين والروس أثناء عملية «نبع السلام» عام 2019، وتعهد الجانبان بموجبهما بانسحاب «وحدات حماية الشعب الكردية» حتى عمق 30 كلم إلى الجنوب من الحدود التركية، لكن أنقرة تقول إنهما لم يفيا بوعودهما، بينما تزعم واشنطن أن تركيا لم تلتزم من جانبها بالتفاهم الموقع بينهما.

– تصعيد وتحضيرات

يرى مراقبون، أن تركيا لا تهتم كثيراً بالموقف الأميركي من عمليتها المحتملة لأن الصدام بينهما غير وارد لعدم وجود قوات أميركية في منبج وتل رفعت، إلا أن المعضلة الحقيقية مع روسيا، التي تنشر قواتها هناك. ومن ثم، تسعى تركيا إلى استغلال الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا للتوغل في الأراضي السورية، وتأمل في الوقت ذاته أن تحظى بتأييد روسي مقابل مواقفها في الحرب الأوكرانية، وبالذات تأييد العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا. ويشير هؤلاء إلى هدف آخر، هو سعي إردوغان لاستعادة قاعدة ناخبيه من القوميين التي تكشف استطلاعات الرأي تحولها عنه قبل سنة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو 2023.

وقبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة، الأربعاء الماضي، صعّدت تركيا وفصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لها، قصف مواقع «قسد» في منبج بشكل مكثف. وامتد القصف إلى تل رفعت، وأيضاً بعض المواقع في الحسكة شرقي الفرات. وأفادت مصادر عسكرية تركية، بأن «الجيش الوطني السوري» أكمل تحضيراته وتدريباته التي نفذت بالذخيرة الحية، تأهبا للعملية العسكرية المحتملة. كذلك تحدثت مصادر عسكرية تركية، قبل يومين من زيارة لافروف عن اجتماع لقادة من الجيش التركي والاستخبارات، مع قادة فصائل «الجيش الوطني السوري» في «غرفة عمليات كيليس» بريف حلب، لإطلاعهم على التفاصيل النهائية للعمليات العسكرية المحتملة.

وفي المقابل، أخلى قادة في صفوف «قسد» وعائلاتهم منازلهم في تل رفعت ومنبج، بموجب اتفاق مع قوات النظام السوري لتسليمها المواقع القريبة من خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية. وأعلنت «قسد» بدورها رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، مشيرة إلى أنها أكملت الاستعدادات لمواجهة الهجوم التركي المرتقب. وحذّرت من الدخول في حرب طويلة الأمد، وأبدت أيضاً استعدادها «للتنسيق» مع قوات النظام السوري لصد العملية التركية و«حماية» الأراضي السورية، وسط تأكيدات من تركيا أن عمليتها ستكون في إطار القانون الدولي، كالمعتاد، وأن ما يهمها هو حماية وحدة سوريا وأمن الحدود التركية.

من جهتها، نشرت وكالة أنباء «الأناضول» التركية، الثلاثاء، تقريراً ادعت فيه إلى أن «قسد» تحفر الأنفاق وتخبئ الأسلحة في المناطق السكنية بمدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها؛ بغية استخدام المدنيين دروعاً بشرية، قبل العملية العسكرية المحتملة. ونشرت الوكالة ما قالت، إنه صور ومقاطع فيديو التقطت من الجو لعدد من البلدات المحيطة بتل رفعت، هي الشيخ عيسى ومنّغ والعلقمية وعين دقنة وكشتعار وطاط مراش، تظهر عمليات حفر الأنفاق فيها وإخفاء دبابات وأسلحة في البيوت. كما تظهر تحركات لبعض عناصرها حول الأنفاق وتجمعات لهم في القرى وسط المدنيين. ولفت التقرير إلى أن «قسد» حفرت، خلال السنوات الماضية، شبكة أنفاق معقدة في تل رفعت ومحيطها، كما استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة من مناطق سيطرتها شرق الفرات إلى المنطقة.

للعلم، سيطرت «قسد» على تل رفعت في فبراير (شباط) عام 2016 بدعم جوي روسي؛ ما تسبب في نزوح عشرات الآلاف من سكانها إلى مخيمات نصبت بالقرب من الحدود السورية التركية. وتتهم أنقرة «قسد» باستخدام تل رفعت والقرى المحيطة بها منطلقاً لتنفيذ هجمات على المناطق الآمنة التي شكلتها تركيا عبر العمليات العسكرية التي نفذتها في سوريا.

– تباعد تركي – روسي

من جهة أخرى، عكست المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في أنقرة، الأربعاء، تباعداً في مواقف بلديهما بشأن الملف السوري والعملية العسكرية التركية المحتملة. ولم يعلن لافروف موقفاً مؤيداً لتركيا في تحركها المتوقع، بل اكتفى بالقول، إن بلاده تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية لتركيا وتنسق معها، لافتاً إلى الالتزام بالتفاهمات والاتفاقات بين البلدين وتنفيذها، ولو ببطء. وتنتقد موسكو تركيا لتقاعسها عن اتخاذ الخطوات اللازمة للفصل بين المتشددين والمعارضة السورية المعتدلة في إدلب بموجب اتفاق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا.

وتابع وزير الخارجية الروسي «نحن نتفهم جيداً مخاوف أصدقائنا فيما يتعلق بالتهديدات التي تختلقها قوى خارجية على حدودهم، بما في ذلك عن طريق تأجيج المشاعر الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الأميركية الموجودة في سوريا بشكل غير قانوني». وفي الوقت ذاته، لم يقدم لافروف وعوداً بتأييد العملية العسكرية المزمعة، بل تمسك بموقف بلاده في التحذير من أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا. وإن قال، إننا نأخذ بعين الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم. واتهم الولايات المتحدة بأنها ترعى تنظيمات عدة في سوريا بشكل غير قانوني.

أما جاويش أوغلو، في المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف عقب المباحثات، فاعتبر أن هناك تهديداً متصاعداً من «التنظيمات الإرهابية» في شمال سوريا، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه التهديدات. وتابع «يجب تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا… إن الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تدعم الإرهابيين في شمال سوريا». وأردف، أن اعتراض بلاده على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليس له أي سبب سوى دعمهما التنظيمات الإرهابية التي تعمل ضدها. ومعلوم أن تركيا رفضت انضمام الدولتين إلى «ناتو» قبل الاستجابة لمطالبها المتعلقة بوقف دعمهما للمقاتلين الأكراد في شمال سوريا، ورفع الحظر على صادرات السلاح إلى أنقرة، الذي انضمت فيه الدولتان إلى دول غربية أخرى عام 2019 بسبب عملية «نبع السلام». ويرى مراقبون، أن أنقرة تستخدم هذه الورقة أيضاً في الضغط على واشنطن – المتحمسة لضم السويد وفنلندا إلى «ناتو» – من أجل وقف دعمها للميليشيات الكردية بحجة الحرب على «داعش».

جاويش أوغلو قال أيضاً «نحن نعلق أهمية خاصة على وحدة أراضي سوريا، لكن ثمة صعوبات يجب التعامل معها… تركيا تتوقع من الولايات المتحدة وروسيا الوفاء بالتزاماتها بشأن تطهير سوريا من الإرهابيين، في إشارة إلى مذكرتي التفاهم الموقعتين مع كل من واشنطن وموسكو في 17 و22 أكتوبر 2019 بشأن وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية وانسحاب «قسد» إلى مسافة 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية.

هذا، وقبل المباحثات، كشف مسؤول تركي كبير لوكالة «رويترز» عن أن لافروف سيسأل عن المعلومات الاستخباراتية، التي قال، إنها تشير إلى وصول قوات من جيش النظام والميليشيات المدعومة من إيران إلى تل رفعت أو تتجه إلى هناك، مؤكداً أن تركيا ستنفذ العملية العسكرية في شمال سوريا بطريقة أو بأخرى. ونقلت الوكالة عن مسؤولين أتراك وآخرين في المعارضة السورية المسلحة، أن جيش النظام عزز قواته في شمال سوريا، في حين تعد تركيا لشن عمليتها العسكرية بهدف إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

وبحسب يوسف حمود، المتحدث باسم «الجيش الوطني السوري»، تعزز القوات الروسية مواقعها راهناً بالقرب من تل رفعت ومنبج والضواحي الجنوبية لعين العرب وعين عيسى، وتقع جميع هذه البلدات على بعد 40 كيلومتراً من الحدود التركية. وأضاف حمود لـ«رويترز»، أنه «منذ الإعلان عن العملية التركية، أعلن النظام السوري وميليشياته الإيرانية التعبئة ويرسلون تعزيزات إلى وحدات حماية الشعب الكردية… وأمكن رصد طائرات هليكوبتر روسية تهبط في قاعدة جوية قريبة من تل رفعت».

كذلك، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في هذه الأثناء، بأن القوات الروسية أرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدتها في المباقر – بريف تل تمر شمال غربي الحسكة – الواقعة تحت سيطرة «قسد» والنظام، تتألف من ناقلات جنود ومدرعات وعربات عسكرية مغلقة، بالإضافة إلى رادارات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة بينها مضاد للطيران. وأيضاً، يواصل الطيران الحربي الروسي تحليقه المكثف يومياً على طول خطوط التماس بين «قسد» والنظام من جهة، وفصائل «الجيش الوطني السوري» والقوات التركية من جهة أخرى، وذلك من ريف مدينة منبج غرباً، وصولاً إلى القامشلي شرقاً عبر عامودا والدرباسية على طول الحدود السورية التركية.

– لماذا تريد تركيا السيطرة على تل رفعت؟

> تسعى تركيا لإبعاد مقاتلي ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية» عن حدودها الجنوبية لمسافة 30 كلم على الأقل.

وتستخدم المنطقة، التي تسيطر عليها «قسد» وتتمركز فيها قوات روسية وأخرى تابعة للنظام والميليشيات الإيرانية، منذ عام 2016، منطلقاً للهجمات الكردية على المناطق الحدودية في تركيا. وتمتل مدينة تل رفعت إشكالية أمنية لتركيا في الماضي والحاضر أيضاً. ولذا؛ وضعت تركيا المدينة في مقدمة أهدافها الاستراتيجية والأمنية في شمال سوريا.

فعلياً، لا تملك ميليشيا «قسد» السيطرة الكاملة على «الجيب» الذي يضم تل رفعت، ومع أنها موجودة عسكرياً في المنطقة، فإن روسيا هي التي تسمح لها بالتحرك فيها؛ كونها المسيطر الأول والأخير. وفي رأي مراقبين، فإن هذه المنطقة تشكل محور أزمة في العلاقة بين تركيا وروسيا، وعندما يعلن الجانب التركي عن تحرك عسكري في تل رفعت، تكون الفكرة الرئيسية هي ممارسة نوع من الضغط على روسيا وإجبارها على الحوار والتحرك ضد «قسد». وعليه؛ ففكرة الصدام العسكري بين القوات التركية والروسية مستبعدة دائماً من الجانبين.

وبالنسبة إلى «قسد» فهي ليست مستعدة، في حالة التصعيد العسكري، للاعتماد على علاقتها بالميليشيات الإيرانية الموالية للنظام، لأن ذلك سيسبب لها مشكلة مع روسيا، وكذلك مع أميركا الحليف والداعم الأساسي.

أما أهالي تل رفعت النازحون إلى ريف حلب، فلطالما طالبوا تركيا والفصائل الموالية لها بعمليات عسكرية تتيح لهم العودة إلى مدينتهم. وحقا نظموا أكثر من وقفة خلال السنوات الماضية، ومنذ أيام قليلة أيضاً، يدعمون فيها التدخل التركي.

الشرق الأوسط

——————————

حدود العملية العسكرية التركية في سوريا/ رانيا مصطفى

أعطى الموقع الجغرافي والجيواستراتيجي لتركيا، وعضويتها في حلف الناتو، فرصة ثمينة لها، لاستغلالها في الملف السوري، في محاولة منها لفرض توسيع المنطقة الآمنة على الشريط الحدودي مع سوريا، وإعادة مليون لاجئ سوري إليها من أصل 3.7 مليون، لرفع شعبية حزب العدالة والتنمية أمام معارضي الوجود السوري على الأراضي التركية، ولإلهاء الشعب عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، بتحقيق إنجاز عسكري وسياسي يتعلق بالأمن القومي التركي.

أعلن أردوغان عن العملية العسكرية الجديدة، وصادق عليها مجلس الأمن القومي التركي؛ وهو ينتظر أضواءً خضراء أمريكية وروسية.

 جاء الرفض الأمريكي واضحاً ومعلناً، لأي تحرك تركي جديد شرق الفرات، وهذا ما دفع الرئيس التركي إلى تحديد وجهته صوب منبج وتل رفعت غرب الفرات، مع تذكير كل من موسكو وواشنطن بعدم التزامهما بتعهداتهما حول إبعاد “وحدات الحماية الكردية” وعناصر “حزب العمال الكردستاني” وقسد عن الحدود مسافة 30 كيلومتراً، بعد إيقاف عملية “نبع السلام” التركية، وفق مذكرتي تفاهم بين كل منهما وأنقرة، في 17 و 22 تشرين الأول في 2019.

كذلك، تضغط أنقرة على واشنطن بتذكيرها بالتزاماتها بـ”خريطة الطريق” في منبج في 2018، والتي تضمنت إخلاء منبج ومحيطها من عناصر الإدارة الذاتية وتشكيل مجلس محلي وتسيير دوريات مشتركة أمريكية- تركية.

هناك رفض أمريكي أيضاً لعملية عسكرية تركية في منبج، أو حتى في محيط عين العرب “كوباني”؛ فلا رغبة لواشنطن بسيطرة تركية على مناطق متصلة في الشمال، أو إعطاء أنقرة حجماً أكبر في سوريا.

 وتخشى أنقرة، في حال شنت هجوماً على منبج، أن يطالب الكونغرس الأمريكي بإعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية على تركيا، والتي فُرضت بعد عملية “نبع السلام” في 2019، وجمدتها واشنطن مؤخراً، كبادرة لفتح علاقات إيجابية مع أنقرة، كونها ستلعب دوراً مهماً في الوساطة مع روسيا.

هناك أيضاً ترتيبات أمريكية- تركية بخصوص حصول تركيا على صفقة شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز إف-16، وتحديث طائراتها القديمة، والتفاوض حول إمكانية العودة إلى برنامج إنتاج طائرات إف-35؛ وترغب تركيا بالضغط على واشنطن وأعضاء حلف الناتو من أجل محاصرة نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني وجماعة عبد الله غولان.

هذا يعني أن التهديد التركي بعملية عسكرية قد يتوقف عند حدود تل رفعت، التي تسيطر عليها “وحدات الحماية الكردية” مع نفوذ روسي- إيراني- سوري.

 صحيح أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أعرب عن تفهمه للمخاوف الأمنية التركية، خلال الزيارة السريعة له إلى تركيا الأربعاء الماضي؛ لكنه أيضاً، ذكّر نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، بعدم التزام تركيا بتنفيذ اتفاق سوتشي لعام 2020، بين الطرفين، خاصة بما يتعلق بحصر تواجد الفصائل المتشددة في جيب صغير على الحدود التركية، وتسيير دوريات مشتركة وفتح الطريق الدوليm -4.

وقد أرجأ لافروف النقاش حول الملف إلى اجتماع أستانة 18 الأسبوع المقبل؛ وهذا يعني أن في ذهن الروس العودة إلى مقايضة تل رفعت بجنوب الطريق الدولي، أي جبل الزاوية.

ترغب موسكو في استغلال التصعيد التركي، بالسعي إلى تمكين النظام وحرس الحدود من السيطرة على منطقة عازلة، وهي تشارك واشنطن في رغبتها بتحجيم النفوذ التركي في سورية.

 لكن روسيا تحتاج إلى تركيا في الملف الأوكراني، وتحديداً في رفض أنقرة طلب كل من السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف الناتو، في اجتماع الحلف المرتقب نهاية الشهر في مدريد؛ وكذلك لم تلتزم أنقرة بتطبيق العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو، واكتفت بالتضييق على حركة الملاحة العسكرية الروسية البحرية والجوية عبر أراضيها.

تريد موسكو من أنقرة، أيضاً، أن تلعب دور الوسيط في الملف الأوكراني، مع حكومة كييف والغرب وواشنطن؛ فقد جرى، خلال زيارة لافروف الأخيرة إلى تركيا، وقبلها اتصال هاتفي بين وزيري الدفاع، سيرغي شويغو وخلوصي أكار، نقاش فتح خط ملاحة آمن أمام المنتجات الزراعية الأوكرانية، خاصة القمح والذرة وزيت عباد الشمس، وأن يكون بمشاركة وضمانة أمنية تركية من ميناء أوديسا وعبر البحر الأسود إلى مضيق البوسفور.

 طلبت أنقرة من كييف بالمقابل حسم 25 بالمئة على وارداتها من الحبوب الأوكرانية والبالغة 20 مليون طناً، بينما تريد موسكو من أنقرة أن تتوسط لها في تقليل القيود على التبادلات المصرفية والمالية الروسية مع الخارج فيما يتعلق بصادراتها الزراعية من الحبوب والأسمدة.

ترفض روسيا بدورها أي توغل تركي جديد شرق الفرات، وهي تريد الاحتفاظ بمواقعها هناك، وألا يتأثر نفوذها في سوريا بسبب انشغالها في حرب أوكرانيا، خاصة مع رصد العودة الأمريكية إلى قاعدة “خراب عشك” بالقرب من عين العرب/ كوباني.

 هذا دفع موسكو وحكومة دمشق إلى إرسال تعزيزات إلى قوات قسد قرب منبج وتل رفعت، وفي شرق الفرات في عين عيسى، وعلى كامل حدود التماس مع فصائل الجيش الوطني وعلى باقي الحدود السورية التركية، وتسيير دوريات مشتركة مع قسد والنظام؛ وعززت روسيا قواتها في قاعدة المباقر بريف تل تمر الإستراتيجية، شمال غرب الحسكة، كونها منطقة فصل بين قوات قسد وبين فصائل الجيش الوطني في منطقة “نبع السلام”، وكذلك لأن فيها عقدة طرق إستراتيجية، تضم تقاطع الطريق الدولي m-4 مع الخطوط المؤدية إلى الطريق المحاذي للحدود السورية التركية، ويتجه إلى الحدود العراقية، ضمن استرتيجية موسكو للسيطرة على شبكات الطرق والملاحة الرئيسية في سوريا.

رغم رغبة واشنطن في إرباك موسكو في سوريا، لكن الطرفين يتفقان على تحجيم المكاسب التركية في سوريا، وتقليصها إلى مفاوضات حول تل رفعت ومحيطها. لا رغبة لروسيا بفتح جبهة قتال جديدة بين تركيا والفصائل الموالية لها من جهة، وبين النظام والمليشيات الإيرانية الداعمة له؛ وكذلك تركيا، لا يحتمل وضعها الاقتصادي المتردي، وانخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية، أن تغامر في عملية عسكرية واسعة ومرفوضة روسياً وأمريكياً. وهذا يعني أن التصعيد التركي سيقتصر على الدعاية والخطابات وممارسة الضغوط، وربما مناوشات محدودة، حتى يتم الاتفاق مع الروس، ربما في أستانة القادم، على مقايضة ما دون قتال، أو تبريد الملف حتى إشعار آخر.

————————-

من سوتشي حتى تل رفعت: المحصلة شمال سوريا هي عودة قوات الأسد/ وائل عصام

دعونا نتذكر ما حصل في شهر أكتوبر من عام 2019، ففي سوتشي وبعد اجتماع دام ست ساعات بين أردوغان وبوتين، تمخض اتفاق لم ينفذ يقضي بانسحاب القوى الكردية مسافة 30 كيلومترا من الحدود، وانتشار قوات روسية وحكومية سورية وعودة قوات الحدود السورية الحكومية، بالطبع خرج الأتراك ليعلنوا «انتصارا»، بالنسبة لهم الانتصار هو تحقيق منطقة آمنة من الأكراد وليس من النظام السوري، ولا عجب بذلك بالنسبة لأهداف تركيا، لكن العجيب حينها هو احتفاء خصوم النظام السوري من حلفاء تركيا في المعارضة السورية، بهذا «الانتصار»، الذي أعاد منح النظام وروسيا مزيدا من السيطرة شمال سوريا، وهنا تكمن واحدة من مآزق المعارضة السورية.

إن حليفا أساسيا كتركيا يمتلك أولويات تدور حول الخطر الكردي، تختلف بل تتعارض مع أولوياتهم حول النظام السوري، والمفارقة أن تتحول بندقية جنود اللواء سليم إدريس القائد السابق للجيش الحر لثائر على الأسد، لخدمة الأهداف التركية شمالا، التي تؤدي مباشرة لعودة قوات عدوهم الأسد! ضباب في الرؤية على صعيد التكتيك وعمى على صعيد الاستراتيجية!

طبعا حتى تركيا لم تذق يومها طعم هذا «الانتصار»، الذي حدد مهلة 6 أيام لبدء انسحاب القوات الكردية، فلم تنسحب «قسد»، بينما الجزء الذي تم تنفيذه من الاتفاق هو الشق الملائم لمصالح روسيا والنظام فقط، وهو نشر قواتهم شمالا بعد الضغط على الأكراد، بالاستفادة من التهديدات التركية! والمفارقة أن تركيا ايضا واجهت التهرب نفسه من الولايات المتحدة التي وقعت معها أيضا قبل أيام من اتفاق سوتشي، اتفاقا يقضي أيضا بانسحاب الأكراد، وأيضا حققت واشنطن هدفها بوقف العملية التركية، من دون تنفيذ تعهداتها بإبعاد القوى الكردية، وهكذا خرجت تركيا خالية الوفاض من هذين الاتفاقين مع روسيا وأمريكا اللتين لم تنفذا التعهدات التي أبرماها مع أنقرة، وهذا ما أقر به صراحة وزير الخارجية التركي قبل أيام في مؤتمره الصحافي الأخير مع لافروف، إذ قال إن «روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تعهدتا بتطهير مناطق في شمال سوريا من التنظيم الإرهابي المذكور، ومن حقنا أن نطالب بالوفاء بهذه التعهدات». وبعد إخفاق أنقرة بتحقيق هدفها بإبعاد الأكراد من خلال الاتفاقين، توصلوا على ما يبدو لقناعة، بأن السبيل الوحيد لإبعاد الأكراد هو مراعاة مصالح الطرف الذي يمتلك قوى على الأرض في سوريا، وهو الحلف الإيراني الروسي، ولنكن واضحين، تركيا منذ اتفاق سوتشي أقرت سياسة تفضل من خلالها عودة سيطرة حكومة دمشق في الشمال السوري على بقاء القوى الكردية، وهذا بات الخيار العملي الأكثر واقعية لدى تركيا، كونه مقبولا روسياً. ومنذ الاتفاق في سوتشي عام 2019، اتضحت مآلات النزاع بين القوى المؤثرة شمال سوريا، الأكراد وحلفائهم الأمريكيين، النظام وحلفائه الروس والإيرانيين المعادين للوجود الأمريكي، تركيا المعادية للقوى الكردية، مع آلية صراع متشابكة، فطهران وموسكو ودمشق تريد إبعاد الوجود الأمريكي شمال سوريا، وبالتالي ضرب فرصة كيان انفصالي كردي، وهو ما يجمعهم مع أنقرة، ولذلك باتت أنقرة أقرب لموسكو في شمال سوريا، وعلينا أن ننتبه هنا إلى أن أحد أهداف موسكو في وجودها في سوريا هو إعادة بسط هيمنة «الدولة السورية» على أراضيها، وهو ما نص عليه اتفاق استانة الذي وقعت عليه تركيا، وهكذا أصبحت أهداف تركيا بإبعاد الأكراد مرهونة بتحقيق أهداف دمشق وموسكو بإعادة سيطرة النظام السوري شمالا، الطرف الوحيد الذي خسر هنا المعارضة السورية، حتى الأكراد وإن كانوا سيتخلون عن حلم دولة «روجافا» شمال سوريا، فإنهم سيحصلون من النظام وبضمانات روسية على شيء من حقوقهم الذاتية وصلاحيات إدارية محلية في المناطق الكردية طالما طالبوا بها لعقود، شريطة أن يرفعوا «علم» حكومة دمشق.

ومن سوتشي 2019 إلى أنقرة 2022، حيث عقد لافروف اجتماعا قبل أيام مع الأتراك الذين يطلقون تهديدا بتنفيذ عمليتهم كل نصف ساعة، كانت الرسالة الروسية للأكراد واضحة، نفذوا اتفاق سوتشي بالانسحاب وعودة قوات الأسد وإلا أطلقنا عليكم الأتراك، وبالفعل بينما لافروف يجتمع في أنقرة، كان وفد عسكري روسي يلتقي مع قائد «قسد» مظلوم عبدي في قاعدة «لايف ستون» القامشلي بقيادة قائد القوات الروسية في سوريا الكسندر تشايكو، ويبدو أن مفاعيل هذا اللقاء كانت واضحة على الأرض، فالأنباء تحدثت عن بدء انسحاب قوات قسد ومؤسساتها من منبج وتل رفعت ودخول المزيد من قوات الفرقة الرابعة وتمركزهم في تلك البلدات المهددة بالهجوم التركي، وهذا السيناريو بات يتكرر مع كل تهديد، أو عملية تركية ضد قسد شمالا، وإذا استمرت عمليات الانسحاب لقسد لتصل للرقة ودير الزور، فهذا يعني أن التسوية مع دمشق تمت، وهي تسوية برعاية روسية تمنح الأكراد حقوقا ثقافية وبعض الصلاحيات المحلية تحت مظلة حكومة دمشق، عقدت من أجلها عشرات الاجتماعات منذ اتفاق سوتشي 2019، لكن كان ينقصها ضغط على الأكراد عادة ما تكفلت به أنقرة، أما في المناطق التي يوجد فيها الجيش الأمريكي شرق الفرات، فيبدو أن قسد قد تصل لقناعة بأن الأمريكيين لن يوفروا لهم مظلة حماية أبدية لأنهم سينسحبون من سوريا عاجلا أم آجلا، وأن مصيرهم مرتبط بالتفاهم مع القوى التي تسيطر اليوم على معظم سوريا، دمشق وحليفتها موسكو وطهران. قد يعتقد البعض في المعارضة السورية أن الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا اليوم هي مناطق آمنة لهم، لن تكون آمنة سوى من الوجود الكردي المسلح وليس النظام، فتركيا دخلت للشمال السوري وفق تعهدات استانة مع روسيا التي تنص على عودة «الدولة السورية»، والمسؤولون الأتراك قالوا صراحة إنهم لن يبقوا في سوريا طالما أبعد التهديد الكردي، وسواء بعد عامين او ثلاثة أعوام، ستنسحب تركيا من هذه المناطق وسيعود لها النظام، المسألة مسألة وقت فقط، هو طريق واضح تنظمه إشارات مرور الصراع، خلال العامين المقبلين ستعيد تركيا «ما تيسر» من النازحين السوريين ، للتخلص من المشكلة الداخلية الخاصة باللاجئين السوريين في تركيا، ولمحاولة خلخلة الديمغرافيا شمال سوريا بالزج بنازحين سوريين عرب في المناطق ذات الغالبية الكردية كما حصل بعفرين.

وبالمحصلة، سواء نفذت تركيا عملية عسكرية أو لم تنفذ في تل رفعت ومنبج، فإن الروس سيضمنون لهم إبعاد قسد، لكن بالمقابل، فإن الروس سيضمنون لدمشق أن تل رفعت ستكون على طريق درعا!

القدس العربي

————————-

لوفيغارو: الهجوم العسكري التركي في شمال سوريا يقترب وهذه أهدافه

تحت عنوان: “الهجوم العسكري التركي في شمال سوريا يقترب”، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحسب الأمور بشكل دقيق: الحرب في أوكرانيا، التي قلب كل المخاوف، توفر له فرصة استثنائية لتقدم بيادقه، إذ يتزامن التحضير للعملية العسكرية التركية في شمال سوريا التي أعلن عنها الشهر الماضي، مع الجدل الساخن حول دخول السويد وفنلندا إلى الناتو، وهو ما تعارضه أنقرة بتهمة إيواء “إرهابيين” من حزب العمال الكردستاني المقرب من القوات الكردية السورية.

وقال نيكولاس دانفورث المتخصص في الشؤون التركية لصحيفة إندبندنت: يبدو أن أردوغان، مقتنع بأن الناتو يتجاهل مخاوف تركيا الأمنية، وبالتالي يبدو أنه يفترض أن لديه الآن نفوذًا لفرض تنازلات معينة”.

أما روسيا، التي تشكل عقبة تقليدية أخرى أمام العمليات التركية في سوريا، فهي لم تبد أي اعتراض على الخطة التركية.  وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته لأنقرة هذا الأسبوع للتفاوض بشأن نقل القمح من البحر الأسود، إنه “يأخذ في الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية في شمال سوريا”، وهو ما يعد تأكيداً على أنه مع الحرب في أوكرانيا، تغيرت أولويات فلاديمير بوتين، حيث تمت في الأسابيع الأخيرة إعادة نشر جزء من الوحدات الروسية في سوريا إلى جبهة دونباس.

وتابعت “لوفيغارو” القول إنه من خلال شن توغل جديد عبر الحدود، وهو الرابع خلال ست سنوات، تستهدف أنقرة موقعين استراتيجيين: تل رفعت، جنوب أعزاز ومنبج، شرقًا، حيث تتهم ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية القريبة من حزب العمال الكردستاني بمهاجمة الجيش التركي. في نهاية المطاف، يهدف أردوغان إلى طردهم بشكل نهائي من حدوده من خلال توسيع “المنطقة الأمنية” بعمق 30 كيلومترًا، والتي يأمل في يوم من الأيام أن يراها تتعدى حوالي 450 كيلومترًا من عفرين، التي احتلها في عام 2018، إلى القامشلي، في الشرق.

 لكن حساباته تستجيب أيضًا لاعتبارات سياسية، حيث إنه ينوي من خلال هذا التدخل في سوريا ضرب عصفورين بحجر واحد: التخلص من 3.7 مليون لاجئ سوري و”تعريب” هذه المنطقة المختلطة في شمال سوريا.  وهي “هندسة ديمغرافية” تسمح له داخليًا بتهدئة موجة كراهية الأجانب، التي عززتها الأزمة الاقتصادية، واستعادة صورته مع اقتراب انتخابات عام 2023.

 القدس العربي

————————-

ضوء أخضر روسي للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري؟/ رامز الحمصي

لا يبدو أن موسكو ثابته على رأي واحد، فمن الواضح أن إعلان أنقرة عن نيتها لشن عملية عسكرية في شمال سوريا، جاء بعد أن نقلت روسيا عددا كبيرا من قواتها إلى خارج البلاد بسبب غزوها لأوكرانيا، وعلى الرغم من التصريحات السابقة لروسيا حول رفضها للعملية، والتطمينات التي تلقاها القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الثلاثاء الفائت، من قائد القوات الروسية في سوريا، العماد ألكساندر تشايكو، برفض بلاده لأي عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية، ليست سوى أحاديث مبتذلة، وفق مراقبون.

انتهاء اللقاء الروسي التركي، الذي عقد أمس الأربعاء في أنقرة، كشف عن ضوء أخضر للعملية العسكرية التركية غربي الفرات، حيث بيّن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، موقف بلاده من العملية العسكرية التركية المرتقبة شمال سوريا، لافتا أن هناك شبه توافق مع تركيا بهذا الشأن، دون اكتراث داخل الأروقة التركية، عمّا سيخلفه التقارب التركي الروسي من غضب غربي، لا سيما بعد إصرار موسكو على استمرار غزوها لأوكرانيا.

خطر جديد أمام أنقرة

لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوحدة صغيرة قوامها 900 جندي في شمال شرق سوريا، وذلك بشكل أساسي لمنع عودة ظهور تنظيم “داعش”، تعاون واشنطن مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في هذه المنطقة من أكثر القضايا الشائكة في العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة، ومن المحتمل أن تتعارض عملية تركية جديدة مع المصالح الأميركية على الأرض، مما يزيد من تفاقم الخلاف الدبلوماسي بين تركيا وحلفائها الغربيين بشأن بيع الطائرات الحربية الأميركية، والعلاقات مع روسيا، وتوسيع الناتو.

يشير المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، إلى أن  العمليات المتتالية لتركيا في شمال سوريا لا تخضع لأي تفويض دولي، إلا أن الظروف الحالية فتحت الباب أمام أنقرة للمضي في مشروعها، لا سيما وأن روسيا، مشغولة بالغزو المطول لأوكرانيا، وقد لا يكون لديها الوقت والموارد لمنع توغل تركي جديد.

ويضيف موخين، في حديثه لـ”الحل نت”، أن المسألة بالنسبة للقيادة التركية هي تقييم المخاطر التي تنطوي عليها، ستعارض الولايات المتحدة أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا، وفق ما أعلنه وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكين، مبينا أن واشنطن “تدعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية”، ومن المحتمل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نفس الموقف.

ويؤكد موخين، أن موقف الولايات المتحدة إذا ما نفذت تركيا تهديداتها، سيكون بفرض المزيد من العقوبات عليها، فالعلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الأميركي جو بايدن معقدة، وفي السنوات الأخيرة وقعت حوادث خطيرة للغاية بين جيشيهما على الأراضي السورية وفي مجالها الجوي، وبالرغم من بعض التفاهمات بين البلدين، إلا أن هذه المرة ستكون المخاطر التي تتعرض لها أنقرة أعلى من المعتاد.

الجدير ذكره، أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، جدد التأكيد على “القلق العميق” الذي تشعر به واشنطن بشأن العملية العسكرية التركية في سوريا، وخلال مؤتمر صحفي، عقده أمس الأربعاء، قال “لقد أكدنا أننا ما زلنا نشعر بقلق عميق بشأن المناقشات حول النشاط العسكري المتزايد والمحتمل في شمالي سوريا، ولا سيما تأثيره المحتمل على السكان المدنيين هناك، ونواصل الدعوة إلى الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار القائمة”، معربا عن إدانة واشنطن “لأي تصعيد يتجاوز هذه الخطوط”.

الروس ينسحبون للأتراك

خلال المؤتمر الصحفي، للوزيري الخاريجة التركي والروسي، قال لافروف، “نأخذ بعين الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم”، مؤكدا أن بلاده ستعمل مع تركيا بشكل مشترك على إخراج أولئك “الإرهابيين” من المنطقة، دون تحديد من المقصود.

عقب اللقاء الثاني، نقلت صحيفة “حرييت” التركية، عن مراسلين زاروا مناطق العمليات المخطط لها من قبل القوات التركية في شمال سوريا، إن بدء العمليات سيكون خلال هذا الأسبوع.

الباحث في موقع “الأمن والدفاع العربي”، ليث عبيدات، نقل لـ”الحل نت”، عن مصادر عسكرية تركية، إن القوات الروسية، التي كان لها ثاني أكبر وجود في تل رفعت، غادرت المنطقة خلال اليومين السابقين، مضيفا أن أنقرة لا تتوقع أن تحاول القوات الحكومية السورية صد أي هجوم تركي، بضمان روسي.

وأضاف عبيدات المطلع على الشأن العسكري التركي حاليا، أن الجيش التركي و”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، أكملوا بالفعل استعداداتهم وقد يبدؤون العملية في أي لحظة، وحاليا يجري تقييم الوضع لتقييم السيطرة على كوباني إذا رأت القيادة السياسية ذلك ضروريا، مبينا أن الاستعدادات العسكرية التركية لشن هجوم على تل رفعت ومنبج قد اكتملت.

وكانت الصحيفة التركية، قد قالت في وقت سابق، إنه “خلال المفاوضات مع روسيا، توقفت جميع الاستعدادات للعملية المخططة في منطقة عين عيسى بالأطراف الشمالية لمدينة الرقة السورية، حيث لم توافق روسيا على تلك العملية، بسبب مرور  الطريق الدولي (إم 4) الذي يربط مدن الحسكة والرقة ودير الزور شرقا وحلب شمالا، وأرسلت تعزيزات جديدة لهذه المنطقة”.

مباحثات عسكرية تركية روسية

منذ اصطدامها بالرفض الدولي والأميركي، وتهديدات بدءها عملية عسكرية محتملة في الشمال السوري، تسعى تركيا للحصول على بعض الموافقات وحتى إن كانت من روسيا لفسح المجال أمامها للتحرك عسكريا ولو بشكل محدود على الحدود السورية التركية.

وتسعى أنقرة عبر اللجوء إلى استمالة روسيا، إلى الضغط على الأوربيين والأميركيين، من أجل الاستيلاء على المزيد من الجغرافيا السورية شمالا، وذلك بحجة إقامة “المنطقة الآمنة” التركية.

وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بحث مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، الأوضاع في سوريا وأوكرانيا وذلك خلال مكالمة هاتفية جمعت الجانبين الثلاثاء الفائت.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها إنه “بمبادرة من الجانب التركي، أجرى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو محادثات هاتفية مع وزير الدفاع الوطني التركي خلوصي أكار، وتم التركيز بشكل رئيسي على تبادل الآراء والتقييمات للوضع في أوكرانيا وسوريا“.

وأكد الجانبان بحسب البيان الروسي، على أهمية استمرار التعاون الوثيق في سوريا الموجه للحفاظ على استقرار طويل الأمد في المنطقة.

الجدير ذكره، أنه رغم الرفض الدولي، عاود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قبل أيام، بتجديد تهديداته بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، بحجة إنشاء “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلومترا، وبالتالي إبعاد “وحدات حماية الشعب” المكون الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن حدوده والتي تشكل خطرا –بحسب أنقرة- على الأمن القومي التركي.

لكن أردوغان غيّر لهجته فيما يخص المناطق المشمولة في العملية المحتملة، حيث حدد بوضوح أمام البرلمان أن العملية العسكرية لن تشمل شرق الفرات، بل غرب النهر فقط، وتحديدا في منبج وتل رفعت.

—————————-

المنطقة الآمنة.. ضرورةٌ لتركيا بين أن تأمَن أو لا تأمَن/ جهاد الأسمر

بقرار قد يبدو غريباً، وجاء على عكس المجريات، والتحضيرات، والاستعدادات لمعركةٍ لطالما صرحت ونادت بها تركيا، فمنذ أيام قليلة تركيا وعلى لسان الرئيس أردوغان أكدت أن جميع الاستعدادات قد اتخذتْ لدعم المنطقة الآمنة في الشمال السوري، وحددت عمق المنطقة أنها ستكون لعمق 30 كم داخل حدودها الجنوبية مع سورية. فبعد التحضير هذا والتحشدات التي امتدت لأيام أجّلت القوات التركية عمليتها العسكرية التي كانت تزمع القيام بها في الشمال السوري أجّلتها إلى أمد غير معروف، وغير معلن، فقد أبلغت كافة التشكيلات العسكرية التي اتخذت وضع النفير العام للمعركة أبلغتهم بهذا القرار وذلك بإعلان مصدر عسكري أن القيادة التركية أبلغتهم ذلك باجتماع عُقد في مدينة كلس التركية يوم أمس.

قرار تأجيل المعركة جاء بعد يومين من اجتماع مجلس الأمن القومي التركي برئاسة أردوغان، الاجتماع كان من المفترض أن يُتّخذَ فيه جملة من القرارات يأتي على رأسها إعطاء المجلس الضوء الأخضر للقوات المسلحة التركية لبدء العملية العسكرية في الشمال السوري. الرئيس أردوغان قال قبيل يومين من تصريحه بأن الاستعدادات اكتملت للبدء بعملية عسكرية وأنه بانتظار نتائج اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، بيدَ أن ما رشح من تسريبات فيما يخص موافقة المجلس على العملية العسكرية لم يصل لمرتبة الحزم وإعطاء القرار الواضح والصريح حول بدء العملية العسكرية، أو إعطاء القرار بتأجيله، تاركاً الأمر للقيادة السياسية لدراسة المعطيات الجديدة الإقليمية والدولية وردود أفعال اللاعبين الإقليميين والدوليين حول العملية.

أطراف عديدة ولا سيما موسكو وواشنطن، والأمم المتحدة، ربما لم يوافقوا وأبدوا تحفظاتهم على العملية ما جعل أنقرة تتريث وربما كان هو السبب المباشر للإعلان عن تأجيل البدء بالعملية العسكرية في الشمال السوري. الأطراف في امتناعها عن دعم العملية العسكرية كلّ له أسبابه التي يراها لمنع وقوع العملية، فواشنطن حذرت أنقرة من مغبة القيام بالعملية العسكرية والعواقب من حدوثها متمثلة كما تدّعي أنها ستقوّض الاستقرار في المنطقة، في منطقةٍ كما تقول واشنطن يتواجد فيها جنود أمريكيون.

الأمم المتحدة وتأييداً لما ذهبت إليه واشنطن أعربت أن سورية بحاجة لتسويات سياسية، ومساعدات إنسانية وليس لعمليات عسكرية. من جانبها تركيا ورداً على التصريحات الأمريكية وموقف موسكو رأت أن موسكو وواشنطن لم تلتزما حسب- الاتفافيات السابقة- بإبعاد الميليشيات الكردية ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني عن حدودها الجنوبية الأمر الذي جعل من واجبها -حسب أنقرة- أن تقوم منفردة بما يجب عليها القيام به.

فبعد أن قامت تركيا باتخاذ كافة الاستعدادات للبدء بالعملية العسكرية وقامت بهدم جزء من الجدار الحدودي الفاصل بين سورية وتركيا وذلك لدخول العدد والعديد من قواتها إلى سورية ولكنها وبعد هذه التصريحات الأمريكية رأت أي- تركيا- أن تتريث لدراسة ردود أفعال الدول المؤثرة والفاعلة في الملف السوري وقد رأت بأن مواقف موسكو وواشنطن لا تساعدها في البدء بعمليةٍ كهذه والتي لا بد فيها من توافق جميع الأطراف المؤثرة والفاعلة والمتواجدين في شمال سورية، فتعقيدات المشهد الجيوسياسي وخاصة موقف تركيا من الحرب الروسية الأوكرانية وتزويد أوكرانيا بطائرات البيرقدار التي أحدثت فرقاً واضحاً في الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك إغلاق التجارة البحرية في البحر الأسود، ومنع أنقرة للطائرات الروسية من استخدام المجال الجوي التركي للطائرات الروسية العسكرية من عبور أجوائها إلى سورية أو من سورية إلى موسكو عوامل وأسباب ربما كان لها تأثير على عدم خلق مناخ إيجابي لما كانت تريده أنقرة من تأييد موسكو لعمليتها العسكرية، هذا من جانب الموقف الروسي، أما على الجانب الأمريكي فقد رأت واشنطن أن موقف تركيا الرافض لتوسيع حلف شمال الأطلسي” الناتو” ورفضها لدخول كل من استوكهولم وهيلسينكي للحلف والذي ترى أنقرة أن هاتين العاصمتين لهما مواقف داعمة للإرهاب وخاصة لحزب العمال الكردستاني ولفتح الله غول الذي تتهمه أنقرة بأنه الرأس المدبر للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في صيف عام ٢٠١٦.

بالأمس وبموازاة ذلك وعلى خلفية ردود أفعال واشنطن على العملية العسكرية التي أعدت لها أنقرة في الشمال السوري وتكريسها للمنطقة العازلة التي تحاول إنشاءها فقد بدد الرئيس التركي أردوغان بشكل كلي وتام آمال كل من هيلسينكي واستوكهولم في الانضمام للناتو، وذلك على خلفية الموقف الأمريكي من العملية والتي حذرت أنقرة من مغبة القيام بها لما لها من تأثير على استقرار المنطقة كما تزعم واشنطن وكما سبق بيانه.

بدا واضحاً أن ثمة تعقيدات جيوسياسية حالت حتى اللحظة من بدء العملية العسكرية في الشمال السوري وتشابك وتعقيد ملفات دولية شائكة ارتبط بعضها ببعض، وجعلت من بدء المعركة العسكرية بحاجة لتوافقات ومباحثات إضافية لإعطاء أنقرة الضوء الأخضر ببدء عمليتها العسكرية.

حاجة تركيا للمنطقة الآمنة كبيرة جداً إن على صعيد الأمن القومي التركي متمثلاً بطرد الميليشيات الانفصالية عن حدودها الجنوبية إلى المسافة التي تراها بأنها تخدم هذه المصلحة يضاف إليها حاجتها لخفض صوت المعارضة التركية التي ما فتئت بين الفينة والأخرى تطالب بضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. فتوسيع المنطقة الآمنة يصب في هذا الاتجاه الأمر الذي يمكن اللاجئين السوريين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي يرى قسم كبير من اللاجئين أن المساكن التي بنتها تركيا في الشمال السوري لا تلبي الحد الأدنى من طموحاتهم فهم يأملون بالعودة إلى مناطقهم وقراهم وليس استبدال وضعهم كمهاجرين ولاجئين في تركيا أو سواها إلى نازحين داخل وطنهم، ولا شك أن حاجة تركيا كذلك في هذه الأوقات لإقامة المنطقة الآمنة ستساعد الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية لكسب نقاط إضافية لتعزيز موقعه لدى الرأي العام التركي، وستجعل حزب العدالة والتنمية في موقف جيد انتخابياً ونحن نقترب من الدخول في سنة الاستحقاق الرئاسي والبرلماني في تركيا.

اعتبارات كثيرة وأسباب جمة تجعل من المنطقة الآمنة التي تريدها أنقرة حاجة ملحة جداً ما يدلل على هذا الاتصال الذي جرى اليوم بين أردوغان والرئيس الروسي بوتين والذي أبلغ فيها الأول الأخير أن المنطقة الآمنة في الشمال السوري باتت أمراً ملحاً وضرورياً.

فأنقرة اليوم أمام خيارين إما أن تكون المنطقة الآمنة التي تريد إقامتها هي فعلاً آمنة ومطمئِنة لها وفق رؤيتها، وإما أنها ستكون على غير ذلك ما يجعلها منطقة غير آمنة تُلدغ منها كلما أراد أعداؤها أن يلدغوها من خلالها؟ بطبيعة الحال ولما ذُكرَ من أسباب يقودنا هذا السؤال لسؤال آخر وهو: هل القرار التركي بوقف العملية العسكرية في الشمال هو قرار قابل للاستئناف أم أنه قرار نهائي وقطعي غير قابل لأي طريق من طرق الطعن به؟

 —————————-

الصراع على منبج يتجدد، “قسد” تمنع الجيش السوري من دخولها

كشفت مصادر مقربة من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أنها منعت أمس الخميس رتلا عسكريًا تابعاً للجيش السوري من الدخول إلى منطقة منبج بريف حلب الشرقي خوفا من السيطرة على المدينة.

وأكدت المصادر “منع حاجز التايه غرب مدينة منبج التابع لقوات سوريا الديمقراطية رتلاً يضم المئات من عناصر القوات الحكومية السورية معززا بدبابات ومدفعية ثقيلة من الدخول باتجاه مدينة منبج الخميس “.

وأوضحت تلك المصادر أن مجلس منبج العسكري منع الرتل العسكري من الدخول خوفًا من سيطرة القوات الحكومية السورية على المدينة بالتعاون مع خلايا نائمة تتبع لها في مدينة منبج وريفها قبل اقتحام المدينة من قبل فصائل المعارضة السورية”.

وتنتظر فصائل المعارضة السورية المدعوة من الجيش التركي قرارًا من القيادة التركية لبدء عملية عسكرية في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي.

وينتشر الجيش السوري في نقاط عسكرية صغيرة شمال وغرب مدينة منبج على خطوط الجبهة مع فصائل المعارضة.

كان الرئيس السوري بشار الأسد أكد أمس أن سوريا ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها ، مشيرا إلى أنه  سيكون هناك مقاومة شعبية لهذا الغزو .

وقال الأسد، في مقابلة مع قناة (روسيا اليوم) “إذا كان هناك غزو فسيكون هناك مقاومة شعبية بالمرحلة الأولى… طبعاً في الأماكن التي يوجد فيها الجيش السوري وهو لا يوجد في كل المناطق في سوريا وعندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة سنفعل هذا الشيء”.

وأضاف الأسد، في المقابلة  التي أوردت الوكالة العربية السورية للأنباء ( سانا ) أجزاء منها: “منذ عامين ونصف العام حصل صدام بين الجيشين السوري والتركي وتمكن الجيش السوري من تدمير بعض الأهداف التركية التي دخلت إلى الأراضي السورية،  سيكون الوضع نفسه بحسب ما تسمح الإمكانيات العسكرية، عدا عن ذلك سيكون هناك مقاومة شعبية”.

وأكد الأسد أن روسيا تتعرض لحرب لا يمكن ربطها بموضوع توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) بل هي حرب مستمرة ولم تتوقف حتى قبل الشيوعية وقبل الحرب العالمية الأولى ، مشدداً على أن قوة روسيا اليوم تشكل استعادة للتوازن الدولي المفقود.

وأضاف أن “هذا التوازن الذي ننشده ينعكس بالدرجة الأولى على الدول الصغرى وسوريا واحدة منها”.

وقال مسؤولون أتراك ومسؤولون في المعارضة السورية المسلحة إن روسيا وسوريا عززتا قواتهما في شمال سوريا حيث يحتمل أن تشن تركيا قريبا هجوما ضد المقاتلين الأكراد في حين تستعد أنقرة لمحادثات مع موسكو.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أسبوعين إن تركيا ستشن عمليات عسكرية جديدة في سوريا لتوسيع “المنطقة الآمنة” التي يبلغ عمقها 30 كيلومترا على الحدود تستهدف منطقتي تل رفعت ومنبج ومناطق أخرى جهة الشرق.

ويسود التوتر منطقة منبج ومحيطها منذ أيام لكنه تفاقم مع ارتفاع منسوب الاحتقان في صفوف المكون العربي في المنطقة التي يهيمن عليها الأكراد والتي تخضع لتداخلات أمنية وعسكرية معقدة، فيما يتهم مسؤولون من مجلس المدينة تركيا وفصائل سورية موالية لها والنظام السوري بتأجيج التوترات.

——————-

مسؤولة كردية تدعو تركيا إلى الحوار لتجنيب المنطقة «حرباً مدمرة»

متحدث عسكري: 5 سيناريوهات كارثية تنتظر سوريا إذا نفذت أنقرة تهديداتها

القامشلي: كمال شيخو

دعت مسؤولة كردية في «الإدارة الذاتية» لشمال وشرق سوريا الحكومة التركية إلى الحوار السياسي لحل القضايا العالقة؛ لتجنيب مناطق نفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» شمال سوريا عملية عسكرية تركية مرتقبة و«حرباً كارثية مدمرة». وفيما حذرت من مخططات توطين لاجئين سوريين في مناطق سيطرة تركيا شمال البلاد، طالبت دمشق بالتعاون معها لوقف سياسات أنقرة.

ولدى حديثها عن تصاعد التهديدات التركية وموقف الإدارة الذاتية، قالت أمينة أوسي نائبة رئاسة المجلس التنفيذي بالإدارة، في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، إنهم كثفوا الأنشطة والاتصالات الدبلوماسية مع دول وحكومات التحالف الدولي لمكافحة «داعش» والجهات الدولية والإقليمية الفاعلة بالملف السوري، موضحة أن «اتصالاتنا تمحورت حول ثلاث نقاط رئيسية أولها منع تنفيذ الهجوم التركي، وثانيها التحذير من تقسيم سوريا، وثالثها التحذير من المشروع التركي بتوطين لاجئين سوريين في مناطق محتلة ليست سكنهم الأصلي».

واتهمت المسؤولة الكردية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالسعي إلى تقسيم سوريا وخلق «صراعات مستدامة»، معتبرة أن الهدف الرئيسي لمخطط إعادة لاجئين سوريين نحو مناطق عمليات تركيا العسكرية شمال سوريا هو «خلق فتنة دائمة تستفيد منها تركيا على المدى البعيد لتضع وصاياتها على المنطقة، لاستهداف أبناء شمال شرقي سوريا الرافضين للمشروع وعموم الشعب السوري وخلق صراعات بين أبناء البلد الواحد».

وناشدت أوسي الحكومة السورية في دمشق التعاون لإيقاف ما وصفته بـ«المخطط الخطير» الخاص بإعادة توطين النازحين السوريين «باعتبار مناطق الإدارة (الذاتية) جزءا من سوريا… فالمسؤولية الأولى تقع على كافة السوريين وعلى حكومة دمشق كما تقع على الإدارة للوقوف معاً ضد هذه المخططات الخطيرة ومنع تغيير تركيبة السكان الأصليين».

ورأت المسؤولة الكردية أن الحكومة التركية «تستغل الظروف الدولية والحرب الروسية على أوكرانيا»، مضيفة: «لا نستبعد طموح تركيا بفرض إسكندورن جديدة في سوريا لتقوية هيمنتها على سوريا والعراق والدول المجاورة بشكل عام». وأكدت أن الإدارة الذاتية تصرح وتقول إنها «جاهزة للحوار لحل أي مشكلة عالقة، سواء مع حكومة دمشق أو مع دول الجوار، مثلما هي جاهزة للتصدي لأي مشروع يطمح إلى تقسيم سوريا وخلق فتنة بين مكونات الشعب الواحد».

في غضون ذلك، قال متحدث عسكري باسم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) إن خمسة سيناريوهات تنتظر سوريا إذا تم التوغل التركي بدءاً من إفراغ المناطق الكردية والعربية شمال شرقي البلاد، يعقبها سيطرة (هيئة تحرير الشام) الإسلامية على مدينتي أعزاز وعفرين الخاضعتين للنفوذ التركي، بالتزامن مع هجوم واسع ستنفذه القوات الحكومية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد على محافظة إدلب وريفها، وتوسيع أنشطة خلايا تنظيم «داعش» نحو صحراء البادية، فيما سيفتح السيناريو الخامس باب تدفق اللاجئين السوريين نحو البلدان الأوروبية على مصراعيه.

وقال فرهاد شامي المتحدث باسم قوات «قسد» في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن أي توغل تركي محتمل سيواجه بـ«حرب شاملة» من قبلهم، إضافة إلى «نسف جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار وخفض التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا بشمال شرقي سوريا وشمال غربها، لتطال مدينة إدلب والمناطق الخاضعة لنفوذ تركيا في مناطق عملياتها العسكرية بريف حلب».

وعن الاجتماع الأخير للقيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في 7 من الشهر الحالي، قال شامي: «جميع مكونات (قسد) أشارت إلى ضرورة خوض حرب شاملة في مواجهة أي هجوم تركي محتمل، كما ينبغي من حكومة دمشق أن تتخذ موقفاً عسكرياً فاعلاً». وأضاف أن القيادة العامة لقوات «قسد» بحثت مع غرفة عمليات التحالف الدولي تأثير العملية التركية على الحرب ضد تنظيم «داعش»، وأكدت استعدادها للتنسيق مع قوات حكومة دمشق لـ«ردع تركيا». وتابع: «لقد أعربنا سابقاً عن استعدادنا للتنسيق مع من يوجه سلاحه للاحتلال التركي، وحكومة دمشق هي إحدى تلك القوى التي تقول إنها ضد المحتلين، على أن نناقش بقية المشاكل معها لاحقاً».

وعن المناورات والتحركات الروسية في مناطق سيطرة قوات «قسد» منذ تصعيد التهديد التركي، علق قائلاً: «هذه رسالة سياسية وليست عسكرية. ففي الوقت الذي انتشرت فيه أخبار مفادها انسحاب قوات روسيا من المنطقة؛ تقول موسكو عبر هذه المناورات إنها موجودة ولم يطرأ أي تغيير على المستوى الميداني».

ورأى المتحدث العسكري أن 5 سيناريوهات تنتظر سوريا في حال شنت تركيا عمليتها العسكرية. وقال: «ستعمد تركيا لتهجير السكان الأصليين من كرد وعرب وتقسيم الأراضي السورية، بينما ستنتهز (هيئة تحرير الشام) الفرصة للهجوم والسيطرة على مدينتي عفرين وأعزاز، كما ستهاجم القوات الحكومية إدلب وريفها، ليبدأ بالتوازي مع ذلك تكثيف (نشاط) الخلايا النائمة والموالية لتنظيم داعش في الصحراء السورية… وأخطر هذه السيناريوهات، إذا تمت العملية التركية، أنه ستكون هناك موجة لجوء كبيرة وستفتح الباب على مصراعيه وستعيد الأزمة السورية إلى المربع الأول».

الشرق الأوسط

—————————–

إيران وتركيا في شمال سورية.. حدود العملية العسكرية و”احتمالية المواجهة

بينما تواصل تركيا تهديداتها بشن عملية عسكرية في شمال سورية، وتتواصل مع الروس تارة وتتحرك على الأرض تارة أخرى تتجه الأنظار إلى الجانب الإيراني، والموقف الذي سيكون عليه في حال نفذ المسؤولون الأتراك ما يرددونه، منذ أسابيع.

ونشر موقع “المونيتور” الأمريكي تقريراً، اليوم السبت، بعنوان “إيران وتركيا تستعدان للمواجهة في سورية”، متحدثاً أن الأولى تحاول “ثني” الجانب التركي عن أي تدخل جديد في البلاد.

ويقول كاتب التقرير فهيم تاشتيكين: “بسبب تضارب المصالح الإقليمية، يبدو أن تركيا وإيران تتجهان إلى مواجهة في سورية، حيث تعارض طهران بشكل صريح خطة أنقرة لعملية عسكرية جديدة ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، متوجسة من المخاطر على موقفها في المنطقة”.

ولم تحصل تركيا حتى الآن على “ضوء أخضر” من الولايات المتحدة الأمريكية للمضي قدماً في خطتها العسكرية، “بينما يبدو أن روسيا تتباطأ”.

في غضون ذلك أرسل الإيرانيون تعزيزات للميليشيات إلى نبل والزهراء الواقعتين في شمال غرب حلب.

ويضيف التقرير: “هاتين غير بعيدتين عن منطقة رئيسية في مرمى أنقرة”، في إشارة إلى تل رفعت، التي حددها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان كهدف رئيسي للعملية العسكرية المحتملة.

وكان من المتوقع أن يجري وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان محادثات في تركيا في السادس من يونيو الحالي، قبل يومين من الزيارة التي أجراها الروسي، سيرغي لافروف.

لكن الرحلة ألغيت بسبب ما وصفته الصحافة الإيرانية بـ”مشاكل الجدول”.

ونقل تقرير “المونيتور” عن صحفي إيراني يتابع العلاقات التركية الإيرانية عن كثب قوله إن “طهران أرسلت مسؤولاً في المخابرات العسكرية إلى أنقرة لنقل اعتراضاتها”.

“إيران تعارض”

وفي التاسع والعشرين من مايو / أيار الماضي قالت إيران إنها تعارض التحركات التركية لشن عملية عسكرية جديدة، ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الشمال السوري.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، حينها أن بلاده “تعارض أي نوع من الإجراءات العسكرية واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فض النزاعات”.

واعتبر حسبما نقلت عنه وكالة “إرنا” الإيرانية، أن أي هجوم “سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد”.

لكنه أعرب في نفس الوقت عن تقدير بلاده لـ”الهواجس الأمنية لدى تركيا”، معتبراً أن “السبيل الوحيد لحلها يكمن في الحوار والالتزام بالاتفاقات الثنائية مع دول الجوار، والتوافقات الحاصلة خلال مفاوضات أستانة”.

وأصبح مفهوم التنافس أقل ما يقال في تحديد العلاقات التركية الإيرانية.

إذ تعمقت الخلافات بين الجارتين وسط مجموعة من القضايا المتعلقة بسورية والعراق ولبنان واليمن، إلى جانب الخلافات حول تقاسم المياه العابرة للحدود وتدفق اللاجئين الأفغان على ما يبدو إلى تركيا من إيران.

واعتبر كاتب التقرير في “المونيتور” أنه “لا يخفى على أحد أن الوجود العسكري التركي في سورية، نتيجة لثلاثة تدخلات منذ آب (أغسطس) 2016 يمثل مصدر قلق أكبر لإيران من اهتمام روسيا”.

ووصفت وسائل الإعلام الإيرانية وجود تركيا بأنه “غزو”، وأشارت إلى “الجيش الوطني السوري” على أنهم “إرهابيون تدعمهم تركيا”.

والعكس صحيح، استخدمت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة التسمية “الإرهابية” للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سورية والعراق.

ويرى تاشتكين أن “استيلاء تركيا على تل رفعت، التي وصفها الرئيس رجب طيب أردوغان صراحةً بأنها هدف إلى جانب منبج، من شأنه أن يعرض المستوطنات الشيعية القريبة في الزهراء ونبل وكذلك مدينة حلب للخطر”.

هل من مواجهة؟

ووفقاً للصحفي الإيراني الذي نقل عنه “المونيتور” وطلب عدم الكشف عن هويته فإن تركيا “تدرك جيداً” أن إيران ستدافع عن نبل والزهراء، رغم أن إيران تجنبت مواجهة تركيا بشكل مباشر في سورية حتى الآن.

وعلى الرغم من أن أنقرة لم تذكر نبل والزهراء كأهداف، إلا أنها ستقع في نطاق تركيا إذا سيطرت على تل رفعت.

ويُنظر إلى البلدتين مع تل رفعت على أنهما حاجز يحمي حلب.

وتقع نبل والزهراء شمال مدينة حلب بنحو عشرين كيلومتراً، وتضمان نحو أربعين ألف مقاتل، ينتمون إلى الطائفة الشيعية في محيط سني.

وتعتبر البلدتين قاعدتين بارزتين للنفوذ الإيراني في الشمال السوري، وكانت لإيران وميليشياتها الفضل الأكبر في فك الحصار عنهما، مطلع عام 2016.

وسبق وأن شهدت نبل والزهراء استعراضات واحتفالات كانت بصبغة إيرانية، آخرها مطلع عام 2021، في ذكرى مقتل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني.

—————————–

تعقيدات دولية تحيط بالعملية العسكرية التركية في الشمال السوري

أفادت وسائل إعلام تركية بأن تركيا لم تتمكّن من الحصول على ضوء أخضر روسي وأمريكي لعمليتها العسكرية المرتقبة ضد “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة اختصارا ب “قسد”، لكن ذلك الرفض لم يحل دون مواصلة الجيش التركي لاستعداداته التي كان قد بدأها لشن حملة عسكرية ثالثة بعد عمليتي غصن الزيتون مطلع 2018 التي انتهت بالاستحواذ على عفرين، ودرع الفرات نهاية 2019 التي اكتملت هي الأخرى بالسيطرة على تل أبيض ورأس العين في شرقي الفرات. أما العملية العسكرية الثالثة المرتقبة فتهدف إلى توسيع “المنطقة الآمنة في الشمال السوري” من خلال السيطرة على سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف منبج، بحسب ما أفادت به صحيفة “صباح” المقرّبة من الحكومة التركية.

وفي التفاصيل أفادت مصادر إعلامية تركية مختلفة، حسب ما نقلت صحيفة العربي الجديد، أن اجتماع وزيري الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف لم يخرج بتفاهم معلن حول العملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري. وإن كان لافروف قال في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع إن بلاده “تتفهم تمامًا مخاوف أصدقائنا (الأتراك) بشأن التهديدات التي تشكلها قوى خارجية على حدودهم، بما في ذلك من خلال تغذية النزعات الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية بشكل غير قانوني في سوريا”.

في ذات الصدد نشرت صحيفة “خبر تورك” التركية، ما وصفتها بتسريبات حول اجتماع لافروف وأوغلو، جاء فيها أن “تركيا تلقت من روسيا تفهمًا لمواقفها حيال الهجمات التي تتم من منبج وتل رفعت التي تسيطر عليها “قسد”، ضد المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في شمال سوريا، مؤكدة أن موسكو لم تعترض على الحجج التركية المقدمة. كما ذكرت الصحيفة أن “تركيا أشارت للجانب الروسي إلى وقوع تل رفعت داخل الحدود على مسافة 18 كيلومترًا، ومنبج على مسافة 28 كيلومترًا، وأن منع الهجمات المسلحة يتطلب تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا”، مؤكدة أن الوزيرين اتفقا على تواصل اللقاءات بين البلدين.

وتشير تقارير بشأن تسريبات “خبر تورك” أن “الجانب الروسي يريد مناقشة أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، خلال الجولة المقبلة من مفاوضات أستانة بين الثلاثي الضامن (روسيا، تركيا، إيران) والمقررة في العاصمة الكازاخية نور سلطان منتصف حزيران/يونيو الجاري”. هذا وتعوّل قوات “قسد” على تضارب المصالح الروسية التركية لمنع أي عملية عسكرية تركية في “غرب الفرات” الواقعة ضمن نفوذ موسكو، خصوصًا منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي. علمًا أن قائد القوات الروسية في سوريا العماد ألكساندر تشايكو اجتمع يوم الثلاثاء الماضي، مع قائد “قسد” مظلوم عبدي، في نقطة روسية، غربي مدينة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سوريا.

ومن غير المستبعد أن يكون الجانبان قد توصلا إلى اتفاق بمقتضاه تعزّز قوات النظام السوري وجودها شرقي سوريا، مقابل الوقوف ضد أي تدخل عسكري تركي محتمل. حيث أكدت مصادر عسكرية “وجود تحرك عسكري من قبل النظام والروس وقوات “قسد” على جبهة تل رفعت”. ومن غير المستبعد حسب صحيفة “حرييت” التركية،  أن تنطلق الحملة العسكرية الجديدة للجيش التركي خلال أسبوع مع اكتمال استعدادات “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية، وتحديد الأهداف.

وكانت صحيفة “صباح” المقرّبة من الحكومة التركية، أكدت أن “القوات المسلحة التركية وقوات الجيش الوطني، أكملا استعدادهما للعملية التي تستهدف تل رفعت ومنبج، بانتظار الأوامر التي ستأتي من أنقرة”. وقالت صحيفة صباح إن “العملية تستهدف السيطرة على سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف منبج، من أجل حل مشكلتي الكهرباء والماء، التي تعاني منها منطقة درع الفرات منذ سنوات”.

ويوم الخميس، نقلت صحيفة صباح التركية عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله “سنبدأ باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومترًا على طول حدودنا الجنوبية (مع سوريا)”، مضيفًا “أن العمليات ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن”، وأردف أردوغان قائلًا:  “سنتخذ قراراتنا بهذا الخصوص في اجتماع مجلس الأمن القومي الخميس”.

بدورها، فإن واشنطن تبذل جهودًا لإقناع الأتراك بالتخلي عن توغل عسكري جديد في الشمال السوري. فقد قالت باربارا ليف، نائبة مستشار وزارة الخارجية الأمريكية إن العملية المحتملة من قبل تركيا “ستعرّض المهمة الأمريكية في سوريا للخطر”، مضيفة: “نبذل قصارى جهدنا لثني الحكومة التركية عن العملية العسكرية”.

وفي ردها على سؤال خلال جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حول إمكانية تراجع تركيا عن العملية، قالت: “نحن نعبر عن مخاوفنا، لكن لنكن صريحين فهم (الأتراك) لا يتراجعون”.

————————-

=======================

تحديث 12 حزيران 2022

—————————–

العملية التركية في سوريا تنتظر زيارة لافروف والعسكريين الروس إلى أنقرة/ منهل باريش

 صعد الجيش التركي من حدة عمليات القصف المدفعي ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بالتزامن مع التصريحات التركية الرسمية والتعبئة الشعبية والإعلامية تحضيرا للعملية المرتقبة.

تأجل الحسم بالعملية العسكرية التركية في شمال سوريا ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية حتى وصول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى أنقرة، والتي سيجري خلالها اجتماعات تبحث الملف الأوكراني وتفريعاته، ويضم الوفد الذي يرأسه الوزير الروسي ممثلين عن وزارة الدفاع، حيث وضعت نقاط عسكرية على أجندة الاجتماعات حسب ما نقلت وكالة «تاس» الروسية، الخميس، ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو ستجري اتصالات مع أنقرة حول موضوع العملية العسكرية الجديدة التي «تعتزم أنقرة القيام بها شمالي سوريا». وطالب بعدم «وضع تكهنات حول موضوع العملية العسكرية قبل الاتصالات».

وقال بوغدانوف: «نحن على وشك إجراء اتصالات ومفاوضات ذات أهمية كبيرة، سوف يشارك الوزير لافروف في الاجتماعات المقبلة، سيكون هناك عنصر عسكري، فزملاؤنا من وزارة الدفاع ونظراؤهم الأتراك سيكونون حاضرين».

وفي محاولة قطع الطريق أو المقايضة، لفت الدبلوماسي المخضرم «نتفهم بأنه يجب التعامل مع الإرهابيين، يجب أن يكون لدى المرء فكرة عامة عمن يعتبر إرهابيا وأين يتم تسجيله كإرهابي، لذا علينا الانتظار».

تصعيد اردوغان

أعلن الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان أن بلاده ستواصل الذهاب إلى «أوكار الإرهابيين ودفنهم» (قاصدا المقاتلين الأكراد في سوريا) الخميس في احتفال جماهيري. وفي مطلع الأسبوع، حدد مدينتي تل رفعت ومنبج هدفا لعمليته العسكرية المرتقبة، مشيرا أن بلاده تقترب من مرحلة «إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا جنوب الحدود التركية وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين».

وفي مكالمة هاتفية، أكد الرئيس التركي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، أهمية إنشاء المنطقة الآمنة على حدود بلاده الجنوبية مع سوريا، واصفا ذلك أنه «ضرورة ملحة» وفق تفاهمات الزعيمين خلال قمة سوتشي في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

ولفت اردوغان لبوتين «استمرار الهجمات الإرهابية» التي تشنها عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الكردية ضد المدنيين في بلاده انطلاقا من سوريا. وأضاف مكتب الرئاسة التركية في بيان حول الاتصال أن الرئيسين «بحثا عدداً من القضايا التي تدور على الساحتين الإقليمية والدولية في مقدمتها الحرب الروسية-الأوكرانية».

وفي سياق منفصل، صرح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار بإتمام «الجهوزية الكاملة للجيش والشرطة التركية على الحدود السورية لأي عملية عسكرية جديدة» منوها إلى أن القرار النهائي للإرادة السياسية.

في مقابل ذلك، لم تعط روسيا موقفا نهائيا من عزم تركيا الشروع بعملية ضد «الوحدات» الكردية، واكتفى لافروف، قبل أيام، بالتأكيد على «نظام التهدئة» مع تفهم بلاده لمصالح ومخاوف تركيا الأمنية. وفضل الكرملين في بيانه حول اتصال الرئيسين بوتين واردوغان تجنب الحديث عن العملية العسكرية التي تلوح بها أنقرة.

ميدانيا وعسكريا، رفعت تركيا جاهزية فصائل الجيش الوطني السوري المعارض الموالي لها، وأنهت الفيالق الثلاثة تدريبات لقوات النخبة فيها، وزاد تصريح اردوغان حول تل رفعت من حماس مقاتلي «الجبهة الشامية» التي ينحدر عدد لا بأس فيه من مقاتليها من مدينة تل رفعت والبلدات المحيطة بها. وتوقع قيادي عسكري في الجيش الوطني «استكمال الاستعدادات اللوجستية خلال اليومين المقبلين» (مطلع الأسبوع المقبل). ونفى في اتصال مع «القدس العربي» معرفته بمحاور العملية العسكرية أو هدفها، منوها إلى أنه «لم يجر تحديد أي هدف ولكن أغلب الفصائل قدمت قوائم المقاتلين الذين سيشاركون بأي عملية محتملة».

وصعد الجيش التركي من حدة عمليات القصف المدفعي ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بالتزامن مع التصريحات التركية الرسمية والتعبئة الشعبية والإعلامية تحضيرا للعملية المرتقبة.

وقصفت المدفعية التركية اللواء 93 وقرى ريف عين عيسى الغربي شمالي محافظة الرقة ومناطق أخرى شرق راس العين بمحافظة الحسكة وهي المناطق المواجهة لمدينة راس العين غرب الحسكة والواقعة ضمن منطقة عملية «نبع السلام» التركية. وقصفت المدفعية قرى خربشة وتل رحال والمديونة ضمن منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، في حين ردت «قسد» على القصف واستهدفت معبر أبو الزندين الذي يسيطر عليه الجيش الوطني.

ومع التهديات التركية دفعت قوات النظام السوري بتعزيزات جديدة لها إلى محيط بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي. في حين لم يتبدل الوضع في منطقة عين عيسى أو عين العرب/ كوباني، حيث ما زالت «قسد» تسيطر عليهما ولم يدفع النظام السوري بتعزيزات إلى شرق الفرات.

واتهمت «قسد» في بيان رسمي الجيش التركي باستهداف « أكثر من 30 قرية وعشرات التجمعات السكنية تعرضت لاستهداف تركي بأكثر من 370 قذيفة مدفعية وصاروخية، فالقصف الشامل والعشوائي الذي تنفذه تركيا وصل إلى مستويات خطيرة» ولوح قائد «قسد» مظلوم عبدي إلى أن التهديدات التركية تعيق عمل التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» وملاحقة خلاياه. وهي الذرائع الأمريكية نفسها التي أطلقها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضي تعليقا على التصريحات التركية، حيث اعتبر العملية التركية ستعرض سلامة الجنود الأمريكيين للخطر.

من جهة أخرى، زادت القوات الروسية من وتيرة تحركاتها بريف حلب الشمالي، ورصدت «القدس العربي» تحليق سرب من الطائرات المروحية في مناطق سيطرة «قسد» بمحاذاة منطقة النفوذ التركية، والتقط الأهالي صور المروحيات في قرية فافين والشيخ نجار وتوجهت إلى مطار كويرس العسكري.

وفي السياق نفسه، جال الطيران المروحي الروسي جنوب منطقة عمليات «نبع السلام» تحديدا فوق طريق حلب-الحسكة/ M4 بين محافظتي الرقة غربا والحسكة شرقا. وحلقت طائرتان حربيتان روسيتان في أجواء منطقتي منبج وصولا إلى تل أبيض، كما سيرت الشرطة العسكرية التركية والجيش التركي دورية عسكرية مشتركة شرق وغرب مدينة الدرباسية الغربي شمال محافظة الحسكة قرب الشريط الحدودي السوري التركي، ورافقت الدورية مروحيتان روسيتان جوا.

وفي سابقة، انطلقت دورية مشتركة بين قوات النظام و«قسد» من القامشلي إلى مدينتي الدرباسية وعامودا، ورتبت القوات الروسية في مطار القامشلي للدورية المشتركة.

ان الرفض الأمريكي والاعتراض على العملية التركية ضد «قوات سوريا الديمقراطية» سيجعل تركيا تتوجه إلى روسيا للحصول على موافقة لعمليتها العسكرية المذكورة، وبالطبع فإن إعطاء مثل هذا التفويض سيحرج موسكو وهي التي تتعرض أساسا، إلى احراج كبير على مستوى هيبتها العسكرية، وسيظهرها بانها قدمت تنازلا كبيرا لتركيا، ولكن موقع المنطقة هو ما سيخفف من ذلك الاحراج، خصوصا إذا ما كانت مربوطة بمقايضة في إدلب.

بالطبع فإن روسيا تفضل الهدوء على الجبهة السورية، كما أشار لافروف، ولا تريد ربط الملفين، السوري والأوكراني ببعضهما على كافة المستويات، والسبب الوحيد الذي يدفعها إلى ذلك هو تقليص النفوذ الأمريكي في شرق القامشلي، ولكنه، بالمقابل، سيعرض العلاقة الأمريكية التركية إلى هزة جديدة، يتجنب اردوغان حصولها، وهو الذي يسعى لكسب في سوريا يقوي موقفه وموقف حزبه في الانتخابات القريبة.

وفي تلك الاعتبارات ستفضل تركيا الحصول على صيد سهل، هو أولا خارج منطقة النفوذ الأمريكية حسب التفاهم الأمريكي الروسي، وهو ما يدعم تصريحات اردوغان حول منبج وتل رفعت، فالمنطقتان غرب النهر وهما خارج منطقة النفوذ الأمريكية.

ورغم انهما خارج المنطقة المعنية، إلا أن لكل منهما حساسية وحسابات أمنية، الوحدات الكردية تنظر إلى تل رفعت على انها بوابة الوصول إلى عفرين والتخلي عنها هو عمليا نسيان عفرين بشكل نهائي، إضافة إلى أن الميليشيات الإيرانية التي تغلق بوابة حلب الشمالية تعتبر الاقتراب إلى نبل والزهراء تهديدا مباشرا لمصالحها. وهو ما دفع طهران إلى الاعتراض على العملية العسكرية التي صرحت بها أنقرة قبل أيام.

أما منبج، فتحظى بأهمية كبيرة لدى «قسد» فهي أكبر الحواضر المأهولة بالسكان تقريبا وهي الأقل ضررا وتدميرا وهو ما جعلها وجهة لأغلب مهجري الرقة ودير الزور الذين دمرت بيوتهم في قصف «التحالف الدولي لمحاربة داعش».

وتعقد تلك الحسابات، الاندفاع التركي قليلا، الا أنها لن توقفه، في نهاية المطاف تدرك تركيا أن سياسة القضم الجزئي مفيدة، حتى لو كانت طويلة، فالحرب الأوكرانية لن تتوقف قريبا مع كل الدعم الغربي لكييف وما يقابله من إصرار بوتين على الحسم، ومن الواضح أن استمرارها يعود بمنافع كثيرة على تركيا على المدى المتوسط والقصير.

————————–

في مسار أستانا: العملية العسكرية التركية تبحث عن موافقة إيران/ منهل باريش

تسعى موسكو إلى توسيع دائرة الرافضين للعملية العسكرية التركية من خلال نقل النقاش حوله إلى العاصمة الكازاخية بحضور إيران التي عبرت عن رفضها لأي عملية عسكرية تركية في سوريا.

لم تتمكن تركيا من الحصول على موافقة روسية، تسمح لها بهجوم جديد ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية وتوسيع «المنطقة الآمنة» التي تسعى لإقامتها داخل الأراضي السورية بعمق 30 كم على طول حدودها الجنوبية مع سوريا.

وأجرى وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف اجتماعا مطولا مع نظيره وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، في العاصمة أنقرة، الأربعاء، رافق لافروف وفد عسكري ممثلا عن وزارة الدفاع، يتبع البحرية الروسية.

وأعرب لافروف عن تفهم بلاده «مخاوف أصدقائنا (قاصدا الأتراك) بشأن التهديدات التي تشكلها قوى خارجية على حدودهم» وانتقد «تغذية النزعات الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية بشكل غير قانوني في سوريا». إلا انه لم يؤيد شن تركيا عملية عسكرية في الشمال السوري.

وعن التفاهمات الروسية التركية أفاد لافروف أن الاتفاقات مع تركيا بشأن إدلب «تنفذ ببطء، لكن الطرفين ملتزمان بها». منوها إلى «إبرام أكثر من اتفاق خلال لقاءات بين الرئيسين رجب طيب اردوغان وفلاديمير بوتين، بما فيها مذكرة سوتشي عام 2019 التي تناولت ضرورة حل المشكلة في منطقة خفض التصعيد في إدلب. في كلتا الحالتين، يتم تنفيذ الاتفاقات المبرمة ببطء».

وفي السياق، نشرت صحيفة «خبر تورك» في اليوم التالي لانتهاء الاجتماع بين الوزيرين «تسريبات» حول تأكيد جاووش أوغلو نية تركيا شن هجوم على المناطق التي تنطلق منها الهجمات في تل رفعت ومنبج وتسيطر عليهما «الوحدات «الكردية. ونقلت الصحيفة عدم اعتراض موسكو على الحجج التي قدمتها أنقرة.

ولفتت الصحيفة إلى أن «تركيا تتعرض لهجمات من تل رفعت التي تبعد عن الحدود التركية مسافة 18 كيلومتراً، ومنبج التي تبعد 28 كيلومتراً، وأن وقف الهجمات المسلحة يتطلب قيام منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً». ولم يتطرق الاجتماع إلى الحديث عن باقي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وهو المظلة العسكرية الأكبر وتضم مجموعات عسكرية عربية وأخرى سريانية إضافة لوحدات حماية الشعب الكردية.

وتلمح الصحيفة التركية إلى أن لافروف فضل مناقشة المخاوف الأمنية التركية خلال الجولة المقبلة من مسار أستانا، بحضور إيران بوصفها الدولة الضامنة الثالثة لذلك المسار، حيث قررت الجولة المقبلة في العاصمة الكازاخية منتصف حزيران (يونيو) الجاري.

إلى ذلك، ترفع الصحافة التركية من حظوظ العملية العسكرية وتشير إلى انتهاء الجيش التركي والجيش الوطني السوري المعارض من إتمام الاستعدادات لبدء الهجوم، وهو ما أكده وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الأسبوع الماضي الذي أشار إلى ان الجيش التركي بانتظار القرار السياسي لشن الهجوم. وفي تفاصيل الخطط المعدة، حددت صحيفة «صباح» المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن «العملية تستهدف السيطرة على سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف منبج، من أجل حل مشكلتي الكهرباء والماء، التي تعاني منها منطقة درع الفرات منذ سنوات، وإعادة ضريح الشاه سليمان إلى مكانه» ولم تستبعد الصحيفة قطع الطريق الواصلة إلى مدينة عين العرب، وأوضحت ان عمق العملية التركية سيقف عند مشارف نبل والزهراء الشيعيتين، وهما قاعدتان أساسيتان للميليشيات الإيرانية شمال حلب ولم تتخل عنهما إيران وفشلت المعارضة في السيطرة عليهما رغم المحاولات المتعددة وتسببا في تسهيل حصار حلب في صيف عام 2016 وإجبار المعارضة على الاستسلام والخروج منها.

في الميدان، صعد الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني السوري من قصفهما على محيط منبج وخطوط الاشتباك مع «قسد» واتهم المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها التابع لـ«قسد» الجيش التركي والجيش الوطني باستهداف القرى المأهولة بالسكان بشكل يومي بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وأضاف في بيان رسمي نشرته معرفاته الرسمية على وسائط التواصل الاجتماعي، أن مدفعية الطرفين أطلقت 445 قذيفة على المناطق التي يسيطر عليها المجلس المذكور. في المقابل تحلق القاذفات الحربية الروسية بشكل يومي على خطوط التماس حسب ما رصدت «القدس العربي» وتحدثت مع سكان محليين ونشطاء.

وتحاول روسيا، دعم النظام السوري من خلال الضغط على «قسد» لتسليمه المناطق وتجنيب المنطقة لعملية عسكرية، إلا أن «قسد» تحاول إدخال قوات النظام في بعض المناطق أو ترفع أعلام النظام على المباني الرئيسية في تل رفعت ومحيط منبج.

من جهة أخرى، تسعى موسكو إلى توسيع دائرة الرافضين للعملية العسكرية التركية من خلال نقل النقاش حوله إلى العاصمة الكازاخية بحضور إيران، حيث عبرت الأخيرة عن رفضها لأي عملية عسكرية تركية في سوريا باعتبارها ستؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة. وتخشى إيران من توسع النفوذ التركي بالقرب من مناطق سيطرتها أو بالقرب من حلب، إذ تنشر نقاط مراقبة عسكرية حسب التفاهمات بين الجانبين في ربيع 2018 ومن المعلوم أن إيران أنشأت خمس نقاط مراقبة ثلاث منها في ريف حلب الشمالي، ورغم التركيز على نقطتي نبل والزهراء، إلا أن إيران أنشأت نقطة مراقبة ثالثة في بلدة ماير على طريق حلب-غازي عنتاب التركية وهي النقطة الاستراتيجية الهامة للغاية التي سعت من خلالها إيران لمنع أي تقدم تركي باتجاه حلب. وفي سياق التحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، أنشأت إيران النقطة الرابعة في «أكاديمية الهندسة العسكرية» الواقعة على طريق حلب-دمشق.

ومن غير المستبعد أن تأجل أنقرة عمليتها العسكرية قليلا، وتركز على دورها في عملية نقل القمح الأوكراني وفق الآلية التي اقترحتها الأمم المتحدة وهو ما سيقوي موقفها السياسي أيضا ويعطيها قوة ويرفع من دورها وحضورها داخل حلف شمال الأطلسي «الناتو». فإنجاز الطريق الآمن لسفن القمح سيقوي موقفها الدولي بشكل كبير بوصفها منقذة العالم من المجاعة المحتملة التي سيسببها عدم مقدرة الدول على الحصول على القمح الأوكراني.

ان إحالة البت في العملية العسكرية التركية إلى مسار أستانا للحصول على موافقة إيران يأتي في إطار تخفيف الإحراج الروسي من تركيا، خصوصا وأن أنقرة تلعب دورا هاما في الحرب الأوكرانية، ولا ترغب موسكو في خسارتها بسبب ممانعتها للعملية العسكرية، فوضعت طهران في فتحة المدفع التركي المصوب نحو «قسد» في تل رفعت ومنبج.

القدس العربي

——————————

أسطورة منبج” لتأسيس الشراكة بين النظام و”قسد”/ عبدالناصر العايد

بتفاهم مسبق، بدأ كل من نظام الأسد و”قوات سوريا الديموقراطية”، بترتيب واقعة وهمية، لجعلها أساساً لإعادة التعاون والتحالف، وربما الاندماج، بعدما وجد كلا الطرفين نفسيهما مفلسَين وبلا حلفاء موثوقين. والواقعة التي يتم التحضير لها، هي معركة الدفاع عن مدينة منبج، وذلك بعدما تأكد لهم أن تركيا لم تستطع أن تبلغ في تفاهماتها مع الروس والأميركيين سوى إلى احتلال ريف منبج دون المدينة، وأنها ستتوقف عند جسر قره قوزاق والسد الاستراتيجي المهم على الفرات هناك، إضافة إلى منطقة تل رفعت بطبيعة الحال، التي رفع عليها الأكراد علم النظام، وكتبوا بالأحجار اسم بشار الأسد، بديلاً من اسم عبد الله أوجلان الذي رسموه سابقاً على جبال عفرين.

لقد رفض النظام في المراحل السابقة التفاوض مع الأكراد، أو منحهم أي وعود، على أمل أن يبيع قضيتهم في خاتمة المطاف لتركيا، باعتباره الوحيد القادر على إنهاء هذه القضية. لكن دخول الأميركيين على الخط، واستقطاب الأكراد سنة 2015، غيّر الحسابات جزئياً، ولم يعد تنظيم العمال الكردستاني منصاعاً لأجهزة المخابرات السورية التي سلمته جزءاً من الجزيرة السورية وفق تفاهمات مسبقة برعاية إيرانية على الأغلب. وصارت طلبات الحزب أعلى سقفاً مما يستطيع النظام تقديمه، الأمر الذي دفعه إلى التخلي مؤقتاً عن المنطقة، ومواردها النفطية والزراعية، كي لا يدخل في متاهة الحكم الذاتي، ويفتح باب المركزية الذي لن يستطيع رده مرة أخرى، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال الغربي.

أما “قسد”، وأمام الصمت الأميركي، والتفاهم المعلن بين موسكو وأنقرة على قضم مناطق سيطرتها، فقد أيقنت أخيراً أن الزمن يتسرب من بين أيدي قادتها، كما تسرب السكان الأكراد من المنطقة وهربوا إلى إقليم كردستان وأوروبا، باستثناء حمَلة السلاح وعائلاتهم، وإن مقتل بضعة آلاف من شباب الكرد، وضياع عفرين إلى الأبد، لم يقابله أي منجز ملموس. فلا اعتراف دولياً، حتى من أقرب الحلفاء في واشنطن، ولا نفوذ إقليمياً، ولا حتى في أوساط القبائل العربية التي يسيطرون عليها في شمال شرقي سوريا. ويبدو أن لا شيء يمكن أن يستروا به هزال منجزهم في هذه المرحلة، سوى اعتراف، ولو محدود، بحقوق داخل سوريا، أو وعد على الأقل باعتراف دستوري في مرحلة ما، من طرف نظام الأسد، يستطيعون أن يستندوا عليه ذات يوم تفاوضي.

خفضُ “قسد” لاشتراطاتها، وحاجة النظام إلى الحفاظ على الورقة الكرديّة حيّة، بل وحاجته إلى المقاتلين، مع تصاعد المخاوف من انسحاب عسكري إيراني من سوريا، دفع الطرفين إلى اغتنام مناسبة العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال سوريا.

أرسل نظام الأسد تعزيزات غير مسبوقة إلى منبج، وأطلق رأس النظام تصريحاً ملتبساً حول التصدي للهجوم، قال فيه أن الهجوم التركي سيواجَه بمقاومة شعبية، كي لا يقول كرديّة، وحرب عسكرية من قواته حسب الظروف. وسرّ تعميته هو عدم ثقته في إمكانات جيشه، ولا بنوايا قادة “قسد”، ولا بالموقف الأميركي. فواشنطن يمكنها التدخل في كل وقت لمنع تحالف “قسد” معه.

لكن التيار الموالي للنظام، بين أكراد “قسد”، وهو جناح ينتمي إلى قنديل بشدة، بدأ الترويج منذ الآن للمعركة المشتركة في منبج، والتي سينجم عنها منع سقوط “المدينة”، وهي في الواقع نتيجة محسومة مسبقاً. وكذلك يفعل إعلام ومسؤولو النظام، لتبرير الخطوة التالية، وهي مزيد من التقارب وفق اتفاق حصل بالفعل بين النظام وحزب العمال الكردستاني، ولم يتم إعلانه بعد، وفق مصادر من داخل “قوات سوريا الديموقراطية”.

وقع أكراد سوريا في الفخ إذن، وسيجد الأميركيون المتململون ذريعة للانسحاب أو تغيير قواعد العلاقة مع “قسد” التي سيخسر قادتها كل ما تم بناؤه عبر سنوات مع المكوّن العربي في الجزيرة السورية. ومع رفع الغطاء الأميركي، سيجدون أنفسهم تحت رحمة الطرف الروسي، الذي سيستولي على النفط والغاز بالتدريج، ثم يبيع المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” بالتقسيط لتركيا.

لكن بين تلك النهاية ويومنا هذا، سيرقص مقاتلو “قسد” كثيراً في حلقات الدبكة التي تتغنى بـ”مقاومة العصر” في منبج، و”أسطورة” الانتصار على ثاني أقوى جيش في الناتو، بفضل التحالف بين قواتهم وجيش بشار الأسد، وهو نوع البروباغندا الذي يفلح فيه كثيراً كلا الطرفين. فنظام الأسد يحول هزائمه كل يوم إلى انتصارات، وأكراد قنديل حولوا أكبر نكبة في تاريخ جماعتهم، وهي إنهاء الوجود الكردي في عفرين، إلى “أسطورة العصر”.

المدن

—————————-

أوكرانيا والاجتياح التركي الخامس لسوريا…كيف ستتصرف واشنطن وموسكو؟/ عريب الرنتاوي

تَقرع تركيا طبول اجتياح خامس للشمال السوري، إن صدق إردوغان في وعده ووعيده، فإن أكثر من خمسين ألف جندي تركي، مدعومين بميليشيات حليفة تحمل اسم “الجيش الوطني”، سيندفعون صوب عين عيسى، عين العرب، تل رفعت، منبج، مينّغ، وسدّ تشرين، لبسط سيطرتها على معاقل رئيسة لقوات سوريا الديمقراطية والحركة الكردية عموما.

لا ندري بعد ما الاسم الذي سيختاره إردوغان  لعمليته الجديدة، وهو الذي اعتاد اختيار أسماء لعملياته السابقة، تتناقض معانيها مع مراميها، لكنها انتهت جميعها إلى تمكين أنقرة من احتلال ما يقرب من تسعة آلاف كيلومتر متر مربع، أو ما يعادل تقريباً مساحة بلد كامل كلبنان مثلاً… عملية “درع الفرات- أغسطس 2016” وانتهت إلى احتلال جرابلس والباب ودابق، عملية “غصن الزيتون- يناير 2018” وشملت عفرين وراجو وجوارها وعشرات البلدات والقرى، عملية “نبع السلام- أكتوبر 2019” التي أدّت إلى احتلال رأس العين وتل أبيض وسلوق، وصولاً للطريق السريع “إم 4″، وعملية “درع الربيع- 27 فبراير 2020” التي وسعت الجيب التركي الشمالي، وأعطت تركيا الحق في تسيير دوريات مشتركة، مع القوات الروسية على امتداد الطريق “إم 4”.

سببان رئيسان يدفعان بالسيد إردوغان  وحزبه الحاكم، لتسخين خط الحدود، ورفع وتيرة التهديد بالحرب والتحشيد لها، وفقاً لكثرة من المراقبين والمحللين… أولهما؛ استشعاره بفائض قوة، ناجم عن إحساس عميق بحاجة الغرب والشرق لتركيا في اللحظة الأوكرانية الراهنة، فلا الولايات المتحدة وأوروبا و”الناتو” بوارد فتح مواجهة مع تركيا، فيما ينصرف جُل تركيزها ومواردها لهزيمة روسيا في أوكرانيا، ولا روسيا التي تعرف أهمية الأوراق التي تمتلكها تركيا، بوارد إزعاج الجار التركي المُتقلب، وبيده أوراق المضائق المائية والمجال الجوي والعلاقة الوثيقة مع أوكرانيا، والدولة التي إن نقلت البندقية من كتف إلى كتف، أحدثت فرقاً في سير العمليات العسكرية على الأرض، ولعبة عض الأصابع في ميادين الغذاء والطاقة والعقوبات.

وثانيهما؛ حاجة الرجل لـ”شد عصب” شعبه وجمهور ناخبيه، في لحظة اشتداد أثر التضخم وانهيار الليرة التركية وموجة الغلاء بالذات في سوق الطاقة، وشح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، والتي تضع جميعها أسهمه في انتخابات يونيو 2023 الرئاسية، في مهب رياح الغضب والمعارضة واليأس والإحباط… الانتخابات الرئاسية المقبلة، استحقاق مهيمن على سلوك إردوغان ، ولا يمكن فهم استداراته المتلاحقة في سياسته الخارجية، ولا توجيهاته الاقتصادية والمالية، ولا حتى قراراته الأمنية والعسكرية، من دون ربطها جميعاً بهذا الاستحقاق الذي سيقرر – ربما – المستقبَلين، السياسي والشخصي للرجل.

على أننا، ونحن نرى أهمية السببين المذكورين ونوافق على كونهما يوفران الفرصة والحاجة للرجل لتجريب حظوظه لخوض غمار مغامرة جديدة في الشمال السوري، لا نسقط أبداً “سيناريو الاسكندرون”، والرغبة الدفينة التي تراود “العثمانيين الجدد” في إعادة انتاج هذه السيناريو على امتداد الشمال السوري، وبعمق 30 كم في الداخل.

فلو أن درء “التهديد الإرهابي” المتمثل بحزب العمال ووحدات الحماية وقوات سوريا، هو وحده ما يحرك الجيوش التركية جنوباً، لقلنا أن لأنقرة ما يكفي من المبررات لفعل ما فعلت، وتكراره كلما اقتضت الحاجة ذلك، لكن تركيا تدرك تمام الإدراك، وقد أُبلِغت بذلك مراراً وتكراراً من موسكو، وعلى أرفع المستويات، بأن دمشق تشاطرها المخاوف ذاتها، وتتطلع لتحقيق الحلم ذاته: تصفية الكيان الكردي وبسط سيطرة الجيش السوري على الحدود الشمالية… إن أفضل حليف لإردوغان  في مواجهة “الانفصاليين الكرد” كما يسميهم لافروف، هو بشار الأسد، فلماذا لا يختار الزعيم التركي الطريق الأقصر لفعل ذلك، ولماذا توقفت استداراته التي شملت السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، عند دمشق، ولم تطرق أبوابها؟

أياً يكن من أمر، فإن مراجعة سريعة لتجربة الاجتياحات الأربعة الفائتة، تظهر حاجة أنقرة للحصول على الضوء الأخضر من كل من واشنطن وموسكو، أو واحدة منهما على الأقل، لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في العمق السوري… وهذه المرة، تبدو تركيا بحاجة للضوء الأخضر من موسكو أكثر من واشنطن، كون المناطق التي تنوي اجتياحها تحظى برعاية الكرملين وتتواجد فيها وحدات رمزية من القوات  الروسية، فهل منح لافروف القيادة التركية مثل هذا الضوء عندما زارها قبل أيام، وهل “تَفَهّم” الكرملين لمخاوف أنقرة، يعني منحها هذا الضوء أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

من الواضح تماماً، أن موسكو المتورطة من الرأس حتى أخمص القدمين في أوحال أوكرانيا، لا ترغب التورط في جبهة ثانية، بعيدة نسبياً هذه المرة، ولا تريد المقامرة بالجار التركي، وبالنسبة للكرملين، فإن أوكرانيا وليست سوريا، هي أولويتها الأولى في هذه المرحلة، من دون أن يعني ذلك، أنها بصدد التخلي عن “مكاسبها” في سوريا وتبديد حلمها بإبقاء أقدامها مغمورة في مياه المتوسط الدافئة.

لن يعني روسيا كثيراً، إن تمددت تركيا على مساحة أكثر قليلاً مما تمتلك هذه الأيام، سيما وأن الطرف المستهدف بهذا بالاجتياح، “قسد”، هو حليف أعدائها الأميركيين والأطلسين، ولن تأسف كثيراً لفقدان طرف “متقلب” كهذا، هذا هو لسان حال اللاعب الروسي.

لكن أكثر ما يقلق روسيا، هو أن تنتهي العملية التركية الخامسة، إلى مواجهة واسعة بين الجيشين التركي والسوري… أمرٌ كهذا محرج لموسكو، وقد يقوض مكتسبات السنوات السبع الفائتة في سوريا… لذا فإن اختيار مسارات العملية وحدودها ومدياتها، هو ما سيقرر ما إذا كانت موسكو ستمنح إردوغان ضوءاً أخضر أم أحمر، أو حتى برتقالياً.

وستكون موسكو قد وضعت “أكراد سوريا” في مواجهة مع أصدقائهم وحماتهم الأميركيين… ومن الواضح أن واشنطن وبروكسل، ليستا بوارد المقامرة بدفع تركيا أكثر صوب موسكو، إن هما عارضتا العملية التركية بقوة، وإردوغان وضع المسألة بكل وضوح: سنعرف من يتفهم الحساسيّات التركية ومن يهملها، وسنبني سياساتنا على هذا الأساس، في إشارة إلى الولايات المتحدة و”الناتو” ومحاولات السويد وفنلندا الانضمام إليه.

واشنطن عارضت حتى الآن أي تغيير في “الستاتيكو” القائم في الشمال السوري، لكن المعارضة اللفظية وحدها، لا تكفي لبث الطمأنينة في نفوس الأكراد، بدلالة أنهم يستجدون دمشق، تكثيف وجودها العسكري قبالة الحشود التركية، ويتعهدون بالقتال كتفاً إلى كتف مع الجيش السوري، والمعلومات تتحدث عن قنوات نشطة بين دمشق والقامشلي.

كيف ستدير واشنطن حرباً بين حليفين لها، وأي وزن ستعطيه لكل منهما، وهل ستقرر سياساتها وفقاً للأوزان المتفاوتة بين هذين الحليفين، وهل ستنحاز لصالح الحليف الأقوى حتى وإن متذبذباً ومتقلباً، أم لصالح الحليف الأصدق والأكثر إخلاصاُ، حتى وإن كان أقل وزناً وأضعف تأثيراً… هل يمكنها التوفيق بين مصالح متصادمة لهذين الحليفين، وهل يمكنها منع دمشق من “قطف ثمار” حالة الترك والتخلي التي قد يعيشها أكراد سوريا؟… ثم، هل تصبح المواجهة الساخنة في الشمال السوري، مدخلاً لواشنطن، لمعاقبة روسيا في سوريا، من خلال استهداف حليفها في دمشق، وإضعاف صدقيتها أمامه، وترك “الفيل التركي” يعيث تكسيراً في دكان الخزف السوري؟

أسئلة وتساؤلات برسم الأيام المقبلة.

الحرة

————————-

ما الذي قال وقيل للافروف في أنقرة؟/ سمير صالحة

لم تكن يافطات الترحيب أو الحشود الشعبية في انتظار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند هبوط طائرته في مطار أنقرة، لكن حفاوة الاستقبال وما قيل لنا خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو وطبيعة الملفات الثنائية والإقليمية التي نوقشت، توحي كلها أن أنقرة تواصل إغضاب حليفها الأميركي ولا تأبه بما ستقوله أو ستفعله الإدارة الأميركية في ملفات ثنائية وإقليمية حساسة تعني البلدين. لا يمكن الفصل بين فحوى زيارة لافروف وأهدافها، وبين التصريحات النارية التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول سياسة واشنطن التي تتعارض كليا مع ما تقوله وتريده أنقرة في سوريا والعراق وشرق المتوسط وإيجه وموقفها من التوتر التركي اليوناني، حيث سيرتفع قريبا عدد القواعد الأميركية في اليونان إلى 12 قاعدة برية وبحرية بعد إيقاف تركيا تقديم الخدمات في قاعدة إنجرليك الاستراتيجية.

قناعة الداخل التركي هي أن فريق عمل الرئيس الأميركي جو بايدن هو الذي يحرض اليونان على افتعال أزمة أكبر مع أنقرة والدليل هو حفاوة استقبال رئيس الوزراء اليوناني ميتشوتاكيس قبل أسابيع والتصفيق الحار الذي كان في انتظاره في الكونغرس وهو يطالب بعدم تزويد الأتراك بمقاتلات إف 16 والتكنولوجيا العسكرية المتطورة ودعم أثينا لوقف “التهديدات والاستفزازات والتحرشات” التركية في إيجة وشرق المتوسط وقبرص. من.. هل تنفذ تركيا عملية عسكرية خامسة في شمال سوريا؟ إلى.. هل تقع المواجهة العسكرية بين أنقرة وأثينا في إيجة وكيف ستتصرف أميركا هنا وهي تواجه معضلة شراكتها مع البلدين تحت المظلة الأطلسية؟

على ماذا تعول “قوات سوريا الديمقراطية” و”وحدات الحماية الكردية” لإطالة فترة مقاومة القوات التركية عند انطلاق العمليات العسكرية؟ على محاولة إيقاع أكبر الخسائر في صفوف القوات التركية المتحالفة مع الجيش الوطني السوري خلال العملية العسكرية الخامسة المرتقبة؟ أم على مدينة الأنفاق التي حفرتها تحت الأرض بهدف المواجهة حتى آخر ميليشياوي إيراني وجندي في صفوف النظام السوري اقتربت من خطوط المعارك المحتملة القريبة من الحدود التركية السورية في الشمال؟ أو على تنفيذ عمليات الكر والفر بتقليد الجيش الأوكراني في حربه مع القوات الروسية؟ أم على 30 شاحنة سلاح أميركي انتقلت مؤخرا من شمال العراق إلى شرق الفرات؟ أم على الزيارات الغربية المكثفة لمنطقة شرق الفرات في محاولة لرفع معنويات قسد الميدانية والسياسية والدعاية التي تقودها بعض الفضائيات العربية تحت شعار الدفاع عن حقوق أكراد سوريا؟

نجحت أنقرة في تحديد سياسة التعامل مع الحرب في أوكرانيا عبر تبني مواقف حيادية إيجابية تحمي مصالحها مع طرفي النزاع. هي لم تنجح في وساطتها على خط وقف القتال وإيجاد حل دبلوماسي للأزمة. لكنها تحاول مرة أخرى في مسألة تسهيل خروج آلاف الأطنان من الحبوب المحاصرة في المخازن والمستودعات الأوكرانية عبر “ممر آمن” في قلب البحر الأسود برعاية أممية. الذي يغضب واشنطن هنا ليس فقط مواصلة أنقرة لجهودها على خط كييف موسكو، بل احتمال محاصرة الغرب بخطة مقايضة الإفراج عن القمح الأوكراني مقابل تسهيل فك الحصار عن آلاف الأطنان من الحبوب والزيوت والأسمدة الروسية المحاصرة بسبب العقوبات والحظر الغربي. لا بل إن الكارثة على سياسة واشنطن السورية هي في حال كانت المقايضة الحقيقية تسير باتجاه آخر، تصعيد تركي مستمر في موضوع التحفظ على عضوية السويد وفنلندا في الأطلسي مقابل ضوء أخضر روسي لأنقرة لتنفيذ عمليتها في شمال شرقي سوريا.

كانت واشنطن فرحة للتباعد التركي الروسي في موضوع قسد وخطة إلهاء موسكو بسيناريو احتمال حدوث تقارب بين النظام في دمشق ومجموعات قسد. لكن رد بشار الأسد على مظلوم كوباني الذي تحدث عن ضرورة التنسيق مع النظام لأن مصحة سوريا العليا تتطلب ذلك، قابلها بعد ساعات تذكير الأسد لقيادات قسد بأنها حلقة في مخطط انفصالي. الأسد يقول لمظلوم كوباني رجل أميركا في سوريا والمنسق الأمني مع طهران حول اقتراح احتمال التنسيق في مواجهة القوات التركية والدفاع معا عن “التراب السوري”. أوقفوا العمالة والخيانة واستسلموا لنا وسلموا أسلحتكم وبعدها نناقش التنسيق والتعاون! هو في الأساس رد روسي عبر النظام في سوريا على إشارات ضوئية أميركية برفض عروض وبدائل تعرضها لإنهاء التقارب والتنسيق التركي الروسي في سوريا.

عندما يقول لافروف إن بلاده تتفهم قلق تركيا حيال ما يجري على حدودها الجنوبية، فقد يفسر بأنه قبول روسي بعملية عسكرية تركية محددة ومحدودة. لكن ما سمعناه أثناء المؤتمر الصحفي المشترك هو الحديث عن وحدة سوريا وضرورة تفعيل الحوار السياسي وإسراع إيجاد حل للأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عقد. مطالب أنقرة وأهدافها تتوضح أكثر فأكثر في ملف الأزمة السورية: إنهاء لعب ورقة قسد ضدها من قبل واشنطن وبعض العواصم الغربية والإقليمية. إغلاق ملف مئات السجناء من مجموعات داعش وعدم التلويح الغربي الدائم بهذه الورقة بهدف تبرير الدعم العسكري والمالي لمجموعات قسد من جهة وإبقاء موضوع التنظيمات الإرهابية في سوريا دمية بيد أميركا تحركها عبر حليفها المحلي لعرقلة أي خطة أمنية وسياسية في سوريا لا تعطيها ما تريده.

ترفض أنقرة بعد الآن لعب ورقة دعم “مجموعات إرهابية” لتبرير دعم “مجموعات إرهابية” أخرى في شرق الفرات. وتريد حسم مسألة المجموعتين معا. الأقرب إليها في هذا الطرح هو الجانب الروسي هنا وهذا ما تم التوافق حوله بين جاويش أوغلو ولافروف كما يبدو. البديل الوحيد الذي قد يوقف العملية العسكرية التركية هو ليس تشدد موسكو وواشنطن وطهران في رفض هذه العملية، بل حراك دبلوماسي سياسي إقليمي دولي جديد يفعل التسويات في الملف السوري ككل.

تحاول واشنطن محاصرة روسيا وعزلها في البحر الأسود، وتحاول أنقرة إطلاق يدها وفك الحصار المفروض عليها غربيا فلماذا ستتردد موسكو برد الجميل التركي في شمال سوريا أولا ثم في تحريك ملف التسوية السياسية التي يريدها حزب العدالة والتنمية الحاكم وهو في الطريق إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية ثانيا؟ الصراع الأميركي الروسي سيكون إذا على ما الذي سيحدث في تركيا بعد عام ومن الذي سيقود المشهد؟ من مصلحة روسيا حماية علاقاتها مع أردوغان وحزبه طالما أن بايدن وفريق عمله أعلنا باكرا عن نية دعم المعارضة التركية لإزاحة الحزب الحاكم في تركيا. حسابات دعم وقبول العملية العسكرية التركية بالغة التشابك والتعقيد إذن وهي أبعد من الصفقات السياسية والمقايضات المتوقعة في ملفات متداخلة تركية روسية أميركية. وشق سيناريوهات المشهد السياسي التركي بعد عام سيكون على رأس عوامل تحديد المواقف والخيارات الروسية والغربية.

ستقول موسكو إنها ستلتزم بتنفيذ التعهدات المقدمة لتركيا في تشرين الأول عام 2019 بمساعدتها على إخراج قسد من المناطق الحدودية التركية السورية. وهي قد تكون دخلت مع أنقرة في تفاهمات على تسريع الحل السياسي في سوريا بأكمله إذا ما كانت تريد من أنقرة تجميد خطة المنطقة الآمنة في شمال سوريا. هي ستكتفي ربما عندما تتحرك القوات التركية بما قاله لافروف قبل أيام على أن تركيا لن تبقى صامتة حيال تطورات المشهد في الشمال السوري وهذا من حقها وأن الوجود الأميركي هناك غير شرعي وهدفه تفتيت سوريا.

صدفة خير من ألف ميعاد!

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في الإمارات العربية المتحدة قبل يومين.

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في الإمارات قبل أسبوعين.

ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، في أنقرة قبل أسبوعين ويومين.

ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تل أبيب قبل 3 أسابيع.

ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يؤجل زيارته التي كانت مقررة إلى أنقرة يوم الإثنين المنصرم.

الملف الأوكراني بكل تفاصيله في قلب النقاشات وأول ذلك قد يكون الخطة التركية لنقل آلاف أطنان الحبوب إلى العالم والدور الإماراتي والإسرائيلي فيها. لكن الأهم قد يكون الملف السوري وتطوراته على ضوء التوغل الإيراني باتجاه الجنوب والشمال على مرأى ومسمع الروس والأميركان.

قد تكرر دمشق ما فعلته في السابق أكثر من مرة. تترك قسد في مواجهة القوات التركية لإضعافها وتحجيمها، وتحاول توريط أنقرة في المستنقع السوري أكثر فأكثر على الخط العربي والإيراني والغربي. لكن الاحتمال الأقرب هو أن واشنطن ستضحي بحليفها المحلي السوري لعدم خسارة تركيا في المنطقة أكثر من ذلك. لكن الاحتمال الأقرب هو أن الإدارة الأميركية لن تغامر بمصالح حليفها الإسرائيلي وانزعاج صديقها الإماراتي في مسألة لجم النفوذ والتوغل الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن أكثر من ذلك.

مأزق الشحن السياسي المتفاعل في العلاقات التركية الأميركية سينفجر حتما عند استخدام قسد لأي سلاح أميركي ثقيل ضد القوات التركية والذي سلم لها تحت ذريعة محاربة داعش الذي لم يعد له هذا الوجود والنفوذ على الأرض في شرق الفرات. هذا ما تنتظره موسكو تحديدا لإعلان موقفها ورسم خطة تحرك النظام وطريقة تعامله مع التطورات. ما يقلق موسكو أكثر من أنقرة ربما احتمال حدوث خدمات إيرانية أميركية متبادلة في سوريا مرتبطة بملفات إقليمية تعني الطرفين وبينها صفقة الملف النووي الإيراني.

هدية إلى الذين يستفسرون عن طريقة وأسلوب اقتناص الفرص. مستجدات مسار العلاقات التركية الروسية تتمحور في هذه الآونة على تسهيل انتقال العشرات من الشركات الروسية العملاقة من أوروبا إلى مدينة إسطنبول. هذا يعني مليارات الدولارات من العلاقات الاقتصادية والتجارية والخدماتية بين البلدين

تلفزيون سوريا

———————

النظام السوري يدفع بتعزيزات عسكرية إلى تل رفعت ومنبج/ عدنان أحمد

تتواصل أجواء التسخين العسكري في الشمال السوري على وقع التحضيرات للعملية العسكرية التركية، وسط أنباء عن دفع قوات النظام السوري بمزيد من التعزيزات إلى الجهات المحتملة لاندلاع المعارك، وخاصة مدينتي تل رفعت ومنبج بريف حلب، في وقت واصلت القوات التركية توجيه ضربات لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد).

وذكر مراسل “العربي الجديد” أن القوات التركية قصفت موقع (تل السيريتيل) الذي يتمركز فيه عناصر “قسد”، في قرية الحلونجي شمال مدينة منبج بريف حلب، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من العناصر، فيما قتل عنصر آخر جراء انفجار لغم أرضي في سيارة عسكرية في محيط بلدة تل السمن شمال الرقة، إضافة إلى إصابة عنصرين آخرين بهجوم مسلح لمجهولين استهدف سيارة عسكرية في بلدة الكرامة شرق الرقة.

ومن جهته، استهدف “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، خلال الساعات الماضية، مواقع “قسد” بالمدفعية، في قرى صيدا ومعلق، ومواقع أخرى على الطريق الدولي شمال الرقة.

تعزيزات جديدة لقوات النظام

في غضون ذلك، ذكر مصدر مطلع، لـ”العربي الجديد”، أن قوات النظام دفعت بتعزيزات جديدة إلى محيط مدينتي تل رفعت ومنبج بريف حلب، تتبع للفرق الثالثة والخامسة والتاسعة و18 والفيلق الخامس، وتوزعت في محيط تل رفعت، مثل مرعناز وكفرنايا وام الحوش والوحشية ومنطقة منغ شبخ عيسى وغيرها. وفي منطقة منبج توزعت في العريمة وقرية أم عدسة ومنطقة خربة ماضي.

ولفت المصدر إلى أن التعزيزات تضم دبابات من أنواع مختلفة، مشيرا إلى أن عديد القوات التي وصلت إلى منطقة تل رفعت يبلغ حوالي 1500 عنصر، ونحو ألف عنصر في منطقة منبج.

وبيّن أن دخول الأرتال تزامن مع تحليق للطيران الحربي الروسي في سماء المنطقة.

وأفاد بأن قوات “قسد” رفعت، يوم أمس، أعلام النظام السوري على عدد من مقراتها العسكرية في مدينة تل رفعت شمال حلب، كما رفعت صور رئيس النظام بشار الأسد على أسطح مقراتها العسكرية القريبة من خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري، في إشارة إلى التمويه لتجنب استهداف مواقعها من جانب القوات التركية.

كما حلّقت مروحيات روسية على طيلة الشريط الحدودي شمال الحسكة، وصولاً إلى المناطق الفاصلة بين مناطق سيطرة قسد والنظام السوري من جهة، ومناطق سيطرة القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني” من جهة أخرى.

اجتماعات تنسيقية

وفيما شهدت بلدة عين عيسى شمالي الرقة اجتماعاً عسكرياً ضمّ ضباطاً روساً مع قياديين من قسد وضباط من قوات النظام السوري لبحث التطورات الأخيرة في المنطقة والعملية العسكرية المرتقبة، نفى مدير المركز الإعلامي لقوات “قسد”، فرهاد الشامي، لـ”العربي الجديد”، علمهم بالمعلومات المتداولة عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين “قسد” ومليشيات إيرانية وتشكيلات من قوات النظام السوري باسم “صاعقة الشمال” بإشراف روسي.

وكانت وكالة “باسنيوز” الكردية نقلت، اليوم الأحد، عن مصدر كردي قوله إنه تم تشكيل الغرفة في 25 مايو/أيار الماضي بناء على طلب روسي، وهي تضم إضافة إلى “قسد” كتيبة تابعة للواء فاطميون، وكتيبة لحزب الله، ومجموعات حماية نبل والزهراء، ومليشيات من أبناء الساحل، وعناصر حيان، حريتان، عندان، مسقان، وكتائب البعث، ووحدات قيادية من قوات النظام.

وأوضح أن الغرفة تضم 2 من الضباط الروس، 3 ضباط إيرانيين، 3 قيادات كردية قنديلية و2 من ضباط قوات النظام، مشيرا إلى أن الهدف من هذه الغرفة هو “تشكيل إدارة مشتركة للمنطقة عسكريا، وفق الوضع الراهن، إضافة إلى تنسيق وتأمين خطوط انسحاب وإمداد للوحدات الكردية في حال حصول هجوم تركي”.

وأوضح أن الوجود الميداني العسكري لتلك القوات يقدر بحوالي 600 عسكري، إضافة لرفد النقاط الحساسة بصواريخ حرارية تابعة لكتائب حزب الله.

وذكر المصدر أن موقع الغرفة في قاعدة روسية في قرية حردتنين بريف حلب الشمالي، بعيداً عن مناطق القصف، وتعتبر القرية بأكملها محمية من روسيا.

موعد العملية

وأشار الموقع من جهة أخرى، نقلاً عن مصدر في المعارضة السورية، أن تركيا قررت تأجيل الحملة العسكرية تجاه مناطق تل رفعت ومنبج في ريف حلب إلى حين انتهاء اجتماع أستانة حول سورية في 15 الشهر الحالي.

غير أن مصدراً في المعارضة السورية المسلحة أفاد، لـ”العربي الجديد”، بأن الموعد المحتمل للعملية قد يكون 27 الشهر الحالي.

وعقدت الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية وقوات “قسد”، أمس، بمشاركة مجلس سورية الديمقراطية (مسد) اجتماعاً مشتركاً لبحث التطورات المتعلقة بالتهديدات العسكرية التركية، حيث ناقش المجتمعون، وفق وكالة “هاوار”، المقربة من “الإدارة الذاتية”، مواقف الدول الضامنة لاتفاق أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتحضيرات من قبل القوات العسكرية حيال التهديدات التركية، إضافة للإجراءات الممكن اتخاذها من قبل المؤسسات العسكرية والإدارية والسياسية، ووضع آلية عمل مشتركة بينها.

وأقر الاجتماع، الذي حضره قائد “قسد”، مظلوم عبدي، وضع خطة عمل من قبل المؤسسات الثلاث للتعامل مع التطورات وتداعياتها في شمال وشرق سورية من قبل كل مؤسسة، إضافة لتكثيف العمل السياسي والخطاب السياسي والدبلوماسي والعسكري واللقاءات المحلية منها والإقليمية والدولية، وتوحيد الخطاب، وتذكير الأطراف الفاعلة الضامنة بواجباتها تجاه المنطقة، بحسب الوكالة.

قاعدة حميميم

مركز حميميم الروسي

من جهته، أعلن مركز حميميم للمصالحة الروسية في سورية، اليوم الأحد، أنه بسبب تفاقم الوضع في منطقة خفض التصعيد شمال غربي سورية، “أعادت وحدات من قوات الحكومة السورية تجميع صفوفها”.

وقال نائب رئيس مركز المصالحة الروسي، أوليغ جورافليف، في بيان، إن “وحدات من الجيش السوري أعادت تجميع صفوفها في الاتجاهات التي يصدر منها التهديد ضمن خفض التصعيد”.

وأضاف أنه “خلال اليوم الماضي، سجل إطلاق تسع قذائف من مواقع جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) في محافظتي حلب وإدلب”.

العربي الجديد

—————————–

الفصائل تتجهز للعملية العسكرية شمالي سورية: غرفة مشتركة وتقسيم المحاور/ عدنان الإمام

تواصل فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض استعداداتها للعملية العسكرية التي لوّحت تركيا بها طويلاً ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في ريف حلب الشمالي، وذلك لتوسيع نطاق “المنطقة الآمنة” التي تسيطر أنقرة عليها في الشمال السوري.

وبات بحكم المؤكد أن منطقة تل رفعت في ريف حلب تشكل الهدف الأول في المرحلة الأولى من العملية، التي من المتوقع أن يتسع نطاقها، في حال اندلاعها، لتشمل مناطق أخرى في غرب نهر الفرات، وتحديداً مدينة منبج.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حدد محاور العملية، في خطاب أمام نواب حزب “العدالة والتنمية”، مطلع يونيو/حزيران الحالي. وأعلن وقتها أن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة بشأن قرارها إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً في شمالي سورية، وتطهير تل رفعت ومنبج من “الإرهابيين” على حد وصفه.

ولطالما كانت مدينة تل رفعت ومحيطها هدفاً لفصائل المعارضة منذ العام 2018. لكن التفاهمات الروسية التركية حالت دون ذلك، إذ تندرج هذه المدينة ضمن مناطق النفوذ الروسي في سورية.

تشكيل الفصائل غرفة عمليات لإدارة المعركة

وأكد مصدر مطلع في “الجيش الوطني” المعارض، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “تم بالفعل تشكيل غرفة عمليات لإدارة المعركة المقبلة”. وأوضح أنّ كل الفصائل رفعت جاهزيتها، ونحن بانتظار القرار للبدء بالعملية.

وأكد أن المرحلة الأولى من العملية ستكون باتجاه تل رفعت ونحو 40 قرية حولها، تسيطر عليها مجموعات كردية، مرجحاً انطلاق العملية نهاية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير. وستكون فصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة رأس الحربة في أي هجوم، حيث “وُزعت محاور القتال على هذه الفصائل”، وفق المصدر، الذي أشار إلى أن الهدف “هو السيطرة على كامل المساحة بين مدينتي تل رفعت والباب”.

وكانت “الوحدات” الكردية، التي تشكل الثقل الرئيسي في “قسد”، سيطرت على مدينة تل رفعت وقرى في ريفها، في فبراير/ شباط 2016، إبان اندلاع أزمة بين الأتراك والروس. ويومها دعمت موسكو “وحدات حماية الشعب” الكردية رداً على إسقاط طائرة روسية من قبل طائرة تركيا.

وتأتي مدينة تل رفعت، التي تقع إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً، وتبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، في مقدمة المواقع التي تسيطر عليها “الوحدات” الكردية، إضافة إلى بلدات كفر نايا، ودير جمال، والشيخ عيسى، وكفر ناصح، وإحرص، وحربل، وعين دقنة، وأم حوش، ومنغ، ومرعناز، وفافين، والزيارة، وتل شعير، وتل رحال، ومريمين، وتل عجار، وأم القرى، وسواها من القرى والبلدات.

ونزح سكان تل رفعت ومحيطها عنها إلى مخيمات في الشمال السوري، أو إلى المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة، مثل أعزاز. وفي 2018 نزح آلاف المدنيين الأكراد من منطقة عفرين باتجاه تل رفعت، إبّان عملية “غصن الزيتون” التي قام بها الجيش التركي ضد “الوحدات” الكردية، وانتهت بخروج الأخيرة من عفرين والتمركز في تل رفعت.

مخاوف من نزوح جديد من تل رفعت

وهناك مخاوف من موجة نزوح جديدة للنازحين الأكراد من تل رفعت إلى مناطق سيطرة النظام، خصوصاً مدينة حلب حيث يسيطر الأكراد على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، أو إلى شرق الفرات.

ويبدو أن التهديد التركي أجبر النظام و”قسد” على تقارب عسكري، في محاولة يبدو أنها غير مجدية للتعامل مع هذا التهديد، الذي يستهدف تل رفعت وربماً لاحقاً مدينة منبج.

وفي هذا الصدد، أكد رئيس “مجلس سورية الديمقراطية” (الجناح السياسي لـ”قسد”) رياض درار، في تصريحات صحافية الخميس الماضي، أن هذه القوات “ستقاتل مع الجيش السوري المعتدين أياً كانوا، إذا اعتدى أحد على الحدود السورية”. وأشار إلى أن “قوات سورية الديمقراطية” ستكون جزءاً من هذا الجيش بعد التسوية السياسية.

لكن النظام يتعامل حتى اللحظة مع “قسد” على أنها “مليشيات عميلة للجانب الأميركي”، ويرفض تقديم أي مساعدة لها، من دون الحصول على مكاسب على الأرض، من قبيل استعادة مدن أو بلدات، أو إنشاء مراكز أمنية داخلها، وهو ما ترفضه “قوات سورية الديمقراطية” حتى اللحظة.

وفي ظل التفوق العسكري التركي وفصائل المعارضة السورية يبدو أن أي محاولة للمواجهة من قبل “قسد” أو قوات النظام ستبوء بالفشل، على غرار ما حدث في 2018 في منطقة عفرين، أو 2019 في منطقة شرقي نهر الفرات.

قبول أميركي وروسي ضمني بالعملية التركية

ورأى النقيب المنشق عن قوات النظام رشيد حوراني، وهو باحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التصريحات الصادرة عن المسؤولين الروس والأميركيين تدل على قبول ضمني غير معلن بشكل مباشر بالعملية العسكرية التركية باتجاه منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي”.

وأضاف: أدركت “قسد” جدية التحركات التركية، وعدم قدرة جيش النظام على الوقوف في وجه التقدم التركي، ولذلك بدأت “قسد” بنقل السجناء إلى سجون في الحسكة والقامشلي. وأشار إلى أن هذه القوات “أوعزت لأصحاب المصالح الاقتصادية بنقل مصانعهم أيضاً”.

ولفت حوراني إلى أن “قسد تدرك من خلال محاولاتها التقدم والاشتباك على خطوط التماس مع فصائل الجيش الوطني، المستوى القتالي الذي وصلت إليه تلك الفصائل، التي سيقدم الجيش التركي الدعم لها عبر الطيران المسيّر. لذا في المحصلة تعي قسد تماماً أنها أمام معركة خاسرة”، على حد وصفه.

وكانت مصادر محلية ذكرت أن “قسد” نقلت محتجزين ومعتقلين في سجون بمدينة منبج غرب نهر الفرات إلى سجون في شرق الفرات، وخاصة في محافظة الحسكة، ما يدل على أنها تتحسب لعملية عسكرية تركية وشيكة، ربما تطاول منبج أيضاً.

وتعد منطقة منبج، التي تقع إلى الشرق من تل رفعت بنحو 90 كيلومتراً، من المناطق المختلف عليها بين أطراف الصراع في سورية، فهي ضمن نفوذ واشنطن التي تدعم “قسد”، إلا أن الجانب التركي يعتبرها أولوية، بينما يسعى النظام والروس للسيطرة عليها.

————————–

تل رفعت:الفرقة الرابعة تشارك في “صد” الهجوم التركي

وصلت طلائع عسكرية من الفرقة الرابعة ليل السبت، إلى مدينة تل رفعت شمالي حلب، لتنضم إلى التعزيزات التي يحشدها النظام السوري لمواجهة العملية العسكرية التركية على المنطقة، على أن تصل تباعاً تعزيزات أكبر خلال اليومين القادمين.

وقال مصدر من الفرقة ل”المدن”، إن “تعليمات وصلت لكافة التشكيلات العسكرية التابعة للفرقة بالتأهب ورفع الجاهزية من أجل الذهاب إلى ريف حلب للمشاركة إلى جانب قوات سوريا الدمقراطية (قسد) بصد العملية التركية.

وأضاف أن “طلائع من الفرقة ضمت عدداً من ضباط الفرقة وبعض الآليات وصلت إلى مدينة نبّل شمالي حلب، قبل أن تنتقل إلى مدينة تل رفعت من أجل رصد الجبهة والمواقع التي ستتمركز بها القوات القادمة”. كما ستخصص الفرقة تعزيزات كبيرة من قواتها على جبهات نبّل والزهراء بطلب إيراني.

ورجّح أن تبدأ التعزيزات بالقدوم من مناطق دمشق وريفها الثلاثاء، بعد إعلان كافة التشكيلات الجاهزية الكاملة للذهاب إلى المنطقة، مبيناً أنه حتى اللحظة لم تتضح الشخصية التي سوف تقود العمليات هناك، إلا هناك شائعات قوية تفيد بأن العقيد غياث دلّة هو من سيتولى مسؤولية قيادة القوات هنالك، معتبراً أنه “الشخصية المحببة والموثوق بها من قبل الرجل الثاني في الفرقة اللواء محمود علي”.

ولفت المصدر إلى أن إيران تستعد للدفع بكافة تشكيلاتها العسكرية من الميلشيات المحلية في نبّل والزهراء لمواجهة الجيش التركي، كما ستعمل على استقدام ميلشيات شيعية أجنبية من البادية السورية لذات الهدف.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن عن نيّة بلاده البدء بعملية عسكرية تستهدف بالدرجة الأولى طرد التنظيمات “الإرهابية” من شمال شرق سوريا. وقال أمام كتلة نواب حزبه في البرلمان التركي إن “تركيا بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة بشأن المنطقة الآمنة، وتطهير مدينتي منبج وتل رفعت”.

وتتواصل أيضاً التعزيزات العسكرية للنظام السوري إلى المنطقتين، للمشاركة إلى جانب قسد في صدّ العملية التركية.

وقالت مصدر مطلع ل”المدن”، إن رتلاً تابعاً للنظام السوري دخل صباح الأحد، إلى منطقة منبج بريف حلب، موضحاً أن الرتل الذي ضم عدداً من الدبابات والآليات الثقيلة، يعمل على الانتشار في محيط منطقة منبج، وخصوصاً منطقة الساجور إلى الغرب منها.

وأوضح أن الرتل كان قد منعه مجلس منبج العسكري من الدخول إلى المنطقة في وقت سابق، من دون الإفصاح عن الأسباب التي دفعته لذلك.

من جانبها، عقدت الإدارة الذاتية اجتماعاً مساء السبت، ضم مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بهدف بحث التهديدات المتعلقة بالعملية العسكرية التركية المحتملة.

وقالت وكالة “هاوارا” المقربة من الإدارة الذاتية، إن المجتمعين اتفقوا على “وضع خطة عمل من قبل المؤسسات الثلاث للتعامل مع التطورات وتداعياتها في شمال وشرق سوريا من قبل كل مؤسسة”، إضافة إلى العمل على تكثيف الخطاب السياسي والدبلوماسي والعسكري واللقاءات المحلية منها والإقليمية والدولية، وتذكير الأطراف الفاعلة الضامنة بواجباتها تجاه المنطقة.

————————–

مواجهات في ريف منبج بين «قسد» وفصائل المعارضة السورية

تعزيزات لقوات النظام وروسيا في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات بعملية تركية

إدلب: فراس كرم – القامشلي: كمال شيخو

شهد ريف مدينة منبج، شمال شرقي محافظة حلب، مواجهات بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، من جهة، وفصائل سورية معارضة مدعومة من تركيا، من جهة ثانية، في ظل توقعات بهجوم تقوده القوات التركية لطرد «قسد»، وهي تحالف عربي – كردي، من هذه المدينة المهمة شمال سوريا. ويقول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه يريد إقامة «منطقة آمنة» بعمق 30 كيلومتراً على حدود بلاده الجنوبية مع سوريا.

وجاءت المواجهات، أمس، في وقت عززت القوات الروسية انتشارها في مدينتي منبج والعريمة بريف حلب، حيث وصلت تعزيزات إلى القاعدة الروسية في قرية السعيدية، ضمت 15 آلية عسكرية وناقلات جنود ومعدات فنية ولوجستية. وهذه المرة الثانية خلال هذا الشهر ترسل موسكو تعزيزات إلى تلك المناطق في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات التركية بضربها. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وصفحات إخبارية محلية بأن 2000 عنصر من القوات الحكومية السورية وصلوا إلى ريف منبج الغربي المحاذي لنقاط التماس مع القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، وانتشروا على طول خط نهر الساجور، حيث تحول مجرى النهر وضفتيه إلى حدود فاصلة بين الجهات السورية المتحاربة. ومعلوم أن القوات الحكومية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد كانت منتشرة بشكل محدود في أرياف مدينتي منبج والعريمة قبل 3 سنوات، تطبيقاً لاتفاق توصل إليه أكراد سوريا مع حكومة دمشق لوقف هجوم تركيا نهاية 2019 بعد عملية «نبع السلام» وسيطرتها على مدينتي رأس العين بالحسكة وتل أبيض بالرقة.

وقال قائد «مجلس الباب العسكري» (بريف حلب الشرقي)، جمال أبو جمعة، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن المجلس «أحبط (أمس) محاولة تسلل فصائل سورية» موالية لتركيا إلى إحدى نقاطه في قرية الحوتة غرب مدينة منبج المجاورة بعد اشتباكات دامت فترة من الوقت بين الطرفين. وأوضح أن أجواء المنطقة شهدت تحليقاً للمقاتلات الروسية على علو منخفض، فوق قرى وخطوط الجبهة الواقعة على نقاط التماس مع الفصائل السورية والقوات التركية المنتشرة في الجهة المقابلة.

في المقابل، قال مصدر عسكري في «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من تركيا، إن «اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة اندلعت بين فصائل الجيش الوطني السوري، من جهة، وقوات (قسد) من جهة ثانية، على محاور مناطق البوغاز والحلونجي بالقرب من منبج شمال شرقي حلب». وأوضح أن «فصائل المعارضة استهدفت خلال الاشتباكات بقذائف المدفعية الثقيلة والصواريخ، موقعاً عسكرياً في برج السيريتل في منطقة الحلونجي، ما أدى إلى تدميره، ومقتل وجرح عدد من عناصر (قسد)، بالتزامن مع تحليق مكثف لطيران الاستطلاع التركي في الأجواء، واستنفار في قواعد القوات التركية داخل الأراضي السورية شمال حلب».

وأضاف المصدر أن «أجواء منطقتي تل رفعت ومرعناز الخاضعتين لسيطرة (قسد)، شمال حلب، شهدت أيضاً تحليقاً لسرب من الطائرات المروحية الروسية، في وقت وصلت تعزيزات عسكرية جديدة لقوات النظام السوري، إلى مدينة تل رفعت، حيث انتشرت في مواقع عسكرية قريبة من خطوط التماس مع فصائل الجيش الوطني السوري، في تنسيق واضح مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، موضحاً أن «قوات النظام السوري تمركزت في نحو 8 مواقع عسكرية ومبانٍ حكومية داخل مدينة تل رفعت، بالتنسيق مع (قسد)، ورفعت أعلام النظام فوق المباني الحكومية».

وقال المصدر ذاته إن «قسد» نقلت نحو 500 معتقل من سجونها بمدينة منبج، إلى مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، تزامناً مع إجلاء عوائل قادة في صفوفها، باتجاه مدينة حلب، استباقاً للهجوم الذي تعتزم تركيا شنه على المدينة، كما يبدو.

وفي إدلب، شمال غربي سوريا، أشارت مراصد تابعة للمعارضة إلى «رصد وصول سرب من الطائرات المروحية القتالية الروسية، خلال اليومين الماضيين، إلى مطار أبو ظهور العسكري شرقي إدلب، بالإضافة إلى عدد من السيارات العسكرية الروسية، برفقة أعداد كبيرة من عناصر وضباط في الفرقة (25) في قوات النظام، الموالية لروسيا، في وقت شهد فيه مطار النيرب العسكري شرق حلب، وصول تعزيزات عسكرية جديدة للميليشيات الإيرانية، من دير الزور، وانتشارها في مواقع ومبانٍ داخل المطار».

في غضون ذلك، قال مصدر خاص لـ«الشرق الأوسط»، بريف حماة، وسط سوريا، إن «4 عناصر من قوات النظام السوري لقوا حتفهم بانفجار لغم أرضي زرعه مجهولون (يعتقد أنهم من تنظيم داعش) على طريق أثريا – الرقة وسط سوريا الشرقي»، موضحاً أن الحادث وقع «بعد أقل من 24 ساعة من فقدان قوات النظام الاتصال بمجموعة من عناصرها وسط البادية شرقي حمص، دون معرفة مصيرهم حتى الآن». ويأتي ذلك في ظل تزايد هجمات فلول تنظيم «داعش» في البادية السورية.

الشرق الأوسط

—————————–

المناطق “الآمنة” ستتحول “دموية”.. هل تُرحل تركيا حقا 4 ملايين سوري؟

بات مصير نحو 4 ملايين لاجئ سوري “على المحك” بعد أن أعلنت أنقرة خططا لإعادة توطينهم في شمال سوريا مع تصاعد المشاعر المعادية لهم في جميع أنحاء البلاد، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي.

ومع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، يخشى اللاجئون السوريون، مثل أم أنس وعلي الأحمد، من العودة إلى بلادهم مع عدم استتباب الأمن هناك وقلة الخدمات.

وتقول أم أنس، التي غادرت وزوجها سوريا في 2014، إنها باتت تشعر بعدم الترحيب بسبب التعليقات العنصرية التي حلت محل الابتسامات الدافئة، وهو ما يؤكده الأحمد الذي فر من تنظيم “داعش” عام 2014 والآن بات غير قادر على التحدث بالعربية علنا “ويجب أن يخفض صوته أو يتحدث التركية فقط”.

وتقول أم أنس، الصيدلانية السابقة التي تعمل حاليا في شركة تسويق بينما يعمل زوجها مدرسا: “أطفالي لديهم مستقبل هنا. لا أستطيع أن أتخيل نفسي أغادر هذا المكان وأعود إلى حيث لا توجد خدمات كافية ولكن فقط الفوضى”.

وأصبح مصير لاجئين، مثل أم أنس والأحمد، مرتبطا بالسياسة الداخلية التركية مع احتدام الحملات الانتخابية قبل الانتخابات العامة في يونيو المقبل، مع اتفاق الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على حد سواء على ضرورة عودتهم.

ومنذ عامين، تصاعدت مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين في تركيا، مع تنظيم عدد من السياسيين وقادة أحزاب المعارضة بحملات لفرض قيود أكثر صرامة عليهم، وفق تقرير سابق لموقع الحرة.

ويتأثر الشارع التركي بما يدلي به السياسيون الأتراك، وهو ما قد يحول أي موقف أو تعليق يصدر عنهم إلى حديث واسع النطاق وقد يترجم أيضا على الأرض بصورة متسارعة.

وفي أكتوبر 2021 نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا حمل عنوان: “حياة أشبه بالموت: عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن”، وحذرت فيه من المعلومات المضللة عن الأوضاع في سوريا.

وأشار التقرير إلى أن واقع الحياة داخل سوريا أثّر على قرار العودة لدى كثير من اللاجئين الذين قابلتهم المنظمة.

من جهتها، قالت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، في تقريرها الـ 24، سبتمبر 2021، إن سوريا “غير صالحة لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة”، وإن “تصاعد القتال والعودة إلى العنف” يثيران القلق.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أعلن الشهر الماضي أنه يعتزم إعادة توطين مليون سوري في “مناطق آمنة” بالقرب من الحدود التركية في شمال سوريا.

وتعهد كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، بإعادة السوريين في غضون عامين، إذا تولى منصب الرئاسة.

المنطقة “الآمنة” ليست آمنة

واقترحت تركيا منذ فترة طويلة إقامة “منطقة آمنة” على الجانب السوري من الحدود السورية التركية لكن هذه المنطقة “ليست متجاورة” وتضم عدة مناطق ساعدت أنقرة المتمردين السوريين في السيطرة عليها منذ عام 2016.

وتشمل مدنا مثل تل أبيض وجربلس وعفرين وكذلك إدلب التي تخضع في الغالب لسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام” لكنها لا تزال تحت الحماية العسكرية التركية.

ويتوقع التقرير أن تكون هذه المنطقة “الآمنة” دموية، لأن المناطق التي حددتها أنقرة بعيدة عن أن تكون آمنة، فعلى الرغم من وقف إطلاق النار في مارس بين تركيا وروسيا، استمر القصف على المناطق التي يسيطر عليها المقاتلين الموالون لأنقرة في محافظة إدلب.

ووقعت أيضا اشتباكات متفرقة بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الأراضي التي سيطر عليها مؤخرا المتمردون العرب السوريون المدعومون من أنقرة.

ويعتزم إردوغان أيضا توسيع العمليات التركية في شمال سوريا، وفق ما أعلنه مؤخرا، وشن هجوم لإخراج قوات “قسد” من بلدتين منبج وتل رفعت لتوسيع المنطقة الآمنة.

ويقول محللون إن أولوية الرئيس التركي ليست إعادة اللاجئين بقدر ما هي أخذ أراض من الأكراد مع تعزيز الدعم المحلي لإعادة انتخابه، ولطالما اتهم محللون وأكراد أنقرة باستخدام “مناطق آمنة” لتغيير التركيبة السكانية على طول الحدود السورية التركية.

وقال سنان سيدي، الخبير في السياسة التركية لمجلة فورين بوليسي إن إردوغان “مهتم بتقليل عدد السكان الأكراد في شمال سوريا، من خلال توطين السوريين غير الأكراد على طول الحدود الجنوبية مع تركيا”.

وبصرف النظر عن عدم الاستقرار العام في المنطقة، تميل المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين المدعومين من تركيا إلى أن تكون أقل استقرارا، بسبب الاقتتال الداخلي، أكثر من تلك الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

الأحمد، اللاجئ السوري الذي تحدث للمجلة، قال: “أخشى أن ينتهي المطاف بفوضى في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.

واتهمت جماعات حقوقية هذه الجماعات المتحالفة مع الحكومة التركية بالتعذيب والخطف وابتزاز المدنيين والاستيلاء على ممتلكات الأكراد، الذين فروا من الهجمات التركية.

ويشك أحمد برو، الناشط الكردي من القامشلي بسوريا، في مزاعم تركيا برغبتها في مساعدة اللاجئين السوريين من خلال إعادة توطينهم، ويعتقد أنه إذا نفذت هجمات على منبج وتل رفعت “سيتم تهجير ما يقرب من نصف مليون سوري”، وسيضطر عديدون إلى البحث عن مأوى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، والتي، يقول برو، إنها آخر مكان يرغبون في العودة إليه.

وهناك أيضا مخاوف من عدم الاهتمام الدولي بهذه القضية مع تركيز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الحرب الروسية في أوكرانيا.

وفي الوقت الحالي، لا تزال خطة أردوغان لإعادة التوطين “طوعية” من الناحية الفنية، ولكن بما أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في تركيا لن يرغبوا في العودة إلى سوريا في أي وقت قريب، يرى سنان سيدي، الخبير في السياسة التركية، أن العملية قد تصبح “قسرية”.

ويأمل العديد من السوريين في عدم تنفيذ الخطة وأن تتلاشى من الوعي العام بعد الانتخابات.

وتقول أم أنس: “لن أعود إلى سوريا أبدا بالطريقة التي تقترحها تركيا.. في سوريا، لا يوجد مكان آمن واحد طالما الأسد في السلطة”.

الحرة / ترجمات – واشنطن

——————————–

قسد” تقرّ خطة عمل لمواجهة العملية العسكرية التركية شمالي سورية

عقدت “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بمشاركة “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد) السبت، اجتماعاً مشتركاً لبحث كافة التطورات المتعلقة بالتهديدات العسكرية التركية بشن عملية عسكرية.

وناقش المجتمعون، بحسب ما نقلت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية”، مواقف الدول الضامنة لاتفاق أكتوبر/ تشرين الأول 2019، والتحضيرات من قبل القوات العسكرية حيال التهديدات التركية، إضافة للإجراءات الممكن اتخاذها من قبل المؤسسات العسكرية والإدارية والسياسية، ووضع آلية عمل مشتركة بينها.

وأقر الاجتماع الذي حضره قائد “قسد” مظلوم عبدي، وضع خطة عمل من قبل المؤسسات الثلاث للتعامل مع التطورات وتداعياتها في شمال وشرق سورية من قبل كل مؤسسة، إضافة لتكثيف العمل السياسي والخطاب السياسي والدبلوماسي والعسكري واللقاءات المحلية منها والإقليمية والدولية، وتوحيد الخطاب، وتذكير الأطراف الفاعلة الضامنة بواجباتها تجاه المنطقة، بحسب الوكالة.

على الصعيد الميداني، استهدفت القوات التركية، السبت، برج اتصالات لشركة “سيريتل” في قرية الحلونجي شمالي مدينة منبج بريف حلب، دون معرفة حجم الخسائر.

وقال مراسل “العربي الجديد”، إنّ طائرات النظام السوري الحربية ألقت منشورات ورقية في ريف حلب الشمالي، الذي من المتوقع أن يشهد عمليات عسكرية تركية، تحذر المدنيين من التعاون مع الجيش التركي وفصائل المعارضة، وتزعم أنّ قوات النظام تستعد لاستعادة السيطرة على المنطقة.

تقارير عربية

الفصائل تتجهز للعملية العسكرية شمالي سورية: غرفة مشتركة

وفي شمال شرقي البلاد، أفاد مراسل “العربي الجديد” في الحسكة، بأنّ قوات التحالف الدولي اعتقلت، السبت، صاحب محل صرافة، واثنين من أشقائه، بعملية إنزال جوي، في محيط بلدة الهول شرقي الحسكة.

ولفت من جهة أخرى إلى أنّ ثلاثة أطفال قضوا غرقاً في قناة للري بالقرب من معمل السكر في مدينة الرقة، مشيراً إلى ازدياد ملحوظ بتسجيل حالات الغرق في المحافظات الشرقية.

في غضون ذلك، توفي ثلاثة أشخاص وأصيب آخرون، السبت، في حوادث سير متفرقة من مناطق شمال غربي سورية.

وقالت مؤسسة الدفاع المدني، إنّ مدنيين اثنين توفيا إثر خروج سيارتهما عن مسارها على طريق إدلب -سرمدا بالقرب من بلدة كفر يحمول شمالي إدلب.

وأضافت أنّ شاباً توفي وأصيب أربعة آخرون بجروح وكسور خطيرة، إثر حادث سير اصطدام دراجتين ناريتين في بلدة قسطون بريف حماة الشمالي الغربي.

——————————-

الهجوم التركي الجديد.. الاسوأ والأخطر

ندرك أننا بصدد هجوم تركي محتمل على بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية والمرجح أن تكون تل رفعت ومنبج هي الأكثر عرضة لهذا الهجوم المحتمل، وهنا ندرك أن المشكلة الأكبر هي في الهجوم التركي وليست في مكان آخر، لذلك فإن موضوع النقاش هو هذا الهجوم، الأمر الذي لا يعني بطبيعة الحال عدم الاهتمام بتصريحات قائد “قسد” السيد “مظلوم عبدي” أو رئيس “مسد” المشترك السيد “رياض درار“.

مع أن تركيا، منذ نشوئها وإلى هذه اللحظة، تنظر إلى الكرد بوصفهم خطراً وجودياً على كيان الدولة التركية، إلا أن الخطر التركي وإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية على يد زعيم حزب العدالة والتنمية “أردوغان” لا يقتصر على الكرد ومناطقهم فهو قد شمل سابقاً ويشمل حالياً الجغرافية السورية بأكملها، فقضية لواء اسكندرون لا تغيب عن بال السوريين، وفي وقتنا الحاضر تشكل تركيا لاعباً هاماً في الوضع السوري من خلال العمليات التي شنتها تركيا على المناطق السورية المختلفة شرق وغرب الفرات بدءأ من عملية درع الفرات في آب 2016، والتي سيطرت بموجبها على بلدات جرابلس والراعي والباب، ومروراً بعملية غصن الزيتون في كانون الثاني 2018 والتي احتلت من خلالها منطقة عفرين، وانتهاءً بعملية نبع السلام في أكتوبر 2019 والتي سيطرت من خلالها على رأس العين وتل ابيض.

كانت تركيا قد قضمت من خلال العمليات الثلاثة مساحات واسعة من الأرض السورية ووضعت عليها ولاة ترك، وعممت مناهج تركية في مدارسها، وهي تفرض سيادة قوانينها ومحاكمها، وتتصرف فيها وكأنها مناطق تركية، مطلقة يد فصائل إسلامية تشكل مرتعاً للتطرف ، فبهذه العقلية تشكل خطراً على مضمون الثلاثية التي نعتقد يأنها ركائز بناء وطن حر كريم: العلمانية والديمقراطية والمواطنة.

منذ 2015 وإلى هذه اللحظة لم تتوقف تركيا عن تهديد المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية التي تتبع فعلياً لحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”  بعد ان عاشت هذه الإدارة منذ تأسيسها في كانون الثاني 2014 التي كانت آنذاك  في بقعة جغرافية أصغر مما هي عليه الآن، فترة استرخاء مع تركيا لمدة تجاوزت عام ونصف حيث زار تركيا حينها السيد ”صالح مسلم“ والعديد من مسؤولي هذه الإدارة وجلسوا على طاولة الحوار وأشادوا بضرورة علاقات حسن الجوار مع الترك.

 الجديد في هذا التهديد أنه، من جهة، يأتي في لحظة انشغال العالم بالغزو الروسي لأوكرانيا والحرب التي تبعته، ومن جهة أخرى يرتبط بالوضع الداخلي التركي بما يعانيه من أزمة اقتصادية تركية ومواجهة الاستحقاق الانتخابي القادم وسعي أردوغان وحزبه لكسب معركته الانتخابية المقبلة في حزيران 2023.

وحتى تكتمل الصورة فإننا لن نهمل دور الخدمات المجانية التي تقدمها بعض الرؤوس الحامية في الإدارة الذاتية إلى الساسة الترك، رغم أن هذه الخدمات ليست العنصر الحاسم أو المحدد في السياسات التركية، كما حصل قبل أيام في مدينة كوباني/عين العرب عندما رفع انصار PYD صور السيد أوجلان وأعلام حزب العمال الكردستاني.

إننا نعتقد أنه من الصعب فصل نضالات الأحزاب الكردية في أجزاء كردستان عن بعضها لمسائل خارج نطاق افتتاحيتنا هذه، والتي تتمحور حول البعد القومي للكرد السوريين وتداخل وتشابك نضالاتهم مع أكراد العراق وتركيا والتي يمكن اختصارها ب (تداخل النضالين القومي والوطني)، رغم أننا نقرأ بعض المؤشرات الإيجابية أحياناً كتصريح السيد “مراد قره يلان” الأخير حيث دعى الكرد السوريين إلى عدم رفع شعارات ورايات حزب العمال الكردستاني”PKK”، الأمر الذي قد يشي بمزيد من التمييز أو الفصل بين المسارين الكردي السوري والكردي التركي وربما إلى حالة شبيهة بوضع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا المندرج في الحياة العامة وحتى تعارضه في بعض الحالات مع قرارات قنديل، معقل العمال الكردستاني.

لا جديد في رد فعل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” فقد أعلن قائدها “مظلوم عبدي” لوسائل الإعلام عن مطالبته النظام السوري حماية حدود البلاد واستخدام الدفاعات الجوية لردع الاجتياح التركي و دون وجود قوات برية على الأرض. تصريحات عبدي لم تأتِ بجديد فهو قد صرّح سابقاً، في أعوام 2016 و2018 و2019، بضرورة التنسيق مع النظام، ونسّق معه فعلياً على الأرض في توزيع بعض وحدات من جيش النظام على طول الشريط الحدودي.

إن أي عاقل يدرك صعوبة خيارات ”قسد“ وأن عبدي لا يملك ترف الخيارات المثلى بطبيعة الحال فهو يقف بين خيار التنسيق مع النظام أو قبول الاحتلال التركي، الذي نعتقد أنه الأخطر والأسوأ، ويمسي ذلك التنسيق ضرورة قصوى في حال رفع الأمريكي يده عن شرق الفرات وهذا مايتمناه التركي ويسعى إليه، ولإدراكنا بأهمية وثقل شرق الفرات في منع انتصار الثورة المضادة بشقيها الاسدي والاسلاموي وفي تحقيق الانتقال السياسي بالتالي من خلال القرارات الأممية وخاصة 2254، وحيث يشكل الدعم الأمريكي لمنطقة شرق الفرات عنصراً أساسياً، وبناءً عليه يمكن القول: لن تتدخل السلطة السورية في الجزيرة دون ثمن باهظ قد يطلب في نهاية المطاف رأس ”قسد” وتجربة شرق الفرات، وقد تكون حسابات السلطة السورية الفعلية غير متوافقة أبداً مع ضجيج خطابها الوطني، وبهذا المعنى قد تفضل هذه السلطة ترك تركيا تصفي حساباتها مع الإدارة الذاتية أملاً بأن تكون هي الرابح في النهاية، باعتبار أن جميع التصورات الإقليمية والدولية لا تزال تقر بوحدة الأراضي السورية، وحتى بعدم إسقاط الشرعية الدولية للنظام السوري.

ليس لدى السيد ”عبدي” ولا أي عاقل سوري اعتقاد في أن أمريكا كلية القدرة ولا بأنها جمعية خيرية لديها ما تتصدق بها على أحد، فهي مثل جميع الدول تحكمها مصالح واستراتيجيات و مؤسسات، ومصلحة أمريكا تقتضي بالضرورة وقوفها إلى جانب هذه الادارة ، خاصة بعد الحرب الأوكرانيه وعودة الأهمية للجغرافية السياسية، أما إذا رفعت اليد الأمريكية عن الجزيرة السورية -وطالما أننا لا نريد أن تذهب الجزيرة السورية إلى تركياـ فليست لدينا مشكلة في تنسيق ”قسد“ العسكري مع النظام لمنع ذلك، هكذا بوضوح ، ولنترك لأصحاب القرار هناك أن يلعبوا على توازنات الدول الرئيسة في هذه البقعة السورية عساهم يتجاوزون وقوع هذه الكارثة.

نقول للسيد “عبدي” أننا نتمنى أن يصطدم الترك مع النظام في الجزيرة، وهي فرصة عظيمة لتصادم النظام الديكتاتوري والظهير الإسلامي (الترك)، ولكننا لا نعتقد أن النظام السوري من الغباء أو إلى هذا الحد من السذاجة ليكون أداة طيّعة بيدكم يتدخل بشروطكم وتوقيتكم دون مقابل؟ ألا يقّدر النظام إمكاناته الفعلية عسكرياَ في مواجهة دولة عسكرية متطورة كتركيا، وخاصة في سلاح الجو؟ ولنفترض جدلاً أن النظام اشترط أن يترافق مساهمته بالدفاعات الجوية بالتدخل البري ماذا سيكون موقفك؟ نعتقد أن هذا الخيار الافتراضي لن يكون مناسباً وربما الرهان لا يزال معقوداً على الأمريكي، فعبدي لم يفقد بعد الأمل في تجنب هذه الخيارات السيئة فكلنا يدرك أن شروط النظام ستكون باهظة الثمن وهي سيادة النظام على كل سنتمتر مربع من الأرض السورية على الأرض وتجريد قوات عبدي من القوة الفعلية وإبعادها عن المحور الأمريكي ويحبط “المشروع الديمقراطي السوري“.

نحن ندرك طبيعة الخلافات بين قسد والسلطة السورية والتي يمكن تلخيصها في: رفض هذه الطغمة على الإطلاق لأي اعتراف قانوني بهذه الإدارة وإعطاء الأكراد أي حقوق غير الحقوق الثقافية. فالطغمة ترفض إعطاء الإدارة أي وضع قانوني سياسي، وهي ما تزال تصف “قسد” بالعصابات الإنفصالية، بناءً عليه ليست هناك إمكانية حقيقية لعلاقة ما بين قسد وهذه الطغمة.

إذا كنا لا نريد لا تركيا ولا النظام أن يسيطرا على الجزيرة السورية؟ فليس إلا الإدارة الامريكية القادرة على ضمان استقرار الإدارة الذاتية ومنع التدخل التركي. ولكن ماذا إذا لم يقم الأمريكان بما يجب لردع الثنائي القذر؟ هنا يصبح العدو الأول هو التركي ومن معه ويتأخر دور النظام ….لأن الأتراك هم من سيقومون بشن الهجوم وليس ذلك النظام. ونعتقد أن درس ”عفرين” كان قاسياً بما يكفي للإدارة عندما رفضت العرض الروسي بدخول النظام لمنع التدخل التركي، فذهبت عفرين محتلة وتتالت سلسلة الانتهاكات بحقها.

التركيز على الخطر القادم من الشمال وهو الخطر التركي الذي يهدد فضلاً عن الوجود الكردي القضية الوطنية السورية والقضية الديمقراطية.

قلنا أن السلطة/الطغمة هي الأخطر لحظة غياب إمكانية قيام الأسوأ ”دولة إسلامية“ ولكن عندما تدخل تركيا ستتحول إلى الأخطر والأسوأ معاً في هذه البقعة من الأرض السورية، لأنه يعيد الإمكانية لقيام الأسوأ فضلاً عن قيامها بعمليات تغيير ديمغرافي وستخلق كوارث جديدة على الساحة السورية فضلاً عن الموجودة.

 قلنا ومازلنا على قولنا: بأن الأرض السورية الحاملة للصيرورة ولاحتمال التغيير الديمقراطي في هذه اللحظة هي شرق الفرات وليس غيرها و على كل القوى الديمقراطية أن تجد طريقها إلى الجزيرة وأن تعمل على جعل الجزيرة السورية منصة لاستعادة حلم السوريين بالحياة الديمقراطية بعيداً عن الاستبداد والظلاميات.

ختاماً: إذا تبدى لنا أن الجزيرة السورية قد تحتلها تركيا فعلى “قسد” أن تنسق ولو مع الشياطين من أجل منع ذلك.

مكتب الاعلام في تيار مواطنة – نواة وطن

١٢-٦-٢٠٢٢

——————————

====================

تحديث 14 حزيران 2022

————————–

الممرات الإجبارية للمنطقة الآمنة واحتمالاتها/ يحيى العريضي

يشغل أميركا خنق وإسقاط بوتين؛ على الأقل اقتصادياً، إن تعذَّرت هزيمته عسكرياً. وفي سبيل تحقيق ذلك، لا يضير أميركا إضعاف أوروبا، وتكريسها حليفاً معتمِداً تابعاً لمخططاتها واستراتيجياتها، حتى لو تسبب ذلك بتناقضات وتوترات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ورفع ميزانياتها العسكرية المساهمة في الناتو، الذي هدد ترامب يوماً بالانسحاب منه، تخويفاً لأوروبا.

في السياق ذاته، وكي تحقق أهدافها؛ تجعل أميركا من منطقة شرق المتوسط المسرح الرديف لإنجاز المهمة؛ حيث تركِّز على الحصول من تركيا، عضو الناتو، على مساهمة في حصار بوتين؛ فتمَّ تفعيل اتفاقية “مونترو”، وأُغلِقَت الممرات أمام سفن الروس. ولا زال الأميركيون يتطلعون إلى موقف تركي أوضح تجاه فعلة بوتين. تركيا من جانبها، تصرُّ على أخذ ثمن ذلك، مستغلة فرصة انشغال العالم بالقضية الأوكرانية؛ فها هي تعيد فتح ملف إقامة منطقة “أمنية” أو “آمنة” على الشريط الحدودي مع سوريا، لإزاحة خطر الـ “ب ك ك”، وتوفير حماية لما يقارب الأربعة ملايين من النازحين السوريين، كما تقول. وكي تمتّن موقفها تربطه بقبول عضوية السويد وفنلندا في الناتو، طالبةً إدانتهما للـ “ب ك ك”، ودعم أميركي وأوروبي لخطوتها.

تخرج على لسان مسؤولين أميركيين تصريحات لا تطمئن تركيا، رغم اقتراب الأخيرة من مجال التوتر العالي مع روسيا المأزومة. يحدث غزل عميق بين أميركا واليونان خصم تركيا التاريخي. يقف الأوروبيون في المنطقة الرمادية تجاه ما تريده تركيا، وخاصة أنهم وأميركا يجهزون لانضمام “السويد وفنلندا” لحلف الناتو. كعضو في الناتو تقدم تركيا شرطها أعلاه لقبول عضويتهما، وتبقي خطّها مفتوحاً مع الروس؛ فيزورها “لافروف” ويعطيها من طرف لسانه ما تشتهي.

يوازن الأوروبيون بين ما سيجنون أو يخسرون من كلا الخطوتين تفاضلياً؛ تزداد رمادية موقفهم؛ فانضمام الدولتين للناتو، دون تحقيق شرط تركيا، محفوف بالمخاطر. وإن أنجزت تركيا “منطقتها الآمنة”، فذلك لن يقدّم أو يؤخر بالنسبة لهم، رغم أنه قد “يكركب” معظم الحسابات في المنطقة، ويرفع الانضمام منسوب العداء مع روسيا؛ حيث يدعو الرئيس الفرنسي – إحدى الدول الأهم في الاتحاد الأوروبي والناتو- إلى عدم إذلال بوتين كثيرا؛ ومع ذلك تعلن فرنسا استعدادها للاشتراك بتحرير ميناء “أوديسا”.

روسيا، من جانبها، كانت غامضة تجاه خطوة “المنطقة الآمنة التركية”؛ فلا هي تريد خسارة حليف المصلحة الأهم في مفصل زمني يشهد إجماعاً شبه عالمي على خنقها، ولا هي تريد أن تقف الموقف المتطابق مع مَن يرأس مجموعة خنقها، أميركا؛ ولا تريد أن تُشْعِرَ “نظام الأسد” الذي تحميه بأنها تتخلى عنه، بغض النظر عن الخطوة التركية؛ ولا تريد أن تتناقض بشكل صارخ مع إيران التي عبّرت علناً على لسان الناطق باسم خارجيتها عن معارضتها الشديدة للخطوة التركية.

ما قد يحسم هذا الاستعصاء عند الجميع هو الموقف الإيراني، الذي أضحت معالمه شبه واضحة تجاه الخطوة التركية. تجد إيران فرصتها الذهبية في مأزومية الجميع؛ فهي تتطلع إلى التمدد في سوريا. والانحسار الروسي من سوريا- رغم مخاطره عليها وعلى مَن تحميه في دمشق- يشكّل فرصتها لحضور وازن على الساحة السورية؛ وهذا يستلزم مواجهة محتملة وربما حامية مع التوجه التركي؛ وقد يكون تأجيل أو إلغاء زيارة وزير خارجية إيران لتركيا إشارة على احتدام “طبخة” سياسية – عسكرية تستهدف إيران.

إذا كانت إيران تستطيع تحمل مواجهة خلّبية مع أميركا، عاشت عليها لعقود، وجنت حضوراً على الساحة الدولية، تحت يافطة “العداء مع أميركا”؛ إلا أن المواجهة مع تركيا، التي كانت المَنْفَذ عند اشتداد الخناق على الملالي، هو الذي لا يمكن أن تتحمّله؛ حيث سيكون حقيقيا لا إعلانيا أو إعلاميا خلّبيا؛ وهو الآن مطلوب كمخرج للمأزومين جميعا أعلاه. من جانب، يلتقي موقف إيراني محتمل من الخطة التركية في إيجاد “منطقة آمنة” مع الموقف الأميركي والأوروبي والروسي، ومع الــ ب ك ك، ومع حماية الملالي لمنظومة الاستبداد في دمشق، ومع تحقيق طموحاتهم التوسعية – وهؤلاء جميعاً يبحثون عمّن يواجه تركيا – ولكن هكذا مواجهة تُفقد إيران مجرى تنفسها الحقيقي وقت الحصار والشدة.

وبالعودة للموقف الأميركي، فقد بات معروفاً منذ تسعينيات القرن الماضي أن أميركا لا تستطيع الانفراد بموقف استراتيجي كهذا، ولا بد أن يكون إلى جانبها قوة تحالف وازنة، وأخرى لها وجود على الأرض. وبحكم عدم وجود أميركا الوازن على الأرض، وقلة انخراطها، والاعتماد على ميليشيات “قسد” كأداة هشة؛ لن يبقى أمام أميركا إلا إيران بحكم تطابق موقفيهما تجاه الخطوة التركية. وهذه مفارقة غريبة عجيبة في ظاهرها؛ ولكن محتملة في عالم يمشي على رأسه. فهل تفعلها أميركا؛ وما هو الثمن؟ وهل تفعلها إيران؛ وما هو الجنى، وما هي الكلفة؟

مؤكد أن أميركا تتمنى ذلك، لأنه سيحقق لها ضرب عدد وازن من الجوارح السامّة بحجر واحد. وهي مستعدة لتقديم المغريات: ضغط على السويد وفنلندا بتلبية شرط تركيا، وإشاحة الطرف عن خطة تركية في منطقة آمنة، (وتصريح الخارجية الأميركية الأخير بأن “… الأتراك لن يتراجعوا”) هو الضوء الأخضر؛ ورفع الغطاء عن الــ ب ك ك؛ وصولاً حتى لتشغيل “الخط الساخن” الخفي بينها وبين إيران، وإرسال شيفرات معاكسة تماماً للمُعْلَن، وإغراءات تجاه مشروعها.

من جانبها، روسيا تتمنى اشتعال اللهيب في منطقة أخرى تزيح الأنظار عن فعلتها في أوكرانيا، ولو قليلا؛ وتدير ظهرها لعلاقة مشبوهة مع إيران، وتعزز العلاقة الأهم مع تركيا، التي لا يمكن في هذا الظرف احتمال صراع معها. كل ذلك ممكن؛ إلا أن الملالي لن يدخلوا هذا النفق القاتل. قد تكون إدانة الوكالة الدولية للطاقة النووية من باب الضغط، وقد تكون أول غيث المحاسبة لملالي طهران؛ وربما الخطوة التركية ستعيد الحسابات والاصطفافات.

وتبقى التبعات- كيفما كانت- تحريكاً نوعياً للقضية السورية. فهل سيتم تدمير الهيكل القديم – المتجدد. في المحصّلة، عندما يكون مصير روسيا على المحك، لا قيمة لإيران أو لمنظومة الأسد عند روسيا، مقارنة بتركيا. ها هي رياح تركيا تهب، والخطوط تتقاطع عندها، لتكون أقوى المأزومين. هل هو انفراج لتركيا، وبداية خلاص لسوريا وأهلها؟ يبقى السؤال مفتوحا.

تلفزيون سوريا

——————————

عن إدارة التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران/ محمود علوش

كان مقرّراً أن يزور وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أنقرة في السادس من شهر يونيو/ حزيران الجاري، لكنّ الزيارة لم تحصل، ولم يصدر أي تعليق رسمي من البلدين بخصوص أسباب إلغائها أو تأجيلها. لكنّ وسائل إعلام إيرانية نقلت عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن الزيارة تأجلت بسبب عدم التنسيق بين وزيري خارجية البلدين. في حين أن إلغاء زيارة من هذا النوع أو تأجيلها يُمكن أن يكون طبيعياً عندما تكون العلاقات بين البلدين طبيعية بالفعل، لكنّ الواقع لا يُشير إلى ذلك. كما أنّ التفسير الذي قدّمته وسائل إعلام إيرانية لسبب التأجيل لا يبدو مفهوماً، إذ من غير المنطقي عدم وجود تنسيق بين وزيري الخارجية بشأن زيارة مهمة من هذا النوع، في ظلّ كثرة القضايا الحسّاسة التي تتصدّر علاقات البلدين في الوقت الراهن، من الخلاف بشأن السدود إلى الوضع في سورية والعراق والتحولات الكبيرة التي يشهدها الوضع الإقليمي، والتي تؤثر مباشرة على العلاقات.

وكان عبد اللهيان قد انتقد الشهر الماضي (مايو/ أيار) بشدة بناء تركيا سدوداً على الأنهار الحدودية بين البلدين، في ظلّ تضاؤل الموارد المائية والتغيرات المناخية، وحمّلها مسؤولية العواصف الترابية التي تعرّضت لها إيران والعراق بسبب بناء السدود، الأمر الذي رفضته وزارة الخارجية التركية، واعتبرت أنّه “يفتقد لأي أساس علمي”. في ظل أنّ الخلافات بشأن السدود والموارد المائية بين البلدين ليست جديدة، إلّا أن ظهورها مجدّداً في الوقت الذي تبرز فيها خلافات بشأن مسائل إقليمية عديدة يُعطي هذه الخلافات بُعداً أكبر. في الأسابيع القليلة الماضية، أعربت طهران عن معارضتها بشدة خطط تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب (الكردية) في سورية. كما انتقدت مجدّداً العمليات العسكرية التركية أخيراً ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، بذريعة أنها تنتهك السيادة العراقية. كانت التوترات بين البلدين قد ظهرت إلى العلن بشكل أكبر في أعقاب الحرب الأذربيجانية الأرمينية في إقليم ناغورني قره باخ قبل عامين.

رغم أن تركيا وإيران قوتان إقليميتان، تتنافسان، منذ فترة، على النفوذ في دول كثيرة مجاورة التي تعتبرانها حديقة خلفية لهما، إلاّ أن هذا التنافس ظل تحت السيطرة، ولم يتحوّل إلى أزمة في العلاقات. لكنّ الاندفاعة التركية الجديدة في الحرب على حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري الوحدات الكردية إلى جانب الانعطافة الإقليمية في علاقات تركيا أخيرا، أثارت تساؤلات بشأن مستقبل التعايش التركي الإيراني. أدّى انفتاح تركيا على السعودية والإمارات وإسرائيل إلى إثارة هواجس طهران من انخراط أنقرة في تكتل إقليمي جديد لمواجهة نفوذها في المنطقة. يعتقد الإيرانيون أنّ العلاقات الجديدة بين تركيا وكلّ من إسرائيل وخصومها الخليجيين سيحدّ من قدرتها الإقليمية. يُخطّط الخليجيون الآن إلى رفع مستوى العلاقات الجديدة الناشئة مع تركيا إلى تعاون دفاعي، وأبدت الإمارات رغبتها في شراء الأسلحة من تركيا. كما ورد أن السعودية ترغب باقتناء طائرات مسيّرة تركية لاستخدامها ضد الحوثيين في اليمن.

على صعيدٍ مواز، تنظر إيران بقلق عميق إلى عمل تركيا على إصلاح علاقاتها مع إسرائيل. في فبراير/ شباط الماضي، وبينما كانت أنقرة وتل أبيب قد بدأتا مفاوضات لإصلاح العلاقات، أحبطت وكالة المخابرات الوطنية التركية عملية إيرانية مزعومة لاغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي التركي، يائير جيلير، في تركيا رداً على اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة. وذكرت صحف إسرائيلية أن العملية الأمنية التركية جرت بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية. كانت تركيا قد أعلنت، بالفعل، اعتقال شبكة تجسّس إيرانية مزعومة لاختطاف معارضين إيرانيين يعيشون على أراضيها. وعلى الرغم من أن اعتقال مثل هذه الشبكات أمر اعتيادي، إلاّ أن الإعلان التركي عنها يُفهم على أنّه مؤشّر على توتر في العلاقات. سبق لوزير الداخلية التركي أن اتهم إيران العام الماضي برعاية مقاتلين من حزب العمال الكردستاني على أراضيها، بعدما تبادل البلدان استدعاء السفراء على خلفية مطالبة السفير الإيراني في بغداد تركيا بسحب قواتها من العراق.

الخلافات وراء التنافس التركي الإيراني تشمل مناطق عديدة، ففي العراق، أدّى موقف إيران المعارض العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني وتحالف مليشيات الحشد الشعبي مع التنظيم في سنجار إلى تأزيم العلاقات. أخيراً، تعرّضت قاعدة زليكان العسكرية التركية في مدينة الموصل لقصف صاروخي، ويُعتقد أنّ جماعات موالية لإيران وراء هذا القصف، بالنظر إلى وجودها بالقرب من القاعدة. لطالما كان شمال العراق ساحة صراع على النفوذ بين تركيا وإيران، على الرغم من أنّ الهاجس المشترك تجاه الجماعات الكردية المسلحة. لكنّ طهران لعبت على التناقضات في هذه المسألة، وبنت علاقات مع “العمال الكردستاني” لعرقلة تحرّك تركيا. وفي سورية، يقف البلدان على طرفي نقيض منذ اندلاع الصراع. وفي الوقت الراهن، تُهدّد خطط تركيا بشن هجوم جديد ضد الوحدات الكردية بمزيد من التوتر بينهما. علاوة على ذلك، قد تؤدّي مساعي إيران إلى زيادة تأثيرها في سورية مع التقارير عن تقليص روسيا وجودها العسكري للتركيز على حرب أوكرانيا إلى توتر إضافي مع تركيا. تعمل المليشيات المدعومة من إيران والنظام السوري على حشد قواتها في شمال غرب البلاد، لردع أي هجوم تركي جديد في المنطقة. ويبدو احتمال الصدام وارداً، حيث سبق أن انخرط الجانبان، بالفعل، في مواجهة دموية في إدلب قبل عامين.

على مدى العقود الماضية، كانت العلاقات التركية الإيرانية مستقرّة على نحو مقبول، رغم بعض الهزّات التي تعرّضت لها، بين الفينة والأخرى، بفعل انخراط البلدين في بعض صراعات المنطقة وتبنّيهما مواقف متناقضة إزاء الصراع الأذربيجاني الأرميني. لكن قدرة البلدين على مواصلة إدارة هذه العلاقات بشكل مستقر تتقلص بفعل التحولات الإقليمية، ورغبة كل من أنقرة وطهران باستغلال الفراغ الناجم عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة لتعزيز دورهما الإقليمي، فضلا عن اتجاه أنقرة إلى بناء شراكات استراتيجية مع خصوم إقليميين لإيران، كإسرائيل ودول خليجية. بالنسبة لأنقرة، سعت إلى عزل التحوّلات في سياساتها الإقليمية عن العلاقة مع إيران. لكنّ الشراكات الجديدة التي تبنيها في الإقليم، تجعلها، في نهاية المطاف، طرفاً في تكتل إقليمي جديد يظهر وأحد أهدافه الرئيسية مواجهة النفوذ الإيراني. على غرار دول الإقليم الأخرى، تضرّرت تركيا بشدة من الدور الإقليمي الإيراني، ولديها هواجس كذلك من امتلاك دولة جارة لها سلاحاً نووياً.

رغم كلّ هذه الهواجس والتضارب في المصالح، سعت أنقرة، على مدى السنوات الماضية، إلى تبنّي نهج عقلاني في العلاقة مع طهران، بالنظر إلى الجغرافيا التي تفرض عليهما التعايش في ظل هذه التناقضات في السياسات والمصالح الإقليمية. عارضت تركيا على الدوام العقوبات الأميركية على إيران، وحذّرت من أنّ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وندّدت باغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في بغداد. كما تُبدي حالياً دعماً للمفاوضات الإيرانية الغربية لإعادة إحياء الاتفاق النووي. يبدو ذلك مفهوماً بالنظر إلى الروابط الاقتصادية العميقة التي تجمع تركيا مع إيران، ومخاوف أنقرة من أن يؤدي فشل المفاوضات إلى إطلاق سباق تسلح في المنطقة. لكنّ حقيقة أنّ لكلٍّ من تركيا وإيران مشروعين إقليميين متناقضين تجعل من مهمة إدارة التنافس بينهما عملية صعبة ومعقّدة، وتتطلب جهداً مشتركاً لإنجاحها. في الواقع، لدى قادة البلدين الرغبة في مواصلة ذلك، ولا يبدو أنّ هذه الرغبة ستتراجع، بالنظر إلى الحاجة إليها. مع ذلك، الشكوك المتبادلة في نظرة الطرفين لدورهما الإقليمي، إلى جانب المشهد الإقليمي المتغير، يزيدان من الضغوط على أنقرة وطهران، للإبقاء على وتيرة الخلافات بينهما ضمن المستوى المعقول.

العربي الجديد

—————————-

كلمة السر بين تل رفعت وأوديسا/ عمر قدور

لم تبدأ العملية العسكرية التركية المرتقبة في الأسبوع الماضي، إلا أن التأكيدات على حدوثها في الأسبوع الذي يليه لا تقل عما سبق. ساعة الصفر قد تُعلن في أية لحظة، والاستعدادات العسكرية مكتملة حسب ما تشير إليه كافة التقارير الواردة من أنقرة، أو من مصادر في “الجيش الوطني” المدعوم منها. الوجهة الأولى للهجوم هي تل رفعت، وكان الرئيس التركي قد أشار إليها تحديداً، هي ومنبج التي ربما لم تُبرم بعدُ مع واشنطن التفاهمات النهائية الخاصة بها.

يُفترض أن يكون تصريح أردوغان قد أتى بناء على معطيات تسمح به، بمعنى تلقيه موافقة غير معلنة من واشنطن وموسكو، إذ من المستبعد أن يورط نفسه في تعهد لا يستطيع الوفاء به، خاصة وهو في مستهل سنة انتخابية استهلها مبكراً بإعلان ترشحه. في هذه الأجواء، زار وزير الخارجية الروسي أنقرة، وأبدى في مؤتمر صحفي عقب المحادثات مع نظيره التركي تفهماً لمخاوف أنقرة الأمنية، مع أنه لم يعلن موافقة بلاده على عزم أنقرة التحرك عسكرياً، وبالطبع لم يكن ذلك منتظراً منه في مؤتمر صحافي. للمصادفة، قبل يومين أبدى الأمين العام لحلف الناتو تفهماً مماثلاً لمخاوف تركيا من “الإرهاب”.

تركزت محادثات لافروف على ملفين، أولهما محاولة إعادة تصدير الحبوب عبر ميناء أوديسا، بضمانة من أنقرة التي تلعب دور الوسيط بين موسكو وكييف. الملف الثاني غير المعلن هو نية تركيا التحرك عسكرياً للسيطرة على تل رفعت، ومن المرجح حسب التصريحات القادمة من أنقرة، ومن قادة “الجيش الوطني” التابع لها، أن النقاش في هذا الملف كان مصيره أفضل من ملف تصدير الحبوب عبر أوديسا.

كأن فتح ميناء أوديسا مطلب لموسكو أكثر مما هو لأصحابه، بموجب ما ينطوي عليه من نزع الألغام البحرية التي تساعد في حماية المدينة من الهجوم الروسي. لكن مفاوضات أنقرة لم تربط بين الملفين على قاعدة أوديسا مقابل تل رفعت، وإن كان ما يربط بينهما باقياً، فالخدمة التي لم يقدّمها أردوغان لبوتين في أوديسا لا تزال مطلوبة ومنتظرة منه.

بتصويبه على تل رفعت ومنبج، يريد أردوغان قبض ثمن من موسكو وواشنطن، وهذا للوهلة الأولى يبدو شبه مستحيل، لأن العداء بينهما في الأوج كما لم يحدث منذ انتهاء الحرب الباردة، ويصعب تصور مقايضة ممكنة مع كليهما. من المتوقع على نحو واضح جداً وحاسم أن تطالب واشنطن بتغيير موقف أنقرة الرافض لانضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، وأن تشترط موسكو بقاء أنقرة على موقفها هذا لقاء التنازل لها عن تل رفعت.

لكن الأقرب إلى الواقع أن الرابط بين تل رفعت وأوديسا هو خارج تلك المقايضة المتصلة بحلف الناتو، ورغم الأدلة التي قدّمتها موسكو على أن وعودها ليست محل ثقة فقد يكون سعيها إلى فتح موانئ أوديسا صادقاً، أقله لأنها تريد فتح حركة الملاحة في البحر الأسود، مع مكسب معنوي ثانوي متصل بإبداء حسن النية إزاء البلدان المستوردة للقمح. إن صفقة تتضمن تصدير الحبوب من أوكرانيا لا بد أن تمنح الميزات ذاتها لروسيا، ومع أن الثانية ليست محاصرة عسكرياً أو تحت القصف إلا أنها محاصرة مالياً بحيث يصعب عليها إيجاد مشترين للحبوب الروسية.

أثبت الأوروبيون استعدادهم للتخلي سريعاً عن إمدادات النفط والغاز الروسيين، وهذا ما لم يكن في حسبان بوتين، وهو ما سيقرّب أزمة الاقتصاد الروسي الذي امتص صدمة الرزمة الأولى للعقوبات بفضل ارتفاع أسعار النفط. بمعنى أن موسكو باتت بحاجة أكبر إلى تصدير منتجات غير النفط مطلوبة من زبائن خارج الدول التي فرضت عليها العقوبات، وما يجب أن يلفت الانتباه الصمت الغربي الذي تضمن الموافقة على الوساطة التركية التي لن تتوقف عند صادرات أوكرانيا من أوديسا، وأكثر منه إعلان باريس عن استعدادها لدعم الفكرة التي أعاقها حتى الآن الرفض الأوكراني.

جدير بالتذكير أن أنقرة، من بين حكومات الناتو، لم تشارك في العقوبات على موسكو. ويجدر الانتباه إلى أن العقوبات على موسكو بمثابة فرصة لأنقرة كي تستفيد منها على الصعيد الاقتصادي، لا فقط السياسي أو العسكري، وبقدر ما هي الآن وفي المدى المنظور حاجة لموسكو بقدر ما يبدو ذلك مقبولاً أيضاً من واشنطن وحكومات الناتو والاتحاد الأوروبي التي لم تنتقد تخلف أنقرة عن المشاركة في العقوبات! من الاحتمالات التي لا ينبغي إهمالها أن تكون تركيا واحدة من سبل التفاف موسكو على العقوبات الغربية، وهذا قد يطول ما دامت حرب الاستنزاف الأوكرانية مستمرة.

إن مجمل المصالح المتبادلة بين أنقرة وموسكو المعاقَبة غربياً أهم للكرملين من مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، لذا لن تعيق الموافقة التركية على انضمامهما “عندما تحدث” شبكةَ المصالح الواسعة والمعقدة تلك. ومن المرجح أن تكون موسكو مستسلمة لفكرة انضمام الجارتين إلى الناتو، على الأقل في الوقت الحالي الذي تتعثر فيه من أجل قضم أراض أوكرانية كافية للإعلان عن تحقيق نصر يبرر الخسائر الفادحة.

في الجهة المقابلة، من الملاحظ أن تعزيزات قوات الأسد أتت بالتنسيق مع طهران وميليشياتها، وذلك يتضمن الفرقة الرابعة المقرَّبة من طهران. هذه التعزيزات قد تصعّب من مهمة الجيش التركي وفصائل المعارضة التي تعمل تحت تغطيته، إلا أنها لن تمنع أنقرة من الوصول إلى هدفها الذي أخذت الموافقة عليه. الحشد العسكري المضاد للهجوم التركي هو واجهة لاعتراض إيراني على تمدد المنافس الإقليمي التركي، بينما تتوالى الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا بموافقة روسية. إن مقاومةً إيرانيةً تتخطى المناورة والمساومة لن تكون اختباراً لأردوغان، بل ستكون اختباراً لنفوذ بوتين في سوريا!

قد لا تضيف الممانعة الإيرانية جديداً نوعياً، فمن طبيعة كافة التفاهمات التي أُبرمت في سوريا أن تنفيذها أتى بعد جولات من العنف الشديد. أما تصريحات بشار الأسد عن مقاومة الاحتلال التركي فهي من ناحية الشكل مشابهة لتصريحات صادرة عن الإدارة الذاتية تنادي بالتصدي المشترك مع الأسد للقوات المهاجمة، ومن حيث المضمون فإن ترجمة تصريحات الأسد هي المطالبة بحصة من مواقع قسد مقابل ما ستأخذه أنقرة. مرة أخرى، ستحجب المعركة المقبلة واقع أن قسد تدفع الثمن مضاعفاً، للطرف المهاجم، وللطرف الذي استنجدت به وخذلها.

المدن

——————————

المنطقة الآمنة في الاستراتيجية التركية تجاه سوريا وسيناريوهاتها المستقبلية

تعتبر تركيا أحد الفاعلين الإقليميين الرئيسيين في سورية منذ العام 2011، لما تحمله القضية السورية من تداعيات مباشرة على تركيا؛ سياسية، واقتصادية، وأمنية، ويوصف الدور التركي في القضية السورية بالدور النشط، وقد استخدمت تركيا في سوريا جملة من الأدوات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وحتى والعسكرية الغير مباشرة من خلال تقديم الدعم العسكري لفصائل المعارضة في سورية، كما استخدمت أداة التدخل العسكري المباشر من خلال العمليات العسكرية درع الفرات 2016، وغصن الزيتون 2018، ونبع السلام 2019، ودرع الربيع 2020، وكان من أبرز أهداف هذه العمليات، وخاصة عملية نبع السلام، هو إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا باعتبار أن هذه المنطقة استجابة استراتيجية لعدة اعتبارات جغرافية وسياسية وأمنية تراها تركيا ضرورية في سوريا، ورغم النجاح العسكري التركي من خلال عملياتها آنفة الذكر في سوريا، إلا أن ذلك لم ينعكس لجهة تمكن تركيا من إقامة المنطقة الآمنة حسب تصوراتها في سوريا، وهو ما يفتح الباب في المستقبل على احتمالية تحركات تركية جديدة، وهو ما تسعى هذه الورقة لاستشرافه.

انقر هنا لإكمال قراءة الدراسة

https://nmaresearch.com/wp-content/uploads/2022/06/Untitled-221-copy.pdf

——————————–

عن الأهداف والضرورات التركية لشن عملية عسكرية شمال سوريا/ فراس علاوي

ترتكز الاستراتيجية التركية في سوريا منذ تدخلها، على نقاط أساسية تعد المحرك الأساس للسياسات التركية، وأهم هذه النقاط:

-الأمن القومي التركي: الصراع التركي مع الأحزاب الكردية الانفصالية قديم ومتجدد، خاصة حزب العمال الكردستاني الذي يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، لذلك كانت الثورة السورية فرصة لزيادة التدخل التركي من جهة والسيطرة على إحدى الجبهات التي من الممكن أن تستخدم ضدها من الأراضي السورية.

-منع قيام كانتون كردي: وقد سعت “قسد” بدعم من الأحزاب الانفصالية لإقامته، وبالتالي قيام شبه دويلة في خاصرة تركيا الجنوبية، تهدد العمق التركي وتكون منطلقاً لتهديدات محلية وإقليمية ودولية لتركيا.

-إقامة نطاق حماية داخل الأراضي السورية، ولعمق معين يرغب الأتراك بأن يكون حتى 30 كم داخل الأراضي السورية، وهو تطوير لاتفاق أضنة 20 أكتوبر 1998‪بين الحكومة التركية والحكومة السورية آنذاك، الذي سمح للأتراك بالتوغل وملاحقة المطلوبين لعمقٍ معين، ولها عدة ملاحق أمنية وأخرى تتعلق بتشاطِئ نهر الفرات وحصص المياه.

-منع قيام موجات جديدة من الهجرات إلى تركيا، وبالتالي تخفيف الضغط على الداخل التركي.

-أن يكون لتركيا دورٌ مستقبلي في إعادة إعمار سوريا من جهة، وكذلك في العملية السياسية السورية المستقبلية من جهة أخرى، وبالتالي تصبح سوريا ورقة ضغطٍ إقليميٍّ بيد تركيا.

يبدو أنَّ تركيا نجحت نوعاً ما في تحقيق كثير من أهدافها الاستراتيجية التي وضعتها من خلال تدخلها في سوريا؛ أول هذه المكاسب عودة تركيا كلاعب إقليمي سياسي وعسكري له الأولوية في أي حلول مستقبلية في المنطقة، وبالتالي التحول من سياسة “صفر مشاكل” التي عمل عليها حزب العدالة والتنمية سابقاً إلى دور فاعل وقيادي في المنطقة، ولا يخفى على أحد أهمية المنطقة بما يتعلق بالسياسة الدولية ولعبة الأمم فيها، إذ تعتبر المنطقة أحد ميادين الصراع الدولي للسيطرة على العالم، وأي بلد يمتلك أوراق قوة فيها يعتبر لاعباً مهماً فيها.

-تمتلك تركيا أوراقاً مهمة تستطيع من خلال استخدامها تحقيق ما تريد، سواء على الأرض من الناحية العسكرية أو في ميدان السياسة.

إذ تسيطر تركيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، على قرار الفصائل المعارضة في الشمال، وتستخدمها كورقة ضغط على القوى المتداخلة في المنطقة، خاصة القوى المدعومة من الولايات المتحدة شريكتها في حلف الناتو، والمقصود هنا “قسد” بتشكيلاتها السياسية والعسكرية.

كذلك تسيطر تركيا على القرار السياسي للمعارضة السورية، وهي ورقة مهمة في إدارة الصراع السياسي في سوريا والبحث عن مخرج في ظل الاستعصاء الحاصل بسبب التعنت الروسي والتداخل الدولي المتشابك.

كذلك تعتبر ورقة اللاجئين السوريين، وخشية أوربا من تكرار موجة لجوء عام 2014-2015، ورقة مهمة بيد الحكومة التركية.

ولعلَّ الورقة الأهم التي تملكها تركيا تتضح في علاقاتها المتوازنة بين كلٍّ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي تستطيع موازنة مصالحها واللعب على شفير الهاوية بين البلدين، وهذا ما حصل في أكثر من مناسبة، إذ تتغير التقاربات بين تركيا وكلٍّ من روسيا والولايات المتحدة حسب توتر العلاقات.

فتوتر العلاقات الروسية التركية يقابله تقارب أمريكي تركي، والعكس صحيح، ويدرك المسؤولون الأتراك ضرورة وفائدة هذه السياسة حالياً؛ بسبب التوتر المتصاعد بين القوتين العظميين؛ لذلك يحاولون استغلال هذا التوتر وتحصيل مكاسب أكبر، قبل حدوث تغييرٍ ما قد يكون مفاجئاً يغير ويخلط أوراق اللعبة مجدداً.

التدخل العسكري التركي بُنِي على استراتيجية واضحة؛ وهي السيطرة على الأرض لعمق معين حسب تصريح الرئيس التركي أردوغان في 29 أيار الماضي، والذي قال فيه إنَّ بلاده تعتزم استكمال “الحزام الأمني” الذي تعمل على إقامته على طول حدودها مع سوريا في أسرع وقت ممكن، مشيراً إلى أنّ أنقرة لا تأخذ إذناً من أحد لمكافحة الإرهاب وستتدبر أمرها بنفسها.

محدداً بذلك طبيعة العملية العسكرية المرتقبة دون تحديد مكانها وزمانها.

العملية التي تم الإعلان عن عزم الجيش التركي القيام بها بمشاركة فصائل المعارضة، تأتي استكمالاً للعمليات السابقة التي قامت بها تركيا في سوريا، والتي كان الهدف منها السيطرة على مناطق محاذية للحدود التركية السورية ولعمق ٣٠ كم، وإبعاد خطر التنظيمات الكردية وتقطيع أوصال ما سُمِّي بمنطقة “روج آفا”، إلا أنَّ تشابك التداخل الدولي وتنوع مناطق السيطرة والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، جعل الحكومة التركية مضطرة للقيام بالعملية العسكرية على دفعات؛ فكانت عمليات درع الفرات آب ٢٠١٦ والتي استعادت بها مدينتي جرابلس والباب، وقطعت الطريق على سيطرة الأحزاب الكردية عليها بحجة طرد تنظيم “داعش”. وتعتبر هذه العملية سهلة نسبياً؛ لأنها حصلت على توافق دولي، كون الهدف هو تنظيم يعتبر معادياً لجميع القوى المتداخلة على الأرض.

العملية الثانية غصن الزيتون، والتي أعلن عنها في كانون ثاني ٢٠١٨ ، كانت تستهدف مدينة عفرين وبالتالي السيطرة عليها وإبعاد خطر “قسد” وخطورة تشكيل كانتون كردي على الحدود، إلا أنَّ هذه العملية لم تكن بالسهولة السابقة ذاتها؛ إذ شهدت فيتو أمريكي منع القوات التركية حينها من السيطرة على منبج.

شهدت المرحلة اللاحقة تعنتاً أمريكياً استمر لعدة أشهر، حتى أطلق الأتراك عملية نبع السلام، في تشرين أول ٢٠١٩ سيطرت خلالها تركيا بالتعاون مع الفصائل المشاركة معها على مناطق واسعة من ريفي الرقة الشرقي والحسكة الشمالي، وأبرز تلك المدن تل أبيض ورأس العين وسلوك، لكن العملية توقفت قبل الوصول لعين عيسى؛ بسبب المواقف الدولية خاصة الأمريكية والأوربية وما سمي حينها اتفاق أورفا آب ٢٠١٩.

استكمال هذه العمليات يعتبر ضرورة ملحة لتركيا، وإلا فقدت قيمتها الاستراتيجية، وهناك ثلاث مناطق هامة لاستكمال هذا النطاق الأمني، وتعتبر الأهدافَ المقترحة للعملية، وهي “عين عيسى” التي تمتاز بأهمية استراتيجية لربطها مناطق شرق وغرب سيطرة قسد ببعضها البعض وبالتالي السيطرة عليها، وهي المرجحة كونها ستنهي أي تواصل جغرافي وعسكري لمناطق قسد، وبالتالي تفكيكها وسقوطها عسكرياً، وهي الأهمية ذاتها لمدينة منبج وتل رفعت، والتي في حال السيطرة عليها ستخدم سياسة الحكومة التركية في إعادة اللاجئين للمناطق التي تتم السيطرة عليها، وبالتالي سحب ورقتهم من المعارضة التركية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية.

كلما توسعت العملية التركية تجد عوائق جديدة في طريقها؛ بسبب تداخل وتنوع السيطرة في تلك المناطق، وبالتالي فإنَّ العملية المزمع إطلاقها ستواجه المعوقات ذاتها مع ملاحظة أن الظرف الدولي قد يدعم القرار التركي بالعملية، إلا أنه في الوقت ذاته لن يسمح بأن تكون عمليةً مفتوحة وغير محددة، وهو ما تفهمه الحكومة التركية وترغب بالإسراع بتنفيذه من أجل الاستفادة من هذه المتغيرات المتعلقة بشكل مباشر بالحرب الروسية الأوكرانية وموقف الغرب والأمريكان منها.

التعويل على الانسحاب الروسي خطأ استراتيجي قد تقع به القوى المتداخلة، وهو ما أعلنه الروس بنشر منظومات دفاع جوي من نوع “بانتسير” في القامشلي، في رسالة مزدوجة للأمريكان والأتراك.

كذلك التصريحات الأمريكية التي لم ترحب ولم ترفض العملية التركية.

في ظل هذه المتغيرات، تبدو العملية التركية أمراً واقعاً، لكنها تشبه إلى حدٍّ ما مشرط الجراح الذي يخشى أي خطأ قد يودي بالعملية؛ ما يجعلها عملية سريعة ودقيقة وبأهداف محددة ومحكومة بالاتفاقات الروسية التركية كاتفاق 5 آذار ٢٠٢٠ او اتفاق أورفا آب ٢٠١٩ بين الأتراك والأمريكان.

ولعلَّ النتيجة الأهم لهذه العملية التي ستخلط الأوراق مجدداً، ستكون في إقامة منطقة أمنية تركية من جهة وبقعة جغرافية تُدار من قبل الفصائل والحكومة المؤقتة ومجالسها المحلية، بانتظار الحل النهائي الذي سينتج عن توافقات دولية وإقليمية قد تتفق بجزءٍ منها مع رغبات وآمال السوريين.

الطريق

——————————-

رئيسة وزراء السويد التي تسعى لتصحيح خطأ عمره 200 سنة/ إبراهيم الجبين

حرب مستعرة

من قبل أن تكون هناك أيّ ضغوط سياسية خارجية، انسحبت رئيسة وزراء السويد ماغدالينا أندرسن من موقعها في أول معركة داخلية، حين أعلنت استقالتها من منصبها بعد سبع ساعات فقط من تكليفها، متسبّبة بحالة من الارتباك أطلق عليها حينها “عدم اليقين السياسي“.

حالة عدم اليقين السياسي هذه تعيشها أندرسن بنفسها هذه المرة، وهي تخوض معركة ثانية، نيابة عن أطراف عديدة؛ معركة الانضمام إلى خلف الناتو التي تبدو حتى الآن عصية عليها.

وإذ تتصدّر جيش السويد الدبلوماسي، تصرّ أندرسن على أن طلب ستوكهولم الانضمام إلى مظلة الناتو، ليس موجّهاً ضد روسيا، بعد أن رأت هي وجارتها فنلندا مصير أوكرانيا التي تتعرّض للغزو منذ فبراير من العام الحالي، ومن جهة ثانية تقول إن بلادها حريصة على حل جميع القضايا التي يمكن أن تعرقل ذلك. ويتطلب قبول عضوية الناتو موافقة بالإجماع من كافة الدول الثلاثين الأعضاء فيه، لاسيما تركيا، الدولة التي اعترضت حتى الآن وبشدة على ضم السويد إلى الحلف، بسبب دعمها لحزب العمال الكردستاني الذي يدرجه الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة على قوائم الإرهاب.

تقول أندرسن إن هناك منظمة كردية واحدة فقط، مدرجة على قوائم الإرهاب في السويد هي تنظيم ”بي كي كي“، ومع أن الدعم العسكري والسياسي السويدي للحزب الانفصالي الكردي لم يعد سرّاً، إلا أن أندرسن تصرّ على مواصلة المباحثات التي انطلقت مؤخراً، حيث يقوم وفد سويدي – فنلندي من كبار الدبلوماسيين والمسؤولين بالتباحث وعلى جولات في أنقرة حول مطالب تركيا من البلدين قبل قمة الناتو نهاية يونيو الجاري.

وتركيا سلّمت قائمة من خمسة مطالب على رأسها ضرورة توقف السويد عن تقديم الدعم السياسي لما تعتبره إرهاباً، وتجفيف الموارد المالية له، ووقف تقديم الأسلحة لـ”بي كي كي” ونسخته السورية حزب الاتحاد الديمقراطي، وإلغاء القيود والعقوبات التي تفرضها السويد على تركيا، والتعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، والضغط على حلفاء السويد لرفع الغطاء عن ”بي كي كي“ وفروعه. ولهذا يكرّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أن بلادهما تريد الحصول على ضمانات خطية من السويد بشأن “توقفها عن دعم الإرهابيين” قبل الموافقة على انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي.

أبعد من ستوكهولم

تركيا ترغب باستثمار موافقتها على انضمام السويد إلى الناتو للحصول على تنازلات أبعد مما في متناول أندرسن

يبدو الأمر صعباً على أندرسن، فالسويد تنفي حتى هذه اللحظة أيّ دعم أو تنسيق أو رعاية منها لـ“بي كي كي“ أو أيّ منظمة فرعية تابعة له، سواء كانت تركية أو سورية، لكن الأتراك في المفاوضات أبرزوا لنظرائهم السويديين قوائم ضمّت صوراً وأرقاماً للأسلحة السويدية التي تم ضبطها بحوزة حزب العمال الكرستاني  في تركيا وفي شمال العراق ولدى ميليشيات ”قسد“ في سوريا،  قبل أن يجري تسريبها إلى وسائل الإعلام التركية التي عرضت صوراً لمضادات دبابات من طراز ”أي تي 4“ سويدية الصنع، كانت قد استولت تركيا عليها خلال عملياتها العسكرية ضد ”بي كي كي ” بين العامين 2017 – 2021.

حتى وزيرة خارجيتها، آن لينده، مضت تؤكد بالتوازي مع نفي أندرسن أن السويد لا تدعم الإرهابيين، وانتقدت ما اعتبرته تضليلاً يستهدف موقف السويد القطعي الرافض لحزب العمال الكرستاني.

أندرسن التي ولدت في أوبسالا عام 1967 والخبيرة الاقتصادية ابنة جامعة هارفادر تعاني ليس فقط من سياسة تم زج بلادها فيها على يد لاعبين أقوياء في الناتو، بل أيضاً من شرخ داخل الحلف نفسه، فأمين عام الناتو يانس شتولتنبرغ الذي وقف إلى جوارها زاد الطين بلة حين قال إن المخاوف الأمنية التي أثارتها تركيا في معارضتها لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو ”مشروعة“.

ستولتنبرغ أشار في مؤتمر صحافي مشترك الأحد الماضي مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستو في نانتالي بفنلندا إلى أن تركيا كانت حليفًا رئيسيًا في الناتو بسبب موقعها الاستراتيجي على البحر الأسود بين أوروبا والشرق الأوسط، منوّهاً بالدعم الذي قدمته أنقرة لأوكرانيا منذ الغزو الروسي لها. وأضاف “علينا أن نتذكر ونفهم أنه لم يتعرّض أيّ من حلفاء الناتو لهجمات إرهابية أكثر من تركيا”.

وتريد أنقرة من أندرسن رفع القيود المفروضة على صادرات الأسلحة إلى تركيا منذ عام 2019 عقب العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، إضافة إلى تسليم أنقرة أعضاء مطلوبين لتركيا منخرطين في تنظيمات معارضة كجماعة فتح الله غولن وحزب العمل الكردستاني، وكانت أنقرة قد طالبت السويد وفنلندا بتسلم 21 مشتبهاً بصلتهم بالإرهاب وقوبل طلبها برفض تسليم معظم هؤلاء. أكثر من ذلك فإن تركيا ترغب باستثمار فرصة الحاجة إلى موافقتها على انضمام السويد إلى الناتو للحصول على تنازلات أبعد مما في متناول أندرسن.

خطأ القرنين

أندرسن تعتقد أن عليها “التكيّف مع الواقع” واتخاذ القرارات الملائمة وفقاً للمناخ الدولي الحالي

زعيمة الحزب الاجتماعي الديمقراطي هي أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في السويد على الرغم من أن هذا البلد يعتبر من البلدان التي لا تمييز فيها بين الجنسين، وقد أتت بعد فترة من الاضطراب السياسي، والحكومات الضعيفة التي افتقدت إلى الأغلبية البرلمانية الكافية للحكم، فنشأت تحالفات وائتلافات سرعان ما انهارت حين تم سحب الثقة من سلفها ستيفان لوفين.

ما يحدث على الساحة السياسية في السويد وحده كفيل بقض مضجع أندرسن وإقلاق نومها، فالعملاق الأسكندنافي يواجه تيارات سياسية نازية لكن بعد أن استقبلت البلاد واحدة من أكبر موجات اللجوء الإنساني والسياسي إليها بين جاراتها الأوروبية، ما خلق حالة من الاستقطاب الحاد الذي عززته تلك التيارات والأحزاب الشعبوية.

روسيا تقول على لسان رئيسها فلاديمير بوتين إنه يتعين على الغرب “ألا تكون لديه أي أوهام” عن أن موسكو قد تغض الطرف ببساطة عن انضمام السويد إلى الناتو

احتفل السويديون بوصولها إلى المنصب، وقالت الصحافة إن قرناً كاملاً قد مرّ بعد نيل المرأة السويدية الحق بالتصويت توّج أخيراً بهذا الحدث. تقول أندرسن ”نحن الاشتراكيين الديمقراطيين نعتبر أن الأفضل للسويد وأمن الشعب السويدي هو أن ننضم إلى حلف شمال الأطلسي. هذا قرار اتخذناه بعد دراسة متأنية للغاية“.

وهي ترى أن ستوكهولم في حاجة إلى الضمانات الأمنية الرسمية التي يمكن أن تؤمّنها عضوية الناتو، غير أنها تشير إلى ما لم يسبقها إليه أحد من سياسيي السويد، في انتقاد عميق للنهج العام السابق، إذ ترى أن قرارها بالانضمام إلى الناتو ”يعكس موقفا اتخذته البلاد منذ 200 عام، تاركة خطا سياسيا من السياسات الأمنية التي كانت لدينا بأشكال وأشكال مختلفة، وبالنسبة إلينا نحن الاشتراكيين الديمقراطيين، خدمتنا سياسة عدم التحالف العسكري بشكل جيد، لكن تحليلنا يظهر أنها لن تخدمنا أيضا في المستقبل. هذا ليس قرارا اتخذناه باستخفاف“.

تعتقد أندرسن أن عليها ”التكيّف مع الواقع“ واتخاذ القرارات الملائمة وفقاً للمناخ الدولي الحالي، وهي لا تخفي صراحتها حول أن هناك مرحلة ما قبل الرابع والعشرين من فبراير 2022 وما بعدها. فأوروبا والسويد تعيشان في واقع جديد وخطير، والنظام الأمني الأوروبي الذي استندت إليه السويد في سياساتها الأمنية لعدة قرون ”يتعرض الآن للهجوم“، على حد وصف أندرسن.

ترمي أندرسن إلى سياسة كانت المملكة البعيدة عن صراعات العالم قد اتخذتها خلال العهود الماضية، قضت بعدم الانحياز وعدم التدخل في النزاعات الدولية، لكن هل استطاعت السويد فعلاً المحافظة على حيادها ذاك بالطريقة التي كان تعلن فيه الحياد؟

صدام بين نسقين

نظام السويد الديمقراطي يلزم حكومته بفتح أبوابها لطالبي اللجوء وكان هذا المدخل أول سيل تدفق منه عدد كبير من المعارضين السياسيين للأنظمة في العالم، ومن بينها تركيا ودول الشرق الأوسط، وغالبية المعارضين الأتراك الذي فروا إلى السويد يتحدرون من أصول كردية وعلى علاقة تنظيمية وثيقة بالـ“بي كي كي“ أصبحوا من حملة الجنسية السويدية، وهم يقومون بممارسة أنشطتهم السياسية بحرية كاملة بما في ذلك تنظيم وعقد المؤتمرات وجمع التبرعات ودعم التيارات السياسية التي ينتمون إليها في بلدانهم الأم، غير أن هذا لا يؤثر كثيراً على الموقف الرسمي للحكومة، لولا أنه يتداخل مع دعم معلن تقدّمه وزارة الخارجية السويدية بإيعاز من حلفاء السويد في واشنطن وباريس وغيرها من عواصم القرار، هذا الدعم تمثل  سياسياً باحتضان العاصمة السويدية باستمرار لمؤتمرات لما يعرف باسم مجلس سوريا الديمقراطي ”مسد“ وهو الواجهة المدنية لحزب العمال. أحدث تلك المؤتمرات كان منتصف مايو الماضي، وسبقه اجتماع آخر في أكتوبر من العام الماضي ضم منظمات كردية مع ممثلين عن حزب العمال الكردستاني وأعلن بالحرف الواحد ضرورة ”إفشال الخطط التي تحاك من الدولة التركية للنيل من إرادة الشعب الكردي“.

إضافة إلى ذلك فقد سبق لوزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست وأن عقد لقاء مع قائد ميليشيات ”قسد“ مظلوم عبدي، وحينها استدعت تركيا سفير السويد في أنقرة احتجاجاً على ذلك اللقاء وعلى زيارات رسمية متكررة للمسؤولين السويديين إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في إطار ما يعرف بالحرب على تنظيم داعش الإرهابي، وهذا التنسيق شمل مشاركة المئات من المقاتلين السويديين ضمن صفوف الميليشيا الكردية. كما التقى وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست بأعضاء من ”وحدات حماية الشعب“ الكردية التابعة لـ”بي كي كي“، ونشرت وزيرة الخارجية ليندي، في ديسمبر الماضي صورة جمعتها مع مسؤولين من ”قسد“. ومؤخراً جلب جهاز الاستخبارات التركي القيادي العسكري في تنظيم “بي كي كي” رسول أوزدمير من السويد، وهو مسؤول “حركة الشباب الثوري الوطني“ الذراع الشبابي لـ”بي كي كي“ في ولاية شرناق جنوب شرقي تركيا، وكانت مهمّة أوزدمير العمل على تجنيد مسلحين جدد في قوات ”قسد“ في سوريا.

المفاوضات التي تجري بين السويد وتركيا أنكر خلالها السويديون أيّ دعم للأكراد، بينما أبرز الأتراك لنظرائهم السويديين قوائم ضمّت صوراً وأرقاماً للأسلحة السويدية التي تم ضبطها بحوزة “بي كي كي” في تركيا وفي شمال العراق ولدى “قسد” في سوريا

وتزعم تركيا أن تنظيم ”بي كي كي“ يعتمد على خط إمداد مع السويد يؤمّن له مصادر دخل كبيرة، من خلال تجارة الأسلحة والمخدرات، وعبر مؤسسات إعلامية تروّج له.

الاضطراب السياسي السويدي في الداخل ينعكس اليوم على حاجة السويد الملحة في الانضمام إلى الناتو، وأندرسن ذاتها نتاج لذلك الاضطراب، فحين تم انتخابها وتذليل الطريق أمام رؤيتها الحكومية لاحقاً، جرى ذلك بدعم من البرلمانية السويدية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني أمينة كاكا بافيه وهي مهاجرة كردية إيرانية، وكنوع من رد الجميل كانت أولى تصريحات أندرسن بعد تولي رئاسة الحكومة قولها إنه من غير المنطقي تصنيف المقاتلين الأكراد جماعةً إرهابيةً من قِبل الجهات الحكومية، ويقول المراقبون إنها كانت تنوي رفع ”بي كي كي“ من قوائم الإرهاب.

أما روسيا فتقول على لسان رئيسها فلاديمير بوتين إنه يتعين على الغرب “ألا تكون لديه أي أوهام” عن أن موسكو قد تغض الطرف ببساطة عن انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، معتبراً أن ذلك سيكون خطأ من شأنه أن يؤجج التوتر العسكري. وقال بوتين إن توسيع البنى التحتية العسكرية في أراضي السويد وفنلندا ”سيدفعنا بالتأكيد إلى الرد“.

أندرسن قرأت تهديدات بوتين بعناية، ونقلت بثقة عن الرئيس الأميركي جو بايدن وعدهم بدعم الانضمام إلى الحلف، ولا خيار أمامها سوى الانتصار في هذه المعركة، ولكن يمكن لتركيا الاستمرار في عرقلة جهودها، وهي ليست سابقة على أيّ حال في الناتو، فاليونان أعاقت انضمام مقدونيا لعشر سنوات كاملة، محتجة على اسم مقدونيا الذي رأت فيه اليونان سطواً على تراثها، ولم توافق على انضمامها إلى الناتو إلا بعد أن غيّرت الاسم وأقرّت ذلك في دستورها.

أحدث إشارات أندرسن كانت قولها خلال اليومين الماضيين إثر لقائها مع أمين عام الناتو في مدينة هاربسوند ”نحن نأخذ بواعث القلق التركية على محمل الجد ونعمل على التعامل معها عبر الحوار، وآمل أن تسهم جهود الأمين العام للناتو في حل مشكلة رفض تركيا لانضمامنا“. شتولتنبرغ بدوره بعث برسالة تطمين إلى تركيا حين ألمح إلى إنّ هناك إشارات من جانب السويد تساعد كثيراً في مواجهة المخاوف الأمنية لدى تركيا، مضيفا قوله ”لا أعتقد أنه من المفيد أن ندخل في التفاصيل”.

فهل سيتطلب الأمر من أول رئيسة وزراء للسويد، ومن أجل أمن بلادها القومي، أن تغيّر نسقها العام، في إطار تصحيح ما اعتبرته خطأ تاريخياً، للاقتراب أكثر من نسق آخر يبدو مغايراً تماماً لما اعتادت عليه؟ وما الذي يمكن أن تتنازل عنه تركيا في معركتها لضمان أمنها أيضاً من تهديد تعتبره الأول على لائحة ما يتهدد أمنها القومي ووحدة أراضيها؟ مكاسرة يبدو العنصر الأضعف فيها هو الورقة الكردية التي عادة ما كان يرميها الخصوم جانباً حين تتقاطع مصالحهم العليا وينتهي مفعول اللعب بها.

كاتب سوري

العرب

——————————-

المعركة بدأت…إطلاق النار لم يبدأ بعد/ د.باسل معراوي

لوضع النقاط على الحروف لابد لنا من الاقرار إن المشروع الإنفصالي الذي ينادي به الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي في سورية هو جزء او مشهد من مشروع الحزب المعلن والذي يستهدف العبث بجغرافية وديمغرافية ثلات دول اخرى إضافة للدولة السورية…ولان تلك الدول لها من يدافع عنها وتتمتع بدرجات من الاستقرار وقوة السلطة المركزية وعوامل اخرى متعددة…إلا ان مشروع الحزب في سورية يعتبر هو الاخطر على مستقبل الوطن السوري هامة…حيث مازالت البلاد تعيش بخضم التداعيات التي اعقبت الثورة السورية ..حيث تتنازع  الجغرافية السورية قوى متعددة دولية وإقليمية كان للنظام السوري الدور الاكبر في استدعائها او استعدائها..

لازال الجسد السوري المريض لم يصل الى مرحلة النقاهة بعد …

تسعى امبراطورية ولاية الفقيه الى تحويل سورية للمحافظة 39 الايرانية..عبر عمليات جراحية معقدة وتمدد سرطاني خبيث تستهدف الوطن السوري ارضا وشعبا…

لايقل مشروع حزب العمال الكردستاني السوري خطورة على الوطن السوري الذي يسعى لقطع اجزاء رئيسية منه والحاقها بمشاريع خارجية

يتمتع مشروع الحزب الانفصالي بدعم دولي منقطع النظير من قوى متناقضة بل متصارعة احيانا غايتها تمزيق الوطن السوري واستهداف العمق التركي الذي يعاني من شرور المشروع ذاته..

تجازف الولايات المتحدة وغيرها من دول الناتو بتحالفها مع الدولة التركية العضو الرئيسي والفعال بالحلف في سبيل دعم تلك الشرذمة الارهابية والتي افضت بتركيا الى مد جسور لتعاون عسكري لانعرف مداه مع عدو الناتو الاول …

ومؤخرا ظهر للاضواء دعم اثنتان من دول رموز الحياد العالمي(السويد وفنلندا) لتلك الشرذمة الارهابية  .

ان خطورة مشروع الحزب على الوطن السوري بات يعلمها الجميع اما خطورته على تركيا فهو ليس كما يعتقد البعض بامتلاك اسلحة خفيفة ومتوسطة تهدد العمق التركي امنيا او عسكريا بل بعدم خلق بؤرة او امثولة او سابقة لتمزيق المجتمع التركي بتحريضها على الاقتداء بنموذج سوري يؤدي لضياع جهود قرن مضى من محاولة تركيا بناء نموذج الدولة الأمة…

لذلك ارى ان المنطقة الامنية التي ترنو لها الدولة التركية (بغض النظر عن السلطة في أنقرة) هي داخل تركيا وان المنطقة الامنة السورية التي تطالب بانشائها منذ بواكير الثورة السورية لحماية الفارين من اجرام القمع الاسدي الايراني (والروسي تاليا) ولمنع تدفق المزيد من الهاربين من الجحيم السوري الى أراضيها ..ولمنع تشكيل ولو حزب مدني يدعو الى تفتيت الدولة والمجتمع التركي ويدرٌس في مناهجه التربوية دولته المتشودة بخريطة تقتطع اكثر من ثلث الاراضي التركية.

لذلك إن قرار المواجهة مع حزب العمال الكردستاني واذرعه هو قرار استراتيحي تركي متخذ ومتوافق عليه وفي اي بقعة من العالم وليس في تركيا او جوارها العربي (كما هو حاصل الان في سورية والعراق) وتعتبر القوة  الخشنة احدى ادوات ذلك الصراع .

تواصل العمليات التركية في سورية والعراق ضد الBKK

لاتدخر جهدا القيادة التركية في شن عمليات عسكرية خارج اراضيها ضد اذرع الحزب الارهابي فقد تمكنت من نقل الصراع الدامي (والذي كلف الطرفان عشرات آلاف الضحايا) الى خارج الاراضي التركية الى جبال قنديل اولا ثم الى سورية عندما حاول النظام السوري تصدير ارهاب الحزب الى تركية انتقاما منها على دعم قوى الثورة السورية واحتضان الفارين منهم الى داخل اراضيها

من ضمن عمليات تركية الاربعة في سورية كانت الثانية والثالثة منها لاجهاض المشروع الانفصالي وتمكنت من كبح جماح تمدده الى البحر المتوسط…ولن تفرٌط أنقرة في عملية خامسة وسادسة وسابعة الى ان ينتهي ذلك المشروع في سورية والعراق والذي تدعمه كل الدول التي تخشى صعود مارد عثماني بعد انتهاء اغلال لوزان في العام القادم..

مايهمنا نحن السوريون بالدرجة الاولى هو ان كل منطقة يتم طرد ارهاب الحزب الانفصالي منها بمساعدة الجيش التركي يعود لها سكانها الاصليون الذين طردهم منها الحزب تحت حجج واهية اهمها اجتثاث داعش والتي هي عنوان لاستئصال العرب السوريين في استنساخ فج لتجربة الميليشيا الطائفية في العراق بحربها على العرب السنة واقتلاعهم من اراضيهم تحت عناوين إجتثاث البعث وداعش والارهاب.الخ

لم تتوفر لانقرة ظروفا مثالية كما هي متوفرة بعد التورط الروسي الامريكي بالحرب بالوكالة في اوكرانيا وهي معركة صفربة لاتقبل انصاف الحلول لان الحلف الغربي وروسيا لديهم الامكانات للاستمرار طويلا بها..لانها معركة على إنزال الولايات المتحدة من عرشها

معروف عن الادارة التركية مرونتها وابراغميتها بتحقيق مصالحها واقتناص اشباه الفرص وقد قدمت لها الحرب في اوكرانيا فرصة ذهبية لذلك لتنافس الدولتان المتصارعتان على كسبها الى جانبه..

كانت المقاربة الروسية لاحتمالية شن انقرة عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري يمكن اطلاق عليها الغموض البنٌاء اتجاه انقرة وكانت الاضواء الخضراء تطل براسها من بين تصريحات لافروف او الاعلان التركي عن اتصال هاتفي هام جرى بين الرئيسين الروسي والتركي وعدم تعقيب او توضيح او تحفظ من الكرملين على مااوردته انقرة عن مضمون المحادثة ..

ان تغير موازين القوى الذي كان احد ارتدادات انغماس الجبارين بصراع ضروس يتوجب فيه على الروس ان يدفعوا للاتراك في سورية مقابل ان يقبضوا منهم خارجها   ..ولا اظن ان الدوريات الجوية او نقل بعض القوات الروسية وانتشارها ببعض اماكن العمليات المفترضة ليست موجهة للاتراك بل للنظام وحلفائه الايرانيبن بعدم العبث باي تفاهم تجربه موسكو وانقرة لان تلك التفاهمات تصب في صميم الامن القومي الروسي والمصالح العليا الروسية ولايجوز التشويش على اي اتفاق تم..وما على قوات النظام والميليشيا ذات التابعية الايرانية الالتزام بها .

المماحكة (وليست الممانعة)الأمريكية للعمليات المرتقبة

ليست الولايات المتحدة بوارد التفكير الجدي بوضع فيتو على عملية تركية جديدة او حتى الاشتباك مع قوات تركية (او تدعمها تركية) في هذا الظرف بالذات والتي تسعى واشنطن لاصلاح علاقاتها السيئة مع حلفاءها المفترضين بالمنطقة كالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية ومصر..فكيف بتركيا الدولة المشاطئة لروسبا واوكرانيا في البحر الاسود والتي تملك اقفال اغلاق المضائق البحرية بوجه موسكو اذا ماتطور الصراع الى تلك الدرجة التي ترغب فيه دول الناتو خنق روسيا تمهيدا لخسارتها للحرب

ستنفذ انقرة في المرحلة الاولى ما صرح به الرئيس التركي علنا وهو تحرير منطقتي تل رفعت ومنبج من رجس العصابات الارهابية ..ويمكنه الانتظار لاستكمال بقية المناطق في وقت لاحق قد لايتعدى اشهرا لاستغلال فرصة اخرى قد تكون سانحة اكثر باستمرار استنزاف الروس والامريكان بحربهم الطويلة وحاجة كل منها لانقرة والتي قد يكون موقفها اقوى من الان بفعل الانهاك الذي حل بالطرفان.

—————————-

العملية التركية في سورية والتنافس الإقليمي والحسابات الدولية/ عبد الباسط سيدا

موضوع العملية العسكرية التركية المرتقبة في سورية أكبر مما يُشاع ويتردّد كثيراً في وسائل الإعلام والتصريحات عن مخاطر مشروع “الانفصال الكردي في سورية”، وهو المشروع الذي لا يمتلك مقوّمات جغرافية وسكانية واقتصادية، هذا فضلاً عن عدم وجود الحامل الاجتماعي السياسي له، فالأحزاب الكردية السورية، على اختلاف توجهاتها، لا تطرح مشروع الانفصال، وهي أحزابٌ مطلبية أساساً تدعو إلى رفع الظلم عن الكرد، والاعتراف بحقوقهم القومية المشروعة ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً.

أما حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الفرع السوري لحزب العمّال الكردستاني، فهو الآخر يعلن، باستمرار، أنه ليس لديه مشروع قومي، وإنما يدعو إلى مشروع “الأمة الديمقراطية”، وذلك تيمناً بحزبه الأم الذي أسّس حزباً سياسياً له ممثلوه في البرلمان التركي، ونعني به حزب “الشعوب الديمقراطي”. ولكن ما يفرّق بين الأحزاب الكردية السورية و”العمّال الكردستاني” بواجهاته السورية المختلفة أن الأخير قد بات، منذ أوائل ثمانينيات القرن المنصرم، حلقة ضمن المشروع الأسدي الإيراني في المنطقة؛ وما زال يقوم بهذا الدور الوظيفي، على الرغم من تبدّل المهمات وأشكال التنسيق في الداخل السوري، فقد سيطر هذا الحزب على المناطق الكردية السورية، بالتنسيق مع سلطات بشار الأسد، وأعلن عن مشروع الإدارة الذاتية على مراحل 2013 – 2016، ويسوّق نفسه متحالفا مع الأميركان الذين تقاربوا مع هذا الحزب بعدما تخلوا، بصريح العبارة، عن خيار تغيير السلطة في سورية؛ وربما لم يكن هذا الخيار في قائمة أولوياتهم منذ البداية؛ وما يدعم هذا الاحتمال غضّ النظر الأميركي، والغربي عموماً، عن التمدّد الإيراني في سورية لصالح بشار الأسد، وهو التمدّد الذي كان، وما زال، يستخدم المليشيات المذهبية، خصوصا مليشيات حزب الله في قمع ثورة السوريين على السلطة المستبدّة الفاسدة المفسدة تحت شعار “محاربة الإرهاب”.

وفي سياق الإعلان الأميركي الصريح عن عدم وجود نية لدى الإدارة لتغيير السلطة في سورية، كان دخول روسيا إلى سورية خريف عام 2015 الذي لم يكن بعيداً، على الأرجح، عن تفاهمات أميركية روسية إسرائيلية، على أساس أن ذلك سيساهم في ضبط التوازنات الإقليمية بين كل من إسرائيل وإيران وتركيا في الساحة السورية، وذلك مقابل الإبقاء على بشار الأسد مع إجراء رتوش تزيينية على سلطته تمهيداً لإعادة تعويمها وتسويقها. ولم تكن دولٌ عربية عدة بعيدة عن تلك التفاهمات أو الاستخلاصات.

ومع تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا، وتدهور العلاقات بين روسيا والغرب نتيجة هذه الحرب المستمرّة، والعقوبات الغربية الصارمة على روسيا بسببها؛ هذا إلى جانب الدعم الغربي السّخي لأوكرانيا، والتحولات البنيوية العميقة في سياسات الدول الغربية وتوجهاتها وحساباتها الاستراتيجية، لا سيما من جهة تعزيز القدرات العسكرية، والبحث الجادّ عن بدائل مقنعة مضمونة لوارداتها من الطاقة الروسية؛ كل هذه المتغيرات، وربما غيرها، دفعت روسيا إلى سحب جزء من قواتها من سورية، بل استعانت بقواتٍ تابعةٍ لسلطة بشار الأسد، وحتى بمرتزقةٍ من العاملين أو المرتبطين بالشبكات التابعة للسلطة المعنية، الأمر الذي أعطى فرصة جديدة للمتربّص الإيراني ليعزّز وجوده، ويزيد من درجة تغلغله في الدولة والمجتمع السوريين. وعلى الأرجح، كان هذا الأمر من بين المواضيع التي نوقشت، واتّخذت القرارات بشأنها في أثناء زيارة بشار الأسد الأخيرة إلى طهران، حيث التقى مع ولي الفقيه ورئيس الجمهورية.

وليس سرّاً أن هذا التغلغل يثير الهواجس الكبرى لدى تركيا، على الرغم من ضخامة المصالح الاقتصادية المتبادلة بينها وبين إيران. وعلى الرغم من اشتراكهما في مسار أستانا الذي كانت نتائجه العامة لصالح الروس والإيرانيين وسلطة بشار الأسد مقابل الدخول التركي إلى مناطق سورية شمالية عديدة في غربي الفرات، وذلك لقطع الطريق أمام احتمالات الاستغلال الإيراني للنزعات المذهبية في الداخل التركي، هذا الاستغلال الذي بات محوراً تتمحور حوله سياسات إيران التوسّعية، نشاهد مظاهره، كما نتلمّس نتائجه، في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن.

وللتغطية على هذا التنافس القديم الجديد بين كل من إيران وتركيا، يبدو أن شعار مواجهة خطر الانفصال الكردي، غير الممكن أصلاً كما سلف القول، هو الأقل كلفةً في هذا المجال على المستوى الإقليمي، والأكثر تجييشاً على المستوى الداخلي، فتركيا تعلم جيداً أن قيادة حزب العمال الكردستاني المتمركزة في قنديل هي التي تتحكّم في الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهي جزء من المشروع الإيراني في المنطقة، وأن الحزب المعني هنا يؤدّي، عبر أذرعه المختلفة في كردستان العراق، المهام المطلوبة منه إيرانيا، وذلك في سياق الاستراتيجية الإيرانية المعتمدة في العراق، والتي ترمي إلى عرقلة أي تقارب كردي كردي، أو أي تقارب عراقي عراقي يكون لصالح تعزيز السيادة العراقية، وهي السيادة التي تتعارض بالمطلق مع واقع الهيمنة الإيرانية حاليا على المفاصل الحيوية الهامة في الدولة والمجتمع العراقيين.

ولعل ما تقدّم يفسّر الموقف الإيراني الرافض للعملية التركية المرتقبة في سورية؛ هذا في حين أن الروس يحاولون اتخاذ موقفٍ وسط شرط الحصول على الثمن في الملف الأوكراني، وعلى أمل توسيع الثغرة في علاقة تركيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لا سيما بعد التحفظات والشروط التي أعلن المسؤولون الأتراك عنها بخصوص انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الحلف.

أما الموقف الأميركي من العملية المقصودة فسيتحدّد في نهاية المطاف، بغض النظر عما هو معلن حالياً، في ضوء نتائج المباحثات الخاصة بالنووي الإيراني، والجهود المبذولة لتجاوز الانسداد السياسي في العراق، وآفاق الحوارات السعودية الإيرانية؛ هذا إلى جانب تفاعلات الحرب الروسية على أوكرانيا بطبيعة الحال. ولكن من المتوقع في هذا المجال، في جميع الأحوال، أن ينكمش الشرخ بين الموقفين الأميركي والتركي من قضايا المنطقة بصورة عامة، ومن الموضوع السوري تحديدا. فالأمر الذي تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن تركيا ستكسب في ضوء المتغيرات الحالية، والتوقعات المستقبلية الخاصة بطبيعة المعادلات الدولية التي ستتشكل أو تتبلور، أهمية خاصة بالنسبة إلى “الناتو” على وجه العموم، والولايات المتحدة على وجه التخصيص.

واستناداً إلى ذلك، ليس من المستبعد أن توافق الولايات المتحدة على عملية تركية محدودة في غربي الفرات، تعزّز الوجود التركي هناك، ولكنها، في الوقت ذاته، لا توحي بحدوث تحوّل نوعي في الموقف الأميركي من موضوع الاعتماد على حزب العمّال الكردستاني، عبر واجهاته السورية في منطقة شرقي الفرات، طالما أن المنطقة ما زالت مهمة للولايات المتحدة لتداخلها مع العراق، وطالما أن العلاقة الأميركية مع الحليفة الأطلسية ما زالت قلقة، نتيجة تفاعلات المعطيات الجيوسياسية مع المتغيرات الداخلية التركية؛ هذا مع الإدراك الأميركي المسبق لطبيعة العلاقات بين حزب (وسلطة) بشار الأسد والحزب نفسه (وروسيا)، فمن الواضح أن الاستخدام الأميركي لهذا الحزب لا يتجاوز، حتى الآن على الأقل، المهام الوظيفية الميدانية. ومن الواضح أيضاً أن هذا الاستخدام الأميركي لا يتعارض مع التوجهات العامة للمحور الذي لم يغادره هذا الحزب أصلاً منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي. والدول الكبرى عادة، والولايات المتحدة على وجه التحديد، لها سجلات حافلة في ميدان العلاقات البراغماتية مع القوى الميدانية، بهدف تنفيذ أهداف محددة من دون أن تلزم نفسها بالتزاماتٍ استراتيجية بعيدة المدى، وهي تُقْدِمُ عادة على تغيير سياساتها وتعيد النظر في مواقفها من دون أي حرج، والأمثلة في هذا المجال كثيرة.

السؤال الذي يهم السوريين قبل كل شيء: هل ستساهم العملية التركية في تقريب الحل، أم أنها سترسخ واقع مناطق النفوذ، وتؤدّي إلى تباعد المسافات بين المكونات السورية، خصوصا بين السنة والعلويين، وبين العرب والكرد، لتصبح الأرضية مهيأة لتقسيمٍ غير معلن، يتوافق مع حساباتٍ أصحاب المشاريع العابرة للحدود، ومصالح تجار الحروب؟

—————————–

قسد تستعيد سيرتها الأولى مع بشار الأسد/ العقيد عبد الجبار العكيدي

اتّسمت العلاقة الناظمة بين قوات سورية الديمقراطية ( قسد ) وبين الأطراف الأخرى النافذة في الشأن السوري، بجملة من السمات، وكذلك تأثرت بجملة من العوامل السياسية والميدانية.

فمنذ أن قامت الحكومة التركية بإبداء استنكارها بل سخطها الشديد تجاه نظام الأسد الأب عام 1998 على إيوائه لحزب العمال الكردستاني ورعايته لنشاطاته ومعسكراته، إلى درجة التهديد المباشر الذي أدرك معه نظام الأسد حينها أن القدرة على المراوغة وسياسة ابتزاز دول الجوار لم تعد مجدية، إذ سرعان ما استجاب لكافة المطالب التركية، بما في ذلك طرد عبد الله أوجلان من سوريا، ثم التعاون الاستخباراتي مع أنقره على تسليمه، وصولاً إلى اتفاق أضنة الذي يتيح للحكومة التركية التوغل داخل الأراضي السورية لمسافة 8 كم، لتعقّب عناصر حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن قبول الأسد الالتزام بعدم إثارة موضوع لواء اسكندرون نهائياً.

 وقد تزامنت وراثة بشار الأسد للحكم من أبيه وراثته أيضاً لرعاية حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) الذي تأسس عام 2003، واتخذ من مناطق شمال سوريا مرتعاً لنشاطاته، واتسم نشاطه بحالة غير معلنة، ليس بسبب حظره أو ملاحقته أمنياً من جانب النظام بل بسبب التفاهمات الأمنية بين أنقرة ودمشق والتي تقضي بعدم السماح للحزب المذكور القيام بأي نشاط سياسي أو ميداني.

وبانطلاقة الثورة الشعبية في آذار/مارس 2011، وخروج قسم كبير من الجغرافيا السورية عن سلطة الأسد، اتخذت السلطات الأسدية من حزب الاتحاد الديمقراطي حليفاً ونصيراً لها بالتصدي لثورة السوريين، وقد تولّى الحزب المذكور مهمة إخماد المظاهرات المناهضة للنظام في المناطق التي يتواجد بها وخاصة الكردية منها، إذ قام باعتقال العديد من الناشطين الأكراد وإغلاق العديد من مكاتب الأحزاب الكردية في القامشلي والحسكة وعامودا، فكافأه نظام الأسد بتزويده بالسلاح وتركه يتموضع عسكرياً في المناطق التي يتواجد بها.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2015 تشكلت قوات سوريا الديمقراطية، كجناح عسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية ضمن مشروع ما يسمى بمحاربة داعش، وبموجب هذا التنسيق باتت قسد تحظى بدعم عسكري هائل من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وقد مكّنها هذا الدعم العسكري من التمدّد وبسط النفوذ حتى باتت بحلول العام 2019 تسيطر على مساحات واسعة من الجغرافيا السوريا، ولعل الأهم هو سيطرتها على مناطق شرق سوريا، وبسط نفوذها الكامل على النفط السوري فضلاً عن أساسيات الاقتصاد السوري كالقطن والحبوب، الأمر الذي أتاح لها ابتعاداً مؤقتاً عن نظام الأسد والتطلع إلى انتزاع اعتراف من سلطة دمشق بإدارة ذاتية مستقلة على غرار ما فعله أكراد شمال العراق عقب حرب الكويت عام 1991، وعلى الرغم من المفاوضات المستمرة بين قسد والنظام، واللقاءات التي لم تنقطع بين الطرفين، إلّا أن نظام الأسد، وبدفع من إيران وروسيا لم يستجب لمطالب قسد، وظل ينظر إليها كولد عاق ناكر للجميل، بل أحيانا لم يتردد النظام بوصفها أداةً عميلة للأميركيين.

لقد جسّد ربيع عام 2019 منعطفاً هاماً لدى قسد، وذلك بتأثير عاملين اثنين: يتمثل الأول بنهاية الحرب على تنظيم داعش، وإعلان إدارة ترامب نيتها الانسحاب العسكري من سوريا، الأمر الذي جعل قسد تشعر بانزياح المظلة التي كانت تحميها، وشعورها المفاجئ بحالة من اليتم العسكري والسياسي معاً، ويتمثل الأمر الثاني بعدم قدرتها على تحقيق علاقة مع واشنطن تتجاوز الإطار العسكري، إذ كانت واشنطن على الدوام تؤكّد أن علاقتها بقسد هي علاقة عسكرية مؤطرة بالتنسيق المؤقت للحرب على داعش فقط. وقد دفع هذا المنعطف الحاصل في سيرورة الصراع في سوريا، قسد إلى إعادة التفكير من جديد للبحث عن مظلات عسكرية وسياسية أخرى تستظل بها، وذلك تحت تأثير عاملين ضاغطين: الأول هو استهدافها الدائم من جانب القوات التركية، باعتبارها خصماً مباشراً، بل إن وجودها على الحدود الجنوبية لتركيا يُعدّ عاملاً مُهدّداً للأمن القومي التركي وفقاً لأنقرة، والعامل الثاني هو أن قسد لا تحمل مشروعاً وطنياً سورياً، كما لا تحظى بحاضنة شعبية سورية، وإنما تستمد قوتها وشرعية وجودها من القوة التي بحوزتها جرّاء تحالفها وتلقيها الدعم الهائل من واشنطن.

لعل المستجدّات السياسية والعسكرية الدولية التي برزت بعد 24 شباط/فبراير، بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، قد أفرزت حالة جديدة من موازين القوى بين الدول صاحبة النفوذ في الشأن السوري، ولعل أولى علامات هذه المفرزات هي حيازة تركيا على أوراق قوّة جديدة تجعلها في موقف أقوى أمام أهم منافسيها، وتحديداً أميركا وروسيا، وكما تتيح أوراق القوة الجديدة لتركيا توجيه البوصلة من جديد نحو استهداف خصمها اللدود قسد، وذلك ضمن حسابات عسكرية مستجدة لم تكن ناجزة من قبل.

وقد بدا واضحاً أن المعارضة الروسية للعملية العسكرية التركية المرتقبة لم تعد معارضةً صارخة كما كانت من قبل، ولعل رغبة روسيا وحرصها على عدم استعداء تركيا في هذا الظرف الحرج هو ما دفع وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى التصريح أثناء زيارته لأنقرة في نهاية الأسبوع الماضي بأن روسيا تتفهم مخاوف تركيا، ما يدفع إلى الظن بأن دفاع موسكو عن قسد خاضع للمساومة والمقايضة على الأقل، أما بالنسبة إلى واشنطن فإن رفضها المتكرر للعملية العسكرية التركية لم يكن مبطّناً بردة فعل شديدة أو تهديداً عكسياً لأنقرة، بل ربما تضمن صيغة الرفض مع تفهم لمصالح تركيا التي تحرص واشنطن أكثر من أي وقت مضى على مداراتها.

ولعله من الطبيعي أن كل هذه المستجدّات لم تكن غائبة عن قيادات قسد التي تراقب هذه التحولات بقلق شديد، دفعها بقوّة إلى اتخاذ خطوات سريعة، ربما بدأتها بالجانب الإعلامي الذي قد يكون امتدّ للتمهيد لخطوات أخرى، ذلك أن ما صرّح به القائد العسكري لقوات قسد مظلوم عبدي نهاية الأسبوع الماضي، مُستنجداً بقوات الأسد للتصدي للعملية التركية العسكرية إنما يؤكّد أن الاستدارة النوعية الجديدة في السياسة الدولية قد أعادت قسد إلى نقطة البداية، بل جعلتها تشعر بالإفلاس السياسي الذي يجبرها إلى العودة للاستغاثة بمن لا يستطيع إغاثة نفسه، بل هو يحكم تحت وصاية مباشرة من الروس والإيرانيين.

وقد عزز هذا الشعور بالإفلاس تصريح القيادي البارز في مسد رياض ضرار والذي ينطوي على التفافة كبيرة بحمولة مكثفة من النفاق والمحاباة حين أكد منذ يومين أن قوات قسد ستقاتل مع جيش النظام، وأنها ستكون جزءا من جيش النظام في المستقبل، في حين أن ردّة فعل نظام الأسد على هذا الاستجداء القسدي لم تحمل الكثير من التطمينات لقسد، فهل سينتهي الأمر بعودة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى العمل شبه السري تحت وصاية ومراقبة المخابرات الأسدية كما كان قبل 2011؟

المدن

———————–

هل يسير أردوغان على خطى بوتين؟/ فراس رضوان أوغلو

في التاسع من الشهر الجاري، وأثناء الاستعدادات لإطلاق تدريبات عسكرية بحرية وبرية (EFES 2022) في مدينة أزمير الساحلية على بحر إيجة، كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حضور لافت فيها في عدة تصريحات لافتة للانتباه، ولعل أبرزها رسالته شديدة اللهجة للدولة العدوة الحليفة اليونان مطالباً إياها بسحب القوات العسكرية اليونانية من جميع الجزر القريبة من السواحل التركية، وتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المبرمة بين تركيا واليونان والدول الشاهدة والحاضرة عليها، وأضاف جملةً يجب التوقف عندها كثيراً حيث قال: أنا لا أمزح أتكلم بغاية الجدية هذه الأمة حازمة وإذا قالت شيئاً فهي تفعله.

كلمات يجب التوقف عندها من ناحية المكان والزمان، فالحرب الروسية الأوكرانية ليست ببعيدة وحتى أسباب هذه الحرب التي أُعلن عنها تشبه إلى حدٍ ما التخوفات أو الأسباب التي جعلت الرئيس التركي يطلق هذا التصريح. فتسليح هذه الجزر تهديد حقيقي للأمن القومي التركي وتهديد للسكان الأتراك المقيمين في تلك الجزر ابتداءً من جزيرة رودوس وحتى جزيرة ميس التي تبعد فقط 2.1 كم من سواحل مدينة أنطاليا الساحلية، إضافة إلى الجزر في بحر إيجة، وقبل هذا التصريح كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد صرح قبل مدة قليلة بأن اليونان إذا لم تسحب قواتها العسكرية من تلك الجزر وتتخلى عن هذا الأمر فسوف تتم مناقشة مسألة السيادة على تلك الجزر، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على تنسيق واضح بين الخارجية والرئاسة وأيضاً لهجة التهديد المتصاعدة مع مرور الوقت، وخاصة أن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية ومحلية بعد عام.

لا شك أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فتحت الأبواب على كثير من التساؤلات حول كيفية النظام العالمي القائم الآن، وهل فعلاً النفوذ الأميركي في تراجع حول العالم وهل أن سياسة القطب الواحد بدأت بالتراجع؟ كل هذه التساؤلات لا بد أنها قائمة في عقل صانع القرار السياسي والعسكري في تركيا؛ لأن هذه التهديدات التي أطلقها الرئيس أردوغان تأتي في نفس الوقت الذي تتم فيه الاستعدادات التركية للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري ضد قوات قسد المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن تركيا لا تأبه بالرفض الأميركي لهذه العملية وخصوصاً أن كثيراً من المطالب التركية لم تلق آذاناً مصغيةً من قبل واشنطن، فالدعم العسكري لقسد ما زال مستمراً وحتى الآن الكونغرس الأميركي لم يوافق على طلب بيع تركيا طائرات إف 16 وما زالت أميركا تنشئ قواعد عسكرية لها في الأراضي اليونانية إذ بلغت 12 قاعدة، وهذا ما يثير المخاوف التركية علاوة على أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنقرة وتصريحه بتفهم روسيا المخاوف الأمنية التركية في الجنوب كل هذه الأمور تعطي انطباعاً بأن تركيا تتقارب أكثر مع روسيا في سوريا على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

ملف الجزر اليونانية القريبة من الجرف القاري لتركيا يشبه نوعاً ما شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لها في عام 2014، وحتى الحرب القائمة الآن مع أوكرانيا من أجل ضم كامل بحر آزوف وطرد أوكرانيا من أراضيها في تلك المنطقة والسبب هو أن التهديد العسكري تجاوز الخطوط الحمر التي يُسمح بها، فوجود قوات عسكرية يخل بالتوازن الذي كان قائماً وإنه بالتأكيد سوف يغيّر المعادلة السياسية والعسكرية، فجزيرة ميس التي تقع في خليج أنطاليا مثلاً نقطة عسكرية متقدمة جداً وخطيرة في نفس الوقت على تركيا وفق حسابات العسكر في أنقرة، أضف إلى ذلك التحشيد اليوناني ضد تركيا في الكونغرس الأميركي والطلب بعدم تسليم تركيا طائرات إف 16، وإخراج تركيا من مشروع إف 35 لا يمكن أن يعطي إلا انطباعاً واحداً هو محاولة اليونان محاصرة تركيا كما يفعل الناتو في محاصرة روسيا، فكيف بهذا الأمر والحدود البحرية لم ترسّم حتى الآن بين كل هؤلاء الأطراف علاوة على بعض العقوبات الأميركية المفروضة على تركيا بسبب منظومة الدفاع الجوي إس 400 وبنك خلق الذي كان يتعامل مع البنوك الإيرانية.

لا يبدو كلا المشهدين الداخلي والخارجي لتركيا بالمشهد الجيد فما تكاد تهدأ جبهة حتى تُفتح جبهة أخرى، والمشهد الاقتصادي أيضاً لا يبشر بكثير من الخير وهذا ما يدعو للقلق، فزيادة الضغط قد يولد الانفجار وربما هذا ما حصل مع روسيا وهي الدولة النووية العظمى والمصدرة للطاقة لكثير من دول العالم، فكيف الحال بتركيا التي تعاني من بعض الأزمات، ولكن يبدو أنها تريد المسير على خطى موسكو في بعض المناحي الشائكة.

تلفزيون سوريا

———————–

بعد “مغيب الشمس” تنحسر سيطرة “قسد” عن الطرق الخارجية في شمال شرق سوريا/ بيبرس صلاح

باريس- يرمز اللون الأصفر في خريطة النفوذ العسكري بسوريا إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على شمال شرق سوريا بنسبة نفوذ تتجاوز 25% من مساحة البلاد، لكن هذا النفوذ ينحسر مع “مغيب الشمس”، كما قالت مصادر عسكرية ومدينة لـ”سوريا على طول”.

تسيطر “قسد” على أجزاء واسعة من محافظات الرقة والحسكة، وريف دير الزور الشمالي، وأجزاء من ريف حلب الشرقي، بعد طرد تنظيم “داعش”، ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على إعلان هزيمة التنظيم بدعم من التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، تشهد المنطقة عمليات مستمرة من خلايا “داعش”، أبرزها هجومه على سجن غويران في مدينة الحسكة في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وانتهى بمقتل 121 من عناصر “قسد” والعاملين في السجن، إضافة إلى 4 مدنيين، مقابل 374 عنصراً لـ”داعش”.

وبدورها تشن “قسد” عمليات عسكرية وأمنية مستمرة لملاحقة خلايا تنظيم داعش، كان آخرها عملية أمنية بدعم من التحالف الدولي بريف الشدادي جنوب الحسكة، في 10 حزيران/يونيو الحالي، تمكنت فيها من إلقاء القبض على مطلوب “من متزعمي التنظيم كان ينشط في نقل الأموال وتوزيعها على خلايا التنظيم وعوائلهم”، بحسب المكتب الإعلامي لـ”قسد”.

أمام نشاط هذه الخلايا وانتشارها، يعاني سكان شمال شرق سوريا من مخاطر الانتقال بين المحافظات ويتخوفون من عبور الطرق البعيدة عن مراكز المحافظات، الواقعة تحت سيطرة “قسد”، لا سيما “في الليل”، كما قال حمود العيسى، تاجر خضروات من مدينة منبج بريف حلب الشرقي لـ”سوريا على طول”، موضحاً تأثر تجارته، كون “الطريق الآمن هو أساس عملنا في استيراد وتصدير بضائعنا من وإلى المحافظات الأخرى”.

ووجه سائقون ومسافرون دعوات لـ”قسد”، العام الماضي، يطالبونها بتأمين طريق الحسكة-الرقة، بعد تسجيل حوادث استهداف مدنيين بالرصاص من قبل مجهولين، ذكرت شبكة نورث برس المقربة من “قسد”.

واقع “السيطرة”

قال مصدر في قسم الحماية الخاصة بقوى الأمن الداخلي (الأسايش)، التابعة لـ”الإدارة الذاتية” أن “قسد” و”الأسايش” يخلون عدداً من نقاطهم “قبل مغيب الشمس”، ناهيك عن وجود نقاط نائية “خالية من الحواجز الأمنية والعسكرية”.

ولفت المصدر، المقيم في محافظة الحسكة، في حديثه لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، إلى “وجود تعليمات من القيادة بعدم السفر ليلاً عبر الطرق الخارجية التي تصل بين المدن، وخاصة المقطوعة”، وتعدّ قوات الحماية الخاصة أكثر الجهات الرسمية تنقلاً في مناطق شمال شرق سوريا، نظراً للمهام الموكلة إليها بمرافقة وحماية الوفود الدبلوماسية والصحفيين والمنظمات التي تزور المنطقة.

ويتفاوت مستوى أمن الطرق ضمن نفوذ “قسد” بين منطقة وأخرى، وفقاً للمصدر في قسم الحماية الخاصة، مشيراً إلى أن معظم الطرق الواصلة بين مدينة الحسكة واريافها آمنة، إذ “يمكن التنقل في أي وقت من عامودا إلى القامشلي، وصولاً المالكية (ديريك) والعكس، وبين مدينة الحسكة والدرباسية”، نظراً “لكثرة الحواجز وتسيير الدوريات على مدار الساعة”.

في المقابل ينخفض مستوى الأمن في مناطق أخرى، لدرجة تمنع “الأسايش” عناصرها من “السفر ليلاً أو التنقل بين المدن”، بحسب المصدر، مشيراً إلى أن “الطرق الواصلة بين الحسكة والرقة، وطريق الحسكة- الهول وصولاً إلى الشدادي ومنه إلى الهول وانتهاءً بدير الزور، والحسكة-كوباني، الرقة-منبج، الحسكة-تل تمر، خطرة للغاية ليلاً”.

وإلى جانب خطر خلايا “داعش”، تشكل حواجز النظام السوري تهديداً لبعض المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد”، وفقاً للمصدر، إذ تمنع الأسايش عناصرها “من السفر عبر طرق جنوب القامشلي بسبب وجود حواجز النظام”، بحسب قوله.

كذلك، تتجنب قوات الحماية التابعة للأسايش السير عبر طرق مرصودة من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، كما في حالة “طريق عين عيسى- تل أبيض، وتل تمر- سري كانيه [رأس العين]”، بحسب المصدر.

وتتأثر بعض الطرق أمنياً نتيجة سوء الخدمات، ومثال ذلك طريق الحسكة- الرقة، الذي يفتقد إلى الإنارة ليلاً، حيث “تعرضت جميع أبراج الكهرباء الممتدة بين المحافظتين للسرقة في فترة سيطرة تنظيم داعش على المنطقة”، كما قال المصدر من قوات الحماية الخاصة، موضحاً أن “عدم إنارة الطريق إلى الآن يتيح لعناصر التنظيم التحرك ليلاً بسهولة والاحتماء بعتمة الليل”، وهو ما دفع المدنيين إلى “الامتناع عن السفر ليلاً”، كما قال.

ومع أن النهار أكثر أماناً للحركة، لكن هذا لا ينفي وجود خطر على المدنيين والعسكريين في الطرق النائية والمقطوعة، كما قال المصدر من قوات الحماية الخاصة، مؤكداً تعرض الدوريات التابعة لـ”الأسايش” لإطلاق نار في ساعات النهار، “ولا يمكننا الاشتباك مع مصدر إطلاق النار نظراً لجغرافية المنطقة أو لبعد القواعد العسكرية التي يمكن أن ترسل قوات داعمة لنا”.

وتنذر العملية العسكرية التركية المرتقبة بمزيد من التدهور الأمني في المنطقة، إذ حذر القائد العام لقوات “قسد”، مظلوم عبدي، في تغريدة له على تويتر من أن أي هجوم سيؤدي إلى “خلق أزمة إنسانية جديدة”، معبراً عن قلقه “من التهديدات التركية”، كونها ستؤثر “سلباً أيضاً على حملتنا ضد داعش”.

حاولت “سوريا على طول” التواصل مع “قسد” و”الأسايش” للحصول على تصريح حول أمن الطرقات في مناطق نفوذها، وما هي الإجراءات المتبعة لتأمين الطرق، لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

التأثير على المدنيين

توكل إلى المصور الصحفي، معصوم محمد، من مدينة عامودا شمال محافظة الحسكة، مهمة إنتاج تقارير إعلامية ضمن مناطق نفوذ سيطرة “قسد”، لصالح مؤسسات إعلامية، بمبدأ نظام العمل الحر (فري لانس)، لكن بعض المناطق “غير الآمنة” تتطلب منه تخطيطاً زمنياً خاصاً ليضمن عودته إلى مكان إقامته “قبل مغيب الشمس”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في أثناء تغطيته الصحفية لمحافظة الرقة، ينطلق محمد من عامودا الساعة السادسة صباحاً، ويصل إلى وجهته، التي تبعد حوالي 250 كيلومتراً، عند الساعة التاسعة صباحاً، ويحدد عمله بمدة لا تتجاوز ثلاث ساعات من أجل أن يكون “على مشارف مدينة الحسكة عائداً من الرقة قبل الساعة الثالثة عصراً”، بحسب قوله.

وأحياناً يضطر محمد، الأب لطفلين، إلى مغادرة الرقة قبل إنهاء إعداد التقرير، ما يتطلب منه استكماله في يوم آخر، وهذا “الخيار صعب نظراً لخطورة الطريق وطول المسافة”، وعليه استعان بمصور محلي أكثر من مرة “لإكمال العمل مقابل دفع مبلغ مالي”.

تقاضى محمد على ذلك العمل 400 دولار أميركي، دفع منها “100 دولار مصاريف طريق ومواصلات، و50 دولارً للمصور المحلي”، ويعدّ المبلغ المتبقي له “جيداً مقارنة بالأوضاع المعيشية وأسعار المواد في المنطقة”، لكن في حال تعرضه “لأي خطر جسدي أو سرقة المعدات لا أحد يعوضنا”.

واستذكر محمد موقفاً حصل معه خلال إحدى زياراته إلى الرقة، حيث أنهى عمله “بوقت متأخر عن العادة”، وخلال عودته “صادفنا ثمانية دراجات نارية، تقلّ كل واحدة شخصين، اعتقدنا أنهم عناصر داعش”، لكن بعد “عشر دقائق مرعبة، تبين أنهم عمّال يعملون في منطقة قريبة، لكنهم يخرجون بشكل جماعي لحماية أنفسهم على الطريق”، على حدّ قوله.

أما حمود العيسى، تاجر الخضروات من منبج، عدل عن فكرة السفر ليلاً “منذ سنوات”، ويجد صعوبة في تصدير بضاعته إلى دير الزور عبر طريق الرقة-عين عيسى، بسبب “انتشار خلايا التنظيم على أجزاء نائية من هذا الطريق، وخلوّ هذه الأجزاء من حواجز الأسايش”، كما قال، مشيراً إلى أن “الطريق البديل يقع تحت سيطرة النظام ولا يمكن استخدامه”.

وعليه، يرفض غالبية السائقين “السفر عبر هذا الطريق وغيره من الطرق المقطوعة، نهاراً، خوفاً على حياتهم”، وفي حال قبولهم “يطلبون مبالغ إضافية”، بحسب العيسى، مشيراً أن “السفر ليلاً مرفوض بالنسبة لهؤلاء مهما كان المبلغ الإضافي”.

——————————

الاتحاد الأوروبي لتلفزيون سوريا: العودة الآمنة للاجئين السوريين لم تتحقق بعد

 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري

قال “لويس ميغيل بوينو” المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إن بروكسل ترى أن ظروف العودة الآمنة للاجئين السوريين لم تتحقق حتى الآن، مؤكداً أن الاتحاد ما زال محافظاً على سياسته تجاه اللاجئين، ضامناً حمايتهم على أراضيه.

وأضاف “لويس بوينو” في حديث خاص مع موقع “تلفزيون سوريا” أن العقوبات الأوروبية ضد النظام السوري عزلته دولياً، وقائمة العقوبات تحدث دورياً بما يتوافق مع تطورات الأوضاع على الأرض”.

وأشار الدبلوماسي الأوروبي إلى أن روسيا استخدمت في أوكرانيا  التكتيكات ذاتها العسكرية التي استخدمتها في سوريا لتحقيق مصالحها من دون أيّ اعتبار للمدنيين والبنى التحتية المدنية.

وبخصوص العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال سوريا، أكّد بوينو أن “الاتحاد الأوروبي يحث على ضبط النفس. إذ ينبغي معالجة مخاوف تركيا الأمنية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، وليس بالعمل العسكري”.

حوار موقع “تلفزيون سوريا” كاملاً مع “لويس ميغيل بوينو”:

1- هل استغلت روسيا نفوذها العسكري والسياسي بالملف السوري لتعويض فشلها في غزو أوكرانيا؟

على الرغم من اختلاف النزاع في سوريا عن ذلك الدائر في أوكرانيا، ثمة أوجه تشابه بينهما. ما نراه هو أن روسيا تستخدم التكتيكات عينها في كل من البلدين لتحقيق أهدافها العسكرية.

في سوريا، كانت روسيا إحدى القوى الخارجية المتعددة التي تدخلت في النزاع. وقد دعمت النظام السوري عبر استخدام الأسلحة المدفعية بلا رحمة ومن دون أيّ اعتبار للمدنيين والبنى التحتية المدنية، وهذا أيضاً ما فعلته روسيا في أوكرانيا. لكنّ روسيا هي المعتدية الوحيدة في ذلك البلد. وهي تحارب حكومة منتخبة ديمقراطياً وترتكب جرائم مماثلة لتلك التي ارتكبها النظام في سوريا.

وفي سوريا، حاول الاتحاد الأوروبي الضغط على النظام -عن طريق العقوبات والعزلة الدبلوماسية- بغية وضع حد للعنف والقمع. أما بالنسبة لأوكرانيا، فنرى أن روسيا قد أعادت الحرب إلى القارة الأوروبية، مما يشكل تهديداً لمشروع الاتحاد الأوروبي. لكنّ رد فعلنا كان أيضاً غير مسبوق. وقد استخدمنا الأدوات عينها – أيّ العقوبات والعزلة الدبلوماسية – وسوف نستمر في الضغط على الكرملين لإيقاف عدوانه.

2-  ما الذي خسرته الدول الأوروبية من عدم كبح جماح روسيا في سوريا والذي انتقل إلى أوكرانيا خلال الأشهر الماضية؟

لا أعتقد أن روسيا غزت أوكرانيا لأنّها شعرت بالقوة في سوريا. في الواقع، لا أحد يعلم فعلاً الأسباب الحقيقية لهذا الغزو. فقد قدّم الروس أعذاراً مختلفة، قائلين إن الأوكرانيين نازيون جدد أو أنهم يرتكبون إبادة جماعية ضدّ مواطنين روس أو أنهم على وشك استخدام أسلحة بيولوجية.

لقد زعمت روسيا كل تلك الأسباب لإخفاء هدف احتلال الأراضي بالقوة. وهذا ما رأيناه في الأشهر الماضية. فروسيا تقوم فعلياً بالاستيلاء على أراضي جارتها بالقوة العسكرية. ويمثل ذلك تحدياً كبيراً للأمن العالمي،

وأيضا تحدياً كبيراً للأمن الأوروبي. دعونا لا ننسى من أين بدأت الحربان العالميتان الأكثر تدميراً. هل بدأتا في العالم العربي؟ كلا، لقد بدأتا في أوروبا، بين القوى الأوروبية.

البرلمان الأوروبي يشيد باستضافة تركيا للاجئين ويدين وجودها العسكري شمالي سوريا

3- ما موقف الاتحاد الأوروبي من العملية العسكرية التركية في شمال سوريا؟

تُعد تركيا شريكاً رئيسياً للاتحاد الأوروبي ولاعباً بالغ الأهمية في الأزمة السورية والمنطقة. وفي هذا الصدد، يثني الاتحاد الأوروبي على تركيا لدورها الهام كبلد مضيف للاجئين السوريين ولتأييد وقف إطلاق النار في إدلب.

ويحث الاتحاد الأوروبي على ضبط النفس. ينبغي معالجة مخاوف تركيا الأمنية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، وليس بالعمل العسكري، وفقاً للقانون الدولي الإنساني.

ولا يمكن ضمان حل مستدام للأزمة في سوريا إلا من خلال انتقال سياسي حقيقي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف للعام 2012 الذي تفاوضت عليه الأطراف السورية في إطار عملية جنيف التي تيسرها الأمم المتحدة. ويبقى الاتحاد الأوروبي ملتزماً بوحدة الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها.

4-  تحاول تركيا إنشاء منطقة آمنة وإرسال مليون لاجئ طوعياً إليها، ما موقف الاتحاد الأوروبي من ذلك، وهل تدعم بروكسل مالياً أو سياسياً الخطوة التركية؟

لم يتغير موقف الاتحاد الأوروبي من ملف عودة اللاجئين إلى سوريا. ويدعم الاتحاد الأوروبي عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتقييمها الحاليين، فلديها ولاية واضحة لحماية اللاجئين ودعم الحلول المستدامة لقضيتهم، بما في ذلك العودة الطوعية إلى الوطن، عند الاقتضاء.

ويحق لجميع السوريين العودة إلى ديارهم، لكننا نعتبر، بناءً على تقييم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن هذه الظروف لم تتحقق بعد. فالمطلوب أولًا هو تهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين والنازحين داخلياً، وذلك وفقاً للقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية. وسوف يقوم الاتحاد الأوروبي بدعم عمليات العودة التي تيسرها الأمم المتحدة في الوقت المناسب، متى توفر الظروف لذلك.

 5- هل ما زال هناك تنسيق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بما يخص الملف السوري وأزمة اللاجئين؟

منذ بداية النزاع، يعمل الاتحاد الأوروبي عن كثب مع الدول الأعضاء فيه والأمم المتحدة والدول الأخرى المتفقة في الرأي معنا، ولا سيما المملكة المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع في سوريا ومسألة اللاجئين. ولا يزال هذا هو الحال.

تلفزيون سوريا

——————

ما أهداف روسيا من تعزيز قواتها في مناطق “قسد” شمالي سوريا؟/ عبد العزيز الخليفة

كثفت القوات الروسية من نشاطها في شمال شرقي سوريا، على نقاط التماس مع المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري والممتدة بين رأس العين شمال الحسكة وتل أبيض شمال الرقة، بالتزامن مع زيادة حدة التصريحات التركية المتوعدة بشن عملية عسكرية شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وتهدف تركيا من العملية العسكرية إلى إقامة منطقة آمنة بعرض 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وإبعاد “قسد” عن الحدود، وهذه المنطقة جزء من اتفاق تركي مع روسيا وأميركا كانت عقدته أنقرة مع الطرفين كلٍّ على حدى في تشرين الأول 2019 وعلقت بموجبه عملية “نبع السلام” آخر عملياتها في سوريا.

وفي أواخر مايو/أيار الفائت، استقدمت القوات الروسية تعزيزات عسكرية جديدة بينها طائرات مروحية وحربية إلى مطار القامشلي، بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وأضافت الوكالة، حينها أنّ التعزيزات تأتي بالتزامن مع التصريحات التركية التي هددت بشن عملية عسكرية جديدة في مناطق شمال شرقي سوريا، الواقعة تحت النفوذ الروسي. وفي 27 من أيار/ مايو الماضي سيّرت دورية مشتركة مع قوات النظام وقوات “قسد” على طول الشريط الحدودي بين مدينتي عامودا والدرباسية شمال الحسكة، بتغطية جوية من 6 مروحيات رافقت الدورية.

وفي بداية الشهر الجاري، استقدمت القوات الروسية الموجودة في مطار القامشلي، منظومة صواريخ متطورة من طراز “بانتسير – إس 1″، وذلك بعد أيام من نشر مروحيات ومقاتلات جديدة في المطار، وبذلك زادت موسكو من قواتها في المنطقة المعروفة أنها ضمن مساحة النفوذ الأميركي وعلى مقربة من عشرات القوات الأميركية والتركية في المنطقة.

وقال الصحفي نوار الرهاوي، لموقع تلفزيون سوريا، إن القوات الروسية أرسلت تعزيزات عسكرية مكونة من ناقلات جند مدرعة ومنظومة دفاع الجوي من طراز “بانتسير – إس 1” إلى ناحية تل تمر الواقعة تحت سيطرة “قسد”.

وأضاف “الرهاوي” وهو مراسل لموقع “الخابور” المحلي في رأس العين، أنّ روسيا ركزت نقطة عسكرية في منطقة “الشركراك” قرب الطريق الدولي (إم 4) شمال الرقة، بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية للنظام من مطار الطبقة إلى محيط عين عيسى بالمنطقة ذاتها، كما زادت من دورياتها الجوية في المناطق الشمالية من الحسكة.

هدفها ليس منع العملية التركية

يقول الكاتب الصحفي فراس علاوي، إن القوات الروسية تقوم بإعادة تموضع في سوريا، في الأماكن الأكثر استراتيجية بالنسبة لموسكو، “وهي رغم تزامنها مع التهديدات التركية ضد (قسد) إلا أنها لا تستهدف منع أي عملية عسكرية تركية شمال سوريا”.

ويرى “علاوي” في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن هدف العملية العسكرية التركية المرتقبة لن يكون مناطق السيطرة الروسية، بل سوف يستهدف مناطق خاضعة للنفوذ الأميركي تسيطر عليها “قسد” مرشحا “عين عيسى” كميدان لهذه العملية المقبلة.

رسالة لواشنطن

ويشير “علاوي” إلى أن هذه التعزيزات الروسية موجهة بشكل أساسي للقوات الأميركية في منطقة شمال شرق سوريا، تعبر بها موسكو عن استعدادها لأي احتكاك بين قوات البلدين في سوريا، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن قوات البلدين في المنطقة ليست مستعدة لأي مواجهة إلا أن حضور موسكو بهذا الشكل يؤكد على عدم انسحابها من سوريا وحاجتها إلى قواتها فيها لحربها في أوكرانيا.

ولفت إلى أن الحضور الروسي بهذا الحجم يهدف أيضا لتعبئة الفراغ الذي قد تتركه القوات الأميركية في المنطقة في حال قررت الانسحاب، كما حصل حين انسحبت القوات الأميركية إبان إدارة ترامب من بعض المناطق.

قسد

أهداف داخل سوريا وخارجها

يرى الباحث عبد الوهاب العاصي، أن روسيا ترفض أي تحرك عسكري تركي يؤدي لتقليص فارق القوة معها في سوريا، لكنها بالوقت نفسه قد تكون مستعدة لتقبل هذا السيناريو بحال وجدت نفسها مضطرة لتقديم تنازل لتركيا مقابل تحقيق مصالحها في أوكرانيا التي تعتبر أولوية بالنسبة لها حالياً.

ويوضح “العاصي” وهو باحث في مركز جسور للدراسات بحديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن التعزيزات الروسية في شمال شرقي سوريا، بالتزامن مع التهديدات التركية، يأتي في إطار زيادة قوتها بالمنطقة بوجه التصعيد التركي، للحصول على أكبر قدر من المكاسب المتوقعة من أنقرة في الملف الأوكراني.

ويضيف أنه “وبالوقت نفسه، فإن روسيا تستخدم التهديد بوجود عملية عسكرية في الضغط على (قسد) من أجل تعزيز وجودها العسكري شرق الفرات على حساب بقية الفاعلين أي تركيا والولايات المتحدة، ومن أجل تعزيز قدرة النظام على استعادة حضوره في المنطقة سواء عبر المفاوضات مع الإدارة الذاتية أو عبر الانتشار العسكري والأمني.

تعزيزات روسيا لم تهدِئ مخاوف “قسد”

لم تفلح التعزيزات الروسية في تهدئة مخاوف “قسد”، وأعربت عن مخاوفها يوم الجمعة 10 من حزيران، على لسان مسؤول “المركز الإعلامي” فيها، فرهاد شامي، الذي قال إن الدول الضامنة روسيا وأميركا “ما تزال تعارض الهجوم التركي.. وتقول إنها ستحلّ المشكلات دبلوماسياً ولكن في حال فشلت الإجراءات الدبلوماسية فإنّها لم تحدّد أية إجراءات بديلة حتّى الآن”.

من جهته، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس 9 من حزيران، غداة تلقيه تحذيراً من الولايات المتحدة الأميركية بخصوص العملية العسكرية في شمال سوريا،  في “ألا يعارض أيٌ من حلفاء أنقرة الحقيقيين مخاوفنا المشروعة”.

وتعتبر أنقرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من واشنطن والتي تقودها “وحدات حماية الشعب” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” منظمة إرهابية مرتبطة بـ “حزب العمال الكردستاني” الذي يشن تمردا عسكريا في تركيا منذ عقود.

وكانت القوات التركية شنت 3 عمليات في سوريا منذ عام 2016 ضد “قسد” و”داعش”، ساعية منذ سنوات إلى إنشاء “منطقة آمنة” بعرض 30 كيلومتراً على طول حدودها الجنوبية، لتفصل تلك المنطقة العازلة تركيا عن الأراضي التي تقع تحت سيطرة “قسد”.

تلفزيون سوريا

——————————-

متى تبدأ العملية التركية في سورية؟.. صحيفة تستعرض سياقين زمنيين

ما تزال الضبابية تحيط بالعملية العسكرية التي تهدد تركيا بشنّها في شمال سورية، وفي الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون الأتراك عليها، تسود ضبابية حول الموعد، وعما إذا كان الأمر سيترجم على أرض الواقع في الأيام المقبلة أم لا.

ونشر الكاتب التركي المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي مقالة في صحيفة “حرييت“، اليوم الاثنين، استعرض فيها سياقين زمنيين لموعد العملية، مؤكداً أنها “ستنفذ على الأرض”.

ويقول سيلفي بحسب ما ترجمت “السورية.نت”: “بالنسبة لعملية سورية، فإن تاريخ انتهاء عملية القفل المخلف في العراق مهم. بادئ ذي بدء، يريد الجيش التركي أن تكتمل الأخيرة بنجاح”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعزيزات العسكرية المخطط لها لعملية تل رفعت ومنبج في رريف حلب شمالي سورية “لم تتحقق بالكامل”.

ويضيف سيلفي: “اعتباراً من الأسبوع المقبل، من المتوقع أن تزداد الشحنات العسكرية”.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، إن العملية العسكرية التي تنوي بلاده تنفيذها في سورية، تستهدف السيطرة على منطقتي تل رفعت ومنبج بريف حلب.

وتسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مدينة منبج ومعظم ريفها.

وتعتبر المدينة محط خلاف بين تركيا وأمريكا من جهة وبين تركيا وروسيا من جهة أخرى، وسط غموض في الاتفاق بين هذه الدول على مصير المدينة.

فيما تنتشر في جيب تل رفعت عدة قوى عسكرية، بينها قوات الأسد و”وحدات حماية الشعب”، إلى جانب عناصر من الشرطة الروسية، وقوات أخرى محسوبة على الميليشيات التي تدعمها إيران.

ويوضح الكاتب التركي أن “عمليات تل رفعت ومنبج المرتقبة ستبدأ في وقت واحد. لكن أولاً، من الضروري الانتظار حتى تكتمل عملية القفل المخلب في شمالي العراق”.

ويتابع: “لذلك من الضروري الانتباه إلى عيد الأضحى. بعد عيد الأضحى يمكن القول بأن الساعات معدودة وليس أياماً للعملية”.

وتعتبر تركيا “قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها العسكري، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة، التي تعتبر “قسد” شريكاً في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

————————-

===================

تحديث 15 حزيران 2022

————————

مواسم تقارب “قسد” والنظام السوري/ محمد فنصة

تلّوح تركيا بعملية عسكرية مرتقبة على الشمال السوري بعمق 30 كيلومترًا، بهدف إنشاء “منطقة آمنة”، بينما تزداد التحركات على الضفة المقابلة، التي توحي بتقارب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مع النظام السوري، في اعتقاد أنه الحل لدرء خطر الأتراك.

ودعا قائد “قسد” مظلوم عبدي، في تصريحات صحافية، في 5 من حزيران، النظام السوري إلى استخدام أنظمة الدفاع الجوي، وذلك لمواجهة تهديدات أنقرة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، مؤكدًا في تصريح لوكالة “رويترز“، أن قواته “منفتحة” على العمل مع قوات النظام للتصدي لتركيا، لكنه أكد أن لا حاجة لإرسال قوات إضافية.

وأشار عبدي إلى أن “الأولوية هي الدفاع عن الأراضي السورية”، وأضاف: “لا أحد يجب أن يفكر باستغلال الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض”.

وأعرب عن أمله في أن يؤدي الاجتماع بين وزيري خارجية روسيا وتركيا إلى خفض التصعيد، لكنه قال إن أي تسوية يتم التفاوض عليها يجب أن تشمل وقف هجمات الطائرات المسيرة التركية في شمالي سوريا، “سيكون هذا أحد مطالبنا الأساسية”، حسب قوله.

وبعدها بيومين حذرت “قسد” عقب اجتماع استثنائي لمجلسها العسكري، أن الهجوم التركي المحتمل “سيؤثر على استقرار ووحدة الأراضي السورية، لذا لن تقتصر مواجهته على المناطق المستهدفة فقط، إنما سيتوسع نطاقها ليشمل مناطق أخرى داخل الأراضي السورية المحتلة”، في إشارة إلى المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة بدعم تركي في أرياف حلب والرقة والحسكة خلال السنوات السابقة.

كما جددت استعدادها للتنسيق مع قوات النظام السوري لصدّ أي هجوم تركي محتمل، وحماية الأراضي السورية.

على الطرف المقابل دفعت قوات النظام بتعزيزات عسكرية إلى مناطق نفوذ “قسد”، بأرياف حلب والحسكة، لدعمها ضد العملية العسكرية التركية المحتملة شمالي سوريا، بحسب مانشرت قوات “الدفاع الوطني”، الرديفة لقوات النظام السوري، في 8 من حزيران.

وانتشرت القوات في مناطق منبج وتل رفعت شمالي محافظة حلب، إضافة إلى مجموعات أخرى انطلقت باتجاه محافظة الحسكة، وهو ما أكدته شبكات محلية موالية لـ”قسد”.

وسيّرت قوات النظام والقوات الروسية دورية عسكرية على الحدود السورية- التركية لـ”تفقد نقاطها العسكرية الحدودية مع تركيا”، كما انضمت للدورية لاحقًا آليات عسكرية لـ”قسد”، في 27 من أيار الماضي.

وبحسب مراسل عنب بلدي في الحسكة، فإن الدورية مرت بعدة مناطق في أثناء تفقدها النقاط الحدودية مع تركيا منها ريف مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة، ومنطقة أبو راسين.

كما جاء الخطاب السياسي مواليًا لجهة التقارب، إذ في آخر ظهور له، قال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إن جيشه سيواجه الجيش التركي، في حال قيامه بعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري.

وأوضح الأسد في مقابلة له، في 9 من حزيران، “إذا كان هنالك غزو تركي للأراضي السورية، سيكون هنالك مقاومة شعبية بالمرحلة الأولى في المناطق التي يتواجد فيها الجيش السوري، إذ إنه لا يتواجد في كل المناطق”، بحسب قوله، وأكد أن “الجيش سيقوم بالتحرك، عندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة”.

وتحاول “قسد” بناء تحالفات مع قوات النظام السوري عند كل حديث عن معركة تركية تستهدف مناطق نفوذها، لتعزيز موقفها العسكري على الصعيد الميداني، دون أن تضطر لتقديم تنازلات تُتيح للنظام السيطرة على منطقتها.

تقاربات وتهديدات عسكرية سابقة

قبل نهاية العام الماضي في تشرين الثاني 2021، لوّحت تركيا بعملية عسكرية رابعة في سوريا، من أرياف حلب والرقة والحسكة، بهدف إنشاء “منطقة آمنة” على حدودها الجنوبية بعمق 30 كيلومترًا، بحسب تصريحات متكررة لمسؤولين أتراك لوسائل الإعلام وفي المحافل الدولية.

قابلتها “قسد” ببيان وصف التهديدات التركية بشن عملية عسكرية بـ”الجادة”، وأشار إلى أن النظام السوري “يصر على حل الأزمة السورية من خلال منطقه”، وإجراء مصالحات تخلو من أي معايير “وطنية أو واقعية”.

وكان حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، أبدى استعداده لتسليم حقول النفط في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا إلى النظام السوري، بشرط أن يكون ملف النفط والثروات الموجودة في المنطقة جزءًا مما وصفه بعملية “الحوار النهائية” مع النظام، وفق ما قاله عضو الهيئة الرئاسية في “PYD” آلدار خليل، في 4 من تشرين الثاني 2021.

وبعد بدء عملية “نبع السلام” التركية في 9 من تشرين الأول 2019، بهدف القضاء على “الممر الإرهابي” المراد إنشاؤه قرب الحدود التركية الجنوبية مع سوريا، وفقًا للرئيس التركي، قال عبدي “إنه على استعداد للتحالف مع الحكومة السورية من أجل إنقاذ السكان الأكراد في شمال سوريا من إبادة جماعية على يد تركيا”.

وترجمت الأقوال إلى أفعال حينما أعلنت “الإدارة الذاتية” توصلها لإتفاق مع حكومة النظام السوري لإرسال جيشه على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة “قسد”، وهو ما أكدته وسائل الإعلام السورية المحلية.

وانتهت العملية التركية بعد الاتفاق التركي- الروسي، الموقّع في سوتشي في 22 من تشرين الأول 2019، وشمل تسيير القوات الروسية والتركية دوريات مشتركة في أرياف الرقة والحسكة وحلب.

وفي 20 من كانون الثاني 2018، بدأت عملية “غصن الزيتون” التركية على شمال سوريا، انتهت بسيطرة القوات الموالية لتركيا على منطقة عفرين، وحينها استغاثت “قسد” بالنظام السوري ودعته لحماية مدينة عفرين.

فيما كشف المتحدث الإعلامي باسم “قسد”، مصطفى عبدي، في 17 من شباط 2018، أنها تجري مفاوضات مع قوات النظام السوري حول دخول الأخيرة إلى عفرين، بشرط انتشارها خارج المدينة وعلى حدودها، وهو ما رفضه النظام وطالب باستلام كافة المؤسسات في المدينة وفرض سيطرته عليها بشكل كامل.

وبالرغم من توصل “قسد” لاتفاق مع النظام، يفضي بإنشاء قاعدة له في عفرين، أحبطت تركيا المخطط بعد اتصال وتفاهم بين الرئيسين التركي والروسي.

وفي 24 من آب 2016، بدأت تركيا عملية عسكرية “درع الفرات” بهدف طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من حدودها، ومنع “قسد” من الاستيلاء على مدينة جرابلس، وانتهت العملية العسكرية في 29 من آذار 2017، بسيطرة الجيش التركي و”الجيش الوطني السوري”، على جرابلس مرورًا بمناطق وبلدات مثل الراعي ودابق واعزاز ومارع، وانتهاءً بمدينة الباب.

وسلّمت حينها “قسد” قرى غرب منبج، لقوات النظام بموجب اتفاق توسطت فيه روسيا، من أجل “حماية المدنيين”، بحسب بيان مجلس منبج العسكري التابع لـ “قسد”، في 6 آذار 2017.

وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”، وتصنفه تنظيمًا “إرهابيًا”، وهو ما تنفيه “قسد” رغم إقرارها بوجود مقاتلين من الحزب تحت رايتها، وشغلهم مناصب قيادية.

عنب بلدي

—————————-

صيف سوري ساخن/ عدنان علي

التصعيد العسكري يطل برأسه في سوريا وحولها من أكثر من جبهة. في الشمال تحضر تركيا لعملية عسكرية جديدة. وفي الجنوب تشتعل حرب المخدرات على حدود الأردن الذي بدأ يبحث خياراته لضبط الحدود، بما فيها إعادة تفعيل دور فصائل المعارضة للإمساك بالحدود بدل قوات النظام. وبينما تصعد إسرائيل ضرباتها في سوريا حتى وصلت إلى تحييد مطار دمشق وإخراجه من الخدمة، يهدد “محور المقاومة” بالرد. كما يهدد حسن نصر الله إسرائيل بالحرب في حال واصلت مشروعها لاستخراج النفط والغاز من المياه المتنازع عليها في البحر المتوسط.

إذن، سوريا مقبلة على صيف ساخن، ليزيد من سخونة حرارة الجو المقترنة بغياب الكهرباء وتقنين المياه، مع التهاب الأسعار أيضا.

الأردن الذي يعلن كل بضعة أيام عن ضبط شحنة مخدرات قادمة من سوريا، بات يضيق ذرعا من “عجز” النظام عن ضبط الحدود، وهو عجز مقصود، لأن تجارة المخدرات باتت سياسة رسمية لبعض أجنحة النظام بالتحالف مع التاجر الرئيسي، حزب الله، وهي تجارة تنخرط فيها العديد من الرؤوس الكبيرة في النظام، وعلى رأسهم مسؤول الأمن العسكري في الجنوب العميد لؤي العلي الذي حرك ميليشياته قبل أيام لتصفية قائد “قوة مكافحة الإرهاب” سامر الحكيم حيث كان لمجموعته دور في إعاقة عمليات تهريب المخدرات، لكون قرية خازمة بريف السويداء التي كانت تتمركز فيها، تقع على طريق التهريب باتجاه الأردن. كما أسهمت المجموعة في إلقاء القبض على بعض تجار المخدرات، وسلمت أحدهم قبل فترة، وهو مقرب من حزب الله، إلى قاعدة التنف الأميركية.

ووفق تقرير أحد المراكز البحثية صدر قبل أيام، فإنه في ظلّ عدم قدرة أو رغبة روسيا في معالجة التهديدات التي تستهدف الحدود الأردنية، فإن الأردن قد يتجه إلى بحث خيارات بديلة لحماية أمنه القومي، مثل طلب الدعم من التحالف الدولي لحماية الحدود الأردنية أو التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات مع إسرائيل، بهدف توجيه ضربات صاروخية وجوية ضد مواقع الميليشيات الإيرانية، واستعادة قنوات الاتصال مع قيادات المعارضة السورية المسلّحة والمقاتلين السابقين في الجبهة الجنوبية، من أجل تنسيق عمليات أمنية تستهدف قادة الميليشيات الإيرانية وزعماء عصابات تهريب المخدرات، التي تحظى بغطاء من قوات النظام السوري. ومن تلك الخيارات أيضا السعي لإقناع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا بإقامة مناطق عازلة على الشريط الحدودي بعمق معين داخل الأراضي السورية، لضمان إبعاد الميليشيات الإيرانية عن المناطق الحدودية، إضافة إلى تعزيز الاتصال والتنسيق مع الفصائل المحلية في السويداء، بهدف العمل المشترك على مواجهة الميليشيات الإيرانية التي تعمل بشكل حثيث على زيادة مساحة انتشارها في المحافظة.

 ومع كل هذه الخيارات، يبدو خيار التصعيد حاضرا، لأن أجهزة الأمن التابعة للنظام ومعها الفرقة الرابعة، وحزب الله سيدافعون ولا شك بشراسة عن مصدر رزقهم شبه الوحيد المتبقي والذي يدر ملايين الدولارات شهريا.

أما في الشمال السوري، فإن سيناريوهات العملية العسكرية التركية الوشيكة غير معروفة حتى الآن، فقد تكون (إن تمت) محدودة ضمن تفاهمات مع روسيا وربما مع الولايات المتحدة أيضا وتشمل بشكل أساسي مدينتي تل رفعت ومنبج، برغم وجود ضغط روسي خفي لتشمل عين العرب (كوباني) حيث للمدينة رمزية لدى الولايات المتحدة والغرب بسبب انخراط التحالف الدولية في استعادتها عام 2015. أو تكون موسعة، وهذا يعني المزيد من النازحين الذين يغص بهم أصلا الشمال السوري، بل تغص بهم المناطق المستهدفة بالعملية، فيحدث نزوحٌ على نزوح.

كما أن هذه العملية إن لم تكن “منضبطة” بتفاهمات بين القوى الفاعلة في الشأن السوري، قد تتدحرج معها الأوضاع الميدانية كلها في الشمال السوري، باتجاه فتح الجبهات في إدلب وريف حلب الغربي، حيث من المحتمل أن لدى النظام وفصائل المعارضة خططا متشابهة لاستغلال الفوضى ومهاجمة الطرف الآخر.

وتأتي الضربات الإسرائيلية المتصاعدة في الداخل السوري، وخاصة محيط دمشق، لتزيد من تعقيد الوضع، ولا سيما بعد استهداف مطار دمشق الدولي، وإخراجه من الخدمة. وينظر “محور المقاومة” أو محور إيران بالأصح، إلى هذا التطور بعين الخطورة، لأنه يمثل قطعا لأحد أبرز شرايين هذا المحور، ما يرتب عليه إعادة حساباته، إما بمزيد من التكيف مع هذه الضربات، أو البحث عن صيغة للرد تحفظ ماء الوجه، من دون التورط في مواجهة أوسع مع إسرائيل. لكن الأخيرة، حتى لو لم يكن هناك أي رد، تعلن بوضوح أنها ماضية في ضرباتها، بل وتصعيد هذه الضربات، بما يحشر ذلك المحور في زوايا صعبة، خاصة مع التهديدات التي أطلقها أخيرا حسن نصر الله بفتح جبهة جديدة مع إسرائيل في البحر المتوسط على خلفية التنقيب عن النفط والغاز هناك.

الصيف الساخن الذي يلوح في الأفق، مجمل معاركه لا تخص السوريين مباشرة، بل نتاج صراعات وتصفية حسابات إقليمية ودولية، لكن لن يدفع ثمنها سوى السوريين أنفسهم، طالما بقي جاثما على صدورهم نظام سلّم بلادهم للقوى الأجنبية، وهمّه الوحيد يتلخص في الحفاظ على كرسي الحكم، ونهب الثروات وتكديسها في جيوب سدنة هذا النظام.

تلفزيون سوريا

————————–

انطلاق أستانة..روسيا تقترح نقل اللجنة الدستورية من جنيف

انطلقت في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان الأربعاء، أعمال الجولة ال18 من مسار أستانة التفاوضي، بمشاركة الدول الضامنة الثلاث روسيا تركيا وإيران، والوفدين الممثلين عن المعارضة والنظام السوري، ووفد ممثل للأمم المتحدة بصفة مراقب، برئاسة كبير موظفي مكتب مبعوث الأمين العام إلى سوريا روبرت دان.

وفيما يمثل وفد موسكو المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، يمثل وفد طهران كبير مساعدي وزير الخارجية للمسائل السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، في حين يترأس وفد النظام معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، وعضو الائتلاف أحمد طعمة عن وفد المعارضة السياسية.

وقال لافرنتييف في مؤتمر صحافي قبل افتتاح الاجتماع، إن المشاركين “سيناقشون الوضع على الأرض في ضوء خطط الرئيس التركي المعلنة لإجراء عملية عسكرية في شمالي سوريا”. وفق ما نقلت وكالة “نوفوستي”.

وأضاف لافرنتييف “سنناقش موضوع اللاجئين السوريين، نظراً لأهميته، وكذلك تركيا ستساهم في هذا الموضوع”، وتابع: ” كما تعلمون موضوع المهاجرين في عدد من البلدان يأخذ اتجاهاً جديداً، ومنها لبنان الذي لا يريد أن يتم توزيع مساعدات لهم، وإنما إرسالها إلى وطنهم حتى يتم تأمين ظروف تجعلهم يعودون إلى هناك”.

وعن موقف بلاده من اللجنة الدستورية السورية، قال لافرنتييف إن “روسيا ترى أنه من الضروري اختيار منصة جديدة لاجتماعات اللجنة المقبلة، بدلاً من جنيف”. وأضاف “من حيث المبدأ، طرحنا المسألة مع الأخذ في الاعتبار الصعوبات اللوجستية القائمة وفقدان جنيف وضعها المحايد اختيار مكان آخر محايد”، لافتاً إلى أن القضية سيتم النظر فيه مع إيران وتركيا والأمم المتحدة خلال الاجتماع.

وكشف عن نيّة بلاده القيام بوضع خطط جديدة لتقديم المساعدات في إعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى كونها ضمن المشاريع والخطط الروسية في سوريا، كما ذكر أنه سيتم مناقشة قضية المعتقلين والمختطفين.

وأشار لافرنتييف إلى أنه سيتم الحديث عن “الاعتداءات” الإسرائيلية على سوريا، وآخرها استهداف مطار دمشق الدولي الذي تعرضت مدرجاته لأضرار جسيمة أخرجته عن الخدمة واستقبال الرحلات الدولية.

وسبق انطلاق أعمال الجولة، مؤتمر صحافي للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الكازاخستانية أيبيك سمادياروف الثلاثاء، قال فيه إن “المشاركين سيناقشون الوضع الميداني في البلاد والقضايا الإنسانية وآفاق استئناف عمل اللجنة الدستورية السورية في جنيف”، بحسب وكالة “نوفوستي” الروسية.

وأضاف سمادياروف أن “جميع أطراف مسار أستانة الخاص بسوريا؛ أكدت مشاركتها في المفاوضات”، موضحاً أن الوفود هي الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران، ووفد ممثل عن حكومة كازاخستان، ووفدي النظام السوري والمعارضة، بما فيها الفصائل المسلحة.

ويختتم المؤتمر أعماله مساء الخميس، ببيان ختامي للدول الضامنة ومؤتمرات صحافية للوفود المشاركة، التي ستعقد تباعاً عقب انتهاء جدول أعمال الجولة.

———————–

الكرملين: العملية التركية في سوريا لن تساعد في تحقيق الاستقرار

قال الكرملين، اليوم (الأربعاء)، إن العملية العسكرية التركية المحتملة في سوريا لن تساعد في تحقيق الاستقرار، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.

وقال ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين: «لا نعتقد أن هذه العملية الخاصة ستسهم في استقرار وأمن الجمهورية العربية السورية».

وتقول أنقرة إن عليها أن تتحرك في سوريا لأن واشنطن وموسكو تحنثان بوعودهما بدفع وحدات حماية الشعب الكردية مسافة 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود التركية بعد الهجوم التركي عام 2019. وتقول إن الهجمات من المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سوريا قد زادت.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنيتيف قوله إن عملية تركيا قد تؤدي إلى تصعيد الوضع وزعزعة الاستقرار.

———————–

ألكسندر لافرنتييف من نور سلطان: لن نساوم تركيا بشأن سوريا

أكد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أن روسيا “لن تغض الطرف عن العملية العسكرية التركية الجديدة شمالي سوريا  مقابل موقف أنقرة من انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو”.

وفي تصريحات للصحفيين في العاصمة الكازاخية نور سلطان، صباح اليوم الأربعاء، حيث يشارك في اجتماعات “أستانا 18″، شدد لافرنتييف على أن روسيا “لا تتخلى عن حلفائها في المنطقة”، وفق ما نقلت وكالة “سبوتنيك”.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت موسكو ستغض الطرف عن أي جزء من عملية تركية شمالي سوريا مقابل استمرار أنقرة في منع دخول فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو”، قال الدبلوماسي الروسي إنه “بالنسبة للتبادلات المحتملة حول موقف تركيا بشأن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو مقابل أن نغض الطرف عن عملية تركيا في شمالي سوريا، فلا يوجد شيء من هذا القبيل”.

وفي وقت سابق اليوم الأربعاء، اعتبر لافرنتييف أن روسيا تنظر إلى العملية العسكرية التركية المحتملة شمالي سوريا على أنها “خطوة غير حكيمة، من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد، وتتسبب في جولة جديدة من الأعمال العدائية في البلاد”.

وأوضح مبعوث الرئيس الروسي أن موسكو ستدعو أنقرة إلى “الامتناع عن هذه الخطوة، وحل القضايا القائمة من خلال الحوار”، مؤكداً أن روسيا “مستعدة لتقديم كل دعم ممكن في هذا الشأن”.

العملية العسكرية التركية شمالي سوريا

وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عن قرب تحرك عسكري على الحدود الجنوبية لبلاده مع سوريا، مشيراً إلى أن “المناطق التي تعد بؤرة الهجمات والمضايقات ضد بلدنا ومناطقنا الآمنة هي على رأس أولوياتنا”.

وقال أردوغان إن “أنقرة تخطط لتطهير تل رفعت ومنبج في سوريا من الإرهابيين”، في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” المتهمة بصلاتها مع حزب “العمال الكردستاني” المصنف على لوائح تركيا للإرهاب.

ووفق تقارير إعلامية، فإن العمليات ستجري في أربع مناطق شمالي سوريا من أجل توسيع المنطقة الأمنية، التي أنُشئت عبر عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”.

شروط تركيا الخمسة

وفي 18 أيار الجاري، تقدمت فنلندا والسويد رسمياً بطلب العضوية لحلف شمال الأطلسي، إلا أن الرئيس التركي أعلن تحفظ بلاده على انضمامهما، موضحاً أن الدولتين “لا تبديان موقفاً صريحاً ضد التنظيمات الإرهابية، وأنه لا يمكن لأنقرة أن توافق على انضمامهما في هذه المرحلة”.

وتطالب تركيا السويد بوقف دعم الأحزاب والكيانات العسكرية والسياسية في شمال شرقي سوريا، وتتهم استوكهولم بمنح هذه الجماعات المسلحة أسلحة مضادة للدبابات وطائرات مسيّرة ومساعدات مالية تعادل 376 مليون دولار.

ووضعت أنقرة خمسة شروط لقبول انضمامها لحلف شمال الأطلسي، وهي: وقف دعم حزب “العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب”، ووقف استقبال أعضاء من هذه المنظمات الإرهابية داخل السويد، ووقف تمويل الإرهاب، ورفع حظر الأسلحة الذي تفرضه السويد على تركيا، والتعاون العالمي ضد الإرهاب.

—————————–

===============

تحديث 17 حزيران 2022

———————–

آستانا 18 ونهاية التكهنات بشأن تل رفعت ومنبج/ بكر صدقي

تأخر صدور موقف رسمي من روسيا بشأن مشروع التدخل التركي الجديد في شمال سوريا إلى حين بداية اجتماعات «آستانا 18» في العاصمة الكازاخية، فقال المبعوث الرئاسي الروسي للملف السوري ألكسندر لافرينتييف إن «هذا التدخل سيفتقد إلى الحكمة» لأن من شانه أن يثير صراعات جديدة ويزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة.

أما تلفزيون NTV التابع للدولة في روسيا فقد عبر عن موقف أكثر حدة تجاه النوايا التركية المعلنة، فخصص ملفاً عن الموضوع، عشية اجتماعات آستانا المشار إليها، وصف فيه الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية بالاحتلال، واعتبر أن العملية العسكرية الجديدة المحتملة ستكون هجوماً «على الكرد بالتحالف مع الجهاديين»! كما بث تصريحات لقائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي الذي عبر عن استعداد قواته للتنسيق مع قوات الأسد في صد الهجوم التركي المحتمل، مع الإشارة إلى احتمال استهداف الطائرات التركية بمضادات النظام في حال بدأ الهجوم.

يأتي ذلك بعد أيام على زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة حيث عبّر عن «تفهّم بلاده للهواجس الأمنية التركية في سوريا» من غير أن يعطي موافقة على العملية التركية المحتملة ضد تل رفعت ومنبج كما جاء على لسان الرئيس اردوغان.

ربط معظم المراقبين بحق بين تنفيذ العملية العسكرية التركية والحصول على موافقة كل من واشنطن وموسكو، أو غض نظرهما على الأقل، وذلك استئناساً بالعمليات الثلاث السابقة في كل من جرابلس ـ الباب، وعفرين، ورأس العين ـ تل أبيض، فهي لم تتحقق إلا بضوء أخضر أمريكي أو روسي أو كليهما معاً. أما التحليلات الرغبوية التي تعطي تركيا ورئيسها إمكانيات تفوق الواقع فقد اعتبرت أن الرئيس التركي ما كان سيتورط بتصريحاته بشأن تل رفعت ومنبج لولا حصوله على الضوء الأخضر الأمريكي أو الروسي، أو أنه قادر على فرض أمر واقع على الجميع. لكن واقع الحال هو أن كلاً من واشنطن وموسكو، وبخاصة هذه الأخيرة، قد أثبتتا لتركيا أن أي عمل بغير موافقتهما ستكون له عواقب مؤلمة، كما حدث بعد إسقاط تركيا لطائرة سوخوي الروسية في 2015، وكذلك حين استهدف الطيران الروسي والأسدي قافلة عسكرية تركية في محافظة إدلب في شباط عام 2020، فقتلت 34 جندياً تركياً.

كذلك يغفل هذا النوع من التحليل أن تصريحات الرئيس التركي يمكن قراءتها بوصفها نوعاً من جس النبض و«استدراج عروض» للمساومة على أمور أخرى. فإذا جاء الرد بالموافقة أو غض النظر لن تتردد القيادة التركية في تنفيذ تهديداتها، وعينها على الرأي العام التركي بمناسبة اقتراب موعد الانتخابات المقبلة المصيرية بالنسبة للسلطة.

أما إذا كان الرد سلبياً فسوف تطالب أنقرة بتنازلات في موضوعات خلافية أخرى، أو هذا ما تأمله على الأقل. وعموماً يسعى أردوغان إلى تسخين الأجواء مع الدول المجاورة كلما تراجعت شعبيته وشعبية حكومته على وقع تدهور الوضع الاقتصادي باطراد، الأمر الذي تكاد جميع استطلاعات الرأي الدورية تجمع عليه، فرأينا كيف أنه عاد إلى موضوع الخلاف مع اليونان على جزر بحر إيجة، كما نفذ الطيران التركي هجمات جديدة على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق حيث لا يجد الحزب المذكور من يدافع عنه بسبب وجوده على قوائم المنظمات الإرهابية، بخلاف فرعه السوري «الاتحاد الديمقراطي» وتفرعاته السياسية والعسكرية، التي لم يتمكن الأتراك من اقناع أي دولة بأنه منظمة إرهابية.

الخلاصة أنه بعد إعلان كل من واشنطن وموسكو على التوالي عن رفضهما للعملية العسكرية التركية في تل رفعت ومنبج، يمكن القول إنها لم تعد على جدول الأعمال التركي في الوقت الحالي، وإن كان احتمال تنفيذها في وقت آخر وشروط أخرى يبقى قائماً بالنظر إلى ما يمكن أن تدره من مكاسب انتخابية في الداخل وليس لأي اعتبارات أخرى.

غير أن تصريحات لافرينتييف في افتتاح اجتماع آستانا تستحق وقفة إضافية لما انطوت عليه من رسائل مهمة. فقد تحدث الموفد الرئاسي الروسي عن أن البعض يتوقعون انحسار الاهتمام الروسي بسوريا بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنهم يخطئون في توقعاتهم. هذا الكلام يشكل رسالة لإيران وتركيا معاً، شريكتي روسيا في مسار آستانا، مفادها أن خيوط الصراع والسياسة في سوريا ما زالت في يد موسكو. تزداد أهمية هذه الرسالة بالنظر إلى أن القيادة الإيرانية تتصرف فعلاً على أساس انحسار متوقع للدور الروسي في سوريا، سواء بملء فراغات عسكرية موضعية تركتها القوات الروسية في الأشهر الأخيرة بميليشيات تابعة لها، أو استدعاء بشار الأسد إلى طهران الذي فسر بمعنى طموح القيادة الإيرانية للتفرد بسوريا بعد انسحاب روسي محتمل بسبب الحرب في أوكرانيا.

الرسالة الثانية في تصريحات لافرنتييف تتعلق بأن جنيف «لم تعد مكاناً مناسباً للحوار السوري ـ السوري». والمقصود اجتماعات اللجنة الدستورية التي تتم هناك بإشراف الأمم المتحدة. فقد شكا المبعوث الرئاسي من الصعوبات التي عانتها روسيا في المشاركة في تلك الاجتماعات. يتعلق الأمر بالطبع بالحصار الخانق الذي تفرضه الدول الأوروبية على روسيا، وتحديداً بمنع الطيران المدني الروسي من التحليق فوق أجواء الدول الأوروبية، وبذلك يصبح سفر الوفد الروسي إلى جنيف يتطلب موافقة تلك الدول.

أخيراً لا يخفى على أحد أن التمدد الإيراني الجديد في الأراضي السورية حيثما حدثت انسحابات روسية، هو مما يزعج تركيا، في إطار التنافس على النفوذ في الأراضي السورية بين الدولتين، الأمر الذي لا بد أن يشغل حيزاً مهماً في مناقشات آستانا.

كاتب سوري

القدس العربي

———————

تركيا تنتقد رفض حلفائها عمليتها المحتملة شمال سوريا/ سعيد عبد الرازق

روسيا اعتبرتها «عملاً غير حكيم»… ورفض أوروبي وأميركي

انتقدت تركيا رفض بعض الدول الحليفة لما وصفته بـ«العمليات العسكرية التي تقوم بها ضد الإرهاب»، وذلك بعد اتساع دائرة الرفض لعملية عسكرية محتملة ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا قال الرئيس رجب طيب إردوغان إنها تستهدف استكمال المناطق الآمنة بعمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية من أجل حماية حدود بلاده الجنوبية.

وقال المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية الحاكم» عمر تشيليك إنه كلما قطعت تركيا شوطاً جديداً في «مكافحة الإرهاب» أو خططت لعملية جديدة، تشعر بعض الدول الحليفة، الديمقراطية على وجه الخصوص، بالقلق.

وجاءت تصريحات تشيليك عقب اجتماع اللجنة المركزية للحزب برئاسة إردوغان ليل الثلاثاء/ الأربعاء، حيث تم استعراض مواقف الدول الحليفة والصديقة لتركيا من العملية العسكرية التي أعلن إردوغان أنها ستشمل منبج وتل رفعت، اللتين تخضعان لسيطرة «قسد» وتوجد بهما قوات روسية.

وتقول تركيا إن الهجمات على أراضيها من المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية أكبر مكوناتها والتي تصنفها تركيا تنظيماً إرهابياً وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا وتعتبرها الولايات المتحدة وحلفاء أنقرة في الغرب حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، تصاعدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة وإنه يتعين عليها التحرك لإبعاد الوحدات الكردية لمسافة 30 كيلومتراً عن حدودها. وتتهم الولايات المتحدة وروسيا بعدم تنفيذ التزاماتهما بموجب تفاهمات أوقفت بموجبها عملية» نبع السلام” العسكرية التي استهدفت مواقع قسد في شمال شرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019…

ونفذت تركيا 4 عمليات عسكرية في شمال سوريا منذ عام 2016. سيطرت خلالها على مئات الكيلومترات من الأراضي بعمق 30 كيلومتراً مستهدفة بشكل أساسي وحدات حماية الشعب. ورغم دعمهما لأطراف متنافسة في الحرب السورية، نسقت تركيا مع روسيا في عملياتها العسكرية. لكن عملياتها قوبلت بانتقادات من قبل حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبخاصة الولايات المتحدة. وفرضت بعض الدول، من بينها السويد وفنلندا الراغبيتن في الانضمام إلى الناتو، حظر أسلحة على تركيا.

وعبرت واشنطن عن قلقها من أي هجوم جديد في شمال سوريا قائلة إنه سيعرض القوات الأميركية للخطر ويقوض الاستقرار في المنطقة.

وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوين، إن التكتل يحث على ضبط النفس بخصوص العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا. إذ ينبغي معالجة مخاوف تركيا الأمنية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، وليس بالعمل العسكري. كما يرى أن ظروف العودة الآمنة للاجئين السوريين لم تتحقق حتى الآن، وأنه لا يزال محافظاً على سياسته إزاء اللاجئين لضامن حمايتهم على أراضيه. ولفت المتحدث الأوروبي، في تصريحات أمس، إلى أن روسيا استخدمت في أوكرانيا التكتيكات العسكرية، ذاتها، التي استخدمتها في سوريا لتحقيق مصالحها من دون أي اعتبار للمدنيين والبنى التحتية المدنية.

وحذرت إيطاليا من «تداعيات سلبية» للعملية العسكرية التركية المحتملة. وقالت نائبة وزير الخارجية والتعاون الدولي بالخارجية الإيطالية، مارينا سيريني، في إفادة أول من أمس، إن إردوغان أعلن أن عملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا ستنطلق قريباً، وهو ما يعزز احتمال حدوث المزيد من التداعيات السلبية على الاستقرار الإقليمي والحملة العسكرية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.

وأضافت سيريني أن المعطيات الآن تشير إلى أن روسيا ستعمل على الأقل في الوقت الحالي، على إبعاد سوريا عن المواجهة الروسية الأوكرانية، حتى لا تفتح جبهة معقدة من العلاقات مع تركيا، لافتة إلى أنها تجنبت زيادة الضغط العسكري على إدلب خلال فترة هجومها على أوكرانيا.

ولفتت إلى أنه بعد 11 عاماً على بداية الأزمة، ازداد الوضع الإنساني سوءاً، مقارنة بفترة المواجهة العسكرية. وقد وصل معدل الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 90 في المائة، بينما لا يزال نصف السكان نازحين ولاجئين.

في المقابل، أعلن المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أن روسيا تعتبر عملية تركيا العسكرية المحتملة في سوريا «عملاً غير حكيم» لأنها قد تتسبب في تصعيد الوضع وزعزعة الاستقرار.

وأكد لافرنتييف، الذي يترأس وفد بلاده في محادثات «مسار أستانا» التي انطلقت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، أمس (الأربعاء)، مع وفود كل من تركيا وإيران والحكومة السورية والمعارضة المسلحة، أن روسيا لن تغض الطرف عن العملية العسكرية التركية الجديدة في شمال سوريا مقابل موقف أنقرة من انضمام فنلندا والسويد للناتو، الذي ترفضه بلاده.

في الوقت ذاته، قصفت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون، محيط قرية المحسنلي شمال منبج، ضمن ريف حلب الشمالي الشرقي. كما نفذت القوات التركية قصفاً مدفعياً وصاروخياً طال قرى عقيبة بناحية شيراوا ومحيط قرى كفر أنطون ومطار منغ العسكري ومحيط قرية تل قراح بريف حلب الشمالي، ضمن مناطق انتشار قوات «قسد»، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس.

ووقع انفجار في مناطق ضمن مدينة الباب الخاضعة لنفوذ فصائل غرفة عمليات «درع الفرات» الموالية لتركيا بريف حلب الشرقي، أمس، تبين أنه ناجم عن عبوة ناسفة استهدفت سيارة مدير منظمة إغاثية تركية، مما أدى إلى مقتله.

الشرق الأوسط

—————————

تركيا تطالب بتبديد مخاوفها الأمنية لقبول عضوية السويد وفنلندا بـ{الناتو}/ سعيد عبد الرازق

جدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان موقف بلاده الرافض لانضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) ما لم يتخذ البلدان خطوات ملموسة تجاه مخاوف تركيا الأمنية. وقالت الرئاسة التركية، في بيان، إن إردوغان أكد للأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في اتصال هاتفي بينهما، أمس (الأربعاء)، أن تركيا لن تغير موقفها من انضمام البلدين الأوروبيين إلى الحلف دون اتخاذهما خطوات ملموسة تجاه مخاوفها الأمنية والتزامهما بمكافحة الإرهاب. وشدد إردوغان على أنه لا يمكن إحراز تقدم في عملية الانضمام، دون رؤية خطوات ملموسة من كلا البلدين تلبي تطلعات تركيا المشروعة، ووجود التزامات مكتوبة تضمن تغييرا في نهج البلدين بشأن مكافحة الإرهاب، والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية. وفي كلمة أمام نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان التركي، أمس، شدد الرئيس التركي على أنه لن يكون هناك أي تغيير في موقف تركيا لانضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، حتى يتخذ البلدان خطوات «واضحة وملموسة وحاسمة» في مكافحة الإرهاب.

وتتهم تركيا كلا من السويد وفنلندا بتوفير ملاذ آمن لأعضاء تنظيمات إرهابية تعمل ضدها، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا والاتحاد الأوروبي وأميركا، ووحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها تركيا امتدادا له في سوريا وينظر إليها حلفاؤها الغربيون كأوثق حليف في الحرب على «تنظيم داعش» الإرهابي، فضلا عن حركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، التي أعلنتها السلطات التركية تنظيما إرهابيا عقب محاولة انقلاب فاشلة وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016. وقدمت تركيا إلى السويد قائمة تضم أكثر من 30 اسما من عناصر العمال الكردستاني وحركة غولن لتسليمهم إليها. وتطالبها، وكذلك فنلندا، برفع حظر صادرات السلاح الذي فرض بسبب عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، واستهدفت مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل الوحدات الكردية أكبر مكوناتها.

بدوره، قال ستولتنبرغ إن السويد وفنلندا على استعداد للعمل مع تركيا بشأن مخاوفها الأمنية «المشروعة» بشأن الإرهاب. وأكد ستولتنبرغ، في تصريح أمس، أن تركيا «حليف مهم»، وأن لديها مخاوف بشأن بعض القضايا المحددة، لا سيما المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وأن الحلف يأخذ مخاوف تركيا الأمنية على محمل الجد وسيعمل على إزالتها.

وكان ستولتنبرغ قال، في مؤتمر صحافي مشترك مع رؤساء وزراء 7 دول حليفة في الناتو في لاهاي، أول من أمس، إنه يجب أخذ مخاوف تركيا على محمل الجد، لأنها تواجه بالفعل تهديدات إرهابية خطيرة. وأضاف «علينا أخذ المخاوف التي أعرب عنها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على محمل الجد لأن تركيا تواجه بالفعل تهديدات إرهابية خطيرة، وإذا كان لدى حليف مهم مثل تركيا مخاوف، فسنجلس ونتحدث ونجد حلاً». ولفت إلى أن زيارتيه إلى السويد وفنلندا سارتا بشكل إيجابي، معرباً عن ترحيبه بالإجراءات المتخذة من الدولتين بخصوص تبديد مخاوف تركيا بما فيها مكافحة نشاط حزب العمال الكردستاني.

وتقدمت السويد وفنلندا بطلب رسمي للانضمام إلى الناتو في 18 مايو (أيار) الماضي، بدافع من مخاوفهما المتعلقة بالحرب الروسية في أوكرانيا.

وفي مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» نشرت أول من أمس، قال ستولتنبرغ إن الحلف لم يتوقع أن ترفض تركيا انضمام السويد وفنلندا إليه، وإنه لا يزال هناك مجال للتغلب على «مخاوفها المشروعة بشأن الإرهاب».

ولفت إلى أن هدفه هو أن تصبح فنلندا والسويد عضوين في الناتو في أسرع وقت ممكن، مؤكدا أنه لا يوجد موعد نهائي لحل هذه القضية قبل قمة الناتو في نهاية يونيو (حزيران). وعبر عن امتنانه لرئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون التي أكدت استعداد بلادها لمعالجة مخاوف تركيا من خلال تعديل قوانين مكافحة الإرهاب وعرض تسهيل بيع الأسلحة لها.

في السياق ذاته، أكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الناتو، جوليان سميث، أن تبديد مخاوف تركيا فيما يتعلق بانضمام فنلندا والسويد سيكون من مصلحة الحلف. ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن سميث قولها، في تصريحات أمس، إنهم يسعون خلف الأبواب الموصدة لإزالة المخاوف التركية في هذا الخصوص، وإن فنلندا والسويد تواصلان لقاءاتهما مع المسؤولين الأتراك لإزالة تلك المخاوف، وإن واشنطن تتواصل أيضاً مع تركيا وفنلندا والسويد في هذا الخصوص.

————————–

ناشونال إنترست: حرب أوكرانيا فتحت فرصا لتركيا وعلى أردوغان ألا يبالغ باستغلالها

إبراهيم درويش

شر موقع “ناشونال إنترست” مقالا لغونول تول، الباحثة في معهد الشرق الأوسط، قالت فيه إن تركيا أردوغان قد تنتفع من حرب أوكرانيا التي فتحت لها العديد من الفرص، لكن على الرئيس رجب طيب أردوغان عدم المبالغة في المطالب والتصرفات.

وقالت الكاتبة إن أردوغان عادة ما يحول الأزمات إلى فرص، وهذا ديدنه. والأزمة في أوكرانيا هي واحد من الأمثلة. فبعد الصدمة الأولى التي تسبب بها غزو أوكرانيا والتي وضعت تركيا في وضع غير مريح، يبدو أن أردوغان الآن يقطف ثمار الواقع الجيوسياسي الجديد. فقد أصبح الغرب وروسيا في المكان الذي يريده لهما، فالأول مدين له، والثاني في وضع ضعيف لا يستطيع التحرك ضده، أو هكذا يعتقد. ففي الفترة التي تبعت الغزو الروسي لأوكرانيا، لعب موقف تركيا المهم في أمن البحر الأسود ولعبة الجمباز التي مارسها أردوغان بين موسكو وكييف، دورا في تقوية موقع أنقرة لدى الغرب.

وبعد علاقة اتسمت بالفتور نتيجة عدد من القضايا منها التوغل التركي في شمال سوريا، وقرار شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية أس-400، باتت علاقات تركيا بحلفائها الغربيين دافئة. فقد كان قرارها بيع الطائرات المسيرة لأوكرانيا، وممارسة حقها بتفعيل المادة 19 من معاهدة مونترو، التي منعت بموجبها عبور البوارج البحرية الروسية من مضيقي البسفور والدردنيل، ومنعت الطائرات العسكرية الروسية المتجهة إلى سوريا من عبور مجالها الجوي، كان محلا للثناء في العواصم الغربية.

وزاد من وضعية تركيا، العرض الأخير من أنقرة بالمساعدة في إزالة الألغام من ميناء أوديسا الأوكراني، وتوفير الحراسة للسفن الأوكرانية المحملة بالمواد الغذائية لتجنب أزمة غذاء عالمية. وبات أردوغان، واثقا من أن الغرب فهم الدورالتركي الذي لا يمكن الاستغناء عنه. وزاد من ثقته، ورقة الفيتو لدى أنقرة في قرار انضمام كل من فنلندا والسويد لحلف الناتو، وهو تحرك ربما كان كفيلا بتغيير المجال الأمني الأوروبي. وترى الكاتبة أن الأهمية الإستراتيجية التي باتت تركيا تتمتع بها في جهود الغرب لمواجهة روسيا في أعقاب غزو أوكرانيا، تمنح أردوغان فرصة للحصول على تنازلات من الغرب.

وأحد أهم المطالب التي يسعى أردوغان للحصول عليها، هي شراء الأسلحة. فبعد العملية العسكرية التركية في شمال سوريا عام 2019، فرضت عدة دول أوروبية، ومنها السويد وفنلندا حظرا على بيع الأسلحة لأنقرة. ولكن النكسة في شراء الأسلحة بدأت قبل العملية بداية 2019، عندما قررت الولايات المتحدة منع بيع مقاتلات أف-35 لتركيا بسبب منظومة أس-400 الروسية.

وتقدمت تركيا قبل فترة بشراء مقاتلات أف-16 الأمريكية، و80 مجموعة تحديث لأسطولها. لكن أعضاء الكونغرس يراكمون الضغوط على إدارة بايدن لمنع الصفقة. وأدت العقوبات الغربية إلى تشويش خطط التحديث التركية، ووجهت ضربة واضحة لصناعتها العسكرية. وواحد من المجالات الذي تسبب فيه العقوبات بمشكلات لتركيا، هو تكنولوجيا المحركات. حيث لم تكن تركيا قادرة على تصنيع محركاتها، بشكل عرقل صناعتها الدفاعية المزدهرة.

وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت تركيا تبحث عن خيارات عدة للتغلب على هذه التحديات. وواحدة من الأفكار هي شراء مقاتلات روسية، أو تعاون مع أوكرانيا التي احتفظت بميراث الاتحاد السوفييتي لتصميم وتصنيع المحركات القادرة على تشغيل أنواع عدة من الطائرات. إلا أن الحرب في أوكرانيا جعلت من تلك الخطط غير مجدية، على الأقل في الوقت الحالي. ولم تعد فكرة شراء مقاتلات روسية قائمة بسبب الفشل الروسي الصارخ في أوكرانيا، والعار الذي سيلتصق بتركيا لو ارتبطت بالصناعة العسكرية الروسية.

وقلبت الحرب الخطط التركية للتعاون مع أوكرانيا في المستقبل القريب مما أجبر أنقرة على البحث عن خيارات في الأسواق الغربية. ويأمل أردوغان باستخدام وضع تركيا كعضو مهم في الناتو، وورقة الفيتو على عضوية كل من السويد وفنلندا للحصول على تنازلات وإجبار الدول الغربية على رفع العقوبات عن بيع الأسلحة لتركيا.

ويريد أردوغان الاستفادة من ضعف الموقف الروسي أيضا. فلطالما حاول أن يقوم بعملية عسكرية في شمال سوريا من أجل إقامة منطقة عازلة تستوعب 3.6 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا. إلا أن المعارضة الأمريكية والروسية جعلته يضع خططه على الرف. ويعتقد أردوغان على ما يبدو أن الوقت الحالي هو الأفضل لشن عملية عسكرية جديدة، في وقت تركز روسيا على الحرب في أوكرانيا، إضافة للحنق المحلي التركي ضد اللاجئين السوريين قبل انتخابات عام 2023.

كما يريد أردوغان استخدام ورقة الفيتو على طلب عضوية السويد وفنلندا للحصول على الموافقة الغربية. وربما حصل على بعض هذه الأمور لو رفعت فنلندا والسويد القيود على تصدير المعدات الدفاعية إلى تركيا، أو تعطيه روسيا الضوء الأخضر لعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا. ولكن محاولة أنقرة إجبار واشنطن قد ترتد سلبا عليها وستزيد من الجبهة المعادية لأردوغان في العواصم الغربية.

ويبدو أن إدارة بايدة مستعدة لبيع مقاتلات أف-16 لتركيا. وفي رسالة من وزارة الخارجية إلى الكونغرس قالت فيها إن إمكانية بيع المقاتلات لتركيا ستكون متوافقة مع مصالح الأمن القومي الأمريكي، وستكون في مصلحة الناتو ووحدته على المدى البعيد. وأقنع موقف تركيا من الحرب في أوكرانيا عددا من المشرعين في الكونغرس لدعم صفقة أف-16، إلا أن تهديد أردوغان الأخير بمنع انضمام السويد وفنلندا للناتو، أدى لتغير المزاج في الكونغرس، حيث اعتبر مشرعون التهديد بمثابة ابتزاز.

كما أن التوتر المتزايد بين تركيا واليونان لا يساعد أردوغان أيضا. وفي النهاية، فتح الغزو الروسي لأوكرانيا فرصا جديدة لتركيا، لكن على أردوغان ألا يبالغ، فربما تحول موقف تركيا الانتهازي والمعرقل لانضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، حجر أساس جديد لتراجع موقفها كحليف.

———————

أستانة لم تأتِ بجديد:منصة شروط روسية..وبيان ختامي هزيل

أكدت الدول الثلاث الضامنة لمسار “أستانة” الخميس، ضرورة مواصلة الجهود للحفاظ على الهدوء في إدلب وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة في الشمال السوري، ومكافحة الإرهاب، وتسهيل عودة اللاجئين.

جاء ذلك في البيان الختامي لأعمال الجولة ال18 من مؤتمر أستانة التفاوضي الخاص بالأزمة السورية، الذي اختتم في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان الخميس.

وعبرت الدول الثلاث الضامنة للاتفاق، وهي روسيا تركيا وإيران، عن “قلقها البالغ إزاء الحالة الإنسانية المتدهورة في سوريا”، داعية إلى ضرورة العمل على إزالة المعوقات أمام المساعدات الإنسانية وزيادتها لجميع السوريين، في جميع أنحاء البلاد دون تمييز وتسييس وشروط مسبقة.

التسوية السياسة

وجدد البيان الختامي ضرورة الدفع باتجاه التسوية السياسية وفقاً للقرار لمجلس الأمن 2254، مؤكداً أنه “يجب استمرار عمل اللجنة الدستورية دون أي قيود”. كما تطرق إلى ضرورة تذليل العقبات أمام عودة آمنة وطوعية للاجئين والمهجرين بما يتماشى مع القانون الدولي والإنساني وتقديم كافة أنواع الدعم لذلك، بما فيه الدعم المقدم من الأمم المتحدة.

وأكدت الدول الضامنة أن الجهود مستمرة لمكافحة الإرهاب التي تشكل تهديداً للمدنيين داخل وخارج منطقة خفض التصعيد في إدلب، كما أكدت في الوقت ذاته، على الوقوف بوجه جميع الدعوات الانفصالية في شمالي شرقي سوريا. ودان “الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على سوريا، والتي تنتهك القانون الدولي وسيادة سوريا ودول الجوار، وتهدد الاستقرار والأمن في المنطقة، مشدداً على ضرورة إيقافها”.

قمة في طهران

ولم تحدد الوفود المشاركة موعداً محدداً للجولة 19 من المؤتمر، إلا أنها اتفقت بشكل مبدئي على أن تتم في خريف 2022، في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، في حين سيعقد المؤتمر على مستوى رؤساء الدول الضامنة في العاصمة الإيرانية طهران، بحسب رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرنتييف.

وقال لافرنتييف في مؤتمر صحافي عقده عقب نهاية الجولة، إن “مؤتمر أستانة على مستوى رؤساء الدول الثلاث الضامنة للمسار روسيا تركيا وإيران، من المقرر أن يعقد في العاصمة الإيرانية طهران”، موضحاً أن التأجيل الطويل لتلك القمة كان بسبب تداعيات فيروس كورونا.

شروط لافرنتييف

ولم يأتِ البيان الختامي لجولة أستانة ال18 بأي جديد مختلف عن الجولات السابقة، باستثناء أن لافرنتييف اتخذ من الجولة الحالية، منصة لفرض الشروط الروسية، من العملية العسكرية التركية المزمعة في شمال وشمال شرق سوريا، وصولاً إلى المطالبة بتغيير مكان اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف.

وقال لافرنتييف خلال افتتاح الجولة ال18 الأربعاء، إن بلاده ترى العملية العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها في الشمال السوري “غير عقلانية”، لافتاً إلى أن موسكو تدرس الوضع القائم على الأرض بالتزامن مع تلك النوايا.

وأضاف أن موسكو لا ترى بالعملية التركية إلا “زيادة من حدّة التوتر على الأرض”، مشيراً إلى أن بلاده “ستطلب من الجانب التركي التراجع عن هذه الخطوة، والاتجاه لحل المسألة عبر الحوار، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية، وروسيا مستعدة لتقديم المساعدة في ذلك”.

ونفى لافرنتييف ما تردد عن ضعف اهتمام بلاده بالقضية السورية قائلاً: “كثيرون الآن يقولون إن الاهتمام الروسي بسوريا ضعف بسبب العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لكن أؤكد لكم أن الصراع السوري والتسوية ما زالت في أولويات السياسة الخارجية الروسية”، مشدداً على أن روسيا “لن تتخلى عن حلفائها في المنطقة”.

وتعليقاً، رأى الباحث المتخصص في الشأن الروسي سامر إلياس، في تصريح لافرنتييف، صورة أكثر وضوحاً للموقف الروسي الذي يريد الحفاظ على خطوط التماس المرسومة ضمن الاتفاق مع الجانب التركي في آذار/مارس 2020.

أهداف روسيا الخفية

وقال إلياس ل”المدن”، إن “موسكو تريد الدفع بأنقرة نحو التفاوض متعدد الأطراف بما يخص تعديل بعض القضايا المتعلقة باتفاقيات حدودية قديمة مع النظام السوري وهي اتفاقية أضنة 1999، وكذلك الأمر بالنسبة لتعديل الحدود التي رسمتها تركيا خلال العملية العسكرية 2019″، مشيراً إلى أن خيار نشر قوات للنظام في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) “مقبول” بالنسبة لأنقرة، باستثناء المخاوف المتعلقة بالمنطقة الآمنة.

كما ترى موسكو التلويح بالعملية فرصة لدفع قسد باتجاه الرضوخ لمطالب النظام، وعقلنة مطالبها في إطار الجهود التي تبذلها من أجل الوصول إلى صيغة لدخول النظام إلى تلك المناطق واستكمال السيطرة على الجغرافية السورية.

وأضاف أن الحفاظ على خطوط التماس وعدم القبول بعملية عسكرية جديدة؛ فرصة جديدة لتثبت موسكو أن مسار أستانة هو المسار الأنجع لإيجاد تسوية لحل القضية السورية، مشيراً إلى أن المبعوث الروسي تحدث صراحة عن هذه النقطة خلال المؤتمر الصحافي، فضلاً عن جهود التعطيل التي مارسها النظام بدفع من روسيا لتعطيل مسار جنيف.

وعلى الجانب الآخر، اعتبر إلياس أن تركيا تمتلك أوراقاً تستطيع من خلالها ممارسة الضغط على موسكو من أجل القبول بالعملية على الرغم من حدّة النبرة الروسية، كما جاءت على لسان لافرنتييف، مشيراً إلى أن هذه الأوراق “هي الموقف الحيادي من الحرب الأوكرانية، إضافة إلى ورقة جديدة متمثلة بتعطيل جهود روسيا الرامية إلى منع تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى الشمال السوري، وذلك بالسماح بالتعويض عن الآلية عبر إدخال المساعدات بدعم من واشنطن والغرب بمعزل عن مجلس الأمن”.

المدن

—————————–

روسيا تعمل على إعادة التوازن أمام تركيا في الملف السوري

إسطنبول ـ فراس فحام

وجه مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف رسائل للجانب التركي من العاصمة الكازاخستانية نور سلطان خلال المشاركة في الجولة 18 من مباحثات أستانا التي انعقدت في 15 من حزيران الجاري، أكد فيها أن بلاده “لن تغض الطرف عن العملية العسكرية التركية شمالي سوريا، مقابل موقف أنقرة من انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي”.

واستبق المتحدث باسم الكرملين انعقاد الجولة الجديدة من مباحثات أستانا بالتأكيد على أن” العملية العسكرية التركية في سوريا لن تساعد على تحقيق الاستقرار”.

رسائل عسكرية روسية قبيل انعقاد المباحثات

في 10 من حزيران الجاري أطلقت قوات النظام السوري جنوب إدلب مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، تحت إشراف كل من وزير الدفاع في النظام السوري العماد علي محمود عباس وقائد الفرقة 25 المدعوم من روسيا سهيل الحسن، إلى جانب جنرالات في الجيش الروسي حضروا التدريبات.

وأكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن الجيش الروسي نشر 8 طائرات مروحية هجومية في مطار أبو الضهور العسكري شرق إدلب، بعد أن شاركت بالتدريبات العسكرية.

وتظهر هذه الخطوات رغبة روسية بإعادة توجيه الأنظار إلى إدلب مجدداً، والتذكير بأن هذا الملف لا يزال عالقاً وخلافياً بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري.

وأفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن الوفد الروسي أعاد التذكير خلال الجولة 18 من مباحثات أستانا بمسألة انتشار “الفصائل المتطرفة” في إدلب، وضرورة إيفاء الدول الضامنة بالتزاماتها.

التصريحات الروسية والترتيبات العسكرية تعكس توجهاً روسياً لإعادة التوازن إلى موقفها أمام الجانب التركي في سوريا، عن طريق الفصل بين الملفات وعزل الملف السوري عن الواقع السياسي الذي فرضته الحرب الأوكرانية، والتي أتاحت لأنقرة هامش مناورة جيد في مواجهة روسيا، إذ إن موسكو تعمل حالياً على ضبط المباحثات مع تركيا على أسسها الأصلية، التي قامت على التزامات متبادلة بين روسيا وتركيا، تتضمن إبعاد العناصر “الإرهابية” من على الحدود التركية بعمق 32 كيلومتراً، مقابل تقويض سيطرة “التنظيمات الإرهابية” في إدلب وضمان إنشاء ممرات آمنة على جانبي طريق M4.

روسيا تستعيد زخم التنسيق مع إيران في سوريا

أكد كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر حاجي أن هناك رؤى مشتركة مع روسيا، وستنعكس في البيان الختامي لجولة أستانا الجديدة.

ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن “أصغر حاجي” تأكيده على تقارب وجهات النظر مع روسيا، وأن الاجتماعات بين وفدي البلدين في العاصمة الكازاخستانية كانت “ممتازة”.

التصريحات الإيرانية تظهر رضا طهران عن الهامش الميداني والسياسي الكبير الذي أتاحته روسيا لإيران في الملف السوري مؤخراً، فقد عادت الميليشيات الإيرانية للنشاط في البادية السورية الغنية بالثروات الباطنية، وعلى الحدود الإسرائيلية دون قيود اعتباراً من آذار 2022.

وعزز تشكيلا الفرقة الرابعة وفوج قاسم سليماني المدعومان من إيران مواقعهما شمال غربي سوريا على مقربة من الحدود التركية في أيار 2022 تحت غطاء جوي روسي.

وحرصت موسكو منذ عام 2019 على خوض مباحثات ثنائية مع الجانب التركي بخصوص الملف السوري، مع شبه تحييد لإيران، وهذا انعكس على أهمية مسار أستانا الذي تحول إلى لقاءات روتينية بشكل تدريجي آخر عامين، لكن يبدو أن روسيا حرصت على إعطاء زخم جديد للجولة 18 من مباحثات أستانا، بهدف تعزيز موقفها في مواجهة تركيا بالتقارب مع إيران، خاصة وأن موسكو لم تعد ترى أنها مضطرة للوفاء بالتزاماتها تجاه الأطراف الدولية بما يخص ضبط النفوذ الإيراني في سوريا، في ظل ما تتعرض له روسيا من ضغوطات غربية جراء الحرب الأكرانية، وأيضاً عدم رغبتها في تيسير التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين طهران والدول الكبرى على اعتبار أنه لم يعد يخدم مصالحها، وسيتيح لإيران أن تقدم نفسها كمصدر بديل للدول الغربية لتوفير النفط والغاز.

ومن الواضح أن روسيا لا ترغب بإحداث أي تغييرات على أصل تفاهماتها مع تركيا في الملف السوري، وتريد الحفاظ على ربط ملف إدلب بشمالي وشمال شرقي سوريا، بهدف منع تركيا من تحقيق المزيد من المكاسب في الملف السوري بالاستفادة من الظروف الدولية وحاجة روسيا إلى تركيا في ظل الضغوطات والعقوبات الغربية، ويبدو أن ما شجع موسكو على هذا النهج المتمثل بإعادة ضبط التوازنات في الملف السوري إدراكها لحجم التوتر بين تركيا وأميركا، حيث لا تزال الأخيرة تبدي الاعتراض الشديد على العمليات العسكرية التركية ضد قسد، بالإضافة إلى الموقف الأميركي الداعم لليونان بما يخص الخلاف مع تركيا حول الجزر المتنازع عليها، والتسريبات التي تتحدث عن توجه واشنطن لزيادة عدد قواعدها في اليونان إلى 11 قاعدة، يضاف إلى هذا كله عدم موافقة الكونغرس حتى هذه اللحظة على صفقة الطائرات التي ترغب تركيا بعقدها.

وكانت تركيا قد نجحت منذ منتصف أيار الماضي بتصعيد الضغط على روسيا، من خلال التركيز على عدم وفاء موسكو بالتزاماتها المتعلقة بإبعاد عناصر حزب العمال الكردستاني وتنظيم قسد عن الحدود التركية، والمطالبة بإتاحة المجال أمام العمليات العسكرية بسبب فشل تنفيذ تفاهم سوتشي الموقع في تشرين الأول 2019.

————————–

العملية العسكرية المحتملة ضد “قسد”.. هل ستنطلق؟

إسطنبول – سامر العاني

ما زالت العملية العسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يهيمن على قرارها “حزب العمال الكردستاني” (PKK) تحظى بحديث متصاعد من قبل وسائل الإعلام التركية، بالتزامن مع استعراضات تجريها فصائل الجيش الوطني السوري في مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرتهم.

وبينما يتحدث ناطقون من الجيش الوطني عن عملية عسكرية مرتقبة، لا يعكس الواقع ما يشير إلى اقتراب إطلاق المعركة، باستثناء أخبار متواترة غير مقترنة بأي تفاهمات مع الدول الضالعة في الملف السوري، وتلك الأخبار شبيهة بأخبار وتصريحات سابقة أطلقتها تركيا عدة مرات ما لبثت أن خبت بعد أن حصلت على مكاسبها من دون إطلاق أي معركة.

معارك مؤجلة

سابقا، أعلنت تركيا عدة مرات عن معارك ستشن ضد “قسد”، إلا أنها توقفت نتيجة تفاهمات سياسية حصلت فيها على مكاسب تعتبرها معقولة، لكن أهمها كان الإعلان عن معركة شاملة بعد التأخر في تنفيذ خريطة الطريق المتفق عليها بين أنقرة وواشنطن بشأن منبج.

فبعد مماطلة الولايات المتحدة الأميركية في تنفيذ خريطة الطريق المتفق عليها في حزيران 2018، أعلنت تركيا وقيادات من الجيش الوطني السوري عن عملية عسكرية تستهدف “قسد” ابتداء من مدينة منبج، وكانت من أهم العمليات التي أعلن عنها آنذاك، ليخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب محادثة هاتفية أجراها مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 14 كانون الأول 2018 ويعلن تأجيلها.

وفي شهر شباط 2019 اجتمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، مع وزير الدفاع الأميركي السابق بالوكالة، باتريك شاناهان، في واشنطن، وحصل على موافقة الأخير على عدم تأخير خارطة طريق منبج، وإخلاء منبج “قسد” المرتبطة “PKK” في أسرع وقت، وسحب الأسلحة منهم، وتسليم إدارة المدينة إلى أهلها، ومع أن هذا الاتفاق لم يتم إلا أنّ العملية العسكرية لم تنطلق أيضا.

المعركة المحتملة من وجهة نظر رسمية

تؤكد الجهات التركية الرسمية أن العملية العسكرية ستندلع لا محالة، مبينة أسبابها وأهدافها، ومعلنة عن المناطق المستهدفة في تلك العملية.

يقول الصحفي التركي حمزة تكين لـموقع تلفزيون سوريا إن “تركيا ستقدم على عملية جديد لا محالة، والتحضيرات لهذه العملية استغرقت الكثير من الوقت لأسباب عدة منها، دقة العملية والمراعاة الشديدة لوضع المدنيين في الشمال السوري، واختيار الأهداف الدقيقة للتنظيمات الإرهابية في كل مدن الشمال السوري التي يوجد فيها عناصر من تنظيم PKK و PYD الإرهابي أو ما هو معروف بتنظيم قسد، ومن ثم كل المدن في الشمال السوري التي يوجد فيها عناصر من هذا التنظيم ستكون هدفاً خلال العملية المقبلة”.

ويؤكد أن العملية المقبلة ستكون واسعة ضد هذا التنظيم، فتركيا لم تعد تحتمل وجوده على أراضيها أو على سوريا في الشمال السوري بمحاذاة أراضيها، ولذا حان الوقت لتوجيه عملية أوسع من العمليات السابقة كـ “غصن الزيتون” أو “درع الفرات” أو “نبع السلام”، لذلك العملية ستكون شاملة لكل الشمال السوري.

فادة في الجيش الوطني

استعداداً للمعركة المرتقبة.. مناورات للجيش الوطني شمالي سوريا |فيديو

ويرى أنّ هناك أهدافا تركية وأهدافا أخرى مشتركة بين تركيا وبين الشعب السوري، فالهدف التركي هو حماية الحدود التركية من التنظيمات الإرهابية خاصة أن هذه التنظيمات تستهدف بين الفينة والأخرى الحدود التركية سواء بتفجيرات أو بقذائف صاروخية أو تهريب متفجرات إلى المناطق التركية، ومن ثم الهدف الأول هو حماية الحدود التركية، وأما الهدف الثاني فهو حماية الأمن القومي التركي لما تشكله هذه التنظيمات من تهديد لذلك، أما الأهداف الأخرى المشتركة بين تركيا والشعب السوري فهي إنقاذ مئات الآلاف من المدنيين السوريين من أكراد ومن عرب ومن تركمان يرزحون تحت بطش تلك التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، وفق قوله.

ويضيف تكين أنّ هناك تدريبات كبيرة جدا وواسعة جدا على مدى أشهر خضع لها أفراد الجيش الوطني السوري بالتعاون مع تركيا وبدعم تركيا. ولذا بات الجيش التركي والجيش الوطني السوري مستعدين لهذا العمل المشترك.

لا عملية عسكرية الآن

مع أنّ تركيا لوّحت بعدة عمليات عسكرية سابقا، إلا أنّ هذه المرة يبدو الإعلان مختلفا، لامتلاكها أوراق تفاوض أكبر من ذي قبل، نظرا لدورها الذي لعبته في الغزو الروسي على أوكرانيا، وموقفها الرافض من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وهذا يعني إدراك الغرب لأهمية الأدوار التي يمكن لتركيا لعبها.

وفيما تطلق تركيا تصريحات طمأنة للأطراف الضالعة في الملف السوري بأنها لا تريد استهداف سيادة الدول الجارة ولا وحدة أراضيها في إشارة إلى العملية المحتملة، إلا أنّها تدرك أن الاستعدادات العسكرية لا تكفي، وتحتاج إلى موافقة كل الأطراف الدولية المنخرطة في الملف السوري.

يقول المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر لموقع تلفزيون سوريا إنّه وفق المعطيات السياسية والعسكرية وتحليلها فلا يمكن تحديد إن كانت هناك معركة قريبة في المدى المنظور، أقلها ضد “قسد” على طول الحدود السورية التركية بعمق 3٠ كم والتي أشار بضرورتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته الأخيرة لإنشاء منطقة آمنة وتأمين الحدود التركية، فسابقا وفي تشرين الماضي صرح الرئيس أردوغان تصريحات مماثلة وكان هناك تحركات وتعزيزات عسكرية ولكن لم تحدث أي عملية.

ويرى أنّ الغاية من الإعلان هو رسالة مناورة وتعبير عن الامتعاض تجاه واشنطن وتجاه سياسات حلف الناتو واستثمار لورقة طلب فنلندا والسويد المتهمتين تركيا بدعمهما للإرهاب ودعم ميليشيات “قسد” و”حزب العمال الكردستاني” في المقابل منعهما توريد السلاح لتركيا وفرض عقوبات عليها، فضلاً عن التعبير عن الامتعاض من روسيا لعدم إبعاد ميليشيا “قسد” مسافة 32 كم كما تم الاتفاق عليه بعد توقف عملية “نبع السلام” أيضا.

معركة من دون رصاص

حتى الآن يمكن القول إنّ المعركة انطلقت، لكن رصاصة واحدة لم تطلق بعد، ولا يبدو أنّ المدى المنظور سيشهد ذلك، فالأوراق التفاوضية بيد تركيا، حولتها من البحث عن المكاسب الممكنة إلى المكاسب المرضية، وهذا يعني أنّ المعركة السياسية قد تشهد تصعيدا في التفاوض السياسي إلى إعلان حرب من دون تنفيذها.

يقول الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان خلال حديث لموقع تلفزيون سوريا إنّ “الخطاب السياسي يصعد بشكل كبير جدا، وبحسب هذ الخطاب فإن المشكلة ما تزال قائمة، فتركيا لم تحقق أمنها القومي في حدودها الجنوبية، وهناك استحقاقات أمنية كانت مبنية على التفاهمات التركية الأميركية ثم التركية الروسية”.

وبالسؤال هل العملية العسكرية قريبة؟ يرى علوان أنّها قريبة سياسيا، لكن ميدانيا على الأرض لم تتحرك بعد مؤشرات ودلائل وعوامل تدل على أن هناك عملية عسكرية محددة الجهة ومحددة الحجم، ولا يوجد إلى الآن بوادر لعمل عسكري واسع من حيث نقل القوات ومن حيث عمليات الاستطلاع ومن حيث عمليات التمهيد الناري وقطع خطوط الإمداد على العدو، كل ذلك لا بد أن يكون قبيل العمل العسكري، وأن يكون مؤشرا على العمل العسكري، غير أن المناخ السياسي موجود لإشارة البدء بهذه التحضيرات في أي لحظة، والقصد من المناخ السياسي هنا هو طبيعة المواجهات مع قوات قسد، وكذلك الفرصة الإقليمية والدولية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن لا أعتقد أن تركيا تمضي بعمل عسكري من دون الحد الأدنى من التنسيق مع الجانب الأميركي ثم مع الجانب الروسي.

ويعتبر علوان أنّ الهدف من الإعلان عن نية تركيا اللجوء إلى الحل العسكري هو أن تركيا تريد تحقيق أمنها على حدودها الجنوبية وهو استحقاق، وهذا الاستحقاق من الممكن أن تؤدّيه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بفرض انسحاب “قسد”، أو أن تباشر تركيا بالفعل بالعمل العسكري كما حصل في عفرين سابقا عندما رفضت “قسد” الانسحاب، فكان لا بد من تطهيرها عسكريا، لذلك الإعلان عن قرب العملية العسكرية هو إعلان عن طاولة تنسيق إقليمية من أجل الوصول إلى الاستحقاقات الأمنية التي ترى تركيا أنها تأخرت بشكل كبير.

تبقى كل الاحتمالات متاحة إلا أن آخرها هو إعلان انطلاق عملية عسكرية واسعة، ومع أنّ هذا ما تدركه “قسد”، إلا أنّها تسعى لخلط الأوراق في المنطقة من خلال التهديد بإدخال قوات نظام الأسد كشريك لها في حربها المحتملة، وهذا ما لم توافق عليه روسيا إن لم يتم تسليم تلك المناطق بشكل كامل إلى نظام الأسد.

————————-

اللاجئون السوريون في تركيا ومشقّة الهروب من جديد/ محمد حردان

تخيّم منذ أسابيع حالة من الغموض تجاه مصير اللاجئين السوريين في تركيا، وسط ضبابية الاتجاه السياسي الذي تسير عليه بوصلة “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في أنقرة إزاء هذا الموضوع.

ولم يمضِ شهر على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي قال فيها إن “بلاده لن تعيد اللاجئين إلى بلدانهم، وتركيا ستواصل إبقاء بابها مفتوحاً أمام الأشخاص المظلومين”، حتى برزت مواقف حكومية جديدة بحق اللاجئين السوريين عُدّت انقلاباً على التصريحات السابقة، ومؤشراً يستدعي القلق لدى السوريين الموجودين على الأراضي التركية.

مع بداية عام 2022، ارتفعت وتيرة الحديث على ألسنة مسؤولين في الحكومة التركية والحزب الحاكم فيها عن إعادة مليون لاجئ سوري، وفق خطة أطلقت عليها اسم “العودة الطوعية” إلى “المنطقة الآمنة” في سوريا، والتي تضم 13 مدينةً سوريةً تحت النفوذ التركي.

تزامن ذلك مع تشديدات حول الأوضاع القانونية للسوريين في تركيا، منها عدم منح إذن حكومي للسفر خارج الولاية المُقيم فيها اللاجئ، وفي حال السفر من دون الحصول على تصريح يُعاقب اللاجئ السوري وقد تصل هذه العقوبة إلى الترحيل.

وكشفت وزارة الداخلية التركية في منتصف شباط/ فبراير الماضي، عن “خطة تخفيف” تستهدف انتشار اللاجئين السوريين في ولايات عدة، الأمر الذي يفرض قيوداً أكثر من جهة، ويؤثر على أعمال قسم كبير من اللاجئين وحياتهم من جهة أخرى.

وينص قرار الداخلية التركية على منع السوريين المسجلين في البلاد تحت “الحماية المؤقتة”، من تقييد نفوسهم في 16 ولايةً تركيةً، و800 حي في 52 ولايةً. وفي حال تجاوز عدد السوريين 25 في المئة من السكان في مكان ما، تُغلق أماكن الإقامة لاستقبال طلبات تقييد النفوس فيها.

وحول آخر إحصاء لعدد اللاجئين السوريين في تركيا، أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أنّ عدد اللاجئين السوريين الموجودين تحت “الحماية المؤقتة”، بلغ نحو ثلاثة ملايين و762 ألفاً، مشيراً إلى وجود قيود لـ120 ألف لاجئ غير مفعلة، خارج هذه الأرقام.

الدفع نحو الهجرة

بدأت هذه الخطوات تشعر السوريون في تركيا بنوع من “عدم الأمان”، ما دفع بالآلاف نحو البحث عن حلول بديلة ومنها السفر باتجاه أوروبا بالرغم من خطورة الطرق التي يسلكونها. وتشهد الحدود اليونانية-التركية نشاطاً متزايداً للهجرة غير الشرعية منذ أعوام عدة، إذ تُعدّ اليونان بوابة العبور نحو أوروبا بالنسبة إلى اللاجئين القادمين من سوريا.

يقول محمد عمر السعيد، وهو شاب سوري من مدينة حلب وصل إلى هولندا قبل أيام قادماً من ولاية أضيمان التركية، لرصيف22: “عند وصولي إلى تركيا في عام 2014، استقررت مع أسرتي في ولاية أضيمان التركية، وفي 2018 قررت الانتقال إلى إسطنبول بسبب سوء الأوضاع وحاجتي إلى العمل لأعيل أسرتي، لكن حينها لم يكن متاحاً لي نقل بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي إلى هناك. تركت عائلتي وذهبت للعمل هناك منفرداً، وبعد الحملة التي قامت بها الحكومة التركية في ترحيل اللاجئين المخالفين، عدت أدراجي إلى أضيمان. فرص العمل في هذه المحافظة قليلة، ووباء كورونا زاد الأوضاع سوءاً، والتغير في سياسة الحكومة التركية مؤخراً شجعني على اتخاذ قرار الهجرة إلى أوروبا قبل أن أجد نفسي وأسرتي مضطرين إلى العودة إلى سوريا”.

ويشير إلى أن “كلفة التهريب كبيرة جداً، ولم أكن قادراً على اصطحاب أسرتي معي، فوجدت أن سلوك الطريق وحيداً إلى هنا، لأقوم لاحقاً بلمّ شمل زوجتي وأولادي هو الحل الأمثل. بقيت قرابة الشهر ونصف على الطريق، وكانت الرحلة على مراحل عدة، من إزمير التركية إلى أثينا اليونانية بحراً، وبعدها إلى ألمانيا جواً، وفي النهاية إلى هولندا عبر القطار. دفعت قرابة 11 ألف يورو، لكني غير نادم لأني ضمنت بذلك مستقبلي ومستقبل أسرتي في العيش في دولة تضمن حقوقي واستقراري”.

والمنظمات أيضاً

لا تقتصر هذه الرحلات على فئة معينة من اللاجئين، إذ إن بعض الذين قرروا المغادرة هم من العاملين في منظمات المجتمع المدني السوري في تركيا، ويُعدّ وضعهم الاقتصادي جيداً مقارنةً مع الآخرين، لكن عدم وجود أوراق قانونية تضمن لهم حق التواجد في تركيا، والخوف من الإجبار على المغادرة، خاصةً بعد إزالة عدد كبير من ملفات التجنيس الخاصة بالسوريين، دفعهم إلى الهجرة نحو أوروبا.

وفي منتصف شهر أيار/ مايو الماضي، قامت مديرية النفوس العامة التركية بإزالة ملفات الجنسية الاستثنائية لمئات السوريين، وكانت مضت على طلبات بعضهم أربع سنوات، ومعظمهم من العاملين في الجمعيات السورية.

ويربط سوريون بين إزالة ملفّات التجنيس الاستثنائية مع الحملة التي تشنها الحكومة التركية لـ”استرضاء الشارع والمعارضة”، وسحب هذه الورقة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي ستجري منتصف عام 2023، عادّين أنّ إزالة الملفات لا يمكن فصلها عن الإجراءات الأخرى، من عودة طوعية وملاحقة مغيّري مكان الإقامة أو حتى عدم السماح للسوريين باستئجار منازل في مناطق معينة في الولايات الكبرى.

يقول أحد الموظفين في جمعية سورية في غازي عنتاب، لرصيف22: “كنت قد ألغيت فكرة الهجرة إلى خارج تركيا على أمل الحصول على الجنسية والاستمرار في عملي في غازي عنتاب، بعد أن تأقلم الأولاد مع المجتمع وأجادوا اللغة التركية. لكن وبعد انتظار دام ثلاث سنوات، وصلتني رسالة نصية تفيد بإزالة ملفي الخاص للحصول على الجنسية الاستثنائية، وبعد التغيّر الأخير في سياسة الحكومة التركية، وإعلانها خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى ما تدّعي أنها منطقة آمنة قررت الهجرة إلى أوروبا، وأقوم الآن بالبحث عن أفضل الطرق من أجل الخروج من هنا”.

ويردف الموظف الذي فضّل عدم ذكر اسمه: “بالرغم من أني مدرك تماماً أني سأبدأ بالتأسيس من جديد، وأعلم أن التأقلم مع مجتمع آخر لن يكون سهلاً، كما أني سأخسر فرصة عمل جيدةً كانت تحقق لي دخلاً مرتفعاً مقارنةً مع المتوسط المعيشي هنا، وربما سأخسر المحيط الاجتماعي من أقارب وأصدقاء، لكن ليس من المنطقي الاستمرار في مكان لا يضمن لي أي حق من حقوقي، ولا يمنحني أوراقاً تكفل لي حق البقاء في المكان الذي أقطن فيه مع أسرتي”.

خطورة الطريق

يتعرض من يُلقى القبض عليهم من قبل الجيش اليوناني لسلب أموالهم وأغراضهم الشخصية، ومنهم من يتعرضون للضرب، ثُم يعادون إلى تركيا. وكانت منظمة “مير ليبريوم” الحقوقية الألمانية، اتهمت كلاً من اليونان ووكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس)، بممارسة العنف ضد طالبي اللجوء في بحر إيجة، محذرةً من أن انتهاكات حقوق الإنسان من قبلهما في تزايد.

وكان الفرع اليوناني للمفوضية السامية للأمم المتحدة، قال إنه حصل على “تقارير وشهادات موثوقة بأن أشخاصاً تُركوا في بحر إيجة، من دون أن ينقذهم خفر السواحل اليوناني”، مؤكدةً أنها تلقت تقارير وشهادات بأن أشخاصاً تُركوا في عرض البحر بلا مساعدة لفترة طويلة، معظمهم على زوارق يصعب توجيهها، ومحمّلة بأكثر من طاقتها في انتظار إنقاذهم.

يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لرصيف22: “اللجوء حق لأي مواطن سوري، بسبب الحرب الدائرة في بلده. وبسبب إغلاق الدول الحدود أمام السوريين، يلجأ الكثير إلى استخدام الطرق غير الشرعية، أي التهريب من أجل الوصول إلى الدولة التي يرغبون في اللجوء إليها، للتخلص من الاضطهاد والقتل وحماية أنفسهم من حملات الهجوم التي يشنها النظام وحلفاؤه. وفي المقابل، يقوم المهربون بابتزاز الراغبين في الهجرة، واستغلالهم من أجل الحصول على أموال وتحقيق هامش ثراء شخصي. وليس من حق الدول إغلاق حدودها أمام الراغبين في اللجوء إليها، وذلك وفقاً للقانون الدولي”.

المعارضة غائبة

مع تزايد الضغوط من دون وجود جهات سورية قد تخفف العقبات المُتراكمة أمام السوريين نتيجة تزايد الخطاب العنصري من قبل سياسيين أتراك، ومحاولات الحكومة التركية فرض قيود على حياة اللاجئين لمحاولة ضبط هذا الخطاب، يتكرر السؤال عن وجود جهة قد تسلط الضوء على ضرر بعض هذه الإجراءات على حياة اللاجئين في تركيا.

ويوضح الباحث في شؤون اللاجئين السوريين عبد الله سليمان أوغلو، لرصيف22، أنه “لا توجد جهات سورية معارضة فاعلة بذلت جهداً ليكون لها دور في تصحيح المعلومات التي تُسهم في نشر الأخبار المضلّلة والتي تسوّق رأي الشارع التركي ضد السوريين في البلاد”، مشيراً إلى أن هذه الأخبار “انعكست على الشارع الذي بات يستسهل الاعتداء على اللاجئ السوري، ويعود السبب إلى غياب تطبيق عقوبة رادعة ضد المُعتدي وعدم التشديد في النصوص القانونية وتطبيقها من قبل الحكومة لمنع تكرار هكذا أفعال”.

في المقابل، ربما لا توجد الرغبة أساساً من قبل الطرف التركي لإيجاد ممثلية للمجتمع السوري، والتي من الممكن أن تسهم في تخفيف هذه العقبات أو الضغوط على حياة السوريين عموماً. كما أنه لا توجد رغبة اليوم من المجتمع السوري لاعتماد هذه المُعارضة كممثل فعلي عن أي شريحة منهم.

رصيف 22

————————-

================

تحديث 19 حزيران 2022

——————

التهديدات التركية وفراغ الوطنية السورية/ راتب شعبو

تقع التهديدات التركية التي تتردّد منذ أكثر من شهر، بشن هجوم على شمال سورية، يستهدف بلدتي منبج وتل رفعت، على آذان سورية تقطّع رابطها الوطني. شهدنا ذلك من قبل في عمليات، درع الفرات (2016) ثم غصن الزيتون (2018) ثم نبع السلام (2019)، وكذلك في مجمل التدخلات الخارجية الأخرى، الروسية والإيرانية والأميركية والإسرائيلية. القول إن “الطغاة شرط الغزاة” صحيح، ولكن حالنا في سورية وصل إلى ما هو أسوأ.

نتكلم الآن عن التهديدات التركية التي ذاعت أخيرا لأنها مستجدّة، ولأنها نموذجية للتأمل وكشف اعتلال الوطنية السورية، الاعتلال الذي شكل ويشكل الطغيان الداخلي نواته المولّدة. ولا يغيب عن بالنا أنه اعتلال ليس جديداً، وأن عوامله تعود إلى سياق طويل اشتغلت فيه إيديولوجيات كثيرة، غابت عنها إيديولوجيا تقصُر نفسها على سورية وترى فيها “وطناً”. أي إن الإيديولوجيات التي حكمت النشاط السياسي السوري كان لها دائماً خارجٌ ما تبدّيه على الداخل وتنسب الداخل إليه، وكل منها تستبعد جزءاً من الداخل، فالأممي يستبعد الطبقات الرجعية، والعربي يستبعد غير العرب، والإسلامي يستبعد غير المسلمين السنّة، والكردستاني يستبعد غير الكرد. والمفارقة أنه قد تكون نخبة الاستبداد الحاكمة في سورية، وبشكل خاص بعد 1970، أكثر من تعامل مع البلد (في الواقع لا في الإيديولوجيا السياسية) على أنه نهائي، ليس فقط من منطلق إنه “ملكيتها الخاصة” المتاحة، بل أيضاً من أجل التوافق والتلاؤم مع القوانين والشرعية الدولية، ولكنها أمعنت في استبعاد كل من هم خارج دائرة أهل النظام، حتى تفجّرت سورية على الحال الذي شهدناه.

اليوم، كل فئة سياسية سورية تبحث في الهجوم التركي المحتمل، من موقعها الخاص، بما في ذلك الفئة التي تحتل الدولة السورية، وتحوز تمثيلها الرسمي في الأمم المتحدة. ليس للوطنية السورية أولوية في هذه المواقع الخاصة. نقصد الشعور العام أو العصبية العامة التي تشدّ أهل بلد معين إلى بعضهم بعضا حيال التهديدات الخارجية بشكل يجمّد الصراعات البينية الداخلية أو يخفّفها، ويعطي الأولوية لمواجهة التدخل الخارجي. أو يمكن تعريف الوطنية التي نقصدها هنا بأنها تفوّق ما يربط أبناء بلد معين فيما بينهم، على ما يربطهم مع أي طرفٍ خارجي. لا يحتاج المرء إلى انتباه شديد، كي يلاحظ تهتّك هذه العمومية السورية لصالح خصوصياتٍ تشترك في طلب الحماية الخارجية، وفي التعادي، وفي ضعف اعتبار الوطنية السورية، كما حدّدناها.

ما يبرّر الكلام عن اعتلال الوطنية السورية أو تقطعها أن المواقع الخاصة التي يجري الانطلاق منها في النظر إلى الشأن السوري العام لم تعد مواقع سياسية، أي لم تعد مجرّد مواقف حزبية ونخبوية، بل تطاول العمق الشعبي، أي إن اعتلال الوطنية السورية بات أعمق من كونه مشكلة بين أحزاب، ونخب بعد أن نجحت هذه الأخيرة، في غمرة الصراع العنيف، في تعميق الانقسام السياسي إلى حدودٍ شبه هوياتية تصنّف الكتل الشعبية، وليس فقط الأحزاب والتوجهات السياسية، وتزرع التعادي على مستوى عميق بين السوريين.

رأينا في أوكرانيا نمواً في الشعور الوطني الأوكراني في مواجهة الغزو الروسي، بالرغم من وجود روابط تاريخية جمعت الشعبين والبلدين، وصلت إلى حد تسمية أوكرانيا “روسيا الصغرى”، حتى أن محللين اعتبروا أن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا لمنعها من مغادرة روسيا إلى الغرب هي أشبه بجريمة الشرف، ومعروفٌ أن من يرتكب هذا النوع من الجرائم هو الأقرب إلى الضحية. وعلى الرغم من هذا القرب، نهض الشعور الوطني الأوكراني على وقع الغزو الروسي، حتى بات يقال إن الرئيس فلاديمير بوتين هو أبو الوطنية الأوكرانية.

على خلاف ذلك، كان الشعور الوطني السوري غائباً حيال السيطرة التركية المتزايدة على شمال سورية. كما كان غائباً حيال كل التدخلات الخارجية التي وجدت لها دائماً بين السوريين من يحتضنها ويحتمي بها ويفاخر بها أيضاً. لا حاجة للتأكيد على أن ذلك كان دائماً فعل نخبٍ سياسيةٍ يدفعها مرضٌ إلى الاستنجاد بمرضٍ آخر علّه يشفيه. وقد باتت مرجعية النقد بين السوريين هي المفاضلة بين المتدخلين الأجانب، في غياب مرجعيةٍ سوريةٍ مستقلة. وقد أخلى الشعور الوطني مكانه في دخيلة السوريين لشعور آخر معاكس، هو شعور الاحتماء والصغار أمام الأجنبي، والإعلاء من شأن الطرف الأجنبي الحامي، وهو شعورٌ مترافق في الشدّة مع شعور العداء والاستنكار فيما بين السوريين. ينطبق هذا على الكتل السياسية الرئيسية التي تتوازع الشعب السوري اليوم.

لا تتكامل المواقع الخاصة التي يتم النظر منها إلى التهديدات التركية ولا تنتظم، كما هو واضح، في منظور وطني سوري مشترك، له الأولوية والتفوق على مصالح الكيانات شبه الدولتية التي نشأت واستقرّت على أرضية تحطّم الثورة وتفكّك عناصرها، لكنها (هذه المواقع الخاصة) تتكامل في منع بروز مسار وطني يوحد السوريين وطنياً، ويحتوي تبايناتهم السياسية ويحميها في الوقت نفسه.

لصدّ الهجوم التركي المحتمل تُبدي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الاستعداد للتنسيق مع قوات نظام الأسد ضمن حدودٍ لا تجعل “الإدارة الذاتية” تخسر سيطرتها على الأرض ومكاسبها، ومردّ هذا الاشتراط عجز نظام الأسد عن قبول أي مستوىً من الحقوق السياسية للكرد في سورية. من ناحية أخرى، تجد تركيا في فصائل عسكرية سورية تابعة لها، وفي ملايين السوريين الواقعين تحت سيطرتها، داعماً لعملية عسكرية تركية تبعد “قسد” عن مدينتي منبج وتل رفعت، وتسمح بعودة عشرات آلاف المهجّرين منهما، بسبب سيطرة “قسد” كما تذكر التقارير. ومعروف أن ملايين السوريين فضّلوا ترك بيوتهم ومناطقهم، واللجوء إلى شمال سورية تحت سيطرة وحماية تركيتين، على أن يبقوا تحت سيطرة نظام الأسد الذي يصل به إنكار الواقع إلى حد الكلام عن مقاومةٍ شعبيةٍ ضد تركيا.

بعد كل هذا التعادي الذي أسّس له ونمّاه إصرار نظام الأسد على إنكار حقوق الناس وارتداده الوحشي ضد المطالبين بها، التعادي الذي تعمّق حتى أتى على الرابطة الوطنية السورية، نكتفي بوصف هذه الحال، للتساؤل هل توجد بعد نواة داخلية تلتئم حولها مشاعر وطنيةٌ سوريةٌ تضمّ الجميع، أم أن الحال بات يتطلب قوة خارجية بمرجعية أممية، تكسر تعادي الأطراف الداخلية في سورية، وتفرض على السوريين قبول الحقوق المتبادلة في إطار دولةٍ وطنيةٍ تنطوي على آلية لصيانة حقوق الأفراد والمجموعات، وعلى آلية مناسبة لإنتاج الشرعية السياسية.

العربي الجديد

————————-

التغييرات المحتملة في سوريا… خارجية/ إبراهيم حميدي

بعد 11 سنة على بدء الاحتجاجات واندلاع النزاع، وبعد أكثر من سنتين على ثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث في البلاد، هل هناك تغيير محتمل؟ هل هو خارجي أم داخلي؟

حصلت تقلبات عسكرية وسياسية كثيرة في العقد الماضي. توسعت مناطق وتقلصت أخرى. ارتفعت توقعات وانخفضت أخرى، إلى أن استقر المشهد السوري على تقسيم البلاد إلى «دويلات» ثلاث: واحدة تحت سيطرة الحكومة بدعم روسي وإيراني، وثانية تحت إدارة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية بدعم التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وثالثة، تحت سيطرة فصائل مقاتلة وإسلامية وجيوب متطرفة بتأييد تركي.

الجمود على خطوط التماس بين «الدويلات» الثلاث، صار له أكثر من 27 شهراً، وهي أطول فترة تستقر فيها السيطرة الجغرافية منذ 11 سنة. وتقوم هذه المناطق على مدن وقرى وأحياء مدمرة، تغييرات ديموغرافية، نازحين ولاجئين. أكثر من 12 مليون شخص تركوا بيوتهم، هم نصف عدد السكان السوريين. أيضًا، هناك أكثر من سبعة ملايين شخص غادروا البلاد، بينهم أكثر من مليون إلى الدول الغربية.

سيل الهجرة، لم يتوقف وإن كانت أسبابه باتت اقتصادية وليست عسكرية أو سياسية. الجامع بين السوريين حيثما كانوا هو المعاناة من الأزمة الاقتصادية، حتى إن التطبيع العربي لم يحل مشكلتهم الاقتصادية، كما أن المدد الذي كان سيأتي به «أنبوب الغاز العربي»، تبدد طالما أن سيف «قانون قيصر» الأميركي والعقوبات الغربية قائمان، إلى حد أن البلاد غرقت في الظلام لساعات يوم أمس. هناك تعاون واتفاقات وتجارة وتفاهمات بين «الدويلات» الثلاث. والفاعلون في كل منها يتصرفون على أن الجمود مستمر إلى فترة طويلة، وأن «الفرج سيأتي من الغير».

هل من تغيير محتمل على هذه الصورة؟

الواضح، أن المعادلات استقرت على توازنات بعد مقايضات خارجية، ولم يعد السوريون قادرين على القيام بأي تغيير جوهري فيها. بالتالي، فإن التغيير الوارد، مصدره خارجي وهناك أربعة احتمالات آتية من أربع قوى عسكرية خارجية:

أولاً، تركيا: يتحدث المسؤولون الأتراك مراراً عن احتمال شن عملية عسكرية في شمال البلاد. هم يعتقدون أن الحرب الأوكرانية والصدام الروسي – الغربي فيها، أديا إلى تقوية أوراقهم التفاوضية في سوريا والإقليم. يحاولون الاستثمار في ذلك، عبر شن توغل يضعف أي كيان كردي محتمل على حدودهم الجنوبية شمال سوريا. هناك تركيز تركي على منبج الخاضعة لسيطرة حلفاء أميركا أو تل رفعت الخاضعة لسيطرة شركاء روسيا، إضافة إلى تصعيد شرق الفرات، الذي تسيطر عليه أميركا في شكل أعمق.

أي توغل تركي من دون تفاهمات من روسيا وشركائها وأميركا وحلفائها، سيؤدي إلى تغيير خطوط التماس، ويفتح الباب إلى تصعيد عسكري جديد. ما حدود التغيير؟ هل ستخلط الأوراق؟

ثانيًا، إيران: أمام انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، واحتمال امتداد تلك الحرب، تحاول إيران وغيرها ملء الفراغ في سوريا. تقابل إسرائيل ذلك بتكثيف عملياتها العسكرية ضد «أهداف استراتيجية إيرانية» في سوريا، وكان آخرها ضرب مطار دمشق الدولي وعزل العاصمة السورية عن العالم.

بالتوازي، مع هذا، فإن «حرب الظل» بين طهران وتل أبيب انتقلت إلى قلب إيران مع حديث إسرائيلي عن استراتيجية «رأس الأخطبوط». إلى أي مدى يبقى التصعيد الإيراني – الإسرائيلي في سوريا، مضبوطاً من روسيا؟ هل تتحول سوريا إلى ساحة لصدام مباشر واحتمال شن إيران هجمات «مسيرات» من الأراضي السورية؟

ثالثًا، روسيا: هناك اتفاق «منع صدام» بين الجيشين الروسي والأميركي منذ منتصف 2017، غرب نهر الفرات لموسكو، شرق الفرات لواشنطن. حصلت بعض المناوشات، لكن استراتيجياً كان هناك التزام بالاتفاق. الجديد، أنه أمام التصعيد بين الطرفين في أوكرانيا، بدأت روسيا تختبر الأميركيين عسكرياً في سوريا سواء فوق قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا أو شمالها. إلى أي حد يبقى التوتر مضبوطاً بينهما؟ هل تتحول سوريا ساحة للانتقام سواء من أميركا أو روسيا؟

رابعاً، أميركا: منذ وصول الرئيس جو بايدن، استقر الوجود العسكري الأميركي في سوريا خصوصاً بعد «الإهانة الأفغانية»، على عكس ما كان عليه الحال زمن إدارة الرئيس دونالد ترمب، عندما كان وجود جيشه وجيوش حلفائه رهن تغريدة. هل يبقى قرار بايدن صامداً أمام مغامرات الرئيس المجروح فلاديمير بوتين؟ هل تتغير الأمور بالانتخابات الرئاسية المقبلة بعد نحو سنتين؟

يعرف السوريون، معظمهم أو بعضهم، أنهم خارج اللعبة والقرار في بلادهم، وأن سوريا تحولت من لاعب إلى ملعب. كل طرف منهم يراهن على مفاجأة يحملها حليفه العسكري الخارجي، وعلى نكسة تضرب خصمه المحلي بأدوات خارجية. بين الضربة والنعمة، يسهر السوريون في قعر المعاناة وينامون في الظلام… بانتظار الفرج.

الشرق الأوسط

—————————-

“باص الترحيل”: كابوس العودة القسرية للسوريين من تركيا/ كارمن كريم

يعيش السوريون المقيمون في تركيا حالياً تحت رحمة مؤسسة الهجرة، التي وفي أي لحظة قد ترحلهم أو تُلغي حتى الإقامات النظامية دون وجود أي سبب. إنها سياسة الترحيل القسري تحت مسميات عديدة.

نجحت عائلة محمود (اسم مستعار) في الوصول إلى إسطنبول عن طريق مُهرب، ليعمل الأب في الأعمال الحرة كبيع الملابس في محاولة لبدأ حياة جديدة. وفعلاً، حاول محمود بناء حياة جديدة لكن في يومٍ أوقفته الشرطة واحتُجِزته لمدة 45 يوماً ثم أُطلق سراحه وطُلب منه الحصول على بطاقة الحماية “الكملك” من منطقة تبعد حوالى السبع ساعات عن إسطنبول.

خرج محمود للاستحصال على بطاقة الحماية “الكملك” التركية وبقيت عائلته في إسطنبول، وبعد حصوله عليها عاد إلى عائلته، ليلقى القبض عليه مجدداً. أثناء ترحيله إلى سوريا أخبر السلطات أن عائلته في إسطنبول ويجب أن يبقى معها، فعبّرت السلطات التركية عن “تعاطفها” معه وإذ بهم يقومون بترحيل العائلة بكاملها بحجة عدم تفريقها.

قيودٌ متصاعدة ضد السوريين

في منطقة “اسكودار” ذات الأكثرية الأجنبية في مدينة إسطنبول ستتمكن من مشاهدة وحدات تنفيذ قانون ترحيل الأجانب والمقيمين بصورة غير شرعية، ستتمكن كذلك من رؤية سياراتهم وفي بعض الأحيان ستكون هذه السيارات ممتلئة بأناس عرب وأجانب سيرحلون قريباً عن الأراضي التركية من بينهم سوريين.

تنتشر هذه الدوريات في كل المدن، وتزداد في مناطق تواجد الأجانب ومن بينهم سوريون. مهمة هذه الدوريات التحقق من حيازة العابرين أوراق الإقامة النظامية أو بطاقة “الكملك” وهي بطاقة حماية مؤقتة تمنحها السلطات التركية للأجانب والسوريين الذين يدخلون تركيا بطرق غير شرعية ويحصل الأفراد من خلالها على جميع الحقوق الأساسية التركية من تعليم وصحة وتسجيل أوراق.

وفي حال عدم امتلاك الشخص إقامة نظامية أو بطاقة حماية مؤقتة يوقف ويجرد من كل ما يحمل ويوضع في “باص الترحيل” كما يسميه السوريون، بانتظار امتلائها والتوجه نحو مركز إدارة الهجرة، إذ لا تتحرك هذه الباصات إلا حين امتلائها بالكامل، يوضع بعدها الأفراد  في السجن دون توكيل محامٍ لهم ولا حتى فرصة للدفاع عن أنفسهم، فتهمتهم جاهزة بالفعل وهي عدم حيازتهم أوراقاً نظامية.

لا تنتهي قيود السلطات التركية على السوريين، فحتى لو امتلك الشخص أوراقاً نظامية لكنه قادمٌ من ولاية أخرى وليس بحوزته تصريح سفرٍ سيتم إيقافه ووضعه في السجن لمدة تبدأ من خمسة أيام وتصل إلى 15 يوماً، يتم بعدها ترحيله إلى ولايته. يستغرق الحصول على تصريح السفر أسبوعاً ومدته 15 يوماً.

يقول أحمد (اسم مستعار): “يجب عليك كسوري أن تحصل على إذن سفر عند مغادرتك من ولاية إلى ولاية ومهما كان ظرفك صعباً كوجود وفاة قريب أو ظرف صحي طارئ، لا يؤخذ وضعك بعين الاعتبار”.

تركيا وسياسة الترحيل

منذ الثورة السورية عام 2011 تحولت تركيا الى أحد الملاذات للائجين السوريين الذين هربوا من الحرب وبطش النظام. كانت السياسات الرسمية التركية تعلن خطاباً داعماً للاجئين ومرحباً بهم. مع تقدم السنوات ومع التغيرات الجيوستراتيجية خصوصاً في العلاقة مع روسيا والغرب والحرب الأوكرانية تبدلت الكثير من المواقف التركية التي انقلبت تضييقاً وضيقاً بالسوريين.

آخر الاجراءات ما أعلن مؤخراً عن ترحيل رحّلت 28 ألفًا و581 مهاجرًا “غير شرعي” خارج تركيا التي وصفت بأنها في إطار مكافحة السلطات الهجرة “غير الشرعية”.

واختلفت أسباب الترحيل، منها الدخول إلى البلاد بطريقة غير نظامية، والمخالفة في تأشيرة الدخول أو تصاريح الإقامة، أو تزوير بأوراق رسمية، بالإضافة إلى الانخراط بممارسات مخالفة للقانون وتنتهك الأمن العام.

تقول الأرقام الرسمية التركية أنه منذ عام 2016 مُنع دخول نحو مليونين و616 ألف أجنبي إلى البلاد وأن العام الحالي شهد منع دخول حوالي 153 ألف أجنبي. وبحسب وكالة الهجرة التركية فإن إجراءات الترحيل مستمرة لـ18 ألف أجنبي من 94 جنسية مختلفة محتجزين في مراكز الترحيل، منهم ألف و776 سوري الجنسية. وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قد أعلن ترحيل سلطات بلاده 19 ألفًا و336 سوريًا منذ 2016 لأسباب أمنية. وقال صويلو إن عدد اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا تحت “الحماية المؤقتة”، بلغ نحو ثلاثة ملايين و762 ألفًا، مشيرًا إلى وجود قيود 120 ألف لاجئ غير مفعلة، خارج هذه الأرقام.

تركيا كانت أنهت بناء جدار أسمنتي على طول ألف و28 كيلومترًا من أصل ألفين و949 كيلومترًا، من الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية، لمنع الهجرة غير النظامية، بالتزامن مع التطورات في كل من سوريا وأفغانستان.

كل هذه القيود ترجمت مزيداً من الضغوط على السوريين في تركيا.

ظروف صعبة ومعاملة لا إنسانية

دخل رامي (اسم مستعار) مع اثنين من أبناء عمومته إلى تركيا عن طريق الحدود بعد أكثر من تسعة عشر محاولة، بهدف العبور إلى أوروبا، وبعد وصولهم إلى لواء إسكندرون، أُلقي القبض عليهم، وأجبرتهم السلطات التركية على تثبيت دخولهم من خلال البصمة ليحصلوا على بطاقة حماية، في اللحظة الأولى شعر رامي بالسعادة، إذ وبناء على “الكملك” ستتم استضافتهم داخل تركيا بشكل نظامي، ليفاجئوا بعد إيصالهم قسراً إلى أحد مراكز الهجرة، إذ سجنوا هناك وأبطلت بطاقات الحماية بحجة تقدمهم بطلب عودة طوعية، على الرغم من رفضهم ذلك، ثم تم ترحيلهم بالفعل إلى سوريا.

يشار إلى أنه وعند إلغاء إقامة الحماية من قبل الشخص لا يحق له العودة إلى تركيا مرة أخرى أو طلب اللجوء، لكن رامي وأبناء عمه حاولوا دخول البلاد مرة أخرى ووصلوا بالفعل إلى إسطنبول وبعد شهر ونصف أمسكت الشرطة بهم مرة أخرى، وكانت القضية أكثر صعوبة هذه المرة لأنهم خرجوا “طواعية” وعادوا مجدداً.

 تعرض الشبان الثلاث للتعنيف والضرب وتنقلوا بين عدة سجون من بينها سجن أدرنة وتم ترحيلهم مرة أخرى بناء على التهمة الأولى والملفقة وهي رغبتهم بالعودة طواعية إلى سوريا.

وكان “الكملك” أو بطاقة الحماية قد أُلغيت في إسطنبول منذ أربع سنوات ونصف بطلب من المعارضة التركية ووالي إسطنبول المنتمي إلى المعارضة، ومؤخراً باتت السلطات التركية تختار المدن التي سيقيم فيها السوريون في حال رغبتهم باستحصال الإقامة ويبدو كل ذلك جزء من محاولات لإفراغ إسطنبول بشكل كامل من السوريين والأجانب وزيادة الضغط على اللاجئين.

ويعامل من يتم إيقافهم بطرق غير إنسانية بحسب حالات التقاهم “درج”، إذ يوقف الأفراد لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر في غرفة بمساحة صغيرة، يصل أعداد الموقوفين في بعض الأحيان إلى ستين شخصاً، مع وجبتين ضئيلتين من الطعام. بعدها يتم استدعاء الموقوفين، ليوضعوا أمام خيارين، إمّا الترحيل الى سوريا، وهذا لا يعني الترحيل إلى دمشق أو المدن الكبرى إنما إلى مناطق المعارضة، حيث يُرمى الشخص وحيداً بعد أن يعبر بوابات جرابلس أو باب الهوى من دون أهل او منزلٍ يعود إليه، أما الخيار الثاني فهو منح المرحّل ورقة يؤكد من خلالها المغادرة الطواعية خلال 15 يوماً والخياران يفضيان بالنهاية إلى نتيجة واحدة.

السوريون تحت رحمة السطات التركية

السوريون المقيمون في تركيا حالياً هم تحت رحمة مؤسسة الهجرة، في أي لحظة قد تُلغى حتى الإقامات النظامية دون وجود أي سبب، وهي في الأصل باتت إقامات قصيرة، مدتها أقل من سنة، فمثلاً مُنحت السورية راما (اسم مستعار) إقامة لمدة ثلاثة أيام فقط وهو ما يعني عدم قدرتها على فعل شيئ وحصر مصيرها بعودة قسرية! كما يمكن للمؤسسة أن توافق على طلبات الإقامة بشكل عشوائي على نحو يسبب شرخاً او انقساماً في العائلة، فمثلا تقدمت عائلة خالد (اسم مستعار) لاستحصال الإقامات، ووافقت إدارة الهجرة بالفعل على الإقامة للأب واثنين من أبنائه أما الأم فجاء الرد على طلبها بالرفض.

من جهة أخرى يعيش البعض منذ سنوات من دون إقامات شرعية وهو تحدٍ يومي بالنسبة لهم. امتلك (صالح) إقامة شرعية قبل سنوات وبعد انتهاء مدة صلاحيتها حاول الهجرة إلا أنه لم ينجح فعاد مجدداً إلى تركيا، وهو يعيش اليوم في إسطنبول من دون أوراق نظامية منذ ثلاثة سنوات. يقول صالح: “من لا يحمل أوراقاً نظامية يعيش في رعبٍ صباحيّ يتكرر يومياً، إنه كالكابوس، فقد توقفك دورية الشرطة وأنت متوجه إلى عملك، لديك معركة ومخطط يومي، إذ يجب عليك المشي بدقة وفي شوارع وأزقة بعينها كي تتجنب دوريات الشرطة”.

هذه ليست معارك السوريين الوحيدة في تركيا إذ يجب على السوري تأمين العمل، مواجهاً استغلال أرباب العمل بسبب الحاجة وعدم امتلاك أوراق شرعية، من جهة أخرى لا يستطيع هؤلاء وضع أطفالهم في المدرسة، ويستحيل الحصول على سكن كذلك، كل هذا جزء من تحديات السوريين الذين يقيمون بطريقة غير شرعية على الأراضي التركية.

العنصرية المتنامية ضد السوريين في تركيا تتسبب في ظهور وانتشار حملات مناهضة لهم بين الحين والآخر، وهي حملات أقوى من سابقتها، تأتي في الغالب بعد حصول مشكلة بين السوريين والأتراك وتستمر الحملة لأسبوع أو لعشر أيام، تقوم السلطات على أساسها بإيقاف أشخاصٍ بشكل عشوائي، يرحّلون جميعاً إلى الشمال السوري حتى أولئك الذين يمتلكون أوراقاً نظامية.

درج

———————————-

أوضاع السوريين في تركيا حرجة للغاية وشروط إعادتهم غير متوفرة/ حسام محمد

شددت تركيا مؤخرا من سياساتها الداخلية تجاه اللاجئين السوريين على أراضيها، فزادت القرارات المحلية الخاصة بإقامة السوريين، وحركة تنقلهم وسفرهم، كما تضاعفت التصريحات والتحركات الحكومية التي تشير إلى ما بات يُعرف بـ «العودة الطوعية» للسوريين نحو مدن وبلدات الشمال السوري. تطورات متلاحقة وصلت إلى منع بعض السوريين في أوروبا من دخول الأراضي التركية وإرجاعهم من المطارات لأسباب متعددة.

بين النهج الجديد للسياسة الرسمية في تركيا، وبين التجييش الذي تبنته أحزاب المعارضة التركية طيلة السنوات السابقة، بات اللاجئ السوري محملا بمزيد من الأعباء والتحديات وسط تزايد الحوادث العنصرية والجرائم التي تستهدفهم، ليبقى الحل السياسي هو الرئة التي يتأمل منها اللاجئ السوري وكذلك دول الجوار تنفس الصعداء.

مواقف ومشاريع

الرئيس رجب طيب اردوغان قال خلال خطاب وجهه للشعب التركي: نستقبل 4 ملايين سوري إثر بدء الاضطرابات الداخلية في بلادهم، وأن أكثر من مليون سوري مستعدون للعودة الطوعية، وقال أيضا وفق ما نقلته وكالة «الأناضول» عدد السوريين في بلادنا سينخفض إلى مستويات معقولة كلما وفرنا الإمكانات اللازمة للعودة الطوعية، ونعمل على إنشاء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية بتمويل من المنظمات الإغاثية الدولية.

وذكّر اردوغان أنه كان قد اقترح على الزعماء المشاركين في قمة العشرين بأنطاليا التركية عام 2015 بناء مدن في سوريا من شأنها إيواء مليون شخص، وأعرب عن أسفه لعدم إبداء الدول الغربية على وجه الخصوص الدعم لذلك المشروع، الذي كان من الممكن تنفيذه بمبلغ أقل بكثير من الأموال التي تنفقها تلك الدول لإبقاء اللاجئين بعيدا عن حدودها.

أما وزير الداخلية التركي سليمان صويلو فأعلن من جانبه عن عودة 503 آلاف و150 سوريًا إلى بلدهم بشكل طوعي بحسب آخر إحصائية، ولفت إلى حملة «معًا، نقف مع إدلب» اُطلقت عام 2020 بتعليمات من الرئيس رجب طيب اردوغان وتنسيق من «آفاد» ودعم من المنظمات المدنية وكانت تهدف لبناء 20 ألف منزل طوب في المرحلة الأولى، مشيرًا إلى الرقم ارتفع إلى 100 ألف حاليًا.

وشدد صويلو على استكمال بناء 59 ألفًا و679 منزلًا من قبل منظمات ومؤسسات تركية عديدة، 45 ألفًا و903 منها في إدلب، و13 ألفًا و776 في منطقة عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، سكن ضمنها 51 ألفًا و427 أسرة حتى الآن.

وبين أن مشاريع المنازل تضم 69 مسجدًا و24 مركزًا صحيًا و68 مدرسة، و23 حديقة أطفال، و26 منشأة اجتماعية و21 فرنًا و95 بئر ماء و3 مخابز، منوهًا إلى استمرار العمل على 15 مسجدًا و6 مدارس و14 منشأة اجتماعية، وفق ما نقلته وكالة «الأناضول».

في حين أعلن صويلو عن عدم السماح للسوريين بزيارة بلادهم في إجازة عيد الأضحى المقبل، وقال: «على غرار عيد الفطر لن نسمح للسوريين بزيارة بلادهم في إجازة عيد الأضحى».

استثمار سياسي

مدير تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، قال من جانبه لـ «القدس العربي»: ليس خافيا أن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا باتت حرجة للغاية بسبب كم غير طبيعي من الخطاب والسلوك العنصريين، والذي يفضي في بعض الحالات لارتكاب جرائم قتل بحقهم، وبسبب الإجراءات التضييقية الكثيرة حتى صارت أي هفوة ثمنها الترحيل.

وأشار إلى ما يقدر بحوالي 7 آلاف شخص يتم ترحيلهم لشمال سوريا من تركيا بسبب مخالفات «بعضهم يسكن في ولاية غير ولايته التي حصل فيها على الحماية، بعضهم سافر دون إذن سفر وتم ضبطه، بعضهم لم يحدثوا عناوين إقامتهم، بعضهم تم إيقاف قيودهم من قبل إدارة الهجرة وزعم انه بالخطأ ولم يعاد تفعيل بطاقته فتم ترحيله» وغير ذلك.

ملف اللاجئين هنا صار مادة للاستثمار السياسي والانتخابي وكلا الفريقين بالسلطة والمعارضة يفعل ذلك، لكن مشكلة المعارضة أكبر على اعتبار خطابها فيه تحريض حقيقي على اللاجئين.

وحول طبيعة معاملة السوريين في تركيا، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ «القدس العربي»: المعاملة لا تسير وفق القوانين الدولية، وأن إعادة اللاجئين إلى مناطق سورية باعتبارها آمنة في الواقع هذه المناطق ليست كذلك، ولا يمكن الاعتماد على أي دولة في تصنيفها لسوريا كدولة آمنة أو لا.

فعلى سبيل المثال، في بريطانيا المحكمة الأوروبية تدخلت لإيقاف ترحيل اللاجئين إلى راوندا، فمثل هذا القضاء القوي غير موجود في تركيا، حتى يتمكن اللاجئ السوري الذي صدر قرار ترحيله إلى سوريا، من الذهاب إلى المحكمة وإثبات إمكانية تعرضه للخطر في حال ترحيله، فهذا لا يحدث في تركيا.

ورأى عبد الغني، أن الحماية هي من أهم الاحتياجات المطلوبة للاجئين السوريين في تركيا التي من المفترض أن تقوم الحكومة بتأمينها للاجئين ومنع الاعتداء عليهم، إضافة إلى توفير تسهيلات الإقامة والعمل علاوة عن حق التعليم، وتقديم صفة اللجوء لهم، وما يجري الآن أنها لا تعطيهم حق اللجوء وتمنعهم من اللجوء إلى أي دولة أخرى

هل عودة اللاجئين طوعية فعلا؟

مشروع العودة الطوعية الذي أعلنته تركيا لمليون سوري قرأه مدير تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، أنه لن يقتصر على هذا المليون المعلن عنه رسميا، وإنما سيشمل 90 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا، ولكن على مراحل.

ويزعم المتحدث، أنه خلال بضعة سنوات لن تتجاوز الخمس لن يبقى في تركيا أكثر من نصف مليون سوري ومن ضمنهم المجنسين بطبيعة الحال، وأن المصيبة أن المنطقة التي سيرحلون لها لا تحمل أي مؤشر يصنفها آمنة أو ستكون كذلك في الوقت القريب.

أما مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، فأشار من جانبه إلى أن الحكومات ليست هي الجهات التي تحدد ما إذا كانت سوريا دولة آمنة أو ليست كذلك، ولا يتم الاعتماد على أي حكومة في ذلك، ولو كان الأمر متروكا للدول، لكانت غالبيتها ستذهب إلى خيار إعلان سوريا دولة آمنة بهدف إعادة اللاجئين إليها.

واعتبر، أن الحكومات تتبع ما يفيد مصالحها وما يلبي مطالب الأحزاب لديها، لذلك هي جهات مسيسة لا مستقلة، لذلك يتم الاستناد في تصنيف المناطق الآمنة أو سواها على ما تصدره الجهات الحقوقية المعنية بالحدث مع تقييم الأمم المتحدة، لذلك ما لم يصدر عن الجهات الحكومية لا قيمة قانونية أو حقوقية له، أما باستخدام القوة فهذا شيء منفصل إذ أن النظام السوري أو روسيا، هي جهات تخرق القانون باستخدام القوة لتنفيذ أهدافها.

وحتى تتم عملية عودة السوريين بشكل طوعي يجب تحقيق المطالب الأساسية لها، وهي أن تكون المناطق التي سيعودون إليها آمنة وطوعية معًا، فإذا لم تكن العودة آمنة فهي عودة غير طوعية، بل هي إعادة قسرية.

لماذا لا تمنح تركيا السوريين صفة لاجئ؟

مدير عام الاندماج في رئاسة إدارة الهجرة غوكشة أوك عرّف اللجوء بقوله «في حال حصول حرب في أوروبا، وقدوم الناس إلى تركيا يمكن منحهم صفة لاجئين، في حال طلبهم عند الاقتناع بوضعهم».

وأردف خلال مقابلة أجرتها معه وكالة «الأناضول» أن «السوريين ليسوا لاجئين، لأنهم لم يأتوا من أوروبا، بل هم تحت الحماية المؤقتة لأنهم من جغرافية قديمة كان أجدادنا يحكمونها».

أما فيما يخص تساؤلات السوريين حول حصولهم على الحماية المؤقتة، قال أوك: «سياسة الدولة أن الحرب ستنتهي ويعود الاستقرار ويعود السوريون لبلادهم، وهم أصحاب تلك الأرض» ولفت إلى أنه «ونظرا لرؤيتنا بعودتهم، كانت الحماية المؤقتة، ولكن مراعاة النظام العام والقوانين أمر هام».

وأوضح «من المهم أن يتلقى الأطفال والمواليد تعليما جيدا عندما يعودون تكون عودتهم كمحبين لتركيا ليعودوا كأصحاب مهن وحرف، هذا هدفنا في توفير الانسجام في المجتمع بدمج الناس بالقوانين التركية، ونظامها، ومراعاة ذلك». بحسب ذات المصدر.

وتابع «ما نطلبه وننتظره هو تعلم اللغة التركية، وهي لغة مهمة، ولغة الدولة، وتقوي الدولة، وكل السوريين يرغبون بتركيا القوية، ونحن نطلب منهم تعلم اللغة التركية بأقرب وقت».

بين المعارضة التركية والاحتقان

الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، قال من جانبه لـ «القدس العربي»: اعتقد مسألة اللاجئين السوريين والتي تثار من المعارضة التركية بشكل مستمر منذ فترة، وأصبحت ورقة رابحة لهم بالإضافة إلى حالة الاحتقان في الشارع التركي، تعد أحد الموضوعات التي سيكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى في حزيران/يونيو 2023.

الحكومة التركية التي يتزعمها الرئيس اردوغان تحاول قطع الطريق أمام المعارضة لتوظيف هذه الورقة ضدهم في الانتخابات المقبلة وطرحت مشروعا يجري الإعداد له يسمح بعودة طواعية لمليون لاجئ سوري إلى المناطق الآمنة في شمال سوريا لتخفيف حالة الاحتقان في الشارع التركي وذلك قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات.

لكن الواضح بأن ملف اللاجئين السوريين في تركيا يشهد منذ فترة موجة جديدة من الشد والجذب بين الحكومة والمعارضة مع تصاعد الضغوط من أجل ترحيلهم واستغلال بعض أحزاب المعارضة الملف للضغط على حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب اردوغان، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في حزيران/يونيو العام المقبل.

أما الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، فقال لـ «القدس العربي»: لا شك بأن هناك اختلافا كبيرا في التعامل مع اللاجئين السوريين في تركيا بسبب تغير المزاج الشعبي عما كان عليه في بداية النزوح السوري لتركيا.

ما يجري الآن ليس حالة طبيعية، بسبب تسييس هذا الملف وتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات والمشاكل التي تمر بها تركيا من قبل بعض الأطراف السياسية، وهناك مبالغة كبيرة في تحميل اللاجئين السوريين أعباء المشاكل الاقتصادية والسياسية التركية.

هناك تأثيرات إيجابية وسلبية مختلطة للوجود السوري في تركيا، والأرقام التي يتم الحديث عنها عن إنفاق الدولة التركية مبالغ كبيرة تصل لـ 40 مليار دولار في العام 2019 ليست دقيقة وتمت إساءة فهمها، فهي تشمل الأموال المنفقة في سوريا وتركيا من قبل المنظمات الإنسانية، والتي تأخذ الجزء الأكبر من تمويلها من المانحين الدوليين، مصير السوريين في تركيا مجهول للأسف، وباب الاحتمالات فيه مفتوح، وبات هذا مبعث قلق كبير للسوريين في تركيا.

القدس العربي

—————————–

في مسار أستانا: العملية العسكرية التركية تبحث عن موافقة إيران/ منهل باريش

تسعى موسكو إلى توسيع دائرة الرافضين للعملية العسكرية التركية من خلال نقل النقاش حوله إلى العاصمة الكازاخية بحضور إيران التي عبرت عن رفضها لأي عملية عسكرية تركية في سوريا.

لم تتمكن تركيا من الحصول على موافقة روسية، تسمح لها بهجوم جديد ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية وتوسيع «المنطقة الآمنة» التي تسعى لإقامتها داخل الأراضي السورية بعمق 30 كم على طول حدودها الجنوبية مع سوريا.

وأجرى وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف اجتماعا مطولا مع نظيره وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، في العاصمة أنقرة، الأربعاء، رافق لافروف وفد عسكري ممثلا عن وزارة الدفاع، يتبع البحرية الروسية.

وأعرب لافروف عن تفهم بلاده «مخاوف أصدقائنا (قاصدا الأتراك) بشأن التهديدات التي تشكلها قوى خارجية على حدودهم» وانتقد «تغذية النزعات الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية بشكل غير قانوني في سوريا». إلا انه لم يؤيد شن تركيا عملية عسكرية في الشمال السوري.

وعن التفاهمات الروسية التركية أفاد لافروف أن الاتفاقات مع تركيا بشأن إدلب «تنفذ ببطء، لكن الطرفين ملتزمان بها». منوها إلى «إبرام أكثر من اتفاق خلال لقاءات بين الرئيسين رجب طيب اردوغان وفلاديمير بوتين، بما فيها مذكرة سوتشي عام 2019 التي تناولت ضرورة حل المشكلة في منطقة خفض التصعيد في إدلب. في كلتا الحالتين، يتم تنفيذ الاتفاقات المبرمة ببطء».

وفي السياق، نشرت صحيفة «خبر تورك» في اليوم التالي لانتهاء الاجتماع بين الوزيرين «تسريبات» حول تأكيد جاووش أوغلو نية تركيا شن هجوم على المناطق التي تنطلق منها الهجمات في تل رفعت ومنبج وتسيطر عليهما «الوحدات «الكردية. ونقلت الصحيفة عدم اعتراض موسكو على الحجج التي قدمتها أنقرة.

ولفتت الصحيفة إلى أن «تركيا تتعرض لهجمات من تل رفعت التي تبعد عن الحدود التركية مسافة 18 كيلومتراً، ومنبج التي تبعد 28 كيلومتراً، وأن وقف الهجمات المسلحة يتطلب قيام منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً». ولم يتطرق الاجتماع إلى الحديث عن باقي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وهو المظلة العسكرية الأكبر وتضم مجموعات عسكرية عربية وأخرى سريانية إضافة لوحدات حماية الشعب الكردية.

وتلمح الصحيفة التركية إلى أن لافروف فضل مناقشة المخاوف الأمنية التركية خلال الجولة المقبلة من مسار أستانا، بحضور إيران بوصفها الدولة الضامنة الثالثة لذلك المسار، حيث قررت الجولة المقبلة في العاصمة الكازاخية منتصف حزيران (يونيو) الجاري.

إلى ذلك، ترفع الصحافة التركية من حظوظ العملية العسكرية وتشير إلى انتهاء الجيش التركي والجيش الوطني السوري المعارض من إتمام الاستعدادات لبدء الهجوم، وهو ما أكده وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الأسبوع الماضي الذي أشار إلى ان الجيش التركي بانتظار القرار السياسي لشن الهجوم. وفي تفاصيل الخطط المعدة، حددت صحيفة «صباح» المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن «العملية تستهدف السيطرة على سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف منبج، من أجل حل مشكلتي الكهرباء والماء، التي تعاني منها منطقة درع الفرات منذ سنوات، وإعادة ضريح الشاه سليمان إلى مكانه» ولم تستبعد الصحيفة قطع الطريق الواصلة إلى مدينة عين العرب، وأوضحت ان عمق العملية التركية سيقف عند مشارف نبل والزهراء الشيعيتين، وهما قاعدتان أساسيتان للميليشيات الإيرانية شمال حلب ولم تتخل عنهما إيران وفشلت المعارضة في السيطرة عليهما رغم المحاولات المتعددة وتسببا في تسهيل حصار حلب في صيف عام 2016 وإجبار المعارضة على الاستسلام والخروج منها.

في الميدان، صعد الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني السوري من قصفهما على محيط منبج وخطوط الاشتباك مع «قسد» واتهم المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها التابع لـ«قسد» الجيش التركي والجيش الوطني باستهداف القرى المأهولة بالسكان بشكل يومي بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وأضاف في بيان رسمي نشرته معرفاته الرسمية على وسائط التواصل الاجتماعي، أن مدفعية الطرفين أطلقت 445 قذيفة على المناطق التي يسيطر عليها المجلس المذكور. في المقابل تحلق القاذفات الحربية الروسية بشكل يومي على خطوط التماس حسب ما رصدت «القدس العربي» وتحدثت مع سكان محليين ونشطاء.

وتحاول روسيا، دعم النظام السوري من خلال الضغط على «قسد» لتسليمه المناطق وتجنيب المنطقة لعملية عسكرية، إلا أن «قسد» تحاول إدخال قوات النظام في بعض المناطق أو ترفع أعلام النظام على المباني الرئيسية في تل رفعت ومحيط منبج.

من جهة أخرى، تسعى موسكو إلى توسيع دائرة الرافضين للعملية العسكرية التركية من خلال نقل النقاش حوله إلى العاصمة الكازاخية بحضور إيران، حيث عبرت الأخيرة عن رفضها لأي عملية عسكرية تركية في سوريا باعتبارها ستؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة. وتخشى إيران من توسع النفوذ التركي بالقرب من مناطق سيطرتها أو بالقرب من حلب، إذ تنشر نقاط مراقبة عسكرية حسب التفاهمات بين الجانبين في ربيع 2018 ومن المعلوم أن إيران أنشأت خمس نقاط مراقبة ثلاث منها في ريف حلب الشمالي، ورغم التركيز على نقطتي نبل والزهراء، إلا أن إيران أنشأت نقطة مراقبة ثالثة في بلدة ماير على طريق حلب-غازي عنتاب التركية وهي النقطة الاستراتيجية الهامة للغاية التي سعت من خلالها إيران لمنع أي تقدم تركي باتجاه حلب. وفي سياق التحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، أنشأت إيران النقطة الرابعة في «أكاديمية الهندسة العسكرية» الواقعة على طريق حلب-دمشق.

ومن غير المستبعد أن تأجل أنقرة عمليتها العسكرية قليلا، وتركز على دورها في عملية نقل القمح الأوكراني وفق الآلية التي اقترحتها الأمم المتحدة وهو ما سيقوي موقفها السياسي أيضا ويعطيها قوة ويرفع من دورها وحضورها داخل حلف شمال الأطلسي «الناتو». فإنجاز الطريق الآمن لسفن القمح سيقوي موقفها الدولي بشكل كبير بوصفها منقذة العالم من المجاعة المحتملة التي سيسببها عدم مقدرة الدول على الحصول على القمح الأوكراني.

ان إحالة البت في العملية العسكرية التركية إلى مسار أستانا للحصول على موافقة إيران يأتي في إطار تخفيف الإحراج الروسي من تركيا، خصوصا وأن أنقرة تلعب دورا هاما في الحرب الأوكرانية، ولا ترغب موسكو في خسارتها بسبب ممانعتها للعملية العسكرية، فوضعت طهران في فتحة المدفع التركي المصوب نحو «قسد» في تل رفعت ومنبج.

القدس العربي

————————–

حل سوري بعيد/ عبسي سميسم

لم تخرج اجتماعات أستانة التي انتهت يوم الخميس الماضي، بأي قرارات من شأنها أن تحرز تقدماً في أي من الملفات التي تحملها المعارضة السورية في كل جولة من جولات هذا المسار، الذي حقق من خلاله نظام بشار الأسد انتصاراً كبيراً على المعارضة بطردها من معظم “مناطق خفض التصعيد” التي كانت تسيطر عليها، ليتم تهجير أكثر من مليوني سوري من سكان تلك المناطق وحشرهم في الشمال السوري.

وجاء البيان الختامي لاجتماعات أستانة الأخيرة عبارة عن كلام إنشائي مكرر حول الالتزام بوحدة الأراضي السورية ورفض التوجهات الانفصالية، والالتزام بمحاربة الإرهاب، وبالتهدئة في آخر مناطق خفض التصعيد. في حين لم يتطرق البيان الختامي لذكر العملية العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها في الشمال السوري، كما لم يأتِ على ذكر ملف المعتقلين ولا مناطق ريف إدلب الجنوبي التي استولى عليها النظام خارقاً اتفاقات أستانة والتفاهمات الروسية التركية، ما يعني أن الضامن التركي يتعامل معها كأمر واقع على الرغم من وعوده بمساعدة المعارضة باستعادتها.

إلا أن الجديد في الجولة الأخيرة من أستانة هو وضع وفد المعارضة بمزيد من الإحراج، عبر طرح إيران أن تكون الجولة المقبلة في طهران، ومطالبة روسيا بتغيير مكان اجتماعات جنيف ونقلها إلى بلد آخر، وتأييد النظام بطريقة ببغاوية لهذا الطرح.

ويؤدي ذلك إلى إدخال اللجنة الدستورية المعطلة أصلاً بمزيد من التعطيل والمماطلة التي يتناوب عليها النظام وروسيا منذ بداية عمل اللجنة، سواء من خلال إدخال اللجنة بأجندات شرح المشروح، مثل الاتفاق على البديهيات والثوابت الوطنية، التي عطّل النظام من خلالها عمل اللجنة لأكثر من سنة، أو من خلال طرح مسائل غير دستورية لا علاقة لها بعمل اللجنة وخلق خلافات عليها بهدف تمرير جلسات لا طائل منها.

من جهتها، كانت موسكو تختلق بين الحين والآخر الذرائع لتعطيل عمل هذه اللجنة والتي جاء آخرها الطلب الروسي بتغيير مكان اجتماعات اللجنة من جنيف إلى بلد آخر. هذا الأمر يشير إلى أن موسكو ما زالت اللاعب الرئيسي في القضية السورية على الرغم من انشغالها بغزو أوكرانيا، وأن الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية في سورية ما زال بعيداً، فيما الإرادة الدولية لفرضه ليست متوفرة حتى اللحظة.

العربي الجديد

——————————–

السوريون في تركيا وقُبعات التفكير الست/ عبد الناصر الجاسم

تحدّث العالم “إدوارد دي بونو” عن مجموعةٍ من الاستراتيجيات والأساليب التي يجب أن يستخدمها الإنسان في أثناء قيامه بالتفكير ليصل إلى أعلى درجات النجاح في الحياة، وأطلق عليها اسم قُبعات التفكير الست، ورمّز هذه القبعات بالألوان ولكل لون دلالة على نمط التفكير، وعلينا أن نتخيل بأن الإنسان عندما يرتدي القبعة البيضاء فهو يفكر بشكل حيادي وموضوعي ويستند إلى معلومات وحقائق وأرقام وإجابات مباشرة ومحددة على الأسئلة المطروحة حول قضيته موضوع التفكير، والسوري اليوم يعيش حالة عدم تأكد من أي رقم أو معلومة أو قرار قانوني أو إداري يتعلق بقضية استقراره أو عودته أو إعادته، ولا يملك إجابات محددة ودقيقة على أسئلته التي تغض مضجعه باستمرار، ولا توجد لديه مرجعية سياسية واضحة، وهناك انقطاع صلة مع مؤسسات المعارضة الرسمية وحالة ريبة وشك من سلوك منظمات المجتمع المدني والعمل الإنساني السورية، وبالتالي القبعة البيضاء ليست متاحة للسوريين في الوقت الراهن في سياقات معيشتهم وظروفهم .

أما عندما يرتدي الإنسان القبعة الحمراء والتي ترمز إلى التفكير المستند إلى المشاعر والعواطف والحدس والتخمين، وحال السوري اليوم يتوافق بدرجة كبيرة مع هذا التوصيف، حيث نجد أنفسنا منفعلين إزاء كل ما نتلقاه من أخبار وأحاديث منقولة حول جميع المسارات التي تخص قضيتنا، بدءا من أحاديث العودة إلى تبادل الطرابيش في مؤسسة الائتلاف، وصولاً إلى متابعة التحالفات الإقليمية والدولية، بما في ذلك تصريحات “هنري كيسنجر” حول التغييرات الكبيرة التي ستحدث في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من السوريين لديهم فرصة لارتداء القبعة الحمراء والتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم بشكل مباشر ومن دون تعليل ولا توضيح، وقد يكون ذلك نابعا من حالة العجز والخيبة وفقدان التمثيل الصحيح والحقيقي لمتطلبات وجودهم الإنساني، فتصبح مساحة التعبير متاحة عبر قبعة التفكير الحمراء.

وهناك نمط آخر من أنماط التفكير وتمثله القبعة السوداء وهو نمط يتأرجح بين التفكير الناقد والتفكير السلبي، حيث يهتم صاحب هذا التفكير بالمخاطر والمشكلات المستقبلية ويحاول اكتشاف الأسباب ويريد معرفة الجدوى من أي فعل أو تصرف، ويمارس نقد الآراء ورفضها من خلال تفنيدها، وهذا ما نجده لدى فئة من السوريين ممن يكتبون أو يتحدثون عبر وسائل الإعلام الاجتماعي ومنصات الإعلام والنشر عموماً، فهم ينتقدون سلوك وتصرفات المعارضة السياسية الرسمية الذي لم يعد مقبولاً في الوسط السوري لدرجة كبيرة جداً، ويتطرقون لأدوار المؤسسات الإعلامية والبحثية، والمنظمات التي تعمل في ميدان الإغاثة والمساندة لظروف نزوح ولجوء السوريين غير المستقرة، وكذلك يتعرضون للمسارات والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، ويراقبون الاجتماعات الدولية والأممية التي باتت لا تطرح القضية السورية كأولوية في جداول أعمالها، وجهد كبير من نمط التفكير هذا يتجه نحو استمرار نظام الحكم في سوريا في إضعاف السوريين والتنكيل بهم وذلك من خلال القرارات التي يصدرها والإتاوات التي يفرضها على المواطنين في داخل البلاد وخارجها، ومن خلال سلوكه بالإذعان والجبن أمام الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، وسلوكه بالتنمر والوقاحة من خلال افتتاح “لونا الشبل” مطعمها الفاخر بطعم الاحتلال ونكهة المقاومة.

ولاشك بأن هناك نمط التفكير الشمولي المرتب والمنظم والموجَه ليصل بصاحبه إلى درجة كبيرة من الموضوعية والثقة بقراراته ومواقفه وهذا يتوافق مع نمط القبعة الزرقاء الذي تجد صاحبه يتقبل جميع الآراء ويحترمها ويحللها بشكل مقنع، ويحاول الوصول لأفضل الإجابات على الأسئلة المطروحة، وهذه القبعة ليست متاحة لجميع السوريين وذلك نظراً لظروفهم المتباينة، وغالباً يرتدون هذه القبعة الذين يتمتعون بحالة من الاستقلال المالي والقانوني ولديهم حياة مستقرة بعيدة عن الضغوط المعيشية أو المجتمعية، ومعظمهم ربما غادروا سوريا بشكل مبكر أو قد تكون هجرتهم قبل اندلاع الثورة السورية.

وكذلك القبعة الصفراء من أنماط التفكير الإيجابية والتي تلمس من خلالها التفاؤل والقدرة على إيجاد المنافع والتركيز على احتمالات وفرص النجاح، وهذا ما نجده لدى كثير من أهلنا السوريين الذين تقبلوا واقعهم بشكل مبكر وسريع، واستعدوا لتجريب كل المستجدات التي واجهتهم، من تغيير نمط حياتهم إلى تغيير نمط أعمالهم وأبدوا مرونة كبيرة في خياراتهم، وظل التفاؤل والأمل بالمستقبل يحدوهم باستمرار، فتجد ذلك في أحاديثهم وتوقعاتهم وابتساماتهم التي لا تفارق وجوههم.

ويستأثر جيل الشباب السوريين بارتداء القبعة الخضراء وهو نمط التفكير الإبداعي والذي يخرج عن المألوف والسعي الدائم للتطوير والاستعداد لمواجهة كل التغيرات، وهذا ما تبدى واضحاً في صور عديدة أبرزها صور التفوق الدراسي والبحثي وحصد المراتب الأولى في كثير من الجامعات والمعاهد، وكذلك من خلال رواد الأعمال الشباب الذين ابتكروا مشروعاتهم واستندوا إلى التكنولوجيا والفضاء الرقمي ، واتكأوا على رأس مالهم النفسي والاجتماعي.

وفي الختام لا بد أن نشير إلى أن هذا التصنيف ليس مطلقاً ، فالواحد منا في معترك حياته، يمر بأطوار مختلفة ويرتدي القبعة التي تناسب الدور والطور الذي يمر به ، وجميعنا نلبس جميع هذه القبعات وفقاً للموقف والحالة.

تلفزيون سوريا

—————————–

بيان من قوى وطنية وشخصيات سورية عامة من أجل وقف تهديدات الحرب والعنف في الشمال السوري

تعرضت بلادنا سوريا لضربات متعددة في سنوات العقد الماضي، أوصلتنا إلى حالة الكارثة التي نعيشها حالياً: قتل وإعاقة مليون مواطن على الأقل، ومئات الألوف من المعتقلين والمفقودين، وتشريد نصف السكان، إلى دولة هشة وفاشلة، منقسمة إلى عدة أقسام وتكاد تتفتت بكلّ مقوماتها. يتهدّد بلادنا الآن خطر داهم قد ينهيها ويجعل لملمتها حلماً صعباً وربّما مستحيلاً، إذا نفذت الحكومة التركية تهديداتها، وشنّت عمليتها العسكرية أو حربها الخامسة في الشمال لاستكمال ما تسمّيه” المنطقة الآمنة”، التي تمتد على طول الحدود بعمق ٣٠ كيلومتر، تشمل- من ثمّ- جميع المدن والبلدات هناك، التي يلاصق معظمها خط الحدود ذاك.

إن هنالك تفهّماً جيداً للحرص التركي على” الأمن القومي” من أصدقاء وخصوم الحكومة التركية في سوريا كما هو في تركيا، وهو مطلب يرى الجميع إمكانية تحقيقه من خلال الحوار والتفاوض، لتبديد الهواجس وتطوير الضمانات للجميع. لا نرى في محاولات قرع طبول الحرب وحلّ المسألة من خلال العنف وبواسطته إلّا مفاقمة وتأسيساً لحالة عداء لا يريدها السوريون بكلّ انتماءاتهم؛ اللاجئون منهم الذين وجدوا في استقبال تركيا شعباً وحكومة لهم كلّ الخير منذ وصلوا هاربين من مجازر النظام الاستبدادي وعنفه المطلق؛ أو الباقون في شمال البلاد عرباً كانوا أم كرداً أم سريان وتركمان أم غير ذلك.

لن يكون لتنفيذ المخطط المعلن لإعادة مئات الآلاف من اللاجئين وتوطينهم على الحدود في مُجمّعات سكنية مرتجلة ذلك التأثير الذي تبتغيه الحكومة التركية أساساً، لأنه سوف يزيد من حدّة التناقضات الاجتماعية في سوريا قريباً من الحدود، ويكرّر تجارب للهندسة الديموغرافية أصبحت من التاريخ، ولا يمكن أن ينجح تكرارها بما أحدثته من كوارث ما زال العالم يهتزّ من آثارها.

نحن ندعو للجنوح إلى السلم، وإلى الحوار والتفاهم والالتزام بالشرائع الدولية من القانون الدولي إلى لوائح حقوق الإنسان. هذا الطريق صحيح لحلّ المسألة الكردية من طريق الحوار الكردي- الكردي والكردي- العربي والكردي- التركي؛ وهو صحيح أيضاً وأيضاً لحلّ القضية السورية؛ بل هو الطريق الوحيد الممكن إلى أيّ مستقبل آمن وحضاري.

نحن الموقعين أدناه من قوى وطنية وشخصيات عامة:

نطالب الحكومة التركية بالتراجع عن طريق الحرب والخراب؛

كما نطالب شعوب العالم وأحراره بالانضمام إلينا فيما ندعو إليه،

ونتوجّه إلى الأمم المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب والاتّحاد الأوروبي من أجل القيام بكلّ ما من شأنه منع الكارثة المحدقة ببلادنا!

الموقعون:

سليمان الكفيري سياسي معارض

د. جون نسطة عضو قيادة المهجر- هيئة التنسيق الوطنية للتغيير

مزكين يوسف رئيسة مجلس إيزيديي سوريا

سميرة المسالمة كاتبة

منصة عفرين

تيار مواطنة- نواة وطن

أليس مفرج سياسية نسوية

لينا وفائي ناشطة سياسية نسوية

جمانة سيف حقوقية

رويدة كنعان ناشطة سياسية نسوية

صبيحة خليل ناشطة سياسية نسوية

راتب شعبو كاتب وباحث ومعتقل سابق

د. عبدالله تركماني كاتب وباحث

وائل سواح كاتب سوري

أحمد الرمح كاتب وباحث

عدنان مكية مجلس إدارة مركز دراسات الجمهورية الديموقراطية

ربيع الشريطي = = = = = = = =

أمل محمد ناشطة سياسية

كومان حسين ناشط سياسي كردي

سميحة نادر ناشطة سياسية

أمارجي- لجان الديمقراطية السورية

عبدالله حاج محمد أمين عام حزب اليسار الديمقراطي

عصام دمشقي معارض سياسي

بسام المرعي ناشط سياسي

حسين قاسم ناشط سياسي

على رحمون سياسي

مركز عدل لحقوق الإنسان

مصطفى أوسو ناشط حقوقي وسياسي كردي مستقل

البروفسور إبراهيم شحود أستاذ جامعي متقاعد

محمود شيخاني فنان تشكيلي

سهف عبد الرحمن فنان تشكيلي

برهان ناصيف ناشط سياسي

حافظ جباعي ناشط سياسي

ناصر يوسف اقتصادي سوري

موفق نيربية كاتب ومعارض

جمعة عبد القادر كاتب

خليل حسين ناشط ومحرر موقع السفينة نت

بهزاد دياب سياسي ومعتقل سابق

حبيب إبراهيم عضو حزب الوحدة الديمقراطي الكردي- يكيتي

د. غياث نعيسة ناشط سياسي

سمير إسحق مدير تحرير” الخط الأمامي”

مصطفى عرعور حركة مناهضة الحرب في سوريا

تيار اليسار الثوري في سوريا

فرج بيرقدار شاعر سوري

جبر الشوفي ناشط معارض

وسيم حسان ناشط سياسي

عبد المنعم فريج ناشط سياسي- الرقة

محمد علي إبراهيم باشا محام وناشط سياسي

خزامى الفيصل ناشطة سياسية

فيصل كردية ناشط سياسي

عدنان حسن ناشط سياسي

سها القصير ناشطة

سامي داود كاتب وباحث

————————–

قواتُ سوريا الديمقراطية والمراهنةُ على الحصان الرابح/ عبير نصر

فارق شاسع بين تركيا كمال أتاتورك -الذي طلب قبل وفاته من كبير دبلوماسييه، نعمان منمنجي أوغلو، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وتجنّب المغامرات العسكرية الساعية إلى ضم الأراضي، الأمر الذي جنَّب تركيا ويلات الحرب العالمية الثانية- وبين تركيا أردوغان التي تسيطر دون أيّ وجه حقّ على أراضٍ شاسعة في شمال سوريا، وتحاول تغيير معالم الأوضاع الجغرافية والديموغرافية.

بل أبعد من ذلك، تسعى إلى محو طابع المنطقة من الأصل عبر أذرع عديدة، منها اللغة والعملة والإعلام. هي التي تبنّت ثقافة أنّ هزيمة أيّ أمة تبدأ من نقطة إزالة الرصيد الحضاري، وتدمير المعين التاريخي الذي تقوم به اللغة بتقوية جدار النسيج الاجتماعي.. ولا شك تتريك سوريا خطة استعمارية ممنهجة، بدأت فصولها مذ أدخلت تركيا قواتها مناطق الشمال بحجة مقاومة الأكراد المتمردين. في المقابل وعلى مرّ عقود، عانى الأكراد من سياسة تهميش اتبعتها الحكومات المتلاحقة. لكن ميزان القوى بدأ يميل لصالحهم مذ تصاعد نفوذهم بعد انسحاب قوات النظام السوري من مناطق تواجدهم مع اتساع رقعة النزاع، وبقيت مناطق الإدارة الذاتية خارج سلطتها. وفي الحقيقة يُحسب لوحدات حماية الشعب الكردية أنها من أوائل من واجه “داعش”، بدعمٍ عسكري أمريكي، ما أثار موجة انتقادات من جانب أنقرة التي تصنّف الوحدات كمنظمة “إرهابية”، وتعدّها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها. واليوم وبعد سنوات محتدمة من الصراع السوري، تجد قيادات “قسد”، التي راهنت على جميع الأحصنة لتحقيق مشروعها في إقامة دولة كردية، تجد نفسها وحيدة في محيط من الأعداء، تحاول البحث عن مخارج وتحالفات لحمايتها من عملية اجتياح تستهدف وجودها، وتجتثها من المناطق التي تحتلها، كذلك التفكير بإيجاد مظلات حماية بديلة.

بالتساوق مع ما سبق، لم تنفك أنقرة طيلة سنوات، بالمطالبة بخروج الميليشيات التابعة لحزب العمال من المناطق المحاذية لحدودها الجنوبية مع سوريا، والتهديد بشنّ عمليات عسكرية لتطبيق اتفاقية إبعاد هذه الميليشيات عن الحدود لمسافة ٣٠ كم، لكن مطالب تركيا وتهديداتها كانت تصطدم دائماً بموقفٍ سلبي من قبل روسيا والولايات المتحدة، الداعمتين لقوات سوريا الديمقراطية. ما استجدّ أن أردوغان أوضح مؤخراً وبثقة مطلقة أن “تركيا ستميّز في هذه المرحلة، بين من يحترمون حساسياتها الأمنية، والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وأنها ستصوغ سياساتها مستقبلاً على هذا الأساس”. تصريح وإن بدا تصعيدياً ومغامِراً لكنه يحمل في طياته إشارة ضمنية إلى أنّ إحدى هاتين الدولتين قد وافقتا على عملية تركية جديدة. يؤكد ذلك أنه وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي في أنقرة أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنّ بلاده ستعمل مع تركيا بشكل مشترك على إخراج أولئك الإرهابيين من المنطقة، في إشارة صريحة إلى ميليشيا “قسد”. بدورها، أكدت الأخيرة أنها مستعدة للتنسيق مع جيش النظام السوري لمواجهة تركيا. القرار جاء بعد اجتماع طارئ لكبار قادتها تناول تهديدات تركيا بشنّ هجوم جديد على أجزاء من شمال سوريا. في سياق موازٍ وفي مقابلة أجراها مع قناة “RT” الروسية، تنصل بشار الأسد من مسؤوليته في الدفاع عن المناطق التي ستستهدفها العملية التركية المرتقبة ضد ميليشيا “قسد”، رامياً بتلك المسؤولية على من أسماها بـ”المقاومة الشعبية”، في مؤشر على رغبته باستعمال موالين له من أبناء المنطقة ليضعهم في وجه المدفع.

وسط هذه المواقف المتضاربة، شدد المتحدّث الرسمي باسم “قسد” على أنّ “لا تغييرات في مواقع انتشار القوى الدولية”، في إشارة منه إلى قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وتتواجد عناصره في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، بالإضافة للقوات الروسية التي دخلت مناطق سيطرة هذه القوات لأول مرة في عام 2019 بعد هجومٍ تركي كان الثاني الذي يستهدف المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا، بعد سيطرة أنقرة على مدينة عفرين الواقعة شمال غربي حلب في العام 2018. وبينما التقديرات تظلّ متباينة حول حجم هذه العملية ومساحتها الجغرافية ووجهتها، يزيد الطين بلّة إصدار وزارة الخزانة الأميركية، ترخيصاً يسمح بأنشطة 12 قطاعاً في مناطق متفرقة، توزعت ما بين الشمال والشرق، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” وتحالف “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من أنقرة. وعبّرت تركيا على لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، عن رفضها للقرار الأميركي، واعتبرته “شرعنة وجود حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في شمال وشرق سوريا”.

بطبيعة الحال، الإعداد للعملية التركية ومتطلباتها ليست عسكرية لوجستية فقط، وإنما ثمّة شبكة أمان سياسية مطلوبة تتعلق بتسويغ العملية، وقبول مختلف الأطراف المنخرطة في القضية السورية بها وعدم إعاقتها لها. وحسب تقديرات مراقبين فإن الوجهة الأكثر ترجيحاً لأي عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا ستكون مدينة منبج، حيث غالبية السكان فيها من العرب، وبالتالي لا تمثل رمزية بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي ومن خلفه حزب العمال، على عكس “عين العرب” التي تحظى بمكانة استثنائية لديهما، ناهيك عن رمزيتها بالنسبة للغرب، حيث تشكّلَ التحالف الدولي لمكافحة داعش من أجل مواجهة التنظيم في هذه المدينة. في المقابل يرى آخرون أنّ التلويح بالعملية العسكرية ليس إلاّ حديثاً سياسياً أكثر منه عسكرياً، والهدف هو تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب بالتزامن مع المفاوضات بين الغرب وأنقرة فيما يتعلق بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي/ الناتو، الأمر الذي سجلت تركيا تحفظاً عليه. كما أكدوا أنّ هذا الموقف التركي لن يدوم طويلاً بسبب الإجماع الحاسم في الحلف والمؤيد لانضمام الدولتين، وبالتالي فإن أنقرة تعمل على جني ثمار الظرف الاستثنائي هذا، وملف المنطقة العازلة هو أحد أهم الأولويات لديها، خاصة وأنّ الغرب من أشد المعارضين لأي هجوم تركي جديد في سوريا. وبمعزل عن التكهنات والتخمينات يبدو التهديد مختلفاً هذه المرة، وأكثر جدية نظراً لتوقيته وسياقه، اللذين يرتبطان بشكل وثيق بالحرب الروسية على أوكرانيا، والتي دفعت موسكو للانشغال عن الملف السوري جزئياً وإلى إعادة تموضع قواتها، مما قد يعني حدوث ثغرات وفراغ ستكون أنقرة من أوائل المهتمين بملئها.

ثانياً، تعيش تركيا حالياً حقبة تؤكد فيها للغرب، الولايات المتحدة وحلف الناتو، على أهميتها والأدوار التي يمكن لها لعبها، ويصعب على غيرها الحلول مكانها فيها على حدّ تعبير جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق، في أنقرة. كذلك فإنّ التهديد يأتي في ظل حديث أنقرة عن إعدادها مشروعاً لإعادة مليون سوري إلى بلادهم، ومن أهم متطلبات ذلك المشروع مناطق تستوعب العائدين، كذلك ضمان أمنهم وعدم تعرضهم للقصف أو الاعتداء. وقد كان لافتاً حديث أردوغان -في سياق التلويح بالعملية- عن “منع الهجمات والاعتداءات على المنطقة الآمنة” وليس فقط على الجنود الأتراك.

صفوة القول هنا، إنّ العملية العسكرية تُبقي الباب موارباً لعديدٍ من السيناريوهات والاحتمالات، وتبقى الحقيقة الثابتة أبداً أن تركيا اليوم تضيف فصلاً جديداً من فصول الاستيلاء على الأراضي السورية، مستغلّة حالة الارتباك الحادثة في المنطقة لإشعال حروبها العرقية، وإحياء نزعتها القومية المتطرفة.

ليفانت – عبير نصر

——————————-

منطلقات الاحتلال التركي للأراضي السورية/ علي الأمين السويد

منذ انطلاق الثورة السورية شعرت تركيا بتصميم الشعب السوري على المضي قدماً في تحقيق أهداف الثورة، وعلمت أيضاً المدى الذي قد يذهب إليه نظام الأسد في قمع محاولة تحرر الشعب، فاعتمدت تركيا السيناريوهات المتوقعة التي تفضي بتحول سوريا إلى دولة فاشلة.

أن تصبح سوريا دولة فاشلة سيكون ذلك مسوغاً للنظام التركي للتوسع جنوباً على حساب وحدة وسيادة الأرض السورية. فإذا لم تصبح، فعلى النظام التركي أن يفعل كل ما من شأنه أن يقود إلى فشل الدولة السورية. وكان للنظام التركي ما أراد بحكم الظروف الراهنة وبحكم عمله على خلقها في سوريا.

واليوم، يريد النظام التركي المحتل أن يقطف ثمرة جهوده بتوسع بلاده جغرافياً على حساب سوريا من خلال احتلال الشريط الحدودي بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، بحيث تكسب تركيا مساحة تقدر بـ 30 ألف كم مربع.

اتبع رئيس دولة الاحتلال التركي، رجب طيب أردوغان، عدة منطلقات محورية يسوّقها بشكل مستمر. إن ضعف الاهتمام بمنطلق، راح يبرز آخر، ويلعب على أوتاره حتى يفقد بريقه، فينتقل لتضخيم المنطلق التالي، أو أنه يعود للسابق. ومن هذه المنطلقات أو الاستراتيجيات:

أولاً – محاربة الإرهاب

تصنّف تركيا حزب العمال الكردستاني على أنّه منظمة إرهابية، وتعتبر أن وحدات حماية الشعب السورية منظمة تابعة للحزب الكردستاني.

وتدّعي تركيا بأن وحدات حماية الشعب تقوم بالهجوم المسلح على الحدود التركية. والجميع يعلم بأن كلام أردوغان غير صحيح ويحتاج إلى إثباتات مادية، وخصوصاً أنه يكذب تماماً في مسألة هجوم وحدات حماية الشعب على تركيا عبر حدودها. فمن غير المنطقي أن تقوم وحدات حماية الشعب السورية بالسعي للحوار مع النظام التركي، وبذات الوقت تهاجم تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو والمفترض أنها حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، حليفة قوات سوريا الديمقراطية.

ثانياً – محاربة الإرهاب

هذه استراتيجة مثيرة للسخرية لا تختلف عن دعاوي النظام السوري في محاربة الإرهاب، والفساد، والتعذيب، وتهريب الكبتاغون. فتركيا من يدعم داعش والأوزبك، والشيشان، والطاجيك، والقاعدة، وأحرار الشام، وصقور الشام وجيش الإسلام والإخوان المسلمين. وتركيا تتعامل رسمياً مع هيئة تحرير الشام الإرهابية، وكأنّها فصيل من الجيش التركي.

1- فتركيا تصنّف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، ولكنها على أرض الواقع تعتبر حليفاً وداعماً لهتش. فهذا التنظيم الإرهابي يقوم بتنفيذ سياسات تركيا الخارجية فيما يخصّ اتفاقاتها مع روسيا وإيران والنظام السوري، فهتش هي من نفذت سحب السلاح الثقيل من جنوب إدلب، وهي من سلمت خان شيخون ومعرة النعمان وأطراف جبل الزاوية للنظام حسب اتفاقات أستانا.

2- هتش الإرهابية تحرس النقاط المراقبة التركية حين كانت على خط مدينة مورك، وحين انتقلت إلى جبل الزاوية.

3- وزير الداخلية التركي يقوم بزيارات تفقدية دورية إلى مناطق حدودية داخل إدلب وبحماية هتش أو جبهة النصرة الإرهابية.

4- الشركات التركية تمدّ إدلب بالكهرباء وجبهة النصرة تجبي المال.

5- قامت تركيا وهتش بفرض تداول العملة المتداولة في الشمال السوري.

6- ففي تشرين الأول من العام 2019، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية الإرهابي “أبو بكر البغدادي” في المناطق التي تعتبر تحت سيطرة تركيا، وعلى بعد أقل من خمسة كيلومترات من الحدود التركية.

7- وفي آذار 2022، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية خليفة البغدادي، التركي الجنسية، “أبو إبراهيم القرشي” في مناطق سيطرة هتش، وعلى مقربة أقل من خمسة كيلومترات من الحدود التركية.

8- وفي حزيران 2022 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية هاني الكردي الذي تقول عنه أمريكا بأنه من قيادي داعش في المناطق التي تحتلها تركيا والتنظيمات الموالية لها المسماة الجيش الوطني.

9- وخلال الأسبوع المنصرم من هذا الشهر، نجحت تركيا في إطلاق سراح الإرهابي محمد علي أوزتورك من سجون الإمارات العربية المتحدة. وأوزتورك 54 عاماً، من ولاية مرسين، أنشأ وأدار شبكة جهادية في عام 2012 في تركيا وسوريا، وله علاقات مع تنظيم القاعدة.

10- ومؤخراً، بدأت كتائب من هتش تدخل إلى ما يسمى مناطق الدرع لتنفيذ مهمات تدريبية للفصائل الموالية لتركيا وللاندماج التدريجي بهدف توحيد القوة المسلحة التي ستحكم الشمال السوري. 

ثالثاً – دعوى إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري

يروج الاحتلال التركي فكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري لحماية السوريين من النظام الأسدي، ولمنع تدفق المهاجرين السوريين إلى أوروبا، ولتخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي المزعوم على الاقتصاد والمجتمع التركي.

وقد نجح أردوغان في ابتزاز أوروبا وسلبها أموالاً طائلة لقاء احتجازه السوريين في تركيا. فإن تأخرت الأموال الأوروبية عليه، سمح للسوريين بالعبور الطوعي إلى أوروبا، وربما أجبرهم أحياناً على ذلك.

أما قضية تشكيل اللاجئين السوريين عبئاً على تركيا، فقد ثبت بأن وجود السوريين في تركيا مكسب حقيقي لتركيا ولاقتصادها الذي دمره أردوغان شخصياً بسبب سياساته الاقتصادية الفاشلة، علماً أنه لا يفتأ يلمح إلى أن الضغوط الاقتصادية على بلاده، والتي من بينها الوجود السوري، كانت السبب في تدهور اقتصاد بلاده.

أما عن واقعية وجدوى إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري وإعادة السوريين إليها، فهي ليست سوى ضرباً من الخيال، إلا إذا تمت تسمية الأشياء بمسمياتها. فتركيا تريد إقامة حزام قومي عربي موالٍ لها ضمن الأراضي السورية ليسهل عليها بعد ذلك ضم تلك الأراضي دون مقاومة.

وقد فعلت تركيا كل ما بوسعها لخلق هذا الواقع. فقامت باحتلال مدينة عفرين وما حولها، حتى بلغت المساحة التي تحتلها حالياً أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر مربع. وقامت بجريمة طرد ملاكها وسكانها الأصليين منها وتوطين نازحين ومرتزقة من كافة أنحاء سوريا.

وهي تسعى لتكرار هذه الجريمة على طول الحدود السورية في حال استطاعت الحصول على الضوء الأخضر من روسيا ومن الولايات المتحدة الأمريكية، اللتين لم توافقا حالياً على هذه الخطوة بشكل علني على الأقل. وليس من المرجح أن أمريكا ومن ورائها أوروبا ستقبلان بهذه الخطة الإرهابية.

وجدت تركيا في الظرف الدولي الحالي، المتمثل بالغزو الروسي لجمهورية أوكرانيا، ولطلب فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف الناتو، فرصة للمساومة والمتاجرة. فعلى ما يبدو أن تركيا تريد أن تحصل على عدة طلبات من الغرب إلا أنها لا تتأمل الحصول إلا على الضوء الأخضر لاحتلال ما تبقى من الشمال السوري بحجة إقامة المنطقة الآمنة المزعومة.

فتركيا تضع في اعتباراتها أن سوريا هي آخر اهتمامات الغرب ولن يكون لدى الحلف مشكلة في قيام تركيا بابتلاع سوريا كلها، كما قال الرئيس ترامب لأردوغان سابقاً.

فأردوغان يضغط باتجاه قبض ثمن قبوله بدخول السويد وفنلندا حلف الناتو من أمريكا وأوروبا بالسماح له بتنفيذ مخططاته. وهو يفاوض روسيا على رفض قبول طلب الدولتين مقابل دعم خطته الإرهابية. إلا أن روسيا ليست في وضع يمكنها من إتمام هذه الصفقة. لا سيما أن الولايات المتحدة وأوروبا تقفان بحزم في وجه سياسات أردوغان العدائية، حتى الآن كما يبدو، ولا تكترثان جدياً بما يريده أردوغان.

موقف السوريين من المنطقة الآمنة

شعر السوريون المقيمون في تركيا، والذين ينوي أردوغان ترحيل مليون منهم إلى الشمال السوري بالغدر التركي من خلال ادّعاء تركيا بأنها تعمل على تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية إلى الشمال السوري. فقد حاولت السلطات التركية الضغط بكل الوسائل على المقيمين السوريين في تركيا لترحيلهم إلى الشمال السوري تحت شعار العودة الطوعية.

وفاقم الوضع فضح العمليات التركية التي شرعت بحفر خنادق تفصل المناطق المحتلة من قبل تركيا عن الوطن الأم المحتل من قبل النظام السوري. حيث قام المواطنون السوريون بالاحتجاج على هذه الخطوة بشتى الأساليب، منها نصب خيام اعتصام في وجه آلات الحفر التركية.

توقفت عمليات الحفر بعد فضحها بوقت قصير جداً، ولكن ليس بسبب الاحتجاجات، وإنما بسبب التحذيرات الأمريكية لتركيا من مغبة المضي قدماً في هذه الخطوة.

ولكن ومن جهة أخرى، يحسب لبعض السوريين الذين واجهو الجرافات التركية رفضهم للانفصال أو الانضمام إلى دولة الاحتلال التركي.

فهم السوريون هذه الخطط على أنها إعادة توطين إجباري في الشمال السوري لتحقيق أهداف أردوغان على حساب سوريا، وهو الذي قام بإنشاء مستعمرات بهدف توطين من سيتم إجبارهم على النزوح الثاني من تركيا.

وشعر النازحون السوريون المقيمون على طول الشريط الحدودي بخيبة عظيمة، وفهموا بأن إعادتهم إلى مناطقهم التي استولى عليها النظام هي آخر اهتمامات الدولة التركية التي طالما أطلقت التصاريح الرنانة حول دعم النازحين والسعي لإعادتهم إلى مناطقهم.

ثار النازحون البسطاء ضد هذه الفكرة، وعبروا عن غضبهم من خلال تنظيم مظاهرات تدعو قادات التنظيمات العسكرية المرتزقة والموالية لتركيا لفتح الجبهات ضد النظام لاستعادة المناطق التي استولى عليها بطريقة التسليم التي كانت جبهة النصرة الإرهابية أو هيئة تحرير الشام بطلتها.

وعبّر النازحون عن غضبهم من الاحتلال التركي ومن وجود نقاطه في مختلف أنحاء الشمال السوري، واستطاع بعض الناشطين تمرير شعارات طرد الجيش التركي من سوريا، إلا أن الخوف من الملاحقة والتهديدات الحقيقة لحياتهم أوقف ذلك.

حالياً، ليس من المؤمل أن تنجح هذه الدعوات الشعبية لقتال النظام، وخصوصاً أن قادة الفصائل المرتزقة لا يضعون في أولياتهم التخلي عن عمالتهم للاحتلال التركي خوفاً على مكتسباتهم الشخصية.

ولكن من المؤكد أن تركيا تنتظر، متحفزة، أن تمكنها الظروف الدولية من تنفيذ مخططاتها الاستعمارية دون حروب كبيرة، لأن النظام التركي لا يحتمل أية خسارة عسكرية تؤلب عليه الداخل التركي في هذه الأوقات الحساسة بالنسبة لتركيا.

————————————

ما بين هجرة وعودة..سوريون في تركيا يبحثون خياراتهم

“تواجهني عراقيل في إمكانية إكمال دراستي الجامعية التي أُجبرت على تركها في سورية، وإن وجدت عملاً اليوم، فأنت غير محمي فيه، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية وارتفاع أجور المعيشة بشكل كبير جداً، وفوق كل ذلك، أنت غير آمن قانونياً ولا مجتمعياً”.

بهذه العبارات، برر الشاب قاسم من أبناء ريف دير الزور، هجرته من تركيا، بعد وصوله الأراضي اليونانية قبل أيام، عقب محاولات دامت شهرين، ليبدأ اليوم، متابعة رحلته متوجهاً نحو هولندا، التي يعتبرها متميزة “بسرعة الحصول على حق اللجوء مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية”.

ويؤكد الشاب لـ”السورية نت”، بعد أن طلب عرض اسمه فقط دون كنيته، بأن العشرات من معارفهِ، يخططون للرحيل، وتستمر محاولاتهم مع بدء فصل الصيف، وأنه على تواصل معهم، ومع أفراد عائلته التي ستسلك ذات الطريق “بعد أن سدت الأبواب أمامهم في تركيا”. حسب وصفه.

أهم الأسباب الدافعة إلى توجه الكثير من السوريين في تركيا، للبحث عن طريق للخروج منها، حسبما يقول بعضهم، هو خطاب العداء لهم الذي تقوده المعارضة التركية، وتصاعدهِ مؤخراً بشكل كبير، وسط توقعات بأن يزداد حدة في الأشهر القادمة، تزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد، المقررة في يونيو/ حزيران 2023، إضافة لأسباب أخرى.

ما هي خياراتك؟

على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مجالس السوريين المقيمين في تركيا فإن “سؤال: ما هي خياراتك الآن؟”، ومحاولة الإجابة عنه، يُطرح بشكل كبير، خاصة عقب سلسلة إجراءات وقرارات حكومية، وتصاعد حملات وخطاب الكراهية، تزامناً مع واقع معيشي متدهور، ونسبة تضخمٍ عالية يعيشها السوق التركي.

بات هذا السؤال، أساسياً لجلسات السوريين الخاصة، وحتى داخل أماكن العمل وفق ما يؤكده، الصحفي والناشط معاذ الطلب، مشدداً أن العنصرية ليست وحدها السبب.

وحول الأسباب الأخرى، يقول لـ”السورية نت”، إن من بينها “حملة التصعيد الكبيرة في القرارات الحكومية”. وضرب أمثلة حول ذلك بقرارات “منع السفر الداخلي، وإيقاف منح الكماليك، وتضيق النطاق الجغرافي لتسجيل القيود بدوائر النفوس، ورفض منح الإقامة السياحية، والتشدد في تجديدها”.

    ذهبت اليوم لأصرف الدواء لأطفالي الصغار ،تفاجأت أن بطاقات الحماية المؤقتة الخاصة بهم متوقفة !! علماً أني خرجت إلى منطقة مسموح السكن فيها بالنسبة #للسوريين وثبتت العنوان منذ فترة قريبة ، لاأدري ماالذي يحصل ومن يعبث بهذه البيانات علماً أنها المرة الرابعة التي أحدث فيها البيانات !!؟

    — محمد خير كنجو (@lgqhs81) June 13, 2022

ويؤكد الطلب، المقيم حالياً في مدينة غازي عينتاب، أن الشغل الشاغل لكثير من السوريين اليوم – وهو من بينهم – البحث عن “أرض أخرى”، مشيراً إلى أنه يتابع بشكل يومي عبر مواقع التواصل، صفحات تتحدث عن الهجرة إلى أوروبا أو البرازيل والأرجتين، وعن تجارب ونصائح آخرين في هذا المجال، وكيفية الوصول.

وفي إجابة عن خياراته الأخرى، إن لم يتمكن من الهجرة لأوروبا أو إحدى دول القارة الأمريكية، يذكر الطلب أن “خياري الآخر، والأخير، هو العودة إلى سورية، والعيش في مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد، لكن بالتأكيد، البقاء في تركيا ليست من ضمن هذه الخيارات”. حسب قوله.

نصيحة حقوقي

“انصحك ان تتقدم فوراً للحصول على جواز سفر، وأن تسعى للسفر إلى إحدى دول أمريكا الجنوبية، البرازيل الأرجنتين، تشيلي، الأورغواي، ماتدفعه للمهرب والسماسرة للهروب لأوروبا، أنت أولى به وأدخره لسفرك”.

بهذه العبارات، نصح مدير “تجمع المحامين السوريين”، غزوان قرنفل، الشباب السوريين في تركيا، عبر منشور على صفحته في فيسبوك.

ونوه الحقوقي المهتم في “قضايا اللاجئين السوريين”، إلى أن هذه النصيحة بشكل خاص، لمن لا يدرسون في الجامعات”.

الراهن والقادم

يقيم في تركيا أكثر من 3.7 ملايين سوري حسب الأرقام الرسمية، القسم الأكبر منهم يحمل بطاقة “الحماية المؤقتة” المعروفة باسم “الكيملك”.

وتصاعدت مشاعر العداء وحملات الكراهية ضد الوجود السوري في تركيا، مؤخراً، في تطورات اعتبرها باحثون، مرتبطة بشكل وثيق بتحريض أحزابٍ وشخصيات معارضة للحكومة التركية، التي تواجهاً تحدياً كبيراً في هذا الملف، الذي تزداد حساسيته مع اقتراب موعد انتخاباتٍ حاسمة بعد عام.

    İzmir’de oynanan Türkiye – Litvanya maçında taraftarlar “Ülkede Mülteci İstemiyoruz” sloganları attı. pic.twitter.com/yazqiYhOve

    — ibrahim Haskoloğlu (@haskologlu) June 14, 2022

إضافة إلى ذلك، تشهد المدن التركية حالياً، خاصة الرئيسة، مثل اسطنبول وأنقرة، حملة أمنية موسعة ضد “المهاجرين غير الشرعيين”، حيث تشمل هذه الإجراءات، السوريين ممن يقيمون في ولايات أخرى، غير الولاية المسجلين فيها.

من جانب آخر، كشفت وزارة الداخلية التركية في فبراير/ شباط الماضي، عن “خطة تخفيف” تستهدف انتشار السوريين في عدة ولايات.

وبحسب التفاصيل التي أوردها تقرير لصحيفة “حرييت”، المقربة من الحكومة، حينها، فإن قرار الداخلية التركية ينص على منع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت “الحماية المؤقتة”، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.

وأوضحت الصحيفة أنه وفي حال تجاوز عدد السوريين 25 بالمئة من السكان في مكان ما، يُمنع الأجانب من تقييد سكنهم فيه، قبل أن تتخذ السلطات في الأيام الماضية المزيد من القرارات، إحداها تقليص النسبة المسموح بها لعدد السكان في الأحياء والولايات من 25%، إلى 20%، وبالتالي منع الأجانب من السكن في 1200 منطقة.

الجميع مستهدف

سلط تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أمس الخميس، الضوء على واقع السوريين في تركيا، في ظل خطاب عنصري متصاعد ضدهم، ازدادت حدته مؤخراً.

وأشار التقرير أن السلوكيات العنصرية التي يشهدها الشارع التركي ضد السوريين، تشمل حتى التركمان منهم، والذين نزحوا من سورية إلى تركيا، خلال السنوات الماضية، رغم أنهم يشاركون الأتراك اللغة والعرق.

وإلى جانب التركمان السوريين، أكد التقرير أن سوريين كُثر في تركيا، بدأوا البحث عن طريق لمغادرة هذا البلد، لعدم تحملهم “التصريحات والمشاعر المعادية للاجئين في المجتمع التركي”.

    الترجمة : هل يوجد عنصرية في تركيا ?

    خلال سنواتي العشر في تركيا مرت ٩ سنوات دون عنصرية لكن العام الاخير والاشهر الاخيرة من العام باتت العنصرية واضحة ودخلت في السياسة pic.twitter.com/peydHRnjPt

    — Ahmad Hasan (@binaasorya) June 11, 2022

والملاحظ في هذا المجال، أن خطاب العنصرية والكراهية واستفحاله، دفع العديد من الناشطين والفنانين والصحفيين والسياسيين الأتراك إلى الحديث عنه، محذرين من أن نتائجه خطيرة، وكارثية.

عودة.. بقاء.. هجرة

سؤال الهجرة لم يكن الوحيد، لكن هناك من السوريين في تركيا من يسأل عن مشروع “العودة الطوعية”، الذي أعلنت أنقرة نيتها تنفيذه، ويهدف لإعادة مليون سوري ممن يقيمون في الولايات التركية، إلى الشمال السوري.

وتُطرح أسئلة كثيرة بين السوريين حيال المشروع، وكيفية الحصول على شقة صغيرة من الوحدات السكنية التي تقول الحكومة التركية أنها ستشيدها في مناطق محددة من شمال غربي سورية، ويبلغ عددها نحو ربع مليون.

مشروع “العودة الطوعية” هذا، ورغم كل النقاط المثارة حوله، من بينها عدم وجود بيئة آمنة للعائدين، خاصة حيال قصف وهجمات نظام الأسد وحلفائه، إلا أن المناخ العام الرافض لوجود السوريين في تركيا، دفع بعضهم للتفكير بهذا الخيار، و”إن كانوا قلة، مقارنة بمن لديهم توجه للهجرة” خارج تركيا. حسب رأي الصحفي السوري المقيم في اسطنبول، جمال مامو.

الصحفي مامو  الذي تحدث قبل نحو أسبوعين في بثٍ مباشر على صفحته في “فيسبوك”، بعد تعرضه مع طبيب سوري لموقف عنصري أثناء جلوسهم في مكان عامٍ وسط اسطنبول، يؤكد أن “المعارضة التركية استغلت تصاعد الأزمة الاقتصادية في دول العالم، ومن بينها تركيا، كوسيلة إضافية لتحريض الأتراك ضد السوريين واللاجئين عموماً، رغم أنه لا ارتباط بين القضيتين”.

    في مباراة كرّة قدم، في الأمس بين تركيا وليتوانيا هتف الآلاف من الجمهور التركي “لا نريد اللاجئين” في مشهد معيب جدًا. ومن ثم يأتي أحدهم، ليقول لنا “العنصرية موجودة لكنها قليلة” ولا يعلم أنّها أصبحت برنامجًا سياسيًا انتخابيًا لما يزيد عن ٥ أحزاب يمثل مصالح/رغبات طبقة اجتماعية.

    — السكّري-Muhammed ElSukkeri (@m_elsukkeri) June 15, 2022

ويؤكد مامو في حديث لـ”السورية نت”، بأن التوجه الاساسي لدى قطاعات واسعة من السوريين في تركيا، خاصة الشباب، هو المغادرة نحو أوروبا “رغم الصعوبات والمخاطر والتكلفة الباهضة”، منوهاً إلى المجموعات التي زادت على وسائل التواصل، وتُعرض فيها تجارب محاولات الوصول إلى أوروبا، وطرق التهريب.

وتطرق مامو، إلى “الأحاديث التي بدأت تنتشر على هذه المواقع حول الهجرة إلى البرازيل، وتتحدث عن سهولة الوصول إليها وغياب العنصرية فيها، دون معرفة صحة هذا الكلام من عدمه، وهناك من يقدم نصائح بالتوجه إلى مصر”.

لكنه استدرك: “إلا أن السوريين المرتبطين بوجود أطفال في المدارس وأبناء في الجامعات، قد يكون خيار البقاء هو الأنسب لدى أغلبهم مبدئياً، ما يجعل الشباب هم الأكثر توجهاً إلى الهجرة حالياً”.

وحذر في سياق متصل، من أن الفترة القادمة، قد تشهد هجرة أصحاب رؤوس الأموال، الذي ستتأثر أعمالهم بالوضع القائم، كون أغلب اليد العاملة لديهم من السوريين، وكذلك منتجاتهم تقدم للسوريين وللعرب داخل تركيا، وبالتالي سيبحثوا عن أماكن أكثر استقراراً لاستثماراتهم.

السيئ والأسوء

يرى ذات المتحدث، أن “المزاج العام السائد (لدى سوريين كثيرين) هو مغادرة تركيا، والأجواء مسمومة بشكل كبير، والناس لا تشعر بالاستقرار، وعملية إصلاح هذا الأمر أصبح شبه مستحيل”.

وهذا الرأي قد يشاركه فيه الكثير من السوريين، ومن بينهم الشاب قاسم الذي وصل الأراضي اليونانية، بعد مكوثه 3 أعوام في تركيا، مؤكداً أنه لم يتخذ قرار الهجرة، إلا بعد أن وصل إلى قناعات بأنه “الذي جرى لا يمكن إصلاحه”.

وختم: “سوريون كُثر بينهم أفراد عائلتي، يعدون بدورهم العدة للرحيل، لديهم رأي بأن أمور السوريين إلى مزيد من التدهور، وقرار الهجرة السيء أصبح الحل الأنسب هروباً من الأسوء”، حسب تعبيره.

رغم ذلك، يراهن سوريون آخرون في تركيا، على تراجع خطاب الكراهية ضدهم، بعد انتخابات الصيف المُقبل.

منهم أنس أبو محمد(فضّل عدم ذكر عائلته) الذي يعمل في شركة انتاجٍ تلفزيوني بمدينة اسطنبول، ويأمل أن تخفت “حملة العداء ضد وجود السوريين بعد الانتخابات..آمل ذلك”.

ويبدو ذات المتحدث، من الذين حسموا خياراتهم، إذ يقول إنه لا يفكر بالسفر “إطلاقاً. بنتي وابني يدرسون في المرحلة الابتدائية هنا، ولا أستطيع المقامرة بمستقبلهم الدراسي، خاصة أن لا خيارات أمامي للسفر إلى أي مكانٍ آخر، وانتظر حصولي على الجنسية التركية قريباً”.

———————————

جهود روسية لوقف عملية تركية محتملة شمالي سوريا

كشف مبعوث روسيا الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف الخميس أن موسكو حاولت إقناع تركيا بـ”إلغاء” خطط العملية العسكرية المرتقبة شمالي سوريا، وذلك خلال الجولة الـ18 من محادثات أستانة  في كازاخستان، وفقًا لوكالة “تاس” للأنباء. حيث قال المبعوث الروسي”حاولنا إقناعهم بأنه يتعين حل الأمر عبر وسائل سلمية دون اللجوء إلى العنف، لأن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد”.

وكانت الجولة الـ 18 من مسار أستانة قد انطلقت الأربعاء في العاصمة الكزخية نور سلطان، بين كل من روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري والمعارضة السورية. وجاءت التطورات الميدانية في الشمال السوري، وعلى رأسها العملية العسكرية المرتقبة ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على رأس أجندة الجولة الجديدة من مسار أستانة.

في الأثناء اعتبرت موسوكو أن عملية تركيا العسكرية المحتملة في سوريا “عملاً غير حكيم”، وجاء موقف موسكو على لسان المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، الذي قال في تصريح لوكالة الأنباء الروسية، “إنّ روسيا تعتبر عملية تركيا العسكرية المحتملة في سوريا عملاً غير حكيم، لأنها قد تتسبب في تصعيد الوضع وزعزعة الاستقرار”. كما صرّح أن موسكو “لم تعد تعتبر جنيف مكانًا مناسبًا للمحادثات بين السوريين”، وفق ما ذكرته وكالة تاس للأنباء.

وتواجد المبعوث الروسي إلى سوريا في عاصمة كازخستان نور سلطان لحضور الجولة الـ 18 من مسار أستانة التي استمرت طيلة يوميْ الأربعاء والخميس، علمًا بأن هذا المسار الذي تعتبر تركيا وإيران وروسيا الأطراف الضامنة فيه لم يوصل بعد 5 سنوات من انطلاقه إلى أي إجراءات على الأرض. وتفيد المصادر التركية أن موعد العملية العسكرية التركية المرتقبة سيكون فترة ما بعد عيد الأضحى المقبل، وتستهدف العملية بشكل متزامن منطقتيْ تل رفعت ومنبج.

وبحسب المتحدّث باسم وفد المعارضة السورية المشاركة باجتماعات “أستانة” أيمن العاسمي، فإن “أجندة اجتماعات أستانة 18 تدور حول ما يجري في الشمال وما يمكن أن يجري، وضرورة تطهير المنطقة من تهديد المجموعات الانفصالية الإرهابية (في إشارة إلى قوات قسد)، حتى نتمكن من إيجاد أرضية لحل سياسي”، حسب تعبيره.  وأشار العاسمي في حديث لصحيفة العربي الجديد إلى أن ملف اللاجئين السوريين حاضر في الاجتماعات لـ”العمل عليه بطريقة جدية”، مضيفًا أن عملية التضليل التي يقوم بها النظام من خلال إصدار عفو لن تجدي نفعًا، فالأمر يحتاج إلى معالجة حقيقية.

وحمّل العاسمي روسيا مسؤولية “مناورات النظام في هذا الملف”، وأكد أن ملف المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري واحتمال استخدام روسيا الفيتو (حق النقض) ضد تجديد الآلية الدولية لدخول هذه المساعدات، كانت من أبرز الملفات في الجولة الجديدة من أستانة.

—————————–

====================

تحديث 20 حزيران 2022

—————————-

الانتخابات التركية.. صراع التحالفات المحتدم/ محمد السكري

يستمر الجدال في وسط الحياة السياسية التركية بشأن الانتخابات المقبلة وحظوظ الأحزاب والتكتلات السياسية. مع اقتراب بدء العد التنازلي للانتخابات كما أعلن مؤخراً عن ذلك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

الحقيقة، دفع ذلك إلى تسارع في وتيرة الأحداث العامة والتنسيق المتبادل ولا سيما على طاولة المعارضة التركية “السداسية” التي تعد مزيجاً بين اليسار واليمين واليمين المحافظ، لكن الكتلة الكبرى بلا شك هي الكمالية “الجمهوري-الجيد” بالنظر إلى كل من “المستقبل-الديمقراطي-دفّا-السعادة” الذين لا تتجاوز نسبهم من الأصوات والحاضنة عتبة الـ 6%.

ففي الحين الذي يُشهد فيه توافقٌ وتناغمٌ كبيرين في تكتل السلطة المعروف بـ “الشعب” واستمرار التفاهمات في إطاره خاصةً مع حلّ / حسم ملف “العتبة الانتخابية” التي كانت إحدى أهم الخلافات في التحالف بين حزبي العدالة والتنمية والقومي التركي. يستمر عمل المعارضة التركية في دفع التفاهمات إلى الأمام رغم الاختلافات التياريّة الكبيرة.

المعارضة التركية.. من برنامج شعبوي إلى السياسي المتوازن

تشهد الطاولة السداسية، خلافات حول قضايا مختلفة ربما من أبرزها “قضية اللاجئين” و”المرشح التوافقي” وكان بالفعل هناك اعتماد بشكل كبير على ورقة اللاجئين في العمل الأحادي الجانبي من قبل هذه الأحزاب ولا سيما الحزب الجمهوري الذي كان أول من عمل بشكل حثيث على تصدير الملف إلى الواجهة على الأقل من سنواتٍ عدة يعتبرها حاملاً انتخابياً مهماً.

كذلك، تفاعل حزب الجيد، مع تلك الأحداث وتطورت لبلورة خطة عمل قادمة تتعلق بملف الخارجية وإعادة ترتيب العلاقات مع النظام السوري في حال النجاح. عملياً كان هذا التوجه مرفوضاً لدى أحزاب أخرى مثل حزبي الدفّا “الديمقراطي”، والمستقبل بكونهما ينحدران من أصولٍ تقليدية كانت تقود هذا الملف عندما كانا جزءاً من تكتل حزب العدالة والتنمية.

في الواقع، إن التبيان في المواقف أبعد الملف عن الطاولة السداسية، وبات التركيز أكثر ينصبّ على صياغة برنامج متكامل بعد اتهامات باتت تتردد للمعارضة عن عدم امتلاكها لبرنامج “دولة” قادرة من خلاله على منافسة تحالف الحكومة. وهذا على ما يبدو ما دفعها لبدء العمل الجدي في هذا الإطار. لذلك أصدرت على الأقل ورقتين فيهما النقاط الأساسية والتي ستعتمد عليها في حملتها المقبلة. كان آخرها في 30 أيار/ مايو، 2022 وهي العودة للنظام البرلماني، العودة إلى استقلالية البنك المركزي، تعزيز الحريات السياسية، فصل السلطات ولا سيما القضائية، طرح سياسات اقتصادية جديدة من شأنها أن تعيد الحضور الاقتصادي التركي.

يُعزى أهمية التوافق إلى القضايا التي تهم/ تجذب الناخب التركي، ولا سيما في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا والتضخم الذي ارتفع إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ الدولة حيث لم يسبق أن شهدت تركيا هذه الأرقام منذ العام 1998، فبحسب هيئة الإحصاء وفق الأرقام “المعلن” عنها أنَّ في أيار/ مايو وصل التضخم إلى حدود 73.5%.

تربط المعارضة التضخم بعوامل مختلفة ربما من أبرزها؛ شكل النظام السياسي، عدم استقلالية البنك المركزي، الصلاحيات الممنوحة إلى رئيس الجمهورية. وبالتركيز على النقطة الأخيرة عند النظر إلى تاريخ تركيا السياسي، يمكن التأكيد على أنَّ صلاحيات الرئيس الحالية هي الأعلى في تاريخ حياة ما بعد الحزب الواحد “1946”.

على أيّة حال، صحيح أنّ المعارضة توافقت على الخطوط العريضة حول برنامجها الانتخابي، لكنها ما زالت تعاني من ملف التوافق على المرشح المشترك.

جدلية مرشح المعارضة المنافس لأردوغان

يبدو أنَّ خلاف المرشح هو أبرز الخلافات الجدليّة بين تشكيلات المعارضة، مع أنَّ النقاشات محتدمة بشكل كبير في الوسط السياسي، إلّا أنّ المعارضة فضّلت ترحيل الملف إلى أوقات وصفتها بالحساسة. إذ قامت بتغليف خلافاتها بتكتيكٍ استراتيجي وصدّرتها للحاضنة الشعبية بالقول إنَّ الإعلان عن المرشح سيكون عند قبيل الانتخابات بعدة أيام. وهذا ما يفسر بأنَّ المعارضة تحاول الإيحاء بأنها تريد استخدام عنصر المفاجأة في الانتخابات المقبلة عبر منع التحالف الحكومي من العمل في إدارة الحملة الانتخابية المبكرة من خلال التركيز على سلبيات المرشح الآخر ولا سيما أنَّ الأشخاص الذين قد تتوافق عليهم المعارضة هم على الأقل ثلاثة؛ كمال كليتشدار أوغلو، أكرم إمام أوغلو، منصور يافاش.

إذ تُشير التقارير التركية المنشورة إلى أنَّ يافاش هو الأكثر شعبيةً بالمقارنة مع الآخرين، من جراء نجاحه الذي حققه خلال إدارته لبلدية أنقرة. لكن، انحداره من أصول اعتقادية “قومية طورانية” تفقده أصوات الحاضنة الكردية في تركيا ولا سيما في حال الانتقال إلى الجولة الثانية. في المقابل يعتبر أكرم إمام أوغلو الأكثر ليبرالية وتسامحاً خياراً أفضل من نظيره القومي.

لكنه، في الأيام الأخيرة فقد جزءاً كبيراً من شعبيته على الطرف النقيض ضمن الحوامل الشعبية ذات التوجهات القومية التركية، بسبب تصريحات لقادة من حزب العمال الكردستاني بدعمه. أضف إلى قضية جانان كافتانجي التي أثارت جدلاً واسعاً. ما عدا تورطه في مجموعة من القضايا المرتبطة بالفساد الإداري في بلدية إسطنبول ربما أبرزها سوء إدارة الأزمات ولا سيما خلال فترة الثلوج في الشتاء المنصرم.

وهذا بلا شك، لا يدفع للقول إنَّ كليتشدار أوغلو، يعد أفضل شخصيات المعارضة التركية، بكونه شخصية جدلية وتقليدية في الغالب لا تلقى دعماً من الفئة الشبابية التركية، وخاصةً أنَّ معظم الاستطلاعات المنتشرة تؤكّد أنَّ حظوظ كمال هي الأقل من ضمن المرشحين. بناءً على ذلك، يصرّ الرئيس التركي أردوغان على استفزاز الأخير لترشيح نفسه بكونه يعتبر أقل المرشحين حظوظاً في الانتخابات المقبلة معتمداً على هيمنته التي يفرضها على الطاولة السداسية والاستثمار بالحقد الفردي الذي يكنّه كليتشدار أوغلو ضد أردوغان. فضلاً عن استقطابه إلى هذه النوعية من المنافسة سيفتح المجال أمام خلافات جديدة في التحالف المعارض ففي الغالب لا يوجد إجماع حول كمال.

في المحصلة، يمكن القول إنَّ مهمة المعارضة في اختيار مرشحٍ لها ضد أردوغان هي الأصعب على الإطلاق. مع ارتفاع حظوظها في منافسة التحالف المضاد، من دون أن يعني ذلك بأنَّ الخلاف يتمحور حول الشخصية بقدر الشخصية المناسبة. فلو كان خلاف المعارضة هو خلاف الشخصيات فكان يمكنها أن تحل ذلك خلال تقديم كل حزب مرشحه وهذا في العموم لا يضر في حال كان الهدف الانتقال إلى جولة ثانية من الانتخابات ويبدو هذا واضحاً. أو/ وتقديم أكثر اثنين من المرشحين توافقاً. لكن مع ذلك ما زالت لا ترى في ذلك ممكناً فما زالت تريد دراسة الطرف الآخر أكثر، وإدارة الوقت والظروف، وعدم منح التحالف الحكومي فرصة لفهم ديناميات/ حيثيات الانتخابات المقبلة في موعدٍ مبكر. وبالفعل، قد تكون توافقت من الأساس دون الإعلان عن ذلك لأغراض تنافسية.

—————————–

السوريون في تركيا وقُبعات التفكير الست/ عبد الناصر الجاسم

تحدّث العالم “إدوارد دي بونو” عن مجموعةٍ من الاستراتيجيات والأساليب التي يجب أن يستخدمها الإنسان في أثناء قيامه بالتفكير ليصل إلى أعلى درجات النجاح في الحياة، وأطلق عليها اسم قُبعات التفكير الست، ورمّز هذه القبعات بالألوان ولكل لون دلالة على نمط التفكير، وعلينا أن نتخيل بأن الإنسان عندما يرتدي القبعة البيضاء فهو يفكر بشكل حيادي وموضوعي ويستند إلى معلومات وحقائق وأرقام وإجابات مباشرة ومحددة على الأسئلة المطروحة حول قضيته موضوع التفكير، والسوري اليوم يعيش حالة عدم تأكد من أي رقم أو معلومة أو قرار قانوني أو إداري يتعلق بقضية استقراره أو عودته أو إعادته، ولا يملك إجابات محددة ودقيقة على أسئلته التي تغض مضجعه باستمرار، ولا توجد لديه مرجعية سياسية واضحة، وهناك انقطاع صلة مع مؤسسات المعارضة الرسمية وحالة ريبة وشك من سلوك منظمات المجتمع المدني والعمل الإنساني السورية، وبالتالي القبعة البيضاء ليست متاحة للسوريين في الوقت الراهن في سياقات معيشتهم وظروفهم .

أما عندما يرتدي الإنسان القبعة الحمراء والتي ترمز إلى التفكير المستند إلى المشاعر والعواطف والحدس والتخمين، وحال السوري اليوم يتوافق بدرجة كبيرة مع هذا التوصيف، حيث نجد أنفسنا منفعلين إزاء كل ما نتلقاه من أخبار وأحاديث منقولة حول جميع المسارات التي تخص قضيتنا، بدءا من أحاديث العودة إلى تبادل الطرابيش في مؤسسة الائتلاف، وصولاً إلى متابعة التحالفات الإقليمية والدولية، بما في ذلك تصريحات “هنري كيسنجر” حول التغييرات الكبيرة التي ستحدث في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من السوريين لديهم فرصة لارتداء القبعة الحمراء والتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم بشكل مباشر ومن دون تعليل ولا توضيح، وقد يكون ذلك نابعا من حالة العجز والخيبة وفقدان التمثيل الصحيح والحقيقي لمتطلبات وجودهم الإنساني، فتصبح مساحة التعبير متاحة عبر قبعة التفكير الحمراء.

وهناك نمط آخر من أنماط التفكير وتمثله القبعة السوداء وهو نمط يتأرجح بين التفكير الناقد والتفكير السلبي، حيث يهتم صاحب هذا التفكير بالمخاطر والمشكلات المستقبلية ويحاول اكتشاف الأسباب ويريد معرفة الجدوى من أي فعل أو تصرف، ويمارس نقد الآراء ورفضها من خلال تفنيدها، وهذا ما نجده لدى فئة من السوريين ممن يكتبون أو يتحدثون عبر وسائل الإعلام الاجتماعي ومنصات الإعلام والنشر عموماً، فهم ينتقدون سلوك وتصرفات المعارضة السياسية الرسمية الذي لم يعد مقبولاً في الوسط السوري لدرجة كبيرة جداً، ويتطرقون لأدوار المؤسسات الإعلامية والبحثية، والمنظمات التي تعمل في ميدان الإغاثة والمساندة لظروف نزوح ولجوء السوريين غير المستقرة، وكذلك يتعرضون للمسارات والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، ويراقبون الاجتماعات الدولية والأممية التي باتت لا تطرح القضية السورية كأولوية في جداول أعمالها، وجهد كبير من نمط التفكير هذا يتجه نحو استمرار نظام الحكم في سوريا في إضعاف السوريين والتنكيل بهم وذلك من خلال القرارات التي يصدرها والإتاوات التي يفرضها على المواطنين في داخل البلاد وخارجها، ومن خلال سلوكه بالإذعان والجبن أمام الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، وسلوكه بالتنمر والوقاحة من خلال افتتاح “لونا الشبل” مطعمها الفاخر بطعم الاحتلال ونكهة المقاومة.

ولاشك بأن هناك نمط التفكير الشمولي المرتب والمنظم والموجَه ليصل بصاحبه إلى درجة كبيرة من الموضوعية والثقة بقراراته ومواقفه وهذا يتوافق مع نمط القبعة الزرقاء الذي تجد صاحبه يتقبل جميع الآراء ويحترمها ويحللها بشكل مقنع، ويحاول الوصول لأفضل الإجابات على الأسئلة المطروحة، وهذه القبعة ليست متاحة لجميع السوريين وذلك نظراً لظروفهم المتباينة، وغالباً يرتدون هذه القبعة الذين يتمتعون بحالة من الاستقلال المالي والقانوني ولديهم حياة مستقرة بعيدة عن الضغوط المعيشية أو المجتمعية، ومعظمهم ربما غادروا سوريا بشكل مبكر أو قد تكون هجرتهم قبل اندلاع الثورة السورية.

وكذلك القبعة الصفراء من أنماط التفكير الإيجابية والتي تلمس من خلالها التفاؤل والقدرة على إيجاد المنافع والتركيز على احتمالات وفرص النجاح، وهذا ما نجده لدى كثير من أهلنا السوريين الذين تقبلوا واقعهم بشكل مبكر وسريع، واستعدوا لتجريب كل المستجدات التي واجهتهم، من تغيير نمط حياتهم إلى تغيير نمط أعمالهم وأبدوا مرونة كبيرة في خياراتهم، وظل التفاؤل والأمل بالمستقبل يحدوهم باستمرار، فتجد ذلك في أحاديثهم وتوقعاتهم وابتساماتهم التي لا تفارق وجوههم.

ويستأثر جيل الشباب السوريين بارتداء القبعة الخضراء وهو نمط التفكير الإبداعي والذي يخرج عن المألوف والسعي الدائم للتطوير والاستعداد لمواجهة كل التغيرات، وهذا ما تبدى واضحاً في صور عديدة أبرزها صور التفوق الدراسي والبحثي وحصد المراتب الأولى في كثير من الجامعات والمعاهد، وكذلك من خلال رواد الأعمال الشباب الذين ابتكروا مشروعاتهم واستندوا إلى التكنولوجيا والفضاء الرقمي ، واتكأوا على رأس مالهم النفسي والاجتماعي.

وفي الختام لا بد أن نشير إلى أن هذا التصنيف ليس مطلقاً ، فالواحد منا في معترك حياته، يمر بأطوار مختلفة ويرتدي القبعة التي تناسب الدور والطور الذي يمر به ، وجميعنا نلبس جميع هذه القبعات وفقاً للموقف والحالة.

———————————-

اسطنبول السحر الذي لا شفاء منه/ بشير البكر

اسطنبول تأكل الوقت أكثر من لندن وباريس. مدينة مترامية الأطراف، ورغم أن المواصلات متوافرة ومتنوعة بين المترو والمتروباص والترامواي والباص والباص المتوسط والتاكسي، فإن الازدحام يبقى قائماً في اتجاه مناطق بعينها، إلى حد تسقط معه الرغبة بزيارة بعض الأماكن، إذا لم يكن الأمر لقضاء حاجة ضرورية. وما هي الحاجة الضرورية، إن لم تكن الكشف والذهاب إلى ما وراء الغموض، الذي تختفي خلفه أسماء الشوارع والحارات والأحياء، تلك التي تجعل الزائر يسافر في التاريخ بعيداً؟

هنا تزدحم الأسماء حتى يظن المرء نفسه يتنقل بين أرجاء الامبراطوريات التي عبرت على هذه الأرض، يونانية، رومانية، بيزنطية، وعثمانية. لا يفرغ الكائن من زحمة الأسماء، وهو يعبر بين مدن وقرى اتصلت ببعضها البعض من طريق العمران والتجارة والدم، وبقيت مختلفة في التفاصيل التي لا يدركها إلا من عاش وسكن بين هذه الأمم والأقوام متعددة الأعراق واللغات والملامح، عشائر متنوعة من الساحل والداخل، يتناقلون العادات والتقاليد من جيل لآخر. إنهم يقتربون من البحر ويبتعدون عنه، يتسلقون الجبال، ينحدرون إلى الوديان مغيرين الأفق أو المنظور تبعاً لتنقلاته. سحر لا يليق إلا بالمدن الامبراطورية التي لها خاصية صهر البشر والأمكنة والتواريخ. ورغم أن اسطنبول تقع على ثلاثة بحار، مرمرة، الأسود، وإيجة الذي ينفتح على البحر المتوسط، فإن الكثير من القراءات تصنفها مدينة متوسطية لأنها أقرب إلى تاريخ المتوسط الأوروبي وثقافته وطقوسه من البحر الأسود، ذلك أنها تعتبر المعادل الجغرافي لما فعله التاريخ، الذي يلعب عادة دوراً أساسياً في تشكيل شخصية المكان وتحولاته في مسار رحلة الإنسان مع البحر. والمتوسطية في حالة اسطنبول ليست جغرافيا، بل هي قدر تاريخي وإنساني وثقافي.

البحر يحدها من الجهات كافة، ويطوقها من كل صوب، ما بين بحر مرمرة والبحر الأسود وأيجه تتحرك كل مخلوقات البحر المفتوحة وتعبر السفن من مضيق البوسفور كي تؤرخ دائماً لما يشهد على أزمنة الامبراطوريات، ورحلة الملح في هذه البحار المفتوحة، ويبقى البحر البعيد أجمل من البحور القريبة. البحر الأبيض المتوسط، بحرنا الذي أضعناه، عندما طمرناه بالنفايات.

بعد عامين أمضيتها في هذه المدينة، اكتشفتُ حين غادرتها أني لم أتعرف على الأتراك إلا من بعيد، وهذا يعني اني لم أسلك سوى الطريق بين البيت والوظيفة. لم أدرك شيئاً من الأسرار والتجارب التي تتيحها مدينة تمتد على مساحة تقارب لبنان، ويعيش فيها من السكان ما يتجاوز عدد سكان لبنان بأربع مرات. وحين جاءت الفرصة كي أتفرغ للكشف، وجدت نفسي لا أستطيع تحديد نقطة البداية. هناك أحياء بأكملها لم يسبق لي أن دخلتها، مثل حي “لالالي” الذي شكل مفاجأة كبيرة لي حين تجولت فيه مؤخراً، وكان ذلك لغرض زيارة صديق قادم من بلد آخر، فوجدت نفسي أمام كشوفات جديدة، غير تلك التي نجدها في طريق السياح. هنا نتجول في مكان عميق من المدينة بعدما أضعنا زمناً طويلاً، ونحن ندور قرب الواجهة التي يعرض السياح فيها أنفسهم مثل البضائع المزوقة الفارغة من الداخل والمحشوة بالريش. لالالي، حيث قوس الامبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول الملقب بالعظيم، أول من فرض المسيحية على روما. هنا بقايا قوس الامبراطور، .. ما الذي جاء به إلى هنا؟ هنا بيزنطة إذن. تسير وتسمع صدى صوت العربات الحربية الرومانية وحمحمة خيول الرومان التي عبرت تلك البحار باتجاه سوريا التي كانت مهبط هوى الرومان.

لاسطنبول سحر امرأة لا تدركه ولا تتعرف عليه إلا اذا سمعت صوتها، وتعرفت على لغتها وجلست اليها وتكلمت معها، وغير ذلك يبقى الصمت والنظرات التي تذهب في اتجاه واحد وترتد إلى الداخل. سحر يصيب المتأمل في مكان ما من ذاتك. إنه سحر الفتنة التي تميزها عن غيرها. البحر والسماء والهواء. هذه مواصفات أخرى تجعل من هذه المدينة تسكن في مسام الكائن، وتأخذه في رحلة على متن سفن الماضي لا سفن اليوم فقط.

المدينة التي لا تأخذك إلى مدن أخرى ليست مدينة، المدينة التي لا تتعدد وجوهها ليست مدينة. اسطنبول مدينة امبراطورية في وسع الزائر أن يرى فيها المدن الكبرى كلها، ويمكن له أن يكتشف أن الخلافة العثمانية حاضرة دائماً في تاريخ، وللعربي أن يجد فيها مدناً عربية عديدة في وقت واحد، من المغرب حتى المشرق. فيها القاهرة، دمشق، بغداد، تونس، فاس، بيروت، وحلب..الخ. تلتقي مع المدن العربية بالمزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، وتفترق عنها في أنها كانت عاصمة امبراطورية مرات، وفي ظل الامبراطورية العثمانية كانت تحكم جزءاً كبيراً من العالم، وهذا ما يفسر وجود بعض الشعوب التي لا تزال مطبوعة بطابع تلك الثقافات، وهو ينطبق بقوة على منطقة البلقان، ويختلف عن تلك البلدان الناطقة بالتركية مثل اذربيجان، وهذه بلدان لا تزال شريكة ثقافية، وإن كانت مستقلة سياسياً واقتصادياً. وهذا ما يفسر معاملة تركيا لها، حيث تعتبرها جزءاً من أمنها القومي، ولهذا السبب لم تتردد في تقديم الدعم لاذربيجان ضد أرمينيا. ولا يبدو خارجاً عن السياق أن يجد المرء وسط اسطنبول مدينة كاملة باسم “البوسنة الجديدة”، وهي عبارة عن منطقة بدأت تستقبل مهجري البوسنة اثناء حرب التطهير العرقية التي ارتكبها الصرب ضد البوسنياك في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومن غير المستبعد أن نجد بعد وقت سوريا الجديدة إذا طال مقام السوريين في تركيا. هناك حوالى 20% من سكان سوريا يعيشون على الأرض التركية، ومنهم من أصبح تركياً بالتجنيس، والبعض الآخر صار أليف المكان ولا يرغب في أن يغيره، وقطع الأمل من العودة إلى سوريا. وكلما أوغل السوريون في تركيا، زمانياً ومكانياً، كلما أصبحت خيوطهم مع سوريا واهية. ويعود توزع السوريين في اسطنبول إلى المستوى الطبقي، ففي المناطق التجارية نسمع اللهجتين الشامية والحلبية، وفي المناطق السكنية تتردد كل اللهجات السورية.

اسطنبول من المدن التي لا يحس زائرها بحاجة إلى زيارة المتحف، وقد يقضي سنوات كي يكتشف ما هو متاح من الخارج، قبل أن يدلف إلى الداخل لمعرفة التفاصيل الجوانية للعمارة وأسرارها الداخلية التي تغيرت مرات عديدة ما بين أمبراطورية وأخرى، وعصر وآخر، وحتى السلاطين العثمانيين الذين طبع كل منهم القصر بطابعه الخاص حسب نمط حياته وعلاقته بالثقافة والفن. وهناك ملاحظة مهمة جداً، وهي أن جميع سلاطين بني عثمان كانوا يتابعون ما يحدث من تقدم في البلدان الأخرى، خصوصاً أوروبا، ولذلك ازدهرت في مرحلة معينة الحِرَف التي استقدم السلاطين العاملين فيها وعاملوهم معاملة خاصة، ونلاحظ الانفتاح أكثر خلال الطور الأخير من الأمبرطورية في عصر التنظيمات في أربعينيات القرن التاسع عشر، وكان السلطان عبد الحميد الثاني هو صاحب الانفتاح على أوروبا من خلال بناء خط قطار الشرق السريع الذي ربط اسطنبول بأوروبا وسوريا الكبرى والحجاز.

مدينة آسيوية وأوروبية جغرافياً، لكنها ذات هوية واحدة ضاربة في الماضي بقوة، ومقبلة على الحداثة بانفتاح شديد مع مسحة قوية من التعصب القومي، الذي يجد جذوره في الماضي الامبراطوري، والمسافة التي اجتازتها تركيا نحو التجديد والتعددية السياسية، متجاوزة جيرانها من العرب والإيرانيين الذين فشلوا في خياري التنمية وبناء الدولة الحديثة، والسير على درب الديموقراطية.

—————————-

السوريون في تركيا.. سلم الكراهية وجذرها/ رستم محمود

لقرابة 10 سنوات كاملة، لم يتعرض اللاجئون السوريون في تركيا لموجة عمومية من العنف وخطاب الكراهية. لكن فجأة، خلال الشهور الماضية، اندلع كل شيء ضدهم.

اغتيالات واعتداءات مجتمعية بالجملة، أساسها شعور المُعتدين بالاستقواء والهيمنة على كتلة مجتمعية مستضعفة، قانونيا وسياسيا ومجتمعيا. قرارات وتعليمات أمنية من وزارة الداخلية التركية، ومختلف الجهات الأمنية الرسمية، منافية للحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان، وخارج كل التزام دستوري وقانوني وعُرفي، تلك التي من المفترض أن تسير الدولة حسبها. خطابات سياسية وإعلامية واجتماعية غارقة في المناهضة والكراهية والدعوة لحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الطبيعية، ودون أي شيء مناقض لذلك، ضمن نفس المجتمع.

السؤال الأكثر جدارة بالبحث لا يتعلق بآلية العنف والكراهية والإقصاء التي يتعرض لها السوريون راهنا ضمن تركيا، بل بآلية وأسلوب الاندلاع المفاجئ، بعد 10 سنوات من الوئام العمومي، ونشر خطابات من مثل “المهاجرين والأنصار”، فالموجة الراهنة تمتاز بالمواكبة العمومية من مختلف قطاعات الحياة العامة في عملية المناهضة، من مؤسسات السلطة إلى أحزاب المعارضة، ومعهم الغالبية العظمى من القوى المجتمعية، وفي مختلف مناطق البلاد.

تكشف هذه الديناميكية أشياء كثيرة عن حقائق ووقائع الحياة العمومية في دولة مثل تركيا، ماضيا وحاضرا: ترتيبات العلاقة بين السلطة بمؤسساتها وخطاباها وبين القواعد الاجتماعية، جوهرانية الوعي القومي المركزي وهيمنته على مختلف الفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية، أشكال التأثر بالخطابات السياسية وآليات التفاعل والاستجابة الهيجانية التي تبديها مختلف الجهات بشكل فوري للإرادة المستبطنة للسلطة المركزية الحاكمة.

ثمة سيرة عمومية لما يحدث راهنا، هي بالضبط سيرة الكيان التركي وتاريخه الأكثر أصالة وحقيقية، لكن الأكثر تواريا وسرية، لما يتضمنه من “تعرية” لهذا الكيان، في حال كشفه والاعتراف به. سيرة تمتد منذ اللحظة التأسيسية لهذا الكيان وفي كل تفصيل من حياته العامة منذ وقتئذ، حتى أن تلك السيرة هي هوية هذا الكيان، ومعناه.

قبل أكثر قرن من الآن، بالضبط في العام 1914، حينما منظومة “الاتحاد والترقي في ذروة حُكمها (1908-1918) للسلطنة العثمانية/التركية، كانت الشخصيات السياسية والبرجوازية والمالية والثقافية الأرمنية في ذروة تآلفها مع السلطة العثمانية/التركية الحاكمة تلك. لكن فجأة، وبعد هزائم حروب البلقان التي مُنيت بها السلطنة العثمانية 1912-1913، تصاعدت مخاوف هذه النخبة العثمانية/التركية من أية تطلعات سياسية أرمنية، فبدأوا واحدة من أفظع موجات الكراهية ضد المكون الأرمني في البلاد.

إذ بعد قرون من الوئام منقطع النظير، بين الأرمن والأتراك، بالذات بين النُخب السياسية والاقتصادية والثقافي للجماعتين، فجأة، ولذلك السبب الخارجي، هاج كل شيء في تركيا ضد الأرمن، العسكر ونُخب الحكم ورجال الدين والاقتصاديون والفلاحون والعشائر وأصحاب المهن. صارت البلاد مذبحة مفتوحة، أتت على ثلثي الشعب الأرمني، ودون أي تردد.

أقل من 10 سنوات من تلك الأحداث، حيثما كانت السلطنة العثمانية/التركية قد أصبحت الجمهورية التركية القومية “الحديثة”، شغل الأكراد المكانة التي كانت للأرمن، كضحايا لموجة العنف والكراهية العمومية، وفجأة، وبالذات أيضا بعدما كانوا الحلفاء الأقرب والأكثر ثقة أثناء سنوات الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وما تلاها من الأحداث التي سُميت “حروب الاستقلال” (1919-1923)، الذين كانوا يوصفون في الأحاديث العامة والخطابات السياسية بـ”أخوة الدم والدين”.

طالت المذابح الأكراد من كل حدب، مُحقوا بدم بارد وبمشاركة حميمة من مختلف المؤسسات والقوى المجتمعية والقطاعات الحياتية، دون أن ينبت أي طرف داخلي في البلاد ببنت شفة.

كان ثمة تشابه في كل التفاصيل في تجربتي الكراهية والعنف التي طالت الأرمن ومن بعدهم الأكراد، حد التطابق.إذ كان ثمة جماعة أهلية ما، ذات مكانة تفضيلية بالنسبة لمركز الحُكم، وحينما صارت تتحسس مخاوف سياسية ما منهم، وبمجرد الإيحاء للمؤسسات والطبقات والقوى الاجتماعية التي ما دونها، حتى كانت تندلع تلك الموجة، وينفجر كل شيء في وجههم.

الأكثر إثارة للتفكير، كامن في شخصية مصطفى كمال أتاتورك نفسه، هو النُخبة العسكرية والسياسية والفكرية المحيطة به، هؤلاء الذين كانوا شخصيات عضوية في تنظيم الاتحاد والترقي، الذين أسسوا دولة تركيا الحديثة، وما يزالون فعليا يحكمونها، بكل تفصيل، الذين يشكلون القناة والأداة التي نقلت روح السلطنة العثمانية/التركية التي كان يقودها قوميون الاتحاد والترقي المركزيون، إلى دولة تركيا الحديثة.

طوال عقود تالية، شغل العلوين (الأتراك والعرب والأكراد) مكانة العنصر المنبوذ والمُعنف، التي كان يشغلها الأكراد والأرمن من قبل، فهؤلاء الذين كانوا العنصر الأكثر حماسة للـ”الثورة الأتاتوركية”، بسبب نزعتها العلمانية والجمهورية، صاروا منذ منتصف الستينات وحتى منتصف الثمانينات “العدو المثالي” للذات السلطوية المركزية في البلاد، وأيضاً فجأة ولسبب سياسي نظير، هو تفاقم الوعي اليساري في أوساطهم، وتهديدهم لتلك الذات المركزية.

أثناء هذه السنوات كلها، شغل اليونانيون الرومان والسريان والعرب والمثليون والملحدون المكانة نفسها، فعلى الدوام كان ثمة “عدو مثالي” داخل البلاد، تختلقه السلطة والذات الحاكمة والمركزية في البلاد، تحوله إلى كبش فداء عديم القدرة والحق في الدفاع عن النفس، وفقط لتقوية الهوية الأهلية المركزية في الكيان التركي، وتسيدها على باقي الهويات في البلاد، ولجسر العلاقات المتهالكة بين مؤسسات الحكم ونُخبه، وبين الطرفين والقطاعات المجتمعية.

لكن لماذا يجري ذلك في تركيا دون غيرها من البلدان؟

لأسباب كثيرة، على رأسها الفالق الشاسع بين ما يفترض الكيان التركي إنه عليه من هوية كيانية، كوريث لواحد من أكبر وأهم إمبراطوريات تاريخ منطقتنا، وبين الماهية الحقيقة لهذه الدولة التركية، من تمركز هوياتية حول قومية بدائية قائمة على تقديس عظام الأجداد ومروياتهم وحكايات المجد التليد، تلك الماهية التي تشبه وتناسب زعماء القرى المحليين أكثر بكثير مما تتشبه إرثاً إمبراطورياً مُدعى.

ذلك البون الشاسع بين المساحتين، يخلق هذا الغضب والكراهية العنف الهيجاني المفاجئ كل مرة، لأنه نابع من وعي مستعد للاعتراف ومعرفة كل شيء، خلا الاعتراف بأن الآخرين يماثلونه، لأنهم شركائه في هذه الحياة.

الحرة

——————-

أوميت أوزداغ .. احفظوا هذا الاسم جيداً/ سمير صالحة

كشف استطلاع رأي لإحدى أهم المؤسسات التركية قبل أيام عن نجاح حزب “ظفر” الذي يقوده الأكاديمي التركي، أوميت أوزداغ، في اختراق جدار الصوت الشعبي والحزبي في تركيا، من خلال وصوله إلى نسبة 4% من مجموع أصوات الناخبين الأتراك. يقول أوزداغ إن الأرقام الحقيقية لشعبيته تجاوزت 7%، وهي النسبة التي اعتمدها البرلمان التركي في مطلع شهر إبريل/نيسان المنصرم بعد التصويت على مشروع قانون يخفّض الحد الأدنى المطلوب من الأحزاب لدخول المجلس التشريعي إلى 7% بدلاً من 10%. وقيل وقتها إن بين أهداف هذه الخطوة تسهيل بقاء حزب الحركة القومية اليميني، حليف حزب العدالة والتنمية (الحاكم) داخل البرلمان، بعدما تراجعت أصواته في العامين الأخيرين. هذا إلى جانب هدف شرذمة أصوات أحزاب المعارضة التركية، عبر فتح الطريق أمام الأحزاب الصغيرة للترشّح بشكل مستقل، بعيداً عن الاندماج في الأحزاب الكبرى التي قد تزيد من نسبها، ما يعرقل تفرّد “العدالة والتنمية” بتصدّر المشهد.

إذا صحّت هذه المعلومات، يكون أوميت أوزداغ وحزبه قد نجحا، بعد أشهر معدودة على التأسيس والانطلاقة، في تحقيق إنجاز سياسي كبير، وتسجيل رقم قياسي في الصعود الحزبي والشعبي، بالمقارنة مع أحزاب تركية صغيرة أخرى، مثل حزب أحمد داود أوغلو “المستقبل” وحزب علي باباجان “دواء” أو حزب إمام قره موللا أوغلو “السعادة” التي تنشط منذ سنوات طويلة لزيادة نسب أصواتها من دون نتيجة. وتقول أقلام تركية إنّه يستمد شعبيته من أصوات الناخب اليميني والقومي، وإنه سيأكل، بالدرجة الأولى، من صحون المعارضة في تركيا. وأبرز المتضرّرين هم حزب “أيي” الذي تقوده ميرال أكشنير، والذي نجح خلال العامين الأخيرين في رفع شعبيته، والوصول إلى المرتبة الثالثة بين الأحزاب التركية، ثم حزب “الحركة القومية” اليميني، بقيادة دولت بهشلي، وبعدها حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني.

إلى هنا والمسألة شبه عادية، في أن يحقق أحد الأحزاب هذه الإنجازات بسبب مواقفه وطروحاته التي تنتقد خطوات وقرارات سياسية كثيرة، تتبناها قيادات “العدالة والتنمية” داخل تركيا وخارجها. لكنّ الملفت والمقلق لكثيرين داخل تركيا وخارجها ربما هو المادّة الأساسية التي يعتمدها أوزداغ في حملاته الدعائية، وهي موضوع اللجوء، وتحديداً اللاجئ السوري، وضرورة إعادته إلى بلاده بأسرع ما يكون عبر التواصل مع النظام في دمشق، والعمل على إيجاد تسوية سياسية عاجلة للأزمة السورية أولا. ثم تحرّكه ثانيا بشكل مباشر على الأرض في المناطق والأماكن الحساسة، حيث كثافة وجود اللاجئين في المدن الكبرى، وهو يردّد أن تركيا تنفق المليارات على الملايين من السوريين داخل الأراضي التركية وفي شمال سورية من جيوب الشعب التركي، وضرورة إيجاد حلّ يساهم في تخفيف أعباء الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها البلاد، وربما يكون ذلك في طليعة أسباب صعود حزبه السريع.

يعرف الأكاديمي والسياسي اليميني، أستاذ العلاقات الدولية في أنقرة، أوميت أوزداغ، بميوله وتوجهاته القومية والأتاتوركية، وهو التحق بأكثر من حزب وحركة ومركز فكر يميني قومي، لكنّه لم يستمر طويلا تحت مظلة تلك الحركات، فقرّر، قبل تسعة أشهر، تأسيس حزبه المستقل، والذي يروّج الأفكار والطروحات التي يتبنّاها، ويدافع عنها، وفجّرت نقاشات سياسية وإعلامية واسعة في الداخل التركي. تصل شعبيته على “تويتر” إلى مليون ونصف مليون متابع اليوم، ويحظى، حسب كثيرين، بدعم الناخب التركي في المدن الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير.

مشكلة الأحزاب المنافسة قد تكون مع انتقاله، خلال فترة قصيرة، إلى عمق الأناضول، وإلى المدن الحدودية التركية السورية والتركية الإيرانية والتركية البلغارية اليونانية، إذ تتقاطع طرق دخول اللاجئ، الشرعي وغير الشرعي، إلى تركيا وخروجهما منها. هناك مدن بالغة السخونة، وتعاني كثيراً في هذه المسائل، وفي مقدمتها غازي عنتاب وأضنه وهطاي وفان وقارس، وهي قد تفتح أبوابها أمام ما يقوله ويريده أوزداغ. يقول بعضهم إنه يخاطب المواطن بلغته، ويضرب مباشرة على الوتر الحسّاس الذي يوجعه. هو لا يتردّد في ترشيح رئيس بلدية أنقرة، منصور يواش، المحسوب على حزب الشعب الجمهوري، اليساري المعارض، لأنه الأوفر حظا والأكفأ بين بقية المرشّحين لمنافسة أردوغان.

يقول إن حزبه لن يذهب وراء لعبة التحالفات مع بقية الأحزاب في هذه المرحلة. هم يريدون أن ينجزوا عملية التوغل والانتشار الحزبي والشعبي أولاً، وبعدها يتعرّفون إلى وزنهم وثقلهم السياسي، ليحدّدوا استراتيجية تحرّكهم في المرحلة المقبلة.

دخل في أكثر من سجال سياسي مع القيادات الحزبية التركية، آخرها وأشدها التصعيد والتراشق الكلامي مع وزير الداخلية، سليمان صويلو، بعد تبادل اتهامات حول الملف السوري وتفاعلاته في الداخل التركي، لتكون النتيجة إعلانه “سنرسل ثمانية ملايين طالب لجوء إلى وطنهم في غضون عام من وصولنا إلى السلطة مع أكبر مشروع عودة في التاريخ” وتحرّك “العدالة والتنمية” وراء خطة تفعيل المنطقة الآمنة في شمال سورية، وتسهيل عودة مئات الآلاف إلى أراضيهم للرد عليه وإيقافه.

قيل له قبل أيام، وهو يعد نفسه للتوجه إلى إحدى الجامعات التركية الخاصة لإلقاء محاضرة، إن هناك احتمال رشقه بالبيض من طلاب يرفضون دخوله حرم الجامعة، بسبب مواقفه وسياساته المتشدّدة في موضوع اللجوء، فقال خلال المحاضرة “أتيت جاهزا أنا أيضا. أحمل معي في جعبتي بيضا للرد على من سيحاول استهدافي، وهو سيكون أكثر إيلاماً لأنّه مسلوق”. يقول لأنصاره ومؤيديه في إحدى ساحات حيٍّ أخذ نصيبه الكبير في استقبال اللاجئين: “مهما هاجمونا واتهمونا بالعنصرية والراديكالية لا تعبأوا بذلك، ولا تفجروا غضبكم في الشارع، بل في الصناديق”.

صحيحٌ أن من الصعب اليوم على حزب “ظفر” الاقتراب من الأحزاب الرئيسية التركية الكبرى. وصحيح أنه لم يكمل عملية التأسيس والانتشار في غالبية المدن التركية، وصحيح أيضاً أنّه لن يجد هذا الدعم في مدن جنوب شرق تركيا، حيث الصوت الكردي المنتقد له ولمواقفه. لكنّ أوزداغ الشخص هو الذي ينجح في تسجيل المفاجآت وتفجير القنابل الصوتية، وهي ظاهرة تعرّفت إليها أوروبا منذ نصف قرن في مواقف مشابهة بشأن طريقة التعامل مع اللاجئ والمهاجر والأجنبي المقيم، وعانت من ارتداداتها الحزبية والسياسية والفكرية. فهل تنتقل عدوى هذه الظاهرة إلى تركيا هذه المرة؟

ظاهرة حزب “ظفر” لن تصل حتماً إلى حالة اليمين المتشدّد أو النزعة الشعبوية اللوبانية أو الهوفرية أو الفيلدزية التي تعاني منها أوروبا. والجميع في تركيا يتجنب الدخول في نقاش أو الإجابة عن سؤال من الذي فتح الطريق أمام أوزداغ، ليبرز ويقوى على هذا النحو. لكن ما يجري يستحق الرصد والمتابعة، وعلينا انتظار مزيد من استطلاعات الرأي ونتائجها في الأيام القليلة المقبلة، لنتعرّف إلى حقيقة هذا الارتفاع الكبير في شعبيته، وهل سيواصل “ظفر” صعوده، أم أنّ الأحزاب التقليدية الكبرى ستوقفه عند حدّه؟

سيواصل أوزداغ صعوده، إذا لم يجد حزب العدالة والتنمية (الحاكم) حلاً لمشكلاته الداخلية والخارجية الكثيرة، وفي مقدمها ملف اللجوء وأرقام الغلاء والتضخّم والبطالة.

————————–

روسيا تحاول إقناع تركيا..بالتخلي عن العملية العسكرية بسوريا

قال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الاثنين، إن موسكو تحاول إقناع أنقرة بالتخلي عن العملية العسكرية التي تنوي شنّها في الشمال السوري، في حين تسعى إيران لحل القضايا الخلافية في الملف السوري مع تركيا.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن بوغدانوف قوله إن “روسيا لاتزال مستمرة في مساعيها للضغط على تركيا للحؤول دون قيامها بعملية عسكرية في شمال سوريا”، وذلك عبر المحادثات المشتركة والعمل الدبلوماسي، معرباً عن أمله بالوصول إلى “اتفاق دبلوماسي وسياسي” بهذا الخصوص.

جاء ذلك تزامناً مع تقرير نشرته قناة “تي جي آر تي” التركية الاثنين، قالت فيه إن الجيش التركي أتمّ استعداده للعملية العسكرية في شمال سوريا، مشيرة إلى أن الجيش سيستخدم الطائرات الحربية والمروحية والطائرات المسيّرة خلال العملية.

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الاثنين، إن “الملف السوري لايزال محل خلاف بين طهران وأنقرة”، معرباً عن أمله في حل هذه القضايا الشائكة في الملف خلال الفترة القادمة.

وأضاف زاده في خلال مؤتمر صحافي، أن التعاون مع تركيا من “أهم القضايا وعلى رأس الأولويات الإيرانية”، موضحاً أن هذا التعاون الذي جرى خلال الفترة الماضية مع أنقرة أثمر عن “أكثر العلاقات استقراراً ونمواً في السنوات الأخيرة”، مضيفاُ أن الجانبين يحاولان “إيجاد موعد لعقد اجتماعات جيدة من حيث المضمون والتنفيذ”.

وسبق تصريح زاده للصحفيين، بيان للخارجية التركية الأحد، قالت فيه إن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، جرى خلاله “مناقشة القضايا الثنائية بين البلدين”.

وتأتي هذه التصريحات عقب تزايد الحديث عن معركة عسكرية تركية مقبلة شمال شرقي سوريا، إذ عزز الرئيس التركي الحديث عن هذه المعركة، في 23 أيار/مايو، قائلًا إن بلاده تعتزم شن عمليات عسكرية عند حدودها الجنوبية مع سوريا.

ميدانياً، قصف الجيش التركي بالمدفعية الثقيلة مناطق انتشار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في منطقة أحرص في منطقة الشهباء بريف عفرين، كما سقطت قذيفتان مدفعيتان محيط النقطة الروسية في قرية الوحشية بريف عفرين الشمالي، فضلاً عن قصف مماثل استهدف محيط قرية تل قراح بريف حلب الشمالي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

—————————–

رئيسة “مسد” تحدد شروط انضمام “قسد” لقوات النظام السوري إثر طلب روسي

ردت رئيسة مجلس سورية الديمقراطية (مسد) إلهام أحمد على تصريحات روسية دعت لدمج قوات سورية الديمقراطية (قسد) في صفوف قوات النظام السوري.

وقالت أحمد في اجتماع عقده “مسد” الأحد في الرقة إنه “بدلًا من الهجوم على هذه القوات (قوات سورية الديمقراطية) الأجدر أن يتم الحديث عن كيفية الحل السياسي، وبالتالي دمج (قسد) مع الجيش السوري في آليات معينة هو الحل الصحيح، في ظل تشتت قوات النظام الضمني”.

 وأردفت: “الأجدر هو الوصول إلى حل صحيح”.

واعتبرت أحمد بحسب ما نقل موقع “الإدارة الذاتية” الرسمي أن “قسد” تحولت “إلى رقم صعب لا يمكن تجاوزه، ومن أراد إن كان جيشا أو فصائل لن يفضلوا أن يكسبوا عداء قسد”، كما رأت أن ” قوات سورية الديمقراطية هي التي حمت هذه المناطق من الاعتداءات الخارجية والداخلية، وبالتالي لهذه القوات شرعية دولية”.

وأضافت أن “داعمي النظام السوري على تواصل ومصالح مع الدول الأخرى، وتوقيع اتفاق داخل الجغرافية السورية سيكون له تأثير على هذه الأطراف الدولية والإقليمية أيضا، سواء إيجابي أو سلبي، لذلك هم يتعاملون مع الملف السوري بحسب مصالحهم وهذا ما يعقد الأمر”.

وسبق أن صرّح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، في الـ17 من يونيو/ حزيران الحالي، بأن موسكو تحاول إقناع الكرد بالتسوية مع النظام السوري، وإعادة وحدة الأراضي السورية، ودمج قوات سورية الديمقراطية (قسد) في صفوف قوات النظام، الأمر الذي سيمنع التطور السلبي للوضع في سورية.

“إيكونوميست” تصف الأسد بزعيم المافيا: التهام ما تبقى من سورية

وحول إمكانية انضمام “قسد” لقوات النظام في ظل الظروف الراهنة والحوار مع النظام قال محمد موسي سكرتير الحزب اليساري الكردي في سورية (أحد أعضاء مجلس سورية الديمقراطية) إن أحزاب “مسد لم تكن يوما ضد الحوار مع النظام لأنها على قناعة تامة بأن الحل يجب أن يكون سورياً، ولكن منذ بداية الأحداث النظام السوري لا يملك أي مبادرة باتجاه تسوية سياسية ويفضل التعامل مع مجمل ما يحدث في سورية بطريقة التعامل الأمني والعسكري، وذلك رغم كل التغييرات التي حصلت على مستوى الجغرافيا السورية منذ عام 2011”.

وأضاف موسي أن روسيا تحاول إجراء تسويات على شاكلة ما حصل في دمشق ودرعا وتسعى لتعميم هذه التجربة في مناطق “قسد” لكن “مسد” لا تقبل أبدا بمثل هذه التسويات، وأضاف: “نسعى لأن نكون جزءا أساسيا من الجيش السوري المستقبلي ونأمل أن تكون كافة الأحزاب المكونة لمجلس سورية الديمقراطية والإدارة الذاتية جزءا من الحالة الوطنية العامة في البلاد”.

وأكد أن روسيا تريد فقط استسلام “قسد” ومكوناتها السياسية وتسليم مناطق شمال شرق سورية على طبق من ذهب وهذا لن يحصل أبدا بحسب قوله مشيرا إلى أن هناك إشكاليات وقضايا مطروحة على الساحة الوطنية وعلى النظام أن يتقبل الواقع الموجود على الأرض.

العربي الجديد

———————–

هل يشن “أردوغان” عملية عسكرية جديدة في سوريا لإنشاء المنطقة الآمنة وترحيل اللاجئين إليها؟ / د.منى سليمان

عقدت جولة جديدة من “محادثات استانة” لبحث تطورات الملف السوري بدولة كازاخستان بمشاركة وفود روسية تركية إيرانية يوم 17 يونيو 2022، وقد اتفقت الدول الثلاث في البيان الختامي على استمرار التنسيق بينهم لضمان استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض بسوريا.

تأتي هذه المحادثات بعدما أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في 23 مايو الماضي عزمه شن عملية عسكرية جديدة في أي وقت على مدينتي منبج وتل رفعت الاستراتيجيتين “لمحاربة الإرهابيين الأكراد” وإنشاء منطقة آمنة وترحيل اللاجئين السوريين لها، ومنذ ذلك الحين يؤكد مرارا على شن عملية رغم الرفض الروسي والأمريكي لها، وتلويح دمشق بمقاومة شرسة لأي تدخل عسكري تركي جديد بشمال سوريا، وبعد مرور قرابة شهر على إعلان “أردوغان” لم ينفذ حتى الان أي تحرك عسكري جديد ضد سوريا، مما يؤكد صعوبة اتخاذ القرار التركي في ظل التعقيدات الدولية والإقليمية الراهنة.

أولا: أهداف “أردوغان” من العملية العسكرية المرتقبة:

أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في 23 مايو الماضي عزمه شن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا في أي وقت على مدينتي منبج وتل رفعت الاستراتيجية التي يوجد بها 60% من المياه العذبة بالمنطقة المسيطر عليها قوات “سوريا الديمقراطية” “قسد” (ميليشيات كردية مدعومة أمريكيا تسيطر على مدن شمال سوريا منذ 2012 وأقامت بها منطقة إدارة ذاتية لا تعترف بها الحكومة المركزية بدمشق) لوقف الهجمات الإرهابية المنطلقة تجاه حدود بلاده الجنوبية حيث اتهم “قسد” بشن ألف هجوم ضد تركيا.

1-الأهداف التركية:

تتعدد الأهداف التركية من شن العملية العسكرية ومنها..

-رفع شعبية “أردوغان” في أوساط الكتل التصويتية القومية المعادية للأكراد، إقامة المنطقة الآمنة بطول 30 كم داخل العمق السوري ونقل اللاجئين السوريين إليها للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية بتركيا.

-محاربة حزب العمال الكردستاني(pkk) الذي اكتسب نفوذا وتواجدا استراتيجيا في شمالي العراق بمدينة سنجار وجبال قنديل وسوريا في مناطق الإدارة الذاتية الكردية. وأصبح بالفعل تهديد للأمن القومي التركي لاسيما في ظل تصاعد الهجمات التي يقوم بها عناصره ضد الأهداف التركية في الداخل العراقي حيث يقوم بقصف مستمر للمعسكرات التركية في “زليكان والموصل” بكردستان العراق، فضلا عن نقله للأسلحة من وإلى سوريا في ظل السيولة الأمنية بين الحدود المشتركة والارتباطات الفصائيلية والعشائرية بين طرفي الحزب العراقي والسوري.

-الربط بين المناطق الخاضعة لسيطرة أنقرة وفصائل الجيش السوري الحر المعارض في شمال غرب وشرق سوريا مع بعضهم البعض. حيث إن العملية تستهدف مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب، بهدف ربط منطقة جرابلس بمنبج في ريف حلب الشرقي، ومنطقة عفرين بتل رفعت بريف حلب، كذلك ستربط بين مناطق عملية درع الفرات (جرابلس) بمناطق عملية نبع السلام (تل أبيض ورأس العين) من خلال السيطرة على عين العرب وعين عيسى.

-إحداث تغيير ديمغرافي بالمنطقة عبر إزاحة سكانها الأصليين من الأكراد وتوطين اللاجئين السوريين من العرب فيها، وهذا ربما يؤدي لتحالف بين قسد ودمشق بدعم روسي لمواجهة استمرار الاعتداءات التركية على السيادة السورية. حيث تبني تركيا تجمعات سكنية ضمن مشروع ما وصفته بـ “العودة الطوعية” لمليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيها. والتغيير الديمغرافي هو تسكين مواطنين عرب وتركمان مكان الأكراد بالحدود التركية السورية، ونتيجة للعمليات العسكرية التركية التي يتبعها تغيير ديمغرافي بشمال سوريا، تراجع عدد السكان الأكراد في مدينة عفرين على سبيل المثال الى 25% بعدما كانوا يشكلون 96% من نسبة السكان، وأصبح التركمان والعرب يشكلون نسبة 75%. حاليا من عدد سكان المدينة.  هذا فضلا عن “التتريك” الذي تشهده هذه المدن حيث يتم تدريس المناهج الدراسية باللغة التركية، ويتم رفع الأعلام التركية على واجهات المحلات، وأصبحت الليرة التركية هي العملية المستخدمة بكافة تلك المدن. وتعد مدينة عفرين لها موضع خاص حيث أنها في نظر أنقرة “ولاية تركية” تابعة لمقاطعة “هاتاي”.

جدير بالذكر، أن منطقة شمال شرقي سوريا الخاضعة عسكرياً وإدارياً لقسد، وتسيطر “قسد” على “إقليم الشهباء” ويضم بلدات تل رفعت وفافين وأحرص وكفر نايا وتبلغ مساحته بحدود 50 كيلومتراً مربعاً. وعلى كامل مدن منبج والعريمة وعين العرب (كوباني) وريفها وهذا الجزء المحاذي للحدود التركية الجنوبية متصل جغرافياً بمدينة حلب شمالاً وريف محافظة الرقة شرقاً ومنها إلى دير الزور والحسكة، كما تسيطر على مركز المحافظة وبلدتي عين عيسى والطبقة وريفهما. وتصنف تركيا الوحدات الكردية المنضوية في “قسد” كتنظيم إرهابي.

2-خطأ المفهوم التركي للمنطقة الآمنة:

بدء إنشاء “المناطق الآمنة” في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، حيث تم وضع اللاجئ على أساس وجود بديل للحماية داخل دولته، وقد حدد القانون الدولي الإنساني معايير عودة طالبي اللجوء إلى “المناطق الآمنة” ومنها ضرورة ضمان حمايتهم وتوفير وسائل الاعاشة اللازمة لهم وعدم ترحيلهم إليها قسرا. وقد استحوذت مسألة إقامة “منطقة آمنة” بالعمق السوري على إهتمام القيادة السياسية التركية، حيث أعلن رئيس الوزراء التركي الأسبق “أحمد داود أوغلو” يوم 15 أكتوبر 2014 إنّ بلاده تطالب بإقامة منطقة آمنة للمدنيين السوريين، وليس منطقة عسكرية عازلة. وتكررت هذه الدعوة كثيرا فيما بعد، ووفق الرؤية التركية للمنطقة الآمنة بشمال سوريا فإنها يجب أن تخضع بالكامل للإشراف التركي، وقد دفعت أنقرة بعدة دوافع لتحقيق ذلك حيث أكدت أن المنطقة الامنة ستعمل على تسكين اللاجئين فيها وإبعاد عناصر حزب العمال الكردستاني والسكان الأكراد من المدن الحدودية التركية السورية.

وفي يناير 2019 اتفقت واشنطن وأنقرة على إقامة منطقة أمنية بشمال سوريا، بيد أنهما أختلفا علي الترتيبات الامنية، حيث أرادت أنقرة أن يمتد عمق المنطقة إلى 32 كم داخل سوريا، بطول 460 كم أي على نصف طول الحدود السورية – التركية البالغة 900 كم، بينما “ترامب” يرغب أن تبلغ المنطقة 20 كم فقط. كما تتمسك أنقرة برفض أي وجود لقوات الجيش السوري في تلك المنطقة. حتى لا تتعاون مع القوات الكردية ضد أنقرة. وتريد أنقرة إجراءات وترتيبات تبعد هذه المناطق عن سلطة الدولة السورية المركزية بحيث تخضع للنفوذ التركي بغية نشر قوات “الجيش السوري الحر” فيها بعد ذلك، وأنقرة بهذا تريد فصل منطقة شمال سوريا التي تمثل ربع مساحة سوريا فعليا عن الدولة السورية، ووضع قوات أمنية ومجالس محلية خاضغة لأنقرة لتضفي شرعية على احتلالها لتلك المنطقة الذي نفذته عبر عملية “درع الفرات العسكرية في أغسطس 2016، وعملية “غصن الزيتون” في يناير 2018.

وقد أعلنت وزارة الدفاع التركية أن مروحيات تركية وأمريكية حلقت يوم 5 سبتمبر 2019، فوق أجواء شمال سوريا في إطار التحضيرات المشتركة لإقامة المنطقة الآمنة المتفق عليها بين الجانبين. وتعد تلك الطلعة الجوية المشتركة الثالثة في أجواء شمال سوريا، في إطار المرحلة الأولى من إنشاء المنطقة الآمنة، وجاءت الطلعة الجوية المشتركة في إطار نشاط “مركز العمليات التركي – الأمريكي” المعني بتنسيق إنشاء وإدارة المنطقة الآمنة. بيد أن “أردوغان” اتهم واشنطن بعد ذلك بأنها تسعى لتحقيق مصالحها عبر تأسيس المنطقة الآمنة لنشر قوات كردية فيها، وهدد بتنفيذ خطط خاصة ببلاده لضمان الأمن القومي التركي، حيث ألمح من قبل الى شن عملية عسكرية تركية شرق الفرات حيث تتمركز القوات الكردية وآبار النفط السورية وهو ما رفضته واشنطن وحذرته من تداعيات الاشتباكات التركية الكردية، حيث أن الإدارة الامريكية تعمل للحفاظ على مصالح حليفيها التركي والكردي.

ويسعى “أردوغان” للسيطرة على تلك المساحة الكبيرة من شمال شرق سوريا بغية  إنشاء مدن وقرى ومساكن في “المنطقة الآمنة” وقد أعلن عن تفاصيل هذه المنطقة خلال كلمته أمام الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2019، حيث أعلن عزمه إنشاء 200 ألف مبنى، من أجل توطين أكثر من مليون سوري، كمرحلة أولى، من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا. ويشمل المخطط الكامل “للمنطقة الامنة ” كما أعلنها “أردوغان” .. إنشاء 140 قرية تتسع كل واحدة منها لـ5000 شخص، إضافة إلى إنشاء 10 بلدات (أو مدن صغيرة) تتسع كل واحدة منها لـ30 ألف شخص، وتكون منتشرة على طول المنطقة المحاذية للحدود التركية السورية في الشمال السوري، من نهر الفرات وحتى الحدود العراقية، بعرض 30 كيلومتراً في عمق الأراضي السورية، وبطول 480 كيلومتراً. وكل قرية ستضم 1000 منزل مؤلف من 4 غرف بمساحة 100 متر مربع، وسيضم كل منزل حظيرته الخاصة. كما ستضم القرية مسجدين، ومدرستين بسعة 16 قاعة دراسية، ومركزاً شبابياً وصالة رياضية مغلقة.

ووفق الرؤية التركية لتعريف “المنطقة الآمنة” فإنها تتعارض مع القانون الدولي وتعد “اعتداء مباشر  على أراضي دولة أخرى” كما أنها “غير منطقية حيث تتضمن احتلال أراضي دولة أخرى ثم إتخاذ إجراءات تغيير ديمغرافي واسع النظاق عبر ترحيل السكان الأصليين لشمال سوريا من الأكراد وتوطين اللاجئين السوريين من العرب بدلا منهم.

ثانيا: محددات الرفض الروسي الأمريكي:

هناك العديد من المعطيات الإقليمية والدولية التي تعرقل وتصعب شن عملية عسكرية تركية جديدة ستكون الخامسة في العمق السوري، ولعل أولى تلك العوامل هي تأكيد الرئيس السوري “بشار الأسد” في 9 يونيو 2022 أن بلاده ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها، وستكون هناك مقاومة شعبية لهذا الغزو،  كما قامت وزارة الخارجية السورية بإرسال رسالة للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وصفت فيها تصرفات تركيا بأنها غير شرعية.هذا فضلا عن موقف قائد قوات “قسد” “مظلوم عبدي” الذي أكد أن العملية التركية الجديدة ستضعف القتال ضد “داعش” الذي شن مؤخرا عدد من الهجمات في العراق وسوريا ويسعى لاستعادة خلاياه النائمة، ودعا واشنطن لمساعدة “قسد” في محاربة “داعش” وحذر من فرار عناصر التنظيم المعتقلين بمخيم “الهول” بسوريا الذي تديره “قسد” مما سيؤدي لتسلل عدد منهم للدول العربية والأوروبية وتنفيذ هجمات إرهابية جديدة. كما اعترضت روسيا على تلك العملية نظرا لوجود قوات من الشرطة الروسية في منبج،  ومنذ أعلنت أنقرة عن العملية الجديدة عززت موسكو تواجدها في المنطقة بأربع منظومات للدفاع الجوي من طراز “بانتسير” ومنظومتي إطلاق الصواريخ من طراز “اسكندر”. بينما دعت “قسد” قوات الجيش السوري للتنسيق معها لمواجهة التدخلات التركية الجديدة. كما اعترضت واشنطن على تلك العملية المرتقبة أيضا وأكدت أنها  نظرا لأن تركيا حليف أمريكي وعضو بالناتو، و”قسد” حليف أمريكي لمحاربة الإرهاب وتنظيم “داعش”.

1-الموقف الروسي:

أكد يوم 16 يونيو الحالي المبعوث الخاص للرئيس الروسي لسوريا “ألكسندر لافرنتييف” إن روسيا ترى في عملية عسكرية تركية محتملة في سوريا “خطوة غير حكيمة ستؤدي إلى مزيد من التوترات”، ونفى وجود أي خطط روسية لمواجهة القوات التركية عسكريا. ورغم أن التعاون الروسي التركي متميز في شتى المجالات فقد قامت روسيا ببناء أربعة مفاعلات نووية في مقاطعة مرسين منذ عام 2018، وتم افتتاح خط السيل الجنوبي لنقل الغاز الروسي لتركيا عام 2020، إلا أن الخلافات بينهم تتسع، حيث شهد شمال سوريا تحركات عسكرية روسية تركية مستمرة تهدف لإعادة تموضع القوات المنتشرة هناك، فقامت موسكو بمناورات دوريات مستمرة لتؤكد استمرار حضورها بالمشهد السوري رغم انشغالها بالحرب الأوكرانية، مما يوسع نطاق المساومات بين موسكو وأنقرة في أوكرانيا وسوريا وعدد من الملفات الخلافية بينهم.  كما يلي:

-انتقاد روسي للدعم العسكري التركي لكييف: حصلت كييف على طائرات تركية مسيّرة من طراز “بيرقدار تي بي 2” شاركت في تدمير السفينة الحربية الروسية “موسكفا” في البحر الأسود. كما اعترضت موسكو على إغلاق أنقرة مضيقي الدردنيل والبوسفور في مارس 2022 أمام السفن الروسية العابرة بالبحر الأسود وفق اتفاق مونترو عُقد 1936 ومنح تركيا السيطرة على المضيقين. فضلا عن تصاعد التنافس بالبحر الأسود، حيث سيطرت موسكو على الساحل الأوكراني ببحر آزوف. وتسعى للسيطرة على أوديسا بالبحر الأسود لتسيطر على كامل البحر الأسود وتصبح القوة البحرية الأكثر فاعلية فيه، مما سيضعف الموقف التركي ويهدد استمرار العمل باتفاقية “مونترو” التي ضمنت حفظ التوازنات الجيوسياسية بين الدول المطلة على البحر الأسود. وقد اتضح ذلك خلال اجتماع وزراء دفاع البحر الأسود الذي عقد في 9 أبريل الماضي بتركيا ولم تشارك فيه روسيا أكبر دولة، بينما تم دعوة بولندا التي ليس لها ساحل على البحر الأسود، بناء على طلب أمريكي لأنقرة وشارك فيه أعضاء الناتو بلغاريا وبولندا ورومانيا والمرشحين للعضوية جورجيا وأوكرانيا.

– الخلافات بالملف السوري: أعلنت أنقرة في 23 أبريل 2022، إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المدنية والعسكرية المتجهة إلى سوريا، وذلك لمدّة ثلاثة أشهر.مما يؤدي لتعقيدات في الخدمات اللوجستية للقوات الروسية العاملة بسوريا والتي تعتمد  على المجال الجوي التركي بنسبة 50%. ولذا فقد أعلن “لافروف” أن بلاده تتفهم المخاوف الأمنية لتركيا من التنظيمات الكردية وتنسق معها، وأكد أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية – التركية إلا بنشر القوات التابعة للحكومة السورية وهذا ما ترفضه أنقرة لأنها ترغب في السيطرة على المنطقة الحدودية التركية السورية بشكل تام، وهو ما سيصعب تنفيذه في ظل التحركات العسكرية الروسية حيث أن موسكو قامت بتعزيز تمركز قواتها بالقرب من مدن (تل رفعت ومنبج والضواحي الجنوبية لعين العرب وعين عيسى)، وهي تبعد 40 كم من الحدود التركية. كما لوحت موسكو بإمكانية دعم “قسد” والجيش السوري لمواجهة الهجوم التركي المحتمل، حيث عقدَ قائد القوات الروسية العاملة في سوريا الجنرال “أليكسندر تشايكو” اجتماعاً مع قائد قوات “قسد “مظلوم عبدي” لبحث التنسيق بينهم مباشرة وللإعداد للقاءات بين “عبدي” والجيش السوري.

جدير بالذكر، أن العمليات العسكرية التركية الأربع السابقة في سوريا (“درع الفرات” 2016 و”غصن الزيتون” 2018 و”نبع السلام” 2019. و”درع الربيع” مارس 2020) لم تشهد مواجهات عسكرية مباشرة بين القوات التركية وفصائل المعارضة السورية من جهة وبين قوات الجيش السوري و”قسد” من جهة آخرى، لأن الطرف الأخير كان ينسحب بناء على تفاهمات بين موسكو وأنقرة. وهذا ما تضغط به موسكو على أنقرة حيث يمكنها دعم “قسد” والجيش السوري لمواجهة الجيش التركي وهنا سيتكبد الأخير خسائر جمة، للسيطرة على أي مدينة جديدة- بالإضافة إلى إمكانية إشعال موسكو للوضع في مدينة إدلب المجمد وفق اتفاقات “خفض التصعيد” المبرمة بين تركيا وروسيا منذ عام 2018. وهذا لن يكون في صالح أنقرة.

-استمرار الخلاف بملفات إقليمية: تتداخل المصالح التركية والروسية في عدد من الأقاليم الاستراتيجية، ومنها الملف الليبي الذي يشهد استمرار للانقسام بين حكومتين شرقا وغربا وتؤكد موسكو حكومة الشرق وتدعو لتوليها زمام الأمور بينما لم تتخذ أنقرة موقفا محددا حيث تسعى كلا منهم للحفاظ على مصالحها الاقتصادية بليبيا وتواجدها العسكري المباشر والغير مباشر من خلال دعم “المرتزقة الأجانب” ونقلهم من وإلى ليبيا. هذا يبنما توسع النفوذ التركي بمنطقة البلقان حيث تدعم أنقرة استقلال كوسوفو الذي ترفضه موسكو وتعدها جزء من حليفتها صربيا، فضلا عن تصاعد التنافس بين أنقرة وموسكو في منطقة آسيا الوسطى بعد تعزيز أنقرة تواجدها العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي بالمنطقة، فقد قامت دول طاجيكستان وكازاخستان وتركمانستان وقيرغيزستان بشراء طائرات تركية مسيرة وتم توقيع اتفاقيات للتعاون العسكري بينهم، وتصف موسكو هذه المنطقة بأنها “الحديقة الخلفية” لها، فضلا عن  سعى أنقرة لتطبيع العلاقات مع أرمينيا الحليف الاستراتيجي لموسكو. كافة هذه الخلافات تضيف المزيد من التوتر المستتر للعلاقات التركية الروسية وتنعكس على التفاهمات بملفات مثل أوكرانيا وسوريا.

ولذا فإن كافة هذه الملفات والخلافات سيكون لها موضع في الحسابات بشأن الرفض الروسي للعملية العسكرية التركية المرتقبة في سوريا.

2-الرفض الأمريكي:

الموقف الأمريكي من تلك العملية المرتقبة كان أكثر وضوحا وتشددا عن سابقاتها، فقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكي أن أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمالي سوريا ستؤدي إلى تداعيات خطيرة بالمنطقة وفي العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ودعا وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” تركيا إلى الالتزام بخطوط وقف إطلاق النار المحددة مع بلاده عام 2019، بدوره أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس” “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سوريا، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين هناك، ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار في المنطقة ويعرض القوات الأمريكية وحملة التحالف على تنظيم داعش الإرهابي للخطر”.

وفي ظل هذا الرفض الأمريكي المباشر للتدخل التركي، نفذت واشنطن في منتصف يونيو الحالي عملية أمريكية بمنطقة خاضعة لسيطرة تركيا شمال سوريا للمرة الأولى حيث شن “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” عملية نوعية لاعتقال قيادي “بداعش”، وهناك تفسيران لتلك العملية الأول أنها نفذت بالتنسيق بين واشنطن وأنقرة التي تسيطر على تلك المنطقة وهو ما يؤكد استمرار التنسيق الميداني العسكري بينهم رغم الخلافات السياسية، والثاني هو أن العملية نفذت دون معرفة أنقرة لتوضح واشنطن قوتها وقدرتها على عرقلة جهود تركية في أي وقت، بيد أن هذا الاحتمال مستبعد.

وجدير بالذكر، أن واشنطن تحتفظ بقاعدة عسكرية بسوريا هي “قاعدة التنف” وفرقة صغيرة قوامها 900 جندي في شمال شرق البلاد، بغية القضاء على خلايا تنظيم “داعش” المتبقية،  وقد شكّل تعاون واشنطن مع “قسد” إحدى أكثر المسائل الشائكة التي تواجه العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن فضلا عن  الخلافات حول شراء تركيا لصواريخ (اس 400) الروسية ورفضها توسيع حلف “الناتو” بضم فنلندا والسويد، كما بدأ “أردوغان” انتقاد التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، حيث دعا في نهاية سبتمبر 2021 الولايات المتحدة الأمريكية لسحب قواتها من سوريا والعراق بنفس طريقة سحب القوات من أفغانستان، وبالطبع يريد هو أن يملأ الفراغ الأمني الذي سينجم عن ذلك حال حدوثه.

ثالثا: سيناريوهات محتملة:

“لا ننتظر إذن أحد للقيام بعملية عسكرية شمال سوريا” كان هذا هو رد “أردوغان” على الرفض السوري والروسي والأمريكي حول عزمه شن عملية جديدة بسوريا، بيد أنه بعد مرور شهر تقريبا على إعلانه لم يتخذ حتى الآن أي تحرك عسكري بشمال سوريا، في ظل توارد أنباء تفيد بأن فصائل “الجيش السوري الحر” المعارض الموالي لتركيا وذراعها العسكري في شمال سوريا قد أكملت استعدادها لشن عملية عسكرية جديدة، وهناك أنباء آخرى تفيد بأن “أردوغان” قد تراجع بالفعل عن شن تلك العملية لأنه لن يتمكن من مواجهة واشنطن وموسكو. وفي ظل المعطيات السابقة فإن تركيا أمام عدة سيناريوهات للتحرك في سوريا، هي ..

– السيناريو الأول: شن العملية العسكرية في تل رفعت ومنبج في ظل الرفض الروسي الأمريكي والمواجهة مع روسيا لأن قواتها تنشتر هناك وتقوم بدوريات مستمرة وهو أمر مستبعد تماما، وحال تم فأن موسكو ستضغط على أنقرة لوقف دعمها لكييف.

 – السيناريو الثاني: استمرار القصف الجوي التركي على مواقع “قسد” في منبج وتل رفعت، دون تدخل بري. وهذا القصف قد بدأ بالفعل منذ مطلع يونيو الحالي حيث قامت القوات الجوية التركية بقصف مكثف على قرية “الهوشرية” شمال شرقي منبج كما قصفت “بالهاون”  قريتي “عون الدادات والمحسنلي”. ويعد هذا حل وسط يحقق لأنقرة هدفها في القضاء المعسكرات الكردية دون إغضاب موسكو وواشنطن.

– السيناريو الثالث: التوصل لاتفاق مع روسيا يقضي بشن العملية العسكرية بسوريا، مقابل تقديم أنقرة تنازلات في الملف الأوكراني لعل أبرزها سيكون استمرار الرفض التركي لإنضمام السويد وفنلندا، واستمرار رفض تطبيق العقوبات الاقتصادية على روسيا.

-السيناريو الرابع: موافقة موسكو على شن عملية عسكرية محدودة في منبج وتل رفعت بالتنسيق معها، مما سيؤدي للاضرار بالعلاقات بين واشنطن وأنقرة.

خلاصة القول، أن التدخلات العسكرية التركية في شمال سوريا لن تتوقف وستستمر نظرا لاستمرار المبررات لذلك وحال قررت أنقرة شن عملية عسكرية جديدة بسوريا فالراجح أن توقيتها سيكون بعد قمة حلف الناتو بنهاية الشهر الحالي حتى يتمكن “أردوغان” من مساومة واشنطن على ضم فنلندا والسويد للحلف مقابل موافقتها على العملية العسكرية الجديدة، الأمر الذي يقد التوصل لأي تفاهم بين قوات “قسد” ودمشق كما يوجد خريطة متشابكة بين عدة جهات محلية وإقليمية ودولية في شمال شرق وغرب سوريا، فهناك قوات كردية وسورية وأمريكية وتركية وروسية في تلك المنطقة التي تبلغ مساحتها 40 كم، كما أن التدخلات العسكرية التركية بسوريا تشجع دول آخرى على ذلك ومنها إسرائيل التي قصفت مؤخرا مطار دمشق لتدمير شحنات أسلحة إيرانية تمر خلاله، والأردن الذي لوحت بأنها تخوض “حرب مخدرات” بالمثلث الحدودي مع سوريا والعراق عبر عصابات مدعومة من ميليشيات إيرانية لبنانية سورية، مما يؤكد استمرار الوضع الراهن من التدخلات العسكرية والجمود السياسي بالملف السوري.

(زمان التركية)

————————–

================

تحديث 22 حزيران 2022

——————-

العملية العسكرية التركية “طارت”..بين حسابات أردوغان وضغوط روسيا/ عقيل حسين

مع تصاعد حدة الخلافات بين فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، تلاشى الحديث عن العملية العسكرية التي يهدد المسؤولون الأتراك يشنها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بينما تؤكد مصادر إعلامية تركية أن العملية لا تزال قائمة.

وكانت اشتباكات قد اندلعت السبت بين الفيلق الثالث، وهو أكبر تشكيلات الجيش الوطني المعارض، وتقوده الجبهة الشامية، وبين الفرقة-32، التي تتبع للفيلق رسمياً لكنها جزء من حركة أحرار الشام، ويقودها الفريق المؤيد لهيئة تحرير الشام في الحركة، الأمر الذي جعل الهيئة ترسل قوات اقتحمت منطقة “غصن الزيتون” بريف حلب الشمالي، قبل أن تتوقف الاشتباكات لكن مع استمرار الحشود والتوتر.

وبينما رأى الكثيرون أن الاقتتال الداخلي بين فصائل الجيش الوطني وتدخل الهيئة قد أثر على مخطط العملية التركية المنتظرة ضد “قسد”، تؤكد مصادر معارضة ل”المدن”، أن هذه العملية التي توقف الجانب التركي عن التهديد بتنفيذها رسمياً منذ انعقاد الجولة ال18 لاجتماع أستانة، على الرغم من ابقاء الحديث حولها قائماً في بعض وسائل الاعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

وحسب هذه الصادر فإن الجانب التركي أبلغ فصائل المعارضة السورية، بعد اللقاء الذي ضم مسؤولين من روسيا وإيران بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومة التركية، بتأجيل العملية إلى أجل غير مسمى، مرجحة أن يكون ذلك نتيجة تفاهمات جديدة تم التوصل إليها بين الدول الضامنة الثلاث لمسار أستانة، وليس بسبب عدم التوصل لاتفاق بين موسكو وأنقرة كما يُعتقد.

وحول حديث بعض وسائل الإعلام التركية خلال الأيام الأخيرة التي تلت الاجتماع عن تواصل الاستعدادات من أجل العملية، أكدت المصادر ل”المدن”، أنه ليس هناك على الأرض أي استعدادات من قبل الجيش الوطني على الأقل، بل إن فصائل المعارضة غارقة في صراعاتها الداخلية التي لم يكن لتتفجر على هذا النحو لولا تأجيل العملية إلى أجل غير مسمى.

تراجع التصعيد لا يلغي التهديد

وكان تلفزيون “تي جي إر” التركي قد أكد الاثنين، أن الاستعدادات العسكرية للعملية ما زالت مستمرة وأنها شارفت على الاكتمال، بينما قالت صحيفة “حرييت” إن هذه العملية ستنطلق بعد عيد الأضحى.

لكن الكاتب والمحلل السوري حسن النيفي يرجح أن حسابات الحكومة التركية عندما أطلقت تهديداتها بشن هجوم جديد ضد “قسد” لا يبدو أنها تطابقت مع الوقائع التي فرضها الموقفان الروسي والأميركي، لكنه مع ذلك يعتبر أن احتمالات تنفيذها تبقى قائمة لاحقاً.

ويقول ل”المدن”: “على الرغم من النبرة العالية  التي اتسم بها الحديث التركي عن العملية العسكرية التي حدد معالمها أردوغان صوب تل رفعت ومنبج بريف حلب الشمالي والشرقي، إلا أن الوقائع على الأرض لا تواكب التصعيد الإعلامي”، مشيراً إلى أن “ما دفع أنقرة للتصعيد هو اعتقادها بأنها باتت تملك من أوراق القوة ما لم تكن تملكه من قبل، وذلك وفقاً للتداعيات التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا، وأنها تستطيع من خلال هذه الأوراق الجديدة أن تنفذ العملية العسكرية وتحقق أهدافها دون أن تقدم تنازلات، ولكن يبدو أن بوتين يصر على مبدأ المقايضات ( تل رفعت مقابل جبل الزاوية كاملاً) وهذا ربما لا تريده أنقرة”.

ويتابع النيفي أن “الولايات المتحدة تعتبر منبج البوابة الاقتصادية لشرق الفرات، فضلاً عن أن أكبر قاعدة أميركية عسكرية موجودة في ناحية سد تشرين (15 كيلومتراً) جنوب منبج”، وقال: “لا أعتقد أنها ستقدمها هدية لأنقرة من دون أن تضمن ابتعاداً تركياً كاملاً عن روسيا، وهذا لم يتحقق حتى الآن”.

ويضيف “على أية حال فإن انخفاض مستوى التصعيد لا يلغي إمكانية تنفيذ العملية، وهذا ما يجعلني أعتقد أن تركيا ربما تسعى لتحقيق مبتغاها من خلال التفاهمات مع واشنطن وموسكو، ومن غير المستبعد اللجوء إلى عمل عسكري تراه ضرورياً، على الأقل في ما يخص الداخل التركي الذي يشكل ضغطاً على الحزب الحاكم، بل تحدياً حقيقياً للاستعداد لانتخابات حزيران/يونيو 2023”.

استمرار المفاوضات والاستعدادات

ومنذ إطلاق المسؤولين الأتراك تهديداتهم بتنفيذ عملية عسكرية جديد في شمال وشمال شرق سوريا، عبّرت الولايات المتحدة عن معارضتها الشديدة للخطوة، بينما ظل الموقف الروسي غامضاً.

ورغم إعلان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة، أن بلاده “تتفهم المخاوف التركية من وجود تنظيمات إرهابية على حدودها الجنوبية” إلا أن القوات الروسية الموجودة في سوريا أرسلت تعزيزات إلى مناطق انتشارها في القامشلي وريف الرقة ومحيط منبج، بينما عززت قوات النظام والميليشيات الإيرانية من وجودها في محيط تل رفعت بريف حلب الشمالي، الأمر الذي اعتُبر مؤشراً على عدم التوصل لاتفاق يسمح بتنفيذ العملية التركية، أو ضوءاً أخضر أمامها، كما جرت العادة مع العمليات الثلاث السابقة.

لكن المحلل السياسي التركي جواد غوك يؤكد أن الاستعدادات العسكرية التركية ما زالت مستمرة، جنباً إلى جنب مع تواصل المفاوضات حولها وخاصة مع الروس، الذين يعتقد رغم ذلك أنهم أقرب إلى “قسد” هذه المرة من قبل.

ويضيف ل”المدن”، أن “هناك تحركات عسكرية للجيش التركي في المناطق الحدودية مع سوريا، وهذا دليل على أن أنقرة لم تلغِ فكرة شن هجوم جديد حتى وإن كان محدوداً، لكن الأمر كما هو واضح يحتاج لمزيد من التفاوض، وخاصة مع روسيا”، لافتاً إلى أن “روسيا عززت من الناحية العملية، مع قوات النظام، من مساندتها لقسد، والحكومة التركية لا تريد أن ترى جنائز لجنود من الجيش التركي في حال انطلقت العملية، في وقت بلغ فيه الاستقطاب السياسي الداخلي ذروته بينها وبين أحزاب المعارضة تحضيراً للانتخابات القادمة”.

ويضيف أن “الحرب الروسية الأوكرانية عززت من موقف تركيا، والرئيس أردوغان سيستفيد أيضاً من علاقاته الشخصية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن ما تجب الإشارة إليه أن المناطق التي تستهدفها التهديدات التركية الأخيرة لا تعتبر مهمة جداً بالنسبة لأنقرة لأنها لا تشكل خطراً مباشراً على الأراضي التركية، بل على القوات التركية الموجودة في سوريا، وتحديداً في ما يتعلق بتل رفعت التي تنطلق منها الهجمات على هذه القوات، وبالنتيجة فإن عامل التوقيت ليس أولوية ملحة الآن”.

يشعر الكثيرون من السوريين المعارضين بخيبة أمل كبيرة بسبب ما يرونه  تراجعاً تركياً عن الوعود باستعادة السيطرة على الأقل على منطقة تل رفعت للمرة الثالثة على التوالي، بينما تشير المعطيات إلى أن تعقد الحسابات أمام انقرة، وخاصة مع عدم وجود ضوء أخضر من الغرب ومن روسيا لتنفيذ عملية عسكرية جديدة ضد “قسد”، فرض تعاطياً مختلفاً على الجميع، وترك اللجوء لخيار العمل العسكري مؤجلاً.

المدن

———————-

هل تعارض روسيا فعلا عملية تركية في سوريا؟/ محمود علوش

عندما زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنقرة في 8 يونيو/حزيران الجاري لإجراء محادثات مع نظيره التركي حول مشروع إنشاء ممر بحري لتسهيل عبور صادرات أوكرانيا من القمح والحبوب كانت الخطط التركية لشن عملية جديدة ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا حاضرة بقوة على أجندة الزيارة.

وعلى الرغم من أن الزيارة لم تخرج بموقف روسي واضح من العملية التركية المحتملة باستثناء تكرار لافروف التأكيد على مراعاة هواجس تركيا الأمنية فإنه بعد ذلك بأيام قال الكرملين إنه يعارض أي هجوم تركي جديد، وحذر من أنه سيؤدي إلى تصعيد الموقف وزعزعة الاستقرار.

لكن التصريحات الروسية الأكثر أهمية حتى الآن بهذا الخصوص كانت للمبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف، والتي قال فيها إن روسيا لن تقاتل تركيا والجيش الوطني السوري في ريف حلب، وإنه بإمكان الجيش التركي السيطرة على المنطقة التي سيستهدفها، لكنه من الصعب التنبؤ بالنتائج التي تترتب على ذلك.

وفي حين أن روسيا تعارض من حيث المبدأ أي هجوم تركي جديد لأسباب عديدة، أبرزها منع زيادة المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في الشمال السوري والقلق من تأثير موافقتها على العملية في العلاقات التي أقامتها مع الوحدات الكردية، فضلا عن مراعاة موقف دمشق الرافض لها إلا أنها حريصة في الوقت نفسه على عدم الدخول في صدام عسكري مع تركيا، لما يترتب عليه من تداعيات كبيرة على المصالح المتشابكة بين البلدين في سوريا وقضايا أخرى، ولا سيما الصراع في أوكرانيا، حيث لا تزال أنقرة تتبنى نهجا متوازنا في الصراع الروسي الغربي، ولم تنخرط في العقوبات الغربية ضد موسكو، كما أبقت مجالها الجوي مفتوحا أمام روسيا.

وبالنظر إلى أن العمليات العسكرية الأربع التي شنتها تركيا في سوريا منذ عام 2016 لم تحظ بتأييد روسي علني إلا أن موسكو تجنبت استخدام قواتها في سوريا لعرقلة تلك العمليات في آخر عملية تركية واسعة في شرق الفرات قبل 3 سنوات، ولم تدعم روسيا العملية، لكنها أبرمت بعد ذلك اتفاق سوتشي مع تركيا لإيقاف الهجوم عند الجيب الذي تمكن الجيش التركي وفصائل المعارضة من السيطرة عليه بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.

وعلى اعتبار أن الجيش الروسي يسيطر على الأجواء السورية في غرب الفرات فإن تأكيد روسيا على عدم رغبتها في مواجهة أي عملية تركية في منطقتي تل رفعت ومنبج يكتسب أهمية كبيرة تفوق أهمية الموقف السياسي المعارض لها، وسيعني أنه سيكون بمقدور الجيش التركي استخدام سلاح الجو لضرب الوحدات الكردية في المنطقتين دون خطر التعرض للاستهداف من قبل منظومات الدفاع الجوي الروسية، لكن ما يجب أخذه بعين والاعتبار -وهو ما ألمحت له موسكو- هو خطر وقوع صدام عسكري بين تركيا من جهة والنظام السوري والقوات الحليفة لإيران من جهة ثانية.

مثل هذا السيناريو حصل بالفعل قبل عامين ويمكن أن يتكرر مجددا، وما يزيد مخاطره أن دمشق وطهران تسعيان بشدة إلى منع تركيا من السيطرة على مزيد من الأراضي بقدر ما أن الحياد العسكري الروسي في أي عملية تركية جديدة سيفيد تركيا إلا أن موقف موسكو لا يزال حيويا في منع تطور الأحداث إلى مواجهة أوسع يصعب احتواؤها وقد تؤدي إلى انهيار كامل لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب.

بعد اتفاق سوتشي في 2019 كانت تل رفعت ومنبج محور مفاوضات مستمرة بين أنقرة وموسكو، وقد تعهدت الأخيرة لتركيا بإخراج الوحدات الكردية منهما مقابل عودتها لسيطرة دمشق، لكن ذلك لم يحصل.

وترى روسيا حاليا أن إعادة إحياء الاتفاق تشكل تسوية محتملة للصراع حول تل رفعت ومنبج، لكن الظروف اليوم تبدو مختلفة عن تلك التي كانت قبل 3 سنوات لـ4 اعتبارات:

أولا: إن العودة إلى تفاهم سوتشي لن تعالج الهواجس التركية بشأن وجود الوحدات الكردية في غرب الفرات.

ثانيا: على اعتبار أن قبول تركيا بسيطرة النظام على المنطقتين سيفتح الباب أمام نقاش بشأن مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرتها وعودة النظام إليها فإن أنقرة ليست حاليا بوارد الخوض في هذا النقاش.

ثالثا: مثل هذه التسوية ستعمق بشكل أكبر العلاقة القائمة بين الوحدات الكردية وكل من دمشق وموسكو.

رابعا: يشكل توسيع حدود المناطق الآمنة لإعادة اللاجئين السوريين إليها أحد الأهداف الرئيسية للعملية التركية المحتملة، وبالتالي فإن السيطرة على تل رفعت ومنبج تكتسب أهمية في حسابات أنقرة.

ومنذ أن تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل أكثر وضوحا عن نية العملية العسكرية ثارت الكثير من التساؤلات حول توقيتها ونطاقها الجغرافي، ومع توضيح أنقرة المناطق المستهدفة في العملية المحتملة -وهي تل رفعت ومنبج- لا تزال تتريث في إطلاق الهجوم بهدف تهيئة الأرضية الميدانية والدبلوماسية المناسبة.

إن الصراع التركي مع الوحدات الكردية لا يرتبط فقط بظروف علاقات أنقرة مع موسكو بل مع واشنطن أيضا، لكن حصر العملية المحتملة في مناطق خاضعة للنفوذ الروسي وليس الأميركي يجعل من التفاهم مع روسيا وليس الولايات المتحدة أولوية تركية رئيسية.

وحقيقة أن معظم التفاهمات التي أبرمها البلدان في سوريا قامت على مبدأ المقايضة فإن موسكو ستسعى على الأرجح للحصول على بعض المكاسب مقابل الحد من التكاليف المترتبة على تركيا.

ومؤخرا أقر مسؤولون روس بأن القيود التي فرضتها تركيا على حركة وصول القوات الروسية من وإلى سوريا تسببت بمشاكل لوجستية للجيش الروسي وطالبوها برفع بعضها، ولا سيما إنهاء إغلاق المجال الجوي أمام حركة عبور الطائرات الروسية التي تقل أسلحة وعتادا إلى سوريا.

وفي ظل إصرار أنقرة على تنفيذ عملية عسكرية جديدة فإنه إلى جانب الحياد العسكري ستسعى موسكو إلى رسم خطوط حمراء أمام حدود هذه العملية بحيث لا تتجاوز “أوتستراد إم 4” الدولي بالنظر إلى أهميته الإستراتيجية بالنسبة لدمشق، كما ستضغط على أنقرة لتنفيذ أحكام البروتوكول الإضافي لمذكرة إدلب، والذي ينص على فتح طريق “إم 4” في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مثل هذه المقايضات المحتملة سيُنظر إليها في أنقرة وموسكو وربما دمشق وطهران على أنها صفقة مربحة للجميع.

لقد أثبتت تجارب التفاهمات التركية الروسية في سوريا قدرة الطرفين على تدوير الزوايا والوصول إلى توافقات مشتركة تلبي مصالح الجانبين، وانطلاقا من ذلك فإن أولويات موسكو حاليا تتركز على عدم إظهار تحدي مصالح أنقرة الأمنية في سوريا ودفعها في المقابل إلى الدخول في مفاوضات مع دمشق حول بعض الترتيبات بخصوص شمال غرب البلاد.

وأخيرا، يشير الغموض البناء الذي تنتهجه روسيا في هذه المسألة إلى أن الشراكة الروسية التركية -التي تتجاوز حدود سوريا- لا تزال تتفوق في تشكيل الموقف الروسي مع أنقرة على أي اعتبارات أخرى.

باحث في العلاقات الدولية

—————————-

عن سوريّا السوريين أمام الأخطار!/ موفق نيربية

مؤخّراً، كأن بعض النخبة التركية عاد إلى مفاهيم عثمانية، تتحدّث عن الحدود الجنوبية الشرقية، وتذكر حتى» الميثاق الملي»، الذي أقرّه آخر اجتماع لمجلس المبعوثان العثماني- عام 1920- قبل صرفه من الخدمة. يذكر هذا الميثاق أن الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا تضمّ حلب والموصل وغيرهما، وهذا يبرّر تمدّد العمليات العسكرية هناك، لتغدو تطويراً لاتفاق أضنة الذي عقدته الأجهزة الأمنية في سوريا وتركيا منذ أواخر القرن الماضي، ويسمح لتركيا بملاحقة «أعدائها» داخل الحدود لمسافة خمسة كيلومترات.

والشيء بالشيء يُذكر: ربّما كان السيد المسيح؛ حين قال لأحد الأشخاص مُعَمِّماً «أنكر أباك وأمك… واتبعني»؛ يقصد أن هنالك هويّة جديدة وثقافة جامعة حديثة للمُخاطَب، تغنيه عن هويّته المكتسبة بالنسب، أو تضعف من مكانتها على الأقل. وكثير من الانتماءات التي تقدمت مع تقدّم التاريخ كانت كذلك.

هنالك أحاديث كثيرة ومتشعبة بين السوريين خصوصاً، حول» الهوية» و»الهوية الوطنية» مع إضافة صفة «الجامعة» أحياناً، و»الهوية السورية».. عاريةً. هذا حديث كان مكتوماً تحت ضغط أصوات مارشات عسكرية عالية منذ أوائل القرن الماضي. ليس هناك بلد عربي كان بعض أهله لا يدعمون الانتماء إليه، كما في سوريا، قلب العروبة النابض. لم يكن نادراً أبداً أن يقول السوري حين يُسأل عن انتمائه في أوروبا أو على الحدود: «أنا عربي»؛ كما قالها محمود درويش قديماً، ولم يقل» أنا فلسطيني»، كما درج لاحقاً. كأن السوري سابقاً كان يشعر بنوع من العار إن قال «أنا سوري». يهرب إلى القول» أنا عربي سوري» بعدما قام نظام الانفصال عن مصر باللجوء إلى هذا التعويض السحري، وأطلق على البلاد اسم «الجمهورية العربية السورية». لم يأبه أحد آنذاك بحَرَج الذين ليسوا عرباً، أو لا يريدون أن يكونوا إلّا سوريين وحسب. ما زالت ظاهرة من نوع «الغروتسك» أن يقول كردي أو آشوري مثلاً «أنا عربي سوري». لم تنضج حدود سوريا على شكلها الحالي حتى عام 1937 تقريباً، وكان آخر تعديل آنئذٍ «سلخ» لواء إسكندرون بالاتفاق بين الفرنسيين والأتراك. أرادوا كسب تركيا إلى جانبهم في الحرب العالمية المقبلة. «ولاية سوريا» أو الشام العثمانية كانت تضمّ سوريا من جنوب معرة النعمان لتمرّ في حماة وحمص ودمشق وصولاً إلى خليج العقبة؛ وتستثني البادية و»متصرفية الزور» أيضاً، بالإضافة إلى ولاية حلب وغربها وشرقها. ما حدث بالنسبة للحدود وقتها – بين الأعوام 1918و1924 كان عاصفاً. لكنّه الزمن الحديث، والدول – الأمم الحديثة، والقانون الدولي.

في إرث تلك الأيام، لم يجد السوريون حلّاً لمشكلة الهوية إلّا بالدعوة لتمليك فردٍ من الأسرة الهاشمية ملكاً عليهم؛ الأمير فيصل من السلالة الشريفية التي كانت تحكم مكة حتى تغلّب عليها سلطان نجد. كلّ دعوات وأفكار المفاوضات مع البريطانيين وغيرهم كانت من عند النخبة السورية – العراقية، التي قصم جمال باشا ظهرها بإعداماته قبيل ذلك. ولكنّ ما حدث بالفعل كان تأسيساً على اتفاق سايكس – بيكو ثمْ تعديلاته العملية. ومن يومها والسوريون يفرغون غضبهم في رأس هذين الشخصين. حالياً، أصبح الحفاظ على ما ورثناه من ذلك العهد هدفاً صعباً، وغدا من الضروري أن يُقال إن انتماءنا سوري، وأن» الأمة» سوريةٌ في هذه الدولة كما في كلّ العالم، ولسنا سوريين من «أمة عربية». هذا لا ينفي الرابط الثقافي العميق بين العرب كلّهم، ولو بشكلٍ متفاوت في شدّته. لو استطعنا أن نحافظ على ما جاءنا من أيام الاستعمار والانتداب وسايكس بيكو كنا سنكون محظوظين، نحن المعلَّقين بين أسنّة الحراب وعليها حتى الآن.

السوريون هم من تضمّهم تلك الحدود، ولا اعتبار للقول إن هنالك سوريين أكثر وسوريين أقلّ. لو فعلنا ذلك سنصطدم جميعاً، كحادثة سير جماعية في منزلق جبلي على طريق يملؤها الثلج المتراكم وقد استحال جليداً. يقول بعض «العرب السنة» بعد أن زالت الفوارق بين المفهومين، إنهم «الأمة» والباقين هامشيون وعملاء وأعداء، بل يستنبطون نوعاً مستحدثاً من مفهوم أهل الذمة معه هؤلاء. يقول السريان إنهم الأصل، وقد جاء اسم سوريا من تاريخهم ولغتهم، والآشوريون مثلهم. يقول الكرد إن كردستان أقدم وأوسع من كل ما يعترف به الآخرون، ويعمّمون غضبهم من التهميش «العربي» إلى غضب من الانتماء السوري نفسه…

سوريا منطقة انتقالية، لجأ إليها كثيرون عبر التاريخ، وبقي فيها كثيرون وهم على الطريق بين بلاد وبلاد. العروبة والإسلام السني هي الطابع العام للسكان، في تداخل في المدن خصوصاً، مع آخرين من كلّ الأطياف. صحيح أن أنظمة التهميش المتتالية استطاعت تقليص نسبة تلك الأطياف بين السكان بنجاح، إلّا أن انتماء الكلّ بقي إلى سوريا، ولو كان بعضهم في أقصى الأرض.

وبمناسبة الحديث عن الأكثريات والأقليات، راج في زمن الثورة السورية الثاني؛ عندما بدأت ألوانها تَحُوْل وتتغيّر؛ حديث عن العشائر والقبائل واسع النطاق، يقول بعض أهله إن سبعين في المئة من أهل سوريا هم من القبائل والعشائر. فحلّ المعضلة السورية ينبغي أن يأتي من إدراك ذلك والاعتماد عليه. ينسى هؤلاء مسار سوريا التاريخي في المدنية والمدينية، وأن العمود الفقري لتلك البلاد قائم شاقولي في مدن يمتد تاريخها إلى عشرات القرون. ذلك العمود الفقري كان وما زال يضم معظم السوريين أساساً، وأهم خصائصهم الروح الفردية والطموح والحرية والكرامة، التي امتهنها حكم حزب البعث وآل الأسد حتى سواد المجزرة. هنالك من يفتخر بنسبه الأصلي حتى في أعمق الأحياء المدينية، بل إن معظم عائلات تلك البيئة تصل بنسبها إلى الشريفية، مع أن كثيراً منها ليست بالأساس عربية. إن النسق الغالب هو نمط المدينة، وحلّ المسألة السورية لا بدّ أن يستند إلى هذه الحقيقة – وحقيقة التنوّع – من أجل تسهيل وتحسين فرص ذلك الحلّ وطبيعته، مهما امتدّت الحرب التي تستقوي بأكثر العصبيات إثارة للحمية وللحماسة في القتال.

من بين الأمثلة على حالة التراجع التي وصلت إليها سوريا، بعد مجازر الأسد ونهر الدماء التي سالت، وجلاء نصف أهلها من حيث كانوا، وخراب البلد واجتماعه واقتصاده وسياسته ودولته؛ ما رأيناه من أطروحات تردّ على دعوة إلى الجنوح للسلم والحوار بعد التهديدات التركية الراهنة بـ»عملية عسكرية واحدة أو على مراحل» في شمال سوريا كله، ثمّ استخدام تلك المنطقة لإعادة اللاجئين وتوطينهم على الحدود هناك، في عمق يتناسب مع أمان «المنطقة الآمنة» التي تريدها الحكومة التركية. أشدّ الاعتراضات على ذلك النداء كانت ممّن يقول إن المقصود منه هو الدفاع عن قوات سوريا الديمقراطية وحسب، وإن هذه ما هي إلّا واجهة لحزب العمال الكردستاني التركي المصنف إرهابياً من كثير من الدول، وإنه يغفل المطالبة برحيل ذلك الحزب الغريب، ومن ثمْ رحيل «قسد» و»مسد»، المحتلين الذين جاؤوا من «الخارج». النداء مرفوض من هذا البعض لذلك السبب، لا تمرّره لديهم لغته السلمية ولا دعوته إلى استبدال أجواء الحروب والحركات الديموغرافية وتحطيم فرص سوريا بالحياة بالحوار وتحكيم القانون الدولي والقانون الإنساني وتأمين أجواء تساعد على حسن الجوار بين من اعتادوا عليه منذ زمن طويل. لا يتنافى هذا المنطق مع الاعتراف بوجود أيدٍ لحزب العمال الكردستاني التركي، المعتصم في أعالي جبال قنديل العراقية، في شمال سوريا، وعلى هامش مجلس سوريا الديمقراطية التي يشكّل نواتها حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي/ السوري مهما اختلفنا معه)، مع قوى أخرى ومجموعات ليست قليلة من العرب والسريان وغيرهم. لكنّ محاربة حزب العمال ومواجهته ينبغي لها أن لا تكون على حساب سوريا والسوريين. تلك ذريعة نعرف أمثلة تشبهها في تاريخنا السوري والعربي عموماً. إن المطالبة بإنهاء وجود ونفوذ وتأثير حزب العمال من الأرض السورية مطلب حق له مكانه، ولكنّ المنطق السياسي يحتّم أحياناً فصل الأمور وتركيزها حتى يكون الإجماع عليها أكثر سهولة ويسراً، ولكلّ وقت أذانه! وبؤرة الاهتمام الحالية هي التهديد الداهم.

أخيراً، تكاد السياسات الانتخابية تخرب العالم الحديث بانفلاتها المفتوح، من الولايات المتحدة إلى تركيا وغيرهما، وينبغي لذلك أن يحفز على ثورة سياسية دولية توقف هذا الخطر! وتكاد الاستراتيجيات الانتخابية في تركيا أن تكون مغلِّفاً خفيّاً لكل الاستراتيجيات.

كاتب سوري

القدس العربي

——————-

منبج.. هدف المعارضة الاستراتيجي ومفتاح المنطقة الآمنة شمالي سوريا/ خالد الخطيب

رغم المعلومات المتضاربة حول تأجيل العملية العسكرية ضد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) إلا أن ناشطي منطقة منبج ومقاتليها الموزعين على عدة تشكيلات عسكرية معارضة في ريف حلب لديهم ثقة بأن المعركة وشيكة، وما يزالون يرتبون صفوفهم ويهيئون أنفسهم للقادم.

وتبدو خطوة تأسيس المجلس العسكري لمنطقة منبج مؤخراً من أهم الخطوات الهادفة إلى توحيد الجهود “لإنجاح” العملية العسكرية المرتقبة، إذ يقول رئيس المجلس العسكري النقيب عدنان حاج محمد لموقع تلفزيون سوريا إن “المجلس يضم مقاتلي الجيش الوطني المنحدرين من منطقة منبج، وآخرين يتبعون لعدة تشكيلات، وقد تم جمعهم تحت مظلة واحدة من أجل تنسيق الجهود العسكرية، والعمل في مرحلة ما بعد التحرير على حماية المنطقة، وحماية الناس وممتلكاتهم ومنازلهم ومنع التجاوزات والانتهاكات بحق المدنيين”.

منطقة منبج

تمتد سهول منطقة منبج الواسعة على الضفة الغربية لنهر الفرات في مجراه السوري الأعلى، والذي تجاوره لمسافة تزيد على 80 كيلومترا قبل دخوله الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، وتضم المنطقة مركز المدينة وقرابة 300 قرية وبلدة موزعة على ثلاث نواحٍ، هي الخفسة وأبو قلقل ومسكنة، وتعد من أكبر مناطق محافظة حلب في ريفها الشمالي الشرقي، وأكثرها استقراراً.

حافظت المنطقة خلال 10 سنوات على معدلات عالية من الكثافة السكانية، وكانت في معظم الأحيان منطقة جاذبة للسكان والأنشطة الاقتصادية على تنوعها، إلّا أنها كانت تصاب بالشلل وتتحول لمنطقة طاردة لفترات زمنية محدودة تزامناً مع تغير الجهة المسيطرة.

انخرطت منبج بفعالية في أنشطة واحتجاجات الثورة السورية المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، وفي الربع الأخير من العام 2012 سيطرت فصائل الجيش الحر عليها، وخسرتها في كانون الثاني من العام 2014 لصالح تنظيم “الدولة” الذي حولها لقاعدة عمليات استراتيجية مستفيداً من موقعها، ولكونها تشرف على عقدة طرق تربط مناطق غرب وشرق الفرات، وفي شهر آب من عام 2016 سلم التنظيم الجزء الأكبر من المنطقة لقسد التي وصلتها بدعم من التحالف الدولي، وتقدمت قوات النظام نحو الجزء المتبقي من منطقة منبج، حيث يسيطر النظام على ناحيتي مسكنة والخفسة.

التركيبة السكانية

يزيد عدد سكان منطقة منبج على مليون نسمة، قرابة 400 ألف نسمة منهم هم من النازحين، ويشكل العرب الغالبية العظمى في المنطقة ويتوزعون على 29 عشيرة وقبيلة عربية، وفيها الأكراد والشركس بنسبة قليلة.

 يقول المعارض السوري حسن النيفي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا إن “منطقة منبج تمتاز بتنوع سكاني عرقي مع غالبية عربية، ولكن لم تشهد عبر التاريخ أي شكل من أشكال الصراع العرقي أو الطائفي، أضف الى ذلك أن لها تجربة متميزة خلال الثورة فهي الوحيدة التي استطاعت الحفاظ على ممتلكات الدولة وتوفير الخدمات للمواطنين أي إنها بالفعل حققت شعار إسقاط النظام والحفاظ على مؤسسات الدولة”.

الموقع الاستراتيجي

لمنطقة منبج موقع جغرافي استراتيجي، فهي تعد المنطقة الفاصلة بين شرقي نهر الفرات وغربه وقريبة من الحدود السورية التركية ومدينة حلب، وفيها عقدة الطرق المؤدية إلى مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لحلب، كما أن مرور الطريق الدولي M4 من خلالها منحها أهمية أكبر.

وكانت بالنسبة “لقسد” في الفترة ما بعد العام 2016 أهم بوابة اقتصادية، إذ تتصل بمناطق المعارضة بريف حلب بمعبرين هما الحمران وعون الدادات واللذان يغذيان مناطق “قسد” بمختلف البضائع والمواد الغذائية والتحويلية والمواد المصنعة، ومن خلالها تشتري المعارضة كميات كبيرة من النفط والمحروقات التي تعود على قسد بواردات مالية ضخمة، كما تصلها بمناطق النظام بحلب عبر معبر التايهة جهة الشرق.

تحولت منطقة منبج، ومركز المدينة على وجه الخصوص، خلال فترة سيطرة “قسد” إلى وجهة مفضلة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث شهدت المدينة افتتاح أعداد كبيرة من الورش والمعامل التي فر أصحابها من حلب (كالخياطة والألبسة الجاهزة وورشات الإصلاح، ومعامل البلاستيك والأدوية ومواد تجميل) وشهدت أيضاَ توسعاً عمرانياً هائلاً خلال 6 سنوات مضت بسبب زيادة الطلب على المنازل واستمرار تدفق النازحين القادمين من مختلف المحافظات إليها.

يقول المعارض النيفي إن “منبج هي أكبر منطقة في ريف حلب، وتشكل من الناحية الاقتصادية محوراً هاماً لكونها بوابة لمنطقة شرق الفرات وفي الوقت ذاته قربها من الحدود التركية، ما يجعلها نقطة ارتكاز محوري من الناحية الجيوسياسية والعسكرية، وربما لهذا السبب هناك دوما صراع بين القوى والدول على هذه المدينة”.

ويرى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور أن “منبج بالنسبة لتركيا تعني عزل الحسكة والقامشلي في الشرق السوري الأقصى عن حلب، أي خنق قسد في منطقة حلب بالكامل وعزلها كلياً عن الشرق، كما أنها مهمة لخطة تركيا لإقامة المنطقة الآمنة وإنشاء مدن جديدة فيها لإتاحة عودة أعداد أكبر من اللاجئين السوريين”.

منبج وتل رفعت في المنظور التركي

ويضيف العقيد بكور خلال حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن منبج تكتسب أهمية استراتيجية من خلال قربها من سد تشرين الذي يمكن استثماره لتعزيز الاقتصاد في المنطقة المحررة، وتضم المنطقة أراضي خصبة ما يعني زيادة الثروة الزراعية وتأمين المزيد من فرص العمل، كما أن العشائر العربية الكبيرة التي توجد بها يمكن أن تشكل قوة كبيرة داعمة في حال تم العمل على استمالتها”.

السيطرة على منطقة منبج تمكّن فصائل المعارضة والجيش التركي من التوسع على حساب “قسد” شرقاً وتحقيق أهداف بارزة أهمها، وصل مناطق سيطرة الفصائل في درع الفرات بمناطق سيطرتها بمنطقة نبع السلام، أي خلق اتصال جغرافي بين محافظتي الرقة وحلب، ما سيوفر على المعارضة الكثير ويفتح أمامها آفاقا جديدة للضغط على قسد ومحاصرتها، فالمسافة بين منبج ونبع السلام لا تزيد على 50 كيلو متراً، وفي حال تحققت بالفعل فإن قسد في عين العرب (كوباني) ستكون بين فكي كماشة.

الواقع العسكري

يتواصل قصف الفصائل المعارضة والجيش التركي على مواقع “قسد” في منطقة منبج، وتشهد المنطقة تحليقاً متقطعاً للطائرات التركية المسيرة، وتسبب القصف بتدمير قسم كبير من تحصينات ودفاعات قسد على أطراف قرى الهوشرية والجات والتوخار وعون الدادات والمحسنلي وعرب حسن وأم عدسة والصيادة واليالنلي وقرت وويران وكورهيوك والحمرا والبوغاز والكاوكلي وجب الحمير والعريمة وفاوفلي ووريدة وجبل الصيادة وخربة الماص وغيرها من القرى القريبة من الجبهات، غرب وشمال منبج، التي حولتها “قسد” لنقاط تمركز متقدمة وحشدت فيها تعزيزات ضخمة أخيراً، وسمحت لقوات النظام التي بدأت تتدفق نحو المنطقة مع بداية شهر حزيران الحالي بالتمركز في بعضها.

من جانبه أكد قائد عمليات الفيلق الثالث في الجيش الوطني العميد عبد السلام حميدي لموقع تلفزيون سوريا أن “منطقة منبج في قائمة أهداف العملية العسكرية لعدة أسباب وأهمها الموقع الاستراتيجي في خريطة السيطرة بحيث ستكون بوابة لفتوحات أكبر، بالإضافة إلى المميزات البشرية والاقتصادية التي تتمتع بها المنطقة والتي لها أثر إيجابي على قوى الثورة”.

بدأ نظام الأسد مبكراً بمنافسة المعارضة على منبج، وقد سبق أن دخلت قوات النظام إلى بلدة العريمة شرقي المدينة بدعم من القوات الروسية في العام 2018 عندما هددت تركيا بشن عملية عسكرية ضد “قسد” في منبج، أي بعد فترة وجيزة من انتهاء عملية “غصن الزيتون” في عفرين، وما تزال بلدة العريمة تحتضن تشكيلات تتبع لقوات النظام منذ ذلك الوقت، وقد شهدت مؤخراً وصول تعزيزات عسكرية انتشرت في جبهاتها الشمالية الغربية.

وأرسل النظام مزيدا من التعزيزات العسكرية لتنتشر في منطقة منبج وبقيت الأرتال تنتظر إذن الدخول عند معبر التايهة ليومين إلى أن سمحت “قسد” بمرور قسم منها، ويبدو أن سبب التأخير هو تعثر المفاوضات بين “قسد” والنظام برعاية روسية، وربما فشلها، فالنظام زج بأعداد وعتاد حربي حاول من خلاله الانتشار في مركز المدينة ليعزز وجوده في عموم المنطقة ولتطبيق رؤيته التي طرحها خلال التفاوض مع “قسد”، وهذا ما رفضته الأخيرة، وسمحت فقط بزيادة نقاط الانتشار في خطوط التماس والخطين الدفاعيين الأول والثاني شمال وغرب منبج.

قال المتحدث باسم تيار المستقبل الكردي علي تمي لموقع تلفزيون سوريا إن ” النظام حشد قواته على تخوم منبج فقط، وفشل في دخول مركز المدينة، وخلال المفاوضات بين قسد والنظام التي رعتها القوات الروسية، طلب النظام تسليم منبج بشكل كامل وإزالة كل الرموز المتعلقة بقسد وحزب العمال الكردستاني مقابل حماية المنطقة ومنع عملية عسكرية، لكن قسد رفضت وسمحت فقط بانتشار مشترك في جبهات القتال وأن يقاتل النظام معهم للدفاع عن المنطقة، ونتيجة المفاوضات بين الطرفين في منبج هي ذاتها بما يخص المناطق الأربعة (تل رفعت ومنبج وكوباني وعين عيسى)، وأعتقد إذا خيرت قسد ما بين النظام والمعارضة المدعومة من تركيا فستسلم الأخيرة تطبيقاً للرغبة الأميركية، لذا أعتقد بأن الاتراك ينتظرون الحصول على ضوء أخضر أميركي ومن الناتو، فهم لن يخاطروا بعملية بدون غطاء سياسي”.

يبدو الواقع العسكري في منطقة منبج مختلفا عن باقي مناطق سيطرة “قسد” فالمنطقة التي يدير شؤونها العسكرية والمدنية قادة في “حزب العمال الكردستاني” ويولونها أهمية كبيرة تحوي تشكيلة واسعة من المجموعات والألوية العسكرية، أهمها مجلس منبج العسكري، ولواء ثوار إدلب الذي يتزعمه علاء إسكندر، وقوات جبهة الأكراد، ولواء الشمال الديمقراطي الذي يتزعمه أبو عمر الإدلبي، وجيش الثوار الذي يتزعمه أبو علي برد، بالإضافة إلى مجلس منبج العسكري ومجلس الباب العسكري.

وتشكل جيش الثوار في أيار من العام 2016 من اندماج 7 فصائل هي “تجمع ثوار حمص” و”كتائب شمس الشمال” و”لواء المهام الخاصة” و”جبهة الأكراد” بقيادة صلاح جبو، و”لواء 99 مشاة” و”لواء السلطان سليم” إضافة إلى “فوج 777″، ولاحقاً تلاشت مكونات في جيش الثوار وانشقت أخرى عن الجيش لتشكل ألوية خاصة مثل لواء ثوار إدلب وجبهة الأكراد والشمال الديمقراطي وغيره، والقسم الأكبر من هذه التشكيلات فرت من عفرين وريف حلب بعد سيطرة المعارضة على المنطقة، وكانت منبج وجهتها الرئيسية ومكان تمركزها، وجميع التشكيلات تأتمر اليوم بأمر قادة العمال الكردستاني في المنطقة وتشكل جبهة دفاع قوية.

تلفزيون سوريا

—————————–

الحماية القانونية للاجئين السوريين في تركيا/ كمال اللبواني

أصبحت الجرائم التي ترتكب ضد اللاجئين السوريين ممارسة عامة وشائعة، بل هي سياسة تدفع بها المعارضة التركية محاولة تحميل السلطة الحاكمة مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مبررة ذلك بوجود عدد كبير من اللاجئين السوريين.

يظهر قادة أحزاب المعارضة على المنصات ويحرضون على اللاجئين، ويتهمونهم بالتسبب بالبطالة والفقر، واستنزاف موارد الدولة، وفوق ذلك أزمة السكن والاكتظاظ، وتدني الخدمات، وشيوع الجريمة، فيقوم قسم من المجتمع تحت تأثير التحريض وبدافع من ظروفه الصعبة بالاعتداء على السوريين، أي سوري يصادفهم، وعندما يذهب السوري ليشتكي فإن الشرطة أيضاً غالباً ما ترفض تسجيل الشكوى أو التحقيق فيها، فهي أيضاً تأثرت بالتحريض وموجة الكراهية، وهكذا صار السوريون يشعرون بالخوف ويلمسون الاضطهاد الصريح وسط غياب القانون التام، وتجاهل تطبيق سلطته على الجميع، فاللاجئ مستباح بلا حقوق قانونية، وهو مكسر عصا لكل تركي يشعر بالغضب من ظروفه أو سوء أحواله.

ويعمل عدد من نشطاء تلك الأحزاب على ترويج مقالات تحريضية وفبركة قصص وفيديوهات تزيد من مشاعر الكراهية، حتى صار موضوع اللاجئين هو الموضوع الأكثر حضوراً في الانتخابات القادمة في تركيا مما اضطر الحزب الحاكم لوضع سياسة تقييد كبيرة على تواجد وحركة ونشاطات اللاجئين، والتخطيط لإعادة مليون سوري قسراً عبر المضايقات إلى الداخل السوري، وليس إلى بلداتهم ومساكنهم التي هجروا منها.

من يعيش في تركيا يشعر بضغوط كبيرة وخوف مستمر من الاعتداء الجسدي ومن الترحيل القسري، وهذا الترهيب الذي يعيشه اللاجئ معزز بقصص وحوادث اعتداء يومي وشائع، بما فيها القتل، وكل هذا نتيجة لسياسة تلك الأحزاب التي تبنت التحريض على اللاجئين للفوز في الانتخابات بلعبها على العواطف وتهييج المشاعر الأقل إنسانية والأكثر عنصرية وعنفاً وهمجية، وهذه الممارسات يمكن وضعها تحت عنوان جرائم الإرهاب، لأن الإرهاب تعريفاً هو استهداف المدنيين بأعمال عنف لتحقيق أغراض سياسية، وهذه جريمة مكتملة التوصيف، فهم يريدون الفوز ويحرضون على المدنيين السوريين، فيقوم أنصارهم بالاعتداء على السوريين ويقدم القانون الحصانة لهم مما يشجعهم أكثر فأكثر.

لذلك صار من الضروري وضع القضاء التركي عند مسؤولياته والادّعاء أمامه على أحزاب المعارضة، ومن يثبت تورّطه بجناية التحريض العنصري والعنف الجسدي، وانتهاك حقوق الإنسان، فاللاجئ السوري محمي بموجب قانون الأمم المتحدة، وهو لم يترك سوريا إلا هرباً من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بشكل طائفي  في سوريا على يد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وهو عندما يهاجر لتركيا فهو يهاجر لدولة كانت تحكمه لأربعة قرون في التاريخ الحديث، حتى عام ١٩١٦، وقد انتقلت لتركيا الكثير من الشركات والمصانع، وقدمت الكثير من المساعدات، ويقوم معظم اللاجئين بالعمل ويشاركون بالإنتاج ويعيلون أنفسهم.

أربعة ملايين سوري يتعرضون للاضطهاد في تركيا، ومثلهم في مناطق تحت سيطرة الجيش التركي، أي ثلث سكان سوريا تقريباً، وموضوعهم يستحق الاهتمام وتسليط الضوء، أمام المجتمع التركي والقضاء والحكومة، ثم أمام المجتمع والدول ومؤسسات حقوق الإنسان، والمفوضية العليا للاجئين.

الغريب أن أحزاب المعارضة مدعومة من الغرب وتتهم النظام بانتهاك حقوق الإنسان، وهي بذات الوقت تحرض على العنف وترهيب السوريين، ولا تخفي تعاطفها مع نظام القتل والإجرام الحاكم في سوريا، ثم تسوق نفسها لدى الغرب بأنها مضطهدة وضحية لقمع السلطات التركية.

إن هكذا قضية يجب أن تطرح قانونياً وإعلامياً وعلى أوسع مدى لحماية ثلث سكان سوريا الطيبين من بطش الحقد العنصري والطائفي المنتشر في المنطقة، والذي يتسبب بتشرد وهجرة أهلها.

ليفانت – كمال اللبواني

———————————

“قسد” بين “خطرين”..حدود الموازنة و”المواجهة الحتمية”

قبل ثلاثة أعوام واجهت “قوات سوريا الديمقراطية”(قسد)، تحدياً عسكرياً كان الأول من نوعه في المناطق التي تسيطر عليها شرق الفرات، وتمثل بعملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا بمشاركة فصائل “الجيش الوطني”، إذ سيطرت على مساحة طويلة، تصل بين رأس العين في ريف الحسكة وتل أبيض في ريف الرقة.

ورغم أن تركيا شنت قبل ذلك عمليتين عسكريتين مماثلتين هما “درع الفرات”(2016) و”غصن الزيتون”(2018)، لكن ظروفهما وسياقهما، وجغرافيتهما كانت مختلفة بالنسبة لـ”قسد”، التي دفعتها عملية “نبع السلام” تحديداً، للإسراع في إبرام تفاهمات مع نظام الأسد وروسيا، متيحةً لهما تثبيت موطئ قدم في المناطق الخاضعة لها، كخطوة لإبعاد “شبح التقدم التركي أكثر” آنذاك.

وجاءت تلك الاتفاقيات في مسعى من “قسد” لتفضيل “الخطر الأقل” على “الخطر الأكبر”، وهي السياسة التي يبدو أن ملامحها تتكرر في الوقت الحالي، مع تلويح تركيا بشن عملية عسكرية أخرى، في ظل ترجيحات أن تستهدف منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشرقي.

ومنذ مطلع مايو / أيار الحالي، أكد عدة مسؤولين أترك، على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، عزم أنقرة إطلاق العملية العسكرية، في موقف لم تقلل “قسد” منه، بل أخذته “على محمل الجد”، وفق تصريحات مسؤوليها أيضاً.

وبينما تصعّد تركيا اللهجة شيئاً فشيئاً، بدأت “قسد” بمخاطبة الجانب الروسي، إذ طالبته بالتدخل ضمن صلاحيات “الطرف الضامن” لاتفاقيات المنطقة.

فيما ذهبت مرة أخرى لتفتح الطريق أمام انتشار جديد لقوات الأسد في مناطق سيطرتها، سواء في تل رفعت أو منبج أو في المنطقة الشرقية للفرات، وخاصة محيط عين عيسى بريف الرقة، وهو ما أعلنت عنه وسائل إعلام مقربة من النظام السوري، في فترات متفرقة، بينها صحيفة “الوطن” شبه الرسمية.

“بين خطرين”

ومع ضعف قدرتها العسكرية مقارنه مع قوة الجيش التركي، تنحصر خيارات “قسد” في إبعاد التهديدات التي تتعرض لها بتفاهماتٍ مع النظام السوري وروسيا، على الخصوص.

ويرى الباحث المساعد في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، أن “قسد” لا تقدم “تنازلات مجانية”، بالاتفاق مع النظام السوري، بقدر “ما هي محاولة من جانبها للموازنة بين الخطر التركي، وخطر النظام عليها”.

ويقول الباحث لـ”السورية.نت”، إن “قسد تعتبر الخطر التركي وجودي، بينما النظام فهناك وسيط روسي يسعى لتحقيق التفاهمات”.

ويوضح شيخ علي، أنه وفي حال حصلت عملية عسكرية تركية جديدة “من غير المتوقع أن يحصل شيء مختلف عن العمليات السابقة”، مشيراً: “بذات الطريقة، وربما ستسمح قسد لدخول جزء من قوات النظام إلى مناطقها كحرس حدود”.

وهناك خيار آخر هو “الدخول في الحرب والمقاومة”، إضافة إلى آخر يتعلق بمنطقة تل رفعت على الخصوص.

ووفق الباحث: “في هذه المنطقة لا أعتقد أن قسد ستسلم المناطق كلياً للنظام، لكنها قد تنسق مع الميليشيات الإيرانية المتمركزة في المحيط. هذه الميليشيات قد تدخل على الخط، وتنتشر على خطوط التماس”.

لماذا النظام بالتحديد؟

على مدى السنوات الماضية، أسدل الستار عن الكثير من عمليات التواصل والحوار، بين النظام السوري و”قسد” عبر ذراعها السياسي “مجلس سوريا الديمقراطية”.

ولم تفض اللقاءات بين الجانبين حتى الآن، إلى نقاط وقواسم مشتركة، حيث يصر النظام على موقفه باعتبار “قسد” منظمة “انفصالية” تتعاون مع “العدو الأمريكي”.

وبالتوازي مع ما سبق، بدا الموقف الروسي وكأنه أقل حدة، حيث أنه ومنذ عام 2019 لم يتجه الروس للتصريح بكلمات مضادة لـ”قسد”، وعلى العكس ناوروا أكثر من مرة، مؤكدين نيتهم ومساعيهم على ضرورة دمجها ضمن “الجيش السوري”.

وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، صرح في 17 يونيو/حزيران الحالي، أن موسكو تحاول إقناع القوى الكردية السورية، بالتسوية مع النظام، وإعادة وحدة الأراضي السورية، ودمج “قوات سوريا الديمقراطية” في صفوف “الجيش السوري”.

وقبله بأيام اعتبرت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن ضمان الأمن على طول الحدود السورية – التركية، يكمن بـ”انتشار قوات الأمن السورية”.

من جهتها ردت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مسد”، إلهام أحمد، على الدعوة الروسية لدمج “قسد” بـ”الجيش السوري”، بقولها الأحد الماضي، إنه و”بدلاً من الهجوم على هذه القوات (قسد) الأجدر أن يتم الحديث عن كيفية الحل السياسي، وبالتالي دمجها مع الجيش السوري في آليات معينة هو الحل الصحيح، في ظل تشتت قوات النظام الضمني”.

وأضافت أنه “من الأجدر الوصول إلى حل صحيح”، معتبرة أن “قسد”، تحولت لـ “رقم صعب لا يمكن تجاوزه”.

و”تدرك قسد في الوقت الحالي بجميع أجنحتها أن النظام لم يقدم لها شيء، وأنه يسعى للسيطرة على المنطقة كلياً، ولا يقبل بوجودها بالكيان القائم حالياً ولا بالإدارة الذاتية”، وفق الباحث أسامة شيخ علي.

ويضيف:”النظام شروطه واضحة. أعلى سقف يمكن أن يوافق عليه هو القانون 107 للإدارة المحلية، وأن يتم دمج قسد بالجيش السوري دون أي وضع خاص. إما فيلق مثل ما حصل في درعا أو بشكل منفرد ضمن صفوف الجيش”.

من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم كابان، أن “التحركات التركية في مجملها تعتبر دافعاً أساسياً لقسد للبحث عن حليف آخر لمواجهة التهديد”، في إشارة منه للنظام وروسيا.

ويقول لـ”السورية.نت”، إنه و”عند النظر للوضع السوري، أعتقد أن الأقرب بالنسبة لقسد هو قوات النظام السوري. غير ذلك لمن ستلجأ؟”.

ويضيف كابان أن مشهد عام 2019 يتكرر بذات التفاصيل في الوقت الحالي، معتبراً أن “تركيا هي التي تضغط باتجاه عقد الاتفاق بين قسد والأسد، من أجل دفع ثمن هو انتشار قوات الأخير على الحدود”.

“عدو عدوك سيبقى صديقك” هي عبارة يمكن أن تلخص ما يجري بين النظام و”قسد”، بحسب كابان.

وفيما يتعلق بالروس، يتابع ذات المتحدث، أن لجوء “قسد” للنظام وروسيا في الوقت الحالي، خاصة في مناطق غرب الفرات”حالة مشروعة على المستوى العسكري”.

هل من أوراق قوة؟

ولا توجد مؤشرات تتعلق بتوقيت العملية التي تهدد بها تركيا في الوقت الحالي، بينما تتباين مواقف الدول حول ذلك.

وكانت واشنطن قد اعتبرت أن العملية العسكرية التي تتوعد بها تركيا “ستهدد استقرار المنطقة”.

في المقابل أبدت روسيا أكثر من موقف، دون أن تحسم بـ”الرفض أو القبول”، في حين أكدت إيران رفضها لأي تحرك عسكري يهدد “وحدة الأراضي السورية”، وأن “الملف السوري” بات نقطة خلافية بين طهران وأنقرة.

أما “قسد” الطرف المستهدف من كل ما سبق، فما تزال تواصل القول بأن أي تهديد ستتعرض له من شأنه أن ينعكس على “الحرب التي تخضوها ضد تنظيم داعش”، والتي يدعمها التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ويقول الباحث أسامة شيخ علي إن “قسد” تُمسك بورقة قوة في شرق الفرات، هي “الحماية الأمريكية”.

وفي حال غادرت الولايات المتحدة، يضيف الباحث: “ستلعب بورقة داعش، وربما إحيائه وأن هناك عدد كبير من المعتقلين وخاصة الأجانب”.

وعلاوة على ذلك هناك “قوة عسكرية لقسد لا يمكن الاستهانة بها، حيث لديها آلاف المقاتلين مع أسلحتهم، وإذا ماقررت المضي في المقاومة، فربما نشهد معارك قوية في المنطقة”.

ويرى شيخ علي أن أي عملية عسكرية في شرق الفرات “سيكون من الصعب إطلاقها حالياً”، مستبعداً أن يتكرر سيناريو “نبع السلام”.

وذلك ما يخالف المشهد الذي قد يكون عليه غرب الفرات، بحسب الباحث الذي يوضح أن العملية التركية فيه ستكون “حتمية”، وهو الأمر الذي تشير إليه ديناميات السياسة التركية، والفترة التي تستبق الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها صيف 2023.

في المقابل يقرأ المحلل السياسي إبراهيم كابان بصورة مختلفة، حيث يقول إن “معظم المجموعات المسلحة، سوءاً قسد أو المعارضة أو النظام لم يعد بيدها القرار المركزي”.

ويعتبر أن “الأمر بيد التحالف الدولي وأمريكا وروسيا في الوقت الحالي”.

ورغم ما سبق لم يستبعد كابان الورقة التي تملكها “قسد” بالاتفاق مع النظام السوري، مشيراً: “هذا الأمر حقيقة، لكن المصلحة لمن ستكون؟ ومن المستفيد من عقد هذا الاتفاق؟”.

——————————-

منظمات سورية في تركيا تصدر بياناً إلى الرأي العام التركي حول عودة اللاجئين

أصدرت مجموعة من منظمات المجتمع المدني السوري في تركيا اليوم الثلاثاء بياناً مشتركاً موجهاً إلى الرأي العام التركي حول وجود اللاجئين السوريين في تركيا ومساعي عودتهم إلى بلادهم.

وقُرئ البيان باللغة التركية أمام كاميرات الإعلام التركي من داخل فندق (Akgün) بمدينة إسطنبول، حيث وقع على البيان أكثر من 200 منظمة وجمعية سورية. وفق ما صرح منسق العلاقات العامة لـ “منبر منظمات المجتمع المدني” صالح عكيدي لموقع تلفزيون سوريا.

وقال العكيدي إن البيان خرج بعد عدة ورشات حضرها ممثلون عن منظمات المجتمع المدني السوري في تركيا. مبيناً أن البيان كان موجهاً إلى الرأي العام التركي، ومستنداً إلى الجدال التركي التركي الذي يحصل أخيراً حول اللاجئين السوريين.

الدعوة إلى عدم استخدام اللاجئين كورقة انتخابية

ونص البيان على أن “تركيا استقبلت منذ عام 2011 أكثر من 3.6 ملايين لاجئ سوري، خضعوا لقانون الأجانب والحماية المؤقتة منذ عام 2014، وأخيراً، بدأت بعض الأطراف السياسية باستخدام ملف الوجود السوري كأحد الملفات الانتخابية، وانتشرت معها موجة من التصريحات والإشاعات والمعلومات المغلوطة حول اللاجئين السوريين في تركيا ساهمت في زيادة التوتر الشعبي في الداخل التركي باتجاه الأجانب عموماً والسوريين خصوصاً”.

وقال الموقعون على البيان “إننا في منظمات المجتمع المدنيّ السوري، وانطلاقاً من انتمائنا للحالة السورية، وارتباطنا العضوي بهموم السوريين وقضاياهم، وحرصنا على أمن ورفاه الدولة التركية فإننا نؤكد على التمسك بالتاريخ والثقافة المشتركة بين الشعبين السوري والتركي وقيم التعاون وحسن الجوار، والالتزام بسياسة النأي بالنفس تجاه القضايا الداخلية في تركيا، والدعوة إلى إبعاد ملف اللاجئين عن التسييس والاستقطاب السياسي، ورفض استخدامه كورقة انتخابية، وندعو إلى التعامل معه انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان وثقافة الشعب التركي السمحة”.

العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين

وشدد البيان على “تمسك السوريين بحق العودة إلى سوريا فور توفر الظروف الآمنة والملائمة لذلك أمنياً وسياسياً، وبما يتوافق مع رؤية المجتمع الدولي ضمن القرار الأممي 2254 وتحت رعايته، حيث إن السوريين لا يزالون مصرين على مطالبهم ويتحملون من أجلها أصعب الظروف احتراماً للتضحيات التي قُدمت ولدماء أكثر من مليون شهيد بُذلت في سبيل مقاومة الطغيان وبناء وطن قائم على قيم الحرية والعدالة والكرامة”.

وأكد على “دعم أي مساع لعودة السوريين، عند توفير الظروف الآمنة والملائمة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية لعودة اللاجئين إلى سوريا بشكل مستدام، بما في ذلك التوصل إلى حل سياسي تتوافق عليه الدول المعنية بالعملية السورية، وتتم من خلاله توفير البيئة الأمنة والملائمة التي يتحقق فيها العدل والأمان المستدام؛ النفسي والاقتصادي والأمني، وتضمن فيه سلامة واستقرار العائدين في أرواحهم وصحتهم وأموالهم، وعلى عودة السوريين إلى قراهم ومدنهم التي أُخرجوا منها سواء نتيجة القصف والعمليات الأمنية والعسكرية”.

وأشار البيان إلى جاهزية منظمات المجتمع المدني السوري للمبادرة مع أي جهة، وتقديم تصورات حقيقية تعكس تطلعات السوريين ورغباتهم، وتساهم في بناء المجتمع السوري مجدداً بجميع جوانبه، لأجل النهوض بمستقبل سوريا لتكون بلداً مستقراً، وآمناً لشعبه، ولجواره، وللعالم.

وأوضحت المنظمات الموقعة أنها تدرك أن السوريين سيبادرون للعودة بشكل طوعي ذاتي إذا ما توفرت لهم الظروف السياسية والبيئة الآمنة وظروف الحياة الكريمة، لأنهم متمسكون بأرضهم. أما إعادة اللاجئين إلى سوريا أو حتى مناطق الشمال، قبل الوصول إلى حل جذري للمشكلة التي تسببت في أزمة اللجوء، ما هو إلا ترحيل للمشكلات حيث سيصبح حلها أصعب وأكثر تعقيداً وأقل جدوى في المستقبل.

ودعت المنظمات الموقعة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته السياسية والإنسانية والأخلاقية، والمشاركة بشكل حقيقي في إنهاء الأزمة التي أدت إلى خروج اللاجئين أول مرة من بيوتهم ومدنهم وقراهم والتي قطعاً لم تكن باختيارهم، ولكن كانت بسبب البراميل المتفجرة والقصف بكل أنواع الأسلحة حتى المحرمة منها دوليا.

“البيان جاء رداً على خطاب الكراهية”

وفي السياق، قال منسق العلاقات العامة لـ “منبر منظمات المجتمع المدني” صالح عكيدي لموقع تلفزيون سوريا إن “البيان لم يكن اعتباطياً، وبذلنا جهداً ليكون متوازناً، والنقطة الأهم أن البيان مبني على خطاب الكراهية في تركيا الذي بدأ يزداد مع الأسف نتيجة المعلومات الزائفة التي تتداولها بعض الأطراف بشكل مدروس، وفي بعض الحالات يتم إنتاجه أيضاً”.

وأضاف أن كل نقطة أو رسالة في البيان هي فعلياً جواب على إحدى النقاط التي يستند عليها الخطاب السلبي تجاه السوريين في تركيا، فمثلاً رسالة التأكيد على التمسك بحق العودة تأتي في سياق الفكرة الخاطئة عند الأتراك والتي تفيد بأن “السوريين جاؤوا طمعاً ببلادهم وأرضهم أو أن السوريين محتلون صامتون” مثلما يدعي بعض السياسيين الأتراك.

وأكد عكيدي أن البيان صدر باسم أكثر من 200 منظمة وجمعية سورية، و”منبر منظمات المجتمع المدني السوري” كان جهة راعية ومنظمة فقط للحدث. مضيفاً أن “المميز بهذا البيان أن الموقعين عليه هم من منظمات وهيئات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والتكتلات السورية، من مختلف الخلفيات الإيديولوجية والإثنية، لأن الرسالة الموجودة في البيان هدفها وطني جامع بعيداً عن كل الخلافات، لأن جميعنا ضحايا العنصرية والكراهية والتمييز السلبي، لذلك رأينا أن الحل يكمن بالتمسك في الرسائل الوطنية الجامعة”.

دعوة إلى السوريين

واعتبر عكيدي أن “الحل الوحيد اليوم في ظل ضبابية المستقبل في سوريا، وفي ظل الضغوطات التي تواجه السوريين منذ أكثر من 10 سنوات، هو توسيع وتكثيف الحوار وزيادة التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات السورية، والتغاضي عن الخلافات التي من الممكن أن نعتبرها غير مهمة أمام حجم التحديات التي تواجهنا وستواجهنا مستقبلاً، ونحن مطالبون كمجتمعات في المغترب بالتنسيق وتكثيف الجهود التي من الممكن أن تنتج فائدة لسوريا في المستقبل”.

وفي رسالة وجهها إلى المجتمع السوري، قال عكيدي إن “خطاب العنصرية في تركيا حالياً ناتج عن ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية أدت إلى أن يكون لهذا الخطاب صدى، لكنه ليس صادراً عن جزء كبير من المجتمع التركي، بغض النظر عن الانتشار الذي وصل إليه، فهناك أطراف نجحت إلى حد ما بسبب تغيرات الظروف بسحب الرأي العام التركي باتجاهها.

واعتبر عكيدي أن “الطريقة الوحيدة لمواجهة الخطاب العنصري هو تكثيف التواصل مع الشعب التركي على مستوى الأفراد والمؤسسات”. داعياً السوريين في تركيا إلى “ألا يتأثروا بهذا الخطاب المرحلين لأن التأثر به يخدم العنصريين”.

——————————-

أوكرانيا تزيد الخلافات الروسية التركية.. تحالف وهمي؟/ رامز الحمصي

رغم الادعاءات بأن الحلف الروسي-التركي بات يمكن وصفه بالاستراتيجي بعد عدة محطات خلاف واتفاق بين الطرفين في عدة ملفات، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا كشف حقيقة هذا التحالف “الوهمي” الذي أسقطته بشكل واضح طائرات الدرون التركية، التي وردتها أنقرة إلى كييف خلال مواجهتها للغزو الروسي.

التوريدات التركية إلى كييف ليست بالجديدة، ولا حتى أثرها الفعال ضد الهجمات الروسي أمر طارئ في عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، إلا أن ادعاءات روسية مؤخرا زعمت أنها طورت دفاعاتها الجوية حتى يتسنى لها التصدي للغارات التي تعرقل تقدمها ومطامعها في أوكرانيا، لكن استهداف أوكرانيا للسفينة الروسية من طراز “سيرنا”، يؤكد فشل موسكو في تطوير استراتيجيتها الحربية.

طائرات الدرون التركية، كشفت عن الحجم الحقيقي للتفاهمات الروسية-التركية في ملفات المنطقة الإقليمية، وكذلك الملفات الدولية، ما يعني أن استمرار تزويد تركيا للأوكرانيين بطائرات الدرون هو تحدي للروس، وعدم اكتراث بهذا التحالف الذي يعتبره مراقبون تحالفا وهميا، لا سيما وأن أنقرة تلتفت لمصالحها بشكل كامل ولا تعير الروس أي اهتمام أو قيمة، ما يعني أن الرفض التركي لدخول فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” لا علاقة له بروسيا، وإنما يصب فقط في خانة تحقيق المصالح التركية الخالصة. فهل ستقضي طائرات الدرون على ما تبقى من خطوط التفاهم والتواصل بين الروس والأتراك؟

روسيا ليست صديقة

يبدو أن الدرونز التركية باتت رمزا للمقاومة الأوكرانية، فالدور الذي تؤديه طائرات الدرونز التركية من نوع “بيرقدار”، قلب المعادلة العسكرية لصالح الأوكرانيين في الحرب الدائرة على أراضيهم، والتي بدأتها روسيا رسميا في 24 شباط/فبراير الماضي.

يقول المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، إنه بالنسبة لتركيا، روسيا هي العدو، مشيرا إلى وجود خلافات وتنافس عميق.

ويضيف موخين، أن تصويت تركيا في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي، وبالرغم من أنها لم توافق على الانضمام إلى عقوبات “الناتو” والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، إلا أن ذلك أظهر جليا علاقة المصلحة التي تتبعها تركيا مع جميع الدول، فسواء في حلفها الأزلي مع الغرب، أو الحلف الجديد مع روسيا والذي لم ترتسم له أطر ليطلق عليه اسم حلف، إنما يندرج تحت مسمى علاقات متبادلة.

وفي الحالة الأوكرانية، يشير موخين إلى أن تركيا اتبعت ما كانت تفعله سابقا، فهي تقسم خلافاتها السياسية عن خلافاتها الاقتصادية، حيث استمر موقف تركيا مع روسيا بعد اندلاع الغزو على نفس النمط. فمن الناحية السياسية، أعلنت أنقرة أن الغزو الروسي لأوكرانيا أمر غير مقبول، ولم تعترف قط بالاستيلاء الروسي على شبه جزيرة القرم ودونباس في عام 2014.

ولكن على الصعيد الاقتصادي، فتركيا فضلت مصلحتها على الحلف الذي أمدها بالسلاح، فسعت تركيا إلى شراكة واضحة مع أوكرانيا، حيث وقع البلدان اتفاقية تعاون عسكري واتفاقيات تجارة حرة واتفاقية إنتاج مشترك لتصنيع طائرات تركية بدون طيار، والتي تسببت بخسائر كبيرة للجيش الروسي وأعاقت خطط تقدمه نوعا ما.

شوكة الدرونز التركية

أثبتت “بيرقدار” الطائرة بدون طيار، وهي إحدى الصادرات العسكرية التركية الرائدة، أنها لا تقدر بثمن بالنسبة للقوات المسلحة الأوكرانية التي تفوقت بسببها في الدفاع ضد الغزو الروسي الذي بدأ في 24 شباط/فبراير الفائت.

الباحث في موقع “جي إف بي” المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن روسيا تعتبر أجهزة “تي في تو” الخاصة بطائرات بيرقدار على وجه الخصوص سلاحا وتكنولوجيا ذات قدرة تنافسية عالية، ليس فقط في الفضاء السوفييتي، ولكن في سوق المركبات الجوية العالمية.

ولذلك وبحسب معلوف، يشعر الروس بالقلق من اختراق “بيرقدار” للفضاء السوفييتي، والقوقاز وآسيا الوسطى والآن أوكرانيا.

وبينما تلقت أنقرة إشادة من واشنطن بسبب دعمها لأوكرانيا، يتوقع معلوف، تغييرا طفيفا في موقف موسكو تجاه تركيا، مضيفا أن “أحد الجوانب هو أن تركيا باتت تعد لدى موسكو أنها دولة معادية ولم تعد حليفا، بل أصبحت خصما، لذا، ترى روسيا أنه يجب أن يتعامل معها على هذا النحو”.

ويشير معلوف، إلى أنه تاريخيا، تتمتع تركيا وروسيا بسجل حافل في عداوة بعضهما البعض، وعلى الأخص عندما شهدت المناورات الجيوستراتيجية المتضاربة لروسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية قتالهما في أكثر من 10 مناسبات من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. وفي بداية الحرب الباردة، دفع انضمام تركيا إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) واستضافة صواريخ أميركية، لأن تكون مصدر رئيسي للقلق السوفييتي، ورغم إزالتها لا تعد روسيا إلى الآن أنقرة كحليف استراتيجي حتى ولو اتفقا في بعض الملفات الإقليمية.

الأعمال الدراماتيكية التي تعرض لها الجيش الروسي في أوكرانيا، بما في ذلك القصف عالي السرعة الذي نفذته طائرات بدون طيار من طراز “بيرقدار”، والتي أغرقت زورقي دورية ومركبة هبوط تحمل نظام صواريخ أرض – جو روسي، ثم تدمير مروحية من طراز “إم أي 8” أثناء إنزالها لقوات على الجزر الأوكرانية، تسببت بأن تكون للروس الشغل الشاغل لإنهائها.

ويبيّن معلوف، أن روسيا لا تنكر أنها تكره الطائرات بدون طيار التي زودتها تركيا لأوكرانيا، ويبدو ذلك واضحا من الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام الروسية التي تدعي إسقاط عدد ضخم من طائرات “بيرقدار” التركية، حتى أنها زيّفت عدة مرات أخبارا من خلال إعادة ترتيب الحطام ذات الطائرة كصور لطائرة جديدة.

الجدير ذكره، أن تركيا تتمتع بعلاقات اقتصادية أكثر شمولا مع أوكرانيا، حيث تشكل الأخيرة 15 بالمئة من واردات القمح البالغة الأهمية لتركيا، مما يجعلها ثاني أكبر مزود لتركيا من القمح، كما قضى نحو مليوني أوكراني عطلاتهم في تركيا العام الماضي، مما يجعلهم ثالث أكبر مصدر للسياحة في تركيا.

وعليه يؤكد المختصين الذين استطلع آراءهم “الحل نت”، أن المصالح الاقتصادية الطويلة الأمد لتركيا في أوكرانيا، تعني أنها لا ترى أي مكسب في سيطرة روسيا على البلاد، وهذا يفسر سبب رغبة تركيا في دعم أوكرانيا، حتى لو أدى ذلك إلى تنفير روسيا.

——————————

استعادة سوريا وسط الحرائق/ صبا مدور

لم يأتِ ذكر سوريا ضمن أجندة الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة أواسط تموز/يوليو، لكن كل النقاشات التي يريد خوضها لن تتخطى سوريا، ففيها يدور الصراع بين إيران وإسرائيل، وفيها تستقر روسيا التي باتت تتعامل مع الوجود الأميركي المحدود هناك، كعنصر ضغط على واشنطن في الملف الأوكراني، وفي شمالها تحتاج الولايات المتحدة إلى ترتيبات تمنع أن تكون قواتها وسط معركة متوقعة بين حلفائها الأكراد وبين القوات التركية المتحفزة لبدء عمليتها المعلنة لإقامة شريط أمني عازل.

تجاهلت الولايات المتحدة طويلا مصير سوريا، بل أنها في لحظة غير مفهومة، لم تعارض وجودا روسيا ثابتا هناك، وكان ذلك في زمن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي كان تخطى قبل ذلك خطوطه الحمر، وكان معه نائبه آنذاك جو بايدن ذاته، فسمحا لموسكو أن تدعم بقاء الأسد الموشك في حينه على الهزيمة أمام المعارضة، ولم يكترثا من قبل ومن بعد بالتغول الإيراني، ولا بالجرائم التي ارتكبها الجميع ضد الشعب السوري.

وهو يهرع إلى المنطقة، يقول بايدن إن الأمن القومي لإسرائيل هو سبب أساسي لزيارته، وفيما ينفي أن يكون الأمر مرتبط بسعيه الفاشل حتى اللحظة لانخراط السعودية في حملته ضد روسيا وزيادة انتاجها من النفط لخفض الأسعار، فهو يصر على أنه مهتم بحضور اجتماع قمة موسع في السعودية يشمل دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق، ويضيف أن الأمر يتعلق بقضايا أكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة.

لا شيء يدعو للشك بحديث بايدن، لكن وجوده في هذه القمة المنتظرة، وفي سياق صراع واضح المعالم مع روسيا والصين يشارك فيه الغرب بقوة وحماسة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، وفي خضم فشل محتمل لمساعي العودة للاتفاق النووي مع إيران، وصراع خشن للأخيرة مع إسرائيل، وتهديدات بحرب شاملة، وبناء تحالف دفاعي يضم إسرائيل ودول عربية بقيادة أميركية، كل ذلك يجعل وجود بايدن مهما لما يتجاوز بكثير زيارة المجاملة أو ترطيب الأجواء مع الرياض الغاضبة من مواقفه، أو التأكيد على دعم تقليدي لا يحتاج لإعادة تأكيد لحليفه الإسرائيلي.

ولكن أين سوريا في هذه الخارطة المعقدة؟ وهل يمكن أن نشهد متغيرات تعيد بناء المقاربات الأميركية التي يبدو أنها تعود للمنطقة بعدما وضعتها إدارة بايدن من قبل في ذيل قائمة أولوياتها؟

الرؤية الأميركية حول سوريا، لم تنفصل في أي وقت عن نظيرتها الإسرائيلية، ومن الناحية الواقعية، لم يصدر عن إسرائيل الرسمية ولا عن أي من مراكز دراساتها أو سياسييها ما يشير إلى رغبة او حاجة لإسقاط الأسد، وربما كان العكس هو الصحيح، فالثورة السورية أربكت الحسابات الإسرائيلية التي كانت معتادة على قواعد لعبة ثابتة ومريحة مع النظام السوري طوال ال50 عاما الماضية، ولذلك فما تسرب من مقاربات إسرائيلية كان يتعلق بمنع الوجود الإيراني في سوريا من تهديد الأمن الاسرائيلي، وهو ما كان جزءا من تفاهمات مع روسيا التي كانت تسيطر على الأجواء السورية، وعلى قواعد عسكرية في جنوب وجنوب غرب البلاد تمنح إسرائيل بعض الهدوء.

لكن القواعد تبدلت بعد اضطرار روسيا لإخلاء قواعدها في وسط سوريا تحت ضغط الحرب الأوكرانية. من ناحية وجدت إسرائيل في ذلك فرصة كي تستخدم طائراتها في قصف ما تراه مهددا لها، خارج القيود التي كانت روسيا وضعتها من قبل، لكنها ايضا أدركت ان في الأمر مخاطر كبيرة، بعدما ملأت إيران فراغات الانسحاب الروسي، وبدأت فعليا، حسب تصريحات إسرائيلية، بإرسال صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة إلى مواقع يمكن أن تطال منها أجزاء واسعة من فلسطين المحتلة، وكان قصف مطار دمشق في العاشر من حزيران/يونيو هو أحد تداعيات القرار الإسرائيلي لمنع ذلك.

هنا، لم يعد الهدف الإسرائيلي يقتصر على إبعاد إيران عن مناطق التهديد المحتمل، بل خروجها الكامل من سوريا، وهذه المقاربة، تشمل جميع الميليشيات المدعومة إيرانيا بما فيها حزب الله اللبناني، لا سيما وأن نظام الأسد لم يعد يواجه تهديدا عسكريا حقيقيا، وصار ممكنا أن تتولى دول عربية طبعت علاقاتها معه ومع إسرائيل في نفس الوقت تقريبا، أن تبادر إلى إعادة ادماجه في المحيط العربي، وربما تطرح مقاربات سياسية جديدة لحل الأزمة السورية بشكل يتلاءم نسبيا مع القرارات الدولية.

هذه الرؤية الخاصة بسوريا، هي جزء متصل بقوة بالهدف المعلن من التحالف العربي الإسرائيلي الجديد لمواجهة إيران، وفي جوهر مباحثات بايدن المرتقبة مع زعماء المنطقة، على اعتبار أنه من العبث البحث عن مقاربات لإنجاح هذا التحالف بدون التعامل مع القضية السورية.

المشكلة هنا، أن سوريا ستعود كما كانت من قبل، مجرد جسر لخدمة آخرين، إيرانيون كانوا أم إسرائيليون أم أميركيون أم روس… الخ، أما الشعب السوري وحقوقه، ومصير الملايين من معتقليه ومشرديه لاجئين ونازحين، وهدف العدالة والقصاص من المجرمين، وبناء أسس انتقالية سليمة لحكم رشيد دون الأسد ونظامه، كل ذلك سيكون مجرد تفاصيل غائبة لخدمة الهدف الأساس المتمثل بحماية أمن إسرائيل.

وفي كل الحالات فهذه الرؤية، ما زالت في بدايتها، وما زال هناك الكثير مما يمكن أن يحصل بين الطرفين المتنازعين على الأرض السورية، لاسيما وأن إيران تدرك أن مهمتها لم تعد حماية الأسد، بل الاستفادة من سيطرتها على سوريا، لفرض نفوذها في المنطقة كلاعب رئيسي، مستفيدة بالطبع من الانسحاب الجزئي لروسيا، التي كثيرا ما كانت تعوق الأهداف الإيرانية.

ندرك أن سوريا ستكون في قلب المتغيرات الجوهرية وربما العنيفة الممكنة في المنطقة، لكن ما يعني الشعب السوري هو البحث عن فرصة وسط هذه المعسكرات والمحاور المتقابلة، ليستعيد حقوقه، ويحقق العدالة المفقودة. وما يهمنا ألا تمضي هذه المعادلات الجديدة أيا كانت على حساب السوريين من جديد، وحقوقهم بالحرية والكرامة واستعادة بلدهم من خاطفيه، ومن يدري فقد تتكفل حرائق المتصارعين بذلك؟

المدن

—————————–

========================

تحديث 26 حزيران 2022

—————————

«سوريون إلى أراضٍ سورية»/ هشام حاج محمد

يُفترض أن يكون لكل سوريٍّ لاجئ بيتٌ في سوريا هُجِّر أو أُخرج منه، ويمكنه العودة إليه متى توفرت ظروفٌ مناسبةٌ للعودة. لكن واقع الحال ليس كذلك بفعل عوامل عدة أهمها الدمار الهائل الذي لحق بالمدن والبلدات والقرى السورية، وأيضاً بفعل الزيادة العددية الطبيعية للاجئين خارج سوريا، والناتجة عن استمرار نشوء علاقات الزواج وتكوين عائلاتٍ وولاداتٍ لم تكن يوماً في سوريا. ولأنّ النمو العمراني بشكله الطبيعي في سوريا أُصيب بالجمود نتيجة سياسات النظام الاقتصادية والعسكرية، التي دمرت الاقتصاد السوري وشلّت قدرة التعافي العمراني الذاتي للمجتمع، كانت النتيجة أن سوريا بوضعها الحالي غير جاهزةٍ لاستقبال أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين الذين قد يفكرون بالعودة، أو تدفعهم للعودة سياساتُ ترحيلٍ قسرية من بلدان لجوئهم على شكل دفعاتٍ كبيرة وفي زمنٍ قصيرٍ نسبياً.

لكي يعود إلى سوريا، يحتاج اللاجئ السوري عوامل أمنية واقتصادية، لكنّ توفر المسكن من أهم الشروط الأساسية للعودة. قد يمكن لعمليات إعادة الإعمار والترميم، بالإضافة لاستئناف النمو العمراني الطبيعي عبر مشاريع الإسكان المتوافقة مع الزيادة السكانية، أن تؤمّن متطلب المسكن اللازم للعودة. هذا ونتحدث هنا في العموم، ومع افتراض وجود ظروفٍ سياسيةٍ مناسبةٍ للعودة، وهي ما لم تتوفر حتى الآن. ما لدينا في الواقع هي مناطق سورية منفصلة (دواخل)، لكلٍّ منها ظروفٌ مختلفةٌ وإمكانياتٌ وشروطُ عودة لاجئين خاصة (مناطق سيطرة النظام، مناطق سيطرة الجيش الوطني، مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، الجولان).

نظرياً، للمناطق التي يسيطر عليها النظام قدرةٌ أكبر على استقبال اللاجئين العائدين من خارج سوريا، بحكم فرق المساحة الكبير بالمقارنة مع بقية المناطق الخارجة عن سيطرته، لأن ما يسيطر عليه النظام من مساحات يحتوي على أهم المراكز الحضرية  السورية والتجمعات المدنية الكبرى. لكن، في الواقع، تمتلك المناطق الخارجة عن سيطرته قدرة أكبر على استقبال اللاجئين السوريين وإسكانهم، وذلك لعدم وجود عوائق سياسية-أمنية تفرضها السلطة القائمة على عموم الناس للعودة بالمقارنة مع مناطق سيطرة النظام، بل يمكن قول إن عودة اللاجئين متاحةٌ بشكلٍ شبه حصري في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، وخاصةً في مناطق الشمال الخاضعة للسيطرة التركية. لا ترفض هذه المنطقة عودة اللاجئين السوريين إليها ولا تمنعها (بل ويوجد فيها لاجئون عراقيون)؛ لكنها لا توفّر، في الوقت الحالي، شروط العودة الأمنية والاقتصادية. ورغم أنها أصبحت منطقة آمنة نسبياً من هجمات النظام الجوية والمدفعية في السنة الأخيرة، إلا أنها ليست آمنة بالشكل الذي يسمح بتحوّلها إلى منطقة جذبٍ للسوريين خارج سوريا للإقامة فيها، بالإضافة إلى كونها ممثلة سياسياً من قبل جهات غير مُعترَفٍ بها في الأمم المتحدة كسلطة شرعية.

إذاً، مع غياب الشروط الأمنية والاقتصادية، وبانتفاء الجهة الحاكمة المعترف بها أممياً، لا تحقق مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة النظام في وضعها الراهن معاييرَ السلامة التي قد تسمح لدول اللجوء السوري أن تعتبرها فعلاً منطقةً آمنةً يمكن التخطيط لإرسال السوريين إليها، عدا ما تنويه تركيا في هذا الخصوص.

وينبغي قبل أيّ شيء توضيح نقطة مهمة، وهي أن عملية إسكان السوريين داخل سوريا لا يمكن أن تسمى عودة  لاجئين، بل تحمل معنىً تقنياً: إسكان سوريين داخل سوريا. وهذه حالة غير طبيعية وتحتاج إجراءاتٍ استثنائيةً لتأمين إمكانية تحقيقها، مثل مشاريع الإسكان الكبيرة، وذلك لأن المنطقة بما هو متوفر فيها حالياً غير قادرةٍ على استيعاب أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين. وهي تحتوي في الأصل على مئات المخيمات التي مازالت تنتظر عمليات إعادة إسكان قاطنيها في بيوتٍ اسمنتية.

وفي حين تتشارك جميع دول الجوار السوري الرغبةَ بإعادة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها إلى سوريا، تنفرد تركيا بالتخطيط لعملية الإعادة، وذلك عبر الإعلان عن خُططٍ لمشاريع إسكان تستوعب أعداداً كبيرة (مليون وأكثر) من السوريين الموجودين على أراضيها. ومن غير الواضح بعد من هم المستهدفون -بالدرجة الأولى- من الخطة التركية لإعادتهم إلى سوريا، عدا تفاصيل نشرتها صحف تركية غير رسمية عن خطةٍ من ثمان مراحل، وتُظهر استهداف السوريين المقيمين في المدن التركية الكبرى. ورغم عدم رسميةِ هذا التوجه، إلا إن عمليات الترحيل القسرية والمتصاعدة للسوريين من المدن الكبرى، لا من المخيمات على الحدود التركية، قد تُنبئ برسمية هذا التوجه.

ومن الجلي أن الخطة التركية، بما تَعِدُ به من مشاريع إسكانية ضخمة، لا تستهدف السوريين المنحدرين من الشمال المحرر لإعادتهم، بل اللاجئين السوريين من مناطق سورية أخرى تقع تحت سيطرة النظام. ومن المستبعد أن تستهدف الخطةُ اللاجئين السوريين الذي ينحدرون من المناطق التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، أو ربما ستهدف إلى توطين عددٍ منهم في المنطقة المسيطر عليها خلال عملية «نبع السلام»  في محافظتي الرقة والحسكة.

من المؤكد أن عمليات الإسكان هذه لن تكون اعتباطية، وستخضع لاعتباراتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ تركية غير معروفةٍ بعد. ولكن قد يكون واقع الحال في المجمّعات السكنية التي شُيّدت حتى الآن، وتم الاستيلاء على حصصٍ كبيرةٍ منها لصالح عوائل المقاتلين في الجيش الوطني بمختلف التشكيلات التي تتبع له، والذي يتبع بدوره لتركيا، مفيداً للتنبؤ بها.

تعريف بالخطة التركية

صدرت التصريحات الرسمية التي أخبرتنا بالخطة التركية لإعادة مليون من اللاجئين السوريين الذي يعيشون في تركيا إلى الداخل السوري «طوعاً» عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ووفق تصريحه، تهدف هذه الخطة لبناء مجمعاتٍ سكنيةٍ في 13 منطقة داخل سوريا، تضم 200 ألف وحدةٍ سكنية، تمّ فعلياً تشييد 60 ألفٍ منها بواسطة منظمات تركية ودولية، عملت بالتنسيق مع المجالس المحلية السورية في المناطق  الخاضعة للنفوذ التركي.

لكنّ هناك ما هو مختلفٌ في تصريحاتٍ صدرت عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو من داخل سوريا، أثناء حفل افتتاح وحداتٍ سكنيةٍ شُيّدت في مخيم الكمونة قرب الحدود التركية، حيث قال إن هناك خطة لبناء 100 ألف وحدة سكنية، تم تشييد حوالي 60 ألف منها. ويبدو، بحكم أن المستفيدين من هذه المساكن هم من سكان المخيمات داخل سوريا، أنّه لا علاقة بين الرقمين 100 ألف و200 ألف وحدة سكنية في كلا التصريحين، وكذلك لا علاقة لتصريح صويلو بخطة إعادة المليون من تركيا التي تحدث عنها أردوغان. إنّ إعادة مليون لاجئ تتطلّب ما هو أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، وقد تتطلب ضعف هذا العدد أو أكثر، ذلك على اعتبار أن متوسط عدد أفراد العائلة المستفيدة هو 5 أشخاص.

ربما تريد تركيا من هذا الخلط في التصريحات بين الوحدات السكنية التي استفاد منها النازحون داخل سوريا، ومشروع وحدات سكنية يستفيد منها مليون لاجئ سوري في تركيا، أن تعطي انطباعاً بأن ما تبنيه أو تشرف على بنائه يستفيدُ منه سوريون موجودون في سوريا وسوريون تركوا تركيا طوعاً، خاصةً أن الإعلان عن خطة إعادة المليون ترافقت مع تصريحٍ بأن الأمان الذي فرضته تركيا في الشمال السوري «قد أدى إلى عودة مئات الآلاف من السوريين إلى الداخل السوري حتى الآن».

ركّزت التصريحات الرسمية ووسائل الإعلام التركية، التي تولّت نشر تفاصيل حول هذه الخطة، على أن هذه المجمّعات ستُجهّز ببنيةٍ تحتيةٍ تقوم عليها مشاريع اقتصادية تؤمّن فرص عملٍ تحقّقُ اكتفاءً اقتصادياً يضمن بقاء اللاجئين فيها، ويضمن بالذات عدم حاجتهم لمغادرتها طلباً للعمل في تركيا. وقد فتحَ عدم وضوح تفاصيل الخطة التركية وتقديرات وسائل الإعلام التركية باب التكهنات عند السوريين؛ كان أبرزها توقّع أن تقوم تركيا بعملٍ عسكريٍّ -أو أكثر- لاستعادة مناطق تضمن عودة المليون لاجئ الذين تحدث عنهم أردوغان. والمقصود هنا ما يُسمى بحدود اتفاق أستانة، والتي تشمل مدن الأوتوستراد من مورك حتى سراقب،  ومناطق أخرى في الريف الحلبي: مثل منبج، وحتى مدينة حلب نفسها. وهذه التكهنات وجدت ما يعززها في الإعلان الرسمي التركي الذي تحدّثَ عن نية شنِّ عمليةٍ عسكريةٍ على تل رفعت ومنبج لطرد قوات سوريا الديمقراطية منها.

«توكي»

ذكرت وسائل الإعلام التركية التي نشرت تفاصيل حول خطة الإسكان التركية داخل سوريا أن إدارة الإسكان الجماعي التركية (Toplu konut idaresi، والمعروفة اختصاراً بـTOKI) ستشارك لأول مرة في عمليات البناء داخل مناطق النفوذ التركي في سوريا، ووفق نمطها المشهور في تشييد المجمعات السكنية. ويتوافق هذا مع التصريحات التركية الرسمية عن شكل هذه المجمعات السكنية، وعن توفير كافة الخدمات في المجمعات السكنية للمستفيدين منها، من محلاتٍ تجاريةٍ ومشافٍ وملاعب وحدائق وأفران وغيرها.

و«توكي» هي إدارة مرتبطة بوزارة البيئة والتخطيط الحضري التركية، تتركز مهمتها على الإسكان الجماعي بأسعارٍ مقبولةٍ ومُقسّطة للأسر محدودة الدخل. وقد أصبح اسم الإدارة نمطاً شائعاً للبناء في تركيا نتيجة تشابه المجمّعات التي تبنيها في الخطوط التصميمة والألوان وطريقة تخطيط المجمعات والتخطيط الداخلي للشقق وبناء مرافق الخدمات العامة.

صدى الخطة التركية بين السوريين في الداخل

تتنوع آراء الناس في الشمال السوري المحرر، حيث مكان تنفيذ الخطة التركية لإعادة مليون لاجئ، لكن تغلبُ على هذه الآراء النظرة السلبية والإحباط، وذلك حتى لدى المؤيدين للخطة. يمكن تفحّص آراء الناس على عدة مستويات: أولها المستوى المتعلق بآمال عودة المُهجّرين إلى بيوتهم الأصلية في مدنهم وبلداتهم وأحيائهم التي نزحوا منها؛ وتأثير هذه الخطة على التطبيع مع الوضع الراهن؛ ومستوى الأحوال المادية والمعيشية في الشمال السوري. تتنوع الآراء بخصوص الأثر الاقتصادي لهكذا عملية بين التخوف من مزاحمة «المليون العائدين طوعاً» على فرص العمل الشحيحة في الداخل السوري، الأمر الذي تبدده -بشكلٍ مؤقت- ما تَعِدُ به هذه المشاريع من فرص عملٍ في عمليات البناء الضخمة، وما قد يرافقه من مشاريع اقتصادية كالمدن الصناعية، وما يمكن أن يعود من رؤوس الأموال السورية العاملة في تركيا إلى الداخل، ومساهمتها في إنعاش الحياة الاقتصادية. يتوفر في مناطق الشمال الواقعة تحت السلطة التركية فائضٌ كبيرٌ من الكوادر البشرية اللازمة من عمالةٍ ماهرةٍ وأصحاب حرف ومهندسين ذوي خبرة في كل مجالات البناء، وهي الكوادر ذاتها التي نفّذت كل مشاريع بناء المجمعات السكنية البديلة للمخيمات، والتي اقتصر الدور التركي الحكومي وغير الحكومي فيها على الإشراف عن بعد، وبدون وجود عمالة تركية. لكن من غير المعروف بعد إذا ما سيتم إدخال عمالةٍ تركيةٍ لتنفيذ عمليات البناء أم ستبقى للعمالة السورية، والتي يعتبر تدني أجورها بالمقارنة مع العمالة التركية ميزةً جاذبةً لشركات البناء.

نجد أيضاً أصحاب العقارات المتخوفين من أن تُنقِص هذه المشاريع من الطلب على شراء أو استئجار عقاراتهم، التي عملوا منذ سنوات على بنائها لتلبية الطلب الكبير على البيوت بعد موجات النزوح الهائلة مع كل عمليةٍ عسكريةٍ للنظام. بالإضافة إلى ما سبق، هناك مخاوف من أن تكون هذه المشاريع بوابةَ ترحيلِ سوريين من تركيا، والتي يشكل عملهم فيها وتحويلاتهم المالية منها مصدر دخلِ رئيسي لأهاليهم داخل سوريا.

عند الكلام عن رأي الناس يمكن ملاحظة عاملين لا يستهان بهما ولا ينبغي إغفالهما في نظرة سكان الشمال، وخاصةً المُهجّرين منهم، لمشاريع الإسكان هذه بشكل عام رغم كل مخاوفهم منها. العامل الأول هو الأمان الذي تولّده فكرة بناء مشاريع الإسكان الضخمة، من باب أن هذه المشاريع ما كان ليُخطَّط لها، وهذه الأموال ما كانت لتُرصد لصرفها، لولا أن الجهات القائمة عليها قد حصلت على ضماناتٍ بأنها لن تتعرض لتهديد النظام.  وهذه وجهة نظرٍ مبنية على مبدأ أن منطقةً آمنةً داخل سوريا، على الحدود مع تركيا، هي حاجةٌ تركية، ولذلك فهي حريصةٌ على إنشائها وضمان استمرار وجودها لتحمي بها نفسها من كل التهديدات الصادرة من سوريا، أكان من ميليشيات كردية أم إيرانية. وبالتالي فإن عليها أن تحمي هذه «المنطقة الآمنة» من تهديدات النظام وحلفائه، وهذا ما ثبت  نجاحه حتى الآن في المناطق التي سيطرت عليها تركيا وسلمت إدارتها للجيش الوطني والمجالس المحلية عقب عملياتها العسكرية الثلاث داخل سوريا (درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام). في هذه المناطق الثلاث نجد حمايةً مختلفةً عن المنطقة التي تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، والتي تتعرض لغاراتٍ جويةٍ روسية وقصفٍ مدفعي من قبل النظام والميليشيات الإيرانية باستمرار، هذا رغم أنّ حجم الوجود العسكري التركي في إدلب لا يختلف عن حجمه في باقي مناطق سيطرتها في سوريا.

العامل الثاني نجد فيه عكس ما هو شائع ومتداول من التخوفات حول أن تكون هذه المشاريع بوابةً لتثبيت الواقع الراهن للمهجرين؛ إذ يرى كثيرون أنّ منع تثبيت الواقع الراهن إنما يحصل بواسطة الزيادة السكانية، حيث تؤمّن هذه المشاريع استمرار الزيادة العددية عبر تسهيل تأمين المسكن اللازم للزواج والإنجاب. منطلق هذه الفكرة هو أن واقع الحال الذي فرضه النظام هو القتل والتهجير، ولذلك يكون التعويض بالولادات والإعمار لحفظ سلامةٍ عدديةٍ  للجماعة التي نال منها القتل أولاً، ثم التهجير، ريثما تتغيّر الأحوال.

من المحتمل أن تقوم «العودة الطوعية» التي تروج لها الحكومة التركية على فكرة فتح باب التسجيل للسوريين في تركيا على المساكن في سوريا، الأمر الذي لا شك بأنه سيدفع عدداً ليس بقليل من السوريين المقيمين في تركيا في ظروفٍ صعبةٍ للعودة إلى الأراضي السورية للحصول على منزلٍ مجاني، وبهذا يُموَّه طابع الإعادة القسرية المُتضمَّن في هذه العمليات.

الخطة التركية والوضع الراهن

يمكننا ملاحظة بعض المظاهر التحضيرية لعمليات البناء الضخمة التي تعد بها تركيا بالشراكة مع منظماتٍ دوليةٍ من خلال مراقبة زيادة إعلانات التوظيف، خاصةً للاختصاصات المتعلقة بالعمل في البناء (مهندسين مدنيين ومعماريين ومساعدين فنيين) لدى شركات التعهدات في الشمال السوري. إذ تعمل هذه الشركات على تقوية كوادرها الفنية والتجهّز لحجز مكانٍ مهمٍّ في عمليات البناء. لكن لا يوجد حتى الآن ما يوحي بزيادةٍ غير عادية في أعمال المشاريع الإسكانية (مشاريع بناء مخيمات)، كما أن عدداً من المشاريع التي توقفت أعمالها بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء إثر الغزو الروسي لأوكرانيا مازالت على حالها؛ لم تتقدم ولم تتلقَ دعماً مالياً يُعينها على استئناف الأعمال أو استكمالها.

من الواجب ذكره أنّ نظرةً شاملةً لكامل مشاريع إسكان النازحين في الشمال متعذرةٌ حتى على من يعمل في  مجال الإسكان، وذلك لكثرة المنظمات العاملة في هذا المجال ولتنوّع مشاريعها التي لا توجد جهةٌ رسميةٌ تنظّمها. وعليه فإن وجود دليلٍ شاملٍ لكامل مشاريع الإسكان في الشمال السوري، يُحدَّثُ سنوياً ويغطي كافة التجمعات السكنية ويقدم معلوماتٍ كاملةً عن هذه المجمعات، هو حاجةٌ مهمة، وإنْ كانت تقتضي وجود جهةٍ رسميةٍ تتولى مهمة إصداره، مثل نقابة المهندسين.

جهات التنفيذ

يوجد في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام العديد من متعهّدي البناء، وأيضاً شركات التعمير، ولكنها في المجمل حديثةُ النشأة وقليلةُ الخبرة وضعيفةٌ على مستوى المعدات والكوادر. ولكنّ نوعَ أعمال البناء المنتشرة في الشمال، ببساطتها، ملائمةٌ لمستوى هذه الشركات. تستطيع هذه الشركات تنفيذ أعمال بناءٍ ضخمة (بسيطة في تفاصيلها الإنشائية) لكنها، بسبب آلياتها القديمة، تحتاج إلى زمنٍ أطول للتنفيذ وبجودةٍ أقل بالمقارنة مع الشركات التي قد تدخل سوق البناء على غرار الشركات التركية. وفي حال دخلت الشركات التركية الكبيرة على خط البناء في الشمال السوري، قد يتبقى للشركات المحلية حصةٌ من التنفيذ على شكل تعهداتٍ جزئيةٍ من الشركات التركية.

مشاريع إسكان النازحين

تغلبُ البساطة الإنشائية على مشاريع الإسكان الجماعي بغرض استبدال الخيم، والتي تنتشر في الشمال السوري ، وتتّسم كذلك ببساطة الخدمات المُرفقة، كما ليس فيها نشاطٌ اقتصاديٌّ حقيقي يتجاوز بعض المحلات التجارية التي لا تؤمّن إلا عدداً محدوداً من فرص العمل. أما النشاطات الإنتاجية المحاذية للمخيمات، في العموم، فهي محدودةٌ للغاية. وحتى المدن الصناعية  في الباب وإعزاز والراعي وجرابلس، فنشاطها الصناعي ضعيفٌ حتى الآن، ويقتصر على صناعاتٍ بسيطةٍ مثل الصناعات البلاستيكية وصناعة بعض مواد البناء والملابس، ويغلب عليها نشاط الورش الحرفية؛ مثل أعمال الحدادة والنجارة وصيانة السيارات. ويلجأ أغلب سكان المخيمات للعمل خارجها، خاصةً في سوق عمل بناء المخيمات الجديدة، وهو من قطاعات العمل الأكثر رواجاً في الشمال، إذ يستوعب أكبر قدرٍ من اليد العاملة بعد الزراعة.

وبمعزلٍ عما تثيره الخطة التركية من وعودٍ على مستوى تنشيط سوق العمل الخاص بالإعمار، ليس من الممكن أخذ وعود الإنعاش الاقتصادي للشمال السوري، والتي تشكل نواة الخطة التركية، على محمل الجد. وبشكلٍ أو بآخر، ستظهر مشكلة إدخال مليون لاجئٍ إلى منطقةٍ تعاني من مشاكل في إدخال المساعدات الإنسانية الدولية، وتتحكم روسيا في طريقة إدخالها عبر حق الفيتو الذي تمتلكه في مجلس الأمن، الذي تصدر عنه بروتوكولات إيصال المساعدات الاستثنائية إلى سوريا عبر معابر لا تديرها الحكومة السورية المعترف بها في الأمم المتحدة.

المساحات بين الحاجة والإمكانية

تقع المناطق الشمالية والشمالية الغربية من سوريا الخارجة عن سيطرة النظام والواقعة تحت النفوذ التركي في شريطٍ حدوديٍّ تغلب عليه الطبيعة الريفية مع تجمعاتٍ سكّانية متوسطة الحجم (بلدات صغيرة) ومدن متوسطة مثل إعزاز والباب. الطبيعة الريفية لهذه المناطق تعني أن المنطقة كانت سابقاً، قبل موجات النزوح إليها، ذات كثافةٍ سكانيةٍ متوسطة، خصوصاً الريف الشمالي والشمالي الشرقي لمحافظة حلب الممتد من جرابلس حتى إعزاز، مع وجود مساحاتٍ كبيرةٍ من الأراضي الزراعية أو الجبلية غير الصالحة للزراعة وغير المؤهلة للسكن.

وفق مشاريع الإسكان الحالية، بشكلها التقليدي الذي يعتمد على نموذج بيوتٍ إسمنتيةٍ صغيرة المساحة، تقدر بين 30 و50 مترٍ مربع، فإنّ مجمعاً سكنياً بمساحةٍ أرضيةٍ تبلغ 1500 مترٍ مربعٍ سيستوعب عدداً قدره 100 نسمة. وهذا يعني أن المساحة الأرضية اللازمة لاستيعاب مليون لاجئ وفق هذا النمط، تساوي -تقريباً- 15 كيلومترٍ مربع كمساحةٍ سكنيةٍ صافية دون احتساب المساحات اللازمة للخدمات. وهذه مساحةٌ قريبةٌ من مساحة مدينة حلب، كبرى المدن السورية. حاصل قسمة هذه المساحة  على 13 (عدد المناطق المقترحة لاحتضان مشاريع الإسكان حسب التصريحات التركية) يعني أن المساحة اللازمة تساوي تقريباً 1.15 كيلومترٍ مربع لكلّ مجمعٍ سكني، ما يعادل تقريباً نصف مساحة مدينة إعزاز.

عند اعتماد طرقٍ مختلفةٍ في بناء الشقق السكنية على طريقة Toki، أو وفق نماذج أخرى توفر المساحات الأرضية، من الممكن تقليص المساحة الأرضية اللازمة لمشاريع إسكان اللاجئين العائدين. ولدينا كمثال على ذلك مشروع أوتاد ملهم، الذي نُفِّذَ على شكل مجمعات طابقية صغيرة. المجمعات التي شُيدت وفق ضوابط المنظمات التي قامت بتمويلها لا تسمح بالتعديل، لكن هذه المجمعات، بشكلٍ عام، قابلةٌ للتوسّع أفقياً في الأراضي المجاورة، وبالتالي استيعاب أعدادٍ جديدةٍ من المستفيدين، كما حدث فعلياً مع مشاريع عديدة؛ مثل مشروع أوتاد ملهم نفسه.

البنية التحتية

يحتاج كل مجمعٍ سكني شبكةَ صرفٍ صحي ومياه شرب وشبكة طرقات ومصدر توليد كهربائي، وكلها متناسبةُ الحجم طرداً مع حجم المُجمَّع وقدرته الاستيعابية من المستفيدين. وقد يفعّل توزع المجمعات السكنية المقرر إنشاؤها على 13 منطقة تابعة لمجالس محلية إمكانيةَ استفادةِ هذه المجمعات من البنية التحتية للمدن والبلدات المجاورة لها، من شبكات طرق وصرفٍ صحي ومياه شرب، وحتى من خدماتٍ أخرى كالمدارس والجامعات.

إن نظرةً عن كثب لمجمعات السكن المخصصة للنازحين لا تكشف عن مشاكل في البنية التحتية، بل تكشف في حالاتٍ كثيرةٍ عن غيابها، وخاصةً في المراحل الأولى من تشييدها وتوزيعها على المستفيدين؛ إذ تتّبع بعض المنظمات سلوكاً غريباً تقومُ وفقه بتنفيذ المجمّعات السكنية قبل بنيتها التحتية، وتُسكِن فيها النازحين قبل تأمين الصرف الصحي ومياه الشرب والشوارع الُمعبّدة، لتعود لاحقاً بتعهداتٍ جزئيةٍ لإنشاء بنيةٍ تحتيةٍ على مراحل.

مع هذه المشاريع تبرزُ مشكلةُ البناء على الأراضي الزراعية لإنشاء المجمعات السكنية للنازحين، ما يُنقِص من الأراضي الصالحة للزراعة ويرفع أسعار بعض المواد الزراعية.  أُقيمت مجمعاتٌ سكنيةٌ عديدة لإيواء النازحين على أراضٍ زراعيةٍ خصبة، وبعضها تم تشييده بعد تخريب مساحاتٍ واسعةٍ مزروعة بأشجار الزيتون؛ مثل المشاريع القائمة في قرى شرق إعزاز وعلى مقربةٍ منها.

تؤمّن بعض هذه المشاريع احتياجاتها من المياه بفضل آبار المياه الجوفية التي يتمُّ حفرها في موقع المشروع نفسه أو على مقربةٍ منه، بالإضافة إلى إنشاء تجهيزات تخزين المياه ومعالجتها، في حين يعتمد البعض الآخر على نقل المياه عبر صهاريج، وضخ المياه منها إلى الخزانات المنزلية بشكلٍ دوري. كما تؤمّن هذه المشاريع شبكات الصرف الصحي، ولكن من دون حلٍّ للتصريف النهائي الذي يُعدّ مصدر تلوثٍ بيئي يزيدُ من انتشار الحشرات والأوبئة، ويهدد بتلوث مصادر المياه الجوفية التي تعتمد  عليها المشاريع السكنية ذاتها.

كما فتح تشييد هذه المجمعات سوقاً لبيع مساحاتٍ من الأراضي كان بيعها متعذراً عندما كانت تحت سيطرة النظام السوري؛ لأنها حدوديةٌ ولا يمكن بيعها دون موافقةٍ قانونيةٍ خاصة.

 وتتولى المجالس المحلية تنظيم عمليات تصديق بيع وشراء الأراضي ومنح تراخيص البناء عبر إداراتٍ مختصة مثل السجل العقاري في إعزاز والنقابة العقارية في مدينة الباب. أما عن ملكية الشقق السكنية التي تُوزَّع على النازحين، فيختلف الأمر تبعاً لملكية الأرض التي يُقام عليها مشروع الإسكان ولسياسة الجهة المنفّذة من المنظمات الممولة: بعضها يُملِّكُ الشقة للمستفيد منها بعد فترةٍ زمنيةٍ تتأكد فيها حاجة المستفيد عقب عمليات كشفٍ دوريةٍ للتأكد من وجود المستفيد فيها، والبعض الآخر يتعامل مع المجمعات السكنية التي يشيدها كوقف، ويحتفظ بملكيتها ويُسجِّلها في دوائر التسجيل المختصة في المجلس المحلي للمنطقة التي يقام المشروع السكني على أرضها.

المساهمة التركية

تساهم تركيا عبر هيئة إدارة الكوارث (آفاد) في تمويل بعض مشاريع  بناء الوحدات السكنية للنازحين، كما تنظّم وتمارس دوراً توجيهياً لعمل المنظمات الأخرى في كل القطاعات، ومنها قطاع البناء. كما تمارس تركيا نفوذها على هذه المنظمات لدفعها إلى تبني سياسات إنفاقٍ مالية تعود عليها بالفائدة، وذلك عبر ما يمكن تسميته إلزام المنظمات بشروط فنية لمشاريعها تستخدم أكثر ما يمكن من البضاعة تركية المنشأ؛ كالحديد والإسمنت ومستلزمات تمديد سواد وبياض مياه الشرب والصرف الصحي وإكسسوارت الاستخدام الداخلي والمعدات الكهربائية بأنواعها.

الخيمة أفضل!

يمكن من خلال طرقٍ مختلفة تقصّي رأي النازحين المستفيدين من المجمعات السكينة التي تموّلها المنظمات الدولية وينفذها متعهدون محليون لنقلهم من الخيم إلى بيوتٍ أسمنتية، لكنّ أفضلها يكون المعاينة المباشرة من قبل مَنْ يعمل في قطاع البناء ويشاطر المنظمات المموِّلة مهمة تسليم الوحدات السكنية لأصحابها المستفيدين. ومن هذا الموقع، أستطيع نقل بعض الانطباعات التي يتركها الأهالي المستفيدين عن مكان سكنهم الجديد: لا تعجب الوحدات السكنية أغلب المستفيدين منها لصغر مساحتها وتخديمها السيء، ولأنها تحتاج -غالباً- لاستكمال أعمال الإكساء، الأمر الذي يحتاج ما هو فوق استطاعة النازحين المادية. فغالباً ما تُسلّم الوحدات السكنية بدون تشطيباتٍ نهائية (ورقة إسمنتية، دهان،..)، وما يتوفر فيها من بياضاتٍ صحية وكهربائية تكون من نوعٍ منخفض الجودة يتعرض للتلف خلال مدةٍ قصيرةٍ من الاستعمال.

وبعيداً عن الفساد في عمل المنظمات والمتعهدين، فإن المشكلة تكمن في أنّ تشييد هذه الوحدات السكنية لا يتم وفق كود هندسي موحد ومعتمد، بل وفق دفاتر شروط فنية خاصة تضعها كل منظمة لمشروعها وفقاً للميزانية وأولوياتها في توزيع مساكن على أكبر عددٍ ممكنٍ دون تجاوز الميزانية المخصصة للبناء.

إنّ وجود هذه الوحدات السكنية واستمرار بنائها يساهمُ في حل مشكلة أعدادٍ كبيرةٍ من النازحين الذين لا قدرة ماليةً لديهم لشراء بيتٍ أو استئجاره. غير إنّ المقارنة مع البيت الأصلي الذي جرى النزوح منه تبقى حاضرةً بشكلٍ دائم في أذهان وكلام المستفيدين، ويبقى السكن في نظرهم خيمةً طالما أنه أقل جودةً من البيت الأصلي، ويظل المجمع السكني مخيماً ما دام لا يقام على أرضهم الأصلية. ويرى كثيرٌ من المستفيدين أن الخيمة أفضل بسبب رداءة هذه المساكن وعشوائية تجميع المستفيدين منها، الأمر الذي يتسبب بمشاكل اجتماعية. لكنّهم يسارعون إلى السكن فيها مع محاولاتٍ جهيدةٍ لتجميع أنفسهم – أبناء المنطقة الواحدة- في مجمعٍ سكنيٍّ واحدٍ للمحافظة على ما يمكن الحفاظ عليه من الروابط الاجتماعية السابقة للنزوح، ولمسايرة آليات المنظمات وخططها في توزيع المساعدات الإنسانية.

موقع الجمهورية

—————————–

التطبيع التركي مع خصوم الأمس… المصالح فوق المبادئ/ بكر صدقي

قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأربعاء 22 حزيران، بزيارة إلى تركيا في إطار جولة قادته قبلها إلى كل من مصر والأردن.

ومن المتوقع أن يكون تباحث بن سلمان مع الرئيس التركي أردوغان في استكمال خطوات التطبيع الكامل بين البلدين بعد نحو أربع سنوات من القطيعة التامة على خلفية اغتيال الصحافي السعودي المعارض الراحل جمال خاشقجي داخل مبنى قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من شهر تشرين الأول عام 2018. وذلك إضافة إلى التوقعات بشأن البحث في ضخ استثمارات سعودية كبيرة في الاقتصاد التركي الذي يمر بأزمة حادة من التضخم (70%) وانهيار قيمة العملة المحلية (أكثر من 17 ليرة للدولار الواحد) وانخفاض احتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة.

أشار استطلاع رأي أجرته شركة متروبول بعنوان “نبض تركيا- أيار 2022” إلى أن نحو 30% ممن استطلعت آراؤهم يؤيدون التطبيع مع السعودية مقابل 60% يرون فيه تطوراً سلبياً. أما أحزاب المعارضة فقد انتقدت تطبيع العلاقات مع السعودية من منطلق أن الحكومة “باعت” قضية خاشقجي مقابل الأمل في الحصول على استثمارات سعودية قد تساهم في تذليل بعض الصعوبات الاقتصادية، أو أنها “تخلت عن المبادئ مقابل المصالح”.

الواقع أن السياسة، وبخاصة سياسات الحكومات، لا تأبه بالمبادئ الأخلاقية، بل تستخدمها أحياناً كأداة للتمويه على المصالح إذا كانت هذه من القبح ما يجعلها بحاجة للتستر عليها. حتى الأحزاب السياسية خارج الحكم تستخدم كل الوسائل الممكنة للوصول إلى السلطة كبوصلة ثابتة لها، في حين أن المبادئ الأخلاقية أو الإيديولوجية لا تعدو كونها وسائل لاستقطاب الجمهور لصالحها، سرعان ما تتخلى عنها بعد الوصول إلى السلطة.

غير أن التطبيع التركي – السعودي له، مع ذلك، خصوصيات تجعله مختلفاً بعض الشيء في سياق السياسات القائمة على المصالح. ذلك أنه لم يأت بعد خلاف سياسي عادي يمكن تلافيه بتوافقات أو حلول وسط هي جوهر العمل السياسي، بل بعد قضية شغلت الرأي العام في تركيا والعالم طوال شهور، وباشر القضاء التركي التحقيق فيها، فنشرت تفاصيل واسعة موثقة بالصور والفيديو أمام الرأي العام، وتم اتهام مجموعة الأفراد الذين جاؤوا من السعودية خصيصاً لارتكاب الجريمة وعادوا أدراجهم في اليوم نفسه.

في شهر نيسان الماضي، قبيل زيارة أردوغان للرياض، قررت المحكمة التركية التخلي عن القضية وتحويل ملفها إلى القضاء السعودي بدعوى أنه “لم يتم القاء القبض على المتهمين بجريمة الاغتيال، وليس هناك ما يشير إلى إمكانية ذلك في المستقبل”. كان صعباً تبرير هذا القرار أمام الرأي العام المحلي، وكتبت الصحف الكثير في نقده، كما استأنفت خطيبة خاشقجي التركية هذا القرار أمام محكمة التمييز رافضةً التخلي عن قضية اغتيال خطيبها. واعترض أحد قضاة تلك المحكمة على القرار وسجل اعتراضه، فتم نقله، بعد فترة قصيرة، إلى مدينة نائية وصفت بـ”المنفى”.

الفكرة هي أن السياسيين قلما يحسبون حساباً لاحتمالات التراجع عن كلامهم أو مسالكهم، فيتورطون في مواقف يصبح التراجع عنها محرجاً ومكلفاً، وسبب ذلك هو الشعور بقوة موقفهم وشعبيته في لحظة معينة، فلا يتمالكون انفسهم من إطلاق تصريحات حماسية تلقى استجابة شعبية كبيرة، لكنها ترتد عليهم وعلى بلادهم بخسائر باهظة إذا تغيرت الظروف في اتجاهات غير مرغوبة.

ينطبق هذا الأمر أيضاً فيما خص التطبيع التركي مع دولة الإمارات العربية المتحدة. فقد بلغت حدة الخلافات درجة غير مسبوقة إلى درجة اتهمت فيها وسائل الإعلام المقربة من الحكومة القيادة الإماراتية بتمويل المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في تموز 2016. ثم دارت الأيام وبدأ تبادل الزيارات الرسمية بين انقرة وأبو ظبي.

وكذا إسرائيل التي اتهمها أردوغان في مؤتمر دافوس بانها “بارعة في قتل الأطفال الفلسطينيين” ثم كانت سنوات من القطيعة بدأت مؤخراً تزول لصالح تطبيع العلاقات بين البلدين. مع العلم أن إسرائيل هي التي كانت سباقة بتوتير الأجواء بين البلدين حين أقدمت على قتل عشرة مدنيين أتراك كانوا على متن سفينة “مافي مرمرة” في إطار حملة عالمية لفك الحصار عن قطاع غزة. فالقاعدة في هذا السياق هي أن إسرائيل تقتل، في حين أن خصومها يتكلمون فقط.

أما التطبيع التركي مع مصر فهو يمضي قدماً ولكن ببطء، وقد استجابت الحكومة التركية لعدد من مطالب نظام السيسي فيما خص وجود معارضين مصريين على أراضيها، فأوقفت بث قنوات التلفزيون المصرية المعارضة التي كانت تعمل على الأراضي التركية. واضح أن نظام السيسي يريد من تركيا أن ترتد بصورة كاملة على موقفها الحاد من انقلاب حزيران 2013 والذي استمر طوال السنوات الماضية. وكان هذا الموقف هو السبب الرئيسي وراء معاداة كل من الرياض وأبو ظبي للقيادة التركية، بلغت درجة وقف أي استيراد للسلع التركية من قبل السعودية.

أمام حملة التطبيع هذه مع كل من الإمارات والسعودية وإسرائيل ومصر، ظهرت تكهنات كثيرة في الصحافة التركية بشأن تطبيع محتمل مع نظام الأسد في سوريا أيضاً. وتتلهف أصوات معارضة للحكومة التركية شوقاً إلى هذا التطبيع المرغوب من وجهة نظرهم، على الأقل من منطلق أنه “مدخل ضروري” لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم بدعوى انتهاء الحرب.

يمكن القول إن الأمير محمد بن سلمان قد حقق، بزيارة أنقرة، شوطاً كبيراً نحو تواجده على الدولية، وستكون جائزته الكبرى في هذا السياق اللقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في الرياض الشهر المقبل.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

—————————-

نيويورك تايمز: محاولة لفهم المعارضة التركية لعضوية السويد وفنلندا في الناتو

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحليلا للموقف التركي من طلب عضوية السويد وفنلندا الانضمام لحلف الناتو.

وقال ستيفن إرلانغر، إن آمال البلدين في قبول العضوية خلال قمة الناتو الأسبوع الماضي تلاشت مع إصرار الحكومة التركية على عدم التعجل في الأمر. وكانت السويد وفنلندا، قد قدمتا الشهر الماضي طلبا للعضوية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في  24 شباط/ فبراير، وتوقعتا قبولا سهلا في الحلف العسكري. وبدلا من ذلك، وجدتا نفسيهما في منعطف، حيث عرقل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لا أحد يتكهن بتحركاته، طلب الدولتين.

ومع بدء قمة الناتو بمدريد في 29 حزيران/ يونيو، تلاشت توقعات البلدين بالقبول السريع كعضوين جديدين في الناتو، بعدما تراجع أردوغان عن وعود قدمها في السابق بأنه لن يضع عقبات في طريقيهما. وقال إبراهيم قالن، المتحدث الرئيسي للشؤون الخارجية باسم أردوغان، إنه لا يوجد جدول لقبول الدولتين، بل تحدث عن تأخير عام للطلب. وتشعر فنلندا بالإحباط من هذا الوضع، خاصة أنها تشترك مع روسيا بحدود طولها 890 ميلا. وبعد الغزو الروسي، تحركت فنلندا سريعا وجهزت طلب العضوية. وقام الدبلوماسيون الفنلنديون، حسب وزير الخارجية بيكا هافيستو، بجس النبض وإخبار الـ30 عضوا بعزم بلادهم الدخول في الحلف، وحصلوا على الضوء الأخضر منهم جميعا، وهذا يشمل الرئيس أردوغان، حسبما قال الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو.

وتقول الصحيفة، إن الناتو كان واثقا بقبول سلس وسريع لعضوية البلدين، لدرجة أنه حضّر سلسلة من المناسبات تتزامن مع التصويت في أيار/ مايو، ثم جاء الاعتراض التركي.

وتضيف الصحيفة أن أردوغان طلب عددا من المطالب التي تتركز حول قضايا قومية ذات أثر محلي، مثل الانفصاليين الأكراد والإرهاب، وترحيل عدد من أنصار الزعيم المعارض، فتح الله غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة، والمتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية عام 2016.

وتريد تركيا من السويد وفنلندا تقوية قوانين مكافحة الإرهاب، وترحيل عدد من الأشخاص بمن فيهم أفراد صحافيون أكراد، ووقف الحظر غير الرسمي على تصدير الأسلحة  إلى تركيا بعد العملية العسكرية التي نفذتها في شمال سوريا عام 2019. ويشعر الفنلنديون بالإحباط الشديد، لكن الحكومة تدعو للصبر حسب مقابلة مع وزير الخارجية هافيستو: “نفس قانون مكافحة الإرهاب هو نفسه الذي لدى دول حلف الناتو. كلنا شجبنا بي كي كي” حزب العمال الكردستاني، الذي يعمل داخل تركيا والعراق والذي صنفه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كجماعة إرهابية. وأضاف: “لهذا نشعر أن الضغط ليس على فنلندا والسويد، ولكن ضد بعض دول الناتو الأخرى حول الموضوع”. وقال إن دول الناتو يجب أن تعامل بنفس المعيار و”إلا وصلنا لموقف ستقوم دول أخرى في الناتو بوضع معايير على المتقدمين بطلبات، وسيقود حسب اعتقادي إلى الفوضى”.

وعُقد في يوم الإثنين الماضي، أول اجتماع بين السويديين والفنلنديين والأتراك برعاية الناتو وبنتائج متدنية. وقال قالن: “لا نرى أننا تحت ضغط  جدول زمني. وتعتمد سرعة منظور العملية على تصرف هاتين الدولتين وسرعة استجابتهما لتوقعاتنا”.

وتتعلق معظم هذه التوقعات بالسويديين وتعاطفهم الطويل مع حزب العمال الكردستاني. وفي الوقت الذي شجب الغرب أفعال “بي كي كي” إلا أنه تعاون مع أحد فروعه في سوريا لمقاتلة تنظيم “الدولة”. وفي حين الذي تخلت فيه القيادة الكردية في تركيا عن مطالب الانفصال، إلا أنها ركزت على المطالبة بحقوق الأكراد الأتراك.

وتقول الصحيفة إن أردوغان يواجه في  حزيران/ يونيو المقبل انتخابات وسط تراجع شعبيته، إلى جانب معاناة الاقتصاد التركي. ويعتبر الموضوع الكردي مهما لتركيا،  ويقوم أردوغان باللعب على المشاعر القومية، في وقت يقمع المعارضة السياسية والصحافة المستقلة، بحسب قول الصحيفة.

وفي مقابلة مع تلفزيون سويدي، قالت المسؤولة السابقة في الناتو ستيفاني بابست، إن أجندة أردوغان الحقيقية هي محلية، و”هذه بالضرورة رسالة موجهة لقاعدته الانتخابية في الداخل. وهو يواجه انتخابات قادمة، والوضع الاقتصادي في تركيا مروع، ولهذا فهو يريد إظهار قيادته، وأخشى القول إنه يريد استخدام السويد وفنلندا لإيصال رسالته الإستراتيجية”. وعبّر السكرتير العام لحلف الناتو، يانس ستولتنبرغ، عن حذر في تصريحاته العامة، وقال إن كل دولة عضو لها الحق في التعبير عن مظاهر قلقها، وأن القلق التركي بشأن الإرهاب مشروع، وهو واثق من انضمام السويد وفنلندا للناتو، وإن لم يحدث هذا في أثناء قمة مدريد.

وفي الوقت الذي يدعو هافيستو للصبر وويعبّر عن استعداده للتخفيف من مظاهر القلق التركي، إلا أنه يتحدث عن إزعاج أردوغان لحلفائه في وقت الحرب، ووضع بات فيه أمن أوروبا على المحك: “علي القول إن الضغط يتزايد على بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي أو الدول الأخرى في حلف الناتو، وأنهم يريدون مشاهدة تمرير هذا الأمر بسلاسة وسريعا”. وأضاف: “التكهنات بأن تتم الموافقة بعد عام في أعقاب الانتخابات التركية، مخيبة لتوقعات الكثير من دول الناتو، علاوة على فنلندا والسويد”.

وقال تشارلي سالينوس باسترناك، من معهد الشؤون الدولية الفنلندي، إن هناك إحباطا بين الفنلنديين، ولكنه ليس موجها إلى القيادة بقدر ما هو موجه إلى تركيا. وقال: “هناك حس بأن هذا الموضوع سيكون سهلا، ولهذا فهناك إحباط واضح بالتأكيد، ويفهم الناس أن تركيا تلعب لعبة مزدوجة”.

وهناك انزعاج بين السويديين، حيث اتسم رد حكومة الأقلية التي يقودها الحزب الاشتراكي الاجتماعي بالبطء مقارنة مع فنلندا، وخشيتها من الدفاع عن مؤيديها قبل انتخابات أيلول/ سبتمبر، وموافقتها على المطالب التركية. وطالما دعم أعضاء الحزب الجماعات العسكرية غير المنحازة والجماعات السياسية المضطهدة، ويعتبرون أردوغان ديكتاتورا لا يحترم الحقوق الديمقراطية. وقال سالينوس: “هناك توقعات في فنلندا من أن السويد تستطيع التخلي عن الموضوعات السياسية الحزبية والانتخابات المقبلة من أجل الأمن القومي، ومن الواضح عودة سياسة الحزب”.

وهناك البعض في فنلندا يخشى من التعاون مع السويد في طلب العضوية، وأنه قد يترك ردة فعل عكسية، لكن هافيستو وسالينوس أكدا على أهمية التحالف الأمني الطويل بين البلدين، وأهميتهما في تعزيز الناتو، وخاصة في منطقة الشمال وبحر البلطيق. ولاحظ هافيستو أن شعبية الحزب الاشتراكي الاجتماعي زادت في الاستطلاعات منذ قرار الانضمام لفنلندا والتقدم بطلب العضوية للناتو.

وعبّرت الولايات المتحدة عن دعمها لطلب فنلندا والسويد. وهافيستو على تواصل  مستمر مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ومسؤولي البيت الأبيض. كما يحظى بدعم من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، ويحضّر الكونغرس لتصويت للمصادقة على العضوية حالة تم حل الإشكال مع تركيا.

ويقضي ميثاق الناتو بتصويت المجالس التشريعية لأعضائه على أي عضو جديد، وهي عملية قد تستغرق عاما. وأكد هافيستو على أن فنلندا والسويد حصلتا على تأكيدات قوية من دول أعضاء في الناتو والتي ستسارع لدعمهما، لا سيما من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، و”لهذا نشعر أننا في أمان. حتى في هذه اللحظة، حيث لا نواجه خطرا محتوما، ومرحلة الانتظار”.

واقترح هافيستو على أصدقائه قراءة رواية لتولستوي “الحرب والسلام”. وقال: “بدأت بقراءتها وآمل مع انتهائي منها” أن تصبح فنلندا والسويد عضوين في الناتو.

القدس العربي

—————————–

فورين بوليسي: الغرب يحتاج لأردوغان في الوقت الحالي وعليه التعامل معه مهما كان “مقيتاً”/ إبراهيم درويش

ناقش الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا/ بنسلفانيا ماكسمليان هيس، بمقال نشرته “فورين بوليسي”، فكرة التعامل مع تركيا، وأن على الغرب إقامة شراكة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالاً.

وقال إن أردوغان هو شخصية غير مستساغة، إلا أن الغرب لديه تاريخ مثير للجدل في بناء تحالفات مصلحة مع الديكتاتوريين والرجال الأقوياء حول العالم، فهم شخصيات بغيضة، لكنهم شركاء ضروريون لمواجهة التهديدات للنظام الدولي.

وعادة ما ينظر إلى هذه التحالفات من الناحية الأخلاقية نظرة شك وتتعرّض للشجب، إلا أن موقفاً كهذا يعبر عن السياسة الواقعية وتوازن القوى بامتياز. فقد ساعدت العالم على الوحدة ضد أدولف هتلر والغرب لكي ينتصر في الحرب الباردة.

وعلى رأس قائمة الشركاء الذين لا يستمزجهم الغرب، والذين يحتاج الغرب لعلاقات معهم، هو الرئيس رجب طيب أردوغان.

وعدّد الكاتب الأسباب التي تجعل رئيس تركيا غير مرغوب فيه من الغرب، مثل تقويضه الديمقراطية التركية وتفكيكه سنوات من اللبرلة، واستخدامه الهجرة كسلاح، وترويعه الأقلية الكردية في الداخل، وفي الجارة سوريا، ومساعدته إيران على خرق العقوبات، وفي الفترة الأخيرة قام بعرقلة طلب العضوية لحلف الناتو، الذي تقدمت به كل من فنلندا والسويد، وقائمة كهذه تعني أن الغرب بحاجة إلى سنوات طويلة لكي يثق به مرة أخرى.

لكن الحقيقة هي أن الغرب بحاجة إلى أردوغان أكثر من أي وقت مضى. فالحرب الشرسة التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا أظهرت أهمية تركيا الجيو استراتيجية. وظهرت أنقرة كمزود مهم للطائرات بدون طيار إلى كييف، ولم تبد، لحسن الحظ، نية لوقف الشحنات هذه. ويقول الكاتب إن فرص النصر الأوكراني ستزداد بشكل كبير لو توسعت شحنات الدعم العسكري التركي.

 وتسيطر تركيا على منافذ البحر الأسود، التي أغلقتها في نهاية شباط/فبراير. وفي نفس الوقت، أظهرت أنقرة استعدادا للتعاون مع موسكو بشأن أوكرانيا، حيث يرى أردوغان فرصة هناك. وناقش وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف خططا لتأمين خط نقل للحبوب الأوكرانية، وذلك في 8 حزيران/يونيو، مقابل تنزيلات بنسبة 25% على مشتريات تركيا من الحبوب.

ويقول الكاتب إنه بدون التعاون مع أنقرة، فأي محاولة غربية لكسر الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية ميتة في مهدها. ويحتاج الغرب تركيا لأن تكون إلى جانبه في الحرب الاقتصادية ضد روسيا، فمن خلال الدعم التركي يمكن الحد من تدفق البضائع الداخلة والخارجة عبر البحر الأسود، والتي فرضت عليها عقوبات. ومساعدة تركيا حيوية في قطع المهارب الحيوية للمال الروسي والفاسدين. وأصبحت تركيا وجهة مهمة للمال الروسي ويخوت الأوليغارش الهاربة من العقوبات وتلعب دوراً مهماً بدعم اقتصاد فلاديمير بوتين. وتعتبر تركيا واحدة من الدول المهمة التي تقبل المدفوعات الروسية، مما يخفف من صدمة العقوبات المصرفية الغربية. وفي حالة إقناع تركيا الانضمام إلى نظام العقوبات فإن هذا سيغلق ثغرة في نظام العقوبات.

والأهم في كل هذا هو أن تركيا ستكون لاعباً مهماً في إعادة تشكيل خطوط الطاقة إلى أوروبا، وليس لأنها تسيطر على عدد من منافذ الطاقة، وعبر الأنابيب الحيوية فالمفتاح لاستراتيجية ممر غاز جنوب أوروبا هو الغاز القادم من أذربيجان عبر خطوط الأناضول والأدرياتيك، والتي افتتحت عام 2018 و 2020 على التوالي، وتغذي محطات الغاز في البلقان وإيطاليا. ويعمل أردوغان وبنشاط على تطوير مصادر الغاز الطبيعي التركي، وباحتمال ربطها بحقول الغاز القبرصية والإسرائيلية في البحر، لكن هذه الجهود تواجه عقبات من خلال الخلافات اليونانية- التركية حول قبرص والمياه المحيطة بها.

ويعتقد الكاتب أن إحياء شراكة أوروبية- تركية ربما كانت الطريق الوحيد للاستفادة من مصادر الطاقة في شرق المتوسط. وشراكة كهذه قد تدفع أردوغان للتحرك في علاقاته مع روسيا، حيث كان افتتاح خط “تيرك ستريم” عام 2020 تعبيراً عن ذروة العلاقات التركية- الروسية.

وأخيراً، يمكن أن يؤدي اصطفاف أردوغان مع الغرب إلى منح الأخير نفوذاً جيوإستراتيجياً على الكرملين. بالإضافة إلى هذا تعتبر تركيا لاعباً مهماً في ثلاثة صراعات تشترك فيها روسيا: سوريا وليبيا والخلاف بين أرمينيا وأذربيجان بشأن منطقة ناغورو كارباخ. وتحول أردوغان من سياسة الإهمال لهذه النزاعات إلى التدخل النشط، من أجل تقوية موقع تركيا الإقليمي، وكلاعب مستقل عن الغرب.

 وفي حال تم تجديد الشراكة مع أردوغان، فإنها ستضيف نقاط ضغط على الجهود للتشديد على تأثير موسكو العالمي. ومن أجل فهم تحول أردوغان عن الغرب وإقامة علاقات قريبة مع موسكو، علينا البحث عن أسبابه قبل عكس الوضع. ويدفع الغرب اليوم ثمن عدم الاستماع لمظاهر قلقه، وبدأ التحول في 2011، عندما اجتاح الربيع العربي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وكان أردوغان متحمساً له لأنه قدّم فرصة لوصول أنظمة إسلامية مثله في دول المنطقة. وشعر بالخيانة عندما فشل باراك أوباما بالوفاء بتعهده الذي وضعه، أو الخط الأحمر بشأن استخدام رئيس النظام السوري الأسلحة الكيماوية، وتخلّيه عن الرئيس المصري محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان الذي دعمه أردوغان علناً وأطاح به الجيش المصري.

وقال محمد كوشاك، الخبير في الشؤون الدولية بأنقرة “تعلمتْ تركيا الدرس الصعب، وهو أن الولايات المتحدة غير مستعدة للاستثمار بالمنطقة”، وبنفس السياق قالت إليزابيت أونينا، طالبة الدكتوراة بجامعة أمستردام: “لم يتم التعامل مع مظاهر القلق الأمني كموضوع له علاقة في أجندة الناتو”. لكن ما دفع أردوغان للتحول عن الغرب هو شعور بالخيانة عام 2016، حيث تعرّض لمحاولة انقلابية فاشلة اتهم الولايات المتحدة علناً بإثارتها. وشعر أيضاً بأن حلفاء الناتو قد تخلوا عنه. وذلك عندما سحبت الولايات المتحدة أنظمة باتريوت من تركيا، ولم يرد الناتو بعدما أسقطت تركيا طائرة روسية دخلت المجال الجوي التركي، في أول مواجهة بين قوة روسية أو سوفييتية مع الناتو منذ 60 عاما.

 ومنذ ذلك الوقت شعر أردوغان أن موسكو تقدم له طريقا أفضل لتحسين وضعه الإقليمي والمحلي. وشمل التعاون التركي- الروسي على أنبوب الغاز “تيرك ستريم”، وخطط لبناء مفاعل نووي في تركيا بكلفة 20 مليار دولار، وإعلان تركيا عام 2017 عن خطط لشراء نظام الصواريخ أس- 400. ورغم مواجهة تركيا وروسيا في بعض الأحيان، ودعمهما الأطراف المتحاربة في سوريا وليبيا، إلا أن العلاقة اتسمت بالدفء. كل هذا يعطي الغرب نفوذاً استراتيجياً محتملاً لو قام بإعادة تكييف وضع أردوغان.

لكن ما هي الجزرة التي يجب على الغرب تقديمها لأردوغان مقابل التخلي عن موسكو؟

ربما كانت الأزمة الاقتصادية التركية فرصة، فقد وصل التضخم السنوي إلى 75% في أيار/مايو، والاحتياطي من العملة الصعبة انخفض، وخسرت الليرة نسبة 30% من قيمتها أمام الدولار بعد عام من انخفاضها بنسبة 40%، وزادت احتمالات تأخر تركيا عن دفع ديونها. أما المستثمرون الأجانب فقد فروا من السوق.

 وفي محاولة منه للحصول على رأس مال أجنبي، قام أردوغان بترتيب علاقاته مع منافسيه في السعودية والإمارات. ومن الأفضل أن يقدم الغرب شريان حياة إلى أردوغان، بدلاً من فتح المجال لموسكو القيام بهذا. وعلى سبيل المثال، يجب على الاحتياطي الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي التفكير بمنح أردوغان خط مقايضة عملة، كوسيلة استقرار استخدمت منذ عقود. وبمجرد حصول أنقرة على الدولار واليورو فإنها ستخفف من التحديات الاقتصادية المتزايدة وتفتح المجال أمام مزيد من الشراكة.

 ويعرف أردوغان أنه يملك اليد العليا، ومن المحتمل التقدم بمزيد من المطالب. واستخدم نفوذه في ملف عضوية السويد وفنلندا بالناتو، حيث ربطه بإطلاق يده ضد الأكراد. وأعلن بداية الشهر عن خطط لعملية عسكرية جديدة لاستهدافهم. وربما تقدم بمطالب تتعلق بمصالحه الإقليمية، ورفض النقد الغربي لسياساته المحلية، وقد تكون هذه المطالبة مكلفة وتؤثر على مصالح بعض الدول الغربية. ومن الواضح أن هناك تردداً واضحاً للتعامل مع أردوغان في هذه اللحظة. ويبدو أن الغرب يقيم استراتيجيته، كما يقول كوتشاك، على “إمكانية خسارة أردوغان الانتخابات” في حزيران/يونيو 2023. ويعتقد الكاتب أن التعويل على أردوغان كي يسمح بانتخابات حرة ومشاركة المعارضة أو يخسر الانتخابات هو مثالي وساذج في أعلى حالاته.

وأردوغان هو شخصية مقيتة، وسيظل كذلك، ولكن من مصلحة الغرب أن يكون في جانبه وليس مع روسيا، من أجل إضعاف بوتين والتأكد من نجاة أوكرانيا. والفرصة موجودة وسيكون الغرب غير حكيم لو لم ينتهزها.

————————–

فورين بوليسي: ما هي الجزرة التي يمكن أن يقدمها الغرب لأردوغان للتخلي عن موسكو؟

نشرت أمس صحيفة فورين بوليسي مقالا لمكسيميليان هيس المتخصص في الدراسات الأسيوية والباحث في مركز السياسة الخارجية التابع للصحيفة والمقالة تعد هامة لمحاولة فهم كيفية تعامل الغرب مع حكومة أردوغان في الآونة الأخيرة وما هو النهج الذي يمكن أن تنتهجه الدول الغربية لاستخدام أردوغان في حربها على روسيا ، وقد وصفت الصحيفة أردوغان باعتباره دكتاتورا ، وقد جاء في المقال :

إن للغرب الديمقراطي تاريخ طويل مثير للجدل من الدخول في تحالفات مع دكتاتوريين بغية المصلحة في جميع أنحاء العالم – ومع أنهم شركاء بغيضين لكنهم ضروريون في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي، وقد تمت إدانة هذا النوع من التحالفات باعتباره مشكوكًا فيه من الناحية الأخلاقية وباعتباره أيضًا تحالفا سياسيا واقعيا قائما على توازن القوى بامتياز، ولقد مكنت تلك التحالفات الغرب الديمقراطي من الاتحاد لهزيمة أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية وكسب الحرب الباردة .

ويأتي على رأس قائمة الشركاء البغيضين الذين يحتاج الغرب بشكل عاجل إلى اقامة علاقات أفضل معهم اليوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن الواضح أنه بغيض: فلقد قوض الديمقراطية التركية بنشاط ، وأزال عقودًا من التحرير ، وسلَّح الهجرة ، وأرهب الأقلية الكردية في الداخل وفي سوريا المجاورة ، وساعد إيران على انتهاك العقوبات الأمريكية. وفي الآونة الأخيرة ، هدد بمنع عضوية السويد وفنلندا في الناتو، وسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتمكن الغرب من الوثوق به بصدق.

لكن الحقيقة هي أن الغرب اليوم بحاجة إلى أردوغان أكثر من أي وقت مضى، بعدما عززت حرب روسيا الوحشية والشاملة ضد أوكرانيا إلى حد كبير مكانة تركيا على رقعة الشطرنج الجيوستراتيجية، وبرزت أنقرة كمورد رئيسي للطائرات بدون طيار إلى كييف – الشحنات التي لحسن الحظ لم تظهر أي نية لوقفها، والتي ستحسن فرص أوكرانيا في الفوز بشكل كبير إذا تم توسيع شحنات الأسلحة التركية. وأغلق أردوغان ، الذي يتحكم في الوصول إلى البحر الأسود عبر المضيق التركي ، الممر المؤدي إلى السفن الحربية في أواخر فبراير.

في الوقت نفسه ، كانت أنقرة مستعدة أيضًا للتعاون مع موسكو بشأن أوكرانيا حيث يرى أردوغان فرصة، فقد ناقش وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خططًا لتأمين طريق لصادرات الحبوب الأوكرانية مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في أنقرة في 8 يونيو ، ويقال إنه طلب خصمًا بنسبة 25 في المائة على مشتريات الحبوب التركية كجزء من الصفقة، فبدون أن تكون أنقرة على طاولة المفاوضات، فإن أي مقترحات غربية لكسر الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية ماتت فور وصولها.

كما يحتاج الغرب إلى تركيا إلى جانبها في الحرب الاقتصادية ضد روسيا، فيمكن أن يؤدي دعم أنقرة وحده إلى تقييد تدفق البضائع الروسية الخاضعة للعقوبات من وإلى البحر الأسود والتي تستمر حتى مع بقاء السفن الأوكرانية عالقة في الميناء. إن مساعدة أنقرة حاسمة في تقليص الأموال الروسية لا سيما بعد أن أصبحت تركيا وجهة رئيسية للأموال الروسية (ويخوت القلة) الفارين من العقوبات وتلعب دورًا متزايدًا في دعم الاقتصاد الذاتي الجديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي نفس الوقت فإن تركيا هي واحدة من الدول الرئيسية القليلة التي تقبل الدفع الروسي بحرية ، مما يقلل من تأثير العقوبات المصرفية الغربية، وبالتالي فإن تطبيق تركيا للعقوبات المفروضة على روسيا من شأنه أن يسد واحدة من أكبر الثغرات في نظام العقوبات الذي فرضته الدول الغربية على روسيا .

لكن الأهم من ذلك ، أن تركيا ستكون لاعباً رئيسياً في إعادة ترتيب إمدادات الطاقة الأوروبية ، لأسباب ليس أقلها أنها تتحكم في الوصول إلى الطاقة من خلال عدد من خطوط الأنابيب المهمة، والتي تعد مفتاحا استراتيجيا لمرور الغاز الجنوبي إلى أوروبا ، وعلى سبيل المثال فإن خط الغاز الأذربيجاني الذي يتم توفيره عبر خطوط الأنابيب التركية العابرة للأناضول والبحر الأدرياتيكي تم افتتاحه في 2018 و 2020 على التوالي ويغذي شبكة الغاز الأوروبية في البلقان.

أخيرًا ، من شأن التحالف مع أردوغان أن يوفر للغرب مزيدًا من النفوذ الجيوستراتيجي على الكرملين بعد الحرب في أوكرانيا، حيث تلعب تركيا أيضًا دورًا رئيسيًا في ثلاثة صراعات إضافية تشارك فيها روسيا وهي : سوريا وليبيا والنزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورنو كاراباخ، لا سيما بعد أن انتقل أردوغان من سياسة الإهمال الحميد إلى التدخل النشط في هذه الصراعات على مدى العقد الماضي ، بدافع الرغبة في تعزيز دور تركيا كقوة إقليمية مستقلة عن الغرب. توفر الشراكة المستأنفة مع أردوغان مزيدًا من نقاط الضغط في محاولة لتقييد نفوذ موسكو.

إذا السؤال هو ما هي الجزرة التي يمكن أن يقدمها الغرب لأردوغان للتخلي عن موسكو؟ قد تكون الأزمة الاقتصادية في تركيا مجرد فرصة، مع وصول التضخم السنوي إلى 73.5 في المائة في مايو ، وقرب احتياطيات العملة من أدنى مستوياتها على الإطلاق ، وانخفاض الليرة التركية بنسبة 30 في المائة مقابل الدولار منذ بداية العام حتى الآن بعد انخفاض بنسبة 44 في المائة في عام 2021 ، وارتفاع ا مخاطر التخلف عن السداد في تركيا، وفرار المستثمرين الأجانب من السوق، وبحث تركيا عن رأس مال أجنبي جديد. إننا نرى أردوغان يقوم بإصلاح العلاقات مع منافسه الإقليمي الرئيسي ، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسيكون من الأفضل للغرب أن يقدم لأردوغان شريان حياة اقتصاديًا بدلاً من السماح لموسكو بالقيام بذلك، فعلى سبيل المثال ، يمكن للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي النظر في تقديم خط مقايضة العملات لأردوغان ، حيث سيؤدي الوصول إلى الدولار واليورو إلى تخفيف العديد من التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه أنقرة وتمهد الطريق لمزيد من الشراكة التعاونية.

إن أردوغان يعرف أن لديه دور إقليمي ومن المرجح أن يقدم مطالب أخرى، ولقد مارس بالفعل نفوذه على انضمام السويد وفنلندا المطلوب إلى الناتو ، وربط ذلك بمزيد من الحرية لتركيا ضد الأكراد السوريين الذين كانوا حلفاء الغرب البواسل في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي وقت سابق من هذا الشهر أعلن أردوغان عن خطط لعملية عسكرية جديدة تستهدفهم، وقد يطرح مطالب بشأن مصالح إقليمية أخرى ، وسيسعى بالتأكيد إلى تخفيف حدة الانتقادات الغربية لحكمه المحلي، وقد تكون هذه التنازلات مكلفة للمصالح الغربية الأخرى.

هناك تردد واضح في التعامل مع أردوغان في الوقت الحالي، ويبدو أن استراتيجية الغرب تتمثل في “الاعتماد على احتمال خسارة أردوغان لانتخابات [يونيو 2023]” ، بحسب كوجاك، والاعتماد على سماح أردوغان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وانتقال سلمي محتمل للسلطة بعد عام من الآن وهو أمر مثالي في أحسن الأحوال وساذج بشكل ميؤوس منه في أسوأ الأحوال.

وهكذا يرى الكاتب أن مصلحة القوى الغربية هي الوقوع في جانب أردوغان، من أجل حماية مصالحهم والتصدي للقوة الروسية التي تعد أهم قوة معادية للغرب، ولكن يظل السؤال الهام هو كيف سيتعامل الغرب مع ابتزازات أردوغان وهل من مصلحة القوى الديمقراطية التمسك بأردوغان ؟وهل أردوغان لديه نية للتخلي عن القمح الروسي والغاز الروسي والسياحة الروسية ؟ تلك الأسئلة التي يبدوا أن الجزرة التي يتحدث عنها الكاتب لن تكون كافية لتخلي أردوغان عن تحالفه مع روسيا في الوقت الحالي.

واشنطن (زمان التركية)

————————————

فصائل سورية معارضة: ضد تركيا!/ عمر قدور

في وقت لم يُعرف فيه مصير العملية التركية ضد قسد، بين تأكيدات تركية على تأجيلها لا إلغائها، وبين تكهنات تقول أن هناك اتفاقاً أمريكياً-روسياً على عدم السماح بها، رغم تردي العلاقة بين الطرفين بسبب أوكرانيا. في هذا التوقيت الحساس أتت الاشتباكات بين فصائل سورية “معارضة”، وكأن هذه الفصائل تعمل ضد الداعم “أو الضامن” التركي، وأرادت أن تضيف عثرات وتعقيدات إضافية أمامه، تعقيداً ميدانياً لأن قتال الفصائل أتى على تخوم خط التماس مع قسد، وتعقيدات أخرى سنوردها تباعاً.

لكي نستبعد كون الاقتتال ضد مصلحة أنقرة، يمكن أن نفترض ما يدحضه كلياً، أي أن تكون أنقرة هي التي أوعزت بالقتال بين تلك الفصائل، وهي مدركة لهزيمة “الجيش الوطني” أمام “هيئة تحرير الشام” والموالين لها ضمن الجيش الوطني نفسه! في هذه الحالة، ستكون رسالة أنقرة لواشنطن وموسكو أن أنقرة هي من يردع هيئة تحرير الشام عن توسيع سيطرتها، بمعنى أنها تهددهما بزيادة سيطرة الجهة المصنفة أكثر تطرفاً. إلا أن فوائد هذا الافتراض أقل جداً من ضرره، حتى إذا كان ينطوي على مقايضة من نوع التلويح بهيئة تحرير الشام “الموجودة على لائحة الإرهاب الدولي بقرار من مجلس الأمن”، مقابل حزب العمال الكردستاني الموجود على العديد من لوائح الإرهاب مثل اللائحة الأمريكية ولائحة الاتحاد الأوروبي.

أول ما أكدت عليه الجولة الأخيرة من القتال بين الفصائل فشلها، وفشل أنقرة من ورائها، في عملية الدمج بينها للتخلص من حالة الفوضى المريعة. جدير بالذكر أن هذا ليس مطلباً تركياً فحسب، بل هو من ضمن التفاهمات الدولية بين قوى الاحتلال الحالية، ومن ضمن أهداف الانتقال إلى مناطق النفوذ الحالية، حيث تضبط كل قوة خارجية في موقع سيطرتها اللاعبين الصغار المحليين.

الحديث عن الفوضى المريعة يتضمن كونها متعمدة، وكون الفساد من دوافعها الرئيسية. فوجود فصائل مستقلة يعني أن كلاً منها يحصل على التمويل والإمدادات بمفرده، ما يسهّل لقيادات الفصيل الاستفادة من التمويل على نحو شخصي، وأيضاً لبناء شبكة من المحسوبية والزبائنية. وسيطرة كل فصيل على رقعة من الأرض والسكان تتيح التحكم في حياة السكان، وإساءة استخدام هذه الفرصة، وقد تابعنا في أكثر من مكان التسلط على معيشة السكان، وعلى المعابر التي تربطهم بمناطق أخرى من أجل ابتزاز الأموال. أسوأ من ذلك، تابعنا العديد من عمليات الترويع والاختطاف والقتل والاغتصاب التي تساعد الفوضى على إباحتها.

هجوم “هيئة تحرير الشام” على مناطق سيطرة “الجيش الوطني” حظي بتسهيل من فصائل منضوية فيه، ومشاركة فصائل أخرى من ضمنه. ذلك ينقض من مصداقية كل ما قيل عن توحيد الفصائل، وأولاً من مصداقية أنقرة المشرفة على عملية الدمج، رغم أنها لا تتحمل أصلاً مسؤولية التشرذم الفصائلي السابق على إقامتها مناطق نفوذها الحالية. بالتأكيد هذه صورة في غير صالح أنقرة، أن يظهر هكذا “الجيش الوطني” الذي تهدد للسيطرة به على مناطق إضافية. والبيان “الفتوى” الذي أصدره “المجلس الإسلامي السوري”، محرِّماً بشكل قطعي هجوم الهيئة على الجيش، ثم ردّ الهيئة على البيان، يضيف إلى لوحة الانقسام، فها هو انقسام بين الإسلاميين يعطي مؤشراً عن العلاقة بينهم وبين من هم أقل إسلامية!

أخبار اقتتال الفصائل طغت على خبر زيارة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مدينة تل أبيض، حيث تجوّل في المنطقة التي ستبني فيها منظمة “آفاد” التركية بيوتاً من أجل “العودة الطوعية والآمنة والكريمة بالنسبة للسوريين في تركيا”، حسب تصريح له. والحق أن موجة الاقتتال الأخيرة بالتأكيد لن تكون مشجعة لعودة اللاجئين، إن كانت طوعيةً تماماً، فوق أنها في الأصل ملغومة باحتمالات تعرض هذا المناطق للقصف من حلف روسيا-إيران-الأسد. أي أن هذا الاقتتال هو ضد ما تروّجه أنقرة عن العودة الطوعية الآمنة، وينتقص خاصة من كونها آمنة بذاتها.

يدعو بيان المجلس الإسلامي، بعد إدانة وتحريم هجوم الهيئة على الجيش، إلى “توجيه سلاح الثورة إلى عدونا الحقيقي المشترك نظام العصابة الطائفية في سوريا”! ما يعرفه، أو ما لا يعرفه، مشايخ المجلس أن سلاح “الثورة” لم يعد منذ سنوات موجهاً ضد الأسد، ولم يكن في أي وقت موحَّداً ومنضبطاً، وإلا كان نال احترام الأعداء قبل الأقربين، وربما أيضاً نال ما هو أكثر من الاحترام.

الواقع الحالي يتلخص في أن الهدف هو الالتزام بتفاهمات أنقرة مع موسكو، أي تفادي التصعيد مع قوات الأسد، ما لم تكن هناك أوامر خارجية للطرفين أو لواحد منهما. من دون انتقاد هذه الواقعية، فإنها تجعل فصائل “المعارضة” عملياً بلا هدف أعلى تقاتل من أجله، وأقصى ما يمكن أن تصل إليه هو أن تكون جيش نظامٍ في أماكن سيطرتها، وهذا ما فشلت فيه، وأفشلت فيه راعيها التركي. والنتيجة الأخيرة متوقعة من قبل فصائل فقدت نبل القضية الأساسية، ولم تنجح محاولاتها لإحلال محاربة قسد في المكانة التي كانت لمحاربة الأسد.

خارج السياق، ننوّه بأن هدف الإبقاء على الوضع الحالي يلاقي لأسباب مختلفة رغبات النسبة الغالبة من الأهالي، بمن فيهم الواقعون تحت سيطرةٍ غير مرضية لهذه الفصائل. فالأهالي لا يريدون جولات أخرى من القتال بين هذه الفصائل، ولا أي نوع من القتال لا يعِد بالأفضل، بل يدفعون الثمن خلاله وفي محصلته.

إن واقع الفصائل الموالية لتركيا يصعب إلا أن يكون ضدها، ونفترض هنا حرص أنقرة على صورتها كضامن أمام “شركائها” في اقتسام النفوذ، ومن ذلك تقديم نموذج يصلح أن يكون له دور مستقبلي مختلف عن قوات الأسد إذا حانت لحظة التسوية أو لحظة التغيير. وأن تعمد أنقرة إلى التوسع، أو المطالبة الحثيثة به، فهذا يغلّب هواجسها الكردية، وأحياناً المزايدات الانتخابية التركية. من أجل ذلك هي تستخدم سوريين مفيدين لها من حيث الخبرة القتالية، لكن لا يمكن إلا أن يكونوا عبئاً على صورة تركيا، مثلما هم عبء على سمعة السوريين ككل من دون أن يتفردوا بذلك عن قوى الأمر الواقع الأخرى.

كم كان أفضل لو أن الفصائل المعنية أعفتنا من هذه السيرة، وتفرّغنا بدلاً منها لمتابعة أخبار الاشتباكات بين أبناء هلال الأسد وأبناء بديع الأسد! 

المدن

——————————-

=================

تحديث 30 حزيران 2022

————————

إيران تؤيد العملية العسكرية التركية بسوريا:قد تكون “ضرورية

قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أثناء زيارة إلى أنقرة الاثنين، إن بلاده “تتفهم” ضرورة تنفيذ تركيا عملية عسكرية جديدة ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.

وأوضح عبد اللهيان في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو” “نتفهّم جيداً مخاوف تركيا الأمنية”. وأضاف “نتفهّم أن عملية خاصة (في سوريا) قد تكون ضرورية”.

من جهته، أكد وزير الخارجية التركية ضرورة الاستمرار في العمل سوياً مع إيران “لأن الإرهاب هو عدو مشترك للجميع”.

واعتبر تشاووش أوغلو أن استمرار اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، جرى بفضل مسار أستانة لحل الأزمة السورية، مؤكداً استمرار التعاون بهذا الخصوص.

ومنذ نهاية أيار/مايو، يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن هجوم جديد على بلدتين في شمال سوريا يستهدف مقاتلين أكراد.

وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، “إرهابية”، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين: “سنطلق عملية جديدة في سوريا بمجرد استكمال الحزام الأمني” على الحدود التركية مع سوريا.

وأضاف أردوغان أنه سيطرح خلال مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الثلاثاء، موضوع التنظيمات التي تصنفها بلاده على أنها “إرهابية”، وهي حزب “العمال” الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا.

ومنذ عام 2016، نفذت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية.

وكانت إيران، حليفة النظام السوري، قد دعت أنقرة في نهاية عام 2019 إلى إنهاء العملية العسكرية التركية التي تشنها في شمال سوريا بأسرع وقت ممكن.

———————————

قمة الناتو.. فرصة لتركيا

فيما يستعد قادة وزعماء دول حلف شمال الأطلسي “ناتو” للمشاركة في قمتهم بالعاصمة الإسبانية مدريد بين 28 و30 يونيو/ حزيران الجاري، يبدو أن أربع قضايا ذات أولوية ستشكل الملفات الأبرز على جدول أعمالهم.

وهذه القضايا هي: الإجراءات الجديدة الوارد اتخاذها مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وطلبا السويد وفنلندا الحصول على عضوية الناتو، واقتراحات لتعزيز البنية الأوروبية للحلف، وإظهار الصين “عدوا” للناتو تماما مثل روسيا.

وبالإضافة إلى هذه القضايا الأربع، تعتزم كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة طرح قضايا جديدة في القمة، التي تنعقد بينما تواصل روسيا منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، شن هجوم عسكري على جارتها أوكرانيا (المدعومة من الغرب).

ومما لا شك فيه أن القمة وبجانب الموضوعات الرئيسية، ستتناول قضايا أخرى أبرزها التوتر اليوناني التركي، ومكافحة الإرهاب على مستوى العالم، ومقترحات لزيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء بالحلف.

وخلال قمة الحلف، ستتاح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الفرصة لشرح المواقف التي تتعارض مع ميثاق التحالف الخاص بالناتو والتي تثير مخاوف أنقرة.

 نقاط بارزة

وفي ظل أن العديد من رؤساء الدول والحكومات، وبينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، سيحضرون قمة مدريد، فقد بدأت السلطات الإسبانية اتخاذ إجراءات أمنية ورفع مستوى التأهب في العاصمة مدريد.

وتم تخصيص ثلاثة فنادق للوفد الأمريكي الذي يضم ألف شخص، فيما بلغ عدد رجال الشرطة والأمن المشاركين في تأمين القمة نحو 10 آلاف عنصر.

ويشارك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أعمال قمة الناتو عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.

ومن المرجح أن يحاول عبر كلمته إظهار “بطولات أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي”، وتأكيد طلب عضويتها في الاتحاد الأوروبي والناتو، والسعي للحصول على مساعدات اقتصادية ودعم بالأسلحة وتشديد العقوبات “الرادعة” على موسكو.

كما أنه من المحتمل أن يدافع زيلينسكي عن ضرورة حصول السويد وفنلندا على عضوية الناتو.

وللمرة الأولى، يشارك رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في أعمال القمة، وتعتبر مشاركته في غاية الأهمية لأن بلاده إحدى أبرز الدول التي تتخوف من التهديدات الصينية والكورية الشمالية.

ومما لا شك فيه، أن كيشيدا سيحاول من خلال كلمته والمحادثات الثنائية مع الولايات المتحدة على هامش القمة حماية التوازنات في الشرق الأقصى.

وخلال الأسابيع الأخيرة، مارست بكين أنشطة عسكرية في بحر الصين الجنوبي وتشكل هذه الأنشطة ونتائجها مبعث قلق بالنسبة لتايوان أيضا.

ولذلك، من المنتظر أن تشكل آراء وكلمة كيشيدا، الذي تتناغم مصالح بلاده مع المصالح الأمريكية فيما يتعلق بالأمن القومي ضد التهديد الصيني، مصدر إعجاب للقادة الأوروبيين.

ومن المنتظر أيضا أن تحظى آراء وكلمة كيشيدا بدعم قادة كل من أستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، الذين تمت دعوتهم إلى قمة الناتو باعتبارهم “دولا شريكة” للحلف من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فرصة لتركيا

في قمة الناتو، يتحتم على تركيا أولا أن تشرح موقفها “المحايد” كدولة واقعة على حوض البحر الأسود، حيث تتواصل الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى الجهود التي تبذلها أنقرة لوقف الحرب.

ثانيا، يجب على تركيا أن تشرح مرة أخرى وبعبارات مقنعة أسباب معارضتها طلب كل من السويد وفنلندا الحصول على عضوية الحلف.

ويجب عليها أن تستعرض أمثلة لدول سبق أن استخدمت حق النقض ضد طلبات قدمتها دول أخرى للانضمام إلى الناتو، ومنها اليونان التي عارضت طلب عضوية مقدونيا ليس لسبب سوى اسم هذا البلد، وذلك قبل أن تغيره سكوبيه إلى جمهورية شمال مقدونيا أوائل 2019.

وأخيرا، يجب على أنقرة أن تؤكد، بصفتها عضوا في الحلف، خطورة الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها، بجانب خطورة دعم منظمات مثل “بي واي دي” في شمال سوريا بالأسلحة والتدريب وتوفير الدعم السياسي، خاصة في الوقت الذي تنتظر فيه أنقرة من الناتو تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الحلف.

كما يجب على تركيا تأكيد رغبتها في أن يتصرف الحلفاء بشكل كامل وفقا لروح الحلف ومواثيقه الملزمة، وأنها ستوافق على عضوية السويد وفنلندا بعد أن يلبي البلدان طلبات أنقرة (بوقف دعم تنظيمات إرهابية مناهضة لها) ويتعهدان بالالتزام بها.

ومن المرجح أن يحظى طلبا عضوية السويد وفنلندا في الناتو بدعم قوي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبولندا ورومانيا ودول البلطيق، بالإضافة إلى النرويج وهي الدولة الوحيدة العضو في الحلف بين دول الشمال.

(الأناضول)

القدس العربي

————————–

تركيا: على أعتاب معركة انتخابية حامية/ د. مدى الفاتح

بدأت الأحزاب التركية، وعلى رأسها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، التأهب للانتخابات التي ستجري صيف العام المقبل، وأُعلن رسمياً أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيخوض مرة أخرى غمار هذه المعركة مرشحاً عن «تحالف الشعب».

أول ما يجب فهمه في السياق الانتخابي التركي، هو أن المعركة ليست بين إسلاميين وعلمانيين، كما يحلو للبعض تخيلها، فالأحزاب المتقدمة جميعها علمانية، بما يشمل حزب «العدالة والتنمية» نفسه، لكن الفارق هو أن من بينها من يربط بين العلمانية وقيم الحرية، خاصة حرية العبادة، ومنها من يفهمها على أنها تضييق على المؤمنين.

على رأس الأحزاب التي تمارس العلمانية الإقصائية الرافضة للمظاهر الإسلامية «حزب الشعب الجمهوري»، الذي يبدو فهمه أقرب للممارسة الفرنسية ذات الحساسية الواضحة مع الرموز الإسلامية، مع الفارق الظاهر هنا وهو أن تركيا بلد بغالبية مسلمة. كون تركيا بلداً مسلماً، لم يمنع الحزب في وقت سابق من القيام بإجراءات من قبيل حظر الحجاب، أو منع الأذان باللغة العربية، وهو الأمر الذي استمر حتى وصول عدنان مندريس إلى الحكم عام 1950. المشكلة في السلوك العلماني المتطرف، الذي يجعل مصادمة المتدينين هدفاً له، هي أنه سيكون مجبراً على خوض معارك، كان يمكن توفيرها، مع الملايين من الجماهير الرافضة لتهميش الدين، هكذا ولأن الانتخابات بشكلها التقليدي سوف تكون طريقاً خاسراً، فإن هذه الأحزاب المتطرفة في علمانيتها كثيراً ما كانت تلجأ للخطة البديلة، وهي السعي للانقلاب من أجل الوصول إلى السلطة، هذا ما فعله «حزب الشعب الجمهوري» أكثر من مرة وهو يدعم سلسلة من الانقلابات، ابتداء من عدنان مندريس، أول رئيس منتخب، وسليمان ديميرل، ونهاية بالزعيم ذي الشعبية نجم الدين أربكان. كل هذه انقلابات كان هدفها استعادة وهج السلطة التي كانت بدأت بالتسرب من بين يدي الحزب. مظلة «الشعب الجمهوري» لم تكن كافية لضم الجميع من أصحاب طرح تحييد الدين، فظهرت مؤخراً شخصيات تنافس الحزب في راديكاليته مثل، ميرال أكشنار التي أسست في عام 2017 حزبها «الجيد» بعد انشقاقها عن «حزب الحركة القومية». حزب «الجيد» استطاع اكتساب عدد من المنشقين عن «حزب الشعب الجمهوري» وعلى رأسهم نواب في البرلمان، كما استطاع خلق كثير من الجدل حول طرحه الذي يتلخص في وجود تعارض بين القومية والدين.

سوف يجد الناخب التركي نفسه أمام وجهتي نظر، الأولى التي يمثلها أردوغان، والتي تمثل الاعتزاز القومي، وتعتبر التاريخ الإسلامي والسلطاني للبلاد جزءاً منه، والثانية التي تمثلها أكشنار، التي تنوي الترشح كمستقلة وغيرها من رموز المعارضة، من الذين لا يميلون لتمجيد السلاطين العثمانيين، وبشكل خاص السلطان عبد الحميد، ويعتبرون أن إسقاطه كان مسألة لا بد منها.

هذا لا يجعلنا أمام برنامجين انتخابيين، بقدر ما يجعلنا أمام قراءتين للتاريخ، فالأحداث المتلاحقة، التي أدت لإسقاط حكم السلطان عبد الحميد وزوال حكمه، والتي يراها البعض مؤامرة وخيانة، هي من وجهة نظر آخرين، عمل وطني، فأكشينار مثلًا رددت بافتخار، وفي أكثر من محفل، قصة جدها الذي كان مساهماً في تقويض سلطة عبد الحميد، وتمت معاقبته على ذلك بالنفي إلى اليونان. في نظرتها لأردوغان ترى أكشنار أنه شبيه بعبد الحميد، لكن هذا بالنسبة لها ليس شيئاً إيجابياً، بل هو على العكس من ذلك يحوّل الرجل إلى عقبة لا بد من إسقاطها، أي أن أكشنار ترى نفسها امتدادا لمشروع جدها. الشائعة التي تدور حول أن أكشنار ليست مؤمنة بالإسلام، والتي استندت إلى آرائها التي تنزع القدسية عن القرآن الكريم خصمت الكثير من رصيدها الشعبي، فالمؤكد أن الشعب التركي لن يصوت في غالبيته لمن يسخر من معتقداته، وهو السبب نفسه، الذي يقلل حظوظ كليجدار أوغلو زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، بسبب انتمائه للطائفة العَلوية. في خضم ذلك يطرح سؤال مهم عما إذا كانت حساسية الأجنحة المتطرفة من السلطان عبد الحميد، ومن السلطنة العثمانية تعود لأن ذلك كان حكماً استبدادياً ورجعياً، وهو ما آمن به كثير من الداعمين السابقين للجمعيات التي حاربت من أجل خلع السلطان؟ أم أن المسألة ليست سوى عداء للإسلام ذاته؟ نقاد أكشنار يرون أن تمجيدها الزائد لمعركة خلع السلطان، بما احتوته من جرائم راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، الذين امتلأت جسور إسطنبول بجثثهم المعلقة، خطير، لأنه يشير إلى أنها تؤمن بمسلك ممتلئ بالعنف ومتقوٍ بالأجانب.

أما حزب «العدالة والتنمية» الذي بدأ بداية قوية بحصوله على أغلب مقاعد البرلمان في عام 2002، والذي حقق نجاحات لا يمكن إنكارها على صعيد العلاقات الخارجية والاقتصاد، فيدخل بعد إكمال عقده الثاني، مرحلة لا تخلو من التحديات. الحزب، وإن كان استطاع، خلال الأشهر الماضية، ترميم إشكالاته مع أغلب دول محيطه، خاصة العربية منها، إلا أن التحدي الاقتصادي ما يزال بالنسبة إليه كبيراً، فالليرة التي كانت تقترب من الدولار في قيمتها في سنوات الصعود أصبحت بعيدة جدا عنه اليوم. المحافظون، الذين يمثلون الكتلة الانتخابية الأهم لصالح «العدالة والتنمية»، والذين يعتبرون أن برنامج الحزب يمثلهم، مقابل أصوات العلمانيين المتطرفين، يوجهون إليه أيضاً انتقادات ملخصها أنه اهتم بالطفرة الاقتصادية والاستقرار السياسي، لكنه أغفل الجانب التربوي والتعليمي والإعلامي. هذا يفسر بنظرهم وجود مسلسلات تركية مسيئة للتاريخ العثماني، كما يفسر وجود فقرات في المنهج التعليمي منتقدة للدين الإسلامي، أو رابطة بين التقدم والتحرر من تعاليمه. كثيراً ما يشير أولئك أيضاً إلى أن نجاحات الحزب في تنزيل القيم الإسلامية ما يزال متواضعاً، فحتى مسألة تقرير حرية ارتداء الحجاب، التي تعتبر من النجاحات المهمة، هي بالنسبة إليهم نتاج تنازل كبير، فقانون عام 2013، الذي ساهم «الشعب الجمهوري» في تمريره، لا يدور حول منح الحق في تغطية الرأس، وإنما اسمه «حرية اختيار الزي» والفارق أنه يعطي الحق في ارتداء الحجاب أو النقاب، لكنه يعطي الحق أيضاً في الخروج إلى الشارع، أو العمل بلباسٍ عارٍ، أو غير محتشم.

تركيز الحزب على المسألة الاقتصادية التي حقق فيها نجاحات كبيرة، من قبيل حذف أصفار كثيرة من العملة وتسديد الديون وتوفير الكثير من فرص العمل، جعله يحصد أصوات الناخبين بسهولة على مرّ السنين، لكن ارتباط الحزب بالنجاح الاقتصادي في غياب سياق فكري وتربوي، خطورته أن العلاقة مع الناخبين تكون محصورة في نطاق الفائدة المادية، التي إن تعثرت أو تأخرت، فإنه سيكون من السهل سحب الملايين منهم لخيارات بديلة، وهو ما حدث بالفعل خلال الانتخابات السابقة التي خسر فيها حزب أردوغان الكثير من الأصوات، واحتاج لأول مرة أن يدخل في تحالف مع حزب آخر، هو «الحركة القومية». في مقابل هذا التحالف «تحالف الشعب»، أنشأت أحزاب المعارضة الستة الكبرى تحالف «الأمة»، لكن هذا التحالف فيه مشكلة وهي، أنه لم يستطع حتى الآن اختيار مرشح متفق عليه للتقدم في مواجهة أردوغان، وهو الإشكال الذي قد يهدد مستقبل الإئتلاف المعارض.

ما يزال الوقت باكراً لتوقع ما ستحمله نتيجة الانتخابات، المتزامنة مع الذكرى المئة لتأسيس الجمهورية، لكن الأكيد أنها لن تكون معركة سهلة بالنسبة لجميع الأطراف.

كاتب سوداني

القدس العربي

—————————

واشنطن بوست: دروس التاريخ والواقع الحالي مدعاة لتساهل أردوغان مع انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو

إبراهيم درويش

دعت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أصلي إيدنطاش باش، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو.

وقالت إن وجبة كرات اللحم المشهورة في محل “أيكيا” هي في الحقيقة تركية، وكذا الملفوف المحشو بالأرز أيضا تركي، فقد جلبه معه الملك تشارلز الثاني عشر عندما عاد من تركيا التي لجأ إليها لعدة سنوات بعد خسارته معركة ضد الروس في بداية القرن الثامن عشر. وكانت المعركة الأخيرة هي في “بولتافا” الواقعة اليوم في وسط أوكرانيا، ولم يكن خصم الملك السويدي غير إيفان العظيم (الرهيب)، القيصر الروسي الذي سيطر على أجزاء في أوكرانيا من الدولة العثمانية، والذي يبدو الملهم للرئيس فلاديمير بوتين. وترى الكاتبة أن التاريخ، وحقيقة دعوة تركيا لتوسيع الناتو، يجب أن تكونا دافعا لتساهل أردوغان مع طلب فنلندا والسويد في قمة الناتو هذا الأسبوع في مدريد. ويشعر البلدان الواقعان على بحر البلطيق بالخوف من روسيا المحاربة، وتريدان استخدام قمة الناتو لإظهار الوحدة الأوروبية.

ولكن أردوغان هدد باستخدام الفيتو نظرا لدعم السويد حركة كردية في سوريا. وترى الكاتبة أن المأزق مرتبط على ما يبدو بالسويد، لكن هذه هي طريقة أردوغان للتعبير عن تظلماته من دول في الناتو، وتحديدا الولايات المتحدة.

كما تعيش في السويد أقلية كردية كبيرة، وهي متعاطفة بشكل علني مع القضية الكردية. وتنبع الأزمة الحالية من اعتماد الحكومة السويدية على النائبة الكردية في البرلمان أمينة كاكابفي، الذي يعتبر صوتها كمستقلة مهما لتشكيل الحكومة. ومقابل الحصول على صوتها، تعهد الحزب الاشتراكي بدعم الأكراد في سوريا المتحالفين مع الولايات المتحدة ولكن يعتبرون جماعة إرهابية في تركيا، نظرا لكونهم فرعا لحزب العمال الكردستاني، الحركة الانفصالية.

ووصف أردوغان  السويد بأنها “عش الإرهاب”. وترى الكاتبة أن تركيا لديها مظاهر قلق أمني مشروعة، إلا أن جزءا من المشكلة هي أن أنقرة ابتعدت كثيرا عن المعايير الأوروبية فيما يتعلق بالحريات المدنية، وتعريفها لحرية التعبير والإرهاب مختلف عن ذلك المعمول به في الديمقراطيات الأوروبية.

وتقول الكاتبة إن بعض مطالب تركيا مثل منع السويد جمع المال والتجنيد لحزب العمال الكردستاني، الجماعة المصنفة كإرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشروعة. أما المطالب الأخرى فهي تعبير عن اهتمامات داخلية، ومن الصعب على الأوروبيين الاستجابة لها. ففي مجال حرية التعبير، أظهر أردوغان لقطات فيديو لمتظاهرين أكراد في أوروبا، ونشرت الصحافة القريبة من الحكومة التركية صورا لمتظاهرين في استوكهولم وهم يحملون صور الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، وراية حزب العمال.

وعبّر أردوغان عن غضبه من محطات التلفزة السويدية التي بثت مقابلات مع قادة أكراد سوريا. وبالنسبة للسويديين العاديين، فلا مشكلة مع هذه التظاهرات، إلا أن تركيا تعتبرها أعمالا عدائية مباشرة لها. وجرت جولات من المحادثات الدبلوماسية خلال الأسابيع الماضية، لكن أكراد السويد ولزيادة سخط تركيا، قاموا برفع علم حزب العمال الكردستاني على مبنى عام في استوكهولم، وصورة لأوجلان مما زاد من غضب الرئيس التركي.

وردّ وزير الخارجية السويدي في محاولة لتخفيف سخط أنقرة، بأن هذا العمل “حملة ضغط متعمدة وخبيثة لعرقلة انضمام السويد إلى حلف الناتو”. ومن المتوقع أن يلتقي أردوغان قادة من السويد وفنلندا قبل قمة مدريد، ولا أحد يعرف ما ستفضي إليه المحادثات.

ومن الناحية المثالية، يجب ألا تلعب تركيا دور المخرب في هذه اللحظة من الوحدة بين طرفي الأطلنطي أمام العدوان الروسي. ويجب أن تتفاوض مع السويد وفنلندا على صفقة يتم فيها احترام مظاهر القلق الأمني التركية، وتتفهم معايير حرية التعبير في كل السويد وفنلندا.

ومن المستحيل التكهن بأردوغان، وربما شعر الزعيم التركي أنه حصل على ما يريد من السويد لكي يعلن عن انتصار محلي، مثل بيان من الناتو يشجب الإرهاب أو تطبيق لقانون مكافحة الإرهاب بدءا من الشهر المقبل أو مواصلة الفيتو على انضمام البلدين للناتو. ولكن على أردوغان أن يفكر بمصالح تركيا على المدى البعيد، وخاصة في ظل التحولات الجيوسياسية وتأكيد موقع تركيا في الناتو.

ولعبت أنقرة أوراقها بشكل جيد من ناحية دعم أوكرانيا وإدارة علاقاتها بحذر مع روسيا، وعليها الآن الموافقة على انضمام الدولتين الشماليتين للناتو، بدلا من إثارة الغضب عليها، ومساءلة دورها في حلف الناتو وتنفير الأوروبيين أكثر منها.

وأردوغان، يعتبر سيد اللعبة في التوازانات، واستطاع إظهار غضب بلاده من دعم أكراد سوريا، وعليه الآن استخدام الضوء الأخضر لتطوير علاقات جيدة مع حلف الناتو بما في ذلك الولايات المتحدة.

———————————–

عاملان حاسمان..لماذا غيرت إيران موقفها من العملية التركية بسوريا؟/ عقيل حسين

أقل من أسبوعين مرّا على آخر موقف إيراني رافض للتهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، قبل أن يسجل وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان استدارة عريضة قبل يومين، مع إعلانه تأييد بلاده لهذه العملية، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار سعي طهران لتعزيز العلاقات مع أنقرة التي تحتاجها إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى.

الموقف الجديد المفاجئ تمثل بقول عبد اللهيان أثناء زيارة إلى أنقرة الاثنين، إن بلاده “تتفهم” ضرورة تنفيذ تركيا عملية عسكرية جديدة ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.

وأوضح الوزير الإيراني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو أننا “نتفهّم جيداً مخاوف تركيا الأمنية”. وأضاف “نتفهّم أن عملية خاصة (في سوريا) قد تكون ضرورية”.

تحول كبير

ورغم أن موقف إيران من العملية التركية يبقى ثانوياً بالقياس إلى الموقف الأميركي والروسي منها، إلا أن معارضة طهران للتهديدات الجديدة بالتزامن مع لقاء أستانة-18 منتصف حزيران/يونيو 2022، ومن ثم إعلانها تأييد ترجمة هذه التهديدات بعمل عسكري وصفه عبد اللهيان بأنه “ربما يكون ضرورياً” أمر لا يمكن أن يكون قد حدث بشكل عفوي.

 الحديث مبررٌ عن صفقة سياسية بين الجانبين، ترفع من مستويات التعاون والتنسيق المشترك بينهما في العديد من الملفات التي تعتبر طهران عاملاً مؤثراً فيها، ويمنح تركيا هامشاً أكبر حيالها، ومنها الملف السوري بطبيعة الحال، مقابل حصول إيران على مكاسب خاصة من العلاقات التي تجمعها بتركيا.

تحييد تركيا

ويرى المحلل في مركز الحوار السوري أحمد قربي أن النظام الإيراني يهدف إلى تقديم كل الإغراءات الممكنة لتركيا من أجل إبعادها عن أي جبهة عسكرية اقليمية يجري الحديث عن تشكيلها في الوقت الحالي.

ويقول في حديث ل”المدن” حول التصريحات الإيرانية المحابية لتركيا بشكل غير مسبوق، إن “طهران تدرك أن هناك محددين أساسيين يحركان المواقف التركية في هذه المرحلة، وهما الاقتصاد في الداخل، حيث تواجه الحكومة التركية مشكلات معروفة، والمخاطر الأمنية التي يمثلها حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، ولذلك فإنها تعلن استعدادها للتعاون الكامل مع أنقرة من أجل مساعدتها في هذين الملفين، مقابل عدم انخراط تركيا في أي مشروع معادٍ لها، حيث يجري الحديث عن تأسيس حلف ناتو شرق أوسطي يستهدفها”.

وعليه فإن رفع إيران سقف تأييدها للرغبة التركية القوية بشن عملية عسكرية جديدة ضد القوات التركية في شمال سوريا، كما يقول قربي، “يهدف إلى تحييد أنقرة عن أي تحركات يمكن أن تكون موجهة ضدها”، ولذلك جاءت مسارعة طهران بإرسال وزير خارجيتها إلى أنقرة عقب زيارة ولي العهد السعودي إليها، بالتزامن طبعاً مع التطور المتصاعد للعلاقات التركية-الاسرائيلية.

خلية التجسس الإيرانية

بدوره، لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش أن المكاسب فقط هي ما تسعى إليه إيران من هذا التنازل الكبير لتركيا في الملف السوري، بل هناك أضراراً تريد تجنبها وستكون ممتنة لأنقرة إذا ما وافقت على ذلك.

ويقول كوش ل”المدن”: “حقيقة الموقف الإيراني الجديد من التهديدات التركية بشن عملية عسكرية أخرى في سوريا هو موقف لافت جداً، على الأقل بالمقارنة مع رفض طهران لهذه التهديدات لحظة الإعلان عنها مطلع الشهر الجاري، وهو تكرر أيضاً على هامش لقاء استانة الأخير قبل أسبوعين”.

ويضيف “لا شك أن هناك مستجدات مهمة استدعت مثل هذا التحول، وأهمها كشف أنقرة شبكة التجسس الإيرانية التي كانت تعمل على شن هجمات ضد مصالح تل أبيب واغتيال إسرائليين في تركيا، لذلك أعتقد أن عبد اللهيان جاء إلى أنقرة للملمة هذا الملف وضمان عدم التصعيد التركي حوله حتى وإن كان إعلامياً، إلى جانب مناقشة ملفات أخرى تأمل طهران أن تتعاون تركيا معها فيها”.

بين البحث عن مكاسب تتمثل بالرغبة في إبعاد تركيا عن أي جبهة عسكرية أو أمنية يتم العمل على تشكيلها من قبل خصوم إيران في المنطقة، وبين السعي لتجنب أزمة في ضوء القبض على عناصر من مخابراتها كانوا يخططون لتنفيذ هجمات على الأراضي التركية، يأتي التحول في موقف طهران من العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا، حيث يرى الكثيرون أنه لولا هذه التطورات وغيرها لما وافقت إيران على هجوم جديد للجيش التركي في سوريا، خاصة وأنه سيستهدف مناطق تعتبر حساسة بالنسبة لطهران، وتحديداً مدينة تل رفعت المحاذية لبلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي.

المدن

———————–

بيضة القبان في الانتخابات المقبلة في تركيا/ بكر صدقي

يمكن القول بلا مجازفة كبيرة إن بوصلة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة هي العامل المحدد لكل الحياة السياسية في تركيا خلال ما تبقى من الزمن قبل إجرائها. وهذا الزمن هو أقل من عام واحد سواء تم إجراؤها في موعدها، حزيران 2023، أو قبل ذلك إذا تقرر تقريب هذا الاستحقاق. السلطة والمعارضة على حد سواء تنظران إلى هذا الاستحقاق بوصفه «مصيرياً» وتعدان العدة لتأمين الفوز به، في ظل ضبابية الرؤية بشأن ميول الناخبين المحتملة في اللحظة الحاسمة. على أن الطرفين يبدوان شبه متفقين على أمر واحد هو أن رياح التغيير تزداد رجحاناً بصورة طردية مع تفاقم الوضع الاقتصادي، وفي الواجهة منه موضوع التضخم المنفلت الذي فشلت الإجراءات الحكومية في الحد منه كما من التمويه عليه أو تبريره أو صرف أنظار الرأي العام عنه من خلال إشغاله بمواضيع أخرى.

وفي حين تتصرف المعارضة وكأنها ضامنة للفوز من غير أن تفعل شيئاً من منطلق أن الوضع الاقتصادي كفيل وحده بإسقاط الحكومة الحالية، تدور في كواليس الحزب الحاكم مختلف السيناريوهات للتعامل مع تراجع شعبيته، على رغم محدودية الخيارات المتاحة. وأبرز ما يتم تداوله بهذا الخصوص هو كيف يمكن استمالة ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي أو تحييدهم بما يزيد من حظوظ طرف ويضعف حظوظ الخصم. فمن المرجح أن يلعب ناخبو هذا الحزب دور بيضة القبان في المعركة الانتخابية القادمة.

في هذا الإطار كثرت التسريبات، في الآونة الأخيرة، بشأن انفتاح جديد محتمل على كرد البلاد من قبل الحكومة، ولكن من غير أن يطلق عليه اسم الانفتاح، في صحف معروفة بقربها من الحكومة ودفاعها عنها. فذكرت صحيفة «هرييت» مثلاً أن هناك توجهاً لفك العزلة المفروضة على عبد الله أوجلان منذ سنتين، من خلال العودة إلى السماح بزيارته، لأقربائه أو محاميه. إذا تحقق هذا الاحتمال فهو يعني استخدام ورقة أوجلان، مرة أخرى، ضد حزب الشعوب الديمقراطي في حال قرر الأخير دعم الائتلاف السداسي المعارض أو مرشحه الرئاسي. بل ثمة من يتداولون في احتمال نقل أوجلان من السجن إلى الإقامة الجبرية بعدما أمضى في السجن 23 عاماً، ومن المحتمل أن تغري الحكومة أوجلان بهذا الوعد مقابل استصدار تصريح منه في مواجهة حزب الشعوب.

على أن كلا السيناريوهين المذكورين يتعلقان فقط باحتمال دعم «الشعوب» للائتلاف السداسي المعارض، ليشكل فك العزلة عن أوجلان رداً عليه بهدف إفشاله. ولكن من قال إن «الشعوب» سيدعم الائتلاف السداسي الذي لم يصدر عن قادته أي موقف من شأنه أن يغري الكتلة الناخبة الكردية، ولا يملك أي حزب من أحزابه رؤية متماسكة لحل المشكلة الكردية؟

وعلى رغم كل الضغوط التي يتعرض لها الحزب الكردي، من اعتقال ومحاكمة كوادره القيادية وعزل رؤساء بلدياته المنتخبين وصولاً إلى رفع دعوى قضائية تهدف إلى حل الحزب وحظر النشاط السياسي لـ500 من كوادره، فقد تلاحقت التحذيرات من بعض أركانه للائتلاف المعارض لكي لا يعتبر أصوات ناخبي الحزب مضمونين في جيبه. وفي الأسبوع الماضي قال أحد أبرز القياديين الكرد، أحمد ترك، في حوار صحافي: «نحن لا يهمنا من الذي يمسك بالعصا التي تنهال علينا ضرباً، بل تهمنا العصا نفسها» بمعنى أن انتقال سلطة اضطهاد الكرد من العدالة والتنمية إلى المعارضة ليس فيه ما يغريهم.

فهل يمكن أن يغريهم إذن رفع العصا عنهم أو تخفيف وتيرة الضرب؟

هذا ما تملكه السلطة وتفتقد إليه المعارضة. وفي هذا الإطار ثمة تسريبات تتحدث عن تمايز كتلة داخل الحزب الكردي بدأت تعبر عن حالة الانهاك التي أصابت الحزب بفعل الضغوط المستمرة منذ سبع سنوات، وتتساءل عن جدوى الاستمرار في الخط المعارض الذي اختطه الحزب وكانت كلفته باهظة وما زالت في حالة ارتفاع وصولاً إلى احتمال حل الحزب بقرار قضائي. في حين أن مراجعة خط الحزب قد ترفع هذا السيف المسلط على رقبته. فإذا صحت هذه التسريبات أو التكهنات فهذا يعني نوعاً من شق صفوف ناخبي الحزب أو تشتيت أصواتهم بما يؤدي إلى نتيجة هي لمصلحة السلطة.

الموضوع الآخر الذي يطرح يومياً أمام الرأي العام هو من يكون مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية؟ فشخص المرشح سيلعب دوراً حاسماً في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية بالنظر إلى أن الرئيس أردوغان يبقى مرشحاً قوياً حتى لو كان الحصول على 50+1% من أصوات الناخبين صعباً عليه، وسيتطلب التغلب عليه اختيار مرشح يفوقه شعبية ويحظى بإجماع أحزاب المعارضة. اللافت أن السلطة تضغط يومياً على الائتلاف المعارض ليختار مرشحه للانتخابات الرئاسية إلى درجة دفعت بأحد المعلقين للقول: «يبدو أن السلطة هي التي ستقرر من يكون مرشح المعارضة». وتتمنى السلطة ان يكون رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو هو مرشح الائتلاف السداسي، باعتباره خصماً سهلاً امام أردوغان، فالبيئة المحافظة لا تنظر إلى زعيم التيار العلماني بعين الرضى.

تدور الاحتمالات الأخرى حول رئيسي بلديتي إسطنبول وانقرة، أكرم إمام أوغلو ومنصور يواش على التوالي، بعد فوزهما الساحق في الانتخابات البلدية للعام 2019، على مرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم. وقد تعرض الرجلان لحملات منظمة من السلطة وإعلامها لإبعادهما عن احتمال الترشيح، ووقعا في «أخطاء تكتيكية» في الآونة الأخيرة أدت إلى حملات مضادة لهما من البيئة المعارضة أيضاً. بالمقابل ثمة مؤشرات كثيرة إلى احتمال ترشيح كلجدار أوغلو فعلاً كمرشح للمعارضة. أم أن «الطاولة السداسية» تخبئ مفاجأة بخصوص اسم مرشحها؟ هذا ما ستجيب عنه الأسابيع المقبلة.

كاتب سوري

القدس العربي

————————

شرق أوسط يغلي.. العرب يستكملون المصالحة.. إيران تعيش الذعر والجائزة في تركيا/ عقيل حسين

تحولت منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام الأخيرة الماضية إلى ساحة نشطة بشكل غير مسبوق منذ سنوات طويلة، حيث شهدت حراكاً دبلوماسياً ساخناً بالتزامن مع حديث عن تشكيل محاور، ومفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، واللافت أن كل ذلك يسبق وصول الرئيس الأمريكي إلى المنطقة منتصف تموز/يوليو القادم.

فبعد الجولة التي أجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وشملت كلاً من الأردن ومصر وتركيا، انطلق أمير قطر تميم بن حمد إلى القاهرة والجزائر، ثم وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة، ومن هناك أدلى الأخير بتصريحات مثلت تحولاً كبيراً في موقف طهران من المصالح التركية في سوريا، بينما سجلت أنقرة الموقف الأهم بإعلانها الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي/الناتو يوم الثلاثاء.

استقطاب تركيا

وإذا كانت موافقة تركيا على انضمام العضوين الجديدين إلى الحلف رغم كل محاولات روسيا إغراء أنقرة من أجل عرقلة الخطوة تأتي في سياق المتوقع، فإن إعلان وزير خارجية إيران أن بلاده تتفهم المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا، وترى أن العملية التي تهدد بشنّها ضد ميليشيات سوريا الديمقراطية “قسد” قد تكون ضرورية، اعتبر الحدث الأكثر أهمية على الإطلاق حتى الآن.

وبينما يرى المراقبون أن مساعي الولايات المتحدة لإبقاء الموقف التركي في سياق التوحد ضمن المواجهة مع روسيا، حيث كان رفض تركيا لانضمام هلسنكي واستوكهولم للناتو سيشكل صدعاً خطيراً في الجبهة التي عملت واشنطن على تشكيلها منذ بدء الروس غزوهم لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، فإن الموقف الإيراني من العملية العسكرية التركية المنتظرة بدا وكأنه يجاري المساعي الأخرى لاستقطاب أنقرة، خاصة مع تخوف طهران من انضمام تركيا إلى التحالف العسكري-الأمني الذي يقال إن بعض الدول العربية تسعى إلى تشكيله بالتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعتقد إيران أنه موجه ضدها.

لكن مصادر خاصة قالت لأورينت نت إن زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة لم يكن على جدولها أي نقاش يتعلق بهذا المشروع، الذي أطلق عليه عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، اسم “حلف ناتو عربي شرق أوسطي”، بل أتت في إطار التأكيد على تطبيع العلاقات السياسية بشكل كامل بين تركيا وبين المحور العربي الذي كان على خلاف شديد معها طيلة السنوات الماضية، وكدليل من الناحية الاقتصادية على تفاهم أمريكي مع هذا المحور من أجل استئناف الاستثمارات السعودية-الإماراتية في تركيا للتخفيف من الأعباء التي تعاني منها أنقرة على هذا الصعيد، وترى أنها يمكن أن تتضاعف في حال ردت روسيا على قرار أنقرة الموافقة على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، وهو ما حصل بالفعل.

لكن ومع ذلك فإن إيران، كما تقول هذه المصادر، تخشى من خطوة تركية مماثلة باتجاهها في حال فشلت المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت بينها وبين الولايات المتحدة مؤخراً بخصوص برنامجها النووي، بواسطة الاتحاد الأوربي، وكذلك في حال لم تفضِ الوساطة العراقية بينها وبين المملكة العربية السعودية إلى شيء، لذلك فقد سارعت إلى اتخاذ ما يلزم من احتياطات، وعلى رأسها تعزيز العلاقات بينها وبين تركيا.

ذعر إيراني

إيران المذعورة لم يتوقف حراكها عند هذا الحد، بل عملت على توسيع مساحته، حيث تكشف المصادر عن توجيهها رسالة إلى الأردن من أجل طمأنة مخاوفه بعد تصعيد عمّان القوي ضدها بسبب نشاطات ميليشياتها في سوريا على صعيد تهريب المخدرات والأسلحة، كما لم تستبعد أن تكون قد حمّلت أمير قطر رسالة إيجابية إلى مصر، التي يجهد النظام الإيراني لفتح قنوات تواصل معها منذ أكثر من عامين.

ومقابل هذه الرسائل الإيجابية من إيران لخصومها في المنطقة وكذلك للولايات المتحدة، حيث ردت الأخيرة ببادرة حسن نية تمثلت بالموافقة على نقل شحنات من النفط الإيراني إلى سوريا، واصل نظام الملالي العمل على التلويح بما يمكن أن يكون لديه من أوراق ضغط، حيث طلب كما تقول المصادر، من حركة حماس الفلسطينية الإعلان عن عودة العلاقات بينها وبين نظام ميليشيا أسد في هذا التوقيت، كمؤشر على أنه يمكن أن يعيد ترميم محور “المقاومة” الذي يستطيع توظيفه ضد خصومه في حال فشلت الدبلوماسية التي عول عليها بشكل غير مسبوق هذه المرة.

مصلحة مشتركة

وحسب المحلل السياسي السوري “درويش خليفة” فإن لدى كل من الولايات المتحدة وإيران القدر نفسه من المصلحة في إنجاح الدبلوماسية من أجل طي كل الملفات المسببة للتوتر في المنطقة، بهدف التفريغ للمواجهة مع روسيا والصين.

ويقول في تصريح لـ”أورينت نت”: واشنطن تريد عودة إيران إلى سوق النفط الدولي بما تمتلكه من طاقة إنتاج كبيرة لتعويض النقص الحاد الذي تسببت به العقوبات الغربية على روسيا، لذلك فهي تعمل على حل ملف البرنامج النووي بأفضل صيغة ممكنة بالنسبة لحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم السعودية وإسرائيل، لذلك أوعزت إلى الأوربيين والقطريين بالعمل على فتح طاولة حوار معها، وهو ما تمهد له الدوحة حالياً.

وبالمقابل يضيف خليفة أن إيران لديها مصلحة كبيرة في التوصل لاتفاق جديد مع الغرب حول برنامجها النووي، بما يفضي إلى إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتي أرهقتها بشدة إلى درجة لن نكون مبالغين معها لو قلنا إنها جعلت من النظام الإيراني على حافة الانهيار، لكن طهران تصطدم بحقيقة أن توقيع واشنطن على هذا الاتفاق مرهون بموافقة الرياض وتل أبيب، ولذلك فهي تسعى للاستفادة من علاقاتها بكل من قطر وتركيا والعراق من أجل اقناع هذين الطرفين بإبداء المرونة، مقابل تعهدات ستقدمها بخصوص الملفات الأخرى المرتبطة ببرنامجها النووي، مثل برنامج الصواريخ وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ومستقبل وجودها العسكري في سوريا، ودعمها للحوثيين في اليمن.

ما الذي يمكن أن تقدمه تركيا لإيران ؟

ومقابل الفائدة الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تجنيها تركيا في حال رفع العقوبات عن إيران، بل وحتى قبل أن يحدث ذلك، حيث تعتبر تركيا بوابة إيران على أوربا والغرب، ومقابل إبداء طهران دعمها لعملية عسكرية تركية جديدة ضد “قسد” في سوريا، يبرز السؤال الكبير حالياً حول الفوائد التي تنتظرها طهران من تركيا.

وهنا يرى “درويش خليفة” أن النظام الإيراني ينتظر من الحكومة التركية لعب دور الوسيط بينها وبين إسرائيل وإن كان بشكل غير معلن، خاصة مع اقتناع طهران بأن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن توافق على إحياء الاتفاق النووي معها بدون موافقة تل أبيب، أما في سوريا، فإنه ومقابل إبدائها الاعتراف بالمصالح التركية، فإنها تنتظر على الأغلب موقفاً مشابهاً من أنقرة، أو على الأقل ضمان عدم انخراط الأخيرة في أي مشروع قد يستهدف المصالح الإيرانية في سوريا بحال لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل يعيد ترتيب كل الأوراق في المنطقة كما تخطط الولايات المتحدة حالياً وتأمل أن ينجز هذا الترتيب قبل وصول بايدن إلى الشرق الأوسط بعد ثلاثة أسابيع.

لكن الدكتور علاء السعيد المتخصص في الشأن الإيراني والخبير في المنتدى العربي لبحث وتحليل السياسات الإيرانية (أفايب) لا يتوقع نتائج كبيرة لهذا الحراك الإيراني، الذي يعتقد أن دافعه الرئيسي تخوف طهران الكبير من المساعي لتشكيل جبهة عربية ضدها.

ويقول في حديث لـ”أورينت نت”: إيران لم تكف عن التحركات في أي وقت من الأوقات من أجل خدمة مشروعها التوسعي في المنطقة، حيث تأخذ هذه التحركات أشكالاً مختلفة تنسجم ومتطلبات كل مرحلة، وعلى الرغم من محاولة النظام في طهران إيجاد علاقات قوية مع تركيا، إلا أن تعارض المشروع التركي والفارسي ينتج عنه أحياناً خلافات كبيرة، ولكنهما يتقاربان أو ينسجمان في بعض الأحيان من أجل مصالح مشتركة، إلا أن الأمر يختلف هذه المرة كون العلاقات التركية والصهيونية قد زادت قوتها في الفترة الأخيرة، وكون تركيا محل استقطاب شديد هذه المرة، وخاصة من قبل جبهة المواجهة العربية الغربية التي تسعى لضم تركيا، خاصة في ظل حكم الديمقراطيين بأمريكا، الذين فشلوا في احتواء نظام إيران.

ويختم السعيد بالقول: أرى أن أي تحركات إيرانية في المنطقة ستبوء بالفشل في ظل اصطفاف عربي متماسك، وما يلوح في الأفق من محاولة تشكيل ناتو عربي كما ألمح الملك عبد الله عاهل الأردن، أما زيارة أمير قطر إلى القاهرة، فهي محاولة لرأب الصدع في العلاقات العربية العربية، بعد الضغوط التي تعرضت لها الدوحة من قبل دول الخليج ومصر بسبب مساندتها لبعض الجماعات وعلاقاتها المتميزة مع إيران، وأعتقد أن قطر قدمت بعض التنازلات من أجل المصالحة العربية، ومن أهمها خفض التعامل مع إيران والتخلص من بعض الالتزامات معها، وتلك فرصة بالنسبة لقطر من أجل الانخراط في الصف العربي والقرار العربي الموحد ضد إيران.

حراك دبلوماسي مكثف وغير مسبوق على الإطلاق تشهده منطقة الشرق الأوسط وتتسارع وتيرته بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة الماضية. من أجل إنجاز صفقات محددة وواضحة قبل أن تحط طائرة الرئيس الأمريكي فيها منتصف الشهر المقبل، وهي صفقات ينتظر أن تغير وجه الشرق الأوسط كما يقول المراقبون، أو تدفع المنطقة برمتها نحو انفجار واسع في حال لم يتم إنجاز هذه الصفقات.

أورينت نت

————————–

تركيا توجّه الصفعة الأخيرة لبوتين.. زلزال دولي بدخول السويد وفنلندا الناتو وفتح الباب على مصراعيه

تلقت موسكو صفعة عسكرية ودبلوماسية مزدوجة إزاء أمالها في بعثرة أوراق الناتو وعرقلة توسعه نحو الدول الإسكندنافية، بعد أن وافقت أنقرة في اللحظات الأخيرة على إزالة تحفظها على انضمام كل من السويد وفنلندا للتكتل الغربي الأكبر، في خطوة من شأنها تضييق الخناق على موسكو وزيادة عزلتها.

وقالت وكالة رويترز إن تركيا رفعت حقّ النقض (الفيتو) بشأن محاولة فنلندا والسويد للانضمام إلى الحلف الغربي يوم الثلاثاء، في اختراق بعد قبيل بدء قمة الناتو في مدريد التي تهدف إلى إظهار العزم ضد روسيا، واعتبارها تهديداً أمنياً مباشراً وليس خصماً محتملاً.

خرق بعد 4 ساعات من المباحثات

الخرق الذي كانت تخشى موسكو حدوثه أعقب مباحثات استمرت لأربع ساعات، جمعت الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون والرئيس الفنلندي ساولي نينيستو. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الرئاسة التركية أن أنقرة نالت ما أرادته من فنلندا والسويد الراغبتين في الانضمام إلى “الناتو”، قال الرئيس الفنلندي نينيستو في بيان إن تركيا ستدعم دعوة فنلندا والسويد للانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي”، وهو ما يعني أن هلسنكي وستوكهولم يمكنهما المضي قدماً في طلبهما للانضمام إلى التحالف المسلح نووياً، ما يُعدّ أكبر تحول في الأمن الأوروبي منذ عقود، حيث تسعى دولتا الشمال الأوروبي المحايدتين منذ فترة طويلة إلى حماية الناتو.

بدورها قالت رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون في تغريدة على تويتر: “تم التوصل إلى مذكرة رئيسية بين السويد وفنلندا وتركيا تمهد الطريق لانضمام السويد إلى الناتو”.

كما أشادت بالاتفاق ووصفته بأنه “اتفاق جيد للغاية”، مضيفة أن “اتخاذ الخطوة التالية نحو عضوية كاملة في الناتو أمر مهم بالطبع للسويد وفنلندا، لكنها أيضاً خطوة مهمة جداً لحلف الناتو، لأن السويد ستكون من مزودي الخدمات الأمنية داخل الناتو”.

روسيا تهدد

على الجانب الآخر لم تخف روسيا امتعاضها من اللطمة التي تعرضت لها، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن روسيا تنظر بسلبية تجاه انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، وتوسيع الحلف عامل لزعزعة الاستقرار.

وأضاف ريابكوف أن الجانب الروسي “يدين المسار غير المسؤول لحلف شمال الأطلسي، والذي يقضي على البنية الأمنية الأوروبية” معتبراً أن “دول الناتو، بما في ذلك تلك التي تسعى للانضمام إلى الحلف، فنلندا والسويد، تتنازل في الواقع عن جزء من سيادتها الدفاعية للولايات المتحدة”.

وفي تهديد مباشر لتلك الدول، تابع ريابكوف قائلاً: “لدي شكوك جدية حول كم ستكون الفترة المقبلة هادئة بالنسبة لجيراننا في شمال أوروبا.. وفي النهاية، أعطوا جزءاً من سياستهم الخارجية وسيادتهم الدفاعية لواشنطن، ومن يسمون شركاء كبار آخرين في الناتو”. كما اعتبر أن “المحادثات حول التضامن الأوروبي الأطلسي، والتي تستخدم كغطاء للخطط العدوانية للتحالف ضد روسيا”.

الهيمنة على البلطيق

ومن شأن انضمام الدولتين أن يساعد في تعزيز استجابة الحلف للتوسع الروسي، ولا سيما عقب الأزمة الأوكرانية، بينما سيبدو أثر الخطوة  أكثر وضوحاً في بحر البلطيق، إذ ستمنح العضوية الفنلندية والسويدية التفوق العسكري لحلف الناتو.

وكانت السويد وفنلندا ترفضان تاريخياً السعي للحصول على عضوية الناتو، بسبب الرأي العام المختلط من جهة، والحذر بشأن علاقتهما الأمنية مع روسيا من جهة أخرى، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع كلا البلدين إلى السعي نحو طلب الانضمام للحلف الغربي خوفاً من أن تصبحا لقمة سائغة في فم بوتين بعد الفراغ من أوكرانيا.

———————————

حسابات مختلفة للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري.. “الناتو” لا علاقة له؟/ محمد وسام

لا يبدو أن الاتفاقية الثلاثية الموقّعة بين فنلندا والسويد وتركيا، الخاصة بموافقة تركيا على انضمام الدولتين إلى حلف “شمال الأطلسي” (الناتو)، مؤشرا على دعم أو تسريع وتيرة البدء بالعملية العسكرية التركية المحتملة في مناطق من الشمال السوري، كما بدأ يعتقد بعض المراقبين، لا سيما وأن تأخّر العملية مرتبط بشكل أساسي بالرفض الأميركي الروسي لأي تحرك عسكري تركي جديد في سوريا.

اتفاق ثلاثي

بعد مفاوضات واجتماع أخير، عُقد بعيدا عن كاميرات الإعلام، حدثت الانفراجة، ونالت السويد ومعها فنلندا ما طمحتا له، وهو موافقة تركيا على انضمامهما لـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، بعد رفض استمر لشهر ونصف، اعتبره مراقبون أنه رفض لتحصيل مكاسب سياسية لتركيا، يندرج تحت إطار “المساومات التركية المعهودة“.وقال الرئيس الفنلندي سولي نينيستو، في اليوم الأول من قمة الحلف في العاصمة الإسبانية مدريد الثلاثاء إن: “هذا التطور المهم جاء بعد أن وقّعت الدول الثلاث ،مذكرة مشتركة لتقديم دعمها الكامل في مواجهة التهديدات لأمن بعضها البعض“.

وأوضح البيان المشترك للدول الثلاثة الموقّعة على اتفاقية التفاهم، أن السويد وفنلندا تتعهدان بالتعاون التام مع تركيا في مكافحة “حزب العمال الكردستاني” وجماعة “غولن“، إضافة لمنع أي أنشطة تابعة للجماعات المذكورة.

ماذا كسبت تركيا؟

الرئاسة التركية قالت في بيان مساء الثلاثاء إن “تركيا حصلت على ما تريده“، مشيرة إلى أن كل من فنلندا والسويد، تعهدت مع تركيا في مكافحة “حزب العمال الكردستاني” الذي تصنفه أنقرة على قائمة الإرهاب لديها.

الكاتب والباحث السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، يؤكد أن موافقة تركيا على انضمام الدولتين لحلف الناتو، جاء بعد تعزيز التعاون بين الجانبين، في العديد من الملفات والقضايا، أبرزها “حزب العمال الكردستاني“، إضافة إلى موافقة فنلندا والسويد على منع أي نشاطات “معادية لتركيا“.

ويقول رضوان أوغلو في حديث خاص لـ“الحل نت“: “ربما يكون هناك تسليم لبعض الأشخاص، الذين ثبتت عليهم تهم إرهابية، وستتعهد هذه الدول بعدم دعم أي شيء يضر بمصلحة الأمن القومي التركي“.

ويعتقد رضوان أوغلو، أن استفادة تركيا من هذه الموافقة، ستصل إلى الجانب الاقتصادي، وحول ذلك يضيف: “سيكون هناك دور فاعل، نعلم أن السويد رضخت للعقوبات الأميركية على تركيا، ومنعت بعض القطع العسكرية، فهذه الأمور سيتم إعادة تقييمها ضمن هذا التفاهم“.

ما علاقة العملية التركية؟

ويستبعد الباحث السياسي التركي، وجود أي علاقة بين الاتفاق الثلاثي، والعملية العسكرية التركية شمالي سوريا، لا سيما مع استمرار الرفض الأميركي الروسي لهذه العملية.

وحول ذلك يقول: “لا يوجد أي علاقة بين هذا التفاهم والعملية العسكرية التي أعلنت عنها تركيا في الشمال السوري، هذا ملف وهذا ملف آخر، العملية العسكرية لها حسابات أخرى تتعلق بالملف السوري حصرا ،ونوعا ما في الملف الداخلي التركي، الرفض الأميركي والروسي سيبقى موجودا“.

وتواصل الولايات المتحدة الأميركية، رفضها التحركات العسكرية التركية في الشمال السوري، حيث وسعت واشنطن من انتشار قواتها ودورياتها ،وسيّرت طائرات شرقي الفرات، لتأكيد حماية حلفائها وردع الجيش التركي. كما أعلنت واشنطن، وأبلغت أنقرة قبل أسابيع عبر مندوبتها إلى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد رفضها أي هجمات عسكرية، معتبرة أن ذلك سيضر بالاستقرار الإقليمي.

ومما يؤكد عدم تغيّر الموقف الأميركي، هو تصريح البيض الأبيض، مؤخرا، بعدم تقديم أي تنازلات لضمان إعطائها الضوء الأخضر لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي.

فيما قال مسؤول كبير في الرئاسة الأمريكية في تصريحات لصحفيين ونقلها موقع “القدس العربي“: “لم يكن هناك أي طلب من الجانب التركي للأمريكيين لتقديم تنازل معيّن“.

وأضاف طالبا عدم الكشف عن هويته إنّ قرار تركيا “يوفر دفعا قويا” لوحدة “حلف شمال الأطلسي“.هذا وتجدر الإشارة إلى أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو“، يُعد خطوة لمواجهة روسيا في حربها المحتملة مع الغرب، لا سيما بعد الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، والذي بدأ في شباط/فبراير الماضي.

إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن معارضته بداية، انضمام البلدين الشماليين، بسبب ما وصفه بدعمهما لـ “المنظمات الإرهابية” في إشارة إلى “حزب العمال الكردستاني“، وفق رؤية أنقرة.

الحل نت

———————

حصاد تركيا من قمة الناتو.. مكاسب استراتيجية أم وعود نظرية فيصلها جدية التطبيق؟/ إسماعيل جمال

صفت الرئاسة التركية ووسائل الإعلام الرسمية مباحثات الرئيس رجب طيب أردوغان مع الزعماء الغربيين على هامش قمة الناتو واللقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن والاتفاق الثلاثي مع فنلندا والسويد بأنه “انتصار” و”تحقيق لكافة المتطلبات والشروط التركية” و”خطوة استراتيجية” وغيرها الكثير من العبارات التي أجمعت على وصف ما جرى في قمة الناتو بأنه “انتصار” ومكاسب مهمة لأنقرة.

لكن في المقابل ركزت وسائل إعلام معارضة وكتاب على ضرورة “عدم الإفراط في التفاؤل” والانتظار لحين التأكد من أن ما حققته تركيا وجرى الاتفاق عليه نظرياً في القمة سيتحول بالفعل إلى إجراءات عملية ونتائج ملموسة على الأرض وهو ما شكك به الكثير من الصحافيين والكتاب الأتراك، محذرين من “الخداع الغربي المعتاد”.

وعلى الرغم من تأكيد كبار المسؤولين الأتراك طوال الأسابيع الماضية على أن بلادهم لن تسمح بانضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي بهذه السرعة، إلا أنه جرى الثلاثاء التوقيع على اتفاق ثلاثي يقضي برفع الفيتو التركي على انضمام البلدين مقابل تعهدات مختلفة جرى تقديمها لأنقرة، اعتبرتها بيانات ووسائل إعلام رسمية أنها “انتصار تركي وتشمل تحقيق لكافة المطالب التركية المعلنة.

وتضمنت الوثيقة التي وقعت عليها البلدان الثلاث تعهداً برفع كافة العقوبات والقيود المفروضة على الصناعات الدفاعية وصادرات الأسلحة إلى تركيا، وهو ما يعتبر انجازاً في هذه المرحلة، إلا أن الكثير من التساؤلات تبقى مطروحة أمام الضمانات التي تمنع البلدين من العودة لسياسة العقوبات مع تركيا في حال الدخول بجولة جديدة من الخلافات ومنها على سبيل المثال أي تصعيد أو صدام عسكري مع اليونان أو القيام بعملية عسكرية ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا، كما جرى سابقاً عندما فرض البلدين عقوبات وحظر على صادرات الأسلحة لتركيا رداً على عمليات الجيش التركي شمالي سوريا.

وفي نقطة أخرى، تعهد البلدان بالعمل على تعديل قوانين مكافحة الإرهاب وتضمن البيان لأول مرة عبارات من قبيل وصف تنظيم بي كا كا وأذرعه في سوريا بـ”التنظيم الإرهابي” حيث كانت على الدوام الدول الغربية تؤكد تمييزها بين تصنيف بي كا كا على أنه تنظيم إرهابي وبين ما تقول تركيا إنها امتداداته في سوريا تحت مسمياته المختلفة “ب ي د/ واي بي جي” وغيرها من المسميات، إلى جانب ذكر غولن كـ”تنظيم إرهابي” لأول مرة من قبل دول غربية وفي نص اتفاق ما اعتبرت بمثابة “اتفاقية دولية”، إلى جانب التعهد بالتجاوب مع الطلبات التركية لتسليمها المطلوبين.

لكن في المقابل، طرحت الكثير من التساؤلات حول مدى إمكانية تطبيق هذه التعهدات وخاصة فيما يتعلق بنشاط تنظيمات غولن وأنصار بي كا كا، وكتبت مئات التغريدات من قبل صحافيين ومواطنين أتراك عبر تويتر تضمنت: متى ستخرج أول تظاهرة لأنصار بي كا كا في فنلندا والسويد؟ كيف ستتعامل الشرطة معهم؟، هل ستغير البلدان قوانين مكافحة الإرهاب بالفعل؟، أم أنها سوف تستمر في لعبتها المعتادة بالتذرع بالقوانين والقول إنها تحارب بي كا كا الذي ينشط بقوة بأسماء أخرى؟.

والأربعاء، أعلن وزير العدل التركي بكير بوزداغ أن بلاده ستطالب فنلندا والسويد بتسليمها 33 شخصا ينتمون إلى بي كا كا وتنظيم غولن، وقال الوزير: “في إطار الاتفاق الجديد، سنطلب من فنلندا تسليم ستة عناصر من بي كا كا وستة من حركة ‘فيتو’ (غولن)، ومن السويد تسليم عشرة عناصر من ‘فيتو’ و11 من حزب العمال الكردستاني”، وهو ما سيعتبر بمثابة اختبار سريع لمدى إمكانية تطبيق التعهدات النظرية فعلياً على الأرض.

وفي ملف آخر، يعتقد أن المباحثات غير المباشرة والتفاهمات التي قادت إلى موافقة أنقرة على انضمام فنلندا والسويد شملت بعض التفاهمات مع الإدارة الأمريكية، وعلى الرغم من عدم وجود تأكيدات في هذا الإطار إلا أن إدارة بايدن أعطت إشارات جديدة على دعمها تمرير صفقة بيع تركيا طائرات إف 16 لا سيما عقب اتصال هاتفي وقمة عقدت بين أردوغان وبايدن في خطوة اعتبرتها وسائل إعلام تركية أنها بمثابة “دليل على محورية دور تركيا” في قمة الناتو.

وقالت سيليست والاندر مساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي للصحافيين في تصريحات عبر الهاتف إن تعزيز القدرات الدفاعية التركية هو تعزيز لدفاعات الأطلسي. وأضافت “الولايات المتحدة تدعم تحديث تركيا لأسطولها من الطائرات المقاتلة لأن في ذلك إسهام في أمن الأطلسي وبالتالي الأمن الأمريكي.. هذه الخطط في طور الإعداد ويجب الدفع بها لعمليات التعاقد”.

ورغم تأكيد إدارة بايدن حثها الكونغرس على تمرير الصفقة، إلا أن شراء تركيا 40 مقاتلة من طراز إف 16 وتحديث 80 طائرة أخرى بحاجة إلى تمرير فعلي من الكونغرس الذي يمكن ألا يمرر هذه الصفقة بالفعل، وستلجأ إدارة بايدن كإدارات أمريكية سابقة لتبرير الأمر بالقول إن الرئيس ليس لديه سلطة لفرض الصفقة على الكونغرس وأنه قام بما هو عليه من حثه على القيام بذلك، بحسب ما حذر كتاب أتراك.

وفي سياق آخر، يتوقع أن تستغل تركيا مخرجات قمة الناتو للبدء بعملية عسكرية جديدة ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا تهدد بتنفيذها منذ أشهر، حيث يتوقع أن تساعد الاتصالات مع الإدارة الأمريكية والتعهدات التي حصلت عليها أنقرة من فنلندا والسويد بدعم جهودها في مكافحة الإرهاب ولقاءات أردوغان المكوكية مع زعماء أمريكا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وغيرهم حيث ركز الرئيس التركي على شرح حاجات تركيا الأمنية للقيام بالعملية العسكرية في سوريا.

وفي هذا الإطار، ستعتبر عملية عسكرية جديدة في سوريا بمثابة اختبار كبير لكافة التعهدات والاتصالات السابقة، وسكون السؤال الأكبر هل ستتلقى تركيا دعماً غربياً في العملية العسكرية المقبلة؟، أم أنها ستواجه إدانات وانتقادات وربما عقوبات كمان كان في السنوات الماضية؟.

—————————-

واشنطن بوست: أردوغان حصل على دفعة سياسية ووعد من بايدن وتنازلات قليلة في “الناتو”/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته إيرن كاننغهام وسام ويستفول، قالا فيه إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حصل على دفعة سياسية قوية وتنازلات قليلة. وأشارا إلى أن حلف الناتو أعلن يوم الأربعاء قبول طلب عضوية كل من السويد وفنلندا للإنضمام إليه. وهو تحرك سيزيد أعضاء التحالف الأطلنطي إلى 32 عضوا، وسيعيد تجديد الأمن الأوروبي وسط حرب روسية طاحنة في أوكرانيا. إلا أن قادة الناتو الذين اجتمعوا في مدريد يوم الثلاثاء لم يكونوا متقينين من توجيه الدعوة للدولتين، بسبب معارضة تركية استمرت عدة أسابيع،  حيث وصفت أنقرة الدولتين الإسكندنافتين بأنها ملجأ  للمنظمات الإرهابية. وقال أردوغان للصحافيين في أنقرة قبل القمة “العضوية في الناتو تأتي بمسؤولية، ولو أرادت السويد وفنلندا الإنضمام فيجب عليهما أخذ مظاهر القلق الأمني التركية بعين الاعتبار”.

 وفي الساعة الأخيرة أُقنع أردوعان برفع الاعتراض عن انضمام السويد وفنلندا. ففي مذكرة تفاهم مكونة من ثلاث صفحات وافق البلدان على وقف الدعم للمقاتلين الأكراد في سوريا وأتباع رجل الدين التركي المقيم في أمريكا، فتح الله غولن، والذي تتهمه أنقرة بترتيب الإنقلاب الفاشل عام 2016. ودعت الوثيقة حكومتي السويد وفنلندا لإغلاق شبكات التمويل والتجنيد لحزب العمال الكردستاني “بي كي كي”. وهي الجماعة التي تصنفها تركيا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي إرهابية وتشن حربا منذ عقود ضد الدولة التركية. واعتبرت الصحافة الموالية للحكومة انتصارا لتركيا وأثنت على حزم ورؤية الرئيس وتأكيده على القلق الأمني التركي في المسرح العالمي. وقالت صحيفة “يني أكيت” الموالية للحكومة “ضربت تركيا قبضتها على الطاولة فركعت أوروبا”.

وقالت ميريف طاهراوغلو، منسقة برنامج تركيا في مشروع الديمقراطية بالشرق الأوسط إن أردوغان “وجد فرصة هنا وفي ظل الأزمة الأوكرانية والحصول على بعض التنازلات من الناتو لتعزيز صورته الدولية”. وقالت إنه “أراد من هذه الحركة إثبات أنه على الطاولة ولا يمكن تجاهله وأن مطالبه لا يمكن إنكارها ويجب التحاور معه”. وقالت إن واحدا من أهدافه كانت مقابلة جوي بايدن وقادة الناتو. وفي يوم الأربعاء التقى مع بايدن على هامش القمة و “رحب بايدن بتوصل تركيا لاتفاق ثلاثي مع فنلندا والسويد” والسماح لطلبهما العضوية المضي في مساره.

وقال مسؤولون دفاعيون أمريكيون يوم الأربعاء أن إدارة بايدن تدعم صفقة محتملة لشراء تركيا مقاتلات أف-16 والتي تواجه معارضة في الكونغرس. وقالت سيليست والندر، مساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي “تركيا حليف استراتيجي مهم للناتو، قادر وثمين”. و”تدعم الولايات المتحدة تحديث اسطول طائراتها لأن هذه مساهمة في أمن الناتو وبالتالي الأمن الأمريكي”.

وتعلق الصحيفة أن أنصار الرئيس وإن صفقوا لدبلوماسيته الحازمة إلا أن الحقيقة تشير إلى حصوله على تنازلات قليلة من الغرب. وربما كان راغبا بتحقيق نصر سياسي في الداخل. وهو يواجه أزمة اقتصادية حادة وتراجع في الشعبية ويبدو أنه تشدد في موضوع انضمام الدولتين الإسكندنافيتين ومحاولة إجبارهما على ترديد مواقفه من الإرهاب والأكراد. وفي تصريحات للصحافيين قال مسؤول بارز في الإدارة إن تركيا  لم تطلب من أمريكا طلبات محددة. وبعد توقيع المذكرة ظهرت خلافات حول تفسيرها وفيما إن كانت فنلندا والسويد ستسلم أعضاء في حزب العمال الكردستاني وحركة غولن إلى تركيا. وقال وزير العدل التركي إنه يخطط “لتذكير” فنلندا والسويد بعدد من طلبات الترحيل التي قدمتها أنقرة على مدى  السنوات الماضية، وحثهما على إعادة النظر بها والتعجيل بها.

    أردوغان وحزبه يبحثان عن أي قضية تحرف النظر عن الموضوع الاقتصادي

وقال الرئيس الفنلندي سولي نينستو بمدريد إن حكومته “لم تتلق أي زعم، حسب علمي”. وقالت ماغدلين أندرسون، رئيسة الوزراء السويدية إن حكومتها “ستتبع القانون السويدي والدولي” في التعامل مع الطلبات.

وعلق أرون ستين مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا “هناك بعض الناس يتساءلون، إذا كانت مكاسب تركيا متواضعة، فلماذا كان علينا الدخول في كل هذا. ويجب أن تكون هناك يد خفية، سمها أف-16 ولكنها لم تكن موجودة”، مضيفا “دخلنا في كل هذا من أجل حصول أنقرة على مكاسب الحد الأدنى وهذا كل ما في الأمر”.

 ويرى جيمس ريان، من جامعة نيويورك أن أردوغان وحزبه يبحثان عن أي قضية تحرف النظر عن الموضوع الاقتصادي، و”هذا هو الدافع وراء هذا الاستعراض المدروس، نجح في الماضي ولا يعني أنه سينجح الآن”

 ———————

هل عدل «الناتو» سياساته التركية؟

عطلت تركيا، العضو في حلف الأطلسي منذ عام 1952 قرار انضمام السويد وفنلندا وذلك على خلفية دعم البلدين لنشاطات حزب العمال الكردستاني، وفروعه العديدة، بمسميات مختلفة، في سوريا، والذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، غير أن الأنباء الواردة تقول إن قمة الحلف، التي بدأت أمس الأربعاء، في العاصمة الإسبانية مدريد، ستشهد، أخيرا، موافقة تركيا على دخول هذين البلدين إلى الحلف.

جاء تغيير استوكهولم وهلسنكي موقف الحياد الذي اتبعته الدولتان الاسكندنافيتان تجاه الانضمام للحلف، والذي دام قرابة سبعين عاما، كرد فعل من حكومتيهما على الغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي اعتبرته الدول الأوروبية كافة خطرا كبيرا عليها، وحدثا غير معادلات السياسة المستقرة نسبيا منذ الحرب العالمية الثانية.

رفعت الحرب الأوكرانية، من جهة أخرى، رصيد تركيا في المعادلات الجديدة المتشكلة، وأعطت قيادتها أوراقا كبيرة لتسديد حسابات مفتوحة مع بعض الدول الأوروبية، وعلى الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، التي تجاهلت مصالح أنقرة الحيوية في قضايا إقليمية وعسكرية وأمنية، وقد شهدت العلاقات بين البلدين، وخصوصا بعد عام 2011، الكثير من التوتر العالي، سواء في مجال دعم «الكردستاني» في سوريا، أو في قضايا خطيرة أخرى.

كان إسقاط أنقرة لطائرة مقاتلة روسية، عام 2015، ومعالم المواجهة مع الكرملين، مناسبة لإظهار التناقض في موقف واشنطن من حليف رئيسي، وغضا للنظر عن سيطرة الكرملين المتزايدة على الجغرافيا السورية التي تجسدت في تحول مطار احميميم ومرفأ طرطوس إلى قاعدتين متقدمتين مطلتين للجيش الروسي على البحر الأبيض المتوسط.

من غير المعلوم، إن كان لهذا القرار الخطير دور في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي جرت في تركيا عام 2018، لكن المعلوم الأكيد هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتبر خذلان «البيت الأبيض» وحلف الأطلسي لتركيا ضوءا أخضر له للتوسع العسكري في أماكن أخرى من العالم، وهو ما أدى، بالنتيجة، إلى الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

في سياق موافقة تركيا، أخيرا، على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف أعلن الرئيس رجب طيب اردوغان أن «تعاونا كاملا» قد حصل من البلدين بخصوص الموقف من «الكردستاني»، وأن البلدين قاما برفع حظر تصدير الأسلحة منهما لأنقرة. تعتبر هذه التطورات تغييرا مهما لصالح تركيا، غير أن الطريق للوصول إلى تقدير حقيقي من قبل «الناتو» للدور الحيوي التركي في معادلات السياسة العالمية المستجدة لا يبدو محسوما، فواشنطن ما تزال تجمد صفقة الطائرات المقاتلة إف 16 التي تحاول أنقرة إتمامها منذ سنوات، كما أن الموقف الأمريكي بالنسبة لـ»الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» التابعة له في سوريا، لا يبدو محسوما بعد.

لدى أنقرة، تحفظات متبادلة مع واشنطن، والمنظومة الأوروبية، غير أن الحدث الأوكراني أعاد صياغة الأولويات لدى الجميع، وأعطى تركيا مجالا أوسع للمناورة، وإذا كان من غير الواضح أن هذه الأولويات دفعت واشنطن وأوروبا إلى تقدير أهمية تركيا الكبرى كمجال حيوي للعلاقات الإقليمية والعالمية، أو لتخفيف الانحيازات الغربية، الأيديولوجية والدينية، تـجاه تركيا.

——————————

تمدد الناتو والفضل لبوتين وصدّام وخامنئي/ ياسر أبو هلالة

حصلت تركيا على صفقةٍ مناسبة، تراجعت فيها عن اعتراضاتها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وبذلك باعت بوتين بثمن يناسبها. وهو بالنسبة لتركيا له وظيفة أساسية؛ رفع سعرها عند الإدارة الأميركية، ويدرك بوتين ذلك جيدا، فلم تكن روسيا، تاريخيا، حليفا موثوقا لدى تركيا، وظلت تتقلّب في عين أردوغان بين عدو وصديق؛ تخوض معه معركةً جويةُ وتُسقط طائرةً لجيشه في سورية، وحليف عقب المحاولة الانقلابية في 2015. وهو مزوّد تركيا بصواريخ إس 400، وهو الذي يحاربها وكالة في أرمينيا، وتركيا تحاربه بمسيّراتها وكالةً في أوكرانيا. والواقع أنه لولا حماقته في أوكرانيا لما باعه أردوغان الذي حاول المضي في استراتيجية أوراسيا (التمدّد آسيويا) بدلا من “الناتو” والاتحاد الأوروبي.

كرّر خطأ صدّام حسين حرفيا، فمن حيث أراد فرض نفسه قوة عربية في المنطقة تواجه النفوذ الغربي، أعاد القواعد الأميركية إلى المنطقة بعد غزوه الكويت. كانت أميركا قد خرجت من المنطقة عسكرياً بعد سقوط الشاه، واعتبرت دول الخليج صدّام ظهيرا لها في مواجهة إيران التي تبنّت عقيدة تصدير الثورة. وفضّلت أن تدعمه في حربه على أن تستعين بقواعد أميركية. بعد غزو الكويت انهارت الثقة ليس في العراق، وإنما بمنظومة الأمن القومي العربي. هذا ما فعله بوتين بأوروبا، حقّق تماسكا غير مسبوق للحلف، ووسّعه بانضمام السويد وفنلندا. مع التذكير بأن ترامب كان ينظر بازدراء إلى الحلف الذي تنفق عليه أميركا من دون مقابل.

يتمدّد الحلف عربيا بمعزلٍ عن التسميات والاتفاقات. ورغم النفي الذي صدر عن وزير الخارجية الأردني لانضمام إسرائيل إلى “ناتو” عربي، إلا إن ذلك لا ينفي واقع أنها حليفٌ ضمني، سواء للدول الموقّعة على اتفاقات سلام وتطبيع أم الدول غير الموقّعة. والعرب عموما لا يتحالفون كتلة واحدة، إنما بشكل ثنائي. فكل دولةٍ تقلّع شوكها بيدها، فدولٌ تعتبر إيران صديقا، وأخرى تعتبرها عدوا. وثالثة ما بينهما. هذا التمدّد لا ينفصل عن سياق تاريخي من حلف بغداد في مواجهة المدّ الناصري إلى حرب الخليج الثانية، واحتلال العراق في 2003.

الفضل في التمدّد الأميركي خصوصا، و”الناتو” عموما، يرجع إلى أعداء أميركا. من حيث أرادوا إخراجها أشرعوا لها الأبواب. لو لم يغزُ صدّام الكويت لما عادت القواعد العسكرية الأميركية إلى المنطقة العربية، ولو لم يغز بوتين أوكرانيا لما توسّع حلف الناتو. وفوق ذلك، لو لم تمارس إيران سياستها العدوانية تجاه العالم العربي، سواء في العراق أم سورية أم لبنان أم اليمن، لما احتمت الدول المهددة بأميركا. طبعا إسرائيل هي المستفيد الأول والمقاول بالباطن.

يرفع الحوثي شعاراتٍ تزايد على إيران “الموت لأميركا واللعنة على اليهود”، وفي الواقع، هو من مكّن لهما. كانت اليمن في حكم علي عبدالله صالح تنتهج سياسة متوازنة تلاعب أميركا والسعودية بتهديدها مرّة بخطر إيران من خلال الحوثي، ومرّة من خلال القاعدة، وظل البلد ملتزما بمواقف ملتزمة بدعم القضية الفلسطينية. بعد ثورة شباب الميادين، وخلع علي عبدالله صالح، كانت البلاد مقبلةً على نظام ديمقراطي أكثر التزاما بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية، في ظل الإجماع اليمني على دعم المقاومة ورفض التطبيع من خلال أحزاب المؤتمر والإصلاح والاشتراكي واللقاء المشترك والحوثي من بعد. نكث الحوثي هذا الإجماع، وانقلب عسكريا وبرؤية طائفية مناطقية، وطرد القيادة الشرعية، وصولا إلى ما نشهده اليوم.

فوق الكارثة التي حلّت بالشعب اليمني نتيجة انقلاب الحوثي وفشل “عاصفة الحزم”، شعرت بعض دول المنطقة بالتهديد الذي يستدعي توثيق التحالف مع أميركا، لا بل التعاون مع العدو الصهيوني في البحر الأحمر. وعندما يكون لأميركا أعداء كهؤلاء لا تحتاج أصدقاء.

العربي الجديد

—————————————-

لماذا وافقت تركيا على انضمام السويد وفنلندا للناتو؟/ سعيد الحاج

وقعت تركيا في الـ28 من يونيو/حزيران الجاري مذكرة تفاهم مع كل من السويد وفنلندا، بعد اجتماع لرؤساء الدول الثلاث في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدريد برعاية أمينه العام، بما يعدّ بمنزلة موافقة تركية على انضمام الدولتين للحلف بعد اعتراضها الأوّلي على ذلك.

شروط تركيا

كانت أنقرة، بعد إعلان السويد وفنلندا رغبتهما في الانضمام للحلف على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، قد أعلنت رسميا وعلى لسان الرئيس أردوغان عدم موافقتها على ذلك قبل تجاوبهما مع مطالب لها متعلقة بأمنها القومي.

وقال الرئيس التركي إن الناتو حلف عسكري أمني في المقام الأول، ومن ثم فمن البديهي أن من أولى مهماته مكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية، وأن من أَولى مهمات الدول الأعضاء التعاوُنَ في هذا المجال وليس غض الطرف عن منظمات إرهابية تضرّ بدول أعضاء أخرى فضلًا عن توفير الدعم والحماية لها.

أكد أردوغان في أكثر من حديث له إصرار بلاده على موقفها، لدرجة أنه نصح وفود البلدين التي كانت تنوي زيارة أنقرة للحديث في الأمر بـ”عدم تجشم عناء السفر” إن لم يكن لديهم استعداد واضح للتجاوب العملي والأكيد مع المطالب التركية.

وفي مقدمة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية جاء تخلّي السويد وفنلندا عن سياسة الحياد وتقديمهما طلبًا رسميًّا للانضمام إلى الحلف وكذلك رغبة الحلف والولايات المتحدة بتسريع مسألة الانضمام، وذلك منح تركيا يدًا عليا في هذا الإطار، لكنه أيضًا من جهة أخرى كان يوحي بعدم إمكانية وقوفها في وجه العضوية حتى نهاية الشوط.

وفي الأصل كانت أنقرة دائمًا مع سياسة توسيع التحالف، فقد قدّمه أردوغان في أكثر من خطاب سابق في إطار “الحفاظ على السلام والاستقرار في العالم”، ولذا فقد كان الاعتراض التركي مسبّبًا وليس مبدئيًّا، وذلك يعني أن تركيا ضمنًا مع توسيع الناتو وضمّ الدولتين ولكن “بعد استجابتهما لمطالبها”.

بيد أن أنقرة قاومت الضغوط الممارسة عليها ضمنًا، وأكد الناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن أن بلاده ليست في عجلة من أمرها، وأن الأمر لن يحلّ بالضرورة “قبل قمة مدريد” كما طالب أكثر من مسؤول في التحالف.

تعلقت الشروط التركية بما عدَّته دعمًا من السويد وفنلندا لمنظمات إرهابية (تحديدًا حزب العمال الكردستاني والمنظمات المرتبطة به وكذلك جماعة غولن)، واحتضان مؤسسات داعمة لها، والسماح لها بالتمويل والبروباغندا وحشد الأنصار، فضلًا عن عدم التعاون مع أنقرة في تسليم المطلوبين في قضايا تتعلق بالإرهاب، واستمرار حظر بيع الأسلحة لها على خلفية عملياتها العسكرية في الشمال السوري ضد الامتداد السوري للكردستاني.

مذكرة التفاهم

زارت وفود من البلدين تركيا، وبدأ مسار من التفاوض، ولم تكن التصريحات التركية الرسمية متفائلة في البداية، ولذا فقد كانت قمة مدريد محطة مهمة في هذا المسار، لا سيما بعد إعلان أمينه العام ينس ستولتنبرغ موافقة رؤساء الدول الثلاث على الاجتماع الذي دعا له على هامش القمة، وذلك ما رفع من سقف التوقعات بإمكانية التوصل إلى تفاهم ما.

لم يكن التفاهم الذي توصلت إليه تركيا مع فنلندا والسويد مفاجئًا ولا بنوده خارج التوقعات؛ فتركيا لم تكن ضد انضمام البلدين إلى الناتو بالمطلق، وإنما قدمت مطالب قبل موافقتها على ذلك، والبلدان ينظران إلى عضوية الناتو على أنها خطوة حيوية لا بد منها لتجنب أي خطوة روسية باتجاههما. ولذلك، كان الأمر منذ البداية عبارة عن مسألة تفاوضية بين الجانبين، وكان المتوقع أن توافق تركيا على خطوة الانضمام بعد استجابتهما لمطالبها. ولكن السؤال كان يدور حول: أي مطالب سيوافق عليها البلدان؟ وبأي سقف؟ وأي آلية؟ وأي أدوات؟.. إلخ.

نصّت مذكرة التفاهم التي توصلت إليها الأطراف برعاية الأمين العام للحلف على “دعم السويد وفنلندا -كأعضاء مستقبليين في الناتو- الكامل لتركيا في مواجهة جميع التهديدات لأمنها القومي”، وفي هذا الإطار “عدم تقديمهما أي دعم لوحدات الحماية/حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD/YPG) وما يعرف في تركيا بمنظمة فيتو” أو القيادة المتنفذة في جماعة غولن.

وتتعهد الدولتان -وفق مذكرة التفاهم- بمنع أنشطة العمال الكردستاني وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى وامتداداتها، والأشخاص الموجودين في المؤسسات المرتبطة بها والمنظمات التي تعمل كواجهة لها، والأشخاص المرتبطين بهذه المنظمات الإرهابية. وستباشر الدولتان التحقيق في أنشطة جمع المال وحشد الأنصار من قبل هذه المنظمات وستحظرها، كما اتفقت الدول الثلاث على رفع منسوب الحوار والتعاون بينها لمنع أنشطة هذه المنظمات الإرهابية، وعلى انتهاج “خطوات عملية” في المستقبل القريب في هذا السياق.

وأشارت المذكرة إلى المسار القانوني والتشريعي الذي ستعتمده الدولتان، فقد أقرّت فنلندا أخيرًا تعديلًا على قانون العقوبات، في حين ستبدأ السويد تطبيق قانون جرائم الإرهاب في الأول من يوليو/تموز المقبل، وتؤكد الدول الثلاث “عدم وجود أي نوع من حظر توريد الأسلحة فيما بينها”.

ونصت المذكرة على تفاعل الدولتين “بسرعة وبكل الأبعاد” مع مطالب تركيا المتعلقة بالإبعاد وإعادة المتهمين في قضايا الإرهاب، “في ضوء المعلومات والأدلة التي ستقدمها تركيا ووفق الاتفاقية الأوروبية الخاصة بتسليم المجرمين”.

أسباب الموافقة

مباشرة بعد توقيع مذكرة التفاهم، قالت مصادر في السويد وفنلندا إن الطريق بات ممهدًا أمام انضمامهما للناتو، في حين قال ستولتنبرغ إنه يأمل بفترة انتقالية سريعة لتحقيق “الانضمام الأسرع في تاريخ الحلف”، كما ذكر بيان للرئاسة التركية أن “تركيا حصلت على ما تريده من المحادثات”.

قد يبدو ظاهريًّا أن أنقرة تراجعت عن موقفها المتشدد لمصلحة إعطاء ضوء أخضر لانضمام الدولتين، لكن نظرة متعمقة لما حدث لا تقول بذلك.

ففي المقام الأول، لم يكن الرفض التركي لعضوية البلدين مبدئيًّا أو قاطعًا ونهائيًّا، بل كان مشروطًا ومسبّبًا مع التزام بالموافقة في حال استجابت الدولتان للمطالب. ثانيًا، وفي هذا الإطار، يمكن القول إن السويد وفنلندا قد استجابتا -وفق بنود المذكرة- لمعظم إن لم يكن كل الشروط التركية المعلنة، وهو ما دفع أنقرة إلى الاحتفاء بما عدّته انتصارًا دبلوماسيًّا لها.

وثالثًا، فإن الموقف التركي والشروط المعلنة أسهما في فتح باب التفاوض أو تسريعه مع الولايات المتحدة الأميركية بخصوص الملفات العالقة ولا سيما ملف التسلح. ولعل من الممكن توقع حصول تقدم ما خلف الأبواب المغلقة بين أنقرة وواشنطن، إذ ليس من المصادفات أن تبرم تركيا الاتفاق في اليوم الأول من قمة مدريد وقبيل لقاء أردوغان مع الرئيس الأميركي.

كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن تعلن واشنطن دعمها لخطط “تحديث أسطول تركيا من مقاتلات إف16” بعد ساعات من توقيع مذكرة التفاهم والتأكيد أن “أمن تركيا من أمن حلف الناتو”، على لسان المستشارة المسؤولة عن شؤون الأمن الدولي في وزارة الدفاع الأميركية سيليست والاندر.

كما أنه لا ينبغي أن يغيب عن التقييم أنه رغم التقارب الملحوظ بين تركيا وروسيا في السنوات الماضية فإن موسكو ما زالت خصمًا تقليديًّا لأنقرة، إذ تملكان رؤى مختلفة وأحيانًا متناقضة إزاء مجمل القضايا الإقليمية. استشعار أنقرة للخطر الإستراتيجي من موسكو تزايد بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا 2015 حيث باتت روسيا على حدودها الجنوبية، وتعمّق بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي تهدد بنسف التوازن القائم في حوض البحر الأسود لمصلحة موسكو.

وأخيرًا، لا يبدو أن للقرار بإعطاء ضوء أخضر لعضوية البلدين تأثيرًا سلبيًّا مباشرًا على علاقات تركيا بروسيا، إذ تحولت روسيا منذ مدة من التهديد برد فعل إذا ما قبلت عضوية البلدين إلى التهديد بالرد في حال نشر الناتو منظومات عسكرية محددة على أراضيهما مع التأكيد أن مجرد العضوية ليس بالضرورة تهديدًا لها.

ختامًا، سيكون الفعل هو المحك الأهم لمذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا من جهة والسويد وفنلندا من جهة أخرى، وهناك تخوفات تركية من تنصل الدولتين لاحقًا من التزاماتهما إذ لأنقرة تجارب سلبية في هذا الإطار. لكن أهمية الفترة الانتقالية للبلدين، والحاجة إلى موافقة أنقرة على بعض القرارات المهمة لهما في المستقبل يقللان من احتمال التنصل وإن كانت بعض البنود مفتوحة على أكثر من تفسير في التطبيق العملي.

لكن بكل الأحوال، لا تبالغ أنقرة حين تعدّ ما حدث انتصارًا لها، فقد أثبتت أنها كانت محقة في مطالبها، وثبّتت سرديتها، ونصت بنود المذكرة على الامتدادات السورية للعمال الكردستاني كما كانت تريد، وهو أمر سيقوي من موقفها إزاء دول أخرى تتبنّى النهج السابق نفسه للسويد وفنلندا، وهي نقطة بحاجة إلى تفصيل أكثر في مقال قادم.

سعيد الحاج

كاتب وباحث في الشأن التركي

—————————

صفعة تركيّة لروسيا بسبب “الناتو”.. ما تأثيرها في الملف السوري؟/ رامز الحمصي

تعد موافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، وتبخر آمال روسيا في عرقلة انضمام الدولتين المجاورتين لروسيا، وتبدد الفرضية التي انتشرت مؤخرا أن تركيا سترفض انضمامهما من أجل روسيا، مقابل تفاهمات بين موسكو وأنقرة في الملف السوري، تشير التطورات إلى أن مزيداً من التوترات ستطرأ على العلاقات الروسية – التركية.

وبما أن الملف السوري، هو أحد الملفات المشتركة بين أنقرة وموسكو، فقد تذهب الأخيرة نحو التأكيد على رفضها للعملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا، فضلا عن مساومتها في ملف المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا من خلال معبر “باب الهوى” على الحدود التركية (التي تسيطر عليه أنقرة ضمنيا)، فهل سيكون التصعيد بين الطرفين في سوريا، هو عنوان المرحلة المقبلة، أم تذهب موسكو إلى أبعد من ذلك؟

نافذة الفرص أغلقت

خلال اجتماع دول “حلف الشمال الأطلسي” في اليومين السابقين، رفعت تركيا حق النقض (الفيتو) بشأن محاولة فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو، منهية نزاعا استمر لأسابيع، واختبر وحدة الحلف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.

اشترك ليصلك آخر الأخبار و التحليلات عن طريق الواتس آب

وجاء الاختراق في القرار يوم الثلاثاء الماضي، بعد أربع ساعات من المحادثات قبيل بدء قمة “الناتو” في العاصمة الإسبانية مدريد، حيث سمحت بتجمع 30 زعيما في العاصمة الإسبانية لإظهار جبهة موحدة ضد موسكو، وبدء عملية انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، بجدية.

الإعلان عن اتفاقية، يراه المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، بأنه يعزز التحول الأكبر في الأمن الأوروبي منذ عقود، حيث تخلت دول الشمال الأوروبي عن حيادها المستمر منذ عقود للانضمام إلى التحالف العسكري، إلا أنه وضع أنقرة في مواجهة مباشرة مع روسيا، قد لا يستطيع حلف “الناتو” إنقاذها منها.

وكانت روسيا عارضت بشدة انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو”، معتبرة ذلك بمثابة تعدي إضافي للتحالف “الأطلسي” تجاه الأراضي الروسية، إذ تأسس “الناتو” في عام 1949 كتحالف دفاعي بهدف أساسي، هو مواجهة الاتحاد السوفيتي، ولا تزال روسيا تنظر إليه على أنه تهديد.

ويشير موخين، إلى أنه بعد أربعة أشهر فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت آثار التموجات الجيوسياسية محسوسة في جميع أنحاء القارة الأوروبية، للنجاة من عدوان موسكو، تقدمت فنلندا والسويد بطلب للانضمام إلى “الناتو”، منهيتا عقودا من عدم الانحياز لكلتا الدولتين، ومن شأن انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو” أن يعزز قدرات الحلف وقابليته للدفاع ضد التهديدات الروسية.

وبيّن المحلل الروسي، أن موافقة تركيا على انضمام الدولتين إلى حلف “شمال الأطلسي”، بمثابة ضربة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أثار استياءه من توسع الحلف بعد الحرب الباردة و استخدامه كذريعة لتوغله في أوكرانيا، و”هي مسألة لن تنساها موسكو بسهولة”.

الحيرة في العلاقة المعقدة بين روسيا وتركيا، إذ يعتبران منافسين شرسين، فموسكو وأنقرة تدعمان المعسكرات المتعارضة في ليبيا وسوريا وناغورنو كاراباخ، وتركيا عضو في حلف “الناتو” (الحلف الذي تعتبره روسيا خصما وتهديدا)، ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع التعاون بين القوتين، إلا أن هذا التعاون قد يتوقف حاليا، بحسب موخين.

تداعيات توسع “الناتو” ورد بوتين المحتمل، سيبدأ برأي موخين، بتقويض الهندسة الأمنية والجغرافيا السياسية في أوروبا، والبداية ستكون من تركيا، حيث يشكك المحلل الروسي، مما إذا كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قادرا على تحمل تأجيج النيران في سوريا، لا سيما، وأنه كان يتخذ من الحرب في أوكرانيا نافذة للفرص.

كيف سيكون الرد؟

ومع عدم أخذ أنقرة التحذيرات الروسية من انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو” بعين الاعتبار، من المؤكد بحسب الصحفي المصري، محمد حسين، أن هذا الخيار سيعمل على تغيير مسار العلاقات بين روسيا وتركيا، وقد يتصدى الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، لمباراة أردوغان المزدوجة.

واستشهد حسين خلال حديثه لـ”الحل نت”، بطريقة الرد الروسي، عندما أسقطت تركيا طائرة روسية في سوريا في عام 2015، من خلال انتظار الوقت المناسب للانتقام، وفي الوقت نفسه الاستفادة من تركيا وسط العقوبات الغربية، إذ بات نهج أردوغان لا يضمن “لعبة آمنة” لأنقرة، لا سيما في جبهات المواجهة المحتملة مع روسيا بما في ذلك سوريا وليبيا.

ويشير حسين، إلى أن خطوة قبول أنقرة بتوسيع “الناتو”، ستكون حتما مصدر محتمل للخلاف بين أنقرة وموسكو، لا سيما وأن هناك إرهاصات سابقة منذ بدء روسيا غزوها لأوكرانيا، كإغلاق المضائق التركية التي تربط البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود بالسفن الحربية من خلال تطبيق أحكام اتفاقية “مونترو” أمام السفن الروسية، ودعم أنقرة لأوكرانيا بالطائرات التركية بدون طيار، وحظر الطيران الروسي للوصول إلى سوريا عبر الأجواء التركية.

ويرى حسين، أنه تكمن معضلة بوتين، في أنه يتعين عليه الرد بطريقة ما على تحركات فنلندا والسويد في حلف شمال الأطلسي لتجنب الظهور بمظهر ضعيف، ولذا سيكون رد بوتين المعتاد هو إرسال القوات التقليدية الروسية إلى الحدود مع فنلندا، ونشر الطائرات والسفن الروسية في شرق البلطيق، هذا على المستوى المحلي الروسي.

أما رد بوتين على تركيا الأكثر ترجيحا، تهيئة حرب أوروبا القادمة بين اليونان وتركيا، لا سيما بعد توتر العلاقات بين البلدين خلال الشهور الماضية، رغم انخراطهما بنفس الحلف، ففي السنوات التي سبقت حرب أوكرانيا، أصبحت روسيا والصين أكثر نشاطا في شرق البحر المتوسط بمبادرات اقتصادية، ودعم اليونان عن بُعد، وكان التصدي لهذا الأمر يتطلب قيام تركيا بإيجاد طريقة لمصالحة اليونان، وهو احتمال يبدو الآن لا حظوظ له.

كما رجح الصحفي المصري أيضاً، أن تعتمد روسيا سياسة تعقيد مهمة تركيا على الجبهات السورية، والليبية والقوقازية، في قادم الأيام، دون إظهار الرد على قبول تركيا بانضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” بشكل سريع.

تحذير روسي

بعد الإعلان عن توسيع حلف “الناتو” بدولتين جديدتين، حذّر رئيس لجنة الشؤون الخارجية، في مجلس “الدوما” الروسي، ليونيد سلوتسكي، أمس الأربعاء، من عواقب انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “شمال الأطلسي”.

واعتبر سلوتسكي، أن التخلي عن الحياد، والانتساب إلى عضوية حلف “شمال الأطلسي”، هو الخيار الذي يتبناه كل من السويد وفنلندا بمشيئتهما، داعيا الدولتين “ألا تتجاهلا عواقب قرارهما على العلاقات مع روسيا والأمن الأوروبي”.

وعن موافقة تركيا على تأييد الدعوة الموجهة إلى السويد وفنلندا للانضمام إلى الحلف، استشهد سلوتسكي بقصة قديمة في الإشارة إلى ما تلقته تركيا، من تطمينات لكيلا تعارض ضم البلدين، وقال الدبلوماسي الروسي، إن “الرئيس السوفيتي غورباتشوف تلقى في حينه تطمينات تعِد بعدم توسّع حلف شمال الأطلسي، ولكن تلك الوعود تم نكثها”.

—————————-

=========================

02 تموز 2022

————————-

إيران وتركيا في سورية.. “على حافة المواجهة” وهل نتوقع صراعاً؟

في حين أن الحرب الروسية في أوكرانيا لا تزال في طليعة الاهتمام الدولي باعتبارها الأزمة الجيوسياسية الأشد في العالم اليوم، فإن “الصراع الدولي المستمر منذ عقد من الزمن في سورية” قد لا يزال أمامه مفاجآت جديدة.

ومع اقتراب العمل العسكري الذي تهدد به تركيا في شمال سورية، يواصل أصحاب المصلحة الدوليون الآخرون في الأزمة السورية التعبير عن مخاوفهم بشأن طموحات أنقرة.

الباحث الإيراني، حميد رضا عزيزي نشر مقالاً تحليلاً، اليوم الجمعة، استعرض فيه الموقف الذي تتخذه طهران من التحركات التي تهدد بها تركيا في سورية وسياقاته والخلفيات المرتبطة به.

وجاء في المقال أن “نبرة إيران كانت تتصاعد مؤخراً في معارضة العملية العسكرية التركية المحتملة”.

ورداً على سؤال حول الأنشطة العسكرية التركية في شمال سورية والعراق، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده في 20 يونيو / حزيران إن “ملف سورية موضوع خلاف بيننا وبين تركيا”.

وبحسبه، أوضحت إيران في “اجتماعات ثنائية مفصلة” مع الجانب التركي أن “هدفها الأساسي والواضح” هو الحفاظ على وحدة أراضي سورية.

وفي السياق ذاته، قال علي أصغر خاجي، الدبلوماسي الإيراني البارز الذي ترأس الوفد الإيراني في الجولة الثامنة عشرة من محادثات أستانة بشأن سورية، في اجتماع مع الوفد التركي في 16 يونيو إن “وحدة أراضي سورية وسيادتها لا يمكن المساس بها.

بدوره وخلال زيارته لأنقرة في 27 يونيو، قال وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان إنه على الرغم من أن “إيران تتفهم مخاوف تركيا الأمنية” في سورية، يجب معالجة هذه المخاوف من خلال “الحوار والوسائل السلمية”.

“على حافة المواجهة”

في غضون ذلك، واستعداداً لتوغل تركي محتمل، ورد أن إيران سعت إلى تسهيل التنسيق بين قواتها المتحالفة في سورية ووحدات قوات الأسد والميليشيات الكردية في شمال سورية.

وأثارت هذه التطورات الدبلوماسية والعسكرية تكهنات حول إمكانية حدوث توترات أو حتى مواجهة بين القوات التركية والإيرانية في سورية.

يوضح المقال التحليلي أنه وفي الواقع، وخلال الجولة الأخيرة من العمليات العسكرية التركية في شمال سورية أوائل عام 2020، وصل الطرفان إلى حافة المواجهة.

وعلى الرغم من تجنب المواجهة العسكرية في نهاية المطاف – ويرجع الفضل في ذلك في المقام الأول إلى دور روسيا في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع تركيا – إلا أنه لا يوجد ضمان لتكرارها.

وأدت سلسلة من التطورات الأخيرة في سورية وخارجها إلى زيادة تصور طهران للتهديد لأنقرة، وقد تؤدي إلى رد فعل عسكري، وإن كان غير مباشر، على عملية تركية جديدة، وفق الباحث حميد رضا عزيزي.

“مخاوف إيران في سورية”

منذ بداية “الصراع السوري”، نفذت تركيا أربع عمليات عسكرية كبرى في شمال سورية.

وكانت الأولى تحت اسم “درع الفرات” في شمال حلب في آب / أغسطس 2016، وسيطرت خلالها القوات المدعومة من تركيا على 2055 كيلومتراً مربعاً من تلك المنطقة.

وسمحت عملية غصن الزيتون في كانون الثاني / يناير 2018 لتركيا بالاستيلاء على منطقة عفرين بأكملها.

في أواخر عام 2019، وسعت عملية “نبع السلام” المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والقوات المتحالفة (الجيش الوطني السوري) شرق الفرات.

فيما عززت عملية لاحقة في محافظة إدلب الشمالية الغربية في شباط / فبراير 2020، والمعروفة باسم درع الربيع، من سيطرة تركيا على الشريط الشمالي لسورية.

ويؤكد المسؤولون الأتراك باستمرار أن الهدف من عملياتهم العسكرية هو مواجهة “التهديد الإرهابي” في شمال سورية، مؤكدين بشكل خاص على الحاجة الملحة لمواجهة الميليشيات الكردية التابعة لـ”وحدات حماية الشعب”.

بالنسبة لأنقرة، فإن “وحدات حماية الشعب” هي الفرع السوري من “حزب العمال الكردستاني” المحظور والمصنف على قوائم الإرهاب.

ونتيجة للعمليات المذكورة، باتت تركيا والقوات التابعة لها تسيطر الآن على حوالي 10٪ من الأراضي السورية.

الآن، يصر المسؤولون الأتراك، بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان، على أن زيادة التهديدات الإرهابية النابعة من سورية استلزم عملية جديدة.

وبحسب المسؤولين الأتراك، فإن الهدف من العملية هو إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً على الأراضي السورية، من أجل تطهير “الإرهابيين” وتمهيد الطريق لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى الوطن.

وحتى الآن، تم الاستشهاد بمدينتين على الأقل، وهما منبج وتل رفعت، كأهداف رئيسية للعملية العسكرية المقبلة لتركيا، ومع ذلك كانت هناك تكهنات أيضاً بأن كوباني وعين عيسى قد يكونان ضمن دائرة الأهداف أيضاً.

“منبج وكوباني”، وكذلك جميع المناطق الواقعة شرق الفرات تقريباً كانت خارج منطقة نفوذ إيران ومصالحها في سورية.

ونتيجة لذلك، فإن العملية التركية في تلك المناطق لن تثير ردة فعل من إيران كما لم تفعل في الماضي.

وفي الواقع، تعتبر الميليشيات الكردية شرقي الفرات، التي تعمل تحت لواء “قوات سوريا الديمقراطية”، حلفاء للولايات المتحدة في سورية.

ومن هذا المنظور، فإن أي تحرك من جانب تركيا من شأنه أن يحد من النطاق الجغرافي لنفوذ الولايات المتحدة في سورية، وسيكون موضع ترحيب من قبل إيران.

لكن عندما يتعلق الأمر بتل رفعت، تبدو الأمور مختلفة تماماً.

لماذا تل رفعت؟

تقع تل رفعت شمال محافظة حلب، وهي الآن محاصرة من قبل تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” من الشمال والشرق والغرب.

ولكن إلى الجنوب من تل رفعت توجد بلدتا نبل والزهراء الشيعيتان، وتقعان بين تل رفعت ومدينة حلب.

وبالتالي، فإن المنطقة حيوية لإيران وحلفائها في سورية، أيديولوجياً واستراتيجياً.

من وجهة نظر أيديولوجية، تشعر إيران بالقلق من أن الخطوة التالية للقوات المدعومة من أنقرة بعد السيطرة على تل رفعت ستكون استهداف شيعة نبل والزهراء.

بينما ومن الناحية الاستراتيجية، تعتقد طهران أن السيطرة على تل رفعت ستكون مقدمة لتركيا وحلفائها للسير نحو مدينة حلب.

ومنذ أن سيطرت قوات الأسد على حلب في عام 2016، شهدت المدينة زيادة كبيرة في نفوذ إيران والجماعات التابعة لها.

ومن منظور أوسع، هناك قلق في إيران من أنه إذا نجحت أنقرة في إنشاء منطقتها الآمنة التي طال انتظارها بطول 30 كيلومتراً، فإنها ستطلق دفعة جديدة للإطاحة بنظام الأسد.

ويجادل المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني (SCFR) في تحليل أن “تركيا تسعى إلى زيادة الضغط على حكومة الأسد، وتمهيد الطريق للتغيير في وسط وجنوب سورية”، الأمر الذي يتعارض مع مصالح إيران في تلك المناطق.

“اعتبارات خارج سورية”

وبصرف النظر عن النطاق الجغرافي المحتمل لعملية تركيا الجديدة، هناك عوامل أخرى تجعل طهران أكثر قلقاً من أي وقت مضى بشأن خطط أنقرة في سورية.

وترتبط هذه العوامل بشكل أساسي بالاتجاهات الحديثة في السياسة التركية الخارجية والإقليمية، مع احتلال التقارب التركي الإسرائيلي على رأس القائمة.

ويحذر المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني من أن “دعم القوات المناوئة للأسد هو مشروع تركي إسرائيلي مشترك تم الاتفاق عليه خلال زيارة وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو الأخيرة إلى تل أبيب”.

كما يجادل بأن “المشروع” سيتم تنفيذه إذا تم تحقيق هدف تركيا الأساسي المتمثل في “استكمال الممر الأمني في شمال سورية”.

وفي السياق نفسه، نقلت وكالة أنباء “إيلنا” شبه الرسمية عن أحمد بخشايش أردستاني، العضو البرلماني السابق في إيران قوله إن “إسرائيل تستثمر في نفوذ تركيا في سورية”. “هدف إسرائيل”، حسب قوله، هو “خلق حالة من عدم الاستقرار في سورية لإبقاء طهران مشغولة”.

“شكوك وتحركات”

ويعتبر المقال التحليلي الذي نشر على “معهد الشرق الأوسط” أن القادة الإيرانيين وفي الواقع لديهم “سبب وجيه للاعتقاد بأن تركيا وإسرائيل يشكلان جبهة مشتركة ضد إيران”.

في 23 يونيو، قبل وقت قصير من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لبيد إلى تركيا، أُعلن أن قوات الأمن التركية أحبطت مؤامرة إيرانية لاغتيال سياح إسرائيليين، وهو اتهام نفته إيران ووصفته بأنه “سخيف”.

وما يعزز شكوك إيران في وجود أجندة معادية لها في سياسة أنقرة الخارجية هو أن تركيا تعمل أيضاً على تطوير علاقات مع خصومها الإقليميين الآخرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

وحظيت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا في 22 يونيو باهتمام واسع النطاق في إيران.

وأحد مخاوف طهران هو أن سعي تركيا للاستثمار السعودي لتحسين اقتصادها قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في علاقاتها مع طهران من أجل إرضاء الرياض.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال قيام تركيا بدور أكثر نشاطاً في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران “أمر مقلق بشكل خاص لطهران”.

وعلاوة على ذلك فإن دور تركيا المتطور في العراق هو قضية أخرى أثرت سلباً على نظرة إيران إلى تركيا.

والتدخل العسكري التركي في شمال العراق، بهدف مواجهة تهديد “حزب العمال”، ليس بالأمر الجديد. لكن على مدار العامين الماضيين، اتخذ دور تركيا أبعاداً جديدة تهم إيران.

وكانت الاتفاقية الثلاثية لعام 2020 بين أنقرة وبغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل لتطهير “حزب العمال الكردستاني” في سنجار علامة فارقة في هذا الصدد، حيث شعرت إيران بأنها مستبعدة فعلياً من الترتيبات الأمنية في شمال العراق.

ومنذ ذلك الحين، اتهمت الجماعات الشيعية الموالية لإيران تركيا مراراً وتكراراً بالتدخل في العراق، محذرة من أنها قد تقوم بعمل عسكري ضد القوات التركية.

وعلى هذا النحو، توصل الكثير في إيران إلى الاعتقاد بأن الهدف المعلن لتركيا في “محاربة الإرهاب” هو مجرد ذريعة لاتباع سياسة توسعية في الشرق الأوسط وخارجه، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تحالف تركيا مع أعداء إيران ويزيد من تفاقمها.

ويعتقد علي أكبر فرازي، الدبلوماسي المخضرم الذي عمل سفيراً لإيران في رومانيا والمجر وقبرص، أن تركيا حددت لنفسها “مجال نفوذ سياسي ودبلوماسي إقليمي وعالمي” في سياق “العثمانية الجديدة”.

ولذلك، فإن التدخل العسكري التركي في سورية والعراق يهدف إلى تحقيق هذا المجال من النفوذ.

وبحسب فرازي، فإن “احتمال نشوب صراع بين الجيش التركي والجيش السوري أمر خطير للغاية، ونتيجة لذلك يمكن أن تحدث مواجهة بين القوات الإيرانية والتركية”.

هل نتوقع صراعاً في سورية؟

ونظراً لتراكم الخلافات واشتداد التوترات بين طهران وأنقرة في السنوات الأخيرة، فإن قلق فرازي من احتمال نشوب صراع بين إيران وتركيا في سورية لا أساس له من الصحة تماماً، بحسب الباحث الإيراني، حميد رضا عزيزي.

ويضيف: “لدى طهران سبب وجيه لتجنب المواجهة مع أنقرة. من ناحية أخرى، حتى رد الفعل العسكري المباشر المحدود من إيران في سورية يمكن أن يزيد التوترات في العلاقات الثنائية إلى مستوى غير مسبوق، مما يدفع أنقرة إلى المزيد من الاصطفاف مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية”.

وآخر شيء تريد إيران رؤيته هو جبهة قوية مناهضة لها في الشرق الأوسط، تضم جميع خصومها الإقليميين الرئيسيين.

من ناحية أخرى، من المرجح أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى انهيار عملية أستانة.

ويوضح عزيزي: “في الواقع، فقد مسار أستانة وظيفته العملية إلى حد كبير خلال العامين الماضيين، وتحول إلى شكل رمزي. ومع ذلك، فإن مجرد الوظيفة الرمزية أمر بالغ الأهمية بالنسبة لطهران، لأنها الإطار الدبلوماسي الدولي الوحيد الذي لعبت فيه دوراً نشطاً.

بهذا المعنى، نظرت إيران إلى عملية أستانة على أنها وسيلة لإضفاء الشرعية على مشاركتها في سورية”.

وبالنظر إلى هذه المخاطر والقيود، شرعت إيران بالفعل في مجموعة من التحركات السياسية والعسكرية في سورية، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، لمواجهة تهديد عملية تركية جديدة.

على الصعيد السياسي، تأمل إيران في دفع الأكراد نحو اتفاق مع النظام السوري يستلزم تسليم المسلحين منهم السيطرة على تل رفعت لقوات الأسد، قبل العملية التركية.

وهذا من شأنه أن يحرم أنقرة من عذرها الرئيسي لإدراج تل رفعت في عمليتها الجديدة في سورية.

في الوقت نفسه، سعت إيران إلى إقناع روسيا، التي يبدو أنها أقل اهتماماً بالمشاركة العسكرية النشطة في سورية بسبب انشغالها بحرب أوكرانيا، للعب دور أكثر نشاطاً في ردع تركيا عن عملية واسعة النطاق.

وتذكر وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية للأنباء هذا الجانب من النهج الإيراني، مشيرة إلى أنه “إذا وافق الأكراد على التعاون مع الجيشين السوري والإيراني، على الأقل في تل رفعت، سيكسبون الدعم أو يحصلون على المزيد”.

في هذه الحالة، يمكن لإيران أن تقتل عصفورين بحجر واحد، أي منع هجوم تركي على تل رفعت بينما – ربما الأهم – استخدام ضعف “قوات سوريا الديمقراطية” ضد تركيا كأداة لإضعاف نفوذ الولايات المتحدة في سورية.

بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالأكراد السوريين، فإن اعتبارات إيران تتجاوز دور تركيا، وتتعلق أكثر بكيفية تقويض التحالف بين الميليشيات الكردية وواشنطن.

ولقد أثمرت التحركات الإيرانية في مثل هذا الاتجاه بالتوافق مع نظام الأسد.

من جهة، أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” في بيان لها في 7 حزيران / يونيو أن قواتها مستعدة “للتنسيق مع قوات حكومة دمشق لمواجهة أي توغل تركي محتمل وحماية الأراضي السورية من الاحتلال”.

ويمكن اعتبار هدف إيران المنشود بتسليم تل رفعت لقوات الأسد خطوة إلى الأمام، ومن ناحية أخرى، يبدو أن روسيا قررت، بعد تردد في البداية، اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه خطط تركيا لشمال سورية.

في 15 حزيران / يونيو، وقبيل اجتماع أستانة الأخير في كازاخستان، وصف المبعوث الرئاسي الروسي الخاص لسورية، ألكسندر لافرنتييف، عملية تركية جديدة محتملة بأنها “غير منطقية وغير عقلانية”، بينما رفض أي “صفقة” محتملة مع أنقرة بخصوص سورية.

جاء ذلك بعد أيام قليلة من قيام القوات الروسية بتسيير دوريات جوية حول تل رفعت، لتعزيز مواقعها في المنطقة.

ولكن إذا فشلت كل هذه التحركات في إيقاف تركيا، فقد عملت إيران أيضاً على خطط عسكرية لمواجهة القوات التركية أو على الأقل الحد من نطاق عمليتها.

وتشمل هذه الخطط تعزيز وتسهيل التعاون بين الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والمسلحين الأكراد، فضلاً عن إرسال تعزيزات إلى هذه الجماعات.

ومنذ أوائل يونيو، ورد أن الإيرانيين أرسلوا ميليشيات إلى نبل والزهراء. وانتشرت القوات على خطوط المواجهة مع القوات التركية والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في شمال حلب ومحيط عفرين.

في الوقت نفسه، كانت هناك تقارير تفيد بأن إيران أنشأت غرفة عمليات مشتركة شمال حلب تتكون من وكلائها السوريين وغير السوريين، وقوات حماية الشعب، وحزب الله اللبناني.

“إذا كان هذا صحيحا، فسيكون هذا هو التنسيق العسكري الأكثر شمولاً بين القوات المدعومة من إيران والميليشيات الكردية منذ بداية الصراع السوري”.

على هذا النحو، إذا قررت تركيا تنفيذ خطتها لمهاجمة شمال سورية، وإذا امتدت العملية إلى تل رفعت وشمال حلب، فمن المرجح أن تلجأ إيران إلى رد عسكري غير مباشر عبر قوات بالوكالة.

وعلى الرغم من أن هذا سيكون خياراً أقل خطورة مقارنة بسيناريو المواجهة الإيرانية التركية المباشرة، إلا أنه لا يزال هناك احتمال كبير بأن الوضع قد يخرج عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى صراع أوسع وأطول أجلاً بين الجارتين.

——————

بعد قمة الناتو.. أردوغان يجدد عزمه شن عملية في شمال سورية

جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عزم بلاده شن عملية عسكرية في شمال سورية، مؤكداً أنها “ستبدأ ذات ليلة”، وهو مصطلح لطالما ردده قبل العمليات التي أطلقها الجيش التركي منذ عام 2016.

وقال أردوغان في تصريحات للصحفيين، اليوم الجمعة: “يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة. لا داعي للقلق. لا حاجة للاستعجال. نحن نعمل بالفعل في هذا المجال الآن”.

وأضاف: “كما تعلمون لدينا أعمال في شمال العراق من جهة، ونعمل في عفرين شمال سورية وهكذا من جهة أخرى”.

وتابع: “إذا كنا صبورين قليلاً، آمل أن ننفذ العمليات التي نجريها خطوة بخطوة في الوقت الحالي، بأقوى طريقة عندما يحين الوقت”.

ويأتي ماسبق بعد يوم من قمة الناتو في مدريد، وعقب توقيع تركيا مذكرة ثلاثية مع فنلندا والسويد.

وركّزت المذكرة الثلاثية بجزء كبير من مضمونها على “ضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية، بينها حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب”.

وتعتبر تركيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها العسكري، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة.

وتسيطر “قسد” على مناطق في غربي الفرات، بينها منبج وتل رفعت، إضافة إلى مناطق واسعة في شمال وشرق سورية.

وسبق وأن أعلن الرئيس التركي أن هدف عملية بلاده سيكون تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشرقي.

وتعتبر منبج محط خلاف بين تركيا وأمريكا من جهة وبين تركيا وروسيا من جهة أخرى، وسط غموض في الاتفاق بين هذه الدول على مصير المدينة.

فيما تنتشر في جيب تل رفعت عدة قوى عسكرية، بينها قوات الأسد و”وحدات حماية الشعب”، إلى جانب عناصر من الشرطة الروسية، وقوات أخرى محسوبة على الميليشيات التي تدعمها إيران.

—————————

“مناطق عازلة”.. سيناتور أمريكي يقترح حلاً للحدود السورية- التركية

نشر عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، ليندسي غراهام مقالة على موقع “فوكس نيوز” اقترح فيها حلاً يتعلق بالحدود السورية- التركية، وذلك في معرض تحذيراته من تصاعد عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية.

ونشرت المقالة، اليوم الجمعة بعنوان: “صعود داعش في سورية هو تهديد لأسلوب حياتنا الأمريكي. يجب على الكونجرس وبايدن العمل معاً لإيجاد حل في سورية قبل فوات الأوان”.

وبينما حذّر غراهام من تصاعد نشاط تنظيم “الدولة” في شمال وشرق سورية، أشار إلى مشكلة قد تكون مرتبطة بما سبق وتلوح في الأفق، وقد تساعد الأخير في التصعيد من جديد.

واستعرض السيناتور الأمريكي أن المشكلة تنقسم ضمن جزأين: الأول يرتبط بمخاوف الأمن القومي المشروعة لـ”الحليف التركي” في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

أما الجزء الآخر فيتعلق بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”وحدات حماية الشعب” التي تشكّل عمادها العسكري، مضيفاً: “تنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب على أنها تهديد لأمنها القومي نظراً لارتباطها المزعوم بجماعة أخرى تُعرف باسم حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي منظمة إرهابية بموجب القانون التركي والأمريكي”.

“على نار هادئة”

وقبل سنوات كان غراهام، ووفق قوله قد حدد المشكلة المذكورة سابقاً في جلسات استماع لجنة مجلس الشيوخ، وحثّ إدارة باراك أوباما للعمل على معالجة مخاوف تركيا.

لكن ولسوء الحظ، تابع غراهام: “لم يتم فعل أي شيء وانتقلت تركيا إلى شمال شرق سورية، منذ عدة سنوات، بسبب مخاوفهم من قيام العناصر الكردية بأعمال إرهابية من شمال شرق سورية”.

ويشير السيناتور: “التحدي الذي يواجهنا في المضي قدماً هو كيف ندعم أولئك الذين ساعدونا في تدمير خلافة داعش دون تقويض الأمن القومي التركي؟ لقد أزعجت هذه المشكلة الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، لكن هناك أمر واحد مؤكد: لن يتم حلها بتجاهلها. عملت كل من إدارتي ترامب وبايدن على إيجاد حل، لكن الفوضى في جميع أنحاء العالم جعلت هذه القضية على نار هادئة”.

وما سبق يستدعي “اهتمامنا العاجل، لأن داعش بدأ بالظهور من جديد في شمال شرق سورية”.

وأضاف غراهام: “أخطط للسفر إلى المنطقة قريباً، وأتطلع إلى العمل مع إدارة بايدن لإيجاد حل لهذه المشكلة المتنامية”.

وزاد أنه “من الضروري أن نعترف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا، وأن ننشئ مناطق عازلة بين العناصر التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، وأن ندعم أولئك الذين ساعدونا في تدمير الخلافة، ونضمن عدم ظهور داعش مرة أخرى”.

ووفق السيناتور: “الحل الذي أرى أنه الأكثر قابلية للتطبيق هو معالجة مصالح الأمن القومي لتركيا مع تطوير علاقة تجارية في الوقت نفسه بين الحكومة التركية وسكان شمال شرق سورية”.

وهناك “حقول نفط في شمال شرق سورية يمكنها، مع المزيد من الاستثمار، إنتاج كميات أكبر من النفط – وهو ما يعود بالفائدة على كل من سوق النفط العالمية واقتصاديات شمال شرق سورية وتركيا”.

واعتبر غراهام أن “أفضل طريقة لحل هذه المشكلة بمرور الوقت هي جعلها مربحة للجانبين لسكان شمال شرق سورية وحلفائنا الأتراك، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي”.

وفي حين أن هذه مشكلة معقدة يجب حلها، فمن الضروري أن يعمل الكونجرس وإدارة بايدن معاً لإيجاد حل قبل فوات الأوان.

و”عندما تزدهر داعش في الشرق الأوسط، فإن أسلوب حياتنا مهدد هنا في الوطن. المكاسب التي حققناها لتدمير الخلافة في خطر. يتنامى الصراع بين تركيا حليفنا في الناتو، والقوات داخل شمال شرق سورية يوماً بعد يوم”.

ودعا السيناتور: “حان وقت العمل. ستكون عملية حل هذه المشكلة صعبة، لكن العمل على إيجاد حل أفضل بكثير من تجاهل المشكلة والتعامل مع داعش من جديد”.

—————————

—————————–

مؤشرات مفصلية للعملية العسكرية في “تل رفعت” و”منبج”/ محمد شيخ يوسف

تترقب الأوساط السورية منذ فترة الموعد الحاسم لبدء العملية العسكرية للسيطرة على بلدتي تل رفعت ومنبج والقرى المحيطة بها من سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، في ظل توقعات وحديث عن تحضيرات عسكرية متواصلة، وقرب انطلاق هذه العملية، ومن المؤكد أن تلك العمليات العسكرية كما جرت العادة بحاجة إلى تحضيرات كبيرة ومهمة على عدة مستويات، ولعل أهمها توفير التوافقات السياسية الدولية، وإحداث التوازنات الدبلوماسية المطلوبة من أجل المضي قدما في العمل العسكري دون التفات إلى أي تهديدات أو عقوبات أو ضغوط داخلية وخارجية، قد ترتب تبعات تنغص على سير العمليات العسكرية.

ومما لا شك فيه أن التحضيرات الميدانية ليست صعبة في ظل الخبرات التي توافرت لقوات الجيش الوطني بالتعاون مع الجيش التركي، خاصة أن العملية تعتبرها تركيا الخامسة من نوعها بعد عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام ودرع الربيع، وبالتالي فإن بطء التحضيرات الحالية لا يعني أن العملية العسكرية بعيدة في موعدها، بل يمكن القول إنه في حال حصول التوافقات السياسية وحدوث التوازنات الدولية والتوافقات الدبلوماسية، فإن تسريع خطوات الحشد العسكري ستكون جاهزة ويمكن البدء بالعمل العسكري بأقرب وقت ممكن.

وهنا يمكن الحديث عن المحددات الأساسية للعمل العسكري والمتحكم فيها واللقاءات والاجتماعات المفصلية التي قد تخرج بقرار توقيت بدء تلك العمليات، وأهم هذه المحددات على الصعيد الدولي هي التوافقات مع الأطراف الفاعلة وهي روسيا وأميركا بدرجة أولى وبدرجة أقل إيران منعا للتصادم بين هذه القوى ميدانيا، هذه التوافقات بحاجة إلى توازنات تحاول تركيا الاستفادة منها على الصعيد الدولي نتيجة التطورات الحاصلة من أزمة الغذاء العالمي، والحرب الروسية في أوكرانيا، وتوترات الدول الأوروبية، ومصير حلف الناتو وتوسعته، والمحددات الأخرى مرتبطة على الصعيد المحلي وأبرزها الانتخابات المحلية، وتخفيف حدة التوتر الداخلي بموضوع اللاجئين السوريين، عبر دعم عودتهم لهذه المناطق التي نزحوا منها بعد السيطرة عليها وتوفير مزيد من الاستقرار والأمان فيها.

وفي تفصيل هذه المحددات ومحاولة ربطها بالتطورات الدولية واللقاءات التي تجري، تتوجه معظم التحليلات إلى مقاربة الموقف الروسي وموافقته على العمل العسكري التركي الجديد بسوريا، بعرقلة أنقرة توسع الناتو وانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، وبقاء تركيا على الحياد فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات على روسيا، فيما تجري المقاربات على الموقف الأميركي بأن واشنطن حريصة على إبعاد تركيا عن روسيا وكسبها في حلف الناتو وفي العقوبات على روسيا، وهذه المقاربات وإن كان لها نصيب في الصحة ولكنها تتناقض أيضا بالوقت نفسه من الموقف التركي من الناتو بين موافقة وعرقلة أي بين إرضاء موسكو وإغضاب واشنطن أو العكس، ولكن الاجتماعات التي حصلت في مدريد قادت تركيا إلى الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، وهذا ما يعني أن تركيا لم تكن تعول على التوازن مع روسيا بالموقف من توسعة الناتو.

ومن اللافت أنه قبيل اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظرائه في السويد وفنلندا والناتو، كانت هناك اتصالات تركية أميركية، تجلت بمكالمة هاتفية بين أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن ولقاء لاحق، وتلا المكالمة الضوء الأخضر التركي بتوسعة الناتو، وهذا ما يقود ربما إلى ثمة توافقات تركية أميركية ربما حصلت تتعلق بهذا الإطار من بينها سوريا وملفات أخرى، ومن الواضح أن 3 عناوين رئيسية هي التي ناقشها الرئيسان إضافة للمواضيع الفرعية الأخرى، ومن العناوين الرئيسية العملية العسكرية في تل رفعت ومنبج، وموضوع ميليشيات قسد، وهذا ما يقود مجددا للحديث عن التوازنات التي يمكن لتركيا أن تبنيها مع روسيا لانتزاع التوافقات معها، في ظل احتراق ورقة توسعة الناتو، وفي ظل المأزق الروسي في أوكرانيا.

من الواضح أن الاجتماعات التي جرت في مدريد على هامش قمة الناتو، واجتماعات لاحقة منتظرة لتفعيل “معبر الحبوب” ونقل المحاصيل من روسيا وأوكرانيا مرورا بالبحر الأسود والمضائق التركية، وتأسيس مركز العمليات لهذا المعبر في إسطنبول، ستكون المحدد الأبرز للعمليات العسكرية الجديدة بتل رفعت ومنبج، بل وربما لتوسعة رقعة العمليات لتشمل شرق الفرات، وذلك أن هذه الاجتماعات ربما تقود بالفعل لإحداث التوازنات التركية المطلوبة للعمليات الجديدة، حيث أن الناتو حافظ على ترتيب البيت الداخلي ووسع من حدوده، كما جرى إرضاء أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مقابل إرضاء روسيا والمجتمع الدولي بإنشاء معبر الحبوب وتبديد مخاوف روسيا بشأن العقوبات المالية المفروضة عليها، ومسألة تأمين السفن، ونقاط تفتيشها، وهنا يطرح التساؤل هل بالفعل حصلت التوازنات المطلوبة فيما يتعلق بهذه المقايضة بين روسيا وأميركا وتركيا؟ وهل تمكنت تركيا من إقناع أميركا بمسألة معبر الحبوب وهي مسألة تمس أمن الغذاء العالمي؟ فإن كان الجواب نعم على هذه التساؤلات، فنحن أمام حراك دبلوماسي تركي مكثف وناجح لتحقيق مكاسب عديدة على صعيد الناتو والعلاقة مع أميركا ومع روسيا والمجتمع الدولي، وبالوقت نفسه انعكاس ذلك على الساحة السورية.

الضوء الأخضر التركي داخل الناتو والتوافق مع السويد وفنلندا سيكون نموذجا لبقية الدول، ويعطي المشروعية بقتال التنظيمات الإرهابية، حيث وضع ميليشيا “قسد” في سوريا ضمن مصاف التنظيمات الإرهابية، وهو ما يريح يد تركيا في أي عمل عسكري مقبل ضدها دون أن تكون هناك تبعات لاحقة من حظر بيع السلاح أو انتقادات أو ضغوط، وبذلك تمت تهدئة الجبهة الأوروبية والغربية التي ترى في التهديد الروسي وأزمة الغذاء خطرا أكبر وهو ما يتطلب توسعة للناتو، وفي حال انعقاد اجتماع الآلية الرباعية لمعبر الحبوب، فمن المؤكد أن ذلك أيضا مؤشر لقرب إجراء العملية العسكرية، وزيارة وزير الخارجية الإيراني قبل أيام لتركيا والتصريحات الإيرانية بأن لتركيا الحق أن تكون بأمان، مؤشر أيضا لاحتواء الموقف الإيراني وميليشياتها المنتشرة بمناطق العمليات العسكرية المقبلة.

وعلى الصعيد الداخلي ثمة حديث أن موعد العمليات العسكرية سيكون بوقت قريب من إجراء الانتخابات، لأهمية ذلك على أصوات الناخبين، حيث كانت المقاربات الأولى تشير إلى قرب الانتخابات مع قرب العملية العسكرية، أي أن الانتخابات بعد 5 أشهر، ومع غياب احتمال انعقاد الانتخابات التركية بوقت مبكر وفق التصريحات الرسمية، فمن الصعب القول والربط بأن موعد العملية العسكرية سيكون بعيدا، لأن الهدف من العملية العسكرية التركية الجديدة أساسا هو توفير الأمن للمناطق الآمنة ومزيد من الاستقرار فيها وتسريع وتيرة إعادة البناء، وبالتالي عودة أهالي هذه المناطق إليها مجددا، وهي ما تقدر أوساط تركية أعدادهم بقرابة نصف مليون سوري، ولهذا فإن افترضنا أن الانتخابات التركية ستكون في حزيران/يونيو من العام المقبل، فإن البدء بالعملية وتوفير الأمن وتأمين عودة السوريين لن تتم بيوم أو يومين أو شهر أو شهرين، قد تستغرق أشهرا عديدة، وبالتالي هذا مؤشر على أن العملية العسكرية لا يمكن أن تتأخر كثيرا لتنفيذ الأهداف المرجوة منها على الصعيد الداخلي.

وأخيرا مما سبق يمكن القول إنه من المؤكد أن تسارع وتيرة الحشد الميداني سيكون مؤشرا قويا على قرب العملية العسكرية، والتوافقات التي ستجري بالأيام المقبلة مؤشر كذلك على مسار العملية وتوقيتها، وانتهاء العمليات العسكرية المستمرة في شمالي العراق مؤشر ثالث، والدخول بفترة الانتخابات التي دخلت فعليا بها تركيا مؤشر رابع، كلها تصب بقرب العملية العسكرية التي ينتظر أن تكون وفق الاعتبارات السابقة في فترة ما بعد عيد الأضحى كما تحدث عنه الإعلام التركي سابقا، وصولا إلى الخريف على أبعد تقدير لتنفيذ الأهداف المرجوة من المنطقة، لأن العملية العسكرية باتت حاجة مهمة للمناطق الآمنة وللسوريين وللأمن القومي التركي، ولترتيب الأوضاع الداخلية أيضا.

تلفزيون سوريا

—————————–

حجم ملف “السوريين” في أجندة الأحزاب التركية/ محمد طاهر أوغلو

باتت القضية السورية وما يستتبعها من وجود اللاجئين السوريين في تركيا محوراً مهماً في أجندة الأحزاب التركية التي تستعد للانتخابات المقبلة والتي ستنعقد في حزيران/يونيو 2023 المقبل حسبما صرحت الحكومة التركية.

وعلى اختلاف النظرة ما بين إيجابية وسلبية لهذا الملف بين الأحزاب المتعددة في تركيا، نجد في المحصلة زخماً واضحاً يرجع في المجمل إلى طبيعة تعقيد الأزمة السورية والتي دخلت في عامها الـ11 دون وجود حل ملموس من جهة، ومحاولة المعارضة التركية استغلال هذه النقطة وعدد السوريين “الكبير” داخل تركيا من جهة أخرى.

ولا يمكن حصر التركيز على ملف السوريين في أحزاب المعارضة فقط، بل نجد أن الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” وكذلك حليفه “الحركة القومية” يجتهدان في رسم سياسة خاصة من شأنها تخفيف العدد لا سيما في الولايات والمدن الكبرى، ومحاولة وضع حل مؤقت في الداخل السوري لتجنّب موجات هجرة جديدة، وهذا بدوره يرتبط بطبيعة السياسة الخارجية التي تراهن المعارضة التركية على تغييرها “180 درجة” حسبما صرح كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة.

بمعنى آخر، يمكن القول إن ملف السوريين في تركيا بات محور جميع الأحزاب موالية أو معارضة، لكن مع اختلاف الدوافع والأسباب وراء هذا الاهتمام، فكما أن الحكومة تفرض قيوداً وقوانين مشددة لضبط الوضع الداخلي، تمارس المعارضة في المجمل سياسة توصف بالعنصرية تقوم على ترحيل السوريين وتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

ومن وراء ذلك، نجد أن هذا الملف بات في مقدمة المسائل التي تشغل بال الرأي العام التركي، حسب استطلاعات رأي عديدة، نذكر منها ما أورده الكاتب البارز في صحيفة “حرييت” عبد الله سلفي، منتصف حزيران الجاري، وقد أظهر الاستطلاع الذي جرى في أيار/مايو الماضي وشمل 2519 شخصاً من مختلف الأحزاب، أن “مسألة السوريين” تحتل المرتبة الثانية ضمن الأزمات التي تعاني منها تركيا، بعد الأزمة الاقتصادية بفروعها من غلاء معيشة وتضخم وبطالة.

ولن أتحدث عن استطلاعات الرأي المحسوبة على المعارضة، والتي نجد فيها أرقاماً صادمة، وبالطبع لا نتعجب كذلك من هذه النتائج في ظل حملات عنصرية ممنهجة تسوق لها بعض الشخصيات مثل أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر، وهذا الأخير يرفع شعار “حينما يأتي حزب النصر سيرحل جميع اللاجئين”.

السوريون وأجندة انتخابات 2023

لا يعتبر التوقيت الحالي فأل خير على معظم السوريين في تركيا، فنحن أمام انتخابات توصف بالمصيرية سواء للحكومة أو المعارضة، وكلا الطرفين يحاول توجيه ضربات للخصم واستخدام مختلف البطاقات المطروحة، وبالطبع ملف السوريين هو من أهم هذه البطاقات.

لكن لماذا السوريون؟

ذكرنا أن مضيّ 11 عاماً على الثورة ثم الحرب في سوريا دون وجود حل -بل على العكس الوضع متجه نحو الأسوأ- يعدّ عاملاً رئيسياً في تركيز الأحزاب التركية عليه، لا سيما وأنه مرتبط بالسياسة الداخلية والخارجية على حد سواء.

العامل الثاني هو عدد السوريين في تركيا الذي تزايد عبر السنوات السابقة، وهناك تفاصيل مرتبطة بعضها واقعي والآخر مضخّم لعبت عليه المعارضة، مثل تأثير العمالة غير الرسمية على ارتفاع معدل البطالة (وهذه الجزئية بالمناسبة تظلم السوريين قبل الأتراك)، والتأثير سلباً على البنية السكانية، والعادات/التقاليد المجتمعية، والهجرة غير الشرعية، وكل هذا بالطبع في ظل بيئة تعاني من الحساسية ضد الأجانب، مما يزيد من احتمالية تلقي الخطابات العنصرية بصدر رحب.

أما العامل الثالث، وهو الأهم؛ فيرتبط بمستقبل الوجود التركي في سوريا، وهو ما تقرنه المعارضة بجملة التغيرات التي ستشهدها السياسة الخارجية -في حال فازت المعارضة-، فهذه المعارضة تقول صراحة إنها لا ترغب بإرسال جنود إلى سوريا “لأجل السوريين”، وما يستتبع ذلك من تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

هذه العوامل الأهم والتناول الإعلامي السلبي لوجود السوريين دون تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية بما يكفي، جعل الناخب التركي مقتنعاً بأن “السوريين” أزمة من جملة الأزمات، وبما أن الناخب مهيأ لذلك فمهمة الأحزاب المعارضة تغذية عناصر هذه الأزمة في عقله ووجدانه.

وبما أننا نتحدث عن التناول الإعلامي السلبي، والخطاب السياسي العنصري، فلا بد أن نذكر ضرورة تبني الحكومة سياسة قانونية حازمة ضد الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون، حتى لا نشهد مزيداً من أحداث القتل التي كثرت في الآونة الأخيرة.

ويتحمل مسؤولية ذلك أيضاً الجهات السورية المعارضة الرسمية، فليس من المعقول أن يقتصر عملها على مجرد لقاءات هامشية لا تتمخض عن نتائج نراها على الأرض. يجب أن نشهد تعاوناً مكثفاً فيما بينها أولاً، ومن ثم التواصل مع كل الأطراف من أجل مكافحة الخطاب العنصري، وكذلك تأسيس منبر إعلامي ناطق بالتركية يحمل الهدف ذاته، ويتعداه إلى تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية المتعددة التي خلقها السوريون سواء في سوق العمل أو القطاع الصناعي على وجه الخصوص وكذلك التبادل التجاري بما يعود على تركيا بالنفع أيضاً، ناهيك عن الخبرات العلمية الموجودة والتي يذخر بها أي بلد يحتفي بهجرة العقول، على اختلاف أسباب الهجرة.

أعتقد أن التوصيات والرسائل من أجل معالجة الخطاب العنصري باتت كثيرة للغاية، والعمل أهم من ترديد القول ذاته كل مرة في نهاية المطاف، ومما يندرج تحت سقف العمل هو الوعي بطبيعة المرحلة التي نمر بها وما علينا فعله في هذا السياق.

الانتخابات القادمة على بعد أقل من عام، وكلا الطرفين حكومة ومعارضة سيجتهدان بحشد كل ما لديهما من قوة لكسب المعركة، وبما أن السوريين لن يغيبوا عن أجندة الحملات الانتخابية فعليهم أن يكونوا متيقظين للغاية لعدم الزج بهم مجاناً لطرف على حساب آخر.

أذكر في هذا السياق حادثة تعرضت لها سيدة سورية اضطرت لسماع عبارات عنصرية من سيدة تركية داخل مكان مغلق خاص، أي ليس في الشارع، وتساءلت بعد ذلك عما كان من المفترض أن تفعله وكيف تتعامل مع هذا الموقف؟ بالطبع أنا ضد السكوت وطأطأة الرأس، لكن مع ذلك علينا أن نضبط أنفسنا ما أمكن من الانجرار لتصعيد لا تحمد عقباه، والرد بطريقة عادلة دون خوف، لكن حينما نجد الطرف الآخر مهيأ للعنف فعلينا في هذا الوضع عدم مجاراته بل التوجه للشرطة مثل الاتصال برقم 155، والاستعانة بمترجم في حال كان صاحب الموقف لا يجيد اللغة التركية، وسلوك الطرق القانونية ما أمكن، دون حكم مسبق بأن الشرطة لن تساعدني لأنني غريب. هذا رأيي الشخصي في هذا الخصوص.

أما السكوت نهائياً، أو استخدام العنف، فهو أمر مرفوض ولا يعطينا أي فائدة.

من جهة أخرى، أعتقد أنه من الأفضل عدم الخروج في أي بث إعلامي في الشارع دون التمكن جيداً من اللغة التركية ومن أسس الحوار وفهم الواقع بالدرجة الأولى، فكثيراً ما نرى فيديوهات -وأشعر أحياناً أنها متعمدة- لسوريين يتفوهون بما يتحول لوبال على بقية إخوتهم، عن قصد أو دون قصد، مثل ذلك الشاب المراهق الذي قال إنه رُحّل من تركيا ثم دخلها بسهولة، وأن هناك المئات يدخلون يومياً، الأمر الذي جعل المعارضة تنتعش حيال صدق روايتها حول أن عدد السوريين أكثر من 3.7 ملايين بكثير، وأنهم يدخلون الحدود يومياً دون رقيب.

كذلك عدم الخروج في لقاء شارع مع رؤساء الأحزاب المعارضة، على رأسهم أوميت أوزداغ، الذي يخرج تارة مع صائغ ذهب وتارة مع سوري لديه عائلة كبيرة ويعمل بشكل غير رسمي ولا يريد العودة إلى سوريا.

أرجو أن نكون على قدر من الوعي والصدق مع أنفسنا، لتجنيب أنفسنا ضرراً نحن بغنى عنه، فالضرر هنا لا يقتصر على الفرد بقدر ما يشمل مجتمعاً بكامله.

——————————-

شهر عسل بين إردوغان وبايدن/ جويس كرم

دخلت العلاقة التركية-الأميركية في مرحلة غير مسبوقة من الدفء والتودد منذ ٢٠١٩ مستفيدة من تخبط روسيا في أوكرانيا وتراجعها دوليا ومن تقاطع استراتيجي عنوانه المصالح الدفاعية وحشد الصف الأوروبي.

موافقة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على رفع الفيتو وقبول عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يوم الثلاثاء، وفي صفعة من الحلف لموسكو، جاء أسرع مما كان متوقعا.

الجانب الأميركي كان يأمل بأن يتم دعوة الدولتين لحضور قمة مدريد فيما تستمر المفاوضات حول عضويتهما “لأسابيع أو أشهر” كما قالت سفيرة واشنطن لدى الناتو جوليان سميث قبل القمة. إلا أن المفاجأة جاءت من إردوغان نفسه وإعلان الاتفاق الثلاثي بعد اتصال بين الزعيم التركي والرئيس الأميركي جو بايدن صباح الثلاثاء، وعشية لقائهما الأربعاء وسط ابتسامات ودعابات أمام الكاميرا.

من دون شك فإن اتفاق تركيا مع هلسنكي وستوكهولم منح إردوغان تنازلات محورية في ملفي شراء السلاح التركي، وثانيا التشدد في التعامل مع حزب العمال الكردستاني. إنما أبعد من ذلك، فتح اتفاق إردوغان مع فنلندا والسويد باب المصالحة مع واشنطن وأوروبا على مصراعيه وكونه يلبي أولوية استراتيجية لهؤلاء في تقوية الناتو، لعزل روسيا وهزيمتها في أوكرانيا.

تركيا التي تجلس على البحر الأسود تحمل أهمية قصوى لأوكرانيا لإفساح المجال بفك الحصار البحري عنها ديبلوماسيا أو بوسائل أخرى ولبيع قمحها دوليا بدل أن تسرقه موسكو اليوم وتبيعه لدول رخيصة ومفلسة في الشرق الأوسط. هكذا تعاون سيتيح أيضا عن تخفيف الأزمة الغذائية والمعيشية خصوصا في القارة الأفريقية بسبب ابتزاز بوتين عبر ملف الغذاء.

الأهم من ذلك أن إردوغان كسب تودد بايدن قبل عام من الانتخابات التركية وبشكل سيساعده دفاعيا واقتصاديا. فالرجلان يعرفان بعضهما منذ عقدين ونصف ونجحا في بناء علاقة مصالح و”ريل بوليتيك” طوال هذه الفترة.

دفاعيا بدأ الحديث أميركيا عن بيع تركيا طائرات الأف-١٦ بعد أن كانت خسرت الأف-٣٥ بسبب شرائها المنظومة الدفاعية الروسية أس-٤٠٠ في ٢٠١٩. ملف الأف-١٦ جاهز لدى إدارة بايدن ويحتاج لموافقة الكونغرس الذي ينظر لحرب بوتين في أوكرانيا كأولوية ويقدر تسهيل إردوغان عملية توسيع حلف الناتو.

تركيا تريد أيضا التوغل في الشمال السوري وهنا يبرز التحفظ الأميركي العلني إنما من دون أن يحمل تهديدات في حال قام أردوغان بهكذا عملية.

هناك أيضا الحوار التركي-الخليجي-المصري-الإسرائيلي والذي يتم أيضا بضوء أميركي وترحيب من البيت الأبيض. يضاف إلى ذلك إمكانية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين والتعاون الاستخباراتي من دون أن يعني ذلك تراجعا أميركيا في العلاقة مع اليونان وتعزيز الوجود العسكري هناك.

فعليا اليوم دخلت علاقة أميركا بتركيا في مرحلة دافئة بسبب أخطاء بوتين وجس إردوغان تراجعه مقابل تنامي القوة الدفاعية والجغرافية لحلف الناتو. ومن هنا اختار إردوغان وفي هذه المرحلة من المبارزة على الأقل معانقة بايدن والاستفادة مما قد يقدمه الغرب.

إلا أن إردوغان ليس لاعب تحالفات دائمة بل يقايض في بازارات اسطنبول سلعة بعد سلعة، وهو نجح في حلبة أوكرانيا من بيع طائرات بيرقدار وفي نفس الوقت جذب الرأسمال الروسي الهارب من العقوبات. أما بايدن والغرب فالتركيز أولا وأخيرا على تمريغ أنف بوتين في وحول أوكرانيا وفي معركة قد تستمر أعواما، وجذب أكبر عدد من الدول في هكذا معركة.

كاتبة وصحافية مقيمة في واشنطن

الحرة

—————————

===================

تحديث 04 تموز 2022

———————–

على خط أنقرة – دمشق.. لماذا ترغب طهران بدور “الوساطة”؟

ضياء عودة – إسطنبول

تنقل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الأسبوع الماضي، على خط أنقرة-دمشق، مبديا نية بلاده لعب دور “الوساطة” بين تركيا والنظام السوري، في خطوة لم يسبق أن تم الإعلان عنها في السابق، فيما تتزامن مع تأكيد المسؤولين الأتراك على نية الجيش التركي تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا.

ويثير الموقف الإيراني تساؤلات عن الهدف الذي تسعى إليه طهران من لعب هذا الدور، الذي لطالما ارتبط بموسكو خلال السنوات الماضية، كونها تشترك بعلاقات “طيبة” مع أنقرة من جهة، وتعتبر أحد أبرز حلفاء الأسد من جهة أخرى.

وحتى الآن، لا يزال هناك مشهدٌ ضبابي يحيط بالعملية التي تهدد بها أنقرة، وخاصة من زاوية التوقيت، الذي يرى مراقبون أنه مرتبط بشكل أساسي بمواقف الدول الأخرى المنخرطة بالملف السوري، مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

وصرّح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الاثنين، أن تركيا “أعربت مرارا عن خيبة أملنا من المساعدة الأميركية لوحدات حماية الشعب”، مضيفا: “عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، لا يهم من يقول وماذا – تقوم تركيا بما هو ضروري في إطار القانون الدولي”.

ومن جانب آخر تابع جاويش أوغلو: “لا يحق لروسيا والولايات المتحدة قول أي شيء لتركيا. نحن غير راضون عن الخطوات التي تتخذها روسيا، ونتحلى بالشفافية حيال ذلك”.

ولم يتطرق الوزير التركي إلى تصريحات عبد اللهيان، التي أطلقها أثناء زيارته إلى دمشق، حيث قال، حسب ما نقلت وسائل إعلام إيرانية إن “طهران تعمل على إيجاد حل سياسي لإثناء تركيا عن شن عملية عسكرية جديدة شمال سوريا”، معتبرا أن أي عمل عسكري “سيزعزع أمن المنطقة”.

وذلك ما كان قد أشار إليه في أثناء وصوله إلى أنقرة، قبل أن يطرح دور “الوساطة”، مشيرا إلى أن بلاده “تتفهم الحاجة التركية لعملية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب”، وأنه يجب “تبديد المخاوف الأمنية لأسرع وقت وبشكل دائم”.

ماذا تريد طهران؟

على خلاف باقي العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش التركي في شمال سوريا، منذ عام 2016 يرى مراقبون أن العملية الحالية، والمحتملة، لها “وقع خاص” على الجانب الإيراني. وذلك ما يرتبط بالمناطق التي ستستهدفها، لاسيما تل رفعت.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قد حدد تل رفعت في ريف حلب كهدف أساسي للعملية. وهي المنطقة التي تحاذي بلدتي نبل والزهراء، اللتان توصفان بأنهما “قاعدتا الميليشيات الإيرانية” في الشمال السوري.

وبالتالي، فإن المنطقة التي تدور حولها تكهنات العملية تعتبر حيوية لإيران وحلفائها في سوريا، إيديولوجيا واستراتيجيا.

 محلل السياسي الخارجية التركية والأمن المقيم في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك يرى أن الخطوة الإيرانية التي تم الإعلان عنها، ترتبط بمساعي طهران لمنع العملية المحتملة من الحدوث.

ويقول الباحث لموقع “الحرة”: “تعتبر طهران تركيا أكبر تهديد لطموحاتها في سوريا. بالنسبة لها فإن تركيا تعرّض جوهر سياساتها الطائفية في المنطقة للخطر”.

علاوة على ذلك، و”من خلال الشراكة مع الحكومة السورية المؤقتة، تُظهر تركيا إمكانية وجود بديل لنظام الأسد”. ويتابع أوزكيزيلجيك: “هذا مصدر قلق كبير لإيران التي تريد الحفاظ على نظام دمية في دمشق”.

وبينما لا توجد تفاصيل أكثر بشأن ماهية فكرة الوساطة الإيرانية في الواقع، يرى حميد رضا عزيزي، وهو باحث إيراني في السياسة الخارجية الإيرانية والأمن في الشرق الأوسط، أن “طهران تريد منع العملية التركية الجديدة في سوريا”.

ويضيف رضا عزيزي لموقع “الحرة”: “ذكرت إيران سابقا عدة مرات أن اتفاقية أضنة يجب أن تكون الأساس لاستعادة العلاقات السورية – التركية، وأن تعالج بشكل متبادل المخاوف الأمنية لبعضها البعض”.

 وقد يكون أحد الاحتمالات أن “يعطي نظام الأسد تأكيدات لتركيا بأنه سيعالج مخاوفها بشأن الميليشيات الكردية في مناطق غرب الفرات (لأن شرق الفرات تحت النفوذ الأمريكي)”.

لكن الباحث الإيراني يشير إلى أنه “ليس من المؤكد عما إذا كان النظام السوري لديه القدرة الفعلية على القيام بذلك”.

وزاد: “لكي يحدث هذا، يجب أن يكون الروس على متن الطائرة لإنشاء قنوات متوازية بين دمشق والأكراد”.

هل من عرض؟

وتعتبر إيران إلى جانب تركيا أحد الدول الفاعلة في محادثات “أستانة”، بالإضافة إلى روسيا.

وفي أواخر شهر يونيو الماضي عقدت الجولة 18 من هذه المحادثات، في وقت ازداد فيه التواصل بين الجانبين الروسي والتركي، بخصوص العملية التي تهدد بها أنقرة، في تل رفعت، إلى جانب منبج في ريف حلب الشرقي.

وعلى هامش “أستانة” دعا كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي أصغر خاجي، إلى “بذل جهود أكبر من أجل تمكين الجيش السوري من الانتشار على حدود تركيا، لمعالجة المخاوف الأمنية لدى القيادة التركية، في إطار اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدين”.

وأشار خاجي في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية إلى “ضرورة اعتماد إطار اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا، والتي تلزم دمشق بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا”.

والحديث المتعلق باتفاقية أضنة ورغم أنه ليس بجديد، على اعتبار أنه موسكو طرحته مرارا على لسان مسؤوليها، إلا أنه يعتبر الأول الذي يتردد من جانب طهران.

ويعود توقيع الاتفاقية بين سوريا وتركيا إلى عام 1998، عندما توترت العلاقة بينهما على خلفية دعم النظام السوري ورئيسه حينها، حافظ الأسد، لزعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان.

ونصت الاتفاقية على أربعة بنود، الأول تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب “العمال” وإخراج زعيمه أوجلان وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.

بينما نص البند الثاني على احتفاظ تركيا بحقها في الدفاع عن نفسها، والمطالبة بتعويض عن الخسائر في الأرواح والممتلكات في حال لم توقف دمشق دعمها فورا للحزب.

وأعطى البند الثالث تركيا الحق في ملاحقة من تصفهم بـ”الإرهابيين” داخل الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات، إذا تعرض أمنها القومي للخطر ولم يستطع النظام مكافحة عمليات الحزب.

أما البند الرابع فقد نص على اعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية منذ توقيع الاتفاقية وعدم مطالبة الطرفين بأراضي الطرف الآخر.

ويوضح الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك أن إيران “تحاول إقناع تركيا بالعمل مع نظام الأسد. العرض الإيراني هو أن على تركيا إعادة العلاقات، والتخلي عن المعارضة السورية الشرعية مقابل القضاء على وحدات حماية الشعب في سوريا”.

ومع ذلك، فإن “هذا العرض غير واقعي ولا يعالج المخاوف الأمنية التركية”.

ويضيف أوزكيزيلجيك: “تعرف أنقرة أن نظام الأسد سهّل نشاط وحدات حماية الشعب في سوريا عام 2012 من خلال تسليم الأراضي”، وأن “قوات الدعم النشطة الحالية التي تقدمها قوات النظام لوحدات حماية الشعب الكردية ضد تركيا والحكومة السورية المؤقتة معروفة جيدا في أنقرة”.

واعتبر الباحث: “إذا كان هناك أي نوع من الاتفاق مع نظام الأسد، فلن تطلب تركيا من إيران وساطة بل من روسيا. على الرغم من احتلال روسيا في أوكرانيا، لا تزال موسكو الحامي الرئيسي لنظام الأسد”.

وبدون موسكو “لن يستمر نظام الأسد، بينما لا تملك إيران القدرة على الحفاظ على نظام دمية في دمشق من تلقاء نفسها”.

ووفق أوزكيزيلجيك: “لذلك فإن عروض الوساطة الإيرانية لا قيمة لها”.

 “تبريد أجواء”

ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ سنوات طويلة كجهة شرعية تمسك زمام أمور الشعب السوري، وتتمسك حتى الآن بهذا الموقف، بحسب ما تشير إليه تصريحات مسؤوليها.

وقبل أيام قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن في تصريحات صحفية: “وحدات المخابرات لدينا يمكنها أن تلتقي مع النظام السوري، ولا يوجد اتصال سياسي”.

وأضاف: “كما ذكر رئيسنا، فإن وحدات استخباراتنا لديها اتصالات دورية. وحدات استخباراتنا تتفاوض من حيث مصالحنا الوطنية. لكن أبعد من ذلك، لا يوجد نقاش سياسي”.

ولطالما أكدت أنقرة أن تواصلها مع النظام السوري “استخباراتي وليس سياسي”، وهو ما أكد عليه الأخير في فترات متفرقة أيضا.

وبوجهة نظر المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف فإن إبداء طهران لعب دور الوساطة يأتي من كونها “تعرف بأن تركيا عازمة على العملية العسكرية في سوريا”.

ويرتبط الأمر أيضا بموقف موسكو المنخرطة في أوكرانيا، والتي لم تدل بتصريحات قوية في الفترة الأخيرة، بخصوص التهديدات التركية.

ويقول يوسف لموقع “الحرة”: “ما تقوم به إيران هو تبريد الأجواء ما بين سوريا وتركيا. لكن لم تفلح باعتبار أن أنقرة عازمة على إطلاق عمليتها”.

“العلاقات السورية التركية لن ترمم يوما، ولن تعود إلى ما كانت عليه إلا بالعودة إلى اتفاقية أضنة، وهو ما لا تريده تركيا”.

ويضيف المحلل السياسي: “الاتصالات الأمنية حتى الآن لم تفلح في شيء ولن تفلح، لذلك أعتقد أن عدم نجاح إيران بلعب دور الوسيط يرتبط بسببين، الأول عزم تركيا على تنفيذ العملية من جهة، ولكون طهران لا تمتلك وزنا يؤثر على سير التهديدات”.

و”كل ما تملكه طهران القول إنها تريد أن تكون هناك عودة للعلاقات بين سوريا وتركيا، وأن لا يحصل صدام. هذا هو الجوهر، كي لا يتصادم الجيشان التركي والسوري”، بحسب يوسف.

ضياء عودة – إسطنبول

الحرة

————————–

مأزق الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية/ راتب شعبو

تبقى تهمة الانفصال التي تُرمى في وجه الكرد السوريين فارغة رغم تكرارها، ليس لأنهم غير انفصاليين بطبيعتهم ويفضلون البقاء في إطار سياسي واحد مع العرب وغيرهم من القوميات، فلا غرابة في أنّ أيّ جماعة قومية تعي ذاتها كذلك، سوف تميل إلى اعتناق حقها في بناء دولتها القومية، والكرد ليسوا استثناء. هي تهمة فارغة، لأنّ الواقع السوري لا يوفر عناصر الانفصال (غلبة سكانية مهمة وتواصل جغرافي)، عدا عن الواقع الإقليمي والدولي الذي أعاق، كما هو معلوم، محاولة انفصال كردستان العراق في استفتاء سبتمبر/ أيلول 2017، رغم اكتمال عناصر الانفصال هناك.

يزيد من بطلان تهمة انفصال الكرد السوريين أنهم في برامجهم لا يطرحون فكرة الانفصال أصلاً، وأنّهم، رغم تميّزهم القومي، يندرجون في الصراع السوري على خلفية وحدوية. لا حضور ملحوظاً في سياسة التشكيلات السياسية الكردية في سورية للطرح الانفصالي، وليس الانفصال من عدمه هو مربط خلاف الكرد السوريين مع العرب، سواء الذين منهم في السلطة أو في المعارضة. والحق أنّ الكرد وُجدوا في مختلف مواقع المعارضة السورية، من هيئة التنسيق إلى المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني، وكان التغيير السياسي الذي يحمل، في طياته، تحقيق أكبر قدر ممكن من حقوقهم القومية الديمقراطية في سورية، هو الخط العريض لنضالهم، رغم الخلافات الكبيرة في ما بينهم، كما هو حال الخلافات الكبيرة أيضاً بين المعارضين السوريين العرب.

النقد الأساسي لنضال الكرد في غضون الثورة السورية ارتبط بالنهج الكردي (الأطراف الأكثر فاعلية في الوسط الكردي) للتمايز عن الجسد العام للثورة السورية، أو، بطريقة أخرى، الانشغال في شأنهم القومي أساساً في غضون ثورة، رأى منتقدو هذا النهج الكردي أن من شأن انتصارها (الثورة) أن يقود إلى تحقيق المطالب القومية الكردية كجزء من بناء سورية ديمقراطية، وأنّ التمايز الكردي في الثورة أعاق، بالتالي، هذا الانتصار، وهكذا أضرّ بالكرد كما أضرّ بالعرب. وكان من طبيعة الأمور أن ينطوي هذا التحليل على استبطانات تآمرية كثيرة وتهم خيانية لن ينقصها وجود وقائع تسندها من هنا وهناك. في المحصلة، تأسست، لدى نسبة كبيرة من العرب السوريين مشاعر عدائية ضد الكرد، زاد من حدّتها الاستقطاب بشأن الموقف التركي الذي جمع بين ما بدا لكثيرين دعماً للثورة وللشعب السوري (استقبال ملايين اللاجئين السوريين وحماية ملايين آخرين شمال سورية)، وبين موقف تركي شديد العداء للكرد، تجلى في عمليات عسكرية، شارك فيها سوريون عرب، ضد مناطق كردية، وما استجره ذلك من تبعات كارثية على الكرد في هذه المناطق.

لم يكن تاريخ العلاقة بين الكرد السوريين والمعارضة السورية طيباً إلى الحد الذي يطمئن الكرد على حقوقهم القومية على يد هذه المعارضة، فيما لو أمسكت زمام الأمر في دمشق. السلبية العربية تجاه أحداث مارس/ آذار 2004 في القامشلي، والممارسات غير المسؤولة من بعض الكرد، مثل حرق العلم السوري ورفع شعارات انفصالية، رسمت خط تمايز كردي عربي صريح في النضال الديمقراطي في سورية، لعب دوراً في تفتيت النضال السوري عقب 2011. وينبغي القول إن غالبية الأحزاب الكردية أيضاً لم تكن أقل سلبيةً في موقفها من قمع النظام الدائم ضد أحزاب المعارضة السورية، بمن فيها التي كانت تساند الحقوق القومية الكردية، وتضم في صفوفها كردا كثيرين، مثل حزب العمل الشيوعي في سورية. مع ذلك، ليس من الصعب فهم هذا الحذر الكردي على خلفية الارتداد العنيف لنظام الأسد ضد كل تواصل نضالي للكرد مع العرب في سورية. وليس غريباً، والحال هذه، القلق الذي لم يفارق الكرد إزاء موقف الأحزاب السورية العربية التي دخلوا في تحالف معها خلال الثورة (هيئة التنسيق أو في المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) وتلكؤها في تبني المطالب الكردية.

يفسّر السياق السابق تقدّم الهم الكردي (القومي) على الهمّ السوري (الوطني) في نظرة القوى الكردية الأكثر فاعلية، إلى الصراع في سورية، ووجود أرضية شعبية كردية لقبول هذه النظرة. هكذا، فتح الباب أمام شلال من العناصر المتوالدة، مثل حضور العمال الكردستاني وبروز قوة عسكرية كردية عزّزت النظرة المذكورة، ثم نشوء العلاقة بين القوات الكردية الناشئة في سورية وبين الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ثم ترسيخ سلطة الإدارة الذاتية التي عرضت قدرة جيدة على ضبط المنطقة وملء فراغ الدولة الغائبة، وإدارة ملف آلاف من معتقلي “داعش”، هذا كله وسط جو متوتر عسكرياً وأمنياً وسياسياً.

إذا كان مسار الحدث قد أفضى إلى توضع الإدارة الذاتية وثباتها، فإن المعضلة العميقة التي تواجهها أنها، في السياق “العدائي” الذي نشأت فيه، تحتاج حماية دائمة، ذلك أنها نشأت على الضد من إرادة أطراف مجاورين أكثر ثباتاً منها (تركيا، نظام الأسد، المعارضة السورية العربية لنظام الأسد)، ما يجعل من الصعب بقاء الإدارة الذاتية على المدى البعيد إلا برضى هذه الأطراف. يزيد من تعقيد الأمر أن الإدارة الذاتية لا تمثّل كل الكرد، وأن هناك طرفاً كردياً وازناً (المجلس الوطني الكردي) غير راض بها، طالما أنه خارجها، والراجح أن من الصعب على الإدارة استيعابه. المفارقة أن حرص الإدارة الذاتية على الاستمرار في وجه التهديدات الدائمة والجو العدائي وعدم الرضا العام من حولها، يدفعها أكثر إلى الاستمرار في علاقتها مع حزب العمال الكردستاني، للحصول على مزيد من الدعم العسكري، ومزيد من التماسك الداخلي، الأمر الذي يزيد في عدائية المحيط لها.

يمكن القول، بإيجاز، إنّ مأزق الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، هو في فشلها في كسب دعم سوري عربي واسع لها، فهي مرفوضةٌ من قطاع واسع من جمهور النظام ومن جمهور المعارضة، لأسبابٍ مختلفة، وتحتاج كي تستمر إلى فرض نفسها على الواقع السياسي في سورية. وعليه، إما أن تستطيع الإدارة الذاتية أن تفرض نفسها بصورة دائمة، أو أن تستطيع أن تكون جزءاً من حلٍّ توافقي سوري يرضى بها السوريون العرب من خلاله. نعتقد أنّ الخيار الثاني هو الضمان، ونتمنّى أن نمتلك ما يكفي من الاعتقاد بإمكانيته.

العربي الجديد

————————

إيران عاجزة أمام العملية التركية بسوريا..بسبب “محدودية” تأثيرها/ مصطفى محمد

تتناقض التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، التي أطلقها من دمشق بشأن موقف بلاده من العملية التركية المُرتقبة في الشمال السوري، مع تصريحات كان قد أدلى بها الأسبوع الماضي خلال زيارته الى تركيا، أعلن فيها عن تفهم بلاده للمخاوف التركية، ليشكل هذا التناقض ما يشبه “الانعطافة” في الموقف الإيراني.

وفي تصريحات بدت “تصحيحية”، قال عبد اللهيان خلال لقائه وزير خارجية النظام فيصل المقداد في دمشق السبت، إن بلاده “تعتبر أي تدخل أجنبي أمراً غير صائب وغير صحيح وهو عنصر يعقد الأوضاع”، مشيراً إلى معارضة طهران لأي “عمل عسكري خارجي في سوريا”.

ومن الواضح أن مواقف إيران المتضاربة حيال العملية التركية تعكس حذراً واضحاً من طهران، التي تبدو مواقفها متأرجحة بين التأييد حرصاً على إرضاء أنقرة، والرفض مراعاة لموقف حليفها النظام السوري.

وكان عبد اللهيان قد أعلن الإثنين الماضي، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو أن بلاده تتفهم جيداً مخاوف تركيا الأمنية، مضيفاً: “نتفهم أن عملية خاصة قد تكون ضرورية”.

ويعيد الصحافي في وكالة “الأناضول” التركية، محمد مستو، تضارب مضمون تصريحات عبد اللهيان بخصوص العملية العسكرية التركية، إلى “الدبلوماسية” الإيرانية المعتادة. ويرى في تصريح لـ”المدن”، أن حديث عبد اللهيان عمّا يشبه التأييد للعملية العسكرية التركية خلال زيارته تركيا، “لم يكن أكثر من تصريح دبلوماسيّ”، مضيفاً: “ربما شعر عبد اللهيان أن حديثه فُهم على نحو آخر، أي التأييد للعملية العسكرية، ولذلك اختار دمشق ليطلق تصريحات مخالفة في المضمون”.

ويشير مستو إلى قراءة وسائل إعلام مختلفة لتصريحات عبد اللهيان من أنقرة، على أنها موافقة ضمنية على العملية، ويقول: “لم توافق إيران على أي عملية عسكرية تركية شنها الجيش التركي في الشمال السوري، ومن المفهوم من وجهة نظر أنقرة أن تعارض طهران هذه العملية بالذات، نظراً لقرب بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين شمال حلب من تل رفعت الموضوعة على رأس أهداف العملية التركية”.

ويرى الصحافي في الوكالة التركية شبه الرسمية، أن إيران بنفوذها المحدود في الشمال السوري “لا تستطيع منع تركيا من شن عملية عسكرية، تعتقد أنقرة أن الظروف الحالية مواتية لشنها”، مؤكداً أن “تركيا لن تضيّع هذه الفرصة”، فيما يدرك المسؤولون الاتراك أن الظروف “قد لا تتوافر مرة ثانية في حال إضاعة هذه الفرصة”، في إشارة إلى التقارب مع الغرب، وخصوصاً بعد موافقة تركيا على توسعة حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وحاجة الغرب المتزايدة لها بسبب القطيعة مع روسيا.

واتسمت مواقف طهران من العملية العسكرية بالتذبذب، حيث عارضت طهران بشكل معلن أي تحرك تركي جديد فور إعلان تركيا عن عزمها شن عملية عسكرية في الشمال السوري، وبدأت وسائل إعلام تابعة لها بالحديث عن “الخطر” الذي يحيط ببلدتي نبل والزهراء، وعن ضرورة تفاديه من خلال زيادة التنسيق بين الميليشيات الموالية لها وجيش النظام السوري و”قسد”، ومن ثم جاءت تصريحات عبد اللهيان من أنقرة مفاجئة بعض الشيء، إلى أن أعادت طهران الموقف الأخير، أي اعتراضها على العملية.

ويُرجع الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي ذلك، إلى “إدراك طهران لتأثيرها المحدود في أمور عسكرية تخص بقية الأطراف الموجودة في سوريا”، ويقول لـ”المدن”: “تحاول طهران التكيف مع المتغيرات، وكذلك تريد في الوقت ذاته إثبات وجودها”.

ويوضح أن طهران أعطت إشارات لأنقرة بأنها لن تزج ميليشياتها في معركة تحاول تركيا الحصول على موافقة واشنطن وموسكو عليها، وفي المقابل تقوم بإرضاء النظام بتصريحات سياسية غير مؤثرة، أي الإعلان عن معارضتها العملية العسكرية، مستدركاً: “غالباً، زيارة عبد اللهيان  تهدف إلى منع وقوع أي صدام عسكري بين قوات النظام السوري والجيش التركي، في حال بدأت العملية”.

وهنا، يشير النعيمي إلى استهداف طائرة مسيّرة تركية، الأحد، نقطة عسكرية تابعة للنظام السوري في مدينة تل رفعت بريف حلب، مختتماً “هي رسالة تركية واضحة للنظام”.

————————

روسيا وتركيا تعززان قواتها شمال سوريا..مع “اقتراب” المعركة

قالت وكالة “Rusvesna” الروسية إن الجيش الروسي دفع بمئات الجنود الإضافيين وبكامل عتادهم إلى مطار القامشلي في محافظة الحسكة شمالي شرق سوريا، من أجل مواجهة القوات المدعومة من تركيا التي تنوي القيام بعملية عسكرية، فيما دفع الجيش التركي بمزيد من التعزيزات إلى مواقع انتشاره في ريف حلب.

وقالت الوكالة إن “300 جندي مظلي روسي وصلوا الأحد، إلى مطار القامشلي عبر طائرات روسية، ليضافوا إلى 300 جندي آخرين كانوا قد وصلوا قبل أسبوعين إلى المطار نفسه”.

ووفقاً لمصادر الوكالة فإن مهمة هؤلاء الجنود هي في الغالب “التصدي للفصائل المعارضة المدعومة من قبل تركيا، والتي تنوي المشاركة إلى جانب الجيش التركي في عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية في شمال شرقي سوريا”.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة من قرارها المتعلق بإنشاء المنطقة الآمنة، والعمل على “تطهير” منطقتي منبج وتل رفعت من “الإرهابين”.

وجاء التعزيزات الروسية بالتزامن مع تعزيزات عسكرية دفع بها الجيش التركي ليل الأحد، إلى قواعده القريبة المنتشرة في منطقتي أعزاز ومارع ريف حلب الشمالي، كما دفع جيش النظام بالمقابل بتعزيزات إضافية إلى منطقة منبج شرقي حلب.

وقالت مصادر محلية ل “المدن”، إن “التعزيزات التي دخلت على شكل رتل من معبر الراعي ضمت مدرعات وآليات ثقيلة محملة بالذخيرة والمعدات اللوجستية، وتفرقت لدى وصولها إلى منطقة درع الفرات واتجهت معظمها إلى تخوم القواعد العسكرية القريبة من تل رفعت”.

بالمقابل، دفع النظام السوري برتل ضخم ضم عشرات الآليات والمدرعات والدبابات إلى منطقة منبج بريف حلب، قادم من مدينة تل رفعت، وفق المصادر. وأوضحت أن الرتل “نفّذ انتشاراً داخل المنطقة ودفع بعدد من الآليات والجنود إلى خطوط التماس مع فصائل الجيش الوطني”.

من جانبه، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن النظام السوري دفع برتل ضمَّ أكثر من 50 آلية عسكرية ثقيلة ودبابات من مناطق سيطرته في حلب، إلى منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، على تخوم الجبهة مع الفصائل المعارضة في منطقة “نبع السلام”.

وكان الجيش الوطني قد دفع بتعزيزات عسكرية خلال اليومين الماضيين نحو خطوط التماس مع قسد في تل رفعت بريف حلب. ونقلت وكالة “الأناضول” السبت، عن مصدر عسكري في الجيش الوطني قوله إن “تعزيزات شملت آليات وراجمات صواريخ ومدرعات وصلت تخوم مدينة تل رفعت قادمة من أعزاز”، لافتاً إلى أنها جاءت “استعداداً لعملية عسكرية قد يشنّها إلى جانب الجيش التركي ضد قسد”.

——————————

الحراك الإيراني بين دمشق وأنقرة: طهران تخشى توسع النفوذ التركي/ أمين العاصي و جابر عمر

أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من العاصمة السورية دمشق، أول من أمس السبت، أن بلاده تعمل على إيجاد حلّ سياسي لثني تركيا عن شنّ العملية العسكرية التي تهدد بها، في شمالي سورية. وأشار الوزير الإيراني، خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في العاصمة السورية التي وصل إليها السبت، إلى أن بلاده أعلنت استعدادها لتقديم حلّ سياسي للأزمة، “واستعدادنا للمساعدة في هذا الصدد”. وقال عبد اللهيان: “سنبذل قصارى جهدنا لمنع شنّ عملية عسكرية”، مضيفاً أنه تحدث أيضاً إلى المسؤولين الأتراك حول حل دبلوماسي.

غير أن المسؤول الإيراني قال إن بلاده “تتفهم قلق ومخاوف الحكومة التركية بشأن القضايا الحدودية الخاصة بها، لكننا نعتبر أن أي إجراء عسكري في سورية هو عامل مزعزع للأمن في المنطقة”، وذلك بعدما أكد الإثنين الماضي، من أنقرة، أنه “يتفهم” الحاجة التركية لعملية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، في شمال سورية.

وتطرق اللقاء الذي جمع أيضاً عبد اللهيان برئيس النظام السوري بشار الأسد، السبت، إلى العملية العسكرية التي تلوّح بها أنقرة. وكتب عبد اللهيان، أمس الأحد، في منشور على تطبيق “إنستغرام”، أنه أبلغ الأسد “المخاوف الأمنية التركية التي طرحها معي رئيس جمهورية ووزير خارجية هذا البلد (الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو) خلال زيارتي الأخيرة إلى أنقرة”.

وأضاف: “قلت صراحة أن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو حلّ القضايا عبر الحوار والتعاون ونعارض استخدام القوة وأي عملية عسكرية ضد سورية”. ونقل عن الأسد دعمه لـ”أي حل يعتمد الحوار وبمساعدة الجمهورية الإسلامية”.

وكانت وكالة الأنباء التابعة للنظام “سانا” قد نقلت عن الأسد قوله خلال لقائه عبد اللهيان إن “الادعاءات التركية لتبرير عدوانها على الأراضي السورية هي ادعاءات باطلة ومضللة ولا علاقة لها بالواقع، وتنتهك أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وروابط حسن الجوار التي يُفترض أن تجمع بين البلدَين الجارَين”، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء التابعة للنظام “سانا”.

وتلوّح أنقرة منذ أكثر من شهر بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، وذلك في ريف حلب الشمالي، وخصوصاً في اتجاه بلدة تل رفعت ومحيطها. ويبدو أن أنقرة قطعت شوطاً في طريق البدء بهذه العملية، حيث نقلت خلال الأيام القليلة الماضية وحدات قتالية تابعة لفصائل المعارضة السورية المرتبطة بها إلى خطوط التماس في ريف حلب مع قوات النظام و”قسد”. ومن المتوقع أن تبدأ العملية في أي وقت، حيث تعمل أنقرة حالياً على الحصول على ضوء أخضر، خصوصاً من الجانب الروسي الذي تقع بلدة تل رفعت ضمن نطاق نفوذه في سورية.

توجس إيراني من العملية التركية في شمال سورية

ويشي التحرك الدبلوماسي الإيراني إلى ثني أنقرة عن شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري، بتوجس طهران من هذه العملية التي من شأنها تعزيز الحضور التركي في الملف السوري في ظل انشغال الروس بغزوهم أوكرانيا.

وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي تركي لـ”العربي الجديد” إن الحراك الإيراني الدبلوماسي هو محاولة لثني تركيا عن القيام بأي عملية عسكرية جديدة في سورية تؤدي إلى مزيد من تقوية نفوذها، وذلك بعد تهديدات أنقرة باستهداف جميع القوى الموجودة في مناطق تل رفعت ومنبج ومناطق العمليات الجديدة، وهو ما يعني استهداف المليشيات الشيعية المرتبطة بإيران الموجودة في المنطقة ما لم تنسحب.

وأشار المصدر إلى أن إيران تخشى من انتزاع تركيا موافقة روسية أيضاً حول العملية العسكرية الجديدة، ومن هنا يبدو واضحاً أن هدف الزيارة هو تنسيق المواقف مع النظام السوري ضد أي عمل عسكري تركي جديد، وذلك تحت غطاء نقل المخاوف التركية للنظام.

من جهتها، قالت مصادر أخرى مطلعة على حيثيات الحراك الإيراني على خط أنقرة ودمشق، إن زيارة وزير الخارجية الإيراني قبل أيام إلى تركيا كانت مدفوعة بـ”توتر خفي” بين البلدين، انعكس في تأجيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران إلى أجل غير مسمى، فضلاً عن تأجيل زيارة الوزير الإيراني إلى تركيا مرتين. وعن هذا التوتر قالت المصادر إنه مرتبط بـ”انزعاج تركي” من تعرض مصالح تركيا في العراق لمخاطر من قبل حلفاء طهران، فضلاً عن “متطلبات سياسية جديدة تتبعها أنقرة أخيراً في المنطقة للمصالحة مع السعودية وإسرائيل”.

وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها أن زيارة عبد اللهيان كانت محاولة إيرانية لـ”إزالة سوء فهم قد يكون حصل خلال الفترة الأخيرة، وترطيب الأجواء مع تركيا”.

مبادرة إيرانية جديدة للوساطة بين تركيا والنظام

وأشارت المصادر إلى أن الملف السوري كان عنواناً بارزاً في زيارة الوزير الإيراني إلى تركيا، وهو حمل “مبادرة إيرانية إلى أنقرة لثنيها عن شن عملية عسكرية ضد سورية”. ولفتت إلى أن المبادرة الإيرانية “تعتمد على ركنين: الأول مشاطرة تركيا في مخاوفها من الواقع الآخذ في التشكل بشمال سورية نحو تأسيس كيان كردي مستقل مدعوم من الولايات المتحدة والغرب، والركن الثاني هو استعداد إيراني للوساطة بين أنقرة ودمشق لبحث حل بديل عن العملية العسكرية”.

وأوضحت المصادر أن عبد اللهيان اقترح على الأتراك “تبني حل مشترك مع النظام السوري بدعم إيراني لمعالجة المخاوف المشتركة في الشمال السوري”، مشيرة إلى أن “الحل المقترح هو التعاون الأمني المكثف لإضعاف الإدارة الذاتية (الكردية) وإنهاء الوجود الأجنبي في الشمال السوري”.

وكشفت المصادر أنه “حالياً هناك مستوى محدد من التعامل الأمني بين سورية وتركيا، لكنه لا يرتقي إلى المستوى المطلوب”، مضيفة أن تركيا “تشترط قبل أي شيء تحركاً ميدانياً عسكرياً سورياً ضد الإدارة الذاتية”.

وفيما أشارت المصادر إلى أن الوزير الإيراني اقترح خلال زيارته إلى تركيا عقد اجتماع ثلاثي بين طهران ودمشق وأنقرة لبحث الوضع، لكن المصادر قالت إنها لا علم لها بالرد التركي على المقترح.

وأكدت المصادر أن دمشق “مستعدة لتعاون أمني مع أنقرة لمعالجة المخاوف الأمنية المشتركة”، قائلة إنها “في الوقت ذاته تربط أي تغيير أساسي في سياستها تجاه الشمال برفع تركيا دعمها عن مجموعات إدلب والمساعدة في إعادة سورية (النظام) سيادتها على هذه المناطق”. ولفتت المصادر إلى أن “المبادرة الإيرانية تتضمن أيضاً تحذيرات مبطنة للجانب التركي من عواقب العملية العسكرية المحتملة إقليمياً وسورياً”.

وكان النظام والإيرانيون قد عززوا مواقعهم العسكرية خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي في ريف حلب الشمالي، لصد فصائل المعارضة السورية في حال تحركها باتجاه بلدة تل رفعت التي تسيطر عليها الوحدات الكردية منذ مطلع عام 2016 وتضم حالياً نازحين أكراداً من منطقة عفرين القريبة منها.

ولكن من المتوقع ألا تصمد قوات النظام والمليشيات الإيرانية والوحدات الكردية طويلاً، في ظل التفوق العسكري لفصائل المعارضة السورية المدعومة برّاً وجواً من الجيش التركي. ويبدو أن الجيش التركي يضع في خططه إنهاء أي وجود للوحدات الكردية في غربي الفرات ومن ثم فإن مدينة منبج هي الهدف الثاني له.

ومن الواضح أن طهران تتوجس من تعزيز تركيا لحضورها في الملف السوري في حال شنّت هذه العملية التي تُقرّب أنقرة أكثر من تخوم مدينة حلب الشمالية، وتضع بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين اللتين تضمان مليشيات إيرانية في مرمى نيران فصائل المعارضة السورية.

وعن حراك عبد اللهيان، رأى الباحث في “مركز الحوار السوري”، أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المحاولة الإيرانية للتوسط بين النظام السوري وتركيا لتجنّب عملية عسكرية تركية في شمالي سورية “جاءت على ضوء أمرين مهمين”. وأضاف أن “هناك انشغالاً روسياً بالحرب في أوكرانيا، لذا تحاول طهران ملء الفراغ الذي تركته موسكو في سورية، عسكرياً وسياسياً”. ولفت إلى أنه “بعد الانفتاح التركي على بلدان عربية، تحاول إيران تقديم تنازلات في بعض الملفات في سورية، لتحييد تركيا عن الانخراط في أي تحالف إقليمي ضد طهران”.

وعن مضمون الوساطة، توقع القربي أنها “لن تخرج عن المحددات التي وضعتها روسيا مع النظام وهي تخلي قوات قسد عن سلاحها وعن مشروعها بالحكم الذاتي”. وأضاف: “هناك دافع إيراني مهم للوساطة، وهو وجود بلدتي نبّل والزهراء اللتين يشكل الشيعة غالبية سكانهما في ريف حلب الشمالي ليس بعيداً عن تل رفعت، مسرح العملية المتوقعة. تريد طهران دوراً ما في أي ترتيبات أمنية في المنطقة لحماية البلدتين”.

وحول إمكانية نجاح الوساطة الإيرانية، رأى القربي أن التحرك الإيراني بين أنقرة ودمشق “محاولة لإظهار الحضور الإيراني في الملف السوري أكثر من كونها وساطة حقيقية”، مشيراً إلى أن “هناك اتصالات أمنية بين النظام السوري وتركيا، وربما تحاول طهران من خلال ملف الشمال السوري فتح قنوات سياسية بين نظام الأسد وتركيا”.

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن تركيا “ليست مستعجلة للانفتاح السياسي على نظام الأسد”، مذكّراً بأن الروس “حاولوا سابقاً الجمع بين تركيا والنظام، ولكن الأمر لم ينجح”. وأضاف أنه “في ظل التوجه الغربي لمناكفة الروس، فليس من المناسب أن تعطي أنقرة مكسباً سياسياً للنظام السوري الحليف الرئيسي لموسكو”. وأشار القربي رغم ذلك إلى أنه “من الممكن أن يحقق الإيرانيون اختراقاً في شمال شرقي سورية في حال أقنعوا قوات قسد بالانسحاب 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود التركية السورية”، مضيفاً أنه “إذا كانت الوساطة الإيرانية تتحرك ضمن المحددات الروسية السابقة، فلن تحقق أي نجاح”.

العربي الجديد

—————————-

تركيا تستقدم تعزيزات عسكرية ضخمة إلى شمال سوريا

تمهيداً للهجوم على تل رفعت ومنبج وإنشاء «منطقة آمنة»

حلب: فراس كرم

واصلت تركيا والفصائل الموالية لها تعزيز قواتها العسكرية على خطوط التماس مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) استعداداً للعملية المرتقبة، التي من المتوقع أن تبدأ في عيد الأضحى.

ونفذت طائرة مُسيَّرة تركية، أمس الأحد، غارة جوية على موقع لـ«قسد»، كما استهدف الطيران التركي موقعاً آخر لقوات النظام السوري في منطقة تل رفعت شمال حلب، أسفرت عن خسائر مادية.

وقال نشطاء في شمال حلب، إن طائرة مُسيَّرة تركية من طراز «بيرقدار» استهدفت في ساعة متأخرة من ليلة السبت- الأحد، موقعاً عسكرياً لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، في منطقة تل عيشة، بالقرب من منطقة تل رفعت شمال غربي حلب، وأسفرت الغارة عن إصابة 6 من عناصرها بجروح، وأعقبتها اشتباكات عنيفة وقصف بري على طول خطوط التماس في منطقة تل رفعت، وصولاً إلى منطقة الكريدية القريبة من مدينة الباب شمال شرقي حلب، بينما ركزت القوات التركية القصف المدفعي والصاروخي على مواقع عسكرية لـ«قسد» في مناطق وقرى أم عدسة وأم جلود وباك ويران والصيادة بريف منبج، شمال شرقي حلب.

يأتي ذلك على وقع ارتفاع وتيرة تهديدات تركية ومن فصائل «الجيش الوطني السوري» المدعومة من أنقرة، بشن عملية عسكرية مشتركة ضد «قسد»، وسط استنفار في القواعد العسكرية المنتشرة في شمال وشمال شرقي حلب، ووصول تعزيزات عسكرية ضخمة للقوات التركية تضم آليات عسكرية مصفحة، ومدافع ثقيلة ودبابات وعدداً كبيراً من الجنود، عبر منفذ باب السلامة شمال حلب، وانتشارها في المواقع العسكرية القريبة من منطقة تل رفعت ومناطق دابق ومارع شمال حلب، ووصول معدات عسكرية لوجستية، بالإضافة إلى أجهزة وأنظمة تشويش على الطيران، إلى المناطق الجنوبية من تركيا، وتمركزها بالقرب من الحدود السورية، استعداداً لبدء العملية العسكرية.

وأعلن مصدر عسكري في فصائل «المعارضة» الموالية لأنقرة، أن «كلاً من المجلس العسكري لمدينة منبج وتل رفعت المدعومين من تركيا، إضافة إلى كافة فصائل الجيش الوطني السوري والقوات التركية، باتت على أهبة الاستعداد والجاهزية القتالية العالية، وبانتظار ساعة الصفر للبدء بالعملية العسكرية، والهدف هو تحرير كل من مدينة تل رفعت ومنبج والقرى المجاورة لها، من (قسد) وقوات النظام السوري التي تحالفت معاً مؤخراً للتصدي للعملية العسكرية التركية».

وقال المصدر العسكري إن «تحالف قوات النظام السوري و(قوات سوريا الديمقراطية)، وانتشارها بشكل مشترك في مناطق تل رفعت وجوارها، لن يؤخر أو يلغي العملية العسكرية»، مشيراً إلى أن استهداف طائرة تركية صباح أمس موقعاً عسكرياً تابعاً لقوات النظام، وإصابة 2 من عناصرها، وسط مدينة تل رفعت، كان «بمثابة رسالة واضحة من تركيا، بأنه يتوجب على قوات النظام مغادرة المناطق التي حددتها القوات التركية هدفاً لعملياتها العسكرية المقبلة».

وأكد المصدر أن «لدى تركيا وفصائل المعارضة السورية إصراراً على تحرير وبسط تركيا نفوذها على المنطقة بشكل كامل وإنشاء منطقة آمنة، بالتعاون مع فصائل الجيش الوطني السوري، ما يسمح بعودة آلاف المدنيين من أبناء المناطق المهجرين، بفعل (قسد)، إلى ديارهم والعيش في مناطقهم بأمان وسلام».

في غضون ذلك، أجرى «الجيش الوطني السوري» استعراضاً عسكرياً على أطراف مدينة تل رفعت ومنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي؛ حيث انطلقت الأرتال العسكرية من طريق سجو– أعزاز في ريف حلب، وضمت مدافع ورشاشات وآليات ثقيلة ومدافع «هاون»، إضافة إلى عدد كبير من السيارات المصفحة وآلاف المقاتلين، في وقت شهدت فيه مواقع «قسد» القريبة من خطوط التماس مع فصائل المعارضة والقوات التركية، وصول تعزيزات عسكرية جديدة، بينها أسلحة ثقيلة ومتوسطة وأعداد كبيرة من العناصر، استعداداً لمواجهة الأخيرة.

وقال مراقبون إن هناك إصراراً واضحاً من قبل تركيا والفصائل السورية الموالية لها بشن عملية عسكرية ضد «قسد» بشمال حلب. وبحسب المعطيات والحشود العسكرية الضخمة، فإن الهدف هو السيطرة على مناطق تل رفعت ومنبج بريف حلب، وإنشاء «منطقة آمنة»، وربما تنطلق العملية العسكرية التركية بعد عيد الأضحى بأيام قليلة، نظراً لإعلان تركيا والفصائل العسكرية السورية الموالية لها، إكمال جاهزيتها وانتشارها في مواقع الهجوم.

—————————-

أنقرة – موسكو بعد قمة مدريد؟/ سمير صالحة

يشكر الرئيس الأميركي جو بايدن أنقرة على كل الجهود التي بذلتها في ملف الأزمة الأوكرانية رغم أن المسار ما زال في بدايته. هو يفعل ذلك عمدا لإغضاب موسكو وعرقلة فرص الحوار والتفاهم التركي الروسي في ملف الأزمة الأوكرانية. فهل تتوتر العلاقات بينهما بعد مضمون البيان الختامي لقمة حلف شمال الأطلسي وتسريع القيادة التركية لإنجاز مذكرة التفاهم الثلاثية مع السويد وفنلندا التي فتحت الطريق أمامهما باتجاه العضوية في الناتو؟ أين وكيف سيكون ذلك؟ وهل ستتضرر برغماتية أردوغان بوتين التي سهلت تجنب وإنهاء أكثر من أزمة وملف توتر محتمل في قضايا ثنائية وإقليمية؟ وهل يوافق الكرملين على استمرار الوساطة التركية بين موسكو وكييف بعد كل ما حصل؟ ألا يزعج الاتصال الهاتفي المفاجئ بين الرئيسين بايدن وأردوغان ثم لقاؤهما المطول في مدريد الرئيس الروسي بوتين ويدفعه للقلق حول احتمال حدوث تفاهمات إقليمية تتعارض مع حسابات ومصالح موسكو؟

كانت القيادة الروسية فرحة بطاولة الحوار والتفاوض مع أوكرانيا برعاية تركية لأنها منحتها فرصة المماطلة والوقت للوصول إلى ما تريد أو عرقلة منح الطرف المقابل ما يهدف إليه. نجحت واشنطن في استبدال الطاولة إلى ثلاثية تركية سويدية فنلندية أولا. ثم حولتها إلى رباعية بمشاركة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي كطرف ضامن ثانيا. وفي النهاية أنزلت ضربتها القاضية وإنجاز اختراق المذكرة الثلاثية التي فاجأت الجميع بالتحول السريع في موقف أنقرة والتخلي عن الضوء الأحمر لصالح الأصفر في مسألة عضوية استوكهولم وهلسنكي الأطلسية.

المقايضة كانت روسية تركية أوكرانية فتحولت إلى تركية سويدية فنلندية سبقها حتما صفقة تركية أميركية. أين وكيف سترد روسيا لتعيد توازن المعادلات التي مالت الكفة فيها لصالح واشنطن والأطلسي والغرب؟ وما هو ثمن إغضاب تركيا روسيا؟

تعتبر تركيا طرفا أساسيا في البيان الختامي لقمة دول الأطلسي الأخيرة المنعقدة في مدريد. دول الحلف تعهدت بدعم أوكرانيا حتى تسترد سيادتها الكاملة على أراضيها ووصفت روسيا بأكبر تهديد للحلف وسلامته واستقراره. وهناك دعم تركي لرفع جاهزية قوات التدخل الأطلسي من 40 ألف إلى 300 ألف جندي، والإسهام في بناء الجبهة العسكرية الأطلسية الغربية الجديدة في مواجهة روسيا؟

لن تغامر تركيا بإغضاب موسكو بالمجان. لا بد أن يكون هناك هدايا ومكآفات قيمة تسد الفراغ الاستراتيجي في العلاقات التركية الروسية.

 تقول موسكو إن “قمة مدريد تعزز مسار الاحتواء العدواني الذي ينتهجه الحلف حيال روسيا”. ويقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن ستارا حديديا أسدل بين روسيا والغرب. منذ اليوم الأول كانت موسكو تعرف أن تفاهمات تركية سويدية فنلندية تفتح الطريق أمام عضوية البلدين الأطلسية ستحدث عاجلا أم آجلا لأن 29 دولة تريد ذلك، لكنها لم تكن تتوقع أن يتم ذلك بمثل هذه السهولة والسرعة.

جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في طريق عودته من قمة مدريد الأطلسية التذكير بالعملية العسكرية الخامسة التي تنوي أنقرة القيام بها في الشمال السوري معلنا أنها “ستكون الأكبر في سوريا، وأنها تحمل مفاجآت.. وأن تركيا ستتحرك بلغة يفهمها المجتمع الدولي” ما أن تكتمل الاستعدادات اللوجستية لخطة المنطقة الآمنة التي تريدها بلاده على طول الحدود التركية السورية.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أعلن من العاصمة التركية قبل أيام عن تحول وليونة في موقف بلاده وتفهم إيراني للمسائل التي تقلق أنقرة وتدفعها للقيام “بعملية خاصة محددة”. لكن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ما زالت على موقفها بدعوة تركيا إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات في شمالي سوريا من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد خطير للتوتر. “العمليات العسكرية دون موافقة السلطات الشرعية في سوريا ستكون انتهاكا للسيادة ووحدة الأراضي”. حصة أنقرة التي ما زالت متمسكة بقدرتها على مواصلة سياسة انفتاحية متوازنة على خط كييف – موسكو وسط كل هذا التصعيد الجديد بعد قمة مدريد الأطلسية كبيرة دون شك. من مصلحة روسيا حماية ما تبقى بيدها من فرص إبقاء شعرة معاوية مع الغرب عبر الخط التركي. فقرار روسي مغاير باتجاه مراجعة التعامل مع أنقرة، سيعني حتما المخاطرة باتفاقيات ومشاريع التجارة والسياحة، والخطط الاستراتيجية المشتركة والملف السوري وتوازنات البحر الأسود وخطوط الطاقة وهي في غالبيتها ملفات مترابطة بحبال من القطن معرضة للانقطاع في كل لحظة. فكيف ستتصرف روسيا؟

 قال رئيس مجلس الأمن الدولي للدورة الحالية السفير البرازيلي رونالدو كوستا فيلهو، إن المحاولات الأممية الحثيثة مستمرة بالتعاون مع تركيا لنقل الحبوب الأوكرانية إلى السوق العالمية. “هذا الملف أصبح يؤثر الآن على أوكرانيا وروسيا وأوروبا، بل وعلى العالم بأسره”. لعبة موازنة العلاقات التركية على خط موسكو – كييف لإنجاح جهود الوساطة بشقها السياسي والغذائي، ستكون رهن الموقف الروسي وطريقة التعامل مع حدود أطلسية جديدة بطول 1340 كلم إضافية مجاورة لها.

الإجابة على سؤال كيف سيكون شكل العلاقة التركية الروسية بعد قمة الأطلسي ستكون عند الجانب الروسي أكثر مما سيتم البحث عنها في الجانب التركي. موسكو لم تقل كلمتها النهائية بعد حيال الخطوة التركية المباغتة والصادمة التي قلبت حساباتها رأسا على عقب في موضوع توسعة الحلف وفتح الأبواب أمام السويد وفنلندا. بوتين كان يعول على لعبة الوقت والمماطلة واحتمال إطالة أنقرة لمسألة التوسعة ريثما يسجل هو اختراقا جديدا في الملف الأوكراني، يمكنه من الذهاب إلى أية طاولة حوار وتفاوض بأوراق إضافية أقوى لكن التحول السريع في الموقف التركي خيب آماله.

قد تكون أنقرة نجحت في انتزاع بعض المطالب الاستراتيجية من واشنطن بعد لقاء القمة الأخير بين أردوغان وبايدن وبينها الملف السوري وعمليتها المرتقبة في الشمال والتي تهدف إلى إنشاء المنطقة الآمنة التي تعدّ لتنفيذها على طول الحدود التركية السورية بطول 470 كلم وعمق 30 كلم، وتحريك ملفّ الأزمة السورية نحو الحلحلة. وقد نرى مفاجأة أميركية أكبر في التعامل مع الملف السوري ومنطقة شرق الفرات حيال حليفتها قسد ومسألة داعش التي طالت أكثر من اللزوم. لكن الجزء الآخر من المعادلة التركية في سوريا مرتبط بالمواقف الروسية أيضا فكيف سينجح أردوغان في إقناع بوتين بإعطائه ما يريد والأخير يردد إن العالم سيتغير بشكل جذري بعد قرار قبول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي؟

المفاجأة التركية التي أدت إلى مذكرة التفاهم الثلاثي سيكون لها حتما ارتداداتها على التقارب والتنسيق التركي الروسي في ملفات ثنائية وإقليمية. أزمة الثقة التي نجحت واشنطن في زرعها مرة أخرى ستكون أبرز العقبات في طريق الجهود التي تبذلها أنقرة على خط التسوية السياسية للحرب الروسية الأوكرانية ومشروع نقل آلاف الأطنان من الحبوب إلى خارج البلدين المتحاربين. هناك نفوذ أطلسي جغرافي بشري اقتصادي عسكري أكبر على خط الحدود الغربية لروسيا ومن المحتمل أن تحمل موسكو لأنقرة جزءا من المسؤولية في إيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم.

أعلنت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينس أن الولايات المتحدة لا ترى في الوقت الراهن إمكانية لعقد اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا. التحركات والاستعدادات العسكرية الأطلسية على الأرض تقول أيضا إن السيناريوهات العسكرية والميدانية كثيرة ومتنوعة وبينها توسيع رقعة الجبهات في كل لحظة. ما ينقذ أنقرة من ورطة محتملة في العلاقات مع روسيا هو إقناع واشنطن قبل إقناع بوتين بمخاطر التصعيد العسكري والأمني في الملف الأوكراني وارتداداته المحتملة على تفاعلات ملف الطاقة والغذاء والأمن في العالم وأن التضحية بزيلينسكي قد تكون أفضل من التضحية بأوكرانيا وقد يكون بالتالي الخيار الأقل خطورة من التضحية بالتوازنات الإقليمية والدولية التي باتت في غاية الحساسية والدقة. ربما أوروبا نفسها تعول على دور تركي من هذا النوع بعدما وصلت إلى قناعة أن الحرب ستطول وأنها ستحمل لها المزيد من الأعباء والمخاطر، وأن البحث عن العلاج لأزمة الغاز والغذاء الكارثية التي ستقرع الأبواب بعد أسابيع أفضل من اللجوء إلى المسكنات التي يجري البحث عنها.

هزيم الرعد يسبق ارتعاش الجفن.

تلفزيون سوريا

————————

خشية هجوم تركي جديد.. قسد تجهز “كمائن فيول” على طول الشريط الحدودي

بدأت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بإنشاء حفر مملوءة بالفيول النفطي في مدن وبلدات شمال شرقي سوريا على طول الشريط الحدودي مع تركيا، في سياق استعداداتها الدفاعية ضد أي هجوم تركي مرتقب.

وقال مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا إن “قسد أنشأت خلال الأيام الماضية عشرات الحفر المملوءة بالفيول النفطي في منطقة الدرباسية وعامودا والقامشلي وعين عيسى وتل رفعت”.

وغطت “قسد” الحفر المملوءة بالفيول بستائر نيلون ضخمة بهدف التمويه، بحسب المصدر.

وأوضح المصدر أن الغاية من كمائن الفيول التي تعدها “قسد” هي استغلال الكثافة الدخانية في التضليل والتشويش على الطيران الحربي والمسير في حال حدوث أي هجوم تركي جديد.

وتعمل “قسد” على تعزيز نقاطها العسكرية على طول الشريط الحدودي بشكل سري وتجهيز مواقع عسكرية جديدة داخل القرى والبلدات الحدودية.

وأكد مصدر أمني زيادة وتيرة العمل في شبكات حفر الأنفاق خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وتركز “قسد” على تجهيز شبكة الأنفاق في مدن وبلدات محافظة الحسكة الحدودية بالإضافة إلى منطقتي منبج وعين العرب (كوباني) وعين عيسى وبشكل خاص المناطق المتاخمة لمناطق سيطرة الجيش الوطني.

حفر الأنفاق مستمر ليلاً نهاراً

وقال مواطن من بلدة القحطانية بريف القامشلي إنه “خلال الشهر الماضي أصبح عمال حفر الأنفاق يعملون على مدار اليوم دون توقف مع تبديل ورديات العمل بين عشرات العمال من أهالي المنطقة”.

وأشار المواطن إلى “زيادة عدد الأنفاق وتوسيع شبكتها لتشمل مناطق حدودية وأخرى في وسط البلدة ومحيطها”.

وفجر يوم الثلاثاء الماضي قتل مسؤول في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وأصيب ثلاثة آخرون، بغارتين نفّذتهما طائرة تركية مسيرة استهدفتا سيارتين عسكريتين في قرية خان الجبل بريف مدينة المالكية شمال شرقي الحسكة.

وكشف مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا أنّ سيارتين كانتا تقلان عمال حفر الأنفاق والأخرى تقل مسؤولاً من “قسد” يُشرف على أمن الحدود برفقة سائقه.

وأعلنت تركيا، في وقت سابق، مقتل محمد آيدن القيادي في حزب “العمال الكردستاني”، خلال استهداف إحدى طائراتها المسيّرة لـ موقع عسكري في مدينة الدرباسية شمال شرقي الحسكة.

—————————-

تعزيزات روسية واستعدادات تركية متقدمة.. ما السيناريو الأرجح شمالي سوريا؟/ فراس فحام

تستمر الرسائل الميدانية المتضاربة في شمالي سوريا والتي يوحي بعضها بانسداد الأفق أمام العمليات العسكرية التركية المحتملة، وبعضها الآخر يشير إلى اقتراب موعدها.

المؤشرات المتناقضة لا تقتصر على الواقع الميداني، بل تعززها التصريحات السياسية الرسمية التركية، حيث أكّد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو خلال مقابلة له على قناة NTV

، عدم رضا بلاده عن الخطوات التي تتخذها روسيا لثني بلاده عن تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا، بالإضافة إلى إبداء خيبة أمل من المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية لـ”وحدات حماية الشعب – YPG”.

مستجدات الميدان شمالي سوريا

أفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام السوري نشر في 3 من تموز 2022، المئات من عناصر “اللواء 16” ووحدات “الحرس الجمهوري” على خطوط التماس بين الجيش الوطني السوري، وتنظيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ريف عين العرب (كوباني) ومنبج بريف حلب، وعين عيسى شمالي الرقة.

من جهة أخرى، دخلت استعدادات القوات التركية والجيش الوطني السوري مرحلة جديدة، حيث استقدم الجيش التركي على مدار الأيام الماضية قوات نخبوية إلى العديد من قواعده العسكرية في ريف حلب.

رتل للجيش التركي داخل سوريا (الأناضول)

الجيش التركي يدفع بتعزيزات عسكرية إلى ريف حلب

وأكد مصدر في الجيش الوطني السوري لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ الفصائل العسكرية بدأت بتحديد قوائم أسماء أعضاء الطواقم الخاصة النوعية التي ستشارك في عملية عسكرية مرتقبة شمالي حلب، كما أن بعض التشكيلات بدأت بالفعل بالانتشار على محاور تل رفعت ومحيطها.

وفي 4 من تموز 2022، حطت طائرة نقل عسكرية روسية في مطار القامشلي، وعلى متنها 500 جندي روسي، في تطور يظهر بوضوح توجّه موسكو لتعزيز حضورها العسكري في المنطقة، حرصاً منها على إبقاء حالة التوازن مع الولايات المتحدة الأميركية في منطقة شمالي وشمال شرقي سوريا الإستراتيجية، والحفاظ على تأثيرها في نهج وسلوك تنظيم “قسد” وقراراته، والإبقاء على فرص دفع المفاوضات بين التنظيم والنظام السوري إلى الأمام.

السيناريو الأرجح

يبدو أن السيناريو الأرجح للعمليات العسكرية التركية، هو أن يكون مسرحها ما يسمى منطقة “الشهباء” الواقعة شمالي حلب، والتي تشمل تل رفعت وعشرات القرى والبلدات المجاورة لها.

وسيكون هذا السيناريو بمثابة الحل الوسط بين الفاعلين الدوليين، فهو من جهة سيضمن لتركيا المزيد من تأمين مناطق اعزاز ومارع وعفرين، وأيضاً سيتيح تسهيل إعادة “طوعية” لأكثر من 100 ألف مهجّر، بالإضافة إلى أنه يُعطي للحكومة التركية مكسباً مهماً على الصعيد الداخلي، ويظهر قدرتها على فرض رغبتها في الأوساط الدولية، ويبرز النجاح السياسي والدبلوماسي.

ولن تمانع تركيا في مسألة التوسع التدريجي لنفوذها على الشريط الحدودي مع سوريا، إذ يمكن ملاحظة اعتمادها على إستراتيجية “القضم البطيء” كحل لتقويض الحزام الانفصالي على حدودها، في ظل تعقيدات الأوضاع السياسية وتضارب المصالح الدولية.

المتوقع ألا تتمسك روسيا بشكل كبير بمنطقة تل رفعت، لأنها لا تمثل أهمية إستراتيجية بالغة بالنسبة لها، بل على الأرجح لن تمانع في رفع الغطاء عنها لصالح تركيا في حال توصّل الجانبين إلى توافقات حول تسهيل نقل الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ التركية، وتقديم تركيا تطمينات متعلقة بموقفها من الصراع الغربي مع روسيا.

وفي حال أتاحت روسيا المجال أمام العمليات العسكرية التركية في منطقة “الشهباء”، فإنها ستركز جهودها على توسيع نفوذ النظام السوري في مناطق منبج وعين العرب وعين عيسى وصولاً إلى القامشلي، مما يعني أنها ستبدي تشدّداً أكبر تجاه امتداد العمليات العسكرية إلى تلك المناطق.

وستحاول إعطاء تطمينات لتركيا من خلال تكثيف انتشار القوات الروسية على الحدود، كضامن للأمن القومي التركي، مع إتاحة المجال أمام انتشار وحدات عسكرية سورية لها نفوذ مباشر عليها، وهذا بطبيعة الحال سيحفظ لروسيا قدرتها على التأثير في القرارات التركية بحكم امتلاكها ورقة مهمة لأنقرة.

اقرأ أيضاً.. ما أهداف روسيا من تعزيز قواتها في مناطق “قسد” شمالي سوريا؟

ومن العقبات التي ستعترض طريق دخول القوات التركية إلى منطقة تل رفعت وما حولها، هي موقف طهران، إذ تنتشر الميليشيات الإيرانية في المنطقة بشكل واسع، وتعمل ضمن غرفة عمليات مشتركة مع تنظيم “قسد”، وقد أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته قبل أيام إلى دمشق، أنه يعمل على تخفيف التوترات بين تركيا ونظام الأسد، ويحاول تقديم ضمانات لأنقرة لدفعها باتجاه التخلي عن الخيار العسكري المهدّد لاستقرار ووحدة الأراضي السورية، مما يعكس عدم ترحيب إيران بالخيار العسكري ابتداءً.

تحركات عسكرية مكثفة لقوات النظام وإيران قرب تل رفعت

ورغم موقف طهران المبدئي المعارض للحل العسكري، لكن من غير المستبعد أن تسحب الميليشيات التابعة لها من منطقة العمليات المستهدفة من قبل القوات التركية، لكن شريطة حصولها على ضمانات واضحة بعدم تمدّد العمليات العسكرية التركية إلى عمق النفوذ الإيراني شمالي حلب باتجاه نبل والزهراء، بالإضافة إلى تعهدات تركيا بأن لا ينتج عن التقارب التركي – الإسرائيلي استهداف المصالح الإيرانية في المنطقة وخاصة سوريا.

————————-

تركيا: لا يحق لروسيا وأمريكا التدخل بالعملية العسكرية في سوريا

ندد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مقابلة له على قناة “NTV” التركية بالمواقف الروسية والأمريكية الرافضة للعملية العسكرية في سوريا.

وقال جاويش أوغلو للقناة اليوم، الاثنين 4 من تموز، “لقد أعربنا مرارًا وتكرارًا عن خيبة أملنا من المساعدة الأمريكية لـ(وحدات حماية الشعب). عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، لا يهم من يتحدث، لأن تركيا ستقوم بما هو ضروري في إطار القانون الدولي”.

وأضاف، “لا يحق لروسيا والولايات المتحدة قول أي شيء لتركيا، نحن غير راضين عن كل خطوة تتخذها روسيا، بل نحن نتحلى بالشفافية حيال ذلك”.

وأكد أن على كل من فنلندا والسويد احترام مخاوف تركيا المتعلقة بالأمن القومي فيما يتعلق بعضوية “الناتو”، موضحًا أن الدولتين أكدتا عدم تقديمهما أي دعم للمنظمات الإرهابية.

ومن ناحية أخرى، تحتاج السويد وفنلندا إلى تحديث قوانينهما الخاصة بمكافحة الإرهاب والصناعة الدفاعية، بحسب جاويش أوغلو.

وتابع، “يجب عليهما (فنلندا والسويد) الامتثال لمذكرة التفاهم الثلاثية، وإلا فإن تركيا لن تقبل انضمامهما إلى (الناتو)”.

في 20 من حزيران الماضي، قال نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إن موسكو تأمل أن تتخلى تركيا عن العملية العسكرية شمالي سوريا، وأن تستمر في العمل الدبلوماسي، مؤكدًا مواصلة موسكو بذل جهود للضغط على أنقرة للتخلي عن عمليتها.

وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، وصف في اليوم الأول من اجتماع “أستانة”، الذي عُقد في 16 من حزيران الماضي، تهديدات تركيا بشن عملية عسكرية بأنها “خطوة غير عقلانية”، داعيًا أنقرة إلى حل القضية سلميًا عن طريق الحوار.

وفي أيار الماضي، وعقب التصريح التركي بشنّ العملية العسكرية، حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية تركيا من تنفيذ العملية، معتبرة أن أي هجوم جديد في المنطقة سيقوّض الاستقرار الإقليمي، ويعرّض القوات الأمريكية للخطر.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز” للأنباء، “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات حول النشاط العسكري المتزايد المحتمل في شمالي سوريا، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين”.

وأضاف، “نحن ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على الحدود الجنوبية لتركيا، لكن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوّض الاستقرار الإقليمي، ويعرّض القوات الأمريكية وحملة التحالف ضد تنظيم (الدولة الإسلامية) للخطر”.

لا داعي للعجلة في سوريا

وفي 1 من تموز الحالي، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه “ليس هناك داعٍ للاستعجال” بشأن العملية العسكرية المحتملة في شمال شرقي سوريا، مؤكدًا أن العملية ستجري في الوقت المناسب.

جاء ذلك خلال لقاء أردوغان مع صحفيين أتراك، عقب اختتام اجتماع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة الإسبانية مدريد، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.

ورد أردوغان على سؤال حول تصريحاته بشأن القيام بعمليات جديدة لاستكمال الحزام الأمني شمالي سوريا، بمجرد الانتهاء من التحضيرات، وهل المقصود التحضيرات العسكرية أم الدبلوماسية وهل ثمة تحفظات روسية؟ بـ: “قد نأتي على حين غرة ذات ليلة”.

وأكد أنه “ليس هناك داعٍ للاستعجال، نحن نعمل بالفعل في تلك المنطقة بالوقت الحالي”، مشيرًا إلى أن القوات التركية تعمل حاليًا في شمالي العراق، وفي عفرين شمالي سوريا، وأن العملية الجديدة ستجري “حينما يحين الوقت المناسب”.​​​

وأعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن موقفها من العملية العسكرية، من خلال تصريحات القائد العام، مظلوم عبدي، الذي أكد استعداد قواته للدخول في أي مواجهة محتملة في حال شنت القوات التركية عملية عسكرية شمالي سوريا ضد القوات.

——————————

واقع اللجوء السوري في تركيا: مُغالَطات وتحدِّيات/ محمد سرميني

حازت قضيّة وجود السوريين في تركيا خلال الأشهر الأخيرة اهتماماً بالغاً لدى الشارع التركي، في ظل تركيز غير مسبوق من القوى السياسية التركية والمسؤولين الحكوميين على هذا الملف.

ومن الواضح أنّ هناك تغيُّراً قد طرأ على الرأي العامّ التركي تِجاه قضيّة إقامة السوريين على الأراضي التركية؛ حيث أظهرت استطلاعات رأي أنّ شريحة واسعة من الشعب التركي تعتبر مسألة الوجود السوري في بلادهم هي المشكلة الأولى، في حين تأتي الأزمة الاقتصادية في المرتبة الثانية.

يُمكن للسوريين الذين دخلوا إلى تركيا في الفترة الممتدة بين عامَيْ 2011 و2013 ملاحظة حجم التعاطف الشعبي معهم آنذاك، والذي يرجع إلى أسباب عديدة منها حداثة أمد الأزمة، واهتمام الإعلام التركي والعالمي آنذاك بالقضية وتسليط الضوء على ممارسات النظام السوري وحلفائه بحق المدنيين. كان الرأي العامّ يتعاطف مع الوافدين السوريين باعتبارهم “مظلومين” تجب “مناصرتهم”، عدا أنّ الحزب الحاكم أسّس خطابه على شعار “المهاجرين والأنصار” الذي يعكس إدراك أهمية هذه القيمة لدى نسبة واسعة من الشعب التركي.

ومع طول أمد الأزمة، وانخراط السوريين في سوق العمل، وتأسيسهم شركات ومشاريع صناعية وتجارية، بدأت النظرة تتغير من “مناصرة مظلومين” إلى “مشاركة بالوطن”، في ظل عدم وجود أُفق واضح لمستقبل إقامة السوريين على الأراضي التركية.

ومما زاد الأمرَ تعقيداً تجميدُ الصراع في سورية بين النظام والمعارضة والفصائل العسكرية منذ مطلع عام 2022، ما أعطى انطباعاً خاطئاً لدى الكثير من الأتراك بأن الحرب انتهت وأن سورية أصبحت آمِنة، وهو تصوُّر عملت أطراف معارضة على ترسيخه بشكل متعمَّد.

العامل الثقافي

لا يُمكن التغاضي عن بعض الاختلافات الثقافية بين الشعبين السوري والتركي، لا سيما ما يخصّ اللغة ورموز الدولة وطبيعة الاستهلاك والعيش، وغيرها من المواضيع.

فعليّاً، ساهم الاختلاف الثقافي في الوقوف حائلاً أمام اندماج شرائح عديد من السوريين مع المجتمع التركي، حتى شكّل اللاجئون والمجتمع المضيف صورة مسبقة عن نمط حياة الآخر؛ فالمجتمع التركي مثلاً يعتقد أنّ السوريين لا يريدون تعلُّم اللغة رغم مرور سنوات على وصولهم إلى تركيا، بينما يعتقد اللاجئون أنّهم سيواجهون صعوبة في فهم طريقة حياة الشعب التركي وأنّ هناك رفضاً مسبقاً للاحتكاك بهم.

على أيّ حال، كرّس هذه الانطباعات عوامل أخرى خلال السنوات الماضية، لا سيما الخطاب الإعلامي وغياب برامج اندماج فعّالة على غرار تلك التي يخضع لها اللاجئون في أوروبا. فلا يُمكن مثلاً، اختصار الاندماج بمجرّد دورات لتعريف اللاجئين بالقوانين وأهمية بطاقة الحماية المؤقتة وأهمية تحديث البيانات الشخصية وما إلى ذلك.

استثمار السوريين كورقة سياسية

مع الاقتراب تدريجياً من موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية، والتي تُعوّل عليها المعارضة التركية لإنهاء سيطرة حزب العدالة والتنمية على السلطة لعَقْدين كاملين، يُمكن ملاحظة تصاعُد استخدام السوريين كورقة سياسية.

محاولة الاستثمار السياسي للوجود السوري في تركيا ليست حديثة، فقد شهدت السنوات السابقة حضوراً للشأن السوري في المشهد السياسي الداخلي في تركيا، كان أبرزها في الانتخابات البلدية عام 2019.

إلا أن حضور الملفّ السوري في الانتخابات المقبلة، والتي بدأ التحضير لها منذ فترة، يبدو أنه سيكون حضوراً مختلفاً، فبعض الأطراف السياسية قررت تحويل ملف اللاجئين إلى موضوع رئيسي لحملاتها الانتخابية، بالتوازي مع ارتفاع في الخطاب اليميني المعادي للأجانب، سواء على وسائل التواصل، أو حتى من بعض الأحزاب الصغيرة التي بدأت تُهدد أحزاب المعارضة بالقضم من جمهورها إنْ لم تقم هذه الأحزاب بمجاراتها في خطابها العنصري.

ومع إعلان الرئيس التركي في أيار/ مايو 2022 عن خطّة لإعادة مليون لاجئ سوري طوعاً إلى بلادهم، بدا الأمر وكأنه تراجُع في موقف الحكومة عن دعم السوريين مراعاةً للرأي الشعبي، وهذا من شأنه أن يمنح هامشاً أكبر لتصاعُد الخطاب المعادي للاجئين السوريين في تركيا.

انتشار المغالطات عن الوجود السوري في تركيا

ساهم انتشار المغالطات عن السوريين في تركيا إلى تفاقُم النظرة الشعبية السلبية تجاههم، وقد لعبت النخب السياسية والفكرية بشكل مقصود أو غير مقصود دوراً في تكريس ذلك.

على سبيل المثال إنّ التصريحات الحكومية المتكررة حول إنفاق مبالغ طائلة على السوريين دون الإشارة إلى مصدرها، وأنها هبات من المانحين الدوليين، كرّست قناعة لدى الشعب التركي بأن المساعدات المالية والطبية والغذائية التي تُقدَّم للسوريين، يتم تمويلها من عائدات البلاد، وبالتالي حرمان الأتراك منها، وقد استثمرت النخب السياسية المحسوبة على المعارضة التركية هذا الخطاب بشكل جيد وعزَّزت تلك الصورة غير الصحيحة.

وتعمل بعض النخب السياسية التركية على نشر أرقام غير دقيقة عن عدد ولادات السوريين في تركيا، وتقوم بتضخيم الأرقام في محاولة لإخافة المجتمع التركي من قضية التغيير الديموغرافي. بالمقابل يقوم بعض قادة الرأي من السوريين باستخدام خطاب غير واقعي، يتجاوزون فيه توصيف السوريين في تركيا وأنهم تحت بند “الحماية المؤقتة”، ويحاولون إلحاق صفة اللاجئين بهم، وهذا توصيف قانوني غير دقيق، بل يمكن ملاحظة تَنامِي خطاب من قِبل بعض السوريين يطالب الحكومة بمعاملتهم، على أساس المساواة مع الأتراك، أو اتخاذ إجراءات احترازية أو قانونية ضد تصريحات أو مواقف لا ترقى لمستوى جريمة في بلد يوجد فيه هامش حرية أفضل نسبياً من دول المحيط، ممّا يزيد من مشاعر الإحباط لدى فئات السوريين لاعتقادهم بأن السلطات التركية تمتنع عن التدخل لصالحهم.

ونلاحظ تبنِّي بعض السوريين لخطاب غير واقعي في مسألة منع الحكومة التركية عطلة العيد للسوريين في بلادهم، في محاولة لقطع الطريق على استثمارها إعلامياً من طرف المعارضة وتصوير سورية أنها آمِنة، حيث جرى استنكار الخُطوة من بعض الناشطين السوريين على أساس أنه تم إلغاء حق مكتسب. لكنّ عطلة العيد في الواقع إجراء استثنائي ومن الناحية القانونية فإن دخول حامل بطاقة الحماية المؤقتة إلى بلده لأي سبب كان يُسقط عنه سبب تمتعه بالحماية.

خُلاصة القول أن تدفُّق قُرابة 3.5 مليون شخص دفعة واحدة على بلد يمتلك هُوِيَّة وثقافة مغايرة، ويُصنف اقتصاده على أنه ناشئ، إضافة إلى طول أَمَد الأزمة وغياب أُفُق الحل، ولَّد مصاعب ثقافية وإدارية واقتصادية، وأتى الاستثمار السياسي في ملف السوريين بمثابة صبّ الزيت على النار وتأجيج للقضية.

ترافق ذلك كله مع تفاقُم الأزمة الاقتصادية في تركيا، فقد أظهرت البيانات الرسمية ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى أعلى مستوى له منذ 24 عاماً، وبلغ 73.5% في أيار/ مايو 2022، متأثراً بعوامل عديدة وعلى رأسها تداعيات الحرب الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط.

أيضاً، فقد انخفضت الليرة التركية في شهر حزيران/ يونيو 2022 إلى أدنى مستوى لها، وتجاوزت حاجز 17 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي الواحد، مع بيانات سلبية عن العجز التجاري، فقد وصل عجز التجارة الخارجية إلى 155.2% في أيار/ مايو 2022، مع ارتفاع مؤشر مقايضات التخلف عن سداد الديون.

وتترك هذه الأرقام آثاراً سلبية على أسعار السلع وإيجارات العقارات، وهي أمور تمسّ مختلف طبقات المجتمع بشكل مباشر، لتترافق الأزمة الاقتصادية مع حملات إعلامية مستمرة تؤكد مسؤولية السوريين عن تحميل الاقتصاد التركي أعباء كبيرة، وتشير إلى تسببهم برفع إيجارات العقارات والإضرار بمصالح المواطنين الأتراك، مما يساهم في تنامي مشاعر رفض الوجود السوري في تركيا، مع أنّ الوجود السوري في تركيا ساهم في دعم الاقتصاد وليس العكس، فاستثمارات السوريين في تركيا تخطّت 10 مليارات دولار، ودعمت اليد العاملة السورية قطاعات كبيرة من الإنتاج من حيث الجودة والتغطية.

هذا لا ينفي مشاعر الاستياء التي تولّدت لدى العمال الأتراك من المنافسة غير المسبوقة التي شكّلتها اليد العاملة السورية لا سيما بسبب معدّلات الأجور المتدنّية. لكن هذه المخاوف يُمكن معالجتها لأنّ تركيا تبذل جهداً واضحاً لزيادة معدّلات الإنتاج المحلّي، والذي تطلّب تضافُراً وتعاوُناً بين اليد العاملة السورية والتركية على حدّ سواءً وليس العكس.

وفي ظل الواقع الصعب، يبدو أنّ الحلول المتاحة تتركز على تطوير أداء منظمات المجتمع المدني السوري، لتقوم بدور همزة وصل بين السوريين ومختلف الأطراف السياسية في البلاد.

أيضاً، من المهم أن تقوم المؤسسات الإعلامية السورية المنتشرة على الأراضي التركية بتعديل سياساتها، وتخصيص جزء من جهودها لمخاطبة المجتمع التركي، ونشر الحقائق المتعلقة بالسوريين وواقع البلاد، وعدم التركيز فقط على نقد الممارسات العنصرية ومخاطبة السوريين، فمن الواضح أن سلوك وسائل الإعلام السورية يساهم في بعض الأحيان بشحن السوريين أكثر، بانتظار حلول مستدامة من قَبِيل تأمين المزيد من الأراضي السورية لتصبح صالحة لعودة السوريين إلى مناطقهم التي غادروا منها، أو الحصول على لجوء قانوني في دول أخرى تتيح هذا الخيار.

نداء بوست

—————————–

قسد” تطالب بنشر قوات أممية وفرض حظر جوي شمال شرق سورية

طالب حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لتنظيم “قسد” بنشر قوات أممية في مناطق شمال وشرق سورية، إلى جانب الحظر الجوي.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، عن صالح مسلم قائد الحزب أن الحظر الجوي بمفرده غير كافٍ، لكن إذا تم فسيكون “خطوة جيدة”، على أن “تنشر الأمم المتحدة قوات دولية كمراقبين على الحدود مثل تجربة لبنان”.

وأضاف مسلم أن جزءاً من أجواء شمال سورية يخضع لسيطرة طيران التحالف الدولي، وجزءاً آخر لسيطرة الطيران الروسي، وإذا لم تسمح هاتان الجهتان فلن تستطيع تركيا شن عملية عسكرية.

وزعم مسلم أن بعض القوى السياسية الكردية التي تقول إن تركيا تستهدف حزب الاتحاد الديمقراطي، “واهمة”، وعليها أن تتعلم الدرس أن “جميع الأكراد هدف لتركيا”.

وقبل أيام، رفعت “قسد” أعلام النظام السوري وكتبت اسم بشار الأسد على سفح التلة المطلة على مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي.

وتأتي هذه الخطوة في إطار تحركات “قسد” وجهودها لمنع العملية العسكرية المرتقبة ضدها، خاصة بعد التحليق المكثف لطيران الاستطلاع التركي في أجواء شمال شرقي سورية، والذي أجرى سطعاً فوق جميع خطوط التماسّ انطلاقاً من بلدة عين عيسى شمال الرقة وصولاً إلى سماء بلدة تل تمر وأبو رأسين شمال الحسكة، والتي شهدت توقُّفاً للقصف المدفعي خلال اليومين الماضيين.

كما شهدت المنطقة أيضاً تحليقاً مكثفاً للطيران المروحي الروسي فوق سماء بلدة الدرباسية على الحدود السورية التركية، بالتزامن مع تسيير الشرطة الروسية دورية عسكرية في محيط البلدة.

في سياق آخر، وصلت تعزيزات عسكرية جديدة لـ”قسد” إلى خطوط التماسّ مع الجيش الوطني السوري على طول الطريق الدولي M4.

كما وصلت تعزيزات عسكرية مكونة من 6 سيارات مزودة بأسلحة ومضادات للطيران بالإضافة إلى مجموعة من العناصر إلى نقاط “قسد” المنتشرة في بلدة تل تمر شمال الحسكة.

من جانب آخر، وفي ذات السياق، دفع الجيش التركي بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى قواعده المنتشرة في محيط بلدة تل أبيض، ودخلت تلك التعزيزات عَبْر معبر اليابسة الحدودي غرب البلدة.

————————

ثأر روسي من تركيا في سوريا.. التصادم قريب؟/ رامز الحمصي

وصلت مؤخرا قوات مظلية روسية إلى شمال شرقي سوريا، في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لبدء عمليتها العسكرية المحتملة في مناطق من الشمال السوري حيث يتواجد فيها النفوذ الروسي (تل رفعت ومنبج). التحرك الروسي الأخير يأتي بعد قبول تركيا انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “شمال الأطلسي” (الناتو) في قرار اعتبره مراقبون بأنه سيولد صراعات جديدة بين الروس والأتراك، كون قرار أنقرة الأخير يضر بمخططات روسيا.

تشير التطورات غير المباشرة، إلى أن هناك “ثأر” روسي من تركيا قد يظهر من خلال مواجهة أي تصعيد عسكري تركي عبر عمليتها العسكرية التي تهدد بها أنقرة، خاصة وأن الرفض الروسي للعملية العسكرية ما يزال مستمرا، لا سيما وأن روسيا لم ترد بشكل مباشر أو تعلن موقفها رسميا من قرار أنقرة الأخير بخصوص “الناتو”.

انقلاب أردوغان على بوتين؟

في آخر اجتماع لمجموعة “أستانا” بشأن سوريا، حاولت روسيا وإيران في إعلان مشترك، تهدئة تركيا من خلال إعلان “رفض الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا” وهو أحد البنود المعتادة في البيانات الختامية ضمن اجتماعات مسار “أستانا”، إلا أن موافقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على رغبات روسيا ومطامعها بعد غزوها لأوكرانيا، حينما وافق على توسيع حلف “الناتو” ودخول فنلندا والسويد، يعتبر وفق مراقبين بمثابة “الانقلاب” على موسكو التي على ما يبدو ستعيد حساباتها مع تركيا، لا سيما في الملف الملف السوري.

يعد الملف السوري، من أبرز الملفات التي يتشارك فيها الروس والأتراك والإيرانيون، وحتى الآن فشلت تركيا في حشد الدعم الروسي والإيراني لتدخل عسكري جديد في شمال سوريا، وازدادت العراقيل أمام أنقرة، بعد تساهلها وتغاضيها عن المخاوف الروسية في توسيع حلف “الناتو”، حسب المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف.

ووفقا لحديث ماتوزوف، لـ”الحل نت”، فإن موسكو أوضحت للأتراك أن خطة التدخل التركية غير منطقية وغير عقلانية، وأن تصعيد التوتر وحصول مواجهة عسكرية جديدة في تلك المناطق لن تجعل روسيا تغض الطرف عنها، وهو بالتأكيد تصرف “في مقابل قيام تركيا بقبول انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو” وفق الدبلوماسي الروسي السابق.

ماتوزوف لفت إلى أن روسيا اتخذت عددا من الخطوات في إشارة إلى التضامن مع الجيش السوري ورفضها للعملية التركية، بما في ذلك مناورات عسكرية مشتركة في جنوب إدلب مؤخرا؛ ونشر دبابات ومدرعات وأسلحة مضادة للطائرات وصواريخ في قاعدة بالمنطقة نفسها. كما أرسلت روسيا ثماني طائرات عمودية إلى قاعدة “أبو الظهور” شرقي إدلب، وأغرقت الطائرات والمروحيات الروسية في سماء المدن الشمالية الشرقية مثل القامشلي وتل تمر وعامودا والدرباسية.

ومن أجل توضيح موقف موسكو من تهديد تدخل أنقرة، لأن ردود أفعالها الأولية كانت أكثر ليونة وأكثر تناقضا مقارنة بالتوترات المماثلة في الماضي، فقد سمحت موسكو للإيرانيين بنشر تعزيزات في محيط تل رفعت ونقل القوات الموالية لها من دير الزور إلى قاعدة “النيرب” شرق حلب.

مسار جديد في سوريا؟

رغم الترجيحات التركية بقرب عمل عسكري مباشر في شمال سوريا، إلا أن التحليلات تشير إلى أن أنقرة أوقفت عملياتها في الوقت الحالي، نتيجة استمرار الرفض الروسي وغياب أي توافق في هذا الصدد، فضلا عن الموقف الأميركي الرافض بحزم لأي عملية عسكرية خلال الوقت الحالي.

وعبرت روسيا بشكل غير مباشر عن رفضها، من خلال إجراء تدريبات في ريف الحسكة الشمالي الغربي شرقي نهر الفرات، مع قوات الحكومة السورية و”قسد”، كل على حدة، كما خطى الروس خطوة أخرى بإرسال مقاتلة من طراز “سوخوي سو 57” إلى مطار القامشلي، غير البعيد عن الحدود السورية التركية، في مؤشر واضح على استياء موسكو من تصرفات أنقرة إزاء احتمالية قيامها بأي عملية عسكرية دون موافقتها.

وعليه يرى المحلل السياسي الروسي، أنه “بعبارة أخرى، كانت روسيا وإيران ترفضان التدخل التركي بأفعالهما على الأرض، وأي توقع بتراجعهما في محادثات سابقة بات غير واقعيا بعد موافقة تركيا على توسيع حلف الناتو، وعلى الرغم من أن البيان الختامي لأستانا قد تطرق بشكل بارز إلى مخاوف تركيا، إلا أن المسار الجديد الذي تحدده موسكو يرفض التدخل العسكري التركي في سوريا”.

قوات مظلية روسية

في تطور لافت، كشفت وسائل إعلام روسية، صباح اليوم الاثنين، عن وصول قوات عسكرية تابعة لفرقة المظليين التابعة للجيش الروسي إلى شمال شرقي سوريا، حيث نشرت صفحة “النطاق الروسي” على منصة “تلغرام” معلومات عن نقل روسيا لفرقة المظليين إلى منطقة القامشلي في سوريا.

وأرفقت الصفحة المعلومات بصور خاصة حصلت عليها، وقالت “وصلت قوات عسكرية مظلية روسية إلى منطقة القامشلي السورية، حيث شهدت الأجواء في تلك المنطقة نشاطا جويا من خلال هبوط طائرات نقل عسكرية روسية نقلت أكثر من 500 جندي مظلي روسي”.

وأضافت الصفحة: “بحسب مصادر خاصة، يهدف وصول هذه الفرقة العسكرية لمواجهة العصابات المسلحة المدعومة من تركيا التي أعلنت في وقت سابق عن إطلاق عملية عسكرية شمالي سوريا”.

وتعليقا على هذه الأنباء، رفض وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو مجددا، محاولات روسيا لثني أنقرة عن تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا، وذلك في مقابلة أجرتها معه قناة “إن تي في” التركية، اليوم الاثنين، واعتبر وزير الخارجية التركي، أنه لا يحق لروسيا والولايات المتحدة قول أي شيء لبلاده، وأضاف: “نحن غير راضين عن الخطوات التي تتخذها روسيا، ونتحلى بالشفافية حيال ذلك”.

وبحسب ما رصده “الحل نت” في تحليلات سابقة، فإن رد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على تركيا الأكثر ترجيحا خارج الملف السوري، هو تهيئة حرب أوروبا القادمة بين اليونان وتركيا، لا سيما بعد توتر العلاقات بين البلدين خلال الشهور الماضية، رغم انخراطهما بنفس الحلف، ففي السنوات التي سبقت حرب أوكرانيا، أصبحت روسيا والصين أكثر نشاطا في شرق البحر المتوسط بمبادرات اقتصادية، ودعم اليونان عن بُعد، وكان التصدي لهذا الأمر يتطلب قيام تركيا بإيجاد طريقة لمصالحة اليونان، وهو احتمال يبدو الآن لا حظوظ له.

ومع عدم أخذ أنقرة التحذيرات الروسية من انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو” بعين الاعتبار، تشير تحليلات المراقبين، أن هناك تغييرا في مسار العلاقات بين روسيا وتركيا، وقد يتصدى الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، لأي مناورات يقوم بها أردوغان.

الحل نت

—————————–

جهود إيرانية لوقف العملية العسكرية التركية في ريف حلب الشمالي

طغت العملية العسكرية التركية المرتقبة في ريف حلب الشمالي على مباحثات وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان خلال زيارته دمشق وأنقرة، ضمن مساعي اعتبرها مراقبون محاولة إيرانية لتطويق توسع النفوذ التركي المحتمل عبر الطرق السياسية والدبلوماسية، مع انشغال روسيا في حرب أوكرانيا وتفوق تركيا وحلفائها عسكريا في مناطق الشمال السوري، مقارنة مع التشكيلات العسكرية الشيعية المدعومة إيرانيًا والكردية المدعومة أمريكيًا.

وفي التفاصيل، أعلن  وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من دمشق خلال لقائه بنظيره في النظام السوري فيصل المقداد، أن طهران “تعمل حثيثًا على إيجاد حلّ سياسي لثني تركيا عن شنّ العملية العسكرية التي تهدد بها، في شمالي سوريا”. كما أشار إلى أن الحكومة الإيرانية أبدت استعدادها لنظيرتها التركية “لتقديم حلّ سياسي للأزمة، واستعدادها كذلك للمساعدة في هذا الصدد”، متابعًا القول “سنبذل قصارى جهدنا لمنع شنّ عملية عسكرية”.

علمًا بأن الوزير الإيراني سبق وأن أعلن تفهم بلاده”لقلق ومخاوف الحكومة التركية بشأن القضايا الحدودية الخاصة بها، وحاجتها لعملية جديدة ضد  حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، في شمال سوريا، لكننا نعتبر أن أي إجراء عسكري في سوريا هو عامل مزعزع للأمن في المنطقة”.

كما أفاد الوزير الإيراني أنه تطرق أمس الأحد أثناء اللقاء الذي جمعه برأس النظام السوري بشار الأسد، إلى العملية العسكرية التي تلوّح بها أنقرة، قائلًا عبر تغريدة على حسابه في تويتر أنه أبلغ الأسد بـ”المخاوف الأمنية التركية التي طرحها معي رئيس جمهورية ووزير خارجية هذا البلد الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو خلال زيارتي الأخيرة إلى أنقرة”. مضيفا: “قلت صراحة إن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو حلّ القضايا عبر الحوار والتعاون ونعارض استخدام القوة وأي عملية عسكرية ضد سوريا”. ناقلًا عن الأسد دعمه لـ”أي حل يعتمد الحوار وبمساعدة الجمهورية الإسلامية” حسب تعبيره.

في ذات الإطار نقلت وكالة الأنباء التابعة للنظام “سانا” عن الأسد قوله خلال لقائه عبد اللهيان، إن “الادعاءات التركية لتبرير عدوانها على الأراضي السورية هي ادعاءات باطلة ومضللة ولا علاقة لها بالواقع، وتنتهك أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وروابط حسن الجوار التي يُفترض أن تجمع بين البلدَين الجارَين”.

وكانت أنقرة قد أعلنت منذ أكثر من شهر نيتها تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد “قوات سوريا الديمقراطية” في ريف حلب الشمالي، وعلى نحو خاص في اتجاه بلدة تل رفعت ومحيطها. وبالنظر إلى مستوى التجهيزات التي قامت بها أنقرة ومن بينها نقل وحدات قتالية تابعة لفصائل المعارضة السورية المرتبطة بها إلى خطوط التماس في ريف حلب مع قوات النظام و”قسد”، فإنه من المتوقع أن تبدأ العملية في أي وقت.

ويرى مراقبون أن باعث التحرك الإيراني لثني تركيا عن عمليتها العسكرية الجديدة هو توجس طهران من أن تعزز العملية إذا نجحت من الحضور التركي في الملف السوري، خاصة  بعد تهديدات أنقرة باستهداف جميع القوى الموجودة في مناطق تل رفعت ومنبج ومناطق العمليات الجديدة. وهو ما يعني، حسب تلك المصادر “استهداف المليشيات الشيعية المرتبطة بإيران الموجودة في المنطقة ما لم تنسحب”.

كما أن نجاح العملية التركية سيقرّب تركيا من تخوم مدينة حلب الشمالية، ما سيمكنها من وضع بلدتي نبّل والزهراء اللتين تضمان مليشيات إيرانية في مرمى نيران فصائل المعارضة السورية.

معالم مبادرة إيرانية جديدة

تحدثت وسائل إعلامية، بينها صحيفة العربي الجديد، عن معالم مبادرة إيرانية طرحها أمير عبد اللهيان على المسؤولين الأتراك، وتقوم هذه المبادرة على ركنين: الأول مشاطرة تركيا في مخاوفها من الواقع الآخذ في التشكل بشمال سوريا، نحو تأسيس كيان كردي مستقل مدعوم من الولايات المتحدة والغرب، والركن الثاني هو استعداد إيراني للوساطة بين أنقرة ودمشق لبحث حل بديل عن العملية العسكرية.

ويتمثل هذا الحل المقترح في التعاون الأمني المكثف لإضعاف الإدارة الذاتية (الكردية) وإنهاء الوجود الأجنبي في الشمال السوري. وذكرت المصادر أنه يوجد حاليًا مستوى محدد من التواصل الأمني بين النظام وتركيا، لكنه لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، وأن أنقرة  “تشترط قبل أي شيء تحركًا ميدانيًا عسكريًا سوريًا ضد الإدارة الذاتية”.

—————————–

عناصر من “قسد” ترفع صورة بشار الأسط

=================

تحديث 07 تموز 2022

———————

شمال سوريا أمام “معركتين”.. تسخين دبلوماسي وعسكري “يحبس الأنفاس

ضياء عودة – إسطنبول

يعيش الشمال السوري “أجواء تسخين” تفرضها معركتين الأولى “دبلوماسية” من المقرر أن تشهدها أروقة مجلس الأمن بخصوص معبر “باب الهوى”، بينما الثانية “عسكرية”، حيث تهدد تركيا بشن عملية لإبعاد “وحدات حماية الشعب” من منطقتين في ريف حلب، تل رفعت ومنبج.

وبينما تختلف سياقات وظروف كل “معركة” عن الأخرى والمنطقة التي ستستهدفها يشترك الحدثان بحالة الترقب و”حبس الأنفاس”، التي فرضت نفسها منذ مدة على كل من الشمال الغربي والشمال الشرقي للبلاد.

وحتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة بدقة عما ستؤول إليه “المعركة الدبلوماسية” في مجلس الأمن، حيث من المقرر أن يصوت الأعضاء على قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود (معبر باب الهوى)، وسط ترجيحات عن نية موسكو استخدام حق النقض “الفيتو”.

وكذلك الأمر بالنسبة للمعركة “العسكرية” التي من المحتمل أن تطلقها تركيا، وسط غموض يحيط بتوقيتها، والخريطة الجديدة التي ستفرضها، إلى جانب مواقف الفاعلين المحليين والدوليين.

ومن شأن هذين الحدثين أن يفرضا مشهدا جديدا على الشمال السوري ككل، وحتى وإن كان ذلك لمدة زمنية قصيرة، بحسب مراقبين، فالمعركة الدبلوماسية الأولى وإن انتهت دون أي “معوقات” من شأنها أن تنعش حياة الملايين في محافظة إدلب وريفها.

في حين ستؤسس المعركة التركية المحتملة لواقع جديد على طول الحدود الشمالية من سوريا، خاصة أن حدود القوى على الأرض ستتغير، وبالتالي سيتوسع نفوذ طرف على الأرض من حساب طرف آخر.

“يوليو مختلف”

وعلى خلاف السنوات الماضية ينظر عاملو الإغاثة في شمال غرب سوريا للتصويت المرتقب في مجلس الأمن يوم الخميس بشكل “مختلف”.

في السابق ورغم التهديدات والعراقيل التي وضعتها موسكو أمام قرار تمديد المساعدات عبر الحدود، وخاصة من معبر “باب الهوى”، إلا أنها في الوقت الحالي تسعى لربط الأمر بالضغوط التي تمارس عليها في الملف الأوكراني، وهو ما أشارت إليه تقارير غربية، مؤخرا.

ووافقت روسيا، الأربعاء، بحسب تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” على  تمديد قرار مواصلة تمديد المساعدات الإنسانية عبر تركيا، إلى مناطق شمال غربي سوريا لمدة ستة أشهر.

وكان من المقترح من قبل العديد من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش بالإضافة إلى أكثر من 30 منظمة غير حكومية، أن يجري التمديد لمدة سنة كاملة، عكس ما اقترحته روسيا.

وحسب الوكالة فإن روسيا اقترحت تعديلات على مشروع قرار قدمته أيرلندا والنرويج لتقليص الإطار الزمني، الذي كان من المقترح أن يستمر لمدة عام كامل لتمرير الشحنات.

مدير فريق “منسقو الاستجابة في الشمال السوري”، محمد حلاج تحدث لموقع “الحرة” عن مشروعين ينتظران التصويت في جلسة مجلس الأمن، الخميس، الأول من جانب إيرلندا والنرويج، والثاني “مضاد من جانب موسكو”، وينص على تمديد إدخال المساعدات لمدة ستة أشهر فقط.

ويقول مدير الفريق الإنساني: “مجلس الأمن والأمم المتحدة ليس لديه خطة بديلة اليوم، بينما لا يتم الإفصاح عن الخطوات التي قد تتخذ في حال استخدام الفيتو الروسي”.

ويرى حلاج أن “الحل الوحيد” في حال استخدمت موسكو “الفيتو” هو تشكيل تحالف من المنظمات الإنسانية العالمية، لضمان استمرارية إدخال المساعدات.

لكنه يضيف مستدركا: “مع ذلك فإن هذا المسار خطر، وقد يأخذ وقتا طويلا”.

ووفق ما قاله دبلوماسيون بالمجلس ونقلته “أسوشيتد برس”، فإن المشاورات مستمرة لمعرفة إمكانية التوصل إلى “حل وسط”.

وفي حال التوصل إلى هذا “الحل” سيتم التصويت على مشروع القرار المقدم من إيرلندا والنرويج لتمديد المساعدات عبر الحدود لمدة 12 شهرا.

أما في حال الفشل في الحصول على تسعة أصوات، أو استخدام روسيا حق “النقض” ضد تمديد القرار، سيجري طرح القرار الروسي الذي ينص على تمديد المساعدات لستة أشهر فقط.

وأشارت الوكالة إلى أن روسيا قدمت اقتراحا دعا إلى زيادة الجهود لضمان تسليم المساعدات الإنسانية “الكاملة والآمنة ودون عوائق” عبر خطوط الصراع داخل سوريا، وفقا لمسودة حصلت عليها.

“لا يوجد مقارنة”

ولا يمكن مقارنة بين المساعدات التي تدخل شمال غرب سوريا عبر الحدود، بتلك التي دخلت عبر “خطوط الصراع”، من مناطق سيطرة النظام السوري.

ويشرح مدير “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج أن عدد الشاحنات الإغاثية الواردة عبر خطوط التماس منذ يوليو 2021 هو 57 شاحنة، بينما عدد الشاحنات التي عبرت “باب الهوى” فهو 15.704 حتى الآن.

وتشكل نسبة المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس 0.36 بالمئة من إجمالي المساعدات، في حين تبلغ نسبتها عبر الحدود 99.64 بالمئة.

من جانب آخر فإن المساعدات الواردة عبر الخطوط هي غذائية فقط ولا تضم أنواع أخرى، وفق حلاج الذي يشير إلى أن “مساعدات الحدود تمنع روسيا من التحكم بالملف الإنساني السوري ، وتحويله إلى قضية سياسية يتم التفاوض عليها”.

كما أنها “تمنع من تحكم النظام السوري بالمساعدات الإنسانية وطرق إيصالها إلى المنطقة”، بحسب قوله.

“حالة طوارئ في الشرق”

في غضون ذلك وإلى الشرق من معبر “باب الهوى” حيث تتجه الأنظار دخلت مناطق الشمال الشرقي من سوريا “حالة طوارئ”، أعلنها “الإدارة الذاتية” الأربعاء، لمواجهة التهديدات التركية بشن عملية عسكرية ضد مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقرطية” (قسد).

وهذه الحالة كانت قد سبقتها بأيام حشود عسكرية أدخلها الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني السوري” إلى جبهاتهما في كل من ريف حلب وريف محافظتي الحسكة والرقة، كمؤشر للبدء بالعملية المحتملة، والتي أشارت وسائل إعلام مقربة من الحكومة إلى أنها ستكون “بعد عيد الأضحى”.

وفي وقت استمر فيه المسؤولون الأتراك بالتأكيد على أن عمليتهم “ستبدأ ذات ليلة” حسب كلمات الرئيس رجب طيب إردوغان شهدت المناطق الواقعة ضمن دائرة الاستهداف، خلال الأيام الماضية، سلسلة من التطورات على الأرض.

انتهاء التفويض يأتي وسط تزايد التوتر بين روسيا والغرب

المساعدات الإنسانية بين يدي الأسد.. جماعات إغاثية تحذر من عواقب وخيمة

حذرت هيئات إغاثة، الخميس، من أنه ما لم يمدد مجلس الأمن موافقته على توصيل المساعدات إلى أجزاء تحت سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا الشهر المقبل، فستنفد إمدادات الغذاء بحلول سبتمبر في المنطقة التي تؤوي نحو أربعة ملايين نسمة.

وفي مقابل حشود الجيش التركي و”الجيش الوطني” نقلت روسيا 600 “مقاتل مظلي” إلى قاعدة مطار القامشلي، بحسب وسائل إعلام، بينما انتشرت قوات النظام السوري في مناطق متفرقة من ريفي الرقة وحلب.

وبموازة ذلك شهدت منبج وعين العرب ومحافظة الحسكة جولات أجراها مسؤولون في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، حيث التقوا قادة في “قسد”، وفق ما ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

عكيد جولي صحفي يقيم في القامشلي وهو مدير منصة مجهر الإعلامية المحلية تحدث عن “تعبئة عامة” على خطوط التماس في ريف عين عيسى والرقة، وكذلك في ريف حلب من جانب “قوات سوريا الديمقراطية”.

واستقدم النظام السوري، صباح الخميس، تعزيزات عسكرية ضخمة إلى خطوط التماس في أرياف هذه المدن، وتضمنت دبابات ومدافع، وفق الصحفي السوري.

ورغم ما يحصل على الأرض، إلا أن جولي يستبعد “إقدام تركيا على أي عمل عسكري ضد المنطقة، على الأقل في الفترة الحالية”.

ويشير إلى أن زيارة السيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام إلى تركيا، قبل أيام ومن ثم إلى شمال وشرق سوريا واجتماعه مع “قسد” “يوحي بوجود محاولات جدّية لتقريب وجهات النظر بين الحليف التركي والشريك قوات سوريا الديمقراطية”.

ويتابع الصحفي: “بالعموم ثمة حالة خوف وقلق بين سكان المنطقة، وازدادت مع إعلان الإدارة حالة طوارئ”، وأنه “من المفترض تشكيل إدارة خلية الأزمة لوضع خطط طارئة من جانب الإدارة الذاتية”.

ضياء عودة – إسطنبول

الحرة

———————-

خطة دفاعية بين «قسد» وقوات النظام السوري لصد الهجوم التركي

قيادي كردي اتهم «الناتو» بمنح أنقرة ضوءاً أخضر لشن عمليتها العسكرية

القامشلي: كمال شيخو

أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التوصل إلى خطة دفاعية مشتركة مع القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، على أن يتم تشكيل غرفة عمليات عسكرية ونشر المزيد من القوات الحكومية في مناطق «قسد» شمال شرقي البلاد لصد هجوم محتمل تشنه تركيا التي تريد إقامة منطقة آمنة على حدودها مع سوريا. ودخل الاتفاق بين «قسد»، وهي تحالف عربي – كردي، وقوات النظام، حيز التنفيذ بعد وصول 550 جندياً سورياً مع أسلحتهم وانتشارهم في ريف محافظة حلب الشرقي وبلدة عين عيسى التابعة لمحافظة الرقة. وجاءت المعلومات عن الاتفاق الدفاعي المشترك في وقت اتهم عضو الهيئة الرئاسية لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» (الكردي) الدار خليل، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بمنح ضوء أخضر لتركيا لشن هجومها الجديد شمال سوريا. وتعد أنقرة «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكل عماد «قوات سوريا الديمقراطية»، تنظيماً إرهابياً، على الرغم من أن الأميركيين يرونها حليفاً موثوقاً به في الحرب ضد تنظيم «داعش» في سوريا.

وقال نوري محمود، المتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية، في حديث صحافي، «نعمل وبالتنسيق مع المسؤولين السوريين لتطوير صيغة عمل مشترك ورسم خطة دفاعية في مواجهة أي عدوان تركي، وهناك تطور إيجابي في هذا المجال». وأشار إلى أن الشيء الملح والمهم في هذه الظروف الراهنة «هو توصل الأطراف السورية لاتفاق على صيغة مناسبة للحل»، داعياً التحالف الدولي والولايات المتحدة وروسيا إلى ممارسة ضغط على تركيا ومنعها من تنفيذ عمليتها العسكرية الجديدة شمال شرقي البلاد. وأضاف: «نحن على تواصل دائم مع قوات التحالف الدولي وروسيا ولدينا تنسيق معهما، ونأمل أن يلعبا دوراً فعالاً للحفاظ على الاستقرار النسبي حالياً، وحماية المواطنين والمدنيين بشمال شرقي سوريا»، في إشارة إلى انتشار جنود روس ومن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على الأرض.

وسيفضي الاتفاق المُعلن بين القيادة العامة لقوات «قسد» والقوات الحكومية السورية، بوساطة ورعاية روسية، إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة وتبادل الإحداثيات الميدانية على الأرض والسماح بنشر المزيد من القوات النظامية لتعزيز مواقعها العسكرية والقتالية. و«قسد» مدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن فيما تدعم روسيا القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد.

من جانبه، أكد فرهاد شامي المدير الإعلامي لقوات «قسد»، عقد الاتفاق مع حكومة دمشق، وقال: «لم يكن اتفاقاً حديثاً بل هو تفاهم عسكري لصد أي غزو تركي محتمل». وكشف في حديث صحافي أن 550 جندياً من قوات النظام وصلوا إلى مناطق «قسد» بعد تفاهم أولي دخل حيز التنفيذ ليلة أول من أمس (الاثنين). وأوضح أنهم «تمركزوا في بلدة عين عيسى، إضافة لمدن الباب ومنبج وعين العرب (كوباني)، هؤلاء الجنود سوف يحاربون إلى جانب المجالس العسكرية التي تتبع لقوات (قسد) إذا ما حصل أي هجوم تركي». ولفت إلى أن تلك القوات الحكومية ستقاتل إلى جانب «مجلس منبج العسكري» التابع لـ«قسد» لصد أي هجوم تركي مرتقب قد يستهدف مدينة منبج أو بلدة العريمة المجاورة بريف حلب الشرقي.

وأكد شامي أن القوات التركية تحاول «استفزاز» قوات النظام عبر الضربات العسكرية، بما في ذلك استهدافها بالطائرات المسيرة، كما حصل في بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي قبل يومين. وقال: «استهدفت قوات أنقرة مركزاً للقوات الحكومية في تل رفعت لاختبار رد فعلها».

سياسياً، رأى السياسي الكردي الدار خليل عضو الهيئة الرئاسية لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن حلف «الناتو» منح ضوءاً أخضر لتركيا لشن عمليتها العسكرية الجديدة ضد مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات. وقال إن حلف «الناتو» قرر «محاربة الكرد وإبادتهم»، مشيراً إلى أن القرارات الأخيرة للحلف (في قمته بإسبانيا نهاية يونيو (حزيران) الماضي) جزء من «مخطط شامل يستهدف الكرد، وبمثابة ضوء أخضر لهجوم تركي جديد على مناطقنا». وانتقد موقف السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف «الناتو» وعقد صفقات مع تركيا على حساب أكراد سوريا، قائلاً: «السويد وفنلندا كان يجب أن تكونا صاحبتي موقف وأن تتبنيا مبادئهما الديمقراطية. لكن بدل أن تقدما نقداً ذاتياً للأكراد وتخطوا خطوات إيجابية (إزاءهم)، أصبحتا مصدراً لتجديد قرار الناتو المعادي للكرد». وأكد خليل أن الأكراد في سوريا «سيبدون مقاومة تاريخية… من أجل إفشال المخططات التركية (ضدهم)».

الشرق الأوسط

———————

“قسد” تبحث تفعيل “البند الخامس” علّه يوقف الهجوم التركي

إسطنبول – تيم الحاج

عندما استشعرت “الإدارة الذاتية” وأذرعها شمال شرقي سوريا باقتراب العملية العسكرية التركية التي لوّح بها كبار قادة أنقرة، سارعت للبحث عن طوق نجاة للهروب من أزمتها الموشكة، فأطلقت مجموعة من التصريحات المتزامنة، ذات الهدف الواحد، وهو العودة إلى تاريخ تشرين الأول 2019، الذي شهد اتفاقا روسيا – تركيا وقعه، حينئذ، الرئيسان التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بعد مباحثات طويلة وشاقة، في مدينة سوتشي.

نرصد في هذا التقرير جملة من التصريحات والتحركات والمعطيات التي من شأنها أن تفضي إلى انحسار احتمال وقوع معركة تركية ضد “وحدات حماية الشعب” و”قسد” و”حزب العمال الكردستاني” (PKK) في مدن سورية على مقربة من الحدود مع تركيا.

 الحل في “البند الخامس” من اتفاق سوتشي 2019

تعكس تصريحات أطلقها أخيرا وبشكل متزامن كل من رئيسة الهيئة التنفيذية لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، والقيادي في “وحدات حماية الشعب”، نوري محمود، والرئيس المشترك لحزب “الاتحاد الديمقراطي”(PYD)، صالح مسلم، رغبة في تفعيل حقيقي لاتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا.

وجاء الاتفاق التركي – الروسي في 10 بنود، أهمها الخامس وفق ثيقة الاتفاق التي نشرتها وكالة “الأناضول

” التركية، وجاء نص هذا البند وفق ما يأتي:

“اعتبارا من الساعة الـ 12:00 ظهرا يوم 23 تشرين الأول 2019، الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيدخلان إلى الجانب السوري من الحدود السورية – التركية، خارج منطقة عملية نبع السلام، بغية تسهيل إخراج عناصر PYD وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية التركية، وينبغي الانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة، كما سيبدأ تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غربي وشرقي منطقة عملية “نبع السلام” بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي”. يضاف إليه البند السادس الذي ينص على “إخراج جميع عناصر “ي ب ك” وأسلحتهم من منبج وتل رفعت”.

تستند تركيا في تهديداتها الأخيرة ضد “قسد” إلى عدم تنفيذ بنود اتفاق تشرين الأول 2019، وهو ما يدفعها لشن عملية عسكرية جديدة ضد “قسد” في شمال شرقي سوريا، ويبدو أن الأخيرة فهمت الرسالة وبدأت تسعى جديا لتفعيله، ووجدت في إدخال النظام السوري مناطقها أمرا يسيرا يدرأ عنها الغضب التركي.

كيف يخدم مشروع “الإدارة الذاتية” نظام الأسد؟

تصف إلهام أحمد، في ندوة عبر اتصال فيديو أقامها “مركز القدس للدراسات”، أخيرا، التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في شمالي سوريا بـ “الجدية”، مشيرة إلى وجود تواصل وحوارات مع الجانب الروسي والنظام السوري، لتقوية الجبهات وانتشار قواتهم على طول الحدود.

أما مظلوم عبدي، فقد وجه بشكل مباشر في لقاء مع قناة “روسيا اليوم”، في حزيران الماضي، دعوة للنظام “لأخذ أمر الهجوم التركي على محمل الجد ولعب دوره بشكل عملي”، معتبراً أن حماية الأراضي السورية واجب على النظام.

ولم يخف عزمه على الاستعانة بقوات النظام السوري لصد أي هجوم محتمل للقوات التركية في شمال شرقي سوريا.

كما خلص اجتماع عاجل واستثائي لقيادات مجالس “قسد” في حزيران الماضي، على تجديد الدعوة للتنسيق مع قوات النظام السوري لصدّ أي هجوم تركي محتمل، وحماية الأراضي السورية.

وغازل صالح مسلم وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد بعد تصريحات الأخير عن وجوب خروج القوات التركية من سوريا، مسلم تمنى قبول النظام التعاون معهم في مشكلة التهديدات التركية.

وقال في حوار أجراه مع موقع “ميديا نيوز، “أبدينا استعدادنا للعمل مع النظام لحماية السيادة السورية، إلا أننا لم نتلق رداً حتى الآن، ونأمل أن نتمكن من العمل معاً”.

في حين جاء آخر تلك التصريحات وأهمها، وفق مراقبين، على لسان نوري محمود القيادي في “وحدات حماية الشعب” التي تشكل العمود الفقري لـ “قسد”، إذ تحدث قبل يومين عن “تطور إيجابي” في العلاقة مع النظام السوري لجهة تطوير الدفاعات في وجه العملية العسكرية التركية المرتقبة شمالي سوريا.

وقال محمود لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “قواته تعمل مع مسؤولي النظام السوري لتطوير صيغة عمل مشترك ورسم خطة دفاعية في مواجهة أي عدوان تركي، وهناك تطور إيجابي في هذا المجال”.

تحركات على الأرض للنظام السوري وروسيا

من الواضح أن النظام السوري وروسيا تلقيا رسائل الاستنجاد من قيادات “قسد” و”PYD” و”مسد”، لكنهما على ما يبدو يريدان تحقيق مكاسب أكبر، وهذا ما كشف عنه صالح مسلم الذي قال إن النظام يريد مدينة منبج، وهو ما يتطابق أيضا مع ما قاله قائد القوات الروسية في سوريا العماد “ألكساندر تشايكو”، إنه لا يمكن لبلاده حماية من هم “خارج سلطة الحكومة السورية”، وذلك خلال لقائه مع قادة “قسد” في مدينة القامشلي، حزيران الماضي.

لكن ولحين حصوله على ما يريد يرسل النظام السوري أعدادا من قواته بشكل مستمر إلى مناطق سيطرة “قسد” في ريف حلب، حتى أن تلك التعزيزات شملت عناصر من ميليشيات إيران، وفق معلومات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا، وتفيد المعلومات أيضا بوجود 30 دبابة وعربات ثقيلة للنظام والميليشيات في قرية مسقان، تتمركز في الجهة الشمالية للقرية المعروفة بـ “الأربعة مفارق”، وهي النقطة الأكثر ارتفاعاً في ريف حلب، وتمتد على مساحة 4 كم مربع، وهي محاطة بشكل كامل بسواتر ترابية أقيمت على أنقاض منازل ومزارع ومعمل قريب من المنطقة.

أما روسيا فقد سجلت نقاطا جديدة على حساب أميركا في سباق التنافس على مناطق نفوذ “قسد”، إذ نشرت القوات الروسية، منظومة دفاع جوي في مناطق شمالي سوريا، كما  عززت وحداتها ونشرت معدات عسكرية على خط الجبهة من تل تمر إلى القامشلي وشملت أربع منظومات للدفاع الجوي من طراز بانتسير ومنظومتي إطلاق الصواريخ من طراز إسكندر.

وفي 4 من تموز 2022، حطت طائرة نقل عسكرية روسية في مطار القامشلي، وعلى متنها 500 جندي روسي، في تطور يظهر بوضوح توجّه موسكو لتعزيز حضورها العسكري في المنطقة.

يبقى أن نقول، إن كل هذه التصريحات والتحركات، لا تنفي احتمالية أن تشن تركيا عملية مباغتة كما هدد الرئيس التركي، ولعل السباق الانتخابي المبكر في تركيا قد يدفع المسؤولين الأتراك إلى استخدام ورقة محاربة الإرهاب المتمثل بـ “PKK” في سوريا، فيكون هجوما خاطفا، محدود المكان والزمان، يشبع رغبة الأتراك، ويفضي إلى جلوس المتحاورين من أنقرة وموسكو لتوقيع اتفاق جديد بشروط تركية جديدة.

————————-

بعد زيارته تركيا.. وفد أمريكي يبحث مقترح “المناطق العازلة” في سورية

أجرى وفد أمريكي زيارة إلى شمال شرقي سورية، اليوم الأربعاء، يضم عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور ليندسي غراهام، للاطلاع على آخر المستجدات في المنطقة.

وزار الوفد سجن غويران في الحسكة الذي يضم مقاتلين سابقين في تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما زار مخيم الهول الذي يضم الآلاف من عائلات المقاتلين، بحسب ما ذكرت شبكة “نورث برس”.

وضم الوفد الأمريكي السيناتور ليندسي غراهام، وقائد قوات “التحالف الدولي” في العراق وسورية، الجنرال جون برينان، والتقى الوفد مع مسؤولين في “الإدراة الذاتية” للاطلاع على الأوضاع في المنطقة.

وتأتي هذه الزيارة، عقب زيارة أجراها غراهام إلى تركيا قبل يومين، التقى خلالها مسؤولين أتراك، من بينهم المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن.

    I had a very productive trip to Turkey, a member of NATO and a valuable American ally.

    While we have had a problematic relationship at times, it is imperative Turkey and the US take steps to strengthen the ties between our two nations. pic.twitter.com/szEEpZOIXH

    — Lindsey Graham (@LindseyGrahamSC) July 4, 2022

وقال غراهام في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، إن زيارته لتركيا كانت “مثمرة”، وناقشت الأوضاع في شمال شرقي سورية والعملية العسكرية التي تنوي تركيا تنفيذها في المنطقة.

مضيفاً: “بينما كانت لدينا علاقة إشكالية في بعض الأحيان، من الضروري أن تتخذ تركيا والولايات المتحدة خطوات لتعزيز العلاقات بينهما”.

وتحدث السيناتور الأمريكي عن مقترح قدمه لتركيا من أجل تقريب وجهات النظر بين أنقرة و”الإدارة الذاتية” شمال وشرق سورية.

وقال في مقال له على موقع “فوكس نيوز”، إنه اقترح حلاً يتعلق بالحدود السورية- التركية، وذلك في معرض تحذيراته من تصاعد عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية.

وجاء في مقالة غراهام أنه “من الضروري أن نعترف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا، وأن ننشئ مناطق عازلة بين العناصر التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، وأن ندعم أولئك الذين ساعدونا في تدمير الخلافة، ونضمن عدم ظهور داعش مرة أخرى”.

ووفق السيناتور: “الحل الذي أرى أنه الأكثر قابلية للتطبيق هو معالجة مصالح الأمن القومي لتركيا مع تطوير علاقة تجارية في الوقت نفسه بين الحكومة التركية وسكان شمال شرق سورية”.

يُشار إلى أن “الإدارة الذاتية” أعلنت، اليوم الأربعاء، حالة الطوارئ العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، شمال شرقي سورية، تحسباً للعملية العسكرية التي تنوي تركيا تنفيذها في المنطقة.

ويأتي الإعلان عن حالة الطوارئ في وقت لا يزال فيه توقيت العملية العسكرية مجهولاً، إذ لم تعلن تركيا بعد عن موعد العملية، باستثناء تصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي قال قبل أيام إن العملية “قد تأتي فجأة ذات ليلة”.

———————

“الإدارة الذاتية” تعلن حالة الطوارئ.. هل اقتربت العملية العسكرية التركية؟

أعلنت “الإدارة الذاتية”، اليوم الأربعاء، حالة الطوارئ العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، شمال شرقي سورية، تحسباً للعملية العسكرية التي تنوي تركيا تنفيذها في المنطقة.

وقالت الإدارة في بيان لها، إنها أوعزت كافة المجالس والهيئات والمؤسسات التابعة لها، لإعداد خطط الطوارئ من أجل مواجهة “التحديات والتهديدات”.

وأضافت أنها وضعت كافة الإمكانيات لمواجهة أي هجوم عسكري محتمل على المناطق الخاضعة لسيطرتها، وأعطت الأولوية في مشاريعها الحالية لمواجهة هذه التهديدات.

وجاء في بيان “الإدارة الذاتية” أن إعلان حالة الطوارئ العامة، يأتي “بناء على مقتضيات المصلحة العامة”، ونظراً لما تتعرض له المنطقة من “تهديدات” بعملية عسكرية تركية ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، الجناح العسكري للإدارة.

ويأتي الإعلان عن حالة الطوارئ في وقت لا يزال فيه توقيت العملية العسكرية مجهولاً، إذ لم تعلن تركيا بعد عن موعد العملية، باستثناء تصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي قال قبل أيام إن العملية “قد تأتي فجأة ذات ليلة”.

وتحدثت مراصد محلية عن تعزيزات عسكرية للجيش التركي، الذي استقدم خلال الأسابيع الماضية مدرعات وعربات ثقيلة للمنطقة، تمهيداً للعملية العسكرية التي تستهدف أراضٍ داخل سورية بعمق 30 كيلو متراً، وعلى رأسها منبج وتل رفعت، بحسب الرئيس التركي.

وبحسب تقارير تركية، فإن الاستعدادات للعملية العسكرية في سورية قد اكتملت بانتظار الأوامر من أنقرة.

وقالت صحيفة “صباح” التركية في تقرير لها، إن القوات المسلحة التركية و”الجيش الوطني السوري”، أكملوا استعداداتهم، بانتظار أمر من أنقرة لبدء العملية العسكرية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف الرئيسي من الهجوم على منبج هو بلدة كاراكوزاك، والتي كانت تضم مقبرة سليمان شاه جدّ مؤسس السلطنة العثمانية.

كما أكدت أن الخطة التركية هي الاستيلاء على سد تشرين على نهر الفرات، الذي يعتبر ذو أهمية استراتيجية، مشيرة إلى أن السيطرة على السد سيؤدي إلى حل مشكلة المياه والكهرباء في منطقة درع الفرات.

وتعتبر تركيا “قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة، التي تعتبر “قسد” شريكاً في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

—————————–

ما بعد قمة مدريد/ بكر صدقي

لم يكن اجتماع القمة لقادة دول حلف شمال الأطلسي في مدريد اجتماعاً عادياً كسوابقه، وما كان له أن يكون بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. فقد خرج الاجتماع بمفهوم استراتيجي جديد يعتبر أن «روسيا تشكل التهديد الأول والمباشر للسلام ولأمن واستقرار الدول الحليفة على ضفتي المحيط الأطلسي» ويدعو الدول الأعضاء إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الخطر الروسي.

يعود المفهوم الاستراتيجي السابق للحلف إلى العام 2010 وفيه اعتبرت روسياً «شريكاً» للحلف. هذه النقلة من شريك إلى الخطر الرئيسي والمباشر ستكون لها تداعيات كبيرة سواء بالنسبة للدول الأعضاء أو لسائر العالم. حلف الناتو الذي كان في حالة «موت سريري» قبل بضع سنوات، ودعا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى حله، يعود اليوم إلى الواجهة كأكبر تحالف عسكري وسياسي في العالم، سواء بعدد أعضائه الذي ارتفع من 16 دولة في نهاية الحرب الباردة إلى 30، أو بإمكاناته العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية ونفوذه الذي يتجاوز عضويته المباشرة. وتبدو الولايات المتحدة، المحرك الأبرز لهذا التطور، وكأنها بصدد استعادة دورها القيادي في أوروبا بعدما نجحت في اجتذاب الدول الأوروبية إلى الاصطفاف وراءها في مواجهة روسيا. وبالنظر إلى عودة ألمانيا وغيرها من البلدان إلى الاهتمام بتسليح قواتها، ورصد ميزانيات ضخمة لهذه الغاية، لم يعد هناك هامش للتردد لدى الدول الأخرى، فتم تبني هذا المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي يعني الاستعداد للحرب.

هناك دول قد لا يمكنها التكيف بسهولة مع هذا التغيير الطارئ على «المفهوم الاستراتيجي» لعل أبرزها تركيا المرتبطة مع روسيا بعلاقات قلقة. فمن جهة لا يمكن لتركيا أن تنتقل بسهولة من خانة الشريك لروسيا في مسار آستانا الخاص بالصراع في سوريا إلى خانة الأطلسي الذي يعتبر روسياً خطراً مباشراً على أمن الدول الأعضاء، وتملك روسيا وسائل كثيرة لإيقاع الأذى بجارها التركي من غير أن تتمتع تركيا بحماية أطلسية رادعة بالقدر الكافي.

في الطائرة التي أقلت الرئيس التركي في رحلة العودة إلى بلاده، قال أردوغان للصحافيين المرافقين إن «تركيا ستستمر في سياستها المتوازنة بين روسيا والغرب» هل هذا ممكن بعد توقيع تركيا على الوثيقة الاستراتيجية الجديدة التي تعتبر روسيا الخطر الأول والمباشر على أمن واستقرار الدول الأعضاء؟ وخاصة بعد تخليها عن الفيتو بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف؟

فقبيل انعقاد القمة الأطلسية تم التوقيع على تفاهمات ثلاثية بين تركيا والسويد وفنلندا على رفع الفيتو التركي المشار إليه مقابل تعهدات غامضة من الدولتين لتركيا بخصوص التوقف عن دعم «المنظمات الإرهابية» التي تختلف على تحديدها تركيا والدولتين المذكورتين، مقابل اتفاق الثلاثة على إرهابية حزب العمال الكردستاني حصراً. فيما تنفرد تركيا في اعتبار كل من جماعة فتح الله غولن وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب (منظمات سورية) كمنظمات إرهابية. وبما أن مسار عضوية الدولتين في حلف الناتو يمتد على فترة أشهر ولا تنتهي إلا بمصادقة برلمانات الدول الأعضاء عليه، فالحكومة التركية ما زالت تمسك بورقة الفيتو البرلماني في حال لم تلب الدولتان مطالبها المتمثلة مبدئياً في تسليم عدد من المطلوبين الموجودين هناك. في حين أن تسليم المطلوبين يخضع في كل من السويد وفنلندا لقرارات القضاء المستقل عن السلطة التنفيذية.

الأشهر الثمانية التي من المفترض أن تستغرقها إجراءات الانضمام ستتيح للأطراف مساحة كبيرة للمماحكة، وفي الغضون لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن تصل العمليات القتالية في شرق أوكرانيا، وما التغيرات السياسية التي يمكن أن تغير وجه أوروبا والعالم. كذلك ستكون الأشهر القادمة هي فترة استعداد الأحزاب والتحالفات السياسية في تركيا للانتخابات البرلمانية والرئاسية. لذلك لا يمكن التكهن بشان نتيجة المماحكات المذكورة بين تركيا والدولتين المرشحتين لعضوية الحلف. أما الثابت الذي نعرفه فهو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد وعد نظيره التركي بالموافقة على بيع تركيا طائرات F16. وذلك مقابل تراجع تركيا عن رفضها لانضمام الدولتين للحلف.

هل يتجه العالم نحو حرب جديدة مدمرة تكون أكثر فتكاً من الحرب العالمية الثانية؟ أم ينتصر العقل على الجنون؟ الحرب التي تطحن الأوكرانيين والروس أيضاً من يملك مفاتيح وقفها؟

لا تبدو الولايات المتحدة البعيدة جغرافياً عن ساحة الحرب بصدد أي خطة لاحتواء الصراع، بل تعمل كطرف في الحرب من غير أن تخاطر بزج جنودها في القتال. بل هي تحشد وراءها دول الحلف الأطلسي ويدعمون معاً أوكرانيا بالسلاح. في حين يزيد بوتين من وحشية هجماته على الأهداف المدنية والبنى التحتية في أوكرانيا بهدف تركيع القيادة الأوكرانية ودفعها للاستسلام للمطالب الروسية.

بصرف النظر عن الخسائر الروسية الكبيرة في الحرب، لن يسلم بوتين بالهزيمة مادامت أوكرانيا غير قادرة على نقل الحرب إلى داخل الأراضي الروسية. وحتى لو تمكنت من ذلك فقد يصبح تهديد بوتين باستخدام السلاح النووي على الطاولة، الأمر الذي يجعل روسيا بوتين منيعة أمام الهزيمة حتى لو كانت غير قادرة على تحقيق النصر. وهو ما يعني أنه لا مفر من تسوية سياسية تمنح بوتين مخرجاً «مشرّفاً» أمام الرأي العام الروسي. وهو ما لا يبدو الحلف الأطلسي بصدد التفكير فيه.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

“قسد” تعلن حال الطوارئ..وواشنطن تقدم إقتراحات لتفادي العملية التركية/ مصطفى محمد

فرضت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الأربعاء، حالة الطوارئ في مناطق سيطرتها، وأوعزت إلى مجالسها العسكرية إعداد خطط للطوارئ، وذلك عقب اجتماع عقدته مع وفد أميركي يضم السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، وقائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال جون برينان، في مدينة منبج.

تركية جدية

وعلمت “المدن” من مصادر أن الوفد الأميركي الذي أكد لقسد أن تركيا جدية بخصوص العملية العسكرية، تقدم بمقترحات لمنع العملية العسكرية، من خلال تسليم بعض المناطق شرق الفرات لتبديد مخاوف أنقرة، مقابل تحييد مناطق أخرى.

وأكدت المصادر أن النقاش لم يتطرق أبداً للمناطق الواقعة غرب نهر الفرات، ما يؤكد أن مسرح العملية العسكرية التركية المرتقبة سيكون مقتصراً على منطقتي منبح وتل رفعت.

وقال الصحافي والناشط من منبج قحطان الشرقي إن إعلان حالة الطوارئ جرى على أساس رفض قسد المقترحات الأميركية، لكنه لم يستبعد في حديثه ل”المدن”، احتمال انسحاب قسد من مناطق محددة، بغرض تجنيب مناطق أخرى الهجوم التركي، مضيفاً أن “كل المؤشرات تدل على أن العملية التركية باتت محسومة، ويبقى الخلاف على وجهتها”.

الاتفاق مع النظام

وفي السياق، تضاربت الأنباء حول التوصل إلى خطة دفاعية مشتركة بين قسد والنظام السوري، لصد العملية العسكرية المرتقبة، فبينما تحدثت عن دخول التفاهم حيز التنفيذ بعد انتشار نحو 550 جندياً من النظام في ريف محافظة حلب الشرقي وبلدة عين عيسى التابعة لمحافظة الرقة، وصفت مصادر “المدن” كل ما يتم تداوله من أنباء ب”الإعلامية”.

وقالت المصادر إن لقاءات مشتركة تجري بين الجانبين، وآخرها لقاء في المربع الأمني بالحسكة، لكن الإشكاليات والخلافات في وجهات النظر لا زالت قائمة، حيث يطالب النظام بتسلّم كل شيء، وضم قسد إلى جيش النظام مع إعطاء مهلة محددة، وعودة المؤسسات، ورفع أعلام النظام.

وفي الوقت الذي افترض فيه المصدر موافقة قسد على كل شروط النظام، تساءل: “هل توافق الولايات المتحدة على تسليم سلاح قسد للنظام والروس؟ وهل توافق كذلك على تسليم آبار النفط؟”.

ولا تستطيع قسد تجاوز قرار الولايات المتحدة، لكنها تستطيع المناورة في بعض المسائل السياسية التي تخص علاقتها مع الأطراف السورية (النظام، المعارضة).

الخط الأحمر الأميركي

ويرى الخبير بالشأن الكردي الدكتور فريد سعدون أن قسد تخشى في حال تجاوزت الخط الأحمر الأميركي، أي توقيع اتفاق عسكري مع النظام السوري، أن تُعطي واشنطن الضوء الأخضر لتركيا لشن عملية عسكرية، متسائلاً: “هل لدى النظام وقسد القدرة على مواجهة الجيش التركي؟”.

ويعتقد سعدون في حديث ل”المدن”، أن كل ما يُشاع إعلامياً عن التوصل إلى اتفاق بين “قسد” والنظام السوري، إنما الغرض منه التشويش، وخاصة أن هناك حالة من الاتفاق بين الأطراف الدولية والإقليمية على تجنب الصدام المباشر.

في غضون ذلك، واصل الجيش التركي الدفع بأرتال عسكرية إلى مناطق نفوذه في الشمال السوري، وتحديداً إلى منطقتي “نبع السلام” في ريفي الحسكة والرقة، و”درع الفرات” شمال حلب، حيث أدخل الجيش التركي الثلاثاء رتلين عسكريين إلى جبهات الباب ومارع المجاورة لتل رفعت.

وتهدد أنقرة بشن هجوم عسكري على مناطق تخضع لسيطرة قسد، بهدف إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود السورية الشمالية بعمق 30 كيلومتراً، إلا أن ذلك يتطلب موافقة روسيا والولايات المتحدة.

المدن

——————————–

لصد العملية التركية.. تحضيرات لغرفة عمليات مشتركة بين النظام السوري و”قسد

أكدت وسائل إعلام محلية مقربة من النظام السوري، اليوم الخميس، الاقتراب من اتفاق النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على إنشاء “غرفة عمليات عسكرية مشتركة” بينهما برعاية روسية، لصد العملية العسكرية التركية المحتملة شمالي سوريا.

ونقلت صحيفة “الوطن”

المقربة من النظام عن مصادر متابعة للمباحثات بين الجانبين قولها إن “ممثلين عن النظام السوري وعن ميليشيا “قسد”، يناقشون تقديم الأخيرة تنازلات ميدانية وإدارية للنظام السوري في المناطق التي تهيمن عليها والمهددة بدخولها ضمن العملية العسكرية التركية المحتملة”.

وأضافت المصادر أن “وضع “خطة دفاعية” يقتضي تشكيل “غرفة عمليات” عسكرية مشتركة بين الجانبين، يتولى جيش النظام السوري إدارتها وتوجيهها، على اعتبار أنه ينتشر على طول خطوط تماس الجبهات المنتخبة للتصعيد عبرها، وفي المناطق الحدودية مع تركيا، والتي قررت تركيا إنشاء منطقة آمنة ضمنها بعمق 30 كيلو متراً في داخل الأراضي السورية”.

قرب التوصل إلى اتفاق تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة

وأشارت المصادر إلى قرب التوصل إلى اتفاق “بتشكيل “غرفة العمليات” وبرعاية روسية، استباقاً للعملية العسكرية المتوقع شنها بعد عيد الأضحى المبارك باتجاه مدينتي تل رفعت ومنبج وهما منطقتا نفوذ روسية غرب الفرات”.

وأكدت المصادر أن “موسكو تضع كل ثقلها لإنجاح المفاوضات بين النظام السوري و”قسد” ومن خلفها غطاؤها السياسي “مجلس سوريا الديمقراطية” والمدني المسمى بـ “الإدارة الذاتية”، ولا سيما أن القيادة الروسية لم تعد تشك بانقلاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلى اتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة بين البلدين بخصوص سوريا، وذلك بعد موافقة أردوغان على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” أخيراً خلال قمة الأخير في العاصمة الإسبانية مدريد”.

وأشارت المصادر إلى قبول “قسد” بنشر أعداد كبيرة من قوات النظام في الجبهات المتوقع حدوث التصعيد فيها كبادرة حسن نية منها، على أن يتبع ذلك قرارات عسكرية وإدارية من الممكن أن تسمح بانتشاره بعمق 30 كيلومتراً على طول الشريط الحدودي مع تركيا لتنفيذ “اتفاق أضنة” ولسحب أي ذريعة من تركيا لشن العملية العسكرية بحجة وجود ما يسميه “تنظيمات إرهابية” تهدد أمنها القومي على حدودها.

وتابعت المصادر أن لدى “قسد” قناعة بأن دول “الناتو” منحت أردوغان ضوءاً أخضر لشن العملية العسكرية، ولذلك جاء التحرك الروسي السريع للتدخل كوسيط بين النظام السوري و”قسد” التي أدركت خطورة وجدية واقتراب أجل العملية العسكرية التركية لمناطق نفوذها.

وتوقعت المصادر وفقاً للصحيفة نشر المزيد من عناصر وضباط قوات النظام السوري في مناطق سيطرة “قسد” خصوصاً في منبج وتل رفعت شمالي حلب خلال الفترة التي تسبق التهديدات التركية بتنفيذ العملية العسكرية بعد عيد الأضحى.

العملية العسكرية التركية في سوريا

وكان الرئيس أردوغان قد أكّد، مطلع حزيران الماضي، عزم بلاده على تنفيذ عمل عسكري لاستكمال إنشاء المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومتراً شمالي سوريا، وذلك انطلاقاً من تل رفعت ومنبج.

وقال أردوغان إنّ “بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بإنشاء المنطقة، وستعمل على (تطهير) المنطقتين المذكورتين (منبج وتل رفعت) من الإرهابيين”.

وبداية الشهر الجاري قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “نعمل تدريجياً على شن عملية من أكبر العمليات في سوريا وسننفذها في الوقت المناسب”.

وسأل أحد الصحفيين أردوغان عن سبب تأجيل العملية العسكرية المرتقبة في سوريا ضد “وحدات حماية الشعب”، وما إذا كان سبب التأجيل عسكرياً أم دبلوماسياً.

وأجاب أردوغان: “يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة. لا داعي للقلق. لا حاجة للاستعجال. نحن نعمل بالفعل على ذلك الآن. كما تعلمون لدينا أعمال في شمالي العراق من جهة، ونعمل في عفرين شمالي سوريا من جهة أخرى… هنالك توقعات تتجاوز ما تم فهمه حتى الآن. إذا كنا صبورين قليلاً، آمل أن ننفذ العمليات التي نجريها حالياً خطوة بخطوة وبأقوى طريقة عندما يحين الوقت”.

———————–

الناتو في الشمال السوري/ عبدالرحمن مطر

معطيات مهمة أفرزتها قمة الناتو الأخيرة في مدريد، من أهم ملامحها، مسألتان أساسيتان، هما تغيير استراتيجة الحلف المترهّل، نحو استعادة عافيته، أو جزء منها، في الحدّ الأدنى، باعتبار روسيا، العدوّ الرئيس الذي تتوجه إليه سياسات الحلف وأنشطته، نتيجة غزوها لأوكرنيا في فبراير الماضي. لتصبح قضية الإرهاب الدولي، ضمن الأولويات التالية لحلف الأطلسي.

أما العامل الآخر، فهو يتصل بتعزيز مكانة تركيا في الحلف، والذي يأتي استجابة لمطلب تمتين وحدة الأطلسي الداخلية، في مواجهة التحديات الخارجية. وهذا – في الواقع – ما نجم عن حاجة مشتركة لتركيا، والأطلسي، تمت خلالها المقايضة بين المكاسب التركية، وحاجة الحلف للتوسع.

في مقدمة المكاسب التركية، هو إعادة الاعتبار لموقعها ودورها في الناتو، بعد أن شهد تراجعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، بسبب دورها وتدخلاتها العسكرية في الشمال السوري، من جهة، وبسبب عدم حصول أنقرة على دعم في مواجهتها لتنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، ومشتقاته. وكذلك، ترك الحلف تركيا، وحيدة أمام مشكلة إسقاط الطائرة العسكرية الروسية في صيف 2015، دون أي دعم من الناتو، ما اضطر أنقرة إلى إنجاز تسوية عبر الاعتذار إلى موسكو.

المكسب الآخر، هو في تقييد دور ومكانة وأنشطة حزب العمال الكردستاني، في فنلندا والسويد، وتدريجياً سوف يتأثر، أو يتراجع نشاط “الكردستاني”، في أوروبا الأطلسية.

الفرصة الكبيرة التي اقتنصتها تركيا، جاءت عبر الغزو الروسي، ورفضها انضمام السويد وفنلندا، بغية تغليب مصالح الأمن القومي التركي، على المصالح الأطلسية. وهذا مؤشر مهم، يتصل بصورة وثيقة بالأوضاع الأمنية والسياسية، في الشمال السوري. وهو ما قد تحمله الفترة المقبلة، من تطورات، نعتقد بأنها لن تأتي قبل القمة الخليجية – الأميركية منتصف تموز / يوليو الجاري، ونعني بذلك العملية العسكرية التي تلوّح أنقرة بتنفيذها في الشمال السوري.

ففي خضم انشغال الأطلسي، وفي سياقه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالحرب والتهديد الروسي، فإن أنقرة تجد الفرصة سانحة اليوم، لاستكمال عمليتها العسكرية “نبع السلام” التي توقفت بناء على تعهدات أميركية – روسية، بأن يتم إبعاد مسلحي وحدات حماية الشعب، لعمق 30 كم جنوب الحدود التركية، عبر الوسائل السلمية. لكن ذلك لم يتحقق، أي أن الضامنين لم يفيا بالتزاماتهما. لكن الأحداث الدولية، أتاحت لأنقرة التحرك مجددا، لتحقيق هدفها كاملا. وأصبح الأمر أكثر قابلية للتحقق بعد قمة الناتو، والاتفاقات التي عقدتها تركيا، مع فنلندا والسويد، بمباركة جميع قادة الحلف.

الواقع، أن الدوافع التركية، هي معروفة، وكذلك أهدافها. والاختلاف في شأنها، مسألة تأتي تالياً في ضوء الاختلاف الكبير في المواقف، وفي وجهات النظر السورية، حيال الدور التركي برمّته، وإزاء العمليات العسكرية المتدرجة، لمنع قيام كيان كردي، أو سلطة أمر واقع كردية، تحكم المناطق الشمالية السورية.

كانت أنقرة، قد طالبت منذ العام 2013 بإنشاء منطقة آمنة، على طول الحدود التركية السورية. لكن إدارة أوباما – آنذاك – رفضت تلك الفكرة ومنعت تركيا القيام بذلك. لكن أنقرة بدأت عملياتها لتحقيق تلك الخطة، انطلاقاً من محاربة داعش، لتتطور لاحقاً نحو استهداف الوجود الإرهابي لميليشيات قنديل في سوريا.

لكن، دون أدنى شك، إن وجود حزب العمال الكردستاني، هو احتلال كامل للمناطق التي يسيطر عليها، ويديرها بقوة السلاح، وعبر أساليب وممارسات إرهابية، وقمعية، تعدّ انتهاكاً واضحاً لحقوق الجماعات والأفراد، خاصة أهالي وسكان المنطقة الأصليين. والذين يتعرضون بشكل منظم إلى حرمانهم من حقوقهم، وكذلك التهديدات الأمنية المتواصلة التي تستهدف الناشطين، ومصادرة الأملاك، ومنع عودة آلاف المهجرين إلى ديارهم، وفرض إجراءات “كفالة” لمن يرغب في زيارة أسرته، وهو من أبناء المنطقة. يضاف إلى ذلك سياسات التمييز العنصري، في جميع الإجراءات، والمرافق العامة. وتأخذ تلك الممارسات صبغة التغيير الديمغرافي الممنهج الذي تقوم به كلٌّ من ميليشيا “ب ي د” و”قسد”، في جميع المناطق التي تسيطر عليها. مع الإشارة إلى أن تلك الانتهاكات تطول العرب والأكراد من مناهضي تنظيم العمال الكردستاني، على حدّ سواء.

كأيّ حدث يتصل بسوريا، ثمة انقسام في المواقف والآراء حياله. ومن الطبيعي أن يجري ذلك إزاء جميع التدخلات، وكذلك السياسات التي تتصل بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام. هناك دعوة إلى أولوية العمل بالوسائل السلمية، وإلى إيلاء تفعيل الاتفاق الدولي بشأن منطقة خفض التصعيد الرابعة التي انتهكها النظام الأسدي، وإعادة أهلها النازحين إلى أماكن سكناهم. كما أن هناك أصواتاً تدين العمليات العسكرية التركية، في الشمال السوري، من حيث المبدأ، أو دعماً للمواقف الكردية.

على أية حال فإن أي عمليات عسكرية، تثير جملة من المخاوف، أهمها استهداف المدنيين، واستحالة حمايتهم، بصورة أساسية. يضاف إلى ذلك خطة إعادة مليون لاجئ إلى مناطق العمليات الجديدة، وما قد تقود إليه من قلق واضطراب آمني واجتماعي وتغيير ديمغرافي، يجب الحيلولة دون حدوثه، عبر برنامج طوعي لعودة أصحاب منطقة العمليات إلى بيوتهم، حصراً دون غيرهم. كما تثير مخاوف جادة، حيال الثقة بسياسات فصائل الجيش الوطني التي سوف تدير المنطقة.

بالنسبة لي كمواطن سوري، لا أدعم أي عمل عسكري، يُعرّض حياة المدنيين إلى الخطر. وإذا كنت لا أوافق – انطلاقاً من هذا المبدأ – على أي تدخل عسكري في سوريا، فإنني أيضاً لا أقبل بوجود أي احتلال أجنبي في المنطقة. قوات حزب العمال الكردستاني في سوريا، هي قوات احتلال ويجب أن يتم طردها بالوسائل الممكنة. واليوم، نحن السوريين، نفتقد أية وسائل لتحقيق ذلك. من هنا، فإن العمليات العسكرية التركية، التي تهدف لتحقيق مصالح تركية أمنية تحقق – في الوقت نفسه – جزئياً مصالح السوريين في الشمال السوري، وهم المتضررون من استمرار تسلط ميليشيا قنديل.

ثمة معطيات مهمة، تجب الإشارة إليها، وهي علاقة هذا التنظيم بالنظام الأسدي، عبر ما يقارب أربعين عاماً، وهو الذي أُسِّسَ في كنف المخابرات السورية عام 1984، ليتحولَ إلى أداة إجرامية بحق السوريين، مع انطلاق الثورة السورية. كما أن وجوده في الأراضي السورية، يشكل خطراً على مواطنينا، لكونه يخوض صراعاً مع تركيا، ليس السوريون طرفاً فيه.

إن دعمنا الكامل، وغير المنقوص، لحقوق الشعب الكردي، بما فيه حق تقرير المصير، يجب ألا يُفهم أنه تنازل عن حقوقنا، أو أنه تغاضٍ عن الممارسات والانتهاكات الإجرامية التي ترتكبها عصابات الكردستاني في سوريا. ومن هنا، فإنني أختلف مع البيان الذي أصدرته “قوى وطنية وشخصيات سورية عامّة، من أجل وقف تهديدات الحرب والعنف في الشمال السوري”. من حيث إنه أغفل إدانة احتلال الكردستاني، ولم يُشر إلى انتهاكاته وممارساته الإجرامية والعنصرية حيال السوريين. كما أنه لا يأخذ في الاعتبار موقف ورأي أبناء المناطق المحتلة من قبل “الكردستاني وقسد”، وبخاصة تلك التي تستهدفها العملية التركية المرتقبة.

ربما كانت مسيرة “الحذاء” التي نظمها حزب العمال الكردستاني، هي واحدة من أقسى الردود التي تواجه بها الدعوات إلى الحوار البنّاء، وإلى التسويات والمعالجات بالوسائل السلمية، بما فيها بيان بعض “القوى الوطنية والشخصيات السورية العامة” التي نعتقد أنها لا تعرف حقيقة الأوضاع – عن كثب – في الشمال السوري.

إذا تمكنت تركيا، من استغلال الظروف الدولية الراهنة، واستئناف عملياتها العسكرية، إثر تعزيز دورها في الناتو، قبل أن يجفّ حبر الاتفاقات، فإن الناتو سوف يغضّ الطرف عن ذلك، ويصبح له موقع قدم جديد، في الشمال السوري، وسوف تفرض وحدة التوجه الأطلسي نحو مواجهة التهديد الروسي اعتبارات وتغيرات، وسياسات جديدة، بما فيها سوريا وشمالها الذي تعزز فيه موسكو وجودها العسكري، اليوم!

تلفزيون سوريا

————————

مبادرة غراهام: واقعية أم حالمة؟/ شورش درويش

برز اسم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إبان قرار الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب الانسحاب من شمال شرقي سوريا، بوصفه واحداً من معارضي قرار الانسحاب، ولأجل ذلك وقف الرجل على رأس مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ ممن حاولوا ثني الرئيس عن تنفيذ انسحاب كارثيّ يؤدّي بالضرورة إلى إحياء تنظيم “داعش” بعد أن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولعل مهمة إقناع رئيس بلغ أعلى مستويات الشعبوية والضحالة الاستراتيجية مرّت عبر إقناعه بأن البقاء سيقترن بحماية آبار النفط وتخفيض عدد القوّات الأميركية العاملة إلى نحو مئتي جندي، فيما كان عدد الجنود الفعلي أعلى بكثير وفقاً لرواية  المبعوث الأميركي إلى سوريا الأسبق جيمس جيفري الذي أعلن في وقت لاحق أنه وزملاءه قد أخفوا عن الرئيس  العدد الحقيقي لقوات بلاده في سوريا.

بيد أن غراهام الذي بدا أنه يجيد التسويات ويتمتّع بحسٍّ براغماتيّ، عُرف عنه أيضاً أنه راديكاليّ ويروق له أن يقدّم نفسه على أنه محافظ على طراز الرئيس السابق رونالد ريغن، وأنه لا يتهاون في شأن أعداء الولايات المتحدة، وخاصة إيران التي وصفها بأنها محكومة من قبل نظام نازي وأنها مأخوذة بقصة تفوّقها الديني الممزوج برغبتها امتلاك أسلحة نووية، وكذا فإن موقفه من روسيا بدا شديد الراديكالية، وجدير بالتذكير قوله عن الحاجة إلى بروتوس روسي، في إشارة إلى قاتل الأمبراطور الرومانيّ يوليوس قيصر، والمعنى المراد من ذلك أنه دعا إلى اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبطبيعة الحال تنصّل البيت الأبيض من مسؤوليته على اعتباره “ليس بياناً أو تصريحاً صادراً عن أي شخص يعمل في الإدارة”، فيما يُظهر أن عدوّه الذي لا يتهاون معه، في موازاة عدائه لإيران وروسيا، يبقى تنظيم “داعش” سواء أكانت خلايا التنظيم أم الآلاف من سجنائه في سجون قوات سوريا الديمقراطية.

وقد يكون لمسألة حؤول السيناتور دون تنفيذ حكومة بلاده الانسحاب أواخر عام 2019 أن منحته جرعة ثقة زائدة وأدت إلى اعتداده بنفسه بوصفه صانع تسويات ناجح، طالما أن الغاية الفضلى لتسوياته هي إلحاق الهزيمة المبرمة بتنظيم “داعش”.

وفي ضوء ذلك خطّ غراهام رؤيته للوصول إلى تسوية بين تركيا والإدارة الذاتية في مقال نشرته شبكة فوكس نيوز، قبل أن يبدأ رحلته التي بدأها في أنقرة وعرّج بعدها على العراق وأربيل ثم إلى شمال شرقي سوريا.  بيد أن رؤية السيناتور بدت شديدة الالتباس، وتجريبية، وربما مقطوعة الصلة بالواقع، ذلك أنه أراد إرضاء الأتراك عبر التأكيد على أمنهم القوميّ وتكرار ذلك في غير موضع من المقال، ودون أن يوضح المقصود بالأمن القومي التركي والذي يعني في مضمونه الصريح قمع الكرد وملاحقتهم واضطهادهم، في حين جاء التجريب عبر تعويله على العلاقات التجارية بين تركيا وشمال شرقي سوريا التي بإمكانها إنتاج كميات كبيرة من النفط الأمر الذي “سيعود بالفائدة على كل من سوق النفط العالمية، واقتصاديات شمال شرقي سوريا وتركيا” وفي هذا مبالغة تفتقر إلى الأرقام أو تتحدّث عن ثروة نفطية مهولة لكن في بلاد أخرى غير سوريا.

وإمعاناً في التركيز على أمن تركيا، دعم غراهام بيع مقاتلات إف 16 لتركيا في اتساق مع موقف إدارة بايدن، وهو ما يعني أن الجزرة حلّت محل العصا في التعامل مع تركيا، رغم “استدارة” الأخيرة تجاه طهران (عدوّة غراهام) وبما يشي باحتمالات نجاح الوساطة الإيرانية بين دمشق وأنقرة، وهو ما قد يطفو على السطح بعد التاسع عشر من الشهر الحالي خلال زيارة الرئيس التركي لطهران واجتماعه بنظيره إبراهيم رئيسي، فيما أبدت طهران تفهمها أيضاً “للمخاوف الأمنية التركية” ما يعني أن إيران قد تمنح تركيا ضوءاً أخضر في منبج وتل رفعت، والحال أن كل الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية بمقدورها استخدام الجملة المفتاحية “نقدر المخاوف الأمنية لتركيا”، بالتالي تنزع هذه العبارة السحر عن مبادرة غراهام ولا تمنحه إلى ذلك الأفضلية، خاصة وأنه يسعى للمحافظة على علاقته بقوات سوريا الديمقراطية أيضاً، وهو أساس المشكلة بالنسبة لتركيا التي تواضب على صيغة التخيير الثابتة: إما نحن أو الكرد!

وبمعزل عن الأغراض التي تبدو نبيلة في مبادرة ليندسي غراهام والتي قد تكون مشفوعة بدعم إدارة بايدن الديمقراطية، إلّا أنها تبقى مبادرة حالمة بالنظر إلى حقيقة أن الاقتصاد والتجارة والاستثمارات في منطقة تعجّ بالنوازع العرقية والصراعات الإثنية والطائفية لم تشكّل البديل الفعليّ لأفكار الحرب والسيطرة والاحتلال، ثم إن شمال شرقي سوريا التي تستعد لحرب محتملة، وإن وقعت في الضفة الغربية للفرات، باتت أقرب لاستكمال إبرام تفاهماتها الدفاعية مع دمشق وبرعاية روسيّة كردٍّ موضوعيّ إزاء ضبابية مستقبل العلاقة بين قسد والولايات المتحدة، وكسل الأخيرة في ردع الاعتداءات التركية المتواصلة.

والحال أن زيارة السيناتور ليندسي غراهام لتركيا المتطلّبة والغاضبة، ومن ثم جولته في شمال شرقي سوريا وزيارته لسجن الحسكة المكتظ بسجناء “داعش” ومخيم الهول قد يخفف من حدّة التفاؤل التي عبّر عنها في مقاله، لكن زيارته ومشاهداته  ستعزّز من يقينه بأن الحرب التركية لن يستفيد منها سوى “داعش” على ما أشار إليه في متن المقال، وأنه “عندما يظهر داعش في الشرق الأوسط مجدداً، فإن أسلوب حياتنا هنا في الولايات المتحدة سيكون مهدداً”، وبذا نعثر على مفارقة جديدة إذ أن أمن الولايات المتحدة يمرّ بأمن شمال شرقي سوريا، لا بأمن تركيا القومي فقط.

المناقشات التالية وجلسات الاستماع في الكونغرس التي ستعقب نهاية جولة غراهام هي التي ستكشف لنا إن كانت مبادرته واقعية أم حالمة، وهي التي ستكشف عن قدراته في إعادة التركيز على شمال شرقي سوريا مجدداً بوصفها تبعاً لقوله “منطقة مضطربة”.

نورث برس

————————-

برعاية روسية.. مباحثات بين “قسد” والنظام لتشكيل غرفة عمليات عسكرية

ذكرت صحيفة “الوطن”، اليوم الخميس، أن مباحثات تجري بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ونظام الأسد، لتشكيل “غرفة عمليات مشتركة” برعاية روسية، في ظل تهديدات تركية بإطلاق عملية عسكرية شمال سورية.

وقالت الصحيفة شبه الرسمية، إن هدف المباحثات، وضع “خطة دفاعية تقتضي تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين الجانبين”، على أن تكون الإدارة والتوجيه من قوات النظام، لأنها “تنتشر على طول خطوط تماس الجبهات المنتخبة للتصعيد عبرها، وفي المناطق الحدودية مع تركيا”.

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها، عن “قرب الاتفاق على تشكيل الغرفة”، مشيرة إلى أن “التوصل لنتائج تُحقق الغاية من المباحثات، منوط بتقديم الميليشيات تنازلات ميدانية وإدارية للحكومة السورية، في المناطق التي تُهيمن عليها”.

واعتبرت المصادر، أن نظام الأسد أجّل النقاش مع “قسد” في مسائل خلافية، كالثروات النفطية والغازية والزراعية والمائية، والأولية الآن “تقتضي الدفاع عن الأراضي السورية، من دون أن تنكث الميليشيات بوعودها”. حسب تعبيرها.

كما اعتبرت أن قبول “قسد” بنشر قوات من النظام على الجبهة، سيتبع ذلك “قرارات عسكرية وإدارية، يمكن أن تسمح بانتشاره بعمق 30 كيلو متراً على طول الشريط الحدودي مع تركيا، لتنفيذ اتفاق أضنة.

وتوقعت المصادر، نشر قوات الأسد مزيداً من العناصر في مناطق “قسد”، خاصة في منبج وتل رفعت.

وكانت “الإدارة الذاتية” قد أعلنت قبل أيام، أنها تتناقش مع نظام الأسد، من أجل توسيع “تفاهم حماية الحدود”، الذي تم التوصل إليه في عام 2019، عقب عملية “نبع السلام” التركية.

وأكد نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، بدران جيا كرد في تصريحات صحفية، السبت الماضي، وجود تفاهم مع النظام “على حماية الحدود”، وأنهم يناقشون توسيعه “لردع أي هجوم تركي محتمل”.

ونوه المسؤول الكردي، إلى أن “هناك تفاهماً على حماية الحدود منذ عام 2019، والآن يتم النقاش بوساطة روسية، لتوسيع ذلك التفاهم بما يخدم مصلحة المنطقة والاستقرار فيها”.

وكانت مفاوضات جرت بين “قسد” ونظام الأسد برعاية روسية، العام الماضي، بعد تهديدات تركية مماثلة حول دخول قوات النظام إلى المنطقة، إلا أن هذه المفاوضات باءت بالفشل.

——————————-

الناطق باسم “قسد” لـ”النهار العربي”: اتفقنا والجيش السّوري على مواجهة الهحوم التّركي المحتمل

يشهد الملف السوري تطورات متسارعة مع اقتراب آخر المواعيد التي حددتها أنقرة لبدء هجومها على الشمال السوري مع انقضاء عطلة عيد الأضحى، وسط معارضة الخصوم المنخرطين في الأزمة السورية لأي خطوة ميدانية تركية، مع اتفاقهم على مشروعية مخاوف أنقرة.

وجاء الموقف السوري الرافض للغزو التركي ومخاوف أنقرة على حد سواء، من خلال الإعلان عن خطوات عسكرية ميدانية غداة “توافق” مهم في شكله وتوقيته، وحتى رسالته بين كل من دمشق و”الإدارة الذاتية” المعلنة من طرف واحد.

توافق وليس اتّفاقاً

وكشف الناطق باسم “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، آرام حنّا، في تصريحات إلى “النهار العربي”، أن “ما تم التوصّل إليه بين الطرفين هو توافق وليس اتفاقاً، ومضمونه عسكري بحت، ينصّ أساساً على التوصّل إلى آلية ردع لتقدّم المحتل التركي على طول الأراضي السورية في الشمال، سواء على خط التماس أم على الشريط الحدودي، على أسس وطنية قائمة على هويّتنا السورية الجامعة”.

ونجحت تركيا من خلال العمليات العسكرية السابقة التي قامت بها خلال السنوات الخمس الأخيرة من تغيير حدودها مع سوريا، من خلال فرض سيطرتها على شريط ممتد من مدينة أعزاز في شمال حلب، وصولاً إلى بلدة تل تمر شمال غربي الحسكة بعمق يصل في بعض المناطق إلى ثلاثين كيلومتراً، كما الحال بالنسبة إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، فيما تقطع بلدة عين العرب (كوباني) الواقعة تحت سيطرة “قسد” الفعلية بالتوازي مع وجود عسكري لدمشق، الممر التركي المذكور في منتصفه.

وفيما تتركّز عمليتا “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التركيتان في ريف حلب الواقع ضمن مناطق النفوذ الروسي، فإن إقدام أنقرة على عمليتها الثالثة “نبع السلام” في منطقة نفوذ واشنطن، التي تعلن دائماً عن تحالفها الوثيق مع “قسد” لمحاربة “داعش”، أدّى إلى زعزعة ثقة الإدارة الذاتية بحليفها الأميركي، ما يمكن اعتباره أحد الأسباب المسهّلة للتوافق المذكور.

انتشار الجيش السوري عزّز من قدراتنا الدفاعيّة

وكشف حنّا أن “الحكومة السورية نشرت قوّات جديدة على الامتداد الغربي لمناطقنا، وبخاصة في المنطقة التي تتعرّض للتهديد، حيث تم تعزيز مواقع قوات دمشق على المحور من عين عيسى وصولاً إلى كوباني، بما يضمن تعزيز موقف قوّاتنا الدفاعي عبر دخول السلاح النوعي، سواء المدفعية أم الدبابات، التي ستدعم جهود مقاتلي المجالس المحلية التابعة لقواتنا المنتشرة في تلك المناطق”.

في أواخر عام 2019، أفضى اتّفاق متأخر بين الحكومة السورية و”الإدارة الذاتية” إلى انتشار الجيش السوري في نقاط ومناطق واقعة تحت سيطرة “قسد”، غداة تنفيذ أنقرة عملية “نبع السلام” التي أدّت إلى سيطرة الأخيرة على مساحات جديدة في ريفي الرقة والحسكة في الشمال السوري، وإدارتها من خلال ذراعها العسكرية السورية المسمّاة بـ”الجيش الوطني”.

ووفق حنّا، فإن “الانتشار المذكور كان واقعياً لكنه لم يكن مجدياً، إذ لطالما تعرّضت نقاط الجيش السوري لاستهدافات مدفعية وجوّية تركية مباشرة”.

وواصلت أنقرة والميليشيات التابعة لها خروقها لاتفاقات وقف التصعيد، على الرغم من توقيعها على اتفاقات وقف إطلاق النار في سوتشي وأستانا وموسكو، لا عن نفسها فقط، بل بوصفها ضامناً لالتزام الميليشيات التابعة لها في شمال سوريا، والأخرى المنسّقة معها عبر نقاط المراقبة في إدلب بوقف إطلاق النار أيضاً.

كما أن وقف إطلاق النار ليس التعهّد الوحيد الذي لم يتم الالتزام به من جانب أنقرة. فقد نصت الاتفاقيات المذكورة على فتح أوتوستراد حلب – اللاذقية (أم 4) الدولي، وعلى فرز أنقرة المجموعات المسلّحة بين “معارضة معتدلة – ومعارضة متطرفة” تمهيداً للتخلّص من الأخيرة، وهما التزامان لم يف بهما الجانب التركي حتى الآن.

على القوى الدّولية حظر الأجواء أمام المسيّرات التركيّة

إلى جانب الاستهدافات المدفعية التركية المتواصلة على طول خطوط التماس، فإن الاعتداءات الجوّية التي تنفّذها أنقرة بواسطة مسيّراتها، تهدد الاستقرار في مناطق شمال سوريا، وتكشف في الوقت ذاته عن موافقة أميركية ضمنية على تلك الاعتداءات، في ظل تحكّم أنقرة بأجواء المنطقة الواقعة تحت سيطرة “قسد” شرق الفرات.

خلال الشهرين الماضيين فقط، أعلنت أنقرة من خلال وكالة الأناضول الرسمية، مسؤوليتها عن اغتيال القيادي في “قسد” فرهاد شبلي بواسطة مسيّرة خلال وجوده في العراق في حزيران (يونيو) الماضي بعد أيام من استهداف آخر بالقرب من سوق الهال في مدينة القامشلي، أدى إلى سقوط عدد من الجرحى المدنيين ودمار في الأبنية السكنية في ريف الحسكة.

وفي نهاية أيار (مايو) الماضي، أعلنت أنقرة تنفيذ عملية اغتيال بواسطة مسيّرة تركية في مدينة القامشلي أيضاً، وذلك بعد شهر من استهداف مماثل بالقرب من بلدة عين العرب (كوباني) في ريف حلب، سبقها اعتداء جوي على إحدى نقاط الجيش السوري في تل رفعت في ريف حلب الشمالي، حسب ما أعلنته بعض وسائل الإعلام الموالية لـ”قسد” من دون صدور بيان من قبل وزارة الدفاع السورية.

كما أعلن المركز الإعلامي لـ”قسد” بداية نيسان (أبريل) الماضي قصف مسيَّرة تركية سيارة عسكرية تابعة لـ”المجلس العسكري السرياني” في بلدة تل تمر في ريف الحسكة، ما أسفر عن إصابة قائدها بجروح بليغة مع مترجم كان برفقة القافلة، أثناء مرافقته للوفد الروسي المتوجه إلى محطة كهرباء تل تمر، التي تعرّضت لقصف جوي تركي أيضاً. وجاء القصف بعد 3 أيام من قصف مماثل بطائرة مسيّرة استهدف سيارة على الطريق الدولي السريع شمال شرقي الحسكة، ما أسفر عن مقتل ضرار جمعة حمزة، وإصابة اثنين كانا برفقته، أحدهما الشاعر المعروف محلياً فرهاد مردي.

ويرى حنّا أن “دخول السلاح النوعي إلى المنطقة” من خلال الانتشار الأخير “عزز من قدرة مقاتلينا على الصمود وإيقاف أي تقدّم لقوات الاحتلال التركي، لكن على القوى الدولية عموماً والقوات المسلّحة الروسية خصوصاً أن تلعب دورها الإيجابي والفاعل في ضبط أجواء المنطقة المهددة، ومنع العدو من استهداف القوات المدافعة، فنحن في النهاية قوّات مدافعة ولا نمتلك دفاعات جوّية” لصد المسيّرات التركية.

لكنه يضيف أن “الموقف الروسي رافض حتى الآن لأي تحرّك تركي في سوريا، لكن علينا أن نلتمس هذه الأقوال كأفعال على الأرض”.

تتفق كل من أميركا وروسيا وإيران على رفض أي عمل عسكري تركي في شمال سوريا، مع تأكيد الخصوم الثلاثة مشروعية المخاوف الأمنية لأنقرة، التي تعتبر حلفاء واشنطن في “قسد” ووحدات حماية الشعب التابعة للإدارة الذاتية غير المعترف بها، امتداداً لحزب العمال الكردستاني المدرج على لوائح الإرهاب في تركيا وأميركا والاتحاد الأوروبي.

قبل أسبوع نشرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية باللغة التركية تصريحاً لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته أنقرة، جاء فيه أن بلاده “تتفهم إعلان تركيا  عملية عسكرية في سوريا”، مؤكّداً ضرورة “تبديد المخاوف الأمنية التركية تماماً ونهائياً”. فسّر البعض تصريح الدبلوماسي الإيراني بأنه موافقة ضمنية من طهران على العملية العسكرية التي يهدد أردوغان بشنّها منذ نحو شهرين، ليعود عبد اللهيان ويؤكد من محطته الثانية في جولته، من دمشق، رفض إيران المطلق لأي تحرّك عسكري تركي في سوريا، في موقف مطابق لموقف موسكو.

أما أميركياً، ورغم تحذيرات واشنطن المتكررة من أن “أي عملية عسكرية تركية من شأنها تقويض جهود محاربة داعش” في سوريا، إلا أن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام يرى أن “من الضروري الاعتراف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا”، طارحاً في مقالة نشرها في موقع “فوك نيوز”، “إنشاء مناطق عازلة بين تركيا والعناصر التي تعتبرها أنقرة جماعات إرهابية”، إلى جانب “تقديم الدعم لأولئك الذين ساعدوا واشنطن في تدمير الخلافة الإرهابية، وضمان عدم ظهور داعش مرة أخرى”، وذلك من خلال “تطوير علاقة تجارية في الوقت نفسه بين الحكومة التركية وسكان شمال شرقي سوريا، عبر زيادة إنتاج كميات النفط المستخرجة، وهو ما سيعود بالفائدة على كل من سوق النفط العالمية، واقتصاديات شمال شرقي سوريا وتركيا”، بحسب رؤية السيناتور الأميركي بعد زيارة قام بها لأنقرة.

أطروحة غراهام قوبلت برفض غير مباشر من الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديموقراطي، صالح مسلم، الذي قال في تصريحات إلى وكالة “نورث برس” الكردية إن “تركيا احتلت مناطق كردية في شمال سوريا ،وهناك آلاف المهجرين من منازلهم، وقبل البدء بأي نقاش يجب إيجاد حل لهذه المناطق”.

حنّا اعتبر، من جهته، أن “موقف أميركا والتحالف الدولي لمحاربة داعش خلال السنوات الماضية لم يكن في المستوى المطلوب، الذي يضمن حماية المنطقة والمكتسبات التي حققناها في محاربة الإرهاب، لذا ليس هناك أي ضمانات فعلية حقيقية لردع المحتلّ،  رغم وجود تصريحات إعلامية تظل في إطار الأقوال فقط من دون أن يكون لها تأثير ميداني”.

مقابل الطرح الأميركي، فإن الطرح الإيراني تمثّل في إيجاد مصالحة بين دمشق وأنقرة، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته دمشق عندما كشف عن أن أحد أهداف زيارته هو تحقيق هذه المصالحة، التي ترفضها دمشق ما لم يسبقها تحقيق شروطها في “إنهاء أنقرة احتلالها في سوريا، وكفّها عن دعم التنظيمات الإرهابية المسلّحة”.

ويرى حنا أن “الاتفاق (مع دمشق) على الصعيد العسكري اليوم سوف يدعم الناحية السياسية، التي تتضمن العديد من الخلافات والمفارقات بين الطرفين، وسوف يدعم الوصول إلى توافق شامل يدعم وحدة البلاد وسلامتها والحفاظ على التراب السوري كاملاً، وتحرير كل المناطق المحتلة في الشمال السوري في ظل حل سياسي شامل يدعم الاعتراف بالإدارة الذاتية وقوات سوريا الديموقراطية في الدستور السوري”.

النهار العربي

————————

==================

تحديث 11 تموز 2022

————————-

أردوغان يريد ترحيل مليون لاجئ سوري إلى شمال سوريا/ لارا بيالون

ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.

قبل بضعة أشهر، اقتحم نائب تركي محل مجوهرات على ساحل بحر إيجة ومعه كاميرا فيديو، وسأل صاحب المتجر عن أوراقه ورخصة عمله، وسجّل المحادثة بأكملها دون إذنه. وبعد فترة وجيزة، نشر النائب الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وقدّم فيه الصائغ بالطريقة التالية:

    لقد قدم إلى تركيا منذ سبع سنوات. لغته التركية محدودة. حصل على الجنسية، ولديه رخصة حمل سلاح. افتتح محلاّ للمجوهرات في إزمير بترخيص حصل عليه في أورفة. هناك 900 ألف سوري آخر مثله. تركيا.. ألا تعين الخطر؟

اسم هذا النائب أوميت أوزداغ، وهو زعيم تشكيل قومي جديد يُدعى “حزب النصر”، الذي أطلق حملة واسعة النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي تطالب بطرد حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري استقبلتهم تركيا. ومنذ أسابيع، ينشر حزبه مقاطع فيديو لم يتم التحقق منها، لمهاجرين يتحرشون بالنساء التركيات في الشوارع، وللاجئين يسخرون من العلم التركي. بل وقام حتى بنشر فيلم خيالي من نوع الدستوبيا ينذر بمستقبل بائس لتركيا، ويظهر دولة منقسمة لغتها الرسمية العربية.

رفض كبير للاجئين

أعاد هذا الخطاب المعادي للأجانب والمنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي الخوف إلى قلوب اللاجئين، والذين باتوا يخشون وقوع أحداث مماثلة لما جدّ في الصيف الماضي في أنقرة، عندما قام حشد من القوميين الغاضبين بتخريب متاجر لسوريين، وحاولوا مهاجمة منازلهم بعد شجار قُتل خلاله شاب تركي.

فعلا، فإن هجمات حزب النصر ليست فورة منعزلة لحزب شُعبوي لا يحظى بتمثيل برلماني. إذ يستخدم حزب المعارضة الرئيسي – وهو حزب الشعب الجمهوري الاشتراكي الديمقراطي- بدوره الرفض الشعبي للاجئين، كسلاح ضد الحكومة. وقد اقترح هذا الحزب مؤخرًا إجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير اللاجئين، وأعلن أنه سيقوم بترحيل السوريين إلى بلادهم بمجرّد فوزه في انتخابات 2023.

يرى أيهان كايا، وهو باحث متخصص في موضوع الهجرة بجامعة بيلجي في اسطنبول، أن رفض اللاجئين يرجع جزئيًا إلى الطريقة التي تواصلت بها الحكومة -بقيادة حزب العدالة والتنمية- حول موضوع استقبالهم: “منذ بداية وصول السوريين الهائل في عام 2015، أنتج حزب العدالة والتنمية خطابًا دينيًا لتبرير استقبال اللاجئين السوريين. ما دفع المجتمع التركي إلى قبول السوريين كأخوة مسلمين، لكن على أساس أن حضورهم مؤقت، وليس على أساس حقهم في اللجوء. وقد بدأت المشاكل عندما تجاوزت هذه الفترة الزمنية قدرة السكان على التحمّل. واليوم، لم يعد الخطاب الذي يقدم السوريين كضيوف يعني شيئًا”.

تؤكّد الإحصائيات ذلك. فحسب معهد “ميتروبول”، وهو معهد استطلاعات الرأي الأكثر شهرة في البلاد، فإن 82٪ من الأتراك يرغبون في عودة اللاجئين والمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. وترتفع هذه النسبة إلى 85٪ في صفوف ناخبي حزب العدالة والتنمية.

عودة “طوعية” أم إعادة توطين؟

في هذا السياق، أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بادئ الأمر أن بإمكان السوريين “العودة إلى وطنهم متى شاءوا”، لكن تركيا “لن تجبرهم أبدًا على مغادرة أراضيها”. وبعد فترة وجيزة، راجع الرئيس التركي تصريحاته، وأعلن عن خطة “عودة طوعية” إلى شمال سوريا ستشمل مليون سوري. ويشمل هذا المشروع بناء مساكن وخدمات في المناطق التي تسيطر عليها تركيا. وقد أوضح أردوغان بعض تفاصيل هذه الخطة، مثل عدد المنازل المخطط لها، وأن 500 ألف سوري قد عادوا بالفعل إلى بلادهم في السنوات الأخيرة، إلا أنه ترك تفاصيل أخرى دون جواب شافٍ. ولا يُعرف إلى الآن كيف سيتم تنفيذ هذه المبادرة، ومن سيدير صيانة هذه المواقع أو ما إذا كان سيحصل على دعم السلطات الأوروبية.

بالنسبة لأيهان كايا، فنحن لا نتحدّث هنا عن “عودة طوعية” بل عن إعادة توطين، إذ “لم تتم استشارة الجهات الفاعلة في الدولة السورية. ما تقترحه تركيا هو في الواقع نوع من إعادة توطين في مكان آخر، أي في هذه الحالة سوريا، تحت سيطرة قوات الأمن التركية”. من ناحية أخرى، لم يتم توضيح نوع سوق العمل الذي سيكون متوفّرا في هذه الأماكن.

ألقى عقد من الحرب بثقله على الاقتصاد السوري، كما يخشى العديد من الشباب العودة إلى ديارهم، خوفًا من اعتراضهم من قبل قوات بشار الأسد. لا يعتقد كايا أن فكرة الانتقال إلى شمال سوريا تستهوي عددًا كبيرًا من اللاجئين في تركيا. “وحدهم أفقر الناس في تركيا مستعدون لذلك. وبهذا تقدّم الدولة التركية خيارًا لأولئك الذين يعيشون في وضع أكثر هشاشة. ولكن كي تكون هذه العودة آمنة ومستدامة، يُفترض استخدام القنوات الدبلوماسية بالتعاون مع المؤسسات الدولية”.

تتساءل ديدم دانيس هي الأخرى، وهي عالمة اجتماع ومؤسسة لجمعية الأبحاث حول الهجرة، عما إذا كان اللاجئون السوريون يرغبون حقاًّ في الاستقرار في مناطق بشمال سوريا مثل أعزاز أو الباب أو تل أبيض، والحال أنها ليست مسقط رأسهم: “سيتم إعادة توطين السكان السابقين لحلب أو حمص في شمال البلاد. وستفتح القوانين الجديدة سؤالاً آخر حول اندماجهم في هذه الأماكن”. من ناحية أخرى، فإن العديد من هؤلاء اللاجئين يعيش في تركيا منذ ست أو سبع سنوات. حوالي 40٪ منهم قاصرون وحوالي 500 ألف وُلدوا في تركيا. تتساءل ديدم: “لقد قضّى هؤلاء جزءًا كبيرًا من حياتهم في تركيا، فكيف لهم أن يستقرّوا في بلد لا يعرفونه على الأرجح؟ فكثير من هؤلاء الأطفال يعرفون تركيا أفضل من معرفتهم لسوريا”.

أزمات عديدة تقوّض الاندماج

يأتي الجدل حول إدارة الهجرة وخطاب كراهية الأجانب على خلفية تضخم حاد في تركيا بنسبة 70٪، والذي أثر على القدرة الشرائية للأسر التركية. حتى بات من الشائع أن تسمع في الشارع شكاوى حول استقبال اللاجئين في علاقة بالأزمة الاقتصادية الحالية. ويُزعم أن هؤلاء تلقّوا مساعدات حكومية، وأنهم أخذوا وظائف على حساب السكان المحليين، وأن المستشفيات والمدارس اكتظت بسببهم. لكن في الحقيقة، من أصل حوالي مليوني سوري في سن العمل، بالكاد يحمل 200 ألف منهم تصريح عمل. أما الباقون، فهم مُجبرون على العمل في القطاع غير الرسمي، حيث يتعرّضون للاستغلال ويتلقّون أجوراً تقلّ عن الحد الأدنى للأجر التركي، والذي يبلغ حاليًا 4250 ليرة تركية

1

في 2016، تبنّت الحكومة التركية قوانين جديدة تسمح للسوريين بالحصول على تصاريح عمل، شرط أن يتقدم أرباب العمل بمطلب الحصول عليها، ودفع رسوم ترفض العديد من الشركات تقديمها. ووفق ديدم دانيس، فقد خلقت هذه القوانين الجديدة حالة توتر مع السكان المحليين، إذ يتهم هؤلاء السوريين بالمنافسة غير العادلة في سوق العمل: “إن أداتنا التنافسية في السوق العالمية هي العمالة الرخيصة. وبسبب التضخم، لم يعد بوسع العديد من الأتراك العيش على الأجور الحالية، بينما تُضطر القوى العاملة السورية إلى قبول ظروف عمل سيئة”. وتضيف: “إن إمكانية استبدال عامل تركي محمي بموجب قانون العمل بعمالة رخيصة فرصة عظيمة بالنسبة لأرباب العمل”.

كما تم انتقاد إجراء حكومي آخر بسبب غموضه، وهو منح الجنسية التركية لبعض اللاجئين السوريين. إذ أعلنت السلطات عن منح الجنسية التركية لنحو 200 ألف سوري، لكنها لم تحدد معايير اختيار هؤلاء، ما تسبب في إضفاء نوع من الغموض على هذه المبادرة.

الاتحاد الأوروبي يتبرّأ

تتجاهل الحكومة الانتقادات، بل وتُوجه أصابع الاتهام إلى المؤسسات الأوروبية، إذ طالبت في عدة مناسبات بتجديد شروط الاتفاقية الموقعة عام 2016 التي تم تعليقها بسبب بالوباء، والتي يُفترض بموجبها إعادة جميع المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى الجزر اليونانية من تركيا إلى الأراضي التركية. كما يتعيّن على الاتحاد الأوروبي بمقتضى نفس الاتفاقية إعادة توطين عدد مماثل من اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا. لم يتم احترام الاتفاقية، ولم يقم الاتحاد الأوروبي إلا بإعادة توطين 28 ألف سوري فقط. يشك الخبراء في الوقت الحالي في كون بروكسل مهتمة بمناقشة هذا الاتفاق مع أنقرة. يقول كايا: “هذه الاتفاقية تتجاوز اللاجئين السوريين، فهي تتضمن فقرات حول تسهيل التأشيرات للأتراك، وتحديث الاتحاد الجمركي، وتطبيع العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. لكني لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي مهتم بهذه الأمور في السياق الحالي”.

مراسلة في إسطنبول.

————————-

كرد سورية وإيران ضحايا المناطق الآمنة/ سميرة المسالمة

يعود الملف السوري إلى الواجهة، بشقّيه العسكري والإنساني. ففي شقه الإنساني، أو الإغاثي تحديداً، تعود المواجهة الروسية للمجتمع الدولي من الزاوية السورية هذه المرّة، بعد استغراقها ما يقارب من خمسة أشهر في حربها على أوكرانيا، وكأنها في استراحة محارب، لتدخل في خصام دولي عن رفضها دخول المساعدات الإنسانية عبر الآليات السابقة المعتمدة لإيصالها إلى السوريين خارج مناطق نفوذ النظام.

وإذا لم يكن جديداً على روسيا أن تمارس عملية ابتزازٍ للمجتمع الدولي، مقابل الموافقة على تمرير قرار تمديد آلية إيصال المساعدات إلى سوريين عبر المنافذ التركية، وهو القرار المتجدّد على طاولة مجلس الأمن منذ عام 2014، فإن الغريب أن يصرّ مجلس الأمن على اتباع الإجراءات المعتمدة سابقاً، ومنها موافقة النظام على عبور الشاحنات، التي كانت غايتها الوصول إلى مناطق محاصرة من قوات النظام السوري والمليشيات المساندة له في حمص وريف دمشق، التي أصبحت جميعها تحت حكم النظام السوري، ما يجعل التساؤل مشروعاً بسبب مناقشة دخول المساعدات بموافقة روسية من عدمها.

وعلى الرغم من أن روسيا تمارس، في كل عملية تجديد للقرار، مقايضة مع المجتمع الدولي، بغرض إعادة الاعتبار لحكومة دمشق، أو حسب التعبير الروسي لسيادة دمشق، التي ينتهكها، على ما يبدو، عبور شاحنات المساعدات الغذائية إلى نحو مليونين ونصف مليون من فقراء سورية في الشمال السوري، فإن الحديث عن عودة الشق الآخر من الملف السوري العسكري إلى واجهة الأخبار هو الأَولى بالحديث عن انتزاع السيادة السورية، أو انتهاكها كلياً، سواء في شمال البلاد أو جنوبها.

تعدّ المناطق الآمنة التي يجري الحديث عنها شمالاً عبر عملية عسكرية تقودها تركيا بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، أو جنوباً عبر الدعم الأردني لفصائل معارضة يعود الحديث عن إحيائها، بعد ترحيل معظم قادتها وأعضائها إلى الشمال السوري إثر عملية تفاوضية برعاية روسية عام 2018، ضمن عمليات انتزاع سيادة النظام وحلفائه من هذه المناطق، وإلحاقها بالدول التي أنشأتها، أي هي عملية تقسيم الدولة السورية وتغيير حدودها، حتى في غياب اعتراف دولي حالي بهذه الحدود. أو هي، في أحسن الأحوال، إعادة ترسيم لحدود التماس والاشتباك بين كل من تركيا (النظام السوري من الشمال وبين الأردن)، النظام السوري من الجنوب، وهي حدودٌ قابلة للديمومة أكثر منها قابلية للزوال، وذلك لأسباب عديدة منها:

جنوباً، استمرار تحالف النظام السوري مع النظام الإيراني، ما ينشئ تحالفاً مضادّاً للوجود الإيراني على الحدود الجنوبية لسورية، التي تمسّ أمن الأردن وإسرائيل، ومن الخلف أمن الخليج العربي عموماً، وهو ما أثبتته السنوات التي تلت اتفاق الجنوب 2018، وقضى “بتسليم المعارضة سلاحها وتسليم جميع نقاط المراقبة على طول الحدود السورية الأردنية لتكون تحت سيطرة الحكومة السورية”، وانعكس ذلك سلباً على الأردن والسعودية خصوصاً، ودول خليجية أخرى، أُغرقت أراضيها بشحنات المخدّرات عبر المنافذ السورية، وتعرّض الأردن لأكثر من اشتباك مسلّح مع المهرّبين، ما أدّى اليوم إلى حديث عن منطقة آمنة بعمق 35 كيلومتراً تسيطر عليها فصائل معارضة، تحمي المعابر الرسمية التي يحكمها النظام السوري بعد تعهده بإبعاد إيران عن المنطقة الجنوبية.

شمالاً، إصرار تركيا على إبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” إلى الداخل السوري، بعمق لا يقلّ عن 30 كيلومتراً، وقطع طريق “الكوردور” الكردي السوري مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً، وبالتالي، إنهاء حلم الإدارة الذاتية بتشكيل كيان مستقل على الحدود مع تركيا.

وفي وقتٍ يعمل الأردن، ومعه دول خليجية وبمساندة إقليمية ودولية، على استبيان الرأي، ودراسة سيناريوهات متعدّدة لإبعاد إيران من منطقة الجنوب السوري، من دون الصدام العسكري المباشر مع قوات النظام السوري، باستخدام الفصائل السورية، وإحياء غرفة الموك التي كانت تقود العمل المسلح منذ عام 2013 وحتى 2018 بإدارة أميركية عربية مشتركة، تعلن تركيا مواجهتها المباشرة، عبر قوات جيشها ضد القوات الكردية، حليفها جيش النظام السوري. ما يعني أن تركيا تنوي خوض حربٍ معلنة وبينيةٍ مع النظام والقوات الكردية، في وقتٍ لن يكون لروسيا حضور عسكري ينتزعها من انشغالها عن غزوها أوكرانيا. فهل راهنت تركيا على ذلك عند إعلانها توقيتاً قريباً للعملية العسكرية، أم أنها عقدت تفاهمات مع روسيا لإتمام عملية نزع “قوات سوريا الديمقراطية” من على حدودها، وإعادة بناء خريطة تماس حدودية جديدة، إضافة إلى إعادة تصنيف “قوات سوريا الديمقراطية” فصيلاً تابعاً للنظام، بعد أن عملت “الإدارة الذاتية” سنوات على تقديم نفسها تشكيلاً سياسياً وعسكرياً مستقلاً عن النظام ومعارضته.

تهدف العملية التركية في تل رفعت إلى قطع أواصر الامتداد الكردي في ما سمّي الإدارة الذاتية، ولكن هل تحدُث الحرب، أم يكون غبارها غطاءً لجملة اتفاقات تحت الطاولة، بين تركيا من جهة، وكل من إيران، وروسيا، من جهتين متقابلتين معها؟ مع ذلك، لا بد من التوضيح أن “المناطق الآمنة” التي يجري الحديث عنها اليوم ليست مناطق آمنة بالمعنى الذي كان يتوخّاه السوريون لتجنيبهم القصف بالطائرات، بل هي مجرّد تقاسم مناطق نفوذ إقليمي، أي انتزاع أجزاء من سيادة الدولة السورية بهدف حماية حدود الدول التي تنشئها، وتحويل المنطقة كدرع بشري في مواجهة النظام السوري تحت حكم مجموعات عسكرية تابعة لتلك الدول الراعية، وهذا الامر لا يقتصر على منطقتي نفوذ إقليمي في الشمال والجنوب، إذ ثمّة منطقة أخرى (مغفلة) في شرق الفرات، حيث وجود قوات للولايات المتحدة التي ترعى “قوات سوريا الديمقراطية”، أي نحن إزاء ثلاث مناطق نفوذ، إضافة إلى مناطق سيطرة النظام مع شريكيه، روسيا وإيران.

الزيارة المتأخرة ست سنوات ونصف سنة لرئيس النظام السوري بشار الأسد لحلب “المستردّة للنظام من الجيش الحر وفق اتفاق روسي تركي منذ ديسمبر/ كانون الأول 2016” يمكن أن تكون جزءاً من تفاهماتٍ على مقايضات يدفع الكرد ثمنها، وينال النظام جائزتها في حلب، ولاحقاً منبج، مقابل انتهاك سيادته جنوباً لإبعاد إيران، وشمالاً لراحة تركيا واستقرار أمنها.

العربي الجديد

—————————

الأزمة السورية وتحولات دور الفاعل الخارجي بعد الأزمة الأوكرانية/ عبد الوهاب عاصي

مثلما أدى تدخل روسيا في سوريا، عام 2015، إلى تغير خارطة السيطرة والنفوذ بين الفاعلين المحليين وأدوار الفاعلين الخارجيين، لا شيء يمنع أن تتغير مرة أخرى بانشغال موسكو في الحرب الأوكرانية والتي لا تزال مفتوحة على العديد من السيناريوهات. تهدف هذه الورقة إلى دراسة واقع الأزمة السورية في السياسات الراهنة للفاعلين الأساسيين الخارجيين بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا.

بينما شكَّل وجود روسيا في سوريا “مصدر تهدئة” واستقرار لبعض القوى الإقليمية والدولية كان عامل تقييد لوصول ونفوذ بعضها الآخر عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا. ومع بوادر تراجع حضور روسيا في سوريا بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا بدأت تظهر مخاوف وطموحات تلك القوى، من حيث تعزيز أو تراجع أدوارها، بعدما أسهم تجميد النزاع منذ عام 2020 في تكريس أدوار بعضها على حساب الآخر، لاسيما حلفاء النظام السوري، الذي انهمك في استعادة السيادة والسلطة ضمن مناطق سيطرته وتقليص أثر الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت خلال الأعوام الفائتة. إن السياق الإقليمي المفتوح على الأزمات الدولية والمتأثر بموازين القوى المحلية في سوريا، سيكون له دور رئيسي في تحديد مسار النزاع وتحولاته القادمة.

تهدف هذه الورقة إلى دراسة واقع الأزمة السورية في السياسات الراهنة للفاعلين الأساسيين بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا، وأثر التغيرات الطارئة على مواقفهم ومستقبل الأزمة السورية.

أولًا: الأزمة السورية في السياسات الراهنة للفاعلين

تتوزع الجغرافيا السورية، فضلًا عن القوى المحلية، مناطق نفوذ لقوى دولية إقليمية متعددة، أبرزها تركيا، وتحتضن وتدعم قوى معارضة، وإيران وروسيا إلى جانب النظام السوري. وهناك إسرائيل المعنية بأمنها على الحدود وبما تؤول إليه الأوضاع في سوريا، إضافة إلى الدور الروسي المحوري، ويقابله وجود عسكري أميركي محدود – لكنه فعال- لمحاربة الإرهاب وداعش وتقديم بعض الدعم لقسد (قوات سوريا الديمقراطية). مناطق النفوذ هذه هي محل تماس عسكري وسياسي بين القوى الإقليمية لاسيما الأساسية منها، وهي تؤثر وتدل على طبيعة واتجاه الأدوار السياسية لهذه الأخيرة في الأزمة السورية.

    الأزمة عسكريًّا

عندما اندلع الصراع في أوكرانيا، نهاية فبراير/شباط 2022، كان قد مضى عامان على خفض التصعيد في سوريا، وهي أطول فترة تهدئة شهدتها البلاد منذ بداية الأزمة عام 2011؛ حيث تعثرت سابقًا جميع التفاهمات الدولية في التوصل إلى اتفاق -لإنهاء أو خفض العمليات القتالية- يقود إلى تهدئة متوسطة أو طويلة الأمد. ومنذ مارس/آذار 2020، تُسيطر المعارضة السورية على قرابة 11% من جغرافيا البلاد، التي بلغت نسبة استحواذ النظام عليها أكثر من 63%، وقوات سوريا الديمقراطية أقل من 26%(1).

كان الحفاظ على التهدئة كل تلك المدة نتيجة لعدة عوامل، أبرزها: حرص روسيا على استمرار التنسيق والتعاون مع بقية الفاعلين الدوليين، بما يؤدي لتحويل الإنجاز العسكري إلى مكاسب سياسية واقتصادية؛ أي إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري ورفع العقوبات الاقتصادية تدريجيًّا عنه أو تقليص أثرها على أقل تقدير. إضافة إلى رغبة الولايات المتحدة وتركيا في عدم تقويض الاستقرار والأمن، حتى إن حرص واشنطن على استمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا دفعها إلى قبول مطالب روسيا بتوسيع عمليات التمويل لتشمل التعافي المبكر وليس الاستجابة والطوارئ فقط(2).

أسهم جمود النزاع في تقليص حدَّة التنافس نسبيًّا بين الفاعلين الدوليين والمحليين في سوريا إلا أن اندلاع الصراع في أوكرانيا أظهر بوادر للتراجع في التزام كل من تركيا وإيران وإسرائيل بخفض التصعيد في مناطق الشمال والجنوب السوري. ويبدو ذلك مرتبطًا بإعلان روسيا تغيير مهام قواتها؛ حيث بات تركيزها منصبًّا على ضمان الاستقرار والأمن على حساب العمليات القتالية(3).

في الشمال الغربي من سوريا: تتخوف تركيا من أن يؤدي انشغال روسيا في أوكرانيا إلى التراجع عن التزاماتها في تنفيذ مذكرات التفاهم المشتركة، والتي تنص على قيام القوات الروسية بإخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من تل رفعت ومنبج شمال وشرق حلب ومن عمق 30 كم على طول الحدود السورية-التركية شرق الفرات(4). هذا ما قد يُفسر عودة حديث تركيا بجدية منذ أواخر مايو/أيار 2022، عن نيتها شنَّ عملية عسكرية جديدة لاستكمال الخطوات المتعلقة بالجزء المتبقي من إنشاء المنطقة الآمنة بعمق 30كم على طول حدودها الجنوبية مع سوريا. وقد قامت القوات التركية وفصائل المعارضة السورية برفع مستوى الجاهزية وتوزيع محاور القتال على خطوط التماس في مناطق مثل منبج وتل رفعت شرق وشمال حلب(5)، إضافة إلى تكثيف عمليات القصف الجوي لأهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية على طول الشريط الحدودي. أما روسيا فقد واجهت مطالب تركيا بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا بالرفض والتحفظ؛ لاعتبارها خطوة تُهدد الاستقرار. كذلك، قابلت إيران مخاوف تركيا التي تدفعها لشنِّ عملية محتملة بالرفض مرة والتفهم في أخرى، لكنها استكملت فعليًّا الاستعداد لأي انهيار لوقف إطلاق النار؛ حيث أنشأت، نهاية مايو/أيار 2022، غرفة عمليات مشتركة مع قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية في منطقة تل رفعت حملت اسم “صاعقة الشمال”.

في إدلب: زادت القوات الإيرانية من نشاطها وحضورها في معظم القطاعات العسكرية منذ فبراير/شباط 2022، ومع أن ذلك قد يكون نتيجة تنسيق مسبق مع القوات الروسية في إطار استبدال المهام العسكرية، إلا أنه أثار لاحقًا قلق فصائل المعارضة والقوات التركية في إدلب من استئناف العمليات القتالية في المنطقة، حال شنِّ هجوم على مناطق قوات سوريا الديمقراطية في تل رفعت أو منبج، لاسيما أن إيران تبدو أقل التزامًا من روسيا بالحفاظ على خفض التصعيد في إدلب(6).

في الشمال الشرقي من سوريا: قامت روسيا، ومنذ مطلع يونيو/حزيران 2022، برفع مستوى التنسيق الثنائي مع تركيا عبر زيادة معدل تسيير الدوريات المشتركة ضمن جميع المسارات(7)؛ لإعادة تأكيد الثقة بقدرتها على تنفيذ الالتزامات المتعلقة بإقامة المنطقة الآمنة وفق مذكرة سوتشي (2019)، رغم الانشغال في الصراع بأوكرانيا. ومع أن تركيا أظهرت الاستعداد للتعاون مع روسيا شرق الفرات إلا أنها تمسكت بتنفيذ العملية العسكرية غربه، بما يُظهر أنها لا تُفضِّل تبديد مخاوفها الأمنية بمجرد الاعتماد على أدوات العمل المشترك مع روسيا؛ بل عبر ضمان ذلك بمفردها أيضًا، وهي غالبًا ما تُحاول الضغط على روسيا من أجل السماح بذلك؛ عبر أدوات عديدة مثل تقييد عمليات الإمداد والتجديد المنتظم للقوات الروسية في سوريا جوًّا وبحرًا؛ وهو قرار لم يكن لتركيا أن تتخذه لولا أن الظروف الدولية الراهنة تُساعدها على ذلك.

قد يكون تفضيل تركيا للعودة إلى أدوات العمل المشترك مع روسيا شرق الفرات مرتبطًا بموقف الولايات المتحدة الرافض أيضًا لأي أنشطة عسكرية تُهدد استقرار المنطقة، لاسيما أن القوات الأميركية عملت، ومنذ مايو/أيار 2022، على إظهار أهمية الحفاظ على الاستقرار العسكري في مناطق مثل عين العرب(8)؛ بإعادة تفعيل النشاط ضِمن قاعدة خراب عشق قرب عين العرب من أجل تنفيذ العمليات ضد قادة تنظيم الدولة (داعش) في مناطق حلب وإدلب شمال غرب سوريا.

في مناطق الحسكة، وبخلاف ما هو عليه الحال في مناطق حلب وإدلب، هناك استمرار واضح للتنافس بين القوات الروسية والإيرانية؛ حيث حاولت القوات الإيرانية الاستفادة من تراجع دور موسكو كوسيط بين النظام والإدارة الذاتية بالضغط على الأخيرة لحملها على تقديم تنازلات؛ عبر حصار حي الشيخ مقصود في حلب، في أبريل/نيسان 2022، والذي أدى بالمقابل لقيام قوات الأسايش -قوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية التي أسسها حزب الاتحاد الديمقراطي في مناطق قسد- بحصار القامشلي شمال الحسكة؛ قبل أن تتدخل موسكو وتخفض التصعيد مجددًا بين الطرفين(9).

وغالبًا ما تريد إيران استعادة وتوسيع حضورها في محافظة الحسكة، الذي تراجع منذ أبريل/نيسان 2021 بعد إخراج قوات الدفاع الوطني التابعة لها من حي طي في القامشلي لصالح قوات سوريا الديمقراطية بموجب اتفاق رعته روسيا(10). وبالفعل، فقد زادت طهران من نشاطها في المنطقة بعد انشغال روسيا في أوكرانيا.

في الجنوب من سوريا: هناك أيضًا تراجع واضح لمستوى خفض التصعيد منذ اندلاع الصراع في أوكرانيا حيث زادت القوات الإيرانية من نشاطها العسكري والأمني في محافظتي درعا والقنيطرة بنشر عدد أكبر من القواعد والنقاط العسكرية ورفع حجم ومستوى تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود الأردنية-السورية، وقد تسبب ذلك في قيام القوات الأردنية بتنفيذ عمليات أمنية عديدة على طول الشريط الشائك بين البلدين، إضافة لإجراء محاكاة عسكرية لسيناريو ملاحقة ضد الميليشيات والمهربين في المنطقة الحدودية(11).

ويبدو أن نشاط إيران المتزايد في الجنوب السوري أدى إلى قيام إسرائيل بتوسيع عدد ونطاق ضرباتها الجوية والصاروخية على سوريا؛ بما شمل -لأول مرة منذ تدخلها في سوريا عام 2013- استهداف مطار دمشق الدولي في 10 يونيو/حزيران 2022. من الواضح أن تل أبيب تتخوف من زيادة التنسيق الأمني بين النظام السوري وإيران؛ بعد تراجع دور روسيا، لاسيما أن زيارة بشار الأسد لطهران، مطلع مايو/أيار 2022، ناقشت غالبًا قضية إيجاد بدائل عن صعوبة نقل الأسلحة عبر الطرق البرية(12). وقد يُعطي ذلك تفسيرًا لاستهداف مطار دمشق؛ أي لقطع الطريق أمام طهران لعدم توسيع أو تكثيف استخدام النقل الجوي لشحنات الأسلحة عبر المطارات المدنية. وقد تتخوف إسرائيل أيضًا من أن يؤدي تراجع التنسيق مع روسيا(13)؛ بسبب الصراع في أوكرانيا، إلى زيادة نشاط حزب الله وقوات النظام السوري في منطقة فض الاشتباك (1974).

    الأزمة سياسيًّا

تمر العملية السياسية في سوريا بحالة من الجمود منذ انطلاق مسار الإصلاح الدستوري نهاية عام 2019، وبسبب اندلاع الصراع في أوكرانيا أصبحت “الدبلوماسية البنَّاءة” التي يعتمد عليها المبعوث الأممي، غير بيدرسون، في دعم جهوده من قبل الدول الفاعلة في سوريا أكثر صعوبة(14).

كانت الأمم المتحدة قد تبنَّت منذ نهاية عام 2021 مقاربة “خطوة مقابل خطوة، وخطوة بخطوة” من أجل تطوير العملية السياسية في سوريا(15)، وباتت تعتمد على تضافر الجهود الدولية الدبلوماسية لدعم هذا النهج، الذي يتألف من مجموعة إجراءات متبادلة من النظام السوري والمعارضة في عدد من القضايا، مثل: “المعتقلين والمختطفين والمفقودين، والمساعدات الإنسانية والتعافي المبكر، وشروط العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ الهدوء وتحقيق الاستقرار والتعاون في مكافحة الإرهاب، والمسائل الدبلوماسية”(16).

ورغم مخاوف المبعوث الأممي من تأثير الصراع في أوكرانيا على الدعم الدولي لمقاربة خطوة بخطوة إلا أنها حظيت في مارس/آذار 2022، بدعم من المجموعة المصغرة لأجل سوريا، والتي تضم 11 دولة بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية(17).

قد يكون الدعم الغربي مرتبطًا بمحاولة نقل مناطق النزاع في سوريا إلى مرحلة أكثر تقدمًا يتمكن فيها السكان واللاجئون من الاعتماد على أنفسهم، وبالتالي تخفيف العبء على المانحين خلال السنوات المقبلة؛ فمؤتمر بروكسل لدعم سوريا والمنطقة، الذي عُقدت النسخة السادسة منه بين 9 و10 مايو/أيار 2022، أكد لأول مرة على ضرورة الاهتمام بمسائل التعافي المبكر وليس الإغاثة الإنسانية فحسب. ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال غير واثقة من استمرار منح النظام السوري استثناءات من العقوبات الاقتصادية التي يفرضها قانون قيصر؛ فاللائحة الصادرة منتصف مايو/أيار 2022(18)، والخاصة بمسائل التعافي المبكر أقصت النظام بشكل واضح على خلاف ما قامت به عامي 2020 و2021 عندما منحته بعض الاستثناءات.

عمومًا، أسهم الموقف الغربي الداعم نسبيًّا لنهج الأمم المتحدة، في عقد جولتين من الجولة رقم (7) و(8) من مباحثات اللجنة الدستورية بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2022، لكن دون تحقيق أي تقدم أو اختراق في صياغة إصلاح دستوري. وعلى غرار الدول الغربية والعربية تدعم كل من تركيا وروسيا استمرار العملية السياسية في إطار الإصلاح الدستوري رغم الجمود الذي تمر به المباحثات، ولا يبدو ذلك مرتبطًا فقط بأهمية المسار من أجل الاستقرار ووقف الأعمال القتالية ومكافحة الإرهاب، إنما لكونه يعكس قدرة كل منهما كوسيط على المساهمة في حل النزاع ويحافظ على استمرار آلية العمل المشترك في سوريا؛ باعتبار المسار أحد مخرجات منصة أستانا الثلاثية، التي حرصت أنقرة وموسكو وطهران على انعقاد جولة جديدة منها حملت الرقم (18)، منتصف يونيو/حزيران 2022.

ثانيًا: التغيرات الإقليمية والدولية وسياسات الفاعلين

إن التغيرات الإقليمية والدولية -كالصراع في أوكرانيا ومفاوضات الاتفاق النووي- قد تضع الأزمة السورية أمام أحد خيارين؛ فإما الحفاظ على الوضع الراهن القائم على الاستقرار الهش أو العودة إلى التصعيد مجددًا.

1. تعزيز الاستقرار الهش

إن استمرار الوضع الراهن القائم على الاستقرار الهش في سوريا يعني عدم حصول أي تغيير على خطوط التماس في مناطق خفض التصعيد سواءً بين قوات سوريا الديمقراطية وفصائل المعارضة أو بين الأخيرة وقوات النظام السوري. وبالتالي، تراجع تركيا عن نيتها شن عملية عسكرية جديدة شمال سوريا، وعدم تحول التصعيد الإسرائيلي جنوب البلاد إلى تهديد يُفضي لتغير قواعد الاشتباك وانتهاء التسوية بين النظام والمعارضة السورية بموجب اتفاق عام 2018، الذي جرى توقيعه برعاية روسيَّة.

في الشمال السوري: إن تخلي تركيا عن العملية العسكرية مرتبط بإصرار الولايات المتحدة وروسيا وإيران على رفض أي تحرك يُهدد الاستقرار القائم، مقابل حصولها على ضمانات جديدة بإخراج حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من مناطق تل رفعت ومنبج ضمن خارطة طريق جديدة، أو أي أدوات أخرى تسهم في حصولها على تطمينات كإقامة نقاط عسكرية مشتركة مع روسيا أو تنفيذ عمليات أمنية مشتركة معها أو حتى القبول بدخول قوات النظام السوري لتلك المناطق أو التعامل معها كمناطق منزوعة من السلاح والمقاتلين. وطالما أن دوافع أنقرة لشنِّ عملية عسكرية مرتبطة أيضًا بتوفير بيئة آمنة لعودة اللاجئين فإن ذلك قد يحملها على المطالبة بإعادة تفعيل المنطقة العازلة في إدلب المنصوص عليها بمذكرة سوتشي (2018)، والتي سيطرت عليها قوات النظام السوري عام 2020.

وغالبًا لن تكتفي تركيا بالإجراءات العسكرية والأمنية التي قد يجري تقديمها من قبل الفاعلين الدوليين لثنيها عن العملية العسكرية شمال سوريا، بل قد تُطالب بحزمة إجراءات اقتصادية أيضًا لتعزيز استقرار المنطقة ودعم المشروع الذي أعلن عنه الرئيس رجب طيب أردوغان، مطلع مايو/أيار 2022، ويهدف لتوفير بيئة لعودة مليون لاجئ من تركيا إلى الشمال السوري بشكل طوعي بعد إنشاء 13 منطقة تحوي 200 ألف وحدة سكنية(19).

هذا يتطلب منح استثناءات من العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة بموجب قانون قيصر، على أن يشمل ذلك عموم مناطق الشمال السوري الواقعة ضمن نطاق المنطقة الآمنة التي تُطالب بها تركيا، بما في ذلك إدلب وعفرين، دون أن يطول مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. يُمكن توقع هذا الموقف من تركيا مقارنة مع رد الفعل المتحفظ الذي أبدته بعد إعلان الولايات المتحدة منح استثناءات لمناطق شمال شرق وشمال غرب سوريا، منتصف مايو/أيار 2022[1](20).

على أية حال، إن إصرار الفاعلين الدوليين على إبقاء الوضع في الشمال السوري قد يكون نتيجة رغبة من الولايات المتحدة بعدم توسيع المواجهة مع روسيا لتشمل سوريا وأوكرانيا، واستمرار “تطلعها” للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وهذه الأخيرة تبذل بدورها جهودًا دبلوماسية لمنع أية عملية عسكرية تركية من خلال التوسط وإقامة حوار بين النظام السوري وتركيا لتقليل المخاوف الأمنية(21).

في الجنوب السوري: إن إعادة الثقة باتفاق خفض التصعيد واستمرار أو تطوير العمل به يقتضي حصول إسرائيل على تطمينات كثيرة سواء من روسيا أو الولايات المتحدة، وتتعلق تحديدًا بنفوذ إيران في سوريا ولبنان. وبالتالي، ضمان إبعاد القوات الإيرانية مسافة 80 كم عن الشريط الحدودي مع الجولان المحتل بما في ذلك عدم دخول قوات النظام السوري لمنطقة فض الاشتباك، إضافة إلى ضمان عدم استمرار تدفق الأسلحة الإيرانية إلى سوريا ولبنان سواء عبر الطرق البرية أو الجوية. ولا يعني حصول تل أبيب على تلك الضمانات أو التطمينات توقفها بالضرورة عن تنفيذ ضربات جوية ضد مصالح إيران في سوريا سواء بإعادة قنوات الاتصال العسكرية مع روسيا أو بزيادة التنسيق مع الولايات المتحدة والأردن لاستخدام أجواء المملكة الشمالية وأجواء قاعدة التنف في سوريا، وقد بلغ عدد الضربات الإسرائيلية خلال النصف الأول من عام 2022 قرابة 15 غارة.

واستمرار إسرائيل بتنفيذ الضربات الجوية في سوريا مرتبط بعدم تخليها عن إستراتيجيتها “المعركة بين الحروب” التي تهدف لإضعاف إيران وحلفائها ومنعهم من الاستقرار ومراكمة القوة(22). كما أن الحفاظ على الاستقرار في المنطقة الجنوبية من سوريا لا يعني عدم وقوع مواجهة محدودة بين إسرائيل والقوات الإيرانية لكن دون أن تؤثر على الوضع الراهن.

عمليًّا، يرتبط الاستقرار في الجنوب السوري بعاملين رئيسيين، هما: استمرار تراجع التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا بسبب الصراع الأوكراني، ونتائج المباحثات بين إيران والولايات المتحدة حول الاتفاق النووي، ورغم التعثر المستمر في المفاوضات -وآخرها تلك التي عُقدت بشكل غير مباشر في الدوحة- إلا أن استمرار مبدأ التفاوض يساعد العقوبات الأميركية على ممارسة تأثيرها لتخفيض نشاط القوات الإيرانية في جنوب سوريا ووضع خارطة طريق لخروجها.

لا توجد لإيران مصلحة في تحويل أي صدام مع إسرائيل في الجنوب السوري إلى مواجهة مفتوحة أو واسعة، لأن مصالحها تقتضي عمليًّا استمرار الاستقرار الهش في عموم البلاد، خاصة في حال التوصل لاتفاق نووي مقبول لديها. وهذا النوع من الاستقرار يساعد إيران على تحقيق بعض مساعيها لتعويض ما استطاعت من تكلفة نفقاتها في سوريا، والتي تتراوح قيمتها فيما يبدو بين 20 و30 مليار دولار(23)، عَبْر ضمان الانخراط الفعال في عمليات إعادة الإعمار أو التعافي المبكر. وبالتالي، توسيع الاستحواذ على الاقتصاد السوري الذي لا تتجاوز حصة إيران فيه 3%(24).

بناءً على ما سبق، سيُوفر الحفاظ على خفض التصعيد في سوريا فرصة لاستمرار العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وضامنو مسار أستانا، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة نجاح مقاربة “الخطوة بخطوة”، خصوصًا إذا رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الإقدام على خطوة رفع العقوبات عن النظام السوري سواءً لتعثر الاتفاق النووي مع إيران أو لاشتراط مسبق بتطبيق حزمة من تدابير بناء الثقة، كوقف استهداف البنية التحتية وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق للمحتاجين في جميع أنحاء البلاد ووقف الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب وإنشاء آلية محايدة للتحقيق بالانتهاكات(25).

وعلى فرض تعثر مقاربة “الخطوة بخطوة” قد تلجأ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع تركيا لاتخاذ مزيد من الإجراءات بهدف تعزيز الاستقرار الهش في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوي، أي شمال شرق وشمال غرب سوريا، على غرار لائحة الإعفاءات التي أصدرتها الخزانة الأميركية، منتصف مايو/أيار 2022، وأقصت مناطق النظام منها. قد يكون ذلك أكثر إلحاحًا إذا ما قررت روسيا إيقاف آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، وما يترتب عليه من إغلاق معبر باب الهوى وحرمان مناطق شمال غرب البلاد من الاستجابة الطارئة، وبالتالي ضرورة توفير بدائل للمساعدة في المنطقة.

إن تعزيز الاستقرار الهش في مناطق شمال شرق وشمال غرب سوريا، والذي يشبه إلى حدٍّ كبير المبادرة البحثية التي حملت عنوان “التجميد والبناء”(26)، يُمكن أن يُصبح الاستقرار الهش أداة فعالة لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للضغط على روسيا وإيران، من خلال الحفاظ على العقوبات على النظام السوري أو حتى تشديدها والامتناع عن منحه أي استثناءات والالتزام بمواصلة جهود المساءلة، مقابل العمل على فرض الاستقرار العسكري والأمني في المناطق الخارجة عن سيطرته وتعزيز التنمية الاقتصادية فيها.

2. عودة تصعيد النزاع

إن عودة تصعيد النزاع في سوريا تعني تغير قواعد الاشتباك وخطوط التماس في مناطق شمال وجنوب البلاد سواءً بين قوات سوريا الديمقراطية وفصائل المعارضة أو بين الأخيرة وقوات النظام السوري. وتعني أيضًا إصرار تركيا على شن عملية عسكرية جديدة في سوريا، واحتمال انتهاء التسوية القائمة في محافظتي درعا والقنيطرة منذ عام 2018، وربما تخلي التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة عن التزام باتفاق خفض التصعيد في المنطقة 55 بقاعدة التنف.

وأسباب عودة التصعيد عديدة تتراوح بين ما هو دولي وإقليمي، كعدم قناعة تركيا بكل التطمينات التي قُدمت إليها للتخلي عن العملية العسكرية في شمال سوريا، ووجود فرصة دبلوماسية لضمان عدم الاصطدام بالقوات الأميركية والروسية والإيرانية أو أحدها. كذلك، رغبة إسرائيل بعدم العودة للاتفاق النووي واستمرار التوتر في الحدود البحرية مع لبنان، وعدم قناعة إسرائيل بأي ضمانات لتقليص نفوذ ونشاط إيران جنوب سوريا، ورغبة الولايات المتحدة بنقل المواجهة مع روسيا إلى سوريا وعدم اقتصارها على أوكرانيا.

في الواقع، إن عودة التصعيد في سوريا لن تؤدي إلى تغيير قواعد الاشتباك في سوريا فقط بل احتمال إعادة تعريف أدوار وسياسات الفاعلين وحتى الأزمة السورية.

خاتمة

مثلما أدى تدخل روسيا في سوريا عام 2015 إلى تغير خارطة السيطرة والنفوذ بين الفاعلين المحليين، يبدو أن تدخلها في أوكرانيا قد ينعكس على قواعد الاشتباك التي فرضتها في سوريا منذ 7 سنوات. إن انهيار نظام وقف إطلاق النار في شمال أو جنوب سوريا أو كليهما والعودة إلى تصعيد النزاع مرتبط بسياق تغير مواقف وسياسات الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا. وهو سياق تحكمه المباحثات الثنائية أو المتعددة بين الفاعلين الدوليين والإقليميين.

ومع أن أسباب عودة التصعيد في سوريا قائمة بقوة إلا أن فرص الحفاظ على الوضع الراهن وتعزيز الاستقرار الهش تبدو أكثر، لاسيما في حال قررت الولايات المتحدة عدم نقل المواجهة مع روسيا من أوكرانيا إلى سوريا، غير أن ذلك لا يكفي للحيلولة دون تنفيذ تركيا عملية عسكرية جديدة في شمال البلاد. وحتى في حال إصرار تركيا على تنفيذ عملية في محافظة حلب ضمن منطقتي تل رفعت ومنبج أو إحداهما، فإن ذلك لا يعدم فرص الحفاظ على الوضع القائم في بقية خطوط التماس شرق الفرات، وبالتالي إمكانية التعاون بين أنقرة وواشنطن لتعزيز الاستقرار الهش بعد التغير المحدود الذي قد يطرأ على خريطة السيطرة والنفوذ في سوريا.

نبذة عن الكاتب

عبد الوهاب عاصي

باحث رئيسي في مركز جسور للدراسات، مختص في الشأن السوري، تُغطي اهتماماته البحثية سياسات وتفاعلات القوى المحلية والدولية في سوريا. له مساهمات وبحوث عدة، منها: “تنظيم داعش في سوريا: عودة الظهور والمستقبل المتوقع”، و”تحولات المواقف العربية والإقليمية إزاء النزاع في سوريا”، و”مُستقبَل القوات الأجنبية في سوريا”، و”نماذج اندماج فصائل المعارضة المسلحة مع القوات الرسمية في سوريا”.

مراجع

    “خريطة السيطرة العسكرية في سورية نهاية 2021 وبداية 2022″، مركز جسور للدراسات، 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/LTbe0.

    “مقايضات سهلت تمديد قرار عبور المساعدات عبر الحدود في سوريا”، عنب بلدي، 16 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/HvjXZ.

    “لافروف: لم يتبق عمليًّا أي مهام عسكرية لقواتنا في سوريا وإنما ضمان الاستقرار والأمن”، روسيا اليوم، 26 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 9 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/zqimR.

    “نص الإعلان التركي الروسي المشترك عقب قمة أردوغان-بوتين (وثيقة)،” وكالة الأناضول، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/7M10b.

    مقابلة عبر الهاتف مع قائد عسكري في الجيش الوطني السوري، 21 يونيو/حزيران 2022.

    مصدر سابق، مقابلة مع قائد عسكري في الجيش الوطني السوري.

    “ارتفاع كبير في معدل الدوريات المشتركة التركية والروسية في سورية.. ما الدلالة؟​”، مركز جسور للدراسات، 30 يونيو/حزيران 2022، (تاريخ الدخول: 1 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/6hepc

    “بعد 3 أعوام من انسحابها.. أميركا بصدد العودة إلى قاعدة في عين العرب​”، تليفزيون سوريا، 10 يونيو/حزيران 2022، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/3mD9Z.

    “حصار متبادل في الشيخ مقصود والقامشلي بين قسد والنظام السوري.. الأسباب والسيناريوهات”، مركز جسور للدراسات، 12 أبريل/نيسان 2022، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2022): https://cutt.us/hlRg1

    “مصادر لـ RT: حل مرتقب للتوتر في القامشلي و”الشيخ مقصود” بسوريا بوساطة روسية”، روسيا اليوم، 14 أبريل/نيسان 2022، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/fTWnY.

    تامر الصمادي، “ما علاقة ماهر الأسد والميليشيات المسلحة؟.. تفاصيل مواجهة أردنية سورية مكتومة عنوانها تهريب السلاح والمخدرات”، الجزيرة نت، 23 فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/CtD3c.

    ”Iran official says Iran won’t replace Russia in Syria,” Jerusalem Post, Jun 5, 2022, “accessed June 23, 2022” https://cutt.us/ucSf9.

    “مؤشرات على تراجُع التنسيق الروسي الإسرائيلي في سورية”، مركز جسور للدراسات، 24 فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/3nSi7.

    “إحاطة المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون إلى مجلس الأمن”، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام في سوريا، 24 مارس/آذار 2022، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/o12Qo.

    “إحاطة المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون إلى مجلس الأمن”، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام في سوريا، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/rhXh0.

    “إحاطة المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون إلى مجلس الأمن”، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام في سوريا، 26 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/MQxrM.

    ”Joint Statement of the Syria Special Envoy Meeting,” U.S. Department of State, Mar 3, 2022, “accessed June 17, 2022”. https://cutt.us/jNteh.

    ”Authorizing Activities in Certain Economic Sectors in Non-Regime Held Areas of Northeast and Northwest Syria,” OFFICE OF FOREIGN ASSETS CONTROL, May 5, 2022, “accessed June 13, 2022”. https://cutt.us/y7nz2.

    “أردوغان: أكثر من مليون سوري مستعدون للعودة الطوعية”، وكالة الأناضول، 9 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/ftY86

    Ibid, ”Joint Statement of the Syria Special Envoy Meeting,”.

    “زيارة أمير عبد اللهيان إلى أنقرة ودمشق والمعارضة الصريحة لعمل عسكري تركي محتمل في المنطقة”، وكالة فارس للأنباء، 3 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/3zpoc.

    شفيق شقير، “لبنان في مواجهة تحدي منصة الغاز الإسرائيلية “كاريش”،، مركز الجزيرة للدراسات”، 7 يونيو/حزيران 2022، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.us/nr4Mh.

    “برخی روسای جمهور سعی می‌کنند مجلس را از رأس امور بیندازند،” اعتماد آنلاین، 8 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/Y5hWE.

    “ترکیه ۳۰ درصد اقتصاد سوریه را گرفته، ایران ۳ درصد!،” ایسنا، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.us/PEDUC.

    ”A Path to Conflict Transformation in Syria A Framework for a Phased Approach,” The Carter Center, Jan, 2021, “accessed July 1, 2022”. https://cutt.us/AnKRt.

    Charles Lister,” Freeze and Build: A Strategic Approach to Syria Policy,” Middle East Institute, Mar 14, 2022, “accessed June 30, 2022”. https://cutt.us/25vfS.

—————————————

اللاعبون الدوليون شمال سوريا أمام خيارات صعبة… وتركيا مصممة على إتمام المنطقة الآمنة/ هبة محمد

يلخص المشهد شمال سوريا كما يلي: «رسائل مباشرة» تركية – روسية – إيرانية للضغط والكسب السياسي والعسكري فيما يجري سراً وعلناً اللاعبون المؤثرون في سوريا مفاوضات «حافة الهاوية» وسط تحركات عسكرية مكثفة، لاسيما أن تركيا جادة تماماً في إيجاد منطقة آمنة و»تحرير» المناطق المحاذية لحدودها الجنوبية من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، بينما يبقى الوجود الروسي في شمال سوريا، وقوات النظام و»قسد» موضع تساؤل عن دور هذه القوى فيما إذا بدأت الحملة العسكرية التركية المرتقبة التي تهدف إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني وامتداداته.

ونظراً لما تشهده الساحة السورية من تطورات قفزت إلى مرحلة متطورة من التسخين، ينشغل مراقبون في الإجابة عما إذا كانت هذه الدول ستفرط بمصالحها الكبرى من أجل قسد، وما هي فحوى الرسائل الروسية من دفع نحو 600 مظلّي روسي من القوات الفاعلة والقوية، المجهزة والمدربة على أعلى مستوى إلى مطار القامشلي، البعيد فعلياً عن مركز الأحداث، وماذا سيكون موقف النظام السوري أمام الضربات التركية، ووضع «قسد».

وما أثار المزيد من التساؤلات، تعزيز قوات النظام السوري مواقع جديدة لها ضمن مناطق سيطرة «قسد»، وإرسالها رتلًا هو الأضخم من نوعه، يضم نحو 500 جندي وأكثر من 50 آلية، إلى نقاط التماس في منبج في ريف حلب الشرقي وعين عيسى في ريف الرقة الشمالي، حيث تزامن ذلك مع اكتمال التحضيرات التركية وتحضيرات الجيش الوطني للحملة لتقليص نفوذ قوات سوريا الديمقراطية. ويجمع مراقبون، أن روسيا تريد إعادة التأكيد على قدرتها على استخدام القوّة العسكرية، والتأكيد على عدم السماح بتجاوزها في أي اتفاق سيتم في الشمال السوري، كما أنها توجه رسالة لقسد بضرورة القبول بمبادراتها بعقد اتفاق مع النظام السوري، بينما لا يسمح وضع ايران الآن لها بإزعاج الجانب التركي وهو صاحب الرسالة الواضحة.

تعزيزات روسية – سورية

وتحدثت شبكات إخبارية روسية عن وصول تعزيزات عسكرية روسية من فرقة المظليين التابعة للجيش الروسي إلى شمال شرقي سوريا، وحسب ما نشرته وكالة «الربيع الروسي Rusvesna» بالروسية، الاثنين الفائت، فإن حوالي 300 جندي مظلّي روسي بذخيرة كاملة وصلوا عبر طائرات روسيّة، إلى مطار القامشلي الدولي.

ونشرت الوكالة صوراً لِما قالت إنّه وصول الجنود المظليين، مضيفةً أنّ طائرتين تحملان مئات الجنود الروس أيضاً وصلتا إلى المنطقة، قبل يومين، وأنّه في غضون أسبوعين فقط، نُشر نحو 600 جندي روسي في شمال شرقي سوريا. وفي أيار الماضي، وصلت تعزيزات عسكرية روسية إلى مطار القامشلي الدولي، تضمنت مقاتلات روسية من طراز SU-34 وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز Ka-52، ووفق وكالة «سوبتنيك»، وصلت حينها بالتزامن مع التصريحات التركية التي هددت بشن عملية عسكرية جديدة في تلك المناطق.

في موازاة ذلك، أكدت مصادر محلية، أن رتلاً عسكرياً لقوات النظام يضم دبابات ومدافع وناقلات جند انسحبت من منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي وتوجه إل مدينة عين العرب، مروراً في مدينة منبج شرقي حلب. وقالت المصادر إن رتلا لقوات النظام يحوي أكثر من 50 آلية دخل مناطق «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) من معبر التايهة في ريف منبج.

الخبير في الشؤون الروسية – السورية، محمود حمزة قرأ التحركات العسكرية شمال سوريا، بأنها في غاية الجدية وهي مقدمة لأعمال عسكرية سنشهدها قريبًا، وقال حمزة لـ «القدس العربي» تركيا جادة تماماً في إيجاد منطقة آمنة وتحرير المناطق المحاذية لحدودها من قسد وغيرها». وحول مواقف الدولة الفاعلة، وهل روسيا بصدد التدخل، قال حمزة «روسيا غير موافقة ضمنياً على العملية التركية، لكنها مجبرة على قبولها على مضض وقد يضمر الروس من ذلك، الرغبة بالاصطدام التركي – الأمريكي».

ورغم الرفض الروسي للعملية، إلا أن موسكو «لن تدخل في مواجهة عسكرية مع تركيا بأي شكل من الأشكال، فهي نبهت وطلبت من الأتراك وحاولت إقناعهم حسب تصريحات المسؤولين الروس بالابتعاد عن العملية غير العقلانية، حسب وصفهم، لكن لم يعبروا بلهجة شديدة معارضتهم للحملة التركية، إنما كانت انتقادات دبلوماسية».

واعتبر حمزة أن الموقف الروسي، ناجم عن حاجة موسكو الماسة لتركيا، بسبب «الغرق الروسي في المستنقع الأوكراني، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الهائلة، هو ما يجبر روسيا على التوجه لتركيا، التي باتت المتنفس الاقتصادي والتجاري لها في هذه الظروف الصعبة، بالتالي لا يمكن أن تضحي بعلاقات التعاون الواسعة من أجل قسد وغيرها». أما الرسالة من الدفع بالمظليين إلى القامشلي، فقال حمزة «هذه القوات هي قوات فاعلة وقوية للغاية وطالما أن القامشلي بعيدة نسبياً، فقد تكون رسالة للأمريكان ولغيرهم مفادها أننا موجودون هنا».

وحيال الموقف الإيراني، أبدى المتحدث اعتقاده بأن طهران «لن تتدخل في المعارك لأنها أيضاً في وضع صعب وتصريحات عبد اللهيان تدل على مرونة بالموقف الإيراني وفي تفهم للمخاوف الأمنية التركية لمصالح كبرى، فتركيا هي الدولة الوحيدة التي لم تعترف بالعقوبات على إيران وعلى الروس، فكلاهما في حاجة ماسة للتعاون التجاري والاقتصادي والمالي مع تركيا».

أما النظام السوري فلا يمكن أن يجابه مع «قسد» وفق قول المتحدث الذي أضاف «ستجري السيطرة على تل رفعت ومنبج وقد تكون هناك خسائر كبيرة بين الطرفين، لكن النظام لن يتجرأ على الدخول في المعركة خوفاً من الجيش التركي الذي قد يلقنه درساً صعباً» وهو ما اتفق معه المحلل السياسي محمد سرميني الذي قال لـ «القدس العربي» إن النظام السوري «لم ولن يجابه أي حملة تركية، وذلك لإدراكه عدم قدرته السياسية أو العسكرية على مواجهتها». وتبقى «قسد» الورقة الضحية التي يستخدمها الأمريكان والروس والأتراك والإيرانيون والنظام، وهي الطرف الذي سيدفع الثمن الأكبر، وفي هذا الإطار قال حمزة «قوات سوريا الديمقراطية الانفصالية هي الخاسر الأكبر بالنتيجة، وهي من يمارس الإرهاب في الجزيرة وشرق الفرات وهي من نهب خيرات المنطقة كلها وحولتها إلى جبال قنديل لصالح حزب العمال الكردستاني».

القوى الفاعلة في المنطقة

ولفهم طبيعة القوات المتواجدة في المنطقة، قال المحلل عمار فرهود: القوات الموالية للنظام السوري هي قوات في غالبها دفاعية وليست هجومية ولذلك فهي تفكر في جعل العملية التركية أكثر تكلفة بالعتاد والعُدد، وتتألف من تشكيلات رئيسية هي حسب القوة والسيطرة: اللواء 16 مدفعي «تبعية روسية» الحرس الجمهوري، الفرقة الثالثة دبابات، الفرقة الرابعة، الفرقة الأولى دبابات، اللواء 16 والحرس الجمهوري، هو من يدير سلاح المدفعية المنتشر بشكل رئيسي حول مدينة حلب.

أما القوات التركية فتتميز بقوتها الهجومية ومواقعها الحاكمة في هذه المعركة وامتلاكها لزمام المبادأة العسكرية في الميدان، كما أنها دعمت قواتها هناك بعدد من قوات المشاة والمدفعية. الحشد المتابع في هذه المنطقة يشير بوضوح إلى استعراض للقوة بالتزامن مع الاستعداد لعمل عسكري في المحور. أما القوات الإيرانية فهي بغالبها قوات وكيلة وليست أصيلة «أي من ميليشيات إيران وليست من جيش إيران». ويتركز الوجود الإيراني بشكل كبير من محور مارع إلى نبل والزهراء وتتواجد في هذا المحور قوات من «حزب الله اللبناني – فاطميون – قوات نبل والزهراء – مجموعات من الفوعة وكفريا». وطبيعة هذه القوات هي أنها قوات ليست ذات كفاءة قتالية عالية في العمليات الهجومية وإنما تتقن العمليات الدفاعية وحرب العصابات بشكل متقدم عن نظيراتها السورية «نظاماً ومعارضةً» وأبرز ما يميز تسليحها هي الصواريخ المضادة للدروع وسلاح الهاون.

وترجم فرهود التواجد العسكري الروسي في القامشلي لـ «القدس العربي»: بأنه يهدف «لتحقيق مكاسب أكبر من الجانب الكردي وتحقيق مكاسب من الجانب التركي قدر المستطاع» كما قرأ الخبير الرسائل العسكرية الروسية، على أنها إرادة روسية بعدم تجاوزها في أي اتفاق سيتم في الشمال السوري دون تعريض العلاقة مع تركيا للخطر، عازياً ذلك إلى الموقف التركي الجيد من الحرب الروسية على أوكرانيا.

تحاول روسيا وفق المتحدث، إيصال رسالة للقوات الكردية بضرورة القبول بالمبادرة والضمانة الروسية لعقد اتفاق مع النظام السوري وهو ما لم تبدي القوات الكردية اي انفراجة فيه بسبب اطمئنانها للحليف الأمريكي. واعتبر المتحدث أن المناكفة الروسية الآن في القامشلي، هي بالدرجة الأولى مع الولايات المتحدة كونها منطقة نفوذ أمريكية، ومع الإيرانيين بالدرجة الثانية خاصة أن روسيا كانت قد طلبت من عناصر لحزب الله مغادرة مطار القامشلي قبل فترة وجيزة، وهو ما اتفق معه المحلل السياسي باسل معراوي الذي رأى أن المنازعة في القامشلي هي مع واشنطن كونها منطقة نفوذ تابعة لها وعاصمة ما تسمى الإدارة الذاتية، كما أنها تدخل ضمن انهيار كل التفاهمات بين الروس والأمريكان التي كانت سارية وقطع الأمريكان لكل وسائل التواصل، لاسيما بعد قصف الطائرات الروسية لقاعدة التنف تحت حجج واهية.

وقال المعراوي لـ«القدس العربي» تسعى موسكو لحافة هاوية من أجل إجبار الأمريكان على إعادة التنسيق معها في سوريا، ولم يعلن أي مسؤول تركي نية بلاده باقتحام القامشلي الآن، لأن الوضع معقد فيها، كما أن التركيز التركي على منبج وعين العرب، وفقاً لما أعلن عنه الرئيس التركي بعد قمة مدريد حيث قال إن العملية سيفهمها العالم (بمعنى كما نفذت العمليات الاربع السابقة) اجتياح بري واستحواذ على الأرض وطرد «الإرهابيين» وليست ترتيبــــات أمنية فقط.

أما روسيا فمصالحها أعمق مع تركيا خاصة تتجاوز الملف السوري كله، وفق المتحدث، بينما وضع إيران الآن لا يسمح لها بإغضاب الأتراك، وكلام وزير الخارجية واضح يوم الاثنين الماضي في أنقرة، لم يأت ما ينسخه بزيارته لدمشق بل تكلم عن أمنيات بتحقيق تفاهم تركي مع النظام يتيح حل المشاكل العالقة.

أما الرسالة التركية المباشرة، فكانت وفق المحلل السياسي معراوي، فهي «واضحة عبر قصف مفرزة أمن عسكري لقوات النظام في مستودع الجمعية الفلاحية بتل رفعت، وهي موجهة ويفهمها النظام وإيران، وتفيد بأنه من غير مسموح التواجد في تلك المنطقة وسيتم التعامل معهم عسكرياً».

المشهد باختصار

المشهد السوري بالجملة، وصفه المحلل السياسي محمد سرميني بالقول: هناك أشبه ما يُمكن وصفه بمفاوضات حافة الهاوية بين ضامني أستانة؛ فروسيا تريد إعادة التأكيد على قدرتها على استخدام القوّة العسكرية، وفي ذات الوقت تأكيد قدرتها على ضمان تنفيذ الالتزامات المتعلّقة بإنشاء المنطقة وفق آلية العمل المشترك، لا سيما بعد زيادة معدّل ونطاق تسيير الدوريّات المشتركة مع تركيا خلال حزيران/ يونيو الفائت.

أمّا إيران فتعتبر العملية العسكرية تهديداً لنفوذها ومصالحها شمال سوريا، بما في ذلك تغيُّر خارطة السيطرة لصالح المعارضة على حساب النظام، وطهران تُفضّل أن يكون أي نشاط عسكري لتركيا في سوريا بناءً على عودة التنسيق مع النظام السوري. ويبدو أنّ إيران تريد أن تدفع تركيا للقبول بمبادرتها للوساطة مع النظام السوري، عبر التهديد باستخدام القوّة وإظهار القدرة على ضمان مصالحها وحماية أمنها.

القدس العربي

———————–

تركيا الأردوغانية؛ مطامع بفوهة المدافع!

مركز أبحاث ودراسات مينا –

مشاركة

الملخص التنفيذي:

حزب العدالة والتنمية؛ الأردوغاني القيادة اليوم، لا يقوم إلا بتغيير الأقنعة والخطابات، من حيث عثمنة سياسته تجاه الدول العربية! فهو بالتأكيد هذه المرة يهتم كحزب ومن وراءه الحكومة التركية أو العكس بسوريا من مجموعة زوايا؛ تصب كلها في خدمة الاستراتيجية التركية؛ العثمانية السياسة، وهذا طبيعي وفقاً لمنطق القوة نفسه، أما منطق العدالة والديمقراطية وما إلى ذلك من مفاهيم فهي ليست إلا للاستثمار داخل وخارج تركيا، الأمر الذي يحتم علينا دراسة التوسع التركي اليوم داخل سوريا، عبر العلاقة بين الإيديولوجية الإسلامية التي يحملها الإخوانيون (العثمانيون الجدد)، وبين العسكر الطوراني بعد أن تمكن أردوغان مؤخراً من نزع الطابع العلماني عنه؛ وأعاد احتواءه؛ بإعادة هندسته بما يتوافق مع رؤية أردوغان نفسه.

حول الاستراتيجية التركية تجاه سوريا؛ تقوم هذه الورقة بمناقشتها من خلال المحاور التالية:

    العثمنة في سياسة حزب العدالة والتنمية.

    الاستثمار التركي في أخطاء الآخرين!

    قبر سليمان شاه مسمار جحا التركي في سوريا

    عملية شاه فرات

    التهديدات الأردوغانية الأخيرة بالحرب على سوريا

    الخاتمة

ملف الدراسة

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.

—————————

وزير الدفاع التركي:لسنا بانتظار إذن أحد للعملية في سوريا

أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار الأحد، أن بلاده تسير وفقاً لخطط عسكرية واستراتيجية للتعامل مع التهديدات الخطيرة التي تواجه الجيش التركي في سوريا والقادمة على وجه الخصوص من منطقتي منبج وتل رفعت في شمالي شرقي حلب، مشيراً إلى أن أنقرة بصدد القيام بعملية عسكرية كما حددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “عندما يحين الوقت والزمان المناسبين، وقد تأتي على حين غرة”.

وشدّد آكار خلال مقابلة مع قناة “هايبر غلوبال” التركية، على أن تركيا ليست بصدد الحصول على الإذن للقيام بكل ما يلزم من أجل حماية مصالحها وحدودها قائلاً: “شاركنا الجميع بشفافية في عملياتنا العسكرية في شمال سوريا؛ لذلك لا نحصل أبداً على إذن من أي شخص للقيام بكل ما يلزم، كل ما يحتاج من أجل هذا فعلناه وسنفعله”.

ورداً على سؤال فيما إذا كان الرئيس التركي قد تلقى نصائح من الولايات المتحدة خلال القمة الأخيرة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، لتأجيل أو إلغاء العملية العسكرية المرتقبة في سوريا، قال أكار: “لم يحدث شيء من هذا القبيل، وكما ذكر رئيسنا أنه لا جدال في قبول أو الاستماع لمثل هذا الشيء”.

وتابع: “لقد فعلنا كل ما يجب القيام به لضمان أمن بلادنا وأراضينا تحت قيادة رئيسنا، ونحن مصممون وعازمون على القيام بذلك في المستقبل، نحن قادرون على ذلك أيضاً”، ثم استدرك: “بالطبع هي مسألة استراتيجية؛ لذلك تعقد لقاءات ومحادثات ضرورية مع الأشخاص والمؤسسات ذات الصلة بها، وبناءً على خططنا ومصالحنا؛ وضعت الخطط والإجراءات المتعلقة بكل ما يجب القيام به وسيتم تنفيذها”.

وأشار الوزير التركي إلى وفاء أنقرة بالاتفاقات المتعلقة بسوريا التي عقدتها مع كل من واشنطن وموسكو في 2019، مبيناً أنها تنتظر منهما “الوفاء بالتزاماتهما” تجاه تركيا؛ من دون وضع الأمر في “طريق مسدود ومآزق بأي طريقة ممكنة”.

ولفت إلى أن أنقرة لا تقصد من خلال عملياتها المستمرة باستهداف الإرهابيين خارج الحدود التركية في سوريا والعراق المكون الكردي، وإنما هدفها هو القضاء على “الإرهابيين” من حزب “العمال” الكردستاني فقط في هذه المناطق، معتبراً إياه كياناً إرهابياً واحداً” مع وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، واصفاً الأمر ب”الحقيقة التي لا يمكن أن تتغير”.

والسبت، قام آكار بزيارة إلى ضريح سليمان شاه، جد المؤسس الأول للدولة العثمانية عثمان بن أرطغرل، في قرية آشمة شمالي ريف حلب، بالتزامن مع زيارة أجراها رئيس النظام السوري بشار الاسد للمرة الأولى إلى محافظة حلب، منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011.

وقالت وكالة “الأناضول” إن آكار الذي وصل برفقة رئيس الأركان يشار غولر، وقادة القوات البرية والجوية والبحرية، إلى ولاية غازي عنتاب التركية؛ “انتقلوا إلى داخل الحدود السورية بغرض زيارة قبر سليمان شاه”، موضحة أن زيارة الضريح سبقتها “جولة تفقدية للتدابير الأمنية على الحدود التركية-السورية، بواسطة طائرة مروحية”.

وأضافت الوكالة أن آكار والمسؤولين الأتراك “تلقوا إحاطة من الضباط حول تزايد الهجمات الإرهابية في شمال سوريا، كما تفقدوا سرية الحدود الثامنة، وقدموا التهاني للجنود والضباط بمناسبة حلول عيد الأضحى.

المدن

—————————-

ديرالزور: العشائر العربية ترفض القتال مع قسد ضد تركيا

رفضت غالبية قوات مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد التوجه نحو مناطق شمال سوريا، حيث تعتزم تركيا شن عملية عسكرية بالتعاون مع الجيش الوطني السوري المُعارض، ضد وحدات حماية الشعب الكردية.

ودعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى الحشد على خطوط التماس مع مناطق سيطرة الجيش الوطني، وطلبت جميع المجالس العسكرية التابعة لها، وبينها مجلس دير الزور إرسال أعداد من المقاتلين إلى للشمال.

وقال مصدر خاص ل”المدن”، إن “اجتماعين أجرتهما قيادة قسد خلال الأيام الماضية في مدينة الرقة وفي بلدة الصور شمال دير الزور، طلبت خلالها قيادة قسد من قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل (أبو خولة) إعداد وتجهيز ألفي مقاتل من قواته لإرسالهم إلى مناطق في الشمال بهدف التصدي للعملية التركية، إلا أن عدداً من قادة مجلس دير الزور العسكري أبلغوا قيادة  قسد أن عناصرهم يرفضون فكرة الإشتراك بهذه المعارك جملةً وتفصيلاً، وهددوا بالانفصال عن قسد نهائياً في حال إصرارها على طلبها”.

 وأضاف المصدر أن أحمد الخبيل يتعرض لضغوط كبيرة كونه لا يملك السيطرة الكاملة على عناصر قواته ذات التركيبة العشائرية المُعقدة، حيث رفض أبناء قبيلتي العكيدات والبقارة من المنتسبين لقسد، هذا القرار، وأبلغوا قيادتهم برفضهم التوجه إلى الشمال، وترك دير الزور معتبرين أن هذه المعركة مع تركيا لا تعنيهم”.

وقال الناشط محمد الخالد ل”المدن”، إن “غالبية عناصر قسد من أبناء عشائر دير الزور كانوا ولا يزالون يرفضون الانخراط في أية معارك بين تركيا وبين حزب الاتحاد الديمقراطي، ويصّرون دوماً على أنها معارك لا تعنيهم، وهم حذرون من محاولات قسد المتواصلة الزجّ بهم في معاركها ضد تركيا”.

ويبدو أن هناك أسباباً أخرى تتعلق برفض أبناء دير الزور القتال ضد الجيش الوطني في الشمال، وهو أن القوتين تتكونان بالغالبية من أبناء العشائر ذاتها، حيث يُشكل أبناء دير الزور نسبةً ضخمة من عناصر الجيش الوطني اليوم. وينحدر الغالبية من عشائر العكيدات والبقارة والبوسرايا والجبور، وهم أيضاً يشكلون عماد قسد في دير الزور.

وخلال الأيام الماضية، وضمن تداعيات التهديدات التركية بشن عملية عسكرية ضد قسد، وثقت شبكات محلية عمليات أنشقاق لعناصر من قوات قسد، آخرها كان في 7 تموز/يوليو، حيث قالت شبكة “نهر ميديا” إن حوالي 11 عنصراً من قوات قسد من الشبان المجندين حديثاً قد فروا من معسكر الفرقة 17 بمدينة الرقة.

وكانت “الإدارة الذاتية” قد أعلنت حالة الطوارئ في مناطق سيطرتها وذلك بسبب ما وصفتها بالتهديدات التي تتعرض لها من قبل تركيا. وقالت الإدارة إنها أعدت “خطة طوارئ لمواجهة التهديدات والتحديات، ووضع كل الإمكانات في خدمة حماية الشعب من أي هجوم عدواني على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.

—————————–

سوريا.. عندما تتقاطع الخنادق تتوحد البنادق!/ سمير صالحة

أشرفت الشركات العسكرية الفرنسية على حفر وتجهيز خنادق قسد ومسد ووحدات الحماية في شمال شرقي سوريا وقامت القوات الأميركية بعمليات التدريب والتجهيز القتالي. لكن متطلبات المرحلة تستدعي الاستجابة للتخطيط السياسي الروسي. وبذلك سيجمع القدر مجموعات قسد وقوات النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة لها في مواقع عسكرية واحدة لمواجهة القوات التركية وحليفها الجيش الوطني. مجموعات النصرة وغيرها في إدلب قد تختار الحياد لأن معركتها في مكان وزمان آخر ربما. المشكلة الوحيدة المتبقية هي غزارة الإعلام والشعارات التي سترفع في المعارك بعدما تقرر إرجاء أسباب الخلاف والتباعد في المواقف السياسية وتعارض المصالح وحلم كل طرف في بناء سوريا الجديدة.

“العملاء والخونة والجماعات الانفصالية” في صف واحد مع “النظام الفاسد والدكتاتوري والقمعي”، وهي تتوحد مع ضيوف لبنان والعراق الذين أرسلتهم إيران للدفاع عن سيادة ووحدة سوريا وحماية الأرض في مواجهة “الطامع والمحتل التركي”! طبخة بحص لن تستمر لأكثر من أيام كما حدث قبل 6 سنوات بعدما تحركت المسيرات وانفض الجمع عند حصول التفاهمات التركية الروسية والأميركية في العمليات العسكرية التركية السابقة.

قال صالح مسلم الرئيس المشارك لحزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” في سوريا  إن مطالب فرض حظر جوي في شمال شرقي سوريا لا تكفي، بل من الضروري وضع قوى من الأمم المتحدة كمراقبين على الحدود . وإلا فان خيار “قوات سوريا الديمقراطية” هو اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية نفسها، من الهجوم التركي المحتمل في أي لحظة.

ما يقوله مسلم الماركسي لا ينفصل عن رفض قسد للمبادرة الأميركية الأخيرة التي نقلها السناتور ليندسي غراهام باتجاه الانسحاب من تل رفعت وجوارها لثني أنقرة عن شن هجوم جديد في الشمال السوري. قوات الفصل والسلام الأممي لم تحضر وعليه أن يكتفي بالوافدين من دمشق وبيروت وبغداد من أنصار إيران .

خيبة أمل قيادات قسد سببها تصريحات غراهام حول إنه “من الضروري أن نعترف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا، وأن ننشئ مناطق عازلة بين العناصر التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، وبين الذين ساعدونا في تدمير الخلافة الإرهابية”. الرشوة المالية الاقتصادية التي يعرضها السناتور الأميركي هي استثمار النفط في شمال شرقي سوريا وتصديره عبر تركيا حيث “سيعود بالفائدة على كل من سوق النفط العالمية، واقتصاديات شمال شرقي سوريا وتركيا ويعد أفضل طريقة لحل المشكلة سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي”. هذا هو ما أغضب وحدات الحماية كما يبدو ودفعها لتبني مشروع موسكو وطهران فهل تبقى على موقفها أم هي مناورة قصيرة المدى ستعود عنها ما إن يدب الخلاف بين حلفاء الخندق الواحد بقرار روسي أميركي أيضا؟

يعلن آلدار خليل عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ”الاتحاد الديمقراطي”، أنه “إذا قامت تركيا بشن عدوان على المنطقة، فستندم كثيراً. لن نكتفي بصد العدوان، بل سنشنّ حملة عسكرية لتحرير المناطق السورية التي احتلتها تركيا في الفترة الماضية”. هناك من يؤكد في قسد أن هذه التوافقات “تجري بالتنسيق مع القوات الروسية الضامنة لخفض التصعيد ومراقبة وقف إطلاق النار”. اختلط الحابل بالنابل. من الذي سيعطي قسد ما تريده القوات الروسية أم الإيرانية أم الأميركية؟ مصطلح “الفترة الماضية” مطاط بعض الشيء. إلى أين ستصل الأمور مع آلدار مجهول طبعا. عقود إلى الوراء أم قرون مثلا؟ هذا لن يكون مرتبطا بقدرة العناصر التي يمثلها بل بمن يعول عليه لمحاربة الجيش التركي.

حلم اليقظة. تقدم قسد تنازلات ميدانية لصالح النظام الذي سيتقدم للدخول إلى العديد من المناطق التي تقع تحت إشرافها، وتبدي استعدادها لدمج القوات والسلاح الأميركي الذي تملكه وتضعه تحت تصرف دمشق وطهران. ثم يعود كل طرف إلى مواقعه السابقة ويتمسك بمواقفه ومشاريعه بعد صد الهجوم التركي!

تحاول واشنطن تجنيب حليفها المحلي الهزيمة وخروجه من المشهد الذي سيدمر مشروعه في شرق الفرات ويفقده الهيمنة الاقتصادية والجغرافية على مساحات واسعة تجمع أهم ثروات سوريا المائية والنفطية، ويعلن هو التخلي عن مشروعه الانفصالي عبر تسليم الأمور للنظام والقرار الروسي الإيراني. فلماذا تصعد أنقرة وتعرقل ما سيقدم لها على طبق من فضة وتعترض على خطوة انتحارية تفجر العلاقة بين قسد وحزب العمال في سوريا؟

احتمال أن تلويح تركيا بعمليتها العسكرية كان يهدف منذ البداية إلى تسهيل دخول قوات النظام إلى مناطق قسد لإسقاط مشروعها في سوريا بين السيناريوهات الواجب مناقشتها أيضا.

ما سمي مؤخرا بمبادرة أميركية نقلها السيناتور غراهام قد يكون ما اتفق عليه جو بايدن ورجب طيب أردوغان في لقائهما الأخير على هامش قمة الأطلسي وسط خيارين أحلاهما مر لمجموعات قسد: استسلام للنظام من أجل تجنب الهزيمة أو إعطاء أنقرة ما تريده عبر إخلاء المناطق الحدودية التي تسلمتها من الروس والأميركيين والانسحاب إلى ما وراء مسافة 30 كلم حسب تفاهمات تشرين الأول 2019 التركية الأميركية والتركية الروسية.

تجارب سابقة وحالات مماثلة تتعلق بمواقف واشنطن وموسكو وطهران في التعامل مع 4 عمليات عسكرية نفذتها القوات التركية في الأعوام الأخيرة تقول لنا إن الأطراف الأربعة تجنبت الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة رغم كل الإصرار من قبل النظام وقسد وداعش والجهود التي بذلتها من أجل ذلك. فهل تتغير المعادلات هذه المرة؟

يردد البعض أن قيادات قسد رفضت المبادرة الأميركية الداعية لسحب مجموعاتها من تل رفعت مقابل تراجع تركي عن العملية العسكرية المرتقبة. هل بمقدور هذه المجموعات الإقدام على خيار انتحاري من هذا النوع؟ ممكن طبعا إذا ما قررت تغيير سياستها السورية بأكملها والجلوس تماما في حضن موسكو وطهران وإهداء سلاحها الأميركي الثقيل إلى النظام في دمشق ومعانقة الميليشيات الإيرانية في شرق الفرات وشمال العراق. قرار قسد بيدها للتوجه نحو حافة الوادي للانتحار ولكن غير ذلك فهو يعود للاعبين الإقليميين المؤثرين في المشهد السوري.

تحذيرات الهنود الحمر في مثلهم الشعبي “سر ببطء وحذر شديدين عند قدوم الربيع فالأرض الأم في آخر أيام حملها” تتراجع لصالح المثل الشعبي الإثيوبي حول قدوم الصيف “لا يصلح العطر ما أفسده الحر لا بد من الاستحمام يا حبيبي”.

تلفزيون سوريا

————————

مواقف الأحزاب التركية من السوريين المقيمين في تركيا وقضاياهم/ د. سمير العبد الله، محمد طاهر أوغلو

الملخص التنفيذي:

مع اقتراب موعد الانتخابات التركية عام 2023، تحتلّ القضايا المتعلقة باللاجئين السوريين في تركيا مكانة مهمّة، في الحوارات السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي التركية، حيث ترغب الأحزاب المعارضة في استخدام هذه الورقة، لكسب أصوات إضافية لها، ولانتقاد حكومة العدالة والتنمية، خاصة أنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا في إدارة هذا الملف.

 ويُشكّل موضوع مواقف الأحزاب التركية إزاء قضايا السوريين موضوعًا مهمًا، عملت الدراسة على تناوله من مختلف الجوانب، وخاصة مواقفها من وجود السوريين ومن منحهم الجنسية التركية، ومن مسألة العمالة السورية، والتطبيع مع النظام السوري، ومستقبل السوريين في تركيا، كما عملت على المقارنة بين مواقف تلك الأحزاب، مع استشراف لوضع السوريين في تركيا في حال فوز تلك الأحزاب في الانتخابات.

اعتمدت الدراسة على مراجعة بيانات الأحزاب الرسمية، وعلى ما تنشره على مواقعها الرسمية وصفحاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى تصريحات قادتها وأهمّ مسؤوليها، لتحديد مواقف هذا الحزب أو ذاك من هذه القضايا، وحلّلت تلك البيانات لتحديد الدوافع التي تقف خلف تلك المواقف، ولفهم موقف كل حزب فهمًا يساعد في استشراف مواقفه في المستقبل.

وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، من أهمّها أن خلفية الحزب الأيديولوجية وطبيعة قاعدته الانتخابية، وموقفه من حكومة حزب العدالة والتنمية، تلعب دورًا كبيرًا في تحديد موقفه من قضايا السوريين، وخاصة أن إدارة ملف السوريين في تركيا بيد رئيس الجمهورية والحكومة.

وقد يكون هناك تباين بين مواقف القاعدة الانتخابية وقيادات الحزب، نتيجة التأثر بالخطابات الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي التركية، وعدم وجود شفافية واضحة تجاه قضايا السوريين.

وهناك اتفاق لدى أغلب الأحزاب التركية على ضرورة عودة السوريين إلى وطنهم، لكنها تختلف حول التوقيت والآليات التي يجب أن تُتّبع لتحقيق ذلك. وكذلك تتفق حول ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية، لكن هناك اختلافًا بينها حول الوجود العسكري التركي في سورية، ومعارضة كبيرة لتجنيس السوريين وعمالتهم غير الرسمية.

ويمكن القول إن الأحزاب القومية هي أكثر الأحزاب تشددًا تجاه قضايا السوريين، خاصة حزب النصر، بينما الأحزاب المحافظة هي أكثرها اعتدالًا تجاه تلك القضايا، على الرغم من اختلافها مع حكومة العدالة والتنمية في بعض الملفات. كما يمكن القول إن مجمل البرامج الانتخابية التي ستقدّمها مختلف الأحزاب التركية، في حملاتها الانتخابية القادمة في 2023، ستتضمن حيزًا كبيرًا لقضايا السوريين في تركيا، وخاصة ملف عمالة السوريين وتجنيسهم، ومن المتوقع أن تكون ضمن ثلاث قضايا أساسية تتضمنها تلك البرامج.

من جانب آخر، وجدت الدراسة أن المعارضة السورية تتحمل مسؤولية كبيرة في مواقف بعض الأحزاب التركية، حيث إن مؤسساتها في المجمل لم تقم بالتواصل بالشكل المطلوب مع تلك الأحزاب، أو بالحوار معها حول القضايا المتعلقة بالسوريين، وقد أدى ذلك إلى غياب الرؤية الواضحة عن بعض تلك الأحزاب تجاه تلك القضايا، ولا سيّما مسألة العودة إلى سورية والتطبيع مع النظام السوري.

ولاحظت الدراسة أن تصاعد خطاب الكراهية مرتبط بشكل عام بالأزمة الاقتصادية وما يرافقها من نتائج، من غلاء المعيشة وارتفاع نسب التضخم، وبرغبة أحزاب المعارضة في استغلال هذه الأزمات لتحقيق مكاسب انتخابية.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل

تحميل الموضوع  

مركز حرمون

—————————–

العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا: بين التخلي الأمريكي عن «الشركاء المحليين» والموافقة الروسية/ منهل باريش

أجرى السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام رفقة قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال الأمريكي، جون برينان، الأربعاء، زيارة إلى مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، وبحثا مع قيادات «قوات سوريا الديمقراطية» و»مجلس سوريا الديمقراطية» ملفات عسكرية وأمنية بالتزامن مع تصاعد التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة غراهام لأنقرة ولقائه مع مسؤولين أتراك ضمن مساعيه للعب دور الوساطة بين «قسد» وتركيا وإنهاء التوتر بينهما وإتمام مبادرة لتجنيب شمال شرق سوريا عملية عسكرية تركية مزمعة.

وأعلنت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» عقب لقاء غراهام مع قيادة «سوريا الديمقراطية» حال الطوارئ ورفعت جاهزيتها القصوى في مناطق نفوذها فيما يبدو أنه فشل في المساعي الأمريكية للوساطة ونزع فتيل التوتر بين الطرفين واستعداد «قسد» للمواجهة العسكرية بعد رفضها لمبادرة السيناتور الأمريكي.

في غضون ذلك، زار وفد فرنسي بريطاني من القوات المشاركة في التحالف الدولي مدينة منبج والتقى بممثلين عن «مجلس منبج العسكري» والإدارة المدنية التابعين لـ «قسد» كما أجرى وفد من التحالف الدولي لقاءات مع «الإدارة الذاتية» في عين العرب /كوباني.

خيار المواجهة الذي اتخذته «قسد» مدفوعة بتفاهمات جديدة مع النظام السوري وبرعاية روسية، بات واضحا بعد أن أعلنت التوصل إلى خطة دفاعية مشتركة مع قوات النظام، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة هدفها التصدي لأي هجوم تركي محتمل. ويشمل الاتفاق مناطق القامشلي وعين العرب وعين عيسى ومنبج.

بالتوازي، بدأ ممثلون عن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ومسؤولون من نظام الأسد وبوساطة روسية مباحثات هدفها الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة في وجه هجوم تركي محتمل، لكنها تعرضت لجملة من القضايا الإشكالية من أبرزها رمزية رئيس النظام السوري، بشار الأسد باعتباره رئيسا للدولة، وطلب وفد النظام رفع العلم الحكومي في مناطق سيطرة «قسد» إضافة إلى انتشار حرس الحدود التابع لجيش النظام على طول الحدود السورية التركية في مناطق سيطرة «قسد» وطالب النظام بحصر التمثيل الدبلوماسي به فقط، ويرتبط هذا الشرط بتمتع الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بعلاقات دبلوماسية جيدة مع دول «التحالف الدولي ضد داعش» حيث تملك «الإدارة» سبعة مكاتب دبلوماسية في دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة لمكاتب رسمية في أمريكا ومصر وروسيا، وتحرص «قسد» على التمسك بهذا التمثيل. إلا أن نقطتي الخلاف الرئيسيتين من وجهة نظر «قسد» تنحصران بتمسك النظام السوري بمركزية الحكم وهو ما يناقض رؤية وأجندة قسد، وحصر النظام السوري الهوية السورية بالمكون العربي الواحد وتهميش أي مكونات أخرى، والنقطتان هما ما أكدهما عضو هيئة الرئاسة المشتركة في «حزب الاتحاد الديمقراطي» ألدار خليل في تصريح صحافي مع وكالة «هاوار» المحلية معتبرًا «أن النظام لم يقتنع بالتخلي عن المركزية خشية سقوطه عن الحكم».

ولم تتناول المباحثات في مرحلتها الأولى قضايا خلافية وإشكالية أخرى أبرزها النفط السوري في مناطق سيطرة «قسد» وعائداته وقضايا الموارد والثروات الحيوانية والنباتية. وأشار المتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية، نوري محمود في تصريحٍ صحافي إلى أهمية المباحثات مع النظام السوري «نعمل وبالتنسيق مع المسؤولين السوريين لتطوير صيغة عمل مشترك ورسم خطة دفاعية في مواجهة أي عدوان تركي، وهناك تطور إيجابي في هذا المجال» مؤكدًا على ضرورة الاتفاق على صيغة مناسبة.

في انعكاس المحادثات على الواقع العسكري، أكد المدير الإعلامي لقوات «قسد» فرهاد شامي بعد وصول أكثر من 500 جندي من قوات النظام إلى مناطق منبج وعين عيسى، أن الاتفاق ليس بالجديد إنما هو تفاهم عسكري بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية «لصد أي غزو تركي محتمل» موضحًا أن قوات النظام السوري ستقاتل إلى جانب «مجلس منبج العسكري» لصد أي هجوم تركي محتمل قد يستهدف منبج.

الناطق باسم «قسد» يرى أن «الاتفاق مع النظام السوري على الصعيد العسكري سوف يدعم الناحية السياسية، التي تتضمن العديد من الخلافات والمفارقات بين الطرفين، وسوف يدعم الوصول إلى توافق شامل يدعم وحدة البلاد وسلامتها والحفاظ على التراب السوري كاملاً» معتبرًا أن «الموقف الأمريكي والتحالف الدولي لمحاربة داعش خلال السنوات السابقة لم يكن بالمستوى المطلوب، لذا ليست هناك أي ضمانات فعلية حقيقية لردع المحتلّ، رغم وجود تصريحات إعلامية تظل في إطار الأقوال فقط من دون أن يكون لها أي تأثير ميداني».

ميدانيا، استهدف الجيش التركي بقذائف المدفعية نقاط عسكرية تابعة لـ «قسد» في محيط تل رفعت وعفرين، وشمل القصف بلدات وقرى العلقمية ومرعناز وشوارغة وتنب ومرش ومناطق أخرى، وحسب مصادر محلية اتصلت معها «القدس العربي» فقد طال القصف نقطة عسكرية مشتركة لقوات النظام و»قسد» على محور منبج الغربي، كما دفعت أنقرة بمزيدٍ من التعزيزات العسكرية إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المعارض في منطقة عمليات «درع الفرات» وشملت التعزيزات أرتالاً ضمت دبابات ومدرعات وراجمات صواريخ ومدافع وصلت لمنطقة الباب بريف حلب الشمالي عبر معبر الراعي الحدودي، وفي الوقت نفسه أعلنت فصائل الجيش الوطني الجاهزية التامة للقتال.

في المقابل، دفع النظام السوري بتعزيزات عسكرية إلى مدينة القامشلي، سبقها وصول رتل آخر إلى مطار الطبقة العسكري في الرقة الخاضع لسيطرة «قسد». كما دفعت قوات النظام بتعزيزات مماثلة إلى ناحيتي منبج والعريمة في ريف حلب الشرقي بالقرب من خطوط التماس للمحور الممتد بين مدينتي الباب وجرابلس، وتمركزت قوات تابعة للنظام قادمة من جنوب الرقة في اللواء 93 في عين عيسى بريف الرقة.

وفي سياق متصل، استقدمت قوات التحالف الدولي عبر بوابة الوليد الحدودية مع العراق تعزيزات عسكرية ضمت شاحنات وسيارات مصفحة وأجهزة رصد ورادار. في حين، شهد مطار القامشلي تنفيذ قوات روسية تدريبات حية داخل المطار وانتشارا لجنود وأسلحة روسية داخل المطار تبعه وصول قرابة 50 عنصرا من ميليشيا «حزب الله» اللبناني إلى المطار، حسب ما تناقلت شبكات إخبارية محلية.

وعلى الصعيد السياسي والإعلامي تسعى «قسد» إلى تسليط الضوء واستحضار اتفاق سوتشي الذي وقعه الرئيسان الروسي والتركي في تشرين الأول/اكتوبر 2019 في سوتشي، محاولة من خلال التصريحات الإعلامية والصحافية لعدد من القيادات من أبرزهم مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» والرئيس المشترك لحزب «الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم تفعيل البند المتعلق بنشر حرس الحدود التابع لقوات النظام والشرطة العسكرية الروسية وهو ما أخرته «قسد» طوال السنتين والثمانية أشهر الماضيين. وينص البند حسب وثيقة الاتفاق – حسب الترجمة التركية- على: «اعتبارا من الساعة 12:00 ظهرا يوم 23 تشرين الأول/اكتوبر 2019، الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيدخلان إلى الجانب السوري من الحدود السورية – التركية، خارج منطقة عملية نبع السلام، بغية تسهيل إخراج عناصر PYD وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية التركية، وينبغي الانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة، كما سيبدأ تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غربي وشرقي منطقة عملية نبع السلام، بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي». ونص الاتفاق على «إخراج جميع عناصر ypk وأسلحتهم من منبج وتل رفعت» وهو ما تتمسك به أنقرة بشدة.

يبدو أن أنقرة تلقت رسائل واضحة من واشنطن بعدم اكتراثها بالعملية العسكرية التركية ما دامت ستبقى في الحدود التي اتفقت بها مع روسيا، وهي المناطق التي أدخلت «قسد» إليها قوات النظام السوري بعد قرار الرئيس بإطلاق يد تركيا في عملية «نبع السلام».

وهذا يعني أن قرار العملية التركية أصبح يحتاج إلى موافقة روسية، رغم الاعتراض الإيراني، والموافقة الروسية مرتبطة بتحجيم الدور الأمريكي في شرق سوريا، وتحجيم الدور له أوجه متعددة بما فيها الاقتصار على ضرب المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن في كل مكان بما فيها منطقة تل رفعت شمال حلب، إلا أن لتلك المنطقة اعتبارات متعددة في حسابات المصالح، فروسيا وإيران ربما تفضلان بقاءها تحت سيطرة «الوحدات الكردية» كورقة ضغط ومساومة مع تركيا إلى فصل متأخر من الصراع في سوريا.

القدس العربي

———————-

سوريا… حروب صغيرة ومعارك كبيرة (تحليل إخباري) / ابراهيم حميدي

هل يمكن توقع «حروب صغيرة»، في القريب الآجل أو العاجل، تحرك الجمود المستمر في سوريا؟ ما هي أولويات الدول الفاعلة والمراقبة للملف السوري؟ وأين هي اهتمامات السوريين داخل البلاد و«دويلاتها» الثلاث؟ وكيف يتعامل السوريون مع «المعارك الكبيرة» الخاصة بالعيش؟

أولاً: «حرب مسودات»: اتجهت أنظار ملايين السوريين إلى المواجهة الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، بين الدول الغربية وروسيا، حول تمديد القرار الدولي لإيصال المساعدات عبر الحدود التركية و«عبر خطوط» التماس داخل البلاد، مع قرب انتهاء ولاية القرار الحالي يوم غد.

موسكو تريد حصر القرار الجديد بستة أشهر بدلاً من 12 شهراً؛ كي تعيد الدول الغربية للتفاوض مرتين كل سنة، لأسباب كثيرة بينها الحرب الأوكرانية. وتريد روسيا أيضاً، تغيير لغة القرار الدولي وإضافة تمويل الكهرباء في مشاريع «التعافي المبكر»، للاقتراب من ملف الإعمار الذي تفرض الدول الغربية شروطاً سياسية للمساهمة فيه، إضافة إلى توسيع المساعدات «عبر الخطوط» الداخلية للدفع نحو توسيع العلاقات مع دمشق. ومن المقترحات الأخرى، حذف أي إشارة لـ«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» وجهودها، لـ«معاقبتها» على مواقف عدة، بينها تأييد خطة دولية لإنشاء آلية أممية لمتابعة ملف المفقودين في سوريا.

ثانياً، غارات واختبارات: قامت روسيا ثلاث مرات على الأقل بقصف مواقع قرب القوات الأميركية في قاعدة التنف، جنوب شرقي سوريا، وأماكن أخرى. ولم تعط موسكو جيش واشنطن الوقت الكافي بموجب ما تقتضيه «مذكرة منع الصدام» بينهما في 2017. والواضح، أن هذا سيتكرر كثيراً مع دخول أوكرانيا في «حرب استنزاف» غربية – روسية، ما يثير قلقاً من احتكاكات عسكرية بين القوى الكبرى في سوريا قد تكون مفصلية.

ثالثاً، خطوط جديدة: لأول مرة، قصفت إسرائيل مناطق جنوب طرطوس قرب القاعدة الروسية وشمال حدود لبنان، قيل أنها كانت تحوي أصولاً عسكرية لـ«حزب الله». قبل ذلك، قصفت تل أبيب مطار دمشق الدولي وأخرجته عن العمل لأيام. والواضح أن روسيا قيدت جزئياً حركة إسرائيل في سوريا، بسبب موقف تل أبيب من حرب أوكرانيا. وقد يحصل احتكاك عسكري متعدد في سوريا (أو لبنان)، إذا تفاقمت الحرب العلنية في أوكرانيا و«حرب الظل» في إيران.

رابعاً، توغلات تركية: استند الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تحسن موقفه التفاوضي بعد حرب أوكرانيا، للتلويح بعملية عسكرية «هي الأكبر» شمال سوريا. لكن التهديدات قوبلت برفض أميركي شرق الفرات وتحذيرات من «تهديد الاستقرار» بين خطوط التماس السورية. أيضاً، قوبلت بوساطة روسية. وبالفعل، كثفت موسكو اتصالاتها العلنية والسرية بين دمشق وأنقرة لـ«إجهاض العملية العسكرية». ودخلت إيران على الخط عبر جولة مكوكية للوزير حسين أمير عبداللهيان بين العاصمتين. لكن الكلمة الكبرى كانت لروسيا. العملية العسكرية التركية جمدت، لكن نيات إردوغان موجودة وتفتح الباب لتصعيد محتمل… وحرب صغرى.

خامساً، «منطقة آمنة»: تحدث الأردن قبل سنوات عن «منطقة أمنة» شمال حدوده جنوب سوريا. لم تنفذ الخطة، حيث توكلت روسيا بالقيام بدور عسكري لتوفير الاستقرار في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء. وقبل أشهر، بادرت عمان للتطبيع مع دمشق، واقترحت «خطوة مقابل خطوة». التقارير تشير إلى شكوى أردنية من تدفق المخدرات والتهريب عبر الحدود، وتصاعد الاغتيالات والفلتان في أرياف الجنوب السوري. والجديد، أن عمان حذرت من تصعيد محتمل، ولوحت بإعادة طرح خطة «المنطقة الآمنة» للضغط على دمشق وتحريك موسكو للتحرك. وتزامن هذا مع تسليح أميركي نوعي لفصائل معارضة تقيم في قاعدة التنف قرب حدود الأردن.

سادساً، تطبيع عربي: خطوات التطبيع الثنائية بين عواصم عربية ودمشق مستمرة ببطء. وهناك من يربط بين العفو الذي أصدره الرئيس بشار الأسد عن متهمين بـ«جرائم إرهاب» وهذه الخطوات. لكن، إلى الآن، ليس هناك إجماع على إعادة دمشق إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ما هو الجديد؟ هناك اقتراح جزائري بأن يأتي وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الجزائر لمحادثات ثنائية بالتزامن مع انعقاد القمة، أو دعوة سوريا مع تركيا وغيرها بصفة «مراقب». وتبلور هذه المقترحات رهن بالتطورات الجارية وحروبها، في الأشهر السابقة للقمة.

سابعاً، المعركة الاقتصادية: لا جديد بذكر الأزمة الاقتصادية ومعركة السوريين مع العيش. فهي تتفاقم مع ازدياد معدلات الفقر، أو على الأقل ليست هناك حلول عميقة. وصلت ناقلات نفط إيرانية، وجرى تشغيل جزء من محطة كهرباء في حلب. واستؤنف الحديث عن خط الغاز العربي. لكن مؤشرات زيادة الهجرة والشكوى والفجوة واضحة: هجرة الشباب والحرفيين إلى الخارج، وشكوى الموالين للنظام من عدم تحسن الأوضاع في معاقلهم، وفجوة هائلة بين «أثرياء الحرب» و«ضحايا الحرب».

لا شك في أن تغييراً سيحصل عاجلاً أم آجلاً في نقطة أو أخرى، وأن «حرباً صغرى» ستشتغل في ساحة أو أخرى، وأن نصراً هنا سيعانق هزيمة هناك، لكن أغلب الظن، أن «معركة العيش» استقرت على انهيارات ومعادلات يحتاج حلها وتفكيكها إلى سنوات وسنوات من الخطوات والتفاهمات والحياكات للخروج من «الليل الطويل».

الشرق الأوسط

———————-

ضوء أخضر أميركي للعمليّة التركيّة في سوريا!/ أسعد عبود

عقب قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد أواخر حزيران (يونيو) الماضي، عاد الحديث بقوة عن احتمال شن أنقرة عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية.

أما لماذا الربط بين القمة الأطلسية والعملية العسكرية التركية المزمعة، فإن مرد ذلك ببساطة إلى اللقاءات التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش القمة، لا سيما مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي أزال بموجبها الزعيم التركي اعتراضاته على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.

صحيح أن أردوغان حصل على تعهدات من هلسنكي واستوكهولم، بتسليمه ناشطين من “حزب العمال الكردستاني” وآخرين تابعين للداعية التركي فتح الله غولن، لكن الجائزة الأكبر التي يبدو أن أردوغان قد حصل عليها، كانت قبولاً ضمنياً أميركياً لشن عملية عسكرية تستولي فيها على مدينتي منبج وتل رفعت في ريف حلب.

وبما أن بايدن يعتبر أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي يشكل ضربة جيوسياسية كبيرة لروسيا، فإنه لا يجد غضاضة في غض النظر عن توسع تركيا في شمال سوريا.

وهكذا أضحى توسيع حلف شمال الأطلسي ليضم فنلندا والسويد، رافعة بالنسبة إلى تركيا في ما يتعلق بعملية عسكرية في شمال سوريا. وتدرك أنقرة أن هذه فرصة لن تبقى مفتوحة أمامها إلى الأبد.

وفي الوقت نفسه، يعتقد أردوغان أن روسيا المنشغلة بحرب أوكرانيا، ليست في موقع يؤهلها لوضع فيتو على العملية العسكرية التركية الوشيكة. ولم تنجح حتى الآن الجهود التي بذلتها موسكو لإقناع المقاتلين الأكراد بالانسحاب من منبج وتل رفعت وتسليمهما للجيش السوري والقوات الروسية، ما يسحب من تركيا ذريعة شن العملية العسكرية.

ومن المبررات التي يسوقها أردوغان للعملية العسكرية، ما يقول إنه حاجة أنقرة إلى توسيع المناطق الآمنة في شمال سوريا، والتي يمكن أن يعاد توطين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية فيها. وسبق لأردوغان أن أعلن عزمه على إعادة توطين مليون لاجئ سوري. وعلى رغم أن هذه العملية تواجه بعض التعقيدات، فإن العملية العسكرية تخدم الوعد الذي أطلقه حزب العدالة والتنمية الحاكم بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2023. وفي هذا المنحى، تساعد العملية العسكرية الحزب الحاكم على تعزيز شعبيته.

فضلاً عن ذلك، تعتبر أنقرة أن توغلها المزمع في منبج وتل رفعت، يأتي في سياق متصل مع مسرح عمليات آخر في شمال العراق، حيث بدأ الجيش التركي عملية “قفل المخلب” ضد “حزب العمال الكردستاني” في المنطقة منذ أواسط نيسان. ولطالما اعتبرت تركيا أن “وحدات حماية الشعب” الكردية، تشكل النسخة السورية لـ”حزب العمال الكردستاني”. ومن هنا، يتأتى الربط بين العمليتين العسكريتين في كل من شمال العراق وشمال سوريا.

ولن يترك أردوغان الفرصة التي يوفرها له المناخ الدولي والجيوسياسي المتغير في أوروبا، من دون أن يستغلها في توطيد مصالح تركيا في الإقليم. كما أن محاولات أنقرة الانفتاح في أكثر من اتجاه إقليمي، تخدم هذا الهدف.

كما أن السعي إلى تعزيز الوجود التركي إقليمياً، هو محاولة من قبل أردوغان للتعويض عن وضع اقتصادي سيئ في الداخل. ومعلوم أن تدهور الليرة في مقابل الدولار، قد انعكس سلباً على شعبية أردوغان والحزب الحاكم.

ولهذه الأسباب، يعتقد أردوغان أن التوسع في شمال سوريا، قد يرفع من شعبيته قبل الانتخابات، ويعوض بعضاً من المعاناة الاقتصادية للأتراك.

إنها سنة مفصلية بالنسبة إلى أردوغان، خصوصاً أن شعبية أحزاب المعارضة آخذة في الارتفاع بسبب تسليطها الضوء على الوضع الاقتصادي السيئ والتركيز عليه في حملاتها الانتخابية.

النهار العربي

————————-

كل شيء أصبح جاهزاً لبدء العملية العسكرية التركية في الشمال السوري بعد العيد/ كمال اللبواني

استكملت تركيا معظم الاستعدادات العسكرية، والأهم منها التحضيرات الدبلوماسية لكي لا تصطدم عمليتها التي أعلنت عنها بعقبات لم تحسب حسابها مسبقاً، خاصة من الغرب والأمريكان؟ ثم من الروس.

لقد استغلت تركيا الحرب الأوكرانية بشكل فعال، واستغلت حاجة كل من روسيا وأمريكا لكسب ودها، وخاصة طلب انضمام فنلندا والسويد للناتو الذي وضعت عليه تركيا مجموعة شروط، وأعلنت بذات الوقت عن العملية، لكي يفهم الغرب والشرق أن إرضاء تركيا يتطلب الرضوخ لمطالبها، فالثمن الحقيقي لتركيا هو السيطرة على مناطق جديدة شمال سوريا، تجعل من حلم الدولة والكيان الكردي أكثر صعوبة، بانتظار تحويله لحلم مستحيل عملياً، بعمليات أخرى في أقصى شمال شرق (القامشلي).

فبعد تهديدات تركيا رصدت قسد جدية وقرب حصول العملية، وما لفت نظرها وخيب أملها موقف أمريكا التي أبلغتها أنها لن تدخل في صراع مع تركيا، بعد تصريحات غاضبة تبعتها مشاورات داخلية أدت لتزايد المخاوف من مغادرة تركيا الناتو والانضمام للتحالف مع روسيا.

تواصلت قسد مع الروس الذين أبلغوها أنهم غير معنيين بالدفاع عنها كميليشيا، هم يدافعون عن النظام الشرعي في دمشق كما يدعون، وعلى قسد أن تحتمي بالنظام الذي يطلب هو الدعم الروسي، مع أن روسيا منشغلة جداً في أوكرانيا وتقلص وجودها وعملياتها في سوريا كثيراً جداً، فقامت قسد بالتواصل مع النظام وإيران برعاية روسية وتقرر تشكيل غرفة عمليات مشتركة، ودخول قوات للنظام ولحزب الله للمناطق الحدودية.

وهكذا قبلت قسد العودة للتحالف مع النظام وإيران لمقاومة الهجوم التركي، وهذا ما جعل الأمريكان متشجعين أكثر فأكثر لإعطاء الضوء الأخضر لتركيا، والتخلي عن قسد، وقد تم ذلك بطريقة ذكية عن طريق طرح موضوع انسحاب قسد سلمياً من تل رفعت  وهذا بحد ذاته يعني تحول الموقف الأمريكي من الرافض للوسيط، بما يعني الضوء الأخضر لأردوغان، رفضت قسد الاقتراح الأمريكي فأعطت العذر للأمريكي، بسبب التزام قسد مع الإيراني ومع النظام، مما سيفتح الباب لحصول توتر ومعارك بين تركيا وقسد ومعها إيران والنظام، ومن ورائهم روسيا، وهو ما يعتبر نصراً كبيراً لأمريكا عندما تجر تركيا بعيداً عن إيران وعن روسيا.

طبعاً التفاهمات التركية الإيرانية، خاصة تلك التي حصلت في سوتشي، ربما تجنبهم التصادم، وتجعلهم يتخلون عن قسد ولا يشاركون إلا بشكل رمزي، وجود إيران والنظام في صف واحد مع قسد سيجعل المقاتلين من المعارضة أكثر حماساً لخوض المعارك التي ستعتبر معارك تحرير.

تل رفعت ومنبج متفق على تسليمها لتركيا مقابل المعرة، لكن الروس تعنتوا، لذلك لن تسارع تركيا في هذه المرحلة لإعطائهم  طريق اللاذقية M4، مقابل تل رفعت ومنبج، وربما تحتفظ بهم ليكونوا مقابل القامشلي.

وهكذا سيحقق الجميع رغباتهم إلا قسد التي حاولت الرقص فوق الحبال الرخوة فوقعت، الروسي لن يتورط في دعم النظام ضد تركيا، وإيران لن تدافع عن قسد ولن تقطع خيوط الود مع تركيا، ولكنها ستحاول قضم ما تستطيع من قسد التي هي الخاسر الأكبر والوحيد في هذه اللعبة، وبالتالي تركيا ستربح الجولة وتقضم قطعة جديدة من حلم الدولة الكردية القسدية، الذي نما بعد تحالف قسد مع الغرب، وانهار بعد عودتها للتحالف مع خصومهم،  حلفائها القدماء.

لتبقى القضية الكردية في ضمير الشعب السوري الذي سيستعيد حريته مهما طال الزمن، وسيبحث عن عناصر استعادة وحدته وتعايش أطيافه  بعيداً عن لعب أمراء الحرب.

ليفانت – كمال اللبواني

———————-

ازدياد وتيرة ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا وسط اتهامات بالتعسف

ارتفعت وتيرة ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا التي ما تزال الحرب والتوترات العسكرية فيها مستمرة. فيما ربط متابعون عمليات الترحيل التي تتم أحيانا لأبسط مخالفة ودون اكتراث بالأوضاع العائلية والاقتصادية والمصير المجهول في سوريا، مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والرئاسية، وما يشهده الاقتصاد التركي من تضخم وتراجع لقيمة الليرة أمام الدولار، وخطاب الكراهية المتصاعد ضد اللاجئين السوريين.

ويشير أكثر من مصدر إلى إجبار المرحّلين على التوقيع على “طلب العودة الطوعية” في أنّ ترحيلهم في الغالب يتم قسريًا. وتعود  معظم قرارات الترحيل إلى أسباب يراها السوريون وعدة جهات حقوقية غير مقنعة، من قبيل “تنقل السوريين بين الولايات التركية من دون إذن، حيث يحظر على السوري حامل بطاقة الحماية المؤقتة “كملك” التنقل بين الولايات من دون الحصول على إذن، بالإضافة إلى مبررات أخرى تتمثل غالبًا في ارتكاب مخالفات جزائية كالمشاركة في عراك أو نشر صور وتسجيلات مصورة تتضمن محتوى مخالفًا على وسائل التواصل الاجتماعي” حسب تقديرات السلطات التركية الأمنية.

كما أكّد أكثر من مصدر تعرّض المرحّلين للعنف المتمثل أساسًا في الضرب من قبل الشرطة التركية لرفضهم التوقيع على وثيقة العودة الطوعية.

إحصائيات صادمة

ونقل موقع صحيفة العربي الجديد عن المسؤول الإعلامي لمعبر باب الهوى الحدودي مازن علوش قوله: “إن عدد المرحلين يبلغ شهريًا نحو 1300 سوري، وقد وصل منذ بداية عام 2022 إلى 7700″، وهو رقم محصور فقط بمعبر باب الهوى فقط. حيث تجري عمليات الترحيل بشكل مستمر من خلال المعابر الأخرى مع تركيا، إلا أن معظمها يتم عبر باب الهوى. وتقدر جهات غير رسمية أعداد المرحّلين سنويًا بحوالي 30 ألف على أقل تقدير.

غياب الإطار القانوني لعمليات الترحيل

يقول عدد من نشطاء حقوق الإنسان السوريين في تركيا إن عمليات الترحيل التي تقوم بها مديرية إدارة الهجرة ووزارة الداخلية التركية للسوريين لا تستند على إطار قانوني ثابت، “لأن نظام الحماية المؤقتة استحدث من قبل تركيا عام 2014، وما زال يفتقر إلى بعض المعايير القانونية التي تصون كرامة اللاجئ السوري على الأراضي التركية”. وفي هذا الصدد نقلت العربي الجديد عن الناشط السوري طه الغازي قوله: “في حال ارتكب اللاجئ السوري جناية على الأراضي التركية، فيتوجب على القضاء توقيفه ومحاسبته وفقًا للقانون الجزائي. لكن السلطات ترحّل اليوم هؤلاء المخالفين إلى مناطق سورية قد تعدّ خطرة، ما ينافي اتفاقية 1951 والبروتوكول الصادر عام 1967 اللذين ينصان على حماية اللاجئين، وقد وقعت تركيا عليهما”.

ويسمح القانون التركي للسلطات بترحيل اللاجئين في حالة واحدة هي تهديد الأمن القومي من خلال القيام بأعمال إرهابية والمتاجرة بالمخدرات والتجسس.. إلخ، لكن من الملاحظ، حسب مصادر سورية، أن السلطات التركية باتت تستخدم هذه التهمة بشكل غير دقيق لتبرير ترحيل السوريين الذين يقترفون مخالفات بسيطة.

———————-

===================

تحديث 15 تموز 2022

————————-

هل أزف رحيل قسد من تل رفعت ومنبج؟/ العقيد عبد الجبار عكيدي

ربما بات الحديث عن عملية عسكرية تركية في الشمال السوري يتجاوز حدود المعركة المفترضة التي تتوعد فيها أنقرة خصومها (حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د) الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، بل ربما بات يجسد صراع إراداتٍ دولية في ظرف تجد فيه تركيا نفسها تملك من أوراق القوة أكثر من ذي قبل، ولكن على الرغم من ذلك فإن المعارك الأساسية مهما طالت، لا بدّ في النتيجة أن تحسمها الوقائع على الأرض، فضلا عن أن سخونة الحديث الإعلامي التركي عن العملية العسكرية قد وصل إلى الدرجة التي يمكن أن يليها الانفجار.

المعطيات الميدانية في الأيام القليلة الماضية باتت تشير بوضوح إلى أن التحرك عسكرياً تجاه مدينة تل رفعت بات وشيكاً، ذلك أن الاستهداف التركي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يوم الأحد الماضي كان مختلفاً من حيث النوعية عن سابقاتها، إذ استهدفت أنقرة غرف العمليات وخطوط الإمداد، فضلاً عن التحضيرات الكبيرة على الأرض من جانب الجيش الوطني والجانب التركي.

    استهداف أنقرة لنقاط قوات النظام الموجودة في تل رفعت يشير بوضوح إلى أن العملية العسكرية قائمة سواء بوجود قوات النظام أو بغيابها

أضف إلى ذلك أن استهداف أنقرة لنقاط قوات النظام الموجودة في تل رفعت يشير بوضوح إلى أن العملية العسكرية قائمة سواء بوجود قوات النظام أو بغيابها، وربما كان هذا الاستهداف أيضا يجسد رسالة شديدة الوضوح لنظام الأسد تبلغه بإصرار أنقرة على تحقيق مسعاها.

لئن كان من أبرز سمات السياسة التركية هو الاستثمار الكامل للوقت، ولجميع الفرص المتاحة، وعدم الإقدام على العمل العسكري إلا بعد عملية إنضاج لكافة المواقف الدولية والإقليمية، فضلاً عن تهيئة الشارع التركي لتقبّل أي نتائج للعملية.

إن شريك أنقرة ومنافسها في الوقت ذاته، ونعني بذلك الطرف الروسي، يبدو اليوم أكثر استعداداً لتفهم دوافع تركيا نحو العملية العسكرية، ولعل تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف أثناء زيارته الأخيرة لأنقرة تؤكد ذلك، بالطبع هذا التفهم الروسي لموقف أنقرة لا يجسد انسجاماً روسياً تركياً في السياسات، بقدر ما يجسد ضيقاً وانحساراً في الخيارات المتاحة أمام روسيا، التي ربما يكون قد أزعجها القبول التركي بانضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، إلا أنه على الرغم من ذلك تبدو مرغمة على الحرص على ألا تذهب تركيا إلى أبعد من ذلك تجاه الغرب، ولعل الحسابات الروسية بعد غزوها لأوكرانيا ودخولها في مواجهة مع أوروبا وأميركا جعلها أكثر إذعاناً للمصالح التركية، وخاصة أن الحسابات الدقيقة لنتائج العملية العسكرية باتجاه تل رفعت لا تجعل الروس يخسرون الكثير، إذ إن سيطرة بوتين في الأصل على تلك المنطقة إنما كانت بدافع كيدي ضد أنقرة وليست لحسابات توجبها المصالح آنذاك، إذ إن إسقاط سلاح الجو التركي للطائرة الروسية سوخوي 24 في شهر نوفمبر 2015، هو ما جعل بوتين حين كان في أوج زهوه وجبروته، يشعر برغبة كبيرة لرد الاعتبار، ما دفعه إلى دعم وتمكين ميليشيا قسد من احتلال منطقة تل رفعت وما حولها، وهو يعرف ضمناً مقدار الحساسية التركية من وجود تلك الميليشيات على مقربة من حدودها، وربما حان الوقت لترد تركيا هذا الكيد إلى بوتين بمثله.

    لعل الحسابات الروسية بعد غزوها لأوكرانيا ودخولها في مواجهة مع أوروبا وأميركا جعلها أكثر إذعاناً للمصالح التركية، وخاصة أن الحسابات الدقيقة لنتائج العملية العسكرية

على أية حال لا يمكن حصر دوافع المعركة بالجانب الكيدي فحسب بل ربما كانت المصالح التركية هي الدافع الأساسي، وقد يكون من أبرز هذه المصالح هو الحيز الجغرافي لمنطقة تل رفعت وما حولها من بلدات وقرى، والتي من الممكن أن تتحول إلى ملاذ آمن ليس لعودة أهلها الذين نزحوا منها إبّان احتلال قسد لها فحسب، وإنما ملاذ أيضاً لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا والنازحين في المخيمات على حد سواء، فضلاً عن تجريف العنصر البشري لملحقات حزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، هذا التجريف الذي ينطوي على قيمة رمزية هامة بالنسبة لصانع القرار التركي وللشارع التركي الذي مهما بدا مهدداً بأزمات اقتصادية أو عواصف سياسية فإن نبرة الحرب ضد (ب ك ك) كفيلة بإعادة توحيده.

لئن كانت التحضيرات العسكرية تشير إلى أن معركة تل رفعت سوف تكون أولوية، إلا أن هذا لا يعني أن المعركة سوف تنحصر في هذا الحيز فحسب، بل إن تحضيرات مماثلة ربما لم تحظَ بزخم إعلامي، وقد يكون هذا مقصوداً من جانب أنقرة، ما تزال هي الأخرى قائمة ومتوقعة باتجاهات أخرى، وإن شئنا التحديد يمكن القول إن مدينة منبج قد تكون المرحلة الثانية من العملية العسكرية، ولئن كان صحيحاً أن الموقف الأميركي الرسمي ما يزال رافضاً لمسعى أنقرة، إلا أن هذا الرفض ربما لا يرقى في الوقت الراهن إلى أن يتحول إلى ممانعة أميركية عسكرية لمساعي أنقرة، ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد (بعيداً عن التجاذبات والمصالح بين البلدين)، هو النزوع الشديد لدى قسد نحو التنسيق بل ربما الاستغاثة والاستنجاد بقوات نظام الأسد، ولعل التصريحات التي أدلى بها يوم الثلاثاء الفائت الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي، والتي تؤكد الانتهاء من عملية التنسيق التام بل والاتفاق على التصدي المشترك مع قوات النظام للعملية العسكرية التركية، يضاف إلى ذلك مجمل التعزيزات العسكرية التي يقوم بها جيش النظام من خلال إرساله لـ 500 من جنوده عبر مدينة منبج إلى مدينتي عين العرب وعين عيسى، فضلاً عن أنباء يتم تداولها عن نية مشتركة لقسد والنظام معاً لمهاجمة مدينة الباب واحتلالها كإجراء  دفاعي.

ربما كانت مجمل هذه التنسيقات العسكرية بين قسد والنظام تؤكد أن الجانب الأميركي لن يكون شريكاً عسكرياً لقسد حيال أي مواجهة مرتقبة مع تركيا ولن يؤمن أي حماية لها.

الصراع بين الأطراف الدولية والمحلية على الجغرافيا السورية إنما هو قائم على مبدأ وضع اليد وحيازة الأرض أولاً، وليس محكوماً بتوافقات ثابتة لا تتغير، ذلك أن مجمل التخوم العازلة بين الأطراف المتصارعة هي تخوم قتالية تخضع لموازين القوى على الأرض أكثر مما تخضع لأي منطق آخر، ومن هنا يمكن للمعركة المرتقبة والتي صرح الرئيس التركي أنها ستكون أكبر من سابقاتها، أن يكون لها امتدادات ووجهات أخرى تتجاوز تل رفعت ومنبج.

حلب وإدلب:الميليشيات الإيرانية تضغط على تركيا..هل تتراجع؟

شهدت جبهات شرق إدلب وريف حلب الغربي بعد منتصف ليل الأربعاء/الخميس، اشتباكات عنيفة وقصفاً متبادلاً بين الفصائل المعارضة وقوات النظام بعدما حاولت الأخيرة التسلل في أكثر من محور في خطوط التماس الممتدة بين معارة النعسان جنوباً، وبسرطون شمالاً.

وقالت مصادر عسكرية في غرفة عمليات الفتح المبين التي تتزعمها هيئة تحرير الشام في إدلب، ل”المدن”، إن “مقاتلي الفصائل تصدوا لمحاولات تسلل نفذتها قوات النظام والمليشيات الإيرانية في محاور كفر عمة وتقاد وبسرطون وكفر تعال كفر نوران غرب حلب، ومحور معارة النعسان شرق إدلب”.

وأضافت المصادر أن “فصائل غرفة العمليات وسعت من عمليات قصفها على مواقع قوات النظام والمليشيات بعد محاولات التسلل، وطاول القصف بالمدفعية الثقيلة مواقعها في محاور بالا والفوج 46 وعاجل وأورم غرب حلب، وتسبب القصف والاشتباكات بوقوع خسائر في صفوف قوات العدو”.

وأضافت أن “جاهزية فصائل غرفة عمليات الفتح المبين في أعلى مستوياتها للتعامل مع أي تحرك عسكري مفاجئ لقوات النظام والمليشيات في عموم جبهات إدلب”. وأوضحت أن “التحركات البرية المحدودة وتصاعد القصف من جانب قوات النظام كان متوقعاً وذلك قبيل انطلاق القمة الثلاثية بين ضامني مسار أستانة، تركيا وروسيا وإيران، والتي من المفترض أن تعقد في طهران في 19 تموز/يوليو”.

من جهته، قال المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور ل”المدن”، إن “النظام وحلفاءه روسيا وإيران يصعدون في جبهات إدلب كي يضغطوا على تركيا قبيل انعقاد القمة كي يحصلوا على مكاسب وتنازلات مقابل عمليتها العسكرية المرتقبة ضد قسد”. وأضاف “أعتقد أن تركيا لن ترضخ لهذه الضغوط، ولن تتنازل عن أي منطقة لصالح النظام وحلفائه شمال سوريا، حتى وإن تصاعدت حملة القصف بشكل أكبر”.

وتستحوذ المليشيات الإيرانية في الجبهات مع المعارضة شمال شرق إدلب وريف حلب الغربي على الحصة الأكبر من نقاط الانتشار في الخطين الدفاعيين، الأول والثاني، وهذه المرة الأولى التي تشهد فيها جبهات المنطقة تصاعداً غير مسبوق في عمليات التسلل والقصف من جانب المليشيات الإيرانية، بعدما كانت العمليات المشابهة تتركز بشكل أكبر في جبهات إدلب الجنوبية التي تنتشر فيها قوات النظام والمليشيات التي تدعمها روسيا، مثل الفرقة 25 مهام خاصة التي يتزعمها العميد سهيل الحسن المقرب من روسيا”.

وكانت المليشيات الإيرانية خلال الفترة الماضية تعتمد في المواجهات مع المعارضة في مناطق انتشارها غرب حلب وبجبهات شمال شرق إدلب، على الاستهداف البعيد بصواريخ مضادة للدروع، أو بسلاح القناصة، ويبدو أنها قد غيرت استراتيجيتها مؤخراً للضغط على تركيا إلى جانب روسيا، وللقول إنها حاضرة ومستعدة للتصعيد في حال تعرضت مصالحها للخطر، على الأقل لتحصل من تركيا على ضمانات ومكاسب تتعلق بمناطق نفوذها الملاصقة لمناطق سيطرة قسد شمالي حلب.

وفي إطار التحركات الميدانية للمليشيات الإيرانية بريف حلب، شهدت قرى وبلدات في مناطق جنوبي عفرين وشمال تل رفعت التي تسيطر عليها قسد وصول تعزيزات عسكرية للمليشيات الإيرانية، ورفع أعلام إيرانية فوق أسطح المقار والنقاط العسكرية التي كانت تتمركز فيها قسد بوقت سابق.

———————-

واشنطن:العملية العسكرية التركية قد تترك المعتقلين الدواعش بلا حراسة

جدّدت الولايات المتحدة الأميركية رفضها العملية العسكرية التركية التي تنوي أنقرة القيام بها ضدّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في شمالي شرقي سوريا.

وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي دانا سترول في ندوة من تنظيم معهد “الشرق الأوسط”، إن واشنطن “تعارض بشدّة أي عملية عسكرية تركية في شمالي سوريا”. وتابعت: “أبلغنا أنقرة بوضوح بذلك لأن تنظيم داعش سيكون المستفيد الأول من العملية، فضلاً عن التأثير الإنساني”.

وأردفت أن أي عملية تركية؛ “ستعرض القوات الأميركية وقوات التحالف المتواجدة هناك للخطر، كما ستزيح النظر عن مواجهة داعش من قبل قسد، التي نتشارك معها بالهدف الرئيسي وهو القضاء على التنظيم المتشدد”، مؤكدة أن القوات الأميركية ستبقى على الأراضي السورية والعراقية إلى حين تأمين هزيمة دائمة لداعش والقضاء عليه بشكل كامل.

وبالمقابل، اعتبرت سترول أن واشنطن “تتفهم” المخاوف الأمنية لأنقرة من نشاط حزب “العمال” الكردستاني في سوريا والعراق، لافتة إلى أن وزارة الدفاع الأميركية “ستواصل العمل مع تركيا من أجل تبدّيد هذه المخاوف”، مستدركة بقولها: “لكن التوغل التركي سيكون له تداعيات خطيرة جداً”.

وشدّدت على أن عناصر داعش هم في مراكز احتجاز وسجون غير آمنة، كما أن عناصر الحماية والحراسة في هذه المراكز غير مدربين ولا مؤهلين، معتبرة أن هذا ما حدث من تمرد سابق لعناصر داعش المحتجزين في سجن الصناعة بمنطقة غويران بريف الحسكة الجنوبي.

وقالت سترول إن داعش ينظر إلى هذه المعتقلات كأنها “خزان بشري يساهم في تجنيد مقاتلين جدد”، محذرة من أن انشغال قسد بالعملية التركية سيبقي هذه المراكز دون حراسة كافية، وخصوصاً مع تزايد المخاوف المبينة على معلومات استخباراتية بنية داعش إطلاق 10 آلاف من عناصره الموجودين في مراكز الاحتجاز المؤقتة.

لكن على الجانب الآخر، تبدو أنقرة مصممة على البدء بالعملية العسكرية، وهو ما يظهر بوضوح على لسان المسؤولين الأتراك، وآخرهم وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الذي أكد ان تركيا “لن تنتظر الأذن من أحد للقيام بعمليتها العسكرية”، كما أن العملية ستنطلق كما هو مخطط لها.

وسيلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في قمة تجمع زعماء الدول الثلاث الأسبوع المقبل في طهران. وبحسب المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، فإن بوتين سيعقد مع أردوغان اجتماعاً ثنائياً، مشيراً إلى أن الاجتماع الذي يضم الدول الضامنة لمسار أستانة؛ سيخصص لبحث المستجدات السورية.

———————

مسؤولون أمريكيون: تركيا ستشن قريباً عملية عسكرية في سورية

حذر مسؤولون أمريكيون، من اقتراب شن عملية عسكرية تركية ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، في شمال سورية.

وحسب “إذاعة صوت أمريكا” الرسمية، اليوم الخميس، فإن مسؤولين أمريكيين أعلنوا أن تركيا ستشن قريباً عمليات عسكرية جديدة في شمال سورية.

واعتبر المسؤولون، أن الخطوة التركية “ستعرض القوات الأمريكية في المنطقة للخطر، وستكون لها عواقب وخيمة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.

كما اعتبروا أن “التوغل التركي لن يأتي بأي خير”، وأشارت الإذاعة، إلى أن واشنطن فشلت في وقف “قعقعة السيوف من أنقرة”.

وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشرق الأوسط، دانا سترول، “نعارض بشدة أي عملية تركية في شمال سورية، وقد أوضحنا اعتراضنا على تركيا”.

وأضافت أن “العملية تعرض القوات الأمريكية للخطر، وستؤدي إلى مزيد من العنف في سورية”، محذرة من تداعيات كارثية إضافية.

ورأت المسؤولة الأمريكية، أن تنظيم “الدولة الإسلامية” سيستغل هذه الحملة العسكرية، منوهة إلى أن هناك “معلومات استخباراتية تشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية عازم على إطلاق عمليات لتحرير 10 آلاف مقاتل محتجزين في سجون مؤقتة في شمال شرق سورية، تحت حراسة قوات سوريا الديمقراطية”.

كما اعتبرت أن العملية العسكرية التركية، ستدفع “قسد” إلى التركيز على التحرك شمالاً لحماية مناطقها، وترك أماكن احتجاز عناصر “تنظيم الدولة”.

وذكرت ستراول في سياق متصل، أن الولايات المتحدة تعترف بأن لدى تركيا مخاوف مشروعة بشأن نشاط “حزب العمال الكردستاني” في سورية والعراق، وتعهدت بأن البنتاغون “سيواصل العمل مع تركيا لمواجهة هذا النشاط”.

وأكدت المسؤولة الأمريكية، أن “قسد في حال تعرضها للهجوم سيتم دفعها إلى التعاون مع الخصوم” في إشارة إلى روسيا وإيران ونظام الأسد.

من جهته قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية والعسكرية، والقائم بأعمال المنسق العام لمكتب مكافحة الإرهاب، تيموثي بيتس، إن “زيادة النشاط العسكري في سورية، لن يؤدي إلا إلى زيادة عدم الاستقرار والفرص المتاحة لداعش”.

وكانت “الإدارة الذاتية” التي تسيطر على مناطق في شمال وشرق سورية، قد هددت بورقة معتقلي “تنظيم الدولة”، في حال بدأت تركيا بأي هجوم عسكري ضدها.

وهدد نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، الأسبوع الماضي، بأنه إذا حصل أي هجوم تركي “لن تكون لنا أي مسؤولية” تجاه التنظيم، وتابع: “ليفعلوا ما يفعلوا لسنا مسؤولين عنهم”.

وتعتزم تركيا تنفيذ عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية ضد “قسد”، حسب ما يصرح به مسؤولون أتراك منذ أسابيع، بانتظار ما ستنتج عنه قمة طهران بين تركيا وروسيا وإيران، الأسبوع المقبل.

ومن المحتمل أن تستهدف العملية مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، وهما منطقتان بعيدتان عن مراكز احتجاز معتقلي “تنظيم الدولة”.

————————–

أنفاق “قسد” في سورية… تكاليف مرتفعة واستخدامات متعددة/ عبدالله البشير

كثّفت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) عمليات حفر الأنفاق في مناطق سيطرتها شمال شرقيّ سورية، منذ إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نيّة بلاده الشروع باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء الباقي من الأعمال التي بدأتها تركيا لإنشاء المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود الجنوبية (مع سورية)، في 23 مايو/ أيار الماضي.

“قسد” توسّع الأنفاق واستخدامها

ووسّعت “قسد” عمليات الحفر داخل المدن وعلى أطرافها وعند المناطق الحدودية بين سورية وتركيا شمالاً، بالإضافة إلى المناطق الحدودية بين سورية والعراق.

وتُستخدم الأنفاق ضمن تكتيك عسكري قد يُمكّن “قسد” من الصمود في وجه عمليات عسكرية برية محتملة، تستهدف بالدرجة الأولى نقاط ارتكاز لها وطرقاً حيوية تربطها.

وتحدث عنصر سابق من المجندين إجبارياً في صفوف “قسد”، ضمن ما يطلق عليه “قوات الدفاع الذاتي”، لـ”العربي الجديد” عن الآليات التي تتبعها في حفر هذه الأنفاق والغايات من استخدامها، لافتاً إلى أن عمليات الحفر بدأت فعلياً بعد فترة قصيرة من إعلان تشكيل “قسد” في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015. وكشف أن الأنفاق ممرات آمنة لحماية مقاتليها والقياديين فيها من الهجمات، إضافة إلى احتواء بعض الأنفاق على مستودعات للأسلحة.

وقال العنصر: “في عام 2021 كنت أعمل ضمن قوات الدفاع الذاتي في حيّ غويران بمدينة الحسكة، حيث تنتشر فيه خلايا لتنظيم داعش. وخلال تلك المدة، وبتوجيه من التحالف الدولي ودعم مباشر من الحكومة الفرنسية، كثفت قسد عمليات حفر الأنفاق تحت الأرض في المنطقة، لأسباب عدة لخدمة النقاط العسكرية، وبناء فرن خاص بقوات الدفاع الذاتي تحت الأرض في المنطقة، بالإضافة إلى ربط الأنفاق ببعضها”.

وأشار إلى أن “هذه الأنفاق تتيح للقادة التنقل خفية بعيداً عن التنقل العلني أمام الناس، وتتيح لقسد إخفاء الأموال والمؤسسات الخدمية ضمن ما يطلقون عليه (الأمن الاقتصادي)”.

وأوضح أن تكاليف بناء هذه الأنفاق باهظة، وهناك عمال من العرب والأكراد يعملون في حفر الأنفاق، مشيراً إلى أن “قسد تطلق بين الحين والآخر مناقصات للحفر، حيث يوفّر أصحاب المشاريع المعدات، ويستخدم الإسمنت المسلح بكثافة ضمن الأنفاق الكبيرة التي تتيح تنقل السيارات والعربات العسكرية. ويقف خلف عمليات الحفر تنظيم عسكري وسياسي، إلا أنها لا تأتي بأي فائدة على المدنيين، بل إن عمليات الحفر تسبب تخريب الشوارع”.

وأضاف العنصر أن حفر الخنادق له طرق مختلفة، فهناك خنادق تُجهَّز من طريق حفارات أمام الناس تقوم بالحفر وتجهيز الخنادق وتدعم بالإسمنت المسلح، وأماكن ترحيل التربة يطلق عليها “نقاط الحفر الواسعة” ويتم تغطيتها خوفاً من استهدافها بالطائرات المسيرة خلال عمليات الحفر، على أن يتم تشكيل الهيكل الإسمنتي لهذه الأنفاق تحت الأرض.

ولفت إلى أن هناك حفارات خاصة داخل التربة تحول دون المساس بالطبقة السطحية، وذلك من طريق حفارات تقوم بعمليات حفر مدروسة وفق مسارات محددة.

وبيّن العنصر أن الأنفاق ضمن المدن وأطراف المدن والمناطق الحدودية منها ما يُحفَر يدوياً، ومنها ما يُحفَر بالآلات أيضاً، سواء من خلال شركات خاصة تحفرها وتسلّمها في الموعد المحدد، أو من خلال عمال مياومين مقابل أجور تدفع بالليرة السورية بما يعادل 8 دولارات في اليوم الواحد.

وأوضح أن هناك خططاً مرسومة، لافتاً إلى أن الأنفاق تُستخدم أيضاً في عمليات نقل النفط من حقلي كونيكو والعمر بريف دير الزور إلى مناطق تصريفها، خوفاً من استهداف الصهاريج.

وأشار العنصر إلى أن “حزب العمال الكردستاني” هو المسؤول عن إدارة الأنفاق وعمليات الحفر وتنظيمها، وهناك أنفاق تربط بين إقليم كردستان العراق ومناطق سيطرة “قسد”، وأنفاق تربط مناطق سيطرة “قسد” بتركيا.

وقال إن تركيا أعلنت أكثر من مرة ضبطها أنفاقاً من هذا النوع. وختم العنصر بالقول إن “قسد” تستخدم هذه الأنفاق في عمليات التهريب والتنقل الفردي ونقل الأسلحة، وهناك كثافة عالية للأنفاق، بدءاً من منطقة الحدود العراقية السورية التركية باتجاه مدينة القامشلي عند الحدود التركية إلى مدينة الحسكة، وهناك أنفاق فرعية بطول 40 كيلومتراً، وأنفاق أخرى أطول تربط بين المدن.

أما مسعود إبراهيم، الذي يعمل مساعداً فنياً، وكان يعيش في مدينة الحسكة وانتقل أخيراً إلى كردستان العراق، فقد أكد لـ”العربي الجديد” أن عملية حفر الأنفاق كانت تؤمن مصدر دخل لبعض الأسر، في ظل قلة فرص العمل، ولكنها كانت تعطي انطباعاً لدى السكان بكم الأموال الطائلة التي تصرف على مشاريع لا جدوى منها، مقابل وضع معيشي سيّئ يعيشونه.

وأضاف إبراهيم: لو صُرفت الأموال التي تُنفق على حفر الأنفاق على تحسين الحالة المعيشية للسكان لانتعشت كل المنطقة، موضحاً أن تركيا حين تأخذ ضوءاً أخضر بدخول مناطق “قسد” لن تعرقلها أنفاق أو غيرها.

نجاعة تكتيك الأنفاق

وحول جدوى اعتماد “قسد” على الأنفاق باعتبارها تكتيكاً عسكرياً، قال الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني لـ”العربي الجديد”، إنه بالنسبة إلى تكتيك الأنفاق من الناحية العسكرية، فهي تُستخدم من قبل الطرف الذي لا يستطيع مواجهة قوة أكبر منه، وتوفّر عنصر المباغتة للقوة المُهاجمة. وتسمح الأنفاق باستجرار القوات المهاجمة ونصب الفخاخ لها والاشتباك معها، الأمر الذي يؤدي إلى تدمير الروح المعنوية لعناصر القوة المهاجمة، وارتفاع الروح المعنوية لمن يمتلك هذا التكتيك ويتحكم به.

وأوضح حوراني أن “قسد” تفتقر إلى هذه الميزات لأسباب متعددة، أهمها الخلل البنيوي لديها، وترك عناصرها وهربهم من وحداتهم، حتى قبل حدوث أية عملية عسكرية كبيرة، وبمجرد تصاعد حدة التصريحات والتجهيزات التي تؤشر على قرب عمل عسكري ضدها.

وأضاف: كذلك فإن تركيا وفصائل “الجيش الوطني” تمتلك القدرة على اختراق “قسد” ومعرفة خرائط هذه الأنفاق “التي كلفتها مبالغ طائلة لإنجازها” بكل سهولة، ومعرفة مداخلها، ومخارجها. ولذلك رأينا في عملية “غصن الزيتون” (عملية تركية بين 20 يناير/كانون الثاني 2018 و9 أغسطس/آب 2019) كيف أُحكِمَت السيطرة على تلك الأنفاق التي أنشأتها “قسد” في عفرين وأُبطِل تأثيرها في القوات المهاجمة، وبشكل خاص من “قبل الطيران باستهداف مداخلها”.

ولم تستفد “قسد” في الحالات السابقة من أنفاق “غصن الزيتون” و”نبع السلام” (عملية تركية بين 9 أكتوبر 2019 و25 نوفمبر/تشرين الثاني من العام عينه)، وهو دليل على ضعف الخبرة العسكرية لديهم. وقياساً على ذلك، فإنها لن تستطيع الاستفادة من الأنفاق في أي عملية عسكرية جديدة ضدها.

وتابع حوراني: الحالة العسكرية لـ”قسد” أثبتت حتى لداعمها الأميركي، أنها غير متماسكة، ولا يمكن الاعتماد عليها وحدها، أو حتى الوثوق بها بالمطلق. لذلك، نجد أن التحالف لم يترك “جيش مغاوير الثورة” في منطقة التنف، واجتمع نائب قائد عملية “العزم الصلب” العميد كارل هاريس أخيراً بقائد “الجيش” العميد مهند أحمد الطلاع، لاعتماده كذراع أخرى للتحالف. كذلك إن قيام قوات التحالف بالعمليات المشتركة مع “قسد” لملاحقة خلايا “داعش”، يشير إلى عدم ثقته بقدرات “قسد”.

ويُشار إلى أن مسؤول حفر الأنفاق في “قسد” محمد آيدن، قُتل بغارة جوية لطائرة مسيرة تركية في بلدة الدرباسية بريف الحسكة أقصى شمال شرقي سورية، وذلك في إبريل/ نيسان الماضي.

العربي الجديد

—————————–

واشنطن ترفض عملية تركية شمال سوريا: لا تدفعوا «قسد» إلى أحضان الخصوم

الاستخبارات الأميركية حذرت من استغلال «داعش» العملية لإطلاق 10 آلاف مقاتل

واشنطن: إيلي يوسف

أعرب مسؤولون أميركيون كبار عن رفضهم لأي عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، محذرين من أن هذه الخطوة ستعرض القوات الأميركية في المنطقة للخطر، وستكون لها عواقب وخيمة على قتال تنظيم «داعش»، إضافة إلى أنها قد تدفع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) إلى حضن الخصوم، خصوصاً إيران. وللولايات المتحدة حوالي 900 جندي في سوريا، معظمهم في الشمال الشرقي يدعمون «قسد» التي تتولى مقاتلة خلايا «داعش» في المنطقة. وتشير تقديرات استخباراتية من الولايات المتحدة ودول أخرى، إلى أن حجم قوات «داعش» في سوريا والعراق يتراوح بين 6 آلاف و16 ألف مقاتل، يعمل معظمهم كخلايا صغيرة في مناطق نائية.

وفيما تهدد تركيا منذ مايو (أيار) الماضي، بتوسيع ما تسميه «منطقتها الأمنية» بعمق 30 كيلومتراً على الجانب السوري من الحدود، عبرت الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة عن قلقهم، وواصلت اتصالاتها بأنقرة، من دون تحقيق نتيجة كبيرة لخفض التصعيد التركي. وقالت مساعدة وزير الدفاع الأميركي دانا سترول في منتدى نظمه «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن الأربعاء، أن «البنتاغون أعلن معارضته الشديدة لأي عملية تركية في شمال سوريا، وأنه تم إيضاح اعتراضنا لتركيا». وقالت إن «تنظيم (داعش) سيستغل هذه العملية من أجل أعادة تقوية وجوده»، مشيرة إلى أن «معلومات الاستخبارات تشير إلى أن (داعش) عازم على إطلاق عمليات لتحرير 10 آلاف مقاتل محتجزين في سجون مؤقتة في شمال شرقي سوريا، تحرسها (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة». وأضافت سترول أن «التنظيم يعتبر مراكز الاحتجاز بمثابة مراكز سكانية لمقاتليه لإعادة تشكيل جيشه (..) إذا كانت هناك عمليات عسكرية من شأنها أن تجعل (قسد) تركز على التحرك شمالاً لحماية مناطقها من حملة جوية أو حملة برية، فسيتم سحب عدد كبير جداً منهم».

يذكر أن «داعش» قام بعملية فاشلة في يناير (كانون الثاني) لإطلاق سراح 4 آلاف مقاتل من سجن الصناعة في الحسكة، لكن «قسد» التي حشدت نحو 10 آلف مقاتل وبدعم من طائرات التحالف، قمعت العملية. ورغم ذلك فر نحو 10 عناصر من مقاتلي التنظيم المتمرسين، الأمر الذي يمكن أن يشجع «داعش» على تكرار العملية إذا نفذت تركيا تهديداتها. وقالت سترول إن «الولايات المتحدة تعترف بأن لتركيا مخاوف مشروعة بشأن نشاط حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق»، متعهدة أن البنتاغون «سيواصل العمل مع تركيا لمواجهة هذا النشاط». لكنها حذرت من أن «أي توغل تركي سيكون خطوة مبالغا فيها بشدة». وقالت إن «العملية قد تؤدي إلى دفع قوات (قسد) إلى أحضان خصومنا، روسيا وسوريا وحتى إيران، إذا تعرضت لهذا النوع من الضغط».

ورغم اعتقاد مسؤولين أميركيين ومن «قسد» والعراقيين أيضاً، أن القيادة الأساسية للتنظيم قد ضعفت بعد الضربات التي استهدفتهم، بما في ذلك الغارة الأخيرة بطائرة بدون طيار الثلاثاء، وأسفرت عن مقتل ماهر العكال، مسؤول التنظيم في سوريا، إلّا أن هناك دلائل على أن نواة التنظيم تحاول على الأقل تهيئة نفسها للعودة. وقال تيموثي بيتس القائم بأعمال منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأميركية، في المنتدى نفسه، إن «زيادة النشاط العسكري التركي في سوريا لن يؤدي إلا إلى زيادة عدم الاستقرار والفرص المتاحة لداعش». من ناحيته، قال جوشوا غيلتزر نائب مستشار الأمن الداخلي في البيت الأبيض، إن التنظيم «يحاول إحياء نفسه»، وبأنه «اليوم هو على الأقل مجموعات في جيوب صغيرة، ويواصل ممارسة أو على الأقل محاولة ممارسة بعض السيطرة على الأراضي». وأضاف أن «داعش» نفذ نحو 350 هجوماً في سوريا والعراق هذا العام، وأن هناك أدلة أيضا على أن قيادته في سوريا والعراق، لا تزال قادرة على ممارسة نفوذها على الجماعات التابعة لها في جميع أنحاء العالم وتقاسم الموارد المالية. كما أعربت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن قلقها من أن يؤدي التوغل التركي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية. وقال أندرو بليت، القائم بأعمال مساعد مدير الوكالة لمنطقة الشرق الأوسط: «هناك 500 ألف شخص آخرين يمكن أن يتشردوا». «هناك الكثير من النشاط الدبلوماسي الجاري بالتأكيد لمحاولة تلطيف أي تصرفات يقوم بها الأتراك في هذا الاتجاه فيما يتعلق بمدى زعزعة الاستقرار». من جهة أخرى، أعلنت الخارجية الأميركية، أنه تمت إعادة 12 مواطنا أميركيا من سوريا والعراق منذ آخر دفعة أعلن عنها عام 2020، ليبلغ عدد العائدين 39 شخصا منذ 2016. وقالت إن من بين مجموع العائدين، 15 بالغا،11 منهم متهمون بجرائم و24 قاصرا. وقالت وزارة العدل إن اثنين من البالغين العائدين لم يتم توجيه تهم إليهم لأنهم كانوا قاصرين عندما اصطحبتهم عائلاتهم للانضمام إلى «داعش».

———————

=================

تحديث 22 تموز 2022

———————

خريف “قسد”/ عبد الناصر العايد

قلنا في مقال هنا، في الربع الأخير من السنة الماضية، أن واشنطن استجابت لرجاءات إلهام أحمد، ووفدها الذي زار واشنطن حينها، ووعدته بالتأني والتخطيط لانسحاب بلا عقبات تزعزع مصداقية الولايات المتحدة الأميركية، كالتي تسببت بها فوضى الانسحاب من أفغانستان. لكن الأميركيين أخبروا الوفد أيضاً، وفق مصادر من داخل الإدارة، أن التزامهم ليس بلا أجل مسمى، وحدوده تقف عند نهاية العام 2022، وخلال هذه المهلة على الأكراد أن يتدبروا أمرهم مع الروس، الذين أعلنوا صراحة جهوزيتهم للتوسط بين الأكراد وأنقرة، وبطبيعة الحال مع نظام الأسد.

شهدت الأشهر التي تلت ذلك، محاولات من قيادة “قوات سوريا الديموقراطية” لإيجاد مخرج لهذا المأزق، خصوصاً مع نشوب الحرب الأوكرانية وتغير بعض المعادلات الإقليمية والدولية، مثل احتمال مناكفة الأميركيين للروس في سوريا. لكن التطورات في هذا الملف، والتي جلبت بعض الفرص، ما لبثت أن جلبت تهديدات أكبر، تمثلت في حصول الاتراك على ضوء أخضر غربي لعملية عسكرية في شمال سوريا نظير موافقتها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وأيضاً توطد التفاهمات المصلحية بين أنقرة وموسكو على خلفية عزلة الكرملين وحاجته إلى الحفاظ على علاقة الشراكة مع تركيا في الظروف الدولية السلبية التي تواجهها.

وازداد المشهد سوءاً مع المصالحات العربية التركية، ولم يعد في الإقليم من يدعم “قسد” لمجرد مناكفتها أنقرة، وتحللت كل من مصر والإمارات من التزاماتهما غير المعلنة بدعمها، بل وجهتا “قسد” إلى الطرف الذي ترغبان في تعويمه وهو نظام الأسد.

المحصلة النهائية لكل هذه التطورات، ستتبلور بشكل كامل في الخريف المقبل، عندما تعلن القوات الأميركية انسحابها الميداني من سوريا، مع المحافظة على الجهود الأمنية والاستخباراتية لتعقب تنظيم “داعش” ومكافحته عبر غارات الطائرات بلا طيار كما تفعل في مناطق أخرى من العالم.

نعتقد أن خاتمة المطاف ستتمثل في هيمنة روسية على شرق الفرات، تبتلع من خلاله استقلالية “قسد” التي تمتعت بها في السنوات الماضية، أما نظام الأسد فسيكون حضوره العسكري رمزياً، لكنه سيستعيد السيطرة على القطاعات المدنية. أما الثروة النفطية، فسيكون نصيب الأسد منها للشركات الأمنية الروسية، بينما ينال منها كل من النظام و”قسد” ما يقيم أوده فحسب.

تركيا التي ستحتل مناطق جديدة في الشريط الحدودي، ستطلق عملية تثبيت النتائج الاستراتيجية لعملياتها، وهي إسكان مهجري الداخل السوري الذين لا يرغب النظام في عودتهم، في المنطقة الحدودية، لتحطيم الخريطة الديموغرافية السابقة، وإنهاء ما كان يوصف بـ”كرديّة” المناطق الحدودية مع سوريا.

والسؤال الذي يمكن لقيادة “قسد” أن تطرحه على من ينتقدها، هو: ما الذي كان يمكنها أن تفعله؟ ما هي الخطة أو الطريق التي كان يمكن أن تسلكها لتجنّب نفسها هذا الاضمحلال الذي يجعل من وجودها واندثارها عملاً عبثياً بلا معنى؟

الإجابة البسيطة على هذا السؤال: ربما كانت المرونة. فـ”قسد” وقادتها اعتقدوا أن التهديد بداعش يعمل إلى الأبد، لم يتعلموا من الدرس الأفغاني حيث سلّمت واشنطن أفغانستان برمتها في ليلة واحدة إلى طالبان. من ناحية أخرى، هم اختاروا أن يدفعوا في سوريا فاتورة حزب العمال الكردستاني في تركيا، من دون أن يقدم ذلك الجناح أي تنازل لصالح “قسد”، كالتحرك للضغط على الأتراك، أو حتى التفاوض معهم، أو الإعلان عن فك ارتباطه بـ”قسد” أو فك ارتباطها به. من ناحية ثالثة، اختاروا مناوأة قوى الثورة السورية، ولم يسعوا بأي قدر من الجدية للاستفادة من رصيدها السياسي والأخلاقي والبشري، وبنوا جدراناً عالية من العزلة حول أنفسهم في بوادي شمال شرقي سوريا، جعلت وجودهم منفصلاً عن تيار الأحداث الرئيسي، تحت وهم الاستقلالية. وأخيراً، عزلوا أنفسهم عن التيار الاستراتيجي للأحداث الإقليمية من خلال مهادنة إيران أو حتى التحالف معها، وكان أكثر من طرف قد عرض عليهم من قبل، التحالف في هذا الاتجاه، والذي يتماشى أيضاً مع المزاعم والشعارات الوطنية التي يرفعونها، لكن بضغط من قنديل المرتبطة بطهران، فأبدت دوماً إعراضها عن الانخراط في أي نشاط من شأنه مناكفة إيران، ولو إعلامياً.

لقد أطلق قائد “قسد”، مظلوم عبدي، إعلانا كبيراً خلال اليومين الفائتين، يقول فيه أن قواته “سمحت” لقوات النظام بالانتشار في مناطق سيطرة قواته، وتدل ردود أفعال النظام وروسيا والدول الغربية، التي تجاهلت هذا الإعلان بشكل كامل تقريباً، على المكانة الثانوية التي ستقبع فيها هذه القوات، حتى تتسرب وتتلاشى نهائياً، لتنتهي هذه المغامرة إلى ما آلت إليه المغامرة التي كانت سبباً في صعود “قسد” وتمددها على مسرح الأحداث ردحاً من الزمن، وأقصد مغامرة “الدولة الإسلامية” التي آلت إلى مجموعة من القادة المشتتين والمتوارين عن الأنظار، تلاحقهم وتحصدهم الطائرات الأميركية رأساً بعد آخر، وهو ما تفعله وستفعله الطائرات المسيرة التركية بحق قادة “قسد” وكوادرها.

المدن

———————

مشاريع الإسكان التركية شمال غرب سوريا: سياسة توسعية مثيرة للجدل/ بقلم ليز موفة

الوحدات السكنية التي أنشأتها هيئة الإغاثة الإنسانية ومقرها تركيا (IHH)، وهي المسؤولة عن بناء ما يزيد عن 25 ألف وحدة سكنية في شمال غرب سوريا، 5/ 5/ 2022 (IHH).

باريس- أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أثناء زيارته للمناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة، شمال غرب سوريا، في حزيران/ يونيو 2022، عن خطة تركية لبناء 240 ألف وحدة سكنية في المنطقة بشكل عاجل، لتأمين احتياجات النازحين السوريين واللاجئين العائدين.

في تصريح صويلو إشارة إلى مدى إلحاح أنقرة على تنفيذ سياسة بناء المنازل في سوريا، إذ أنشأت المنظمات غير الحكومية التركية والوكالات المعنية بالاستثمار والتطوير عشرات آلاف الوحدات السكنية الإسمنتية في شمال غرب سوريا، على مدى الثلاث سنوات الماضية، تحت عنوان إرساء الاستقرار عبر تحسين الوضع الإنساني وحث السوريين على البقاء.

لكن، في الوقت الذي تستمر فيه تركيا بالتوسع في البناء شمال سوريا، استجابةً للمخاوف السياسية الداخلية، وتحقيقاً للأهداف الإنسانية المُصرح بها، لا تنفك منظمات حقوق الإنسان عن انتقاد هذا التوسع والتشكيك بمدى شرعيته. وهنا تبرز مجموعة من التساؤلات، من قبيل: لماذا تبني تركيا الوحدات السكنية شمال سوريا؟، ومن يمول هذه المشاريع؟ ومن الذين تُنتهك حقوقهم جراء ذلك؟

ما دوافع تركيا؟

في السنوات الأخيرة، تقع مساحات واسعة شمال سوريا، تحت نفوذ أنقرة، بفعل ثلاث حملات عسكرية حدودية بمشاركة الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم منها، الأولى: عملية درع الفرات، التي استهدفت تنظيم “داعش” في ريف حلب الشمالي، عام 2016، والثانية: عملية غصن الزيتون، عام 2018، وآخرها: نبع السلام، عام 2019، حيث أطلقت العمليتين الأخيرتين ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، وهو تحالف يضم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG).

وترتبط “YPG” وجناحها المدني المتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بعلاقات مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، العدو التاريخي لأنقرة.

تهدف العمليات العسكرية، بحسب التصريحات التركية، إلى طرد القوى العسكرية السورية الكردية عن حدودها الجنوبية، وجعل شمال سوريا “قطاعاً آمناً”، لصالح الجيش الوطني المدعوم من أنقرة، الذي يسيطر على المنطقة، فيما تتولى المجالس المحلية السورية المعارضة تقديم الخدمات الأساسية للسكان المدنيين، بالتعاون مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، المعنية بتنسيق عمليات الإغاثة التركية.

وفي حين يرجع التدخل العسكري التركي شمال سوريا إلى مخاوف أمنية وطنية، يُعزى التدخل الإنساني إلى “إرساء الاستقرار” في المنطقة وسط تزايد المخاوف بشأن ارتفاع أعداد النازحين السوريين على حدودها، وبالتالي استمرار محاولات عبور الحدود إلى تركيا التي تستضيف نحو 3.6 مليون لاجئ سوري.

يندرج بناء المنازل في إطار استراتيجية “إرساء الاستقرار” عبر إتمام بناء أكثر من 57 ألف منزلٍ في محافظة إدلب بتمويل تركي، الذي بدأ العمل بها منذ عام 2019، وهي من أصل 77 ألف منزلٍ من المخطط إعمارها مبدئياً، وفق ما أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أيار/ مايو 2022. ومن ثم الخطط التي كشفت عنها السلطات التركية لاحقاً، المتمثلة ببناء 240 ألف منزل إضافي، في 13 بلدة أو مدينة شمال غرب سوريا، بما في ذلك جرابلس والباب وعفرين وإدلب وتل أبيض ورأس العين.

لأجل من هذه المشاريع؟

حتى هذا التاريخ، يُشاع أنّ مشاريع بناء المنازل في شمال غرب سوريا خُصصت لإيواء 2.8 مليون نازح سوري في محافظتي إدلب وحلب، الواقعتين تحت سيطرة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام. وترمي هذه المشاريع بحسب ما هو مُعلن إلى تحسين الظروف المعيشية للنازحين، بنقل آلاف الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات عشوائية إلى مساكن إسمنتية.

تُطلِق الوحدات السكنية الإضافية الـ 240 ألف، المُعلن عنها، يد تركيا في سوريا بشكل أكبر، بما يتماشى مع سياستها، وتأتي هذه الخطوة بالتوازي مع خطة “العودة الطوعية” على نطاقٍ أوسع، إذ تشمل إعادة أكثر من مليون سوري إلى مناطق النفوذ التركي في سوريا خلال السنوات المقبلة.

  العودة الطوعية لمليون سوري من تركيا: مشكلة اللاجئين أكبر من تأمين سكن

وتزامن الحديث عن عودة اللاجئين السوريين في وقت يستخدم السياسيون الأتراك ملف اللاجئين، قبل موعد الانتخابات التركية العامة المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو 2023، وقد زاد في الأشهر الأخيرة فوبيا الأجانب بشدة، على خلفية تصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين المتهمين بأنهم سبب الأزمة الاقتصادية التي تجتاح تركيا.

سياسة مثيرة للجدل

يرى أنصار الخطة التركية لبناء وحدات سكنية إسمنتية شمال سوريا أنّ بناء المنازل “خطوة حاسمة” لاستقرار المُهجرين واللاجئين السوريين بتأمين ظروف معيشية أفضل.

في دراسة تحليلية أجراها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في أيار/مايو 2022، سلطّ الصحفي والباحث السوري، عمار المصارع، الضوء على مأساة المُهجرين في شمال غرب سوريا، إذ يعيش بعضهم في الخيام منذ عشرة سنين. بالنسبة لأولئك، لم تعد الحلول الطارئة المؤقتة التي تؤمنها الجهات العاملة في المجال الإنساني كافية: السوريون يحتاجون إلى منازل دائمة تأويهم، وخطط للعودة، إضافة إلى الوصول الدائم للخدمات من قبيل الصحة أو التعليم، وفق ما يحاجج المصارع.

  شمال غرب سوريا: الفجوة بين الاحتياجات والاستجابة تحول شتاء النازحين إلى “كابوس” متجدد

غير أنّ إعلان أنقرة الأخير، أثار مخاوف منظمات حقوق الإنسان، التي وثقت الترحيل القسري لعشرات آلاف السوريين من تركيا بين عامي 2019  و2021، وهم يخشون أن تسوّغ المشاريع السكنية التركية مزيداً من عمليات الإعادة القسرية.

في بعض أجزاء شمال غرب سوريا، يتوجس مراقبون من أن استراتيجية النقل الجماعي التي تنتهجها تركيا ستغير التوازن الديمغرافي في المنطقة، وستؤثر عليه تأثيراً فادحاً، وتؤصِّل تجريد المجتمعات اليزيدية والكردية من ممتلكاتها، التي كانت عرضةً للسلب “الممنهج” ومصادرة الأملاك، على يد الفصائل المدعومة من تركيا.

“تقوم الخطة التركية لإعادة مليون لاجئ سوري على توطينهم في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا، وهذه المحافظات السورية لا تعدّ موطناً لكثير من السوريين”، كما كتب مراقبون محليون عاملون في مجال حقوق الإنسان في بيانٍ موجه للجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيار/ مايو، في المقابل “العديد من هذه المناطق كانت موطناً تاريخياً لمجتمعاتٍ ذات غالبية كردية هُجّرت هي من أراضيها” كما جاء في البيان. 

ومما يُعمِّق هذه المخاوف في الواقع أن عدداً كبيراً من هذه الوحدات السكنية القائمة حالياً، التي بنيت تحت ستار المساعدات الإنسانية، انتفعت منها فصائل عسكرية ونخبة من المحليين، وليس السكان المدنيون.

واعتبرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)، التي تعنى بمراقبة حقوق الإنسان، في تقريرها الصادر في حزيران/ يونيو الماضي، التجمعات السكنية التي تشيّدها تركيا شمال سوريا “مخططات هندسة ديموغرافية”. ففي عفرين التي كانت تاريخياً موطناً لنسبة كبيرة من الأكراد، بُنيت عدة مستوطنات للنازحين، فيما اضطر السكان الأصليون الفرار الجماعي منها عقب عملية غصن الزيتون، في كانون الثاني/ يناير 2018، خوفاً من اضطهاد الفصائل التي تساندها تركيا.

وخصصت معظم “المستوطنات” في عفرين “لإسكان مقاتلي الجيش الوطني السوري المعارض وعائلاتهم” خلال إجراءات مبهمة، وفقاً لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، مشيرة إلى أن المقاتلين وعائلاتهم يشكلون نحو 75% من المستفيدين.

من يموّل وينفذ هذه المشاريع؟

في السنوات الأخيرة، بنت منظمات إغاثية تركية وسورية، آلاف الوحدات السكنية للمهجرين بالتنسيق مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد).

تعهدت منظمات عدة ببناء بعض هذه المستوطنات منها: جمعية أوزغور دير ومقرها تركيا، وجمعية فتحية دير، ومنظمة إحسان للإغاثة والتنمية، وهيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) التي أنشأت أكثر من 25 ألف وحدة سكنية، في شمال سوريا منذ عام 2019، كما تواردت الأنباء عن تمويل المنظمة ذاتها لجزءٍ من المستوطنات التي تُبنى في عفرين، وفقاً لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.

رغم عدم وجود بيانات علنية عن هذه المشاريع والمانحين، لكن يبدو أنّ إدارة الكوارث والطوارئ موّلت بعضها، فميا مولت جهات مانخة خاصة البعض الآخر، وهي في عمومها جمعيات خيرية إسلامية دينية مثل: جمعية الرحمة العالمية ومقرها الكويت، أو منظمة الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (DITIB)، ومقرها ألمانيا وتربطها علاقات قوية مع تركيا. حاولت “سوريا على طول” التواصل مع إدارة آفاد للحصول على معلومات حول مشاريعها السكنية لكنها لم تتلق رداً حتى نشر هذا التقرير.

وفي هذا السياق، أكدّ صويلو في مقابلة مع قناة TGRT Haber التركية، في 5 أيار/ مايو الماضي ، على أن المشروع القادم لبناء 240 ألف وحدة سكنية، لن يُموّل من جيوب الأتراك، وإنما “ستموله المنظمات الإنسانية الدولية بالكامل”، دون أن يدلي بتفاصيل أكثر.

شرعية الوحدات السكنية

في الحديث عن مشاريع الإسكان التركية شمال سوريا، يجب مناقشة شرعيتها على مستويين، الأول: فيما إذا كانت تتوافق مع قوانين الملكية في سوريا، والثاني: فيما إذا كانت تتوافق مع القانون الدولي الذي يحكم الالتزامات التي ينبغي أن تتعهد بها السلطة “المحتلة” (والمتمثلة هنا بتركيا) في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. 

يوضح السؤال الأول مدى صعوبة تنفيذ أعمال بناء وبُنى تحتية دائمة في شمال سوريا، إذ “فاقمت عمليات التهجير الجارية على نطاق واسع وكذلك الفراغ القانوني صعوبات إثبات الملكية أو التحقق من الادعاءات المطالِبة بها من دون سند قانوني مُسجّل يُوّثق ملكية العقارات في أغلب الحالات”، وفقاً لتقريرٍ إنساني صادر في عام 2020.

منذ بدء الحرب، هُجّر ملايين السوريين، إلى شمال غرب سوريا غالباً، ودُمِرّت أملاكهم أو تم الاستيلاء عليها، وجرت تعديلات على قوانين الملكية في عدة أجزاء من البلاد لتواكب مصالح من يستحوذ عليها. لم يعد في سوريا نظام قانوني شفاف وموحد ومعترف به بالإجماع لتسجيل وتوثيق عمليات نقل الملكية، كما أن شرعية “السلطات المحلية” التي انبثقت في أجزاء مختلفة من البلاد هي ذاتها على المحك.

تسعى المنظمات الحكومية ووكالات الإغاثة انطلاقاً من التزامها بمبدأ “عدم إلحاق الضرر” للتحقق من أنّ المشاريع التي تنفذها لا تؤصل عمليات نزع الملكية والتهجير القسري. عملاً بهذا المبدأ، نأت عدة منظمات دولية عن مشاريع بناء المنازل، وفضّلت إجراء تحسينات هيكلية للمخيمات غير الرسمية المنشأة على أراض لا يمكن التحقق من ملكيتها، وكذلك امتنعت جهات مانحة عن دعم أعمالِ البناء على نطاق واسع في شمال غرب سوريا.

يكتنف مشاريع البناء التي تدعمها تركيا المخاوف ذاتها، وفقاً للنشرة الاقتصادية المتخصصة “سيريا ريبورت”، هناك التباس في كثيرٍ من الحالات، في تحديد أحقية المنظمات غير الحكومية الأجنبية بشراء وامتلاك الأرض التي سيبنون عليها أم لا. وللالتفاف على هذا الأمر، تُنفذ المشاريع على أراضٍ ذات ملكية عامة أو أراضي وقف، ويُمنح المستفيدون غالباً حق الانتفاع بهذه العقارات لمدة تتراوح من خمس إلى عشر سنوات، دون امتلاكها.

ورغم أن هذا النظام يتسق مع ما ورد في قانون الملكية السوري، إلا أنّه لا ينهي جذرياً المسائل المتمحورة حول أصل ملكية الأراضي “العامة”، التي قد تكون لمالكين جُردوا منها، أو أنّ أصحابها غائبون، وليس للسلطات المحلية شرعية استملاكها.

يشير السؤال الثاني إلى مسؤولية تركيا بصفتها “سلطة محتلة” لأجزاء من شمال سوريا، عن حماية حقوق السكان المحليين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

من حيث المبدأ، يمكن مُساءلة الدولة التركية عن انتهاكات القانون الدولي المرتكبة في الأراضي التي تسيطر عليها، بما في ذلك مصادرة الممتلكات تعسفياً والنهب والسياسات الرامية إلى تهجير مجموعات معينة. وعليه، فإن هذه “المستوطنات” القائمة على مثل هذه الانتهاكات أو تُسهم فيها كما هو الحال في عفرين هي غير شرعية، وفقاً لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين

————————

آفاق عودة اللاجئين السوريين في تركيا

ترجمة: أحمد عيشة

ملخص

اقتُرِحت مسألة العودة الطوعية كحلٍّ دائمٍ لعمليات التهجير الجماعي، ولكن من دون أن يُعرَف سوى القليل عن تصوّرات اللاجئين لخياراتهم. تناقش هذه الدراسة دوافع التطلعات إلى عودة اللاجئين السوريين في تركيا، بناءً على تحليل البيانات الكمية والنوعية، خلال العامين (2017–2018)، حيث يُظهر التحليل أن كثيرًا من السوريين يشترطون لعودتهم توفير الأمن وتغيير النظام وتهيئة فرص كسب العيش في سورية. ومع ذلك، فإن مستوى اندماجهم في تركيا مُهمّ أيضًا، وإن كان بصورة مفارقة، لبحث تطلّعات العودة. على وجه التحديد، يؤثّر التمييز المتصوّر والمعيش والبعد الاجتماعي والثقافي في تحديد تلك التطلعات، وتظهر هذه الآثار كآثار غير مباشرة للاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتوضّح هذه الدراسة التعقيد الكامن وراء قضية العودة، من خلال إثارة النقاش حول دور العوامل المتعلّقة ببلد الأصل في تطلّعات اللاجئين من ناحية، وأهمية الاندماج في البلد المضيف من ناحية أخرى. وتُسهم النتائج التي توصلنا إليها في زيادة فهم العلاقة بين العودة والاندماج، ولا سيما تأثير التجارب الاجتماعية والنفسية للاجئين، في أوضاع اللاجئين التي طال أمدها.

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل

تحميل الموضوع  

مركز حرمون

————————

قسد تعيد فتح معبر الصالحية..لوضع حدّ لتفلّت الفرقة الرابعة

وافقت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) على إعادة فتح المعبر البري الوحيد الذي يربطها بمناطق سيطرة النظام السوري في محافظة دير الزور شرقي سوريا، بعد اتفاق جرى مع ضباط روس في مبنى بلدية الصالحية شرقي المحافظة.

وقال مصدر مطلع لـ”المدن”، إن “قسد أصدرت قرارها بإعادة فتح معبر الصالحية، بعد اجتماع جرى قبل نحو أسبوع بين قيادات ممثلة عنها، مع ضباط روس تابعين لمركز المصالحة ببلدة حطلة”، موضحاً أن الاجتماع الذي جرى بمبنى بلدية الصالحية، تم خلاله الاتفاق على شروط وضعتها قسد للموافقة، كان أبرزها كبح جماح الفرقة الرابعة عن تهريب النفط والمواد الغذائية من مناطقها نحو مناطق النظام، عبر المعابر المائية، والبرية غير الشرعية.

ولفت المصدر إلى أن قسد رفضت طلباً روسياً يقضي عبور دوريات روسية أو قوات عسكرية تابعة للنظام من خلال المعبر، مشددة على إبقاء المعبر لحركة العبور المدنيّة والإنسانية، والتجارية أيضاً.

ويسيطر النظام على 7 بلدات فقط شرقي نهر الفرات، وكان قد استطاع العبور إلى الضفة الشرقية للنهر عبر جسور مائية قدمتها روسيا، كما يعتبر المعبر نقطة تماس قسد مع جيش النظام، ويقع على المدخل الشمالي لدير الزور، ويبعد حوالى 7 كيلومترات عن مركز المحافظة.

وكانت “قسد” قد أعادت افتتاح المعبر للحالات الإنسانية في كانون الثاني/يناير 2021، لكن لم يدُم ذلك سوى يومين، بعد إعادة إغلاقه بسبب اتهام قسد للمدنيين الذي يعبرونه، بمحاولة استغلاله من أجل تهريب المشتقات النفطية. إلا أن ناشطين سوريين كذّبوا تلك الراوية، وقالوا إن قرار الإغلاق جاء بأمر من الولايات المتحدة، لمنع عبور شاحنات النفط نحو مناطق النظام، وتجاوز قانون “قيصر”.

وترسل قسد عشرات الصهاريج المُحملة بالنفط من آبار محافظتي الحسكة ودير الزور، إلى مناطق النظام عبر معابر أخرى، يتواجد معظمها في منبج شمالي حلب، ومحافظة الرقة، بواسطة شركة “القاطرجي”.

كما تنتشر معابر مائية أخرى على ضفاف نهر الفرات، تستخدم بعمليات تهريب البشر والمواد الغذائية والمشتقات النفطية، من شرق الفرات حيث تسيطر قسد، إلى غربه حيث يسيطر النظام. وتسيطر الفرقة الرابعة على هذه المعابر.

ويأتي قرار إعادة فتح المعبر بالتزامن مع غزل قسد للنظام السوري، من أجل الوقوف بجانبها للتصدي للعملية المرتقبة ضدها، من قبل الجيش التركي وحليفه “الجيش الوطني” المعارض.

وفي السياق، ذكرت صحيفة “الوطن” الموالية أن تعزيزات عسكرية تابعة للنظام وصلت وانتشرت على خطوط التماس في جبهات مارع وإعزاز وعفرين بريف محافظة حلب الشمالي، مضيفة أن تعزيزات مماثلة وصلت إلى ريف ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي، على خطوط التماس مع الجيشين التركي والوطني السوري في منطقة “نبع السلام” شمالي شرقي سوريا.

من جانبها، نفت وكالة “سبوتنيك” الروسية وصول أي تعزيزات عسكرية للنظام إلى خطوط التماس مع القوات التركية في شمالي شرقي سوريا.

ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري بالنظام السوري قوله إنه “لا صحة للأنباء التي تحدثت عن إرسال الجيش العربي السوري تعزيزات عسكرية إلى خطوط التماس مع المحتل التركي في ريف الحسكة الشمالي الغربي شمالي البلاد”. وأضاف المصدر أن كل ما يتم تداوله “عارٍ عن الصحة، ولم يتم إرسال تعزيزات إلى خطوط التماس حتى اللحظة”.

المدن

——————————-

قسد عالقة بين فكي العملية التركية وابتزاز النظام/ مصطفى محمد

يضيق الخناق على قوات سوريا الديموقراطية (قسد) على نحو متزايد، لتبدو وكأنها بين فكي كماشة تركيا والنظام السوري، الأولى تتحين الفرصة لبدء عمليتها العسكرية ضدها، والثاني يضغط لتحصيل مكاسب إضافية، على وقع حالة من اللامبالاة الأميركية.

وتعكس الأرتال العسكرية التي يرسلها النظام إلى شمال غربي وشرقي سوريا لصد اجتياح تركي يبدو أنه بات وشيكاً، مدى ضيق المناورة أمام قسد التي تجد نفسها ملزمة على تقديم تنازلات للنظام.

وبشكل يومي تصل أرتال النظام السوري إلى تل رفعت ومحطيها، وتعبر كذلك من معبري “التايهة” إلى ريف منبج، والطبقة إلى أرياف الرقة عند تخوم منطقة عمليات نبع السلام. يأتي ذلك، تنفيذاً لاتفاق ما زالت بنوده “غير واضحة” تم التوصل إليه بين النظام و”قسد” برعاية روسية، ودفع إيراني.

ووفق معلومات حصلت عليها “المدن” من مصادر خاصة، قدمت “قسد” ضمانات بالانفتاح على الحوار الذي تعقده الإدارة الذاتية مع النظام السوري، مقابل زيادة انتشار قوات الأخير في المناطق المهددة بالتقدم التركي، وخاصة في تل رفعت ومنبج.

أما على صعيد التنازلات المباشرة، طالب النظام بفرض سيطرته الكاملة على طريق “أم 4″في جهته الواصلة بين الحسكة وحلب مروراً بريف الرقة، وهو ما لم تعارضه “قسد”، حسب المصادر ذاتها.

وفي إجابته عن سؤال حول طبيعة الاتفاق الذي عقدته قسد مع النظام، قال الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديموقراطية (مسد) رياض درار إن “المسألة ليست اتفاقاً، وما يجري هو استمرار للاتفاق الذي جرى مع النظام بعد احتلال تركيا لرأس العين وتل أبيض في 2019”.

وأضاف لـ”المدن”، أن الدفاع عن حدود سوريا هي وظيفة الجيش، و”قسد” تقول دائماً إنها ستكون ضمن الجيش السوري بعد التسوية (…) نحن نعمل سوية لمواجهة الاحتلال التركي.

تجنب تجربة عفرين

وقال درار: “لا نريد تجربة عفرين عندما تأخرت دعوة الجيش السوري للدفاع عن عفرين فحصل ما حصل، ونحن الآن نحمل الجيش مسؤولياته، إن قاوم فهذا واجبه وهذا ما نريده، وإن انسحب فالتاريخ يُسجل”.

وتطرق رئيس مسد للحل السياسي قائلاً: “نهج الجيش سيكون بداية عامل ثقة يحدد الطريق للحل السياسي، ويجعل التفاهم حوله أفضل من التجاذبات والاتهامات الحالية”.

وأضاف أن “المعلوم أن مسار جنيف يضمن تسوية سورية تشمل جميع الأطراف، وبالتالي لا نحتاج للعنتريات من قبيل إسقاط النظام، وأي تدوير للعمل السياسي سوف يغير هذا النظام وحينها يمكن للسوريين أن يحكموا أنفسهم، ونحن في معركة السياسية والسلاح نعمل دون توقف حتى ننجز الحل السياسي السوري”.

ورداً على الانتقادات لقسد بالسماح للنظام بالتمدد إلى مناطق كان يحلم بالعودة إليها، قال درار: “لا نريد إلقاء التهم، ولا نريد أن ننقص من شأن أي عمل كما اعتاد الشعب السوري، الذي لم يستِطع انتهاز أي فرصة حتى الآن لخلق الظروف للحل السياسي”.

وأضاف “بالمناسبة، خاطبنا في وقت سابق كل أطياف المعارضة وحتى الفصائل، ودعوناهم لمواجهة نظام الاستبداد معاً، لكنهم كانوا لا يتحدثون عن القضايا السورية المشتركة، وإنما خطابهم كان عبارة عن اتهامات مشابهة لتلك التي توجهها تركيا لنا”.

وقبل يومين، أكد قائد قسد، مظلوم عبدي، انتشار قوات النظام السوري بشكل كبير في مناطق نفوذ قواته شمال شرقي سوريا، مضيفاً أن النظام السوري عزز مـن قواته الموجودة في عين العرب وتل رفعت، وقال: “ما نزال نعمل على منبج وذلك بالتنسيق مع الجانب الروسي”.

لا تثق قسد في قدرة النظام السوري على صدّ العملية التركية، كما هو الحال في عفرين، ولذلك تحاول استمالة روسيا بشكل أكبر من خلال الحديث عن حل سياسي سوري يرضي موسكو، ويدفعها إلى زيادة الضغط على أنقرة لثنيها عن تنفيذ تهديداتها.

——————————-

«قسد» تعلن النفير العام تحسباً لهجوم تركي على مناطقها

أعلنت «المجالس العسكرية» التابعة للقيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، (الاثنين)، النفير العام في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، وإرسال تعزيزات عسكرية قبالة الحدود مع تركيا، فيما نفذ الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدتها ببلدة الشدادي جنوب محافظة الحسكة، تدريبات بالأسلحة والذخيرة الحية مع قوات «قسد»، تزامناً مع تصعيد تركيا وتهديدها بشن هجوم عسكري على مناطق سيطرة «قسد».

وتحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن وصول تعزيزات جديدة لقوات النظام إلى محاور القتال في ريف منبج شرق حلب؛ حيث وصلت حافلات عدة محملة بجنوده برفقة قوات روسية إلى محاور القتال ضد الفصائل الموالية لتركيا، بريف منبج، وانتشروا ضمن مواقع ونقاط في المنطقة.

وعززت قوات النظام السوري في الأيام الأخيرة مواقعها في عين عيسى والطريق الدولية السريعة «إم4»، بعد وصول 250 جندياً و5 دبابات وعربات وأسلحة ثقيلة نوعية، انتشرت على طول خطوط المواجهة وتمركزت في مواقع التماس مع منطقة عمليات «نبع السلام» التركية. وتشهد محاور القتال في هذه المنقطة المتشابكة والمتداخلة بين جهات عسكرية خارجية ومحلية متحاربة، اشتباكات عسكرية يومية يتخللها سقوط قذائف صاروخية ومدافع «هاون» يطلقها الجيش التركي والفصائل الموالية، سقط بعضها على مركز عين عيسى، وأسفر عن جرح وسقوط مدنيين وإلحاق أضرار مادية جسيمة بممتلكاتهم.

من جهة أخرى، تجول جنود أميركيون مترجلين بأعداد كبيرة في وسط بلدة تل تمر شمال غربي الحسكة، بحماية دوريات تابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، بالتزامن مع قطع الشوارع ومنع السيارات من العبور لتأمين الحماية للدورية التي تتجول وسط المدينة وتلتقي الأهالي في الطرقات والأسواق وداخل المحال التجارية. ونفذ الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة ببلدة الشدادي جنوب محافظة الحسكة، تدريبات بالأسلحة والذخيرة الحية مع قوات «قسد»، ونقل شهود عيان من سكان المنطقة سماع دوي إطلاق نار وتفجيرات ضخمة في محيط القاعدة خلال التدريبات، كما وصلت قافلة مساعدات عسكرية ضمت 50 شاحنة كانت تحمل على متنها أسلحة ومواد لوجيستية ومدرعات عسكرية من طراز «برادلي» وخزانات مياه ووقود، جاءت بعد مرور 24 ساعة من وصول تعزيزات مماثلة ضمت 80 شاحنة وصلت إلى قواعد التحالف المنتشرة في محافظتي الحسكة ودير الزور.

————————

النظام ينتشر في مناطق «قسد» بدعوة من قائدها

تصاعد الاستهدافات المتبادلة في شمال سوريا

القامشلي: كمال شيخو إدلب – أنقرة: «الشرق الأوسط»

تمركزت قوات عسكرية تابعة للنظام السوري في محيط بلدة العريمة، على خط الساجور بريف منبج شرقيَّ حلب؛ حيث انتشرت عناصر مدعومة بأسلحة ثقيلة و3 دبابات و3 راجمات صواريخ، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، وذلك بعد ساعات على تصريحات مظلوم عبدي، القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، بالسماح للقوات الموالية للنظام بالانتشار في مناطق نفوذها شماليَّ البلاد، تزامناً مع التصعيد التركي بشن عملية عسكرية ضد مناطق نفوذ سيطرة قوات «قسد».

وتمركزت قوات النظام داخل مطار صرين بريف عين العرب (كوباني) شرقيَّ حلب؛ حيث وسعت انتشارها هناك عبر نشر مزيد من الجنود، وإنشاء نقاط ومواقع جديدة. ويعد هذا التموضع والانتشار الأكبر والأوسع من نوعه للقوات النظامية شمالي سوريا منذ نهاية 2019.

وكان عبدي قد قال في مؤتمر صحافي عقده الجمعة بمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا: «أعطينا الإذن لقوات حكومة دمشق بالانتشار في مناطقنا، وهي لديها أسلحة نوعية وثقيلة ومن واجبها الدفاع عن الأراضي السورية».

واستمراراً للتصعيد بين القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، و«قوات سوريا الديمقراطية»، والنظام في شمال سوريا، سقطت قذائف صاروخية عدة على نقطة تركية تقع في بلدة جبرين شمال مدينة مارع على الطريق بين مدينتي أعزاز ومارع، من مناطق سيطرة «قسد» والنظام في ريف حلب الشمالي. وقد أصيب اثنان من قوات الكوماندوز التابعة للشرطة العسكرية الموالية لتركيا بجروح، وقعت على أثرها اشتباكات بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة على محور مرعناز بين الفصائل السورية الموالية لتركيا، من جهة، وقوات «قسد» والنظام، من جهة أخرى.

———————————

رئيس «مسد» لـ«الأخبار»: الاتفاق مع دمشق عسكري حتى الآن

الاتفاق الذي يجري تطبيقه في مناطق شمال شرق سوريا بين الجيش السوري و«قوات سوريا الديموقراطية» بوساطة روسية، هو تنفيذ لِمَا اتُّفق عليه أساساً في عام 2019، إبّان العملية العسكرية التركية التي عرفت آنذاك بـ«نبع السلام». وأكّد الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديموقراطية»، رياض درار، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحوار مع الجيش السوري والعمل المشترك لحماية الأراضي السورية، يشكّلان مقدّمة للحوار السياسي الجادّ الذي يجب أن يُنتِج حلّاً جذريّاً ويبني شكلاً مستداماً من العلاقة لا تُقصي أيّ طرف من العملية السياسية». وأوضح، في المقابل، أن الاتفاق لن يفضي إلى انتشار الجيش السوري في مناطق شرق القامشلي حالياً، وذلك لضمان عدم حصول أيّ اشتباك أو توتّر بينه وبين خصومه التقليديين، في إشارة منه إلى القوات الأميركية التي تنتشر في عدد من النقاط في ريف الحسكة الواقع إلى الشرق من مدينة القامشلي. وأشار درار إلى أن «الجانب الأميركي كان حازماً لجهة منْع أيّ عملية تركية في الرقة والحسكة»، مضيفاُ أنه «كان للوساطة الروسية دور أساسي في الوصول إلى توافق مع الجيش السوري بخصوص الجزء الشمالي الغربي من مناطق الإدارة الذاتية». وقال إن «الخطر تركَّز على تل رفعت ومنبج أكثر من عين العرب. فالأخيرة، أكد الأميركيون مراراً منْع أيّ عدوان تركي عليها. لهذا، فإن التنسيق مع الجيش لحماية هذه المناطق ضرورة قصوى». وبناءً على هذه الضرورة، يحدث حالياً تطبيقٌ لمخرجات اتفاق 2019 مع الجيش السوري.

ونفى الرئيس المشترك لـ«مسد»، حدوث أيّ لقاء ذي طابع سياسي مع الحكومة السورية، قائلاً إن «الحديث عن عودة مؤسسات الدولة إلى العمل في مناطق الإدارة الذاتية يُسقط حقيقة أن بعض هذه المؤسّسات لم يتوقّف أصلاً، ولكن من الممكن أن يحدث توسّع في هذه النقطة من خلال عودة عمل بقيّة المؤسسات، وذلك لكون شمال شرق سوريا جزءاً أساسياً من البلاد، ولا يوجد مانع في حدوث أيّ اتفاق، إلّا تأخُّر التفاهمات السياسية التي يجب أن تقوم بناءً على فهم كلٍّ من الحكومة ومسد، لما وصل إليه الملفّ السوري».

بالنتيجة، الحلول النهائية للملفّ هي بين كلّ من واشنطن وموسكو، وفقاً لدرار، الذي رأى أن الحرب في أوكرانيا أثّرت كثيراً على التنسيق بينهما، في ما يخصّ الملفّ السوري. ولفت إلى أن العودة الأميركية (المفترضة) إلى شمال الرقة (مقر الفرقة 17)، وإلى شرق حلب (معمل لافارج)، كانت موضعية وموضوعية لضمان استمرار محاربة الإرهاب الذي تنتشر قياداته في مناطق تحتلّها تركيا من الشمال السوري، معتبراً أن هذه العودة «هي من الخطوات التي ستمنع أيّ عملية عدوانية تركية جديدة في الشمال». ورأى درار أن «قسد» من الطبيعي أن تكون جزءاً من الجيش السوري، بوصفه المؤسسة العسكرية الأساسية في الدولة، وهذا سيكون من خلال تفاهم وقوننة، وليس ناتجاً من قرار من أحد الطرفين، مشيراً إلى أن هذه الفكرة مطروحة من جانب كلّ قيادات «مسد» و«قسد» منذ فترة طويلة، وهي واحدة من النتائج الطبيعية للحلّ السياسي.

———————–

قمة طهران تبحث «خطوات مشتركة محددة» لدفع التسوية السورية

العملية التركية والوضع في الجنوب وآليات تعزيز التنسيق على جدول الأعمال

موسكو: رائد جبر

تنطلق اليوم الثلاثاء في طهران أعمال قمة بلدان «محور آستانة» (روسيا وتركيا وإيران)، في أول لقاء يجمع رؤساء البلدان الثلاثة بشكل مباشر منذ أكثر من عامين. وكان اللقاء الأخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان، انعقد عبر تقنية الفيديو كونفرس قبل سنتين، واتفقت الأطراف في حينها على عقد لقاء مباشر في العاصمة الإيرانية عندما تسمح ظروف تفشي وباء «كورونا» بذلك.

وخلال العامين الأخيرين تم أكثر من مرة تأجيل موعد القمة المقررة، وأعلن الكرملين قبل شهرين أن الرؤساء الثلاثة سوف يجتمعون لبحث الملف السوري «قبل نهاية الصيف». ومهد الكرملين، أمس، للقمة، بإعلان أن بوتين يقوم بـ«زيارة عمل إلى جمهورية إيران الإسلامية للمشاركة في اجتماع رؤساء الدول الضامنة لعملية آستانة لمساعدة التسوية السورية».

ووفقاً لبيان الكرملين، فإنه من المقرر خلال القمة الحالية «تبادل وجهات النظر حول الجوانب الرئيسية للتفاعل بشكل وثيق، بهدف تحديد الخطوات المشتركة للمستقبل من أجل تحقيق تسوية نهائية طويلة الأمد في سوريا». وزاد أنه «بناءً على النتائج، من المفترض اعتماد بيان مشترك لرؤساء الدول الضامنة لعملية آستانة».

وفي إشارة إلى واحد من أبرز أهداف اللقاء، أكد بيان الرئاسة الروسية على أهمية تعزيز مسار آستانة، لكونه «الآلية الوحيدة التي ما زالت تعمل في إطار البحث عن تسوية نهائية للوضع السوري». وشدد على أنه «إلى حد كبير بفضل العمل المنسق بين روسيا وإيران وتركيا، تم الحفاظ على وقف مستقر للأعمال العدائية في معظم الأراضي السورية، ولا يزال الوضع مستقراً، وتراجع مستوى العنف، وهُزمت المراكز الرئيسية لـ(داعش). لقد تم تقويض إمكانات الجماعات الإرهابية الأخرى بشكل كبير. وتمت استعادة سيطرة الحكومة على معظم أنحاء البلاد».

وفي السياق ذاته، شدد الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، على أن «عملية التسوية السورية ستكون في مركز الاهتمام خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران». وزاد في حديث مع الصحافيين أن «عملية التسوية السورية بمشاركة روسيا وإيران وتركيا، تعد صيغة مهمة للغاية، وأظهرت قابليتها للتطبيق». وشدد بيسكوف، على أن هذه الصيغة الثلاثية، هي «الصيغة الدولية الوحيدة التي تساهم فعلاً في التسوية السورية في الوقت الراهن».

ومع أن الإعلان المقتضب الذي صدر عن الكرملين، لم يكشف تفاصيل جدول أعمال اللقاء والنتائج التي تعول موسكو على تحقيقها، لكن الإشارة إلى السعي لتبني «خطوات مشتركة محددة» لفت الأنظار على خلفية تكهنات أثيرت أخيراً حول تراجع اهتمام الكرملين بالشأن السوري بسبب انخراطه في الحرب الأوكرانية وتداعياتها.

اللافت أنه مع التكتم الرسمي على جدول أعمال الزيارة، فقد حرصت أوساط مقربة من الخارجية على نفي أن يكون اختيار التوقيت أو سرعة تنظيم الزيارة المؤجلة منذ وقت طويل، مرتبطاً بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة أخيراً. كان دبلوماسي روسي قال لـ«الشرق الأوسط»، قبل أيام، إن تحرك بوتين، يأتي «ضمن جدول معد سلفاً، واستناداً لعمل دبلوماسي دؤوب بين المسؤولين في موسكو وطهران وأنقرة، وهي ليست زيارة مفاجئة، أو مرتبطة بأي شكل بزيارة بايدن، إلى المنطقة. لأن روسيا لا تستند في مواقفها السياسية أو في أنشطتها الدبلوماسية إلى منطق رد الفعل».

مع الإشارة إلى أن الملف النووي الإيراني سوف يكون حاضراً خلال لقاء بوتين ورئيسي، لكن المصدر قال إن التركيز الأساسي خلال المباحثات «سوف ينصب بطبيعة الحال على الوضع السوري، مع حاجة الأطراف إلى مناقشة التطورات التي شهدتها سوريا ومحيطها منذ اللقاء الرئاسي الأخير، وعلى ضوء الاجتماعات التي جرت في نور سلطان وفي عواصم أخرى».

في الوقت ذاته، أشار خبراء روس إلى أن اختيار توقيت الزيارة ومضمونها له أهمية خاصة للغاية في هذه الظروف، خصوصاً لجهة أن الوضع ازداد سخونة حول سوريا في الفترة الأخيرة، وبرزت تكهنات حول احتمال انزلاق الموقف نحو مواجهة روسية أميركية، فضلاً عن التطورات المحيطة بالعملية العسكرية التركية المحتملة في مناطق الشمال الشرقي والوضع المتعلق بالوضع في الجنوب، حيث تدور نقاشات بشأن أهمية إنشاء منطقة آمنة. وتستدعي كل هذه التطورات وفقاً لخبراء، إعادة «ضبط الساعات» وتنسيق المواقف حيال التطورات المتسارعة.

ولفت مصدر روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، إلى أن الملفات الأساسية المطروحة للبحث، هي العملية العسكرية التركية، والموقف الثلاثي حيال الضربات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع سوريا، التي تعمدت موسكو إدانتها بشكل حاسم أخيراً، ما يعني تبلور سياسة روسية واضحة تجاهها. بالإضافة إلى ذلك، في حقيبة بوتين «الشكاوى المستمرة التي تصل إلى موسكو من إسرائيل ومن الأردن ومن أطراف عدة، حول التمدد الإيراني في سوريا والمخاوف من تطورات متعلقة بهذا الشأن».

ومع أن الكرملين تعمد الإشارة إلى توقع صدور بيان ختامي مشترك، لكن المصادر الروسية استبعدت الإعلان عن اتفاقات محددة أو تصريحات مشتركة تشكل تطوراً صارخاً، لكنها لفتت إلى أن القمة تمهد لتفاهمات يمكن أن تظهر تأثيراتها خلال الفترة اللاحقة، خصوصاً على صعيد العناصر الرئيسية التي تتركز في توضيح الموقف حيال الوضع في الجنوب، وملف التمدد الإيراني والمخاوف المحيطة به، وحيال التطورات المحتملة في الشمال، خصوصاً لجهة العملية العسكرية التركية التي يبدو واضحاً أن موسكو رغم أنها لا ترحب بها، لكنها لن تكون قادرة على منعها. بالإضافة إلى ذلك، سيكون موضوع التعامل مع الجانب الأميركي في سوريا، خلال المرحلة المقبلة بين أولويات السياسة الروسية ما يحتاج تنسيقاً أقوى مع الشريكين الإيراني والتركي.

كان ملف آخر قد برز بقوة خلال الفترة الماضية، وينتظر أن يكون على طاولة البحث خلال القمة، وهو الملف المتعلق بعمل اللجنة الدستورية السورية، بعد أن أعلنت موسكو رفضها استمرار عقد الاجتماعات في جنيف، واقترحت نقل المفاوضات إلى واحدة من العواصم العربية أو إلى العاصمة البيلاروسية مينسك. وكان هذا الموضوع محور بحث المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة على أصغر خاجي، خلال اتصال هاتفي السبت استبق القمة الثلاثية.

كان بيدرسن أعرب عن تشاؤم حيال فرص عقد الجولة التاسعة من جلسات اللجنة الدستورية السورية في نهاية يوليو (تموز) بجنيف، وقال إن انعقاد الجولة في الموعد المحدد «بات أمراً مستحيلاً على ما يبدو». وشدد بيدرسن على أهمية أن تحمي جميع الأطراف المشاركة في التسوية السورية، هذه العملية من «الخلافات السائدة بينها في أجزاء أخرى من العالم».

————————

قمة ثلاثية في طهران تبحث الملف السوري وإبلاغ تركي بجدية العملية العسكرية المرتقبة

هبة محمد

دمشق – «القدس العربي»: تحتضن العاصمة الإيرانية طهران قمة قادة «أستانة» حول سوريا، أمس واليوم، حيث يستضيف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم الثلاثاء، نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في أول قمة رئاسية تجمعهم منذ ثلاث سنوات، في إطار مسار « أستانا».

    رسائل موجهة داخلية وخارجية لتكتلات قوية

وسيشارك قادة «الترويكا» في القمة الثلاثية في إطار مسار أستانة حول الملف السوري، ووفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يتوجه اليوم، في خضم الحرب التي يخوضها في أوكرانيا، إلى طهران ليبحث مع نظيريه الإيراني والتركي ملف معركة أخرى محتملة يهدد رجب طيب اردوغان بشنها في سوريا.

«التسوية السورية»

كما أفاد بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن القمة الثلاثية ستناقش الجهود المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، كما سيبحث المجتمعون في القمة الثلاثية، الوضع الإنساني والعودة الطوعية للاجئين السوريين.

وأكد الكرملين لدى الإعلان عن القمة هذا الشهر أنها ستكون مخصصة للملف السوري، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أن عملية «التسوية السورية» ستكون في مركز الاهتمام خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران. حيث سيجري ذلك في إطار المحادثات الثلاثية حول القضية السورية في القمة التي تجمع روسيا وتركيا وإيران. وقال بيسكوف في تصريحات لمحطة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، الاثنين: «تعتبر عملية التسوية السورية بمشاركة روسيا وإيران وتركيا، صيغة مهمة للغاية، وأظهرت قابليتها للتطبيق. هذه الصيغة الثلاثية هي الصيغة الدولية الوحيدة التي تساهم فعلا في التسوية السورية في الوقت الراهن».

وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قال في تصريحات صحافية إن خفض التوتر في مناطق النزاع في سوريا وإدارة الأزمة الأمنية بين أنقرة ودمشق بين أهم محاور «قمة أستانا» في طهران، كما «إن أنقرة كانت تتحدث عن إمكانية قيامها بعمليات عسكرية في الأراضي السورية وبذلنا جهوداً لإزالة القلق التركي».

وحول المتوقع والملفات الرئيسية في اللقاء الرئاسي الثلاثي، وأهميته من حيث التوقيت، رأى الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني، أن القمة ستتناول ثلاث موضوعات رئيسية، يجتمع عليها الأطراف الثلاثة، وهي «نقاط مشتركة بينهم سواء الملف السوري أو أمداد إيران تركيا بالغاز، والملفات المعقدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية بين تركيا وروسيا».

وفيما يتعلق بالملف السوري قياسا بما يجري على الأرض قال حوراني «إن تركيا تريد توجيه رسالة جادة حيال عمليتها العسكرية شمال سوريا، وما يجري على الأرض هو تصعيد لجهة حدة الأهداف من قبل فصائل الجيش الوطني والجيش التركي، الذي يستهدف بموجبها مقرات النظام وتحركاته وأرتاله وذلك منذ نحو شهرين».

وكان الجيش التركي قد استهدف أمس الأول، أحد الأرتال العسكرية لقوات النظام، في مدينة تل رفعت وهو ما ترجمه المتحدث على أنه إبلاغ تركي «للطرفين الروسي والإيراني بأنها جادة في تنفيذ العملية العسكرية» حيث تكتسب تركيا قوتها في الوقت الحالي من واشنطن التي أبدت مرونة في معالجة الملفات المشتركة مع تركيا.

قمم متعددة

ورأى الكاتب والمحلل السياسي د. باسل معراوي أن القمة الثلاثية لم تكن على جدول أعمال الرؤساء الثلاثة، وما هي إلا رسالة موجهة لتكتلات قوية، وهو ما دفع «الرئيس الروسي لاختراع القمة الثلاثية لكي تكون بمثابة رد على قمة جدة، وبريد يوجه من خلاله رسائله للداخل والخارج».

وأبدى المتحدث لـ «القدس العربي» اعتقاده بأن الملف السوري ليس هو الملف الرئيسي على طاولة المباحثات، إنما «تم حشر الملف السوري كعنوان لها، وهو بالحقيقة ليست كذلك لان النقطة الساخنة بالملف السوري التي يشترك بها ثلاثي أستانا هي منطقة تل رفعت وإلى حد أقل منطقة منبج».

وقال معراوي «قام الرئيس الامريكي بتقوية التحالف الغربي في أوروبا، وتوجه بعد ذلك إلى الشرق الأقصى، وعقد مؤتمر لقمة كواد الأربعة، وأنشأ مجموعة الدول الـ 14 الآسيوية وكلها تهدف إلى حصار روسيا وتوجيه إنذار للصين».

مؤخرا عقدت ثلاث قمم في أوروبا، وهي «قمة الاتحاد الاوربي في ألمانيا وقمة للسبع الكبار(G7) تلاها قمة في 28 حزيران/يونيو في مدريد لدول الناتو، فلم يشأ الرئيس الروسي أن يبدو أنه معزول فابتدع قمة للدول المتشاطئة في بحر قزوين لكي يظهر لشعبه وللخارج ان لموسكو حلفاء» وفق المتحدث الذي أضاف «أن قمة جدة الموجهة أساسا ضد روسيا وإيران، وكانت قمة تاريخية بكل المقاييس، وتشكل حزاما أو تنسيقا دفاعيا بوجه إيران ورفع الدول المنتجة للنفط لسقف إنتاجها اليومي، كانت بمثابة عمل عدائي ضد روسيا وعمليا يعني انهيار اوبك بلس، الذي راهنت عليه موسكو، ولم يتردد الرئيس الأمريكي قبل وأثناء زيارته أن يعلن أنه لن يترك فراغا في المنطقة لتملأه روسيا والصين وايران، وإزاء ذلك وجدت روسيا وايران نفسيهما بمواجهة تكتلات قوية، فاخترع الرئيس الروسي القمة الثلاثية».

الاتصالات والمشاورات بين البلدان الثلاثة تمت وتتم على أعلى المستويات، وقد زار وزيرا الخارجية الروسي والإيراني أنقرة وأعربا – كل على حدة – عن تفهمه للضرورات الأمنية التركية التي تؤدي بأنقرة لشن عملياتها المقبلة في سوريا، وهو ما دعا المتحدث استبعاد أن تكون هناك تفاصيل أخرى في حاجة للنقاش «فلا يوجد تفصيل لم يحل بينهما، والوضع لا يحتاج لقمة بهذا الوقت وبهذا الشأن».

إبعاد أنقرة عن المجموعة الإقليمية

ورأى الكاتب والمحلل السياسي، أن موسكو وطهران، أرادتا توجيه رسائل داخلية وخارجية، وفضلا عن ذلك تريدان «شق التحالف أو التنسيق الإقليمي وحتى الدولي الذي نشأ ضدهما، فالإيرانيون يوجهون رسائل ناعمة تدعو للحوار مع دول المنطقة لكن العقدة تكمن عندهما في تركيا التي أصلحت علاقاتها المتوترة مع الناتو ووقعت على الإعلان الذي يعتبر روسيا التهديد الأخطر على الحلف وبالتالي هي من حيث المبدأ اصبحت عدوا لروسيا لأنها تنتمي لحلف معاد لها».

وبالنسبة لإيران فهي وفق المتحدث «تخشى الدور التركي بعد المصالحات العربية التركية والاسرائيلية التركية، كما تخشى أن تسخر تركيا قاعدتها العسكرية الضخمة في قطر مع التنسيق الأمريكي العربي وحتى الاسرائيلي لاستهداف إيران، كما تحاول طهران إبعاد أنقرة عن المجموعة الإقليمية أو تحييدها على الأقل». ولذلك رأى المتحدث أن الملف السوري لن يتم التطرق له جديا من الرؤساء الثلاثة، ولاسيما أن المنطقة تغلي والأحداث حبلى بتصاعد كبير.

————————–

قمة طهران: تباين حول العملية التركية و«تعاون» إيراني روسي

لندن -«القدس العربي» – وكالات: لا يبدو أن القمة الثلاثية بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب اردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي، في طهران، أمس الثلاثاء، قد أسفرت عن وجهات نظر موحدة بخصوص العملية التي تنوي تركيا إطلاقها في سوريا ضد المقاتلين الأكراد، لكنها في الوقت نفسه ثبتت “التعاون طويل الأمد” بين طهران وموسكو.

ففي حين أكد رئيسي خلال لقاء اردوغان، أن “إيران وتركيا متفقتان في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية”، أكد المرشد الأعلى، علي خامنئي، خلال لقائه الرئيس التركي أن “أي عملية عسكرية في الشمال السوري ستضر المنطقة بما فيها تركيا وسوريا، وستفيد الإرهابيين”.

وشدد على أن “طهران تعتبر أمن تركيا من أمن إيران، وأن أنقرة ترى أمن سوريا من أمن تركيا.”

وأضاف: “ينبغي حل المشاكل المتعقلة بسوريا عبر المفاوضات، وينبغي على إيران وروسيا وتركيا حل هذه القضايا من خلال الحوار”.

وسارع اردوغان للتأكيد أن “إيران وروسيا تتفهمان المخاوف الأمنية التركية، لكن الكلمات وحدها لا تكفي”.

وزاد: “ننتظر من روسيا وإيران بصفتهما دولتين ضامنتين لمسار أستانة، تقديم الدعم لتركيا في كفاحها ضد الإرهاب في سوريا”.

أما الملف الثاني في القمة، أي الدعم الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا، فقد ظهر كذلك في تصريحات خامنئي، خلال استقباله بوتين.

فقد  ذكر التلفزيون الإيراني الرسمي أن خامنئي أبلغ بوتين بأن على طهران وموسكو توخي الحذر من “الخداع الغربي”، داعيا إلى تعاون طويل الأمد بين طهران وموسكو.

وفي إشارة إلى أزمة أوكرانيا، قال خامنئي: “الحرب حدث صعب جدا، وإيران ليست سعيدة على الإطلاق لأن الناس العاديين يعانون منها” .

كما اجتمع بوتين واردوغان على هامش القمة. وتركزت محادثاتهما على خطة لتحريك صادرات الحبوب الأوكرانية مرة أخرى.

ومن المتوقع أن توقع روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة اتفاقا في وقت لاحق من هذا الأسبوع، يهدف إلى استئناف شحن الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود.

——————–

أردوغان رداً على إيران وروسيا: معركتنا في سورية مستمرة بمعزل عمّن يدعمها

صابر غل عنبري

عقد زعماء إيران وتركيا وروسيا، وهي الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة حول سورية، مساء اليوم الثلاثاء، اجتماعهم الثالث في طهران للتباحث بشأن الأزمة السورية.

وفي مطلع الاجتماع، بمشاركة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طرح كل منهم مواقف بلاده تجاه الوضع السوري، ما أظهر انسجاما بين الموقفين الإيراني والروسي، وتباينا مع الموقف التركي.

وقال الرئيس التركي إن أكبر فائدة للشعب السوري ستكون التخلص من “وحدات حماية الشعب الكردية”، وأكد أن بلاده تتوقع من إيران وروسيا “مساندة جهود تركيا في مكافحة الإرهاب”، معلنًا أن “معركة تركيا مع الإرهاب ستستمر دون النظر لمن يدعمها”.

وقال أردوغان: “أرى أن إيران وروسيا تتفهمان المخاوف الأمنية التركية، لكن الكلمات وحدها لا تكفي”، معربًا عن أمله في أن تحظى بلاده بدعم روسيا وإيران في “مواجهة الإرهاب في سورية”.

وأكد أردوغان أن تركيا لن تصمت تجاه تحركات “الإرهابيين” في سورية، وقال إنها تريد إبعادهم عن حدودها إلى مسافات كبيرة، مطالبا الأطراف الأخرى بألا تتوقع أن تصمت تركيا أمام هذه التنظيمات، وأضاف أن اجتماعات أستانة المتلاحقة “لم تفض إلى حلول سياسية للأزمة السورية”، داعيا إلى “الدعم الكامل لتسريع الحل السياسي والدبلوماسي” لهذه الأزمة.

واعتبر أن تمديد مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية إلى سورية لستة أشهر ليس كافيا، في انتقاد ضمني للضغوط التي مارستها موسكو في مجلس الأمن الدولي.

وتطرق الرئيس التركي إلى أوضاع إدلب، وقال إن الهدوء الذي تشهده هذه المنطقة هو “نتيجة مسار أستانة”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “تركيا تتفهم القلق من وجود بعض الأطراف في إدلب”، وأكد على جهود تركيا لإيجاد حلول أساسية في هذه المنطقة، مضيفا أن أنقرة “تقدم الدعم الإنساني لأربعة ملايين لاجئ (..) ونصف مليون لاجئ عادوا إلى بلادهم”.

خامنئي يوجه رسائل لأردوغان: فيتو إيراني ضد أي هجوم على سورية

وفي كلمة له في الاجتماع، أكد الرئيس الإيراني أن طهران “ستواصل دعمها لسورية بقوة”، داعيا الولايات المتحدة إلى الانسحاب من سورية “سريعا”.

وشدد رئيسي على “ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سورية وسيادتها”، منتقدا العقوبات الأميركية والأوروبية ضد النظام السوري.

وفي السياق، أضاف الرئيس الإيراني أن “الأطراف التي أخفقت في الوصول لأهدافها بالحرب في سورية تريد تحقيق هذا الهدف عبر العقوبات الأحادية”، وتابع أن “السبيل الوحيد لاستتباب الأمن على حدود سورية هو الحضور القوي للجيش السوري على هذه الحدود”، متهما أميركا بـ”نهب الثروات والموارد السورية”.

وندد رئيسي بالهجمات الإسرائيلية على سورية واستمرار احتلال الجولان، قائلا إن “الحلول الأجنبية تسبب تعقيد الأزمة السورية”.

وكان بوتين قد شدد، خلال استقباله من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أن “موقف إيران وروسيا موحد في رفض الهجوم على شمالي سورية”، مضيفا أنه “يجب إعادة شرق الفرات في سورية إلى سيطرة القوات العسكرية السورية”، في إشارة إلى قوات النظام السوري.

أهم ما تضمنه البيان الختامي للقمة الثلاثية حول سورية

إلى ذلك، أكد البيان الختامي أن الرؤساء أكدوا على أهمية مسار أستانة في “التسوية السلمية والمستدامة للأزمة السورية”، وجددوا التأكيد على التزامهم باستقلال ووحدة الأراضي السورية.

ورغم الرفض الروسي والإيراني للعملية التركية المرتقبة في شمال سورية، أعرب الرؤساء عن رفضهم للمحاولات الرامية إلى “خلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، وأعربوا عن تصميمهم على الوقوف في وجه المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية”.

كما ناقش رؤساء إيران وتركيا وروسيا الوضع في الشمال السوري، مؤكدين على أن “الأمن والاستقرار في هذه المنطقة لن يتحققا إلا على أساس الحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها” والدعوة إلى تنسيق جهودهم بهذا الشأن، ومع رفضهم الاستيلاء على عائدات بيع النفط السوري.

إلى ذلك، جدد المجتمعون التأكيد على تصميمهم على “تعاونهم المستمر للقضاء على الإرهابيين في نهاية المطاف من الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات مع ضمان حماية المدنيين والهياكل الأساسية المدنية وفقا للقانون الإنساني الدولي”.

وفي بنده السابع، أكد البيان أن رؤساء تركيا وإيران وروسيا استعرضوا بالتفصيل الوضع في منطقة خفض التصعيد بإدلب، داعين إلى “ضرورة الحفاظ على الهدوء فيها عبر تنفيذ جميع الاتفاقيات المتعلقة بإدلب بشكل كامل، مع التعبير عن القلق من وجود وأنشطة الجماعات الإرهابية التي تشكل خطرا على المدنيين داخل وخارج هذه المنطقة”.

وأعرب المشاركون في قمة أستانة السابعة عن قلقهم البالغ تجاه الوضع الإنساني في سورية، ورفضهم جميع العقوبات الأحادية ضدها ومنح إعفاءات “تمييزية” لمناطق خاصة، و”التي يمكن أن تؤدي إلى تفكيك هذا البلد من خلال دعم الأجندات الانفصالية”.

وإلى ذلك أيضا، أكدوا على أن “الصراع في سورية ليس له حل عسكري إلا من خلال إطلاق العملية السياسية التي يقودها السوريون تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2254″، مع الإشارة في السياق إلى “الدور المهم” للجنة الدستورية المنبثقة عن جهود ضامني أستانة وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار السوري في سوتشي.

كما أعلن المشاركون في القمة عن استعدادهم لـ”دعم التفاعل المستمر مع أعضاء اللجنة والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن، مع التأكيد على ضرورة أن تحترم اللجنة الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية للتمكن من تنفيذ مهمتها في إعداد وصياغة إصلاحات الدستور لإخضاعه للتصويت الشعبي من دون تدخل أجنبي ومن خلال روح تصالحية ومشاركة بناءة”.

والبند العاشر من البيان أورد تأكيد المجتمعين على “مواصلة العمليات المرتبطة بالِإفراج المتبادل عن المحتجزين والمختطفين في إطار مجموعة العمل المنبثقة عن مسار أستانة، مع العمل على تسليم الجثث والبحث عن المفقودين.

ثم أكدوا ضرورة “تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى بيوتهم ومناطقهم الأصلية في سورية مع دعوة المجتمع الدولي إلى المشاركة والمساهمة في إعادة توطينهم وتحمل أكبر قدر من المسؤولية في تقاسم الأعباء”، مطالبين بدعمهم في سورية من خلال المساهمة في مشاريع البنى التحتية والمياه والكهرباء والصرف الصحي والصحة والتعليم والمدارس والمستشفيات.

ثم أدان زعماء الدول الضامنة لمسار أستانة العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية، مع اعتبارها “انتهاكا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وسيادة سورية ووحدة أراضيها، مع التشديد على أنها تزعزع الاستقرار وتزيد من التوتر في المنطقة”.

—————————

قمة طهران.. أردوغان يغرد خارج سرب التوافق الروسي-الإيراني

دانت القمة الثلاثية في طهران، الثلاثاء، الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على سوريا، مؤكدةً أنها انتهاك للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي واستقلال سوريا وسلامتها الإقليمية، ومزعزعة للاستقرار وتزيد من التوتر في المنطقة.

وأكد البيان الختامي للقمة التي جمعت رؤساء إيران وتركيا وروسيا، أنه سيجري عقد القمة المقبلة في روسيا بدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين.

وأشار البيان الى أن “الزعماء اكدوا التزامهم الراسخ بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية والتصميم المشترك على مواصلة مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره”.

وشدد البيان على “ضرورة الحفاظ على الهدوء من خلال تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، ورفض جميع محاولات إيجاد حقائق جديدة على الأرض السورية بذريعة مكافحة الإرهاب، والإعراب عن التصميم المشترك على مواصلة مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره”.

وأظهر الاجتماع الذي شارك فيه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اصطفافاً إيرانياً-روسياً غردت تركيا خارجه.

وقال الرئيس الروسي إن البيان المشترك لروسيا وتركيا وإيران قرر أن الأزمة السورية لا يمكن حلها إلا بالوسائل السياسية والدبلوماسية.

وأضاف أن على السوريين أنفسهم تحديد مستقبل سوريا دمن ون فرض “وصفات أو نماذج جاهزة” من الخارج، مشيراً إلى أن روسيا وإيران وتركيا تبنوا بياناً مشتركاً بشأن سوريا، أعادت فيه تأكيد التزامها بتعزيز التعاون الثلاثي لتحقيق تطبيع الوضع.

وأشار بوتين إلى قلق لدى موسكو بشأن مخاطر المناطق التي توجد خارج سيطرة النظام السوري.

مطالب تركيا

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقال إن وحدات حماية الشعب الكردية تتخذ خطوات لتقسيم سوريا بدعم أجنبي، وإن تخليص البلاد منها سيعود بالفائدة على الشعب السوري.

وأكد أردوغان إصرار بلاده على اجتثاث بؤر الإرهاب في سوريا، مشدداً على أن أنقرة تنتظر الدعم من روسيا وإيران بصفتهما دولتين ضامنتين بمسار أستانا، في كفاحها ضد الإرهاب بسوريا.

وأضاف أن روسيا وإيران تتفهمان مخاوف تركيا الأمنية، لكن الكلمات ليست كافية، مشدداً على أن بلاده ستواصل معركتها ضد وحدات حماية الشعب والمليشيات الأخرى من دون النظر لمن يدعمها.

وشدد الرئيس التركي على أن تحقيق تقدم في جهود الحل السياسي بسوريا وعدم تعرض الراغبين بالعودة إلى بلادهم لمعاملة سيئة، نقطتان أساسيتان لتحفيز عودة السوريين.

وكانت تركيا قد أعلنت، منذ شهرين، نيتها شن عملية عسكرية في شمال سوريا لا سيما المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديومقراطية (قسد) والتي يُعدّ المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، ومن المفترض أن تمتد العملية التركية إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب شمالي سوريا.

في المقابل أعربت روسيا عن أملها في أن “تحجم” أنقرة عن شن الهجوم، فيما حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أن عملية مماثلة قد تؤدي إلى “زعزعة أمن المنطقة”.

رئيسي

وفي كلمة له في الاجتماع، أكد الرئيس الإيراني أن طهران “ستواصل دعمها لسورية بقوة”، داعياً الولايات المتحدة إلى الانسحاب من سورية “سريعاً”. وقال خلال القمة إن الخطوات العسكرية لا تحل الأزمة السورية، بل تفاقمها.

وقال: “نحن الدول الضامنة لمسار أستانا ندعم المسار السياسي في سوريا ونؤكد ضرورة مكافحة الإرهاب في هذا البلد ونؤكد عزم الدول الضامنة لاستمرار دعمها للمسار السياسي”، مبيناً أن “موضوع اللاجئين مهم جداً وعلى دول المنطقة أن تساعد على عودتهم لبلدهم”.

وشدد رئيسي على “ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سورية وسيادتها”، منتقداً العقوبات الأميركية والأوروبية ضد النظام السوري.

وفي السياق، أضاف الرئيس الإيراني أن “الأطراف التي أخفقت في الوصول لأهدافها بالحرب في سوريا تريد تحقيق هذا الهدف عبر العقوبات الأحادية”، وتابع أن “السبيل الوحيد لاستتباب الأمن على حدود سوريا هو الحضور القوي للجيش السوري على هذه الحدود”، متهماً أميركا بـ”نهب الثروات والموارد السورية”.

وندد رئيسي بالهجمات الإسرائيلية على سوريا واستمرار احتلال الجولان، قائلاً إن “الحلول الأجنبية تسبب تعقيد الأزمة السورية”.

وكان بوتين قد شدد، خلال استقباله من المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، أن “موقف إيران وروسيا موحد في رفض الهجوم على شمالي سورية”، مضيفاً أنه “يجب إعادة شرق الفرات في سوريا إلى سيطرة القوات العسكرية السورية”، في إشارة إلى قوات النظام السوري.

—————————–

خامنئي لأردوغان: العملية العسكرية في سوريا مُضرّة للجميع

أبلغ المرشد الإيراني علي خامنئي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء، بأن أي عملية عسكرية تشنّها أنقرة ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، “ستعود بالضرر” على المنطقة.

وقال خامنئي خلال استقباله الرئيس التركي في طهران، إنه “من المهم للغاية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا”. وأضاف أن عملية كهذه “ستعود بالضرر على سوريا، ستعود بالضرر على تركيا، وستعود بالضرر على المنطقة”، وذلك وفق بيان نُشر على موقعه الرسمي.

ورداً على طلب الرئيس التركي تعاون إيران في محاربة الجماعات الإرهابية، قال خامنئي: “بالتأكيد سنتعاون معكم في مكافحة الإرهاب”. وأضاف: “اليوم، لن يتمكن النظام الصهيوني ولا أميركا ولا غيره من وقف الحركة العميقة للفلسطينيين، والنتيجة النهائية ستكون لصالح الشعب الفلسطيني”.

    التقى رئيس جمهوريّة تركيا، رجب طيّب أردوغان، ظهر اليوم الثلاثاء 19/7/2022، بقائد الثورة الإسلاميّة، الإمام الخامنئي، وأجرى حواراً مع سماحته. pic.twitter.com/EA9xLGZYcZ

    — موقع الإمام الخامنئي (@site_khamenei) July 19, 2022

وتستضيف طهران الثلاثاء، قمة ثلاثية تركّز على الملف السوري، تجمع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي أردوغان، اللذين سيعقدان بدورهما لقاءً ثنائياً يرتبط بتداعيات الحرب في أوكرانيا.

ووصل أردوغان إلى طهران ليل الاثنين، وأقام له رئيسي، صباح الثلاثاء، استقبالاً رسمياً في مجمع سعدآباد التاريخي في شمال العاصمة، وفق لقطات بثها التلفزيون الرسمي. ولاحقاً، زار إردوغان برفقة رئيسي، خامنئي، وفق ما أفاد الموقع الإلكتروني للأخير.

والثلاثاء، وصل بوتين، الذي يقوم بثاني زيارة خارجية له منذ بدء الجيش الروسي هجوماً داخل الأراضي الأوكرانية في شباط/ فبراير، وتأتي بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط.

ولم يستبعد نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أن تجرى اتصالات بين الرئيس الروسي ورئيس النظام السوري بشار الأسد بعد زيارة بوتين لإيران.

وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وإفريقيا إن اتصالات بالأسد قد تجري. وأضاف “ليس فقط مع الأسد، ولكن أيضا مع القادة الآخرين.. يسعدنا دائما إجراء اتصالات مع القيادة السورية”.

——————–

تل رفعت: المسيرات التركية تكثف غاراتها..وتربك عمليات انتشار النظام/ خالد الخطيب

قصفت طائرات مسيرة تركية، الثلاثاء، موقعاً عسكرياً لقوات النظام على أطراف مدينة تل رفعت الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في ريف حلب الشمالي، وهو القصف الثاني للمسيرات التركية على مواقع النظام خلال 24 ساعة.

وقال مصدر عسكري معارض لـ”المدن”، إن “طائرة تركية مسيرة من الطرازات الصغيرة، استهدفت نقطة عسكرية تتمركز فيها مجموعات تابعة لقوات النظام بالقرب من المطار الزراعي الواقع بين تل رفعت غرباً، وقرية الشيخ عيسى شرقاً، وتسبب القصف بإصابة عدد من عناصر النظام بينهم ضابط برتبة ملازم أول، ويدعى علي خضور”.

وأضاف المصدر: “سبق القصف على مواقع النظام تحليق مكثف للطيران التركي المسير في سماء منطقة العمليات التي شهت انتشاراً مستجداً لقوات النظام والمليشيات الموالية لها، وبالأخص في قرية الشيخ عيسى وأطرافها التي تقع على تماس مباشر مع فصائل المعارضة المتمركزة في مدينة مارع شمالي حلب”.

وأشار المصدر إلى أن “القواعد العسكرية التابعة للجيش التركي المنتشرة على طول خط التماس مع قسد في تل رفعت ومحيطها، باتت تشارك في العمليات الجوية للطيران المسيّر بعد تزويدها بالرادارات وأبراج الرصد، وتنطلق منها المسيرات المذخرة الصغيرة والانتحارية لتضرب أهدافاً ثابتة ومتحركة لقوات النظام وقسد في المنطقة”.

وكانت طائرة تركية مسيرة استهدفت، ليل الاثنين، موقعاً مشتركاً لقوات النظام والأمن العسكري في الحي الغربي من تل رفعت. ولم يتسبب القصف الذي طاول المنطقة القريبة من سكة الحديد في تل رفعت، بوقوع إصابات بين المجموعات المتواجدة في الموقع. كما قصفت المسيرات رتلاً عسكرياً للفرقة السابعة في قوات النظام في المنطقة الواقعة بين قريتي أحرص وتل قراح، ضمن مناطق الشهباء التي تسيطر عليها قسد، وكان الرتل متوجهاً إلى الجبهات مع الفصائل المعارضة في بلدة حربل جنوبي مارع.

وقال قائد عسكري في الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني، لـ”المدن”، إن “قصف المسيرات التركية يتزامن مع زيادة ملحوظة في حجم النيران البرية للفصائل والجيش التركي الموجهة ضد مواقع قسد، شمالي حلب، وأصبحت النيران البرية والجوية التركية تطاول مواقع تمركزت فيها قوات النظام حديثاً، وأخرى تمركزت فيها في وقت سابق خلال عمليات الانتشار الماضية”.

وأوضح المصدر أن “القصف أربك قوات النظام، وعرقل عمليات انتشارها التي كانت تنوي تنفيذها، وبالتالي يمكن القول إن القصف التركي هو بمثابة إنذار صريح لقوات النظام التي تزعم أنها وجهت تعزيزات كبيرة إلى المنطقة، لكن الحقيقة أن هذه التعزيزات ما زالت أقل مما يتم الترويج له، كما أنها مكبلة وتحتمي عادة بالنقاط الروسية الموجودة في المنطقة وتنتشر في محيطها القريب كي لا يتم استهدافها”.

وفي سياق التحركات الروسية في منطقة تل رفعت ومحيطها شمالي حلب، غابت الطائرات المروحية الروسية عن سماء المنطقة منذ منتصف تموز/يوليو، وتوقفت الدوريات الروسية التي كانت تنطلق من القاعدة الروسية في قرية الوحشية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من تل رفعت، بينما شهدت المنطقة تصاعداً في تحركات المليشيات الإيرانية التي بدأت العمل على توسعة الطوق الأمن حول بلدتي نبل والزهراء ويبدو أنها باشرت العمل على إنشاء تحصينات هندسية قبيل انطلاق العملية العسكرية التركية المرتقبة.

وقال العضو في مكتب العلاقات العامة في الفيلق الثالث، هشام سكيف، لـ”المدن”، إن “إيران عبر أذرعها العسكرية تحاول ابتزاز تركيا من خلال طروحات وبازارات باتت معروفة، ونحن نعلم ان النظام لا قبل له بمواجهة القوة العسكرية التركية وقوة الفصائل التي باتت مدربة بشكل جيد”.

وأضاف أن النظام “يلجأ للتحركات العسكرية والعمليات الاستفزازية مثلما حصل مؤخراً من عمليات إعادة انتشار وتعزيز مفترضة، في مناطق عديدة، بينها تل رفعت، وهذه الضربات الجوية التركية على مواقع النظام هي بمثابة تحذير ناري يذكر المليشيات بحوادث سابقة، مثل قصف مواقعها في معسكر كفر جنة في منطقة عفرين شمالي حلب، العام 2018”.

———————————–

خامنئي يدعو بوتين لطرد الأميركيين من سوريا

دعا المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوفد المرافق له في طهران، الثلاثاء، لطرد الأميركيين من منطقة شرق الفرات في سوريا. وأكد أهمية القضية السورية ومعارضة طهران لأي هجوم عسكري على هذا البلد.

وأضاف أن هناك قضية أخرى مهمة في سوريا وهي احتلال الأميركيين للمناطق الخصبة والغنية بالنفط شرق الفرات، والتي يجب حلها بطردهم من تلك المنطقة.

وقال خامنئي إن الحرب أمر عنيف وقاس وصعب ولا تحبذها إيران، لكن في القضية الأوكرانية إن لم تأخذ روسيا زمام المبادرة، لكان الطرف الآخر تسبب باندلاع الحرب.

وصرح المرشد الإيراني الأعلى بأن الغرب لا يريد روسيا قوية ومستقلة، معتبراً أن الناتو كيان خطير. وتابع قائلاً: “إذا كان الطريق مفتوحاً أمام الناتو، فلا يعرف هذا الحلف حدوداً، وإن لم يتم إيقافه في أوكرانيا لكانوا بداأوا الحرب نفسها في وقت لاحق وتحت ذريعة شبه جزيرة القرم”.

وأشار خامنئي إلى أن أميركا والغرب اليوم أضعف من السابق، وعلى الرغم من الجهود والكلفة الكبيرة التي تحملها الغرب، فإن نجاح سياساتهما في المنطقة لا سيما في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، قد تضاءل بشكل كبير.

ودان خامنئي تدخل إسرائيل في شؤون المنطقة، وذكر أن إيران تعارض ولن تتحمل أي خطة وسياسة تؤدي لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا.

وأيد خامنئي سياسة استخدام العملات الوطنية في العلاقات بين البلدين والتخلي عن الدولار، قائلاً: “يجب إبعاد الدولار تدريجياً عن مسار التعاملات العالمية، وهذا ممكن تدريجياً”.

واعتبر أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ضرورة تخدم مصالح طهران وموسكو لا سيما مع العقوبات المفروضة عليهما، مشيراً إلى أن هناك العديد من التفاهمات والعقود بين البلدين، لا سيما في قطاع النفط والغاز، يجب متابعتها حتى النهاية وتنفيذها.

وقبل وصول بوتين أبرمت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.

من جهته أطلع بوتين خامنئي على عوامل وجذور الخلافات بين روسيا وأوكرانيا، خصوصاً “الأعمال الاستفزازية للغرب وأميركا في السنوات الأخيرة، وسياسة الناتو التوسعية”.

وأعرب بوتين عن اتفاقه مع موقف خامنئي تجاه منطقة القوقاز وكذلك حول الملف السوري، بما في ذلك معارضة التدخل العسكري على شمال هذا البلد.

ووصل بوتين إلى طهران الثلاثاء للمشاركة في زيارة هي الثانية له خارج روسيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، سيعقد خلالها لقاءات مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ومع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسيحضر قمة روسية إيرانية تركية بحضور كل من أردوغان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

بوتين أردوغان

وتحدّث بوتين عن إحراز تقدم في المحادثات حول تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وذلك خلال لقائه نظيره التركي رجب طيب إردوغان في طهران. وبحث الطرفان، على هامش القمة في طهران سبل التسوية السورية، وسير تطبيق اتفاقات قره باغ، والأجندة الثنائية.

وقال بوتين متوجّهاً إلى إردوغان، بحسب تصريحات أوردها الكرملين في بيان: “أودّ أن أشكركم لجهود الوساطة التي بذلتموها، لاقتراحكم تركيا كميدان مفاوضات حول مشكلات الإنتاج الغذائي ومشكلات تصدير الحبوب عبر البحر الأسود”.

وأضاف: “بفضل وساطتكم، أحرزنا تقدّماً. لم تحلّ كل المسائل بعد، هذا صحيح، لكن هناك حركة وهذا أمر جيّد”.

بوتين رئيسي

وأكد بوتين خلال لقاء مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، أن العلاقات بين البلدين تتطور، لافتاً إلى أنه “يمكننا بالفعل الفخر بكسر أرقام قياسية في التبادل التجاري”.

بدوره، أعرب رئيسي عن أمله في أن تكون زيارة بوتين للجمهورية الإسلامية نقطة تحول في العلاقات الثنائية.

رئيسي أردوغان

وفي مؤتمر صحافي مشترك بين رئيسي وأردوغان، قال الرئيس الإيراني إن زيارة أردوغان لطهران تمثل منعطفاً مهماً في العلاقات بين البلدين، مضيفاً أنهما ناقشا القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.

كما قال رئيسي إنه يأمل أن تسهم الوثيقة الإستراتيجية التي تم توقيعها اليوم في توطيد العلاقات بين إيران وتركيا.

وأكد رئيسي على “محاربة الإرهاب الذي يهدد أمن المنطقة، لكن ينظر إليه الغرب بازدواجية”، وقال إنه أكد مع نظيره التركي على وحدة الأراضي السورية.

فيما أكد الرئيس التركي أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة تقييم لمسار أستانة بخصوص سوريا وتفعيله مجدداً. وبخصوص مكافحة الإرهاب، قال أردوغان إن تنظيمات “حزب العمال الكردستاني” و”جماعة غولن” بلاء خطير لتركيا وإيران، وينبغي التعاون لمكافحتها حسب تعبيره، مشيراً إلى أن بلاده فرضت مكافحة التنظيمات الإرهابية في ميثاق حلف شمال الأطلسي “ناتو”.

————————–

روسيا وتركيا وإيران «تدفن» مسار جنيف السوري

البيان الختامي لـ«قمة طهران» لم يعكس الخلافات بين البلدان الثلاثة

موسكو: رائد جبر

قد يكون على المتابع أن يعيد قراءة البيان الختامي المشترك بتمعن مرات عدة، ليعثر على بعض الفروقات الطفيفة التي ميزت القمة الأخيرة لرؤساء البلدان الضامنة وقف النار في سوريا عن سابقاتها من اللقاءات المماثلة.

لا يختلف كثيرون في أهمية القمة الحالية، بسبب الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بسوريا والمنطقة والعالم، لكن اللقاء الذي حمل عنواناً سورياً كون القمة لرؤساء «محور آستانة» لم يحمل الكثير على خلفية تراكم الملفات والتطورات خلال العامين الماضيين، ما استوجب عقد لقاء مباشر بين الرؤساء لـ«ضبط الساعات» والتمهيد لـ«خطوات محددة مشتركة»، وفقاً لما جاء في بيان أصدره الكرملين قبل القمة.

البيان الختامي الذي جاء في 16 بنداً، يكاد يكون تكراراً حرفياً للبيانات السابقة، بل إنه لم يزد في جوهره عن بيانات اللقاءات الدورية على مستوى الدبلوماسيين في العاصمة الكازاخية نور سلطان.

وقد توقفت البنود الستة الأولى عند العبارات البروتوكولية المكررة التي تصر على «سيادة ووحدة أراضي سوريا»، وتؤكد العزم على مواصلة مكافحة الإرهاب، فضلاً عن الإشادة بدور «مسار آستانة» بصفته الآلية الوحيدة «الفعالة وذات المصداقية» التي نجحت في تخفيف التوتر على الأرض السورية ودفعت لإطلاق عملية سياسية تمثلت في اجتماعات اللجنة الدستورية.

غير ذلك، جاءت البنود التي تعكس الرغبة في المحافظة على مصالح كل طرف وإبراز الملفات التي تؤرقه. هناك ملف مشترك بالنسبة إلى روسيا وإيران وتركيا، انعكس في التنديد المستمر بالوجود الأميركي «غير الشرعي» و«نهب ثروات سوريا» و«تشجيع النزعات الانفصالية». بعد ذلك يأتي البند الذي يرضي إيران عبر التنديد بالهجمات الإسرائيلية المتواصلة، وآخر يرضي تركيا عبر التأكيد على الاتفاقات السابقة في إدلب ومناطق الشمال. وأخيراً، العبارات المكررة التي لطالما تضمنتها بيانات «آستانة» حول تحسين الظروف المعيشة وتشجيع تبادل السجناء وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين.

كان يمكن لبيان على المستوى الرئاسي للفاعلين الأساسيين على الأرض السورية أن يكون أكثر زخماً وأن يتضمن إشارات جدية إلى تحركات مشتركة. لكن الخلافات التي لم يشأ أصحاب القرار في البلدان الثلاثة أن تنعكس في بيانهم المشترك، حالت دون منح الأهمية الكبرى التي رافقت الإعلان عنها والتحضير لها.

والإشارات السريعة خلال المؤتمر الصحافي المشترك للرؤساء الثلاثة عكست جانبا منها من دون أن تسمح الأطراف بالمبالغة في تقدير تداعيات هذه الخلافات.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يحصل على ضوء أخضر لعمليته العسكرية في الشمال السوري، فطالب زميليه بترجمة الأقوال الجميلة التي تؤكد تفهم «المصالح الأمنية» التركية إلى أفعال. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقر بوجود «بعض الخلافات التي لا تعرقل تعزيز التعاون والتنسيق» لكن كان ملاحظاً أن الكرملين تعمد تغييب كلام إردوغان في المؤتمر الصحافي المشترك، مكتفياً ببث تصريحي إبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين كاملين. والجانب الإيراني بدا مرتاحاً لأدواته التنظيمية التي غيبت عن وثائق اللقاء وعن التصريحات الختامية أي إشارة إلى القلق الإقليمي والدولي بسبب التمدد الإيراني في عدة مناطق في سوريا على رأسها في منطقة الجنوب. وهنا بالمناسبة واحد من العناصر المهمة المرتبطة بالعملية التركية، إذ لم يخف محللون روس قناعة بأن فشل إردوغان في إطلاق عمليته حالياً سيمنح أوراقاً إضافية للتمدد الإيراني في مناطق الشمال أيضاً.

مع السجالات المستمرة حول العملية التركية، بانتظار اتضاح موقف إردوغان وما إذا كان سيستمع إلى نصائح شريكيه، برز عنصر آخر، في نتائج هذه القمة، قد يكون الأهم على خلفية الحرب التي أطلقتها روسيا أخيراً على جنيف بصفتها عاصمة لقاءات اللجنة الدستورية. فقد كان ملاحظاً أن التصريحات والبيانات الرسمية ركزت على «فضل» محور آستانة في إطلاق عملية الإصلاح الدستوري، وأنه لعب الدور الأهم في ذلك عبر اجتماع سوتشي.

لكن في الوقت ذاته، لم يرد أي ذكر لا في البيان الختامي ولا في تصريحات الرئيس الروسي بعد القمة لـ«مسار جنيف». وبدلاً من ذلك قال بوتين إن المجموعة الثلاثية «قادرة على دفع عملية التفاوض بين الأطراف السورية»، من دون أن يحدد كيف ومتى وأين؟

أيضاً، ورد في ذيل الفقرة التي تحدثت عن اللجنة الدستورية في البيان الختامي عبارة لافتة فحواها أنه «لا يمكن السماح بوضع مهل زمنية مصطنعة أو ممارسة ضغوط خارجية» أو محاولة فرض «معوقات لوجيستية وبيروقراطية».

تبدو الإشارة واضحة إلى استكمال موسكو «دفن» مسار جنيف في هذه القمة، والاكتفاء بالتلويح بأن مجموعة آستانة قادرة على إيجاد بدائل.

المكسب الأساسي بالنسبة إلى الكرملين هو تأكيد مكانة ودور محور آستانة، ورغم أن بوتين لا يمتلك كثيراً من أدوات الضغط لحمل إردوغان على التراجع نهائياً عن فكرة العملية العسكرية، لكن نجح مع الضغط الإيراني في جعل مهمة الرئيس التركي أكثر صعوبة. الأهم من ذلك، أن بوتين وجه رسالة واضحة وقوية بأنه مع الانخراط في الحرب الأوكرانية وتزايد الضغوط عليه، لكنه لن يتخلى عن الورقة السورية التي باتت لها أهمية خاصة جديدة بسبب المواجهة القائمة مع الغرب، ولا يخفى هنا مغزى التصريحات العسكرية الروسية المتعاقبة بتحول دور القواعد الجوية والبحرية الروسية في سوريا إلى منصة متقدمة لموسكو في حوض المتوسط وشمال أفريقيا. لذلك من راهن على أن موسكو تتراجع في سوريا بسبب انشغالها في أوكرانيا، يبدو أنه كان واهماً.

ومع الرسائل الروسية الأخرى إلى الغرب وإلى المحيط الإقليمي حول أهمية العلاقة مع إيران وإصرار الكرملين على تعزيزها وتسريع عملية إبرام معاهدة استراتيجية خلال الشهور المقبلة، فإن العنصر الجديد هنا، هو تزايد الاستياء الروسي من إسرائيل بسبب دعمها عسكرياً لأوكرانيا، وهذا انعكس في تشديد بيانات الإدانة للهجمات الإسرائيلية المتواصلة في سوريا، لكن الأهم من ذلك معرفة كيف سينعكس ذلك على مواقف موسكو من عمليات التمدد الإيراني المتواصلة في سوريا، وهو أمر غاب عن التصريحات الرسمية الروسية أخيراً.

وبالنسبة إلى العلاقة مع تركيا، لا يخفي الكرملين أنها باتت تحظى بأهمية إضافية على خلفية الحاجة إلى التنسيق المستمر في سوريا، والدور التركي النشط في الوساطة في الملف الأوكراني. لذلك لا يرغب الكرملين في الذهاب بعيداً في توسيع الهوة مع أنقرة، حتى لو جاءت سياساتها في سوريا خلال المرحلة المقبلة مخالفة بعض الشيء لأهوائه.

عموماً، تبدو نتائج قمة طهران مرضية لبوتين ورئيسي بشكل كبير، وبدرجة أقل بكثير بالنسبة إلى إردوغان.

—————————-

تركيا وإيران بين ساحتين.. هل يخرج “التنافس” عن السيطرة؟

تهيّمن مؤشرات “التنافس والتصعيد غير المباشر” على المصالح المتداخلة لكل من تركيا وإيران في سورية والعراق، وهو ما بدا خلال الأيام الأخيرة، على أكثر من صعيد، ولاسيما قبل وبعد القمة الثلاثية الأخيرة في طهران.

واستضافت القمة قادة تركيا وإيران وروسيا رجب طيب أردوغان وإبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين، حيث ناقش هؤلاء الملف السوري بالتحديد، وقضية العملية العسكرية التي تهدد بتنفيذها أنقرة في شمال سورية.

وكان لافتاً أن البيان الختامي للقمة لم يكن في صالح الدفع باتجاه العملية التركية، فيما سادت أجواء “رفض ومعارضة” من جانب طهران، كما اتضح من كلام المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي ومن ثم الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان.

وقال خامنئي إن “العملية العسكرية (التي تعتزم تركيا إطلاقها) في سورية من شأنها أن تزعزع استقرار المنطقة”، مخاطباً أردوغان: “اعتبروا أمن سورية من أمنكم. إن قضايا سورية يجب حلها بالتفاوض وعلى إيران وتركيا وسورية وروسيا حل هذه المسألة بالحوار”.

ولم تمض ساعات على انتهاء اللقاء الثلاثي، ليخرج الرئيس التركي في أثناء وصوله إلى أنقرة، مؤكداً نية بلاده شن العملية العسكرية، وأن موضوعها “سيظل على جدول الأعمال طالما لم يتم حل مخاوفنا المتعلقة بأمننا القومي”.

وهذان الموقفان المتعارضان بشأن سورية يشيان بعدم التوصل إلى نقاط مشتركة بين أنقرة وطهران، حسب مراقبين، في وقت بدا فيه صوت الأخيرة على نحو أعلى مما قبل، حيث كانت نبرة روسيا حاضرة في كل الملفات، العسكرية والسياسية، المتعلقة بسورية.

“الجبهة من الشرق”

وبينما كانت الأنظار تتجه إلى سورية ومواقف كل من أنقرة وطهران بشأن العملية العسكرية سرعان ما تحوّلت بعد القمة الثلاثية بيوم واحد إلى أقصى الشرق، حيث الدولة المجاورة لسورية العراق.

واستهدف قصف مفاجئ منتجعاً سياحياً في قضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما أسفر عن مقتل 9 مدنيين بينهم نساء وأطفال، وإصابة 23 آخرين، في حادثة حملت بغداد مسؤوليتها للجيش التركي، فيما نفت أنقرة ذلك، مؤكدة أن الطرف الذي قصف هو “حزب العمال الكردستاني”.

ومنذ تاريخ الحادثة في 20 من يوليو / تموز الحالي والشارع العراقي “يغلي”، وفي حين استمرت الاتهامات العراقية وما يقابلها من نفي تركي، اتضح نوع من “استثمار الأحداث”، الذي بدأته أطراف مقربة من إيران وميليشيات مدعومة منها هناك.

وأعلنت، صباح السبت، مجموعة تسمي نفسها “سرايا أولياء الدم” استهداف قواعد عسكرية تركية في شمال العراق، بطائرات مسيّرة انتحارية، وصواريخ من نوع غراد. وهذه المجموعة تتلقى دعماً عسكرياً من طهران، وتحسب على ميليشياتها المنتشرة في العراق، حسب تقارير متقاطعة.

وفي حين أن ما حصل ليس بجديد، إلا أنه يأتي في ظل الحديث عن عمليات تصعيد كلامي غير مباشر ما بين أنقرة وطهران، في ظل تضارب مواقفهما، وبشكل خاص في سورية، حيث تعتزم تركيا إطلاق عمليتها العسكرية.

“محاولة نشر النار”

ويقول الكاتب التركي، حسن بصري يالتشين في مقالة له على صحيفة “صباح”، يوم السبت، أنه وفي القمة الثلاثية في طهران لم يغير الطرفان موقفهما كثيراً، في إشارة إلى تركيا وإيران

ويضيف الكاتب: “المعارضة الإيرانية بشكل خاص تلفت الانتباه إلى العملية العسكرية التي تخطط تركيا لتنفيذها في سورية. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن تكون مجرد مصادفة أن تركيا قد تم تحميلها المسؤولية عن الهجوم الذي قتل فيه 9 مدنيين”، في دهوك بالعراق.

و”تواصل الإدارة العراقية الإدلاء بتصريحات رفيعة المستوى دون داع”، حسب يالتشين، مشيراً إلى “الحشود الكبيرة التي بدأت في التظاهر قبل أن يُعرف الحدث (قصف دهوك) حتى، تُظهر أن هذه المظاهرات نُظمت بشكل احترافي”.

“مثل هذه الأعمال من النوع الذي تستخدمه إيران كثيراً. إن محاولة نشر النار عندما تكون عالقة في مكان واحد هي إحدى أبسط أساليب سياسة إيران تجاه الشرق الأوسط”.

وبالإضافة إلى ذلك كانت إيران منزعجة من التقدم التركي في شمال العراق. “لذلك ربما خططت لضرب عصفورين بحجر واحد”، وفق الكاتب.

واعتبر أنه و”نظراً لعدم قدرة إيران على منع دخول تركيا في سورية، يبدو أنها تلمح إلى نشر التوتر في مناطق أخرى”.

وهذه التداعيات “لا تردع تركيا”، وفق يالتشين.

وزاد: “الدبلوماسية الإيرانية بشكل عام موجهة نحو العمليات وليست موجهة نحو النتائج. على الرغم من أنها تعلم أنها لن نحصل على نتائج، إلا أنها تفضل دائماً الاسترخاء من خلال تصعيد التوتر. ربما لا يستطيع منع عملية عسكرية، لكنها نعتقد أنها يمكنها أن تزيد على الأقل من فرصها في المساومة في مجالات أخرى”.

هل تخرج المنافسة عن السيطرة؟

على مدى السنوات الماضية من الفوضى التي شهدها التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط، اتسمت العلاقة بين تركيا وإيران، وهما دولتان متجاورتان بالتعاون وتبادل المصالح المشتركة.

وكان لكل من أنقرة وطهران مواقف داعمة ومتناغمة مع الأخرى، في تصالح وضع في خانة “البراغماتية” التي اتبعها الطرفان.

وعلى الطرف المقابل، كان هناك ملفات تنافسية عدة بين أنقرة وطهران، لذلك تم وصفهما بـ “الأعداء والأصدقاء” في آن واحد.

وتقاطعت هذه الملفات في كل من سورية منذ انطلاقة الثورة السورية فيها، وفي العراق أيضاً، بالإضافة إلى أذربيجان التي تربطها مع إيران حدود طويلة.

ويقول الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش: “من الواضح أن التحول الروسي نحو حرب أوكرانيا دفع تركيا وإيران للاستفادة من ذلك، لتحسين موقفهما بما يتعلق بسورية والمنطقة عموماً”.

وترى إيران في الانشغال الروسي بأوكرانيا “فرصة لتعزيز حضورها السياسي والعسكري والاقتصادي في سورية”، بينما يبدو أن تركيا “مصممة على هذا التحوّل أيضاً لتحسين وضعها العسكري، وفيما يتعلق بحربها ضد وحدات حماية الشعب”.

ويضيف الباحث لموقع “السورية.نت”: “هذه الطموحات التركية الإيرانية تضع البلدين بشكل تنافسي حاد في هذه المرحلة. هذا التنافس نشهده في سورية والعراق الآن”.

وخلال السنوات الماضية وبعد تشكيل مسار “أستانة” لعبت روسيا دوراً هاماً “في ضبط إيقاع التنافس الإيراني التركي في سورية”.

أما في الوقت الحالي، فيوضح علوش: “يبدو أنها منشغلة في قضايا أخرى. بوتين لا يتحمل أي اضطراب في التوازن السوري، ولذلك مجبر على لعب دور أكبر لإدارة التنافس وعدم خروج الإيقاع عن السيطرة”.

وقد يدفع “أي اضطراب في التوازن السوري روسيا لتخصيص بعض مورادها العسكرية للتركيز على سورية، وهذا الأمر لا يستطيع بوتين فعله لأن له اهتمامات عسكرية أخرى في أوكرانيا”.

“رسالة روسية”

وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الموقف الروسي مما تطالب به أنقرة شمال سورية، أو حتى بخصوص المواقف الإيرانية التي تأتي معها بصورة متناغمة.

وفي القمة الأخيرة بطهران كان هناك “رسالة روسية واضحة بأن موسكو تلعب دوراً قيادياً، فيما يتعلق بإدارة التنافس داخل مسار أستانة، والعلاقة التنافسية بين طهران وأنقرة في سورية”.

وفيما يتعلق بالعراق يشير الباحث علوش إلى أن “التنافس هناك يتأثر صعوداً وهبوطاً بطبيعة التنافس في سورية. كلما ارتفع التنافس في سورية سيكون هناك ارتفاع في الجبهة العراقية”.

وحسب الباحث فإن الأيام الماضية شهدت محاولة إيران “استغلال ما حصل في زاخو بالعراق، متجهة لدفع بغداد إلى أزمة دبلوماسية مع تركيا”.

وهناك دفع من جانبها أيضاً “اتجاه تحريض الرأي العام الكردي في كردستان العراق على تركيا”، وهذا الأمر تعتقد إيران أنه “سيساعدها في تعويم حلفائها، ولاسيما الحزب الوطني الكردستاني”.

ويضيف علوش: “تركيا وإيران ستحاولان مواصلة إدارة هذا التنافس. لا شك أنه ببعض المراحل سيكون على نحو حاد، إلا أن التداخل بينهما في قضايا مختلفة، فضلاً عن الجغرافيا ستبقيه ضمن حدود السيطرة”

————————

قمة طهران و”الإرهاب” في سوريا/ رضوان زيادة

اجتمع رؤساء الدول الثلاث الضامنة لما يسمى “مسار أستانا” تركيا وروسيا وإيران في طهران، وحظيت هذه القمة باهتمام إعلامي كبير، طبعا ليس بسبب الاهتمام بسوريا فجأة وإنما بسبب حضور الرئيس بوتين لها في أول لقاء بين الرئيس الروسي خارج موسكو منذ بدء حربه على أوكرانيا ودولة عضو في حلف الناتو وهي تركيا، وهو ما اعتبر فرصة للمفاوضات حول تصدير القمح الأوكراني الذي يفوق على 22 مليون طن من القمح تمنع روسيا تصديره من الموانئ الأوكرانية وهو ما سينعكس كأزمة غذاء عالمية خاصة على دول الشرق الأوسط وأفريقيا التي تعاني من نقص الحبوب منذ بدء الحرب على أوكرانيا.

بالعودة إلى سوريا في القمة كانت مثيرا ولافتاً ما جاء في البيان الختامي عن “وحدة الأراضي” السورية وعن “محاربة الإرهاب في سوريا” فالكل يستخدم سوريا أرضا لمحاربة الإرهاب لكن الكل يفهم الإرهاب كما يرغبه ويعنيه، فروسيا كما إيران تعتبر كل من عارض نظام الأسد إرهابيا وجب قصفه وقتله كما فعلت منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015 كما مارست إيران حملة أمنية شرسة لتساعد نظام الأسد في اعتقال المعارضين وتعذيبهم حتى الموت مع بدء الثورة السورية عام 2011 حيث أعارت نظام الأسد خبرتها في قمع الثورة الخضراء في إيران عام 2008 والتي زجت خلالها إيران ميليشيات موالية لها على الأرض من اعتقال المعارضين وسحلهم في الشوارع وقتلهم ومن ثم اتهام مجموعات مسلحة بالقيام بذلك كي تضيع المسؤولية القانونية كليا وكي تشيع الرعب والخوف في نفوس المتظاهرين السلميين، وقد طبق الأسد هذه الاستراتيجية بحرفيتها مع ما يسمى ميليشيا الدفاع الوطني والشبيحة وغيرهم من الميليشيات الحكومية التي أبدعت في إدخال الرعب لدى المتظاهرين السلميين السوريين ومن ثم القيام بقتلهم وتعذيبهم مسكونة بحقد طائفي لا حدود له، ومتحركة على مبدأ اللامسؤولية القانونية الكاملة على كل ما تفعله عبر القتل والتعذيب لأي مشارك في هذه المظاهرات دون محاسبة أو عقاب، فقد أصبح القتل مشروعا تماما بل وتشجعه الحكومة وتكافئ من يقوم به ضد هؤلاء “الإرهابيين” وربما ما ظهر في فيديو مجزرة التضامن عينة بسيطة جدا مما مارسته هذه الميليشيات من عام 2011 وحتى عام 2015 وربما بشكل أقل بعد ذلك.

أما تركيا فمفهومها للإرهاب مختلف كليا إذ هي تعني قسد أو ما يطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية التي هي النسخة السورية الحرفية من حزب العمال الكردستاني في سوريا والتي تهدف إلى بناء حكم ذاتي لها مستقل في سوريا وتخاف اليوم من العملية العسكرية التركية التي تحدث عنها الرئيس التركي مرارا مما دفعها للتحالف مع نظام الأسد ضد تركيا، ولذلك كان طريفا أن يتحدث البيان عن مكافحة الإرهاب لكن دون تحديد ما هو الإرهاب حقاً خاصة أن معظم الشعب السوري بما فيهم المعارضة السورية تعتبر أن الحكومة السورية هي التي تمارس إرهاب الدولة على مستويات لم يسبق لها مثيل من خلال قصف البراميل المتفجرة والقصف العشوائي والاعتقال والتعذيب حتى الموت إلى غير ذلك مما وثقته كل التقارير الدولية كتقارير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية ولذلك كيف يقوم الرؤساء الثلاث بإصدار بيان يعرفون تماما أن تطبيقه يجري على عكسه وأن كل طرف على الأرض ينفذ وفقا لما يريد وفق معادلة تغيير الحسابات على أرض الواقع، برأيي هذا أكبر دليل على فشل هذه القمة حيث يستمر هذا المسار في تكرار الكذب حول سوريا دون أن يكون هناك توجه لقبول ما يرغب به الشعب السوري من حقه في تغيير حكومته واختيار رئيسه عبر انتخابات نزيهة وديمقراطية وهو ما يؤكد مجددا ما رددته البيانات الدولية الجوفاء منذ سنين حول “الحل السياسي” في سوريا وحول “وحدة الأراضي السورية” بينما التقسيم هو الحل والخيار الوحيد على الأرض.

تلفزيون سوريا

—————————

يتفق الجميع على وحدة سورية وتقسيمها/ يمان دابقي

الجميع متّفقٌ على أنّ تركيا مُصرّة، في نهاية المطاف، على تنفيذ عمليتها العسكرية في مناطق غرب الفرات، وتحديداً في منطقتي تل رفعت وربما منبج، في حال فشلت المشاورات السياسية، بين ثلاثي أستانة، وتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في سوتشي 2019 بين روسيا وتركيا لإنشاء منطقة آمنة، بعمق 30 كلم وطول 480 كلم، تكون خالية من أذرع حزب العمال الكردستاني، قوات حماية الشعب، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المصنفة إرهابية لدى تركيا.

التصلّب في الموقف التركي وأجواء التسخين العسكري والسياسي، ارتفعت وتيرتهما، بعد قمة مدريد، والتي حسب التسريبات أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حصل على مكاسب سياسية خلال اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تجلّى ذلك عبر إشارة أولى أتت من على متن الطائرة خلال رحلة العودة. بقول أردوغان عن العملية العسكرية “إنها ستأتي على حين غرة”. وجاءت الإشارة الثانية من نتائج زيارة وفد التحالف الدولي مناطق شرق الفرات بقيادة السيناتور ليندسي غراهام، وما حمله من عروض لقيادات “قسد” كان من شأنها إيقاف العملية العسكرية، وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف. العرض قِيل إنّ تركيا أبدت موافقتها عليه، كونه يقضي بانسحاب قيادات الصف الأول من مليشيات “قنديل” التابعة لحزب العمل الكردستاني، استناداً إلى اتفاق سابق على المدينة، كان قد عُقد بين تركيا وإدارة الرئيس السابق ترامب، بالإضافة إلى فرض شروط أخرى على قوات “قسد”، أهمها منع التعامل مع النظام السوري وروسيا وإيران.

كان ذلك ما يتعلّق بمناطق شرق الفرات. أما الحديث عن منطقة تل رفعت، فقد أخبر الوفد أنّ هذا شأن ليسوا على علاقة به، ومعنى ذلك أنّ الضوء الأخضر الأميركي في تل رفعت موجود لتقويض النفوذ الروسي في غرب الفرات.

رفضت قوات سوريا الديمقراطية عرض التحالف، علماً أنّه جاء جزءا متكاملا لمناطق شرق الفرات، وسيجري نقاشُه في جلسة تعقد في أربيل لاحقاً، تهدف من خلاله واشنطن إلى تعزيز عوامل الاستقرار، وإنهاء حالة التوترات الأمنية مع تركيا، وتفعيل قرارات الإنعاش الأميركي للمنطقة بعد حزمة الاستثناء للمنطقة من قانون قيصر. فيما يكمن الهدف الفعلي في قطع الطريق على النفوذ الروسي، ومنعه من تثبيت نفوذه شرق الفرات. بدا الاستعجال لدى قوات “قسد” مدفوعا بقرار روسي ودعم من إيران، وقد أعلنت الأخيرة حالة الطوارئ، وبدأت تُروّج مشروع تحالف عسكري مع النظام السوري عبر إرساله أسلحة نوعية مع أرتال من الجنود وصلت إلى مناطق التماس، في ريفي منبج والرقة وحلب، تزامناً مع تعزيزات روسية جديدة من مدرعات وقوات مظلية إلى القامشلي وعين عيسى، ومحيط تل رفعت، دفع ذلك تركيا إلى إرسال تعزيزات جديدة انتشرت في مناطق التماسّ. وبذلك أصبح المشهد تحشيدا سورياليا متبادلا وتصعيدا من كل الأطراف في انتظار ساعة الصفر التي تبدو صعبة في الوقت الحالي، فإيران دخلت على الوساطة بين دمشق أنقرة، وواضح من سلوكها أنها لا ترغب في فتح جبهة جديدة ضدها، وخسارة الحليف التركي، بعدما شعرت بحجم الحرج الحالي بفعل التقارب التركي السعودي، والتركي الإسرائيلي، والهواجس المخفية من زيارة بايدن المنطقة. وبدأت روسيا تُمارس أساليب ضغط ناعم على خطوة تركيا الأولية بفتح باب حلف الناتو أمام السويد وفنلندا، من خلال رفع التأثير العسكري والوجود في شرق الفرات وغربه، وتوسيع هامش المناورة والوجود الإيراني في سورية، وحث الأكراد على رفض عرض غراهام إلى جانب استخدام فيتو أخيرا ضد مشروع قرار غربي لتمديد المساعدات الدولية عبر الحدود.

جديد الرسائل الروسية منح بشار الأسد رخصة الظهور في ساحات مدينة حلب، لأول مرة بعد سقوطها 2016، وقد جاءت الزيارة في محاولة إعطاء شرعية روسية لبشار ومن خلفه روسيا على بسط النفوذ شمال حلب، وأنّ أمام تركيا فرصة لإعادة التفكير باتفاق أضنة 1998 والتنسيق مع دمشق للتفاهم على وضع الحدود الأمنية، بدون الاستدارة نحو المقترح الأميركي.

وواقع الحال أنّ الوضع السوري ذاهب نحو مزيد من الاستعصاء والتصعيد الدولي، والصورة الحالية انعكاس فعلي عن مسألة التدويل للملف السوري، وربطه اليوم بشكل مباشر في الصراع الغربي الروسي الأوكراني الأوروبي، فلا روسيا عازمة على قطع شعرة معاوية مع الأتراك مدخلا إلى حل مستقبلي مع حلف الناتو، إلى جانب الحفاظ على العلاقات التجارية والاقتصادية وملفات التنسيق الدولي في البحر الأسود وشرق المتوسط، ودول البلقان، ولا تركيا راغبة في الانزياح الكامل نحو الحلف الغربي. وقد اتضح ذلك من خلال مسكها ورقة البرلمان التركي أمام مناورات السويد وفنلندا. وبهذه الورقة، اتضح أنّ أردوغان عندما ذهب إلى قمة مدريد قد نجا من مأزق دولي وقفز إلى الأمام، فبدلاً من أن يضع نفسه أمام كتلة أوروبية غربية ضده، رمى الكرة في أحضانهم وعاد منتصراً إلى تركيا محمّلا بثناء غربي أوروبي.

أما “قسد” فهي أقرب اليوم إلى الخيارات الصفرية، فكل حديثها عن دعم النظام السوري لها مجرد هالة إعلامية، فالقرار الأخير بيد روسيا، وعندما تحين لحظة الصفر، سيتم انسحاب سريع وإخلاء للمواقع التي سيجري التوافق عليها مع روسيا والأتراك، وإنْ هناك خصوصية لمناطق شرق الفرات، فطريق تل رفعت مفتوحٌ إما لفرض واقع جديد أمام روسيا أو بالتفاهم معها.

في جميع الأحوال، ومهما علت ذروة الخلافات التركية الروسية، فالمعارك والتجارب السابقة أعطتنا دروسا لا زالت صالحة، مفادها أنّ الجميع سيبقى يُراوغ سياسياً. أما ضمنياً، فهناك تفاهمات على الحفاظ على وحدة سورية وتقسيمها في آنٍ معاً.

العربي الجديد

—————————–

=================

تحديث 27 تموز 2022

—————————

قمة طهران الثلاثية.. حوار المصالح والتناقضات

قسم الدراسات

عُقدَت، في 19 تموز/ يوليو، ثلاثة اجتماعات في طهران، ثنائية وثلاثية، ضمّت رؤساء الدول الراعية لمسار “آستانة”، روسيا وتركيا وإيران، التي ترتبط بعلاقات متشابكة، تقوم على أساس المصالح المشتركة من جهة، وعلى مصالح متنافسة من جهة ثانية.

وعلى الرغم من أن التصريحات المعلنة أكدت تخصيص قمة طهران لبحث الملفّ السوري، خاصة مع تصاعد الحديث عن العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري؛ فإن المحادثات الثنائية والثلاثية ذهبت إلى الاهتمام أكثر بملفات العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاثة، وركزت على تعزيز التبادل التجاري الثنائي، من دون أن تحقق نتائج ملموسة على صعيد القضية السورية، مع الإشارة إلى أن هناك دلالاتٍ لافتة تضمنتها تصريحات القادة بخصوص الملف السوري على هامش القمة.

أولًا: السياقات الخاصة بقمة طهران

انعقدت القمة في ظروف إقليمية ودولية متوترة وغير مستقرة، وجاءت بعد قمة جدّة للأمن والتنمية، التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن بزعماء عرب، واكتسبت أهمية كبرى في ظل تصاعد الصدام بين الدول الغربية وروسيا على خلفية غزو جيشها لأوكرانيا.

ويتأتى السياق الخاص بالقمة الثلاثية من تناقض مصالح الدول الثلاثة في ملفات عديدة؛ فروسيا وإيران تدعمان نظام الأسد، عسكريًا وسياسيًا، وتشتركان في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، سواء بسبب الملف النووي الإيراني أو الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين أن تركيا عضو في التحالف الغربي “ناتو” الذي يواجه روسيا في الأزمة الأوكرانية، وهي أيضًا أبرز دول الجوار خصومة مع النظام وأظهرها دعمًا للمعارضة السورية.

وفي الوقت نفسه، تجمع روسيا وإيران مصلحة مشتركة في استثمار الكارثة السورية في صراعهما مع الغرب، سواء في سياق التنافس الإقليمي أو في قضية المفاوضات النووية بالنسبة إلى إيران، وفي سياق الحرب الأوكرانية بالنسبة إلى روسيا. وكلاهما يريد تحقيق مصالح خاصة بهما، وهو ما يفسر اتفاقهما في هذه القمة على المطالبة بخروج القوات الأميركية من مناطق شرقي الفرات.

  أما بالنسبة إلى تركيا، فقد جاءت قمة طهران بالتزامن مع إعلان نيتها القيام بعملية عسكرية محدودة، في منطقتي تل رفعت ومنبج، بما يوسع نفوذها من جهة، ويقطع الطريق على مشروع الكيان الكردي في الشمال السوري، الذي تقوده الميليشيات الكردية (قسد)، لإبعاد خطرها من المناطق الحدودية وتهديدها للأمن القومي التركي، من جهة ثانية، وبالرغم من أن روسيا وإيران تعارضان العملية العسكرية التركية، فإنهما تجدان في ضغط أنقرة لتنفيذ الهجوم فائدةً تتمثل في دفع ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن عليها مقاتلو ميليشيا “وحدات الحماية الكردية”، إلى اللجوء إلى النظام السوري وروسيا، لحمايتها من الهجوم التركي، أو لتخفيف آثاره على الأقل، إن حصل. وفي هذا السياق، برزت جهود طهران بالعمل على بلورة موقف موحد مع موسكو، لمحاصرة الدور التركي وما يحمله من تحدّيات لكلا الطرفين.

وبخصوص الملفّ السوري، تتمسك الدول الثلاثة بمسار آستانة، الذي أُطلق في العام 2017 بهدف التوصل إلى ترتيبات حل سياسي يتوافق مع مصالحها، من خلال فرض تهدئة الجبهات أولًا، تحت عنوان “خفض التصعيد”، وتمكين النظام من استعادة السيطرة لاحقًا على تلك المناطق، وهو ما أدى في الواقع إلى موجات من التهجير القسري رافقتها عمليات تغيير ديموغرافي، ويعكس استمرارُ تمسّك الدول الثلاثة بهذا المسار تفاهماتِها على مجمل المصالح المشتركة، لا على المسألة السورية فقط، وقد ترافق إعلان تمسكها بمسار آستانة مع تعطيل النظام السوري اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بطلب روسي، وفي هذا السياق، حققت قمة طهران نتائج ملموسة على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الثلاث، وكانت هناك نتائج سياسية كذلك، ولكن ليس من بينها أي توافق في المسألة السورية.

ثانيًا: أهمّ أولويات أجندة القمة

طغت على أجندة القمّة كثيرٌ من الأولويات التي تختلف وتتمايز بحسب مصالح هذه الدول وانشغالاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وأبرز هذه الأولويات -وفق ما تضمنه البيان الختامي للقمة وتصريحات القادة على هامشها- ما يلي:

1 – التأكيد على الدور الريادي لمسار آستانة، في الحلّ السلمي والمستدام للأزمة السورية، وتشديد القادة على استحالة تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ما دامت الولايات المتحدة تثير الفوضى، بدلًا من معالجة المشاكل، وتولي الأولوية لضمان مصالح إسرائيل، وهو ما يعكس رغبة روسيا وإيران في أن يكون مسار آستانة بديلًا لمسار جنيف، بالرغم من حاجتهما إلى غطاء الشرعية الأممية المستمد من مسار “جنيف”.

2- إصرار طهران على دعم النظام السوري، لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، وتأكيد الحضور القوي للجيش السوري على هذه الحدود الدولية، والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها، واتهامها بـ “نهب الثروات والموارد السورية”، وجاء حضور وزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد إلى طهران في يوم القمة، لإبراز موقف النظام من شرعية وقانونية وجود روسيا وإيران في سورية، واعتبار أن الوجود التركي في سورية غير شرعي، وهو ما عبّر عنه رفض المقداد للهجوم التركي المحتمل، و”سياسات التتريك والتدخلات التركية في شؤون سورية”.

3- لم تتمكن تركيا من استثمار القمة، ووساطتها في ملفّ تسوية أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية، للحصول على موافقة روسيا وإيران على العملية العسكرية التي تسعى أنقرة لإطلاقها في الشمال السوري لطرد قوات (قسد) من منطقتي تل رفعت ومنبج، على الرغم من تضمين بيانهم الختامي “تصميمهم على الوقوف في وجه المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية”، وتصريح كل من روسيا وإيران بأنهما تدركان مخاوف تركيا الأمنية.

وعلى الرغم من الموقف التركي السلبي من نظام الأسد، فإنّ أولويات تركيا تكمن في الحفاظ على أمنها القومي، ومنع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، إضافة إلى حرصها على عودة قسم كبير من اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وكذلك فتح طريق تجارتها البرية مع دول الخليج عبر سورية. وهي مصالح قد تدفع تركيا إلى القبول باستعادة النظام سيطرته على منطقة شرق الفرات.

ثالثًا: مظاهر التنافس والتوافق بين أطراف القمة

حققت القمة توافقات سهلة، من خلال اللقاءات الثنائية على تعزيز العلاقات الاقتصادية ورفع وتيرة التبادل التجاري، في حين برز الخلاف بين الأطراف في الملف السوري.

وعلى الرغم من توافق إيران مع روسيا في ملفّ غزو أوكرانيا وتقاربهما، كنظامين يعانيان العزلة الغربية ويواجهان العقوبات، وعلى الرغم من سعيها لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الكرملين، بالتزامن مع بروز احتمال بلورة تكتل عربي – إسرائيلي بدعم أميركي في المنطقة لمواجهة التهديد الإيراني؛ فإن طهران لا تزال ترتاب من بعض المواقف الروسية في الاتفاق النووي، ومن غضّ الطرف الروسي عن العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع قواتها وميليشياتها في سورية.

أما بالنسبة إلى روسيا، فإن في حضور بوتين القمة رسالةً للغرب، مفادها بأنّ روسيا حاضرة في الساحة الدولية، ويبقى القلق الروسي الأكبر من الغاز الإيراني الذي يشكل بديلًا سريعًا لغازها، وذلك على الرغم مما قيل عن مذكرة تفاهم وقعتها “غازبروم” الروسية في طهران، لاستثمارات في الغاز بقيمة 40 مليار دولار، ومن دعوة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى مبادرات اقتصادية جديدة لإقامة سلاسل توريد جديدة، مثل ممر “شمال – جنوب” الممتد من سان بطرسبورغ إلى المحيط الهندي، ومن الهند إلى “فلاديفوستوك” مرورًا بإيران. ومن جهة أخرى، تتعارض مصالح إيران وروسيا في بعض القضايا، مثل التنافس على بيع النفط للأسواق في الصين.

أما تركيا، الطرف الثالث في القمة، والعضو في حلف الناتو، والذي ينازعهما على النفوذ في سورية وفي جنوب القوقاز ووسط آسيا، فلا يمكن أن يكون شريكًا كاملًا لهما، وقد برز ذلك في الضغط عليه لوقف العملية العسكرية في شرق الفرات، وفي دعوته إلى التنسيق مع نظام الأسد لحماية حدوده، كما لا يمكن لهما التعويل على تموضع تركي جديد، يبعده عن حلفائه التقليديين في الغرب.

وعلى الرغم من توقيع الوزراء الأتراك على هامش القمة 8 اتفاقيات، و10 مذكرات تفاهم، مع نظرائهم الإيرانيين، من شأنها تعزيز العلاقات بين البلدين، ومن أهمّها تمديد اتفاقية تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا لمدة 25 عامًا؛ فإن اختلاف طهران وأنقرة في الساحة السورية لا تحلّه الاتفاقات الاقتصادية، ففي الوقت الذي كان الرئيس التركي يدلي بتصريحاته من طهران، بشنّ عملية عسكرية في سورية، نظّمت ميليشيا “فيلق المدافعين عن حلب” المدعومة من إيران عرسًا جماعيًا، في بلدتي ‎نبّل والزهراء الشيعيتين شمالي حلب، وقالت في صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي: “هو رسالة لتركيا. إننا باقون في هذه الأرض وسندافع عنها، وها هنا نقيم الأفراح ونزف 260 عريسًا، ولا نكترث بتهديداتكم أبدًا”.

في ما يتعلق بالعلاقة الروسية مع تركيا، أفاد البيان الرئاسي الروسي بأنّ أبرز محاور اللقاء الثنائي هي “الجوانب الرئيسية للتعاون الروسي – التركي، والتقدّم المحرز في تنفيذ المشاريع الرائدة في المجال التجاري والاقتصادي، وآليات العمل المشترك في الوضع حول أوكرانيا”. ورأى الكرملين أنّ تسوية قضية تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، وفقًا لمخرجات المفاوضات التي عُقدت أخيرًا في إسطنبول، بين الوفود العسكرية لروسيا وتركيا وأوكرانيا وممثلي الأمم المتحدة، تشكّل أحد العناصر الرئيسية لمواصلة التنسيق مع أنقرة. ومن المعروف أنّ تركيا لا تلتزم بالعقوبات الغربية على روسيا، وهي منفذ خارجي، تجاري ومالي، لموسكو ضد الحصار الغربي.

وهكذا، إذا ما دققنا في أهداف أردوغان في سورية، وأهداف خامنئي بمواجهة النظام العربي، وأهداف بوتين للتشويش على بايدن، فإننا سرعان ما نكتشف أنّ الأطراف الثلاثة اجتمعت لأغراض ومصالح عدة، بعضها متوافق، وبعضها الآخر يتسم بالتنافس أو بالتناقض؛ إذ تشكل سورية نقطة الخلاف الأساسي بين الدول الثلاث، ففي حين تعمل روسيا وإيران على استعادة النظام السيطرة على كامل الأرض السورية، وشرعنته دوليًا، تجد تركيا مصلحتها في ضمان أمن حدودها بتعزيز نفوذها في الشمال السوري، لإنهاء خطر قيام كيان كردي، وتأمين المنطقة الآمنة، لإعادة الآلاف من اللاجئين السوريين، واحتواء ضغط المعارضة التركية على هذا الصعيد، واسترضاء الشارع التركي قبيل الانتخابات المفصلية القادمة، وهذه الأهداف من غير الممكن تحقيقها في ظل وجود أميركي يعوق تنفيذ خططها على هذا الصعيد.

ولا أدلّ على التناقض بين الأطراف الثلاثة في القمة من عبارة “محاربة الإرهاب في سورية”، التي تضمنها البيان الختامي المتفق عليه، فالكل يستخدم سورية أرضًا لمحاربة الإرهاب، لكن كل طرف يحدد “الأطراف الإرهابية”، وفق مصالحه وهواجسه الأمنية؛ فروسيا -كما إيران- تعتبر كل من عارض نظام الأسد إرهابيًا، وتركيا يقلقها إرهاب الميليشيات الكردية ومشروعها، وهي طرف يحظى بدعم إيران وروسيا وأميركا بنسب متفاوتة، وكلٌّ حسب مصالحه، وفي حين يتحدث البيان عن العمل المشترك في “مكافحة الإرهاب”، يتابع كل طرف حربه ضد خصومه “الإرهابيين”، الذين يعدّهم شركاء آخرون في القمة الثلاثية أدواتٍ ضرورية لتحقيق مصالحه.

رابعًا: حول الآفاق المستقبلية لمسار آستانة

تشير معطيات خلافات الدول الثلاثة على الأرض السورية إلى أن بينها، من المشكلات والتعقيدات ولها من المصالح الذاتية، ما يجعل من وضع الأوراق السورية في عهدتها أقرب منه إلى تعزيز الصراع لا حلّه، فمن جانب، لا يمكن أن تقبل إيران بأي حل سياسي لا يكون الأسد في مركزه، فيما يمكن لروسيا أن تقبل بآلية تدريجية، تصل في نهايتها إلى الأهداف الإيرانية ذاتها. أما تركيا، فقد تحوّل هدفها اليوم إلى إيجاد تسوية سياسية تنهي التوتر على حدودها الجنوبية، وكحل آني سريع، فهي تسعى إلى شريط حدودي آمن شمال سورية، يكون مأوًى لنحو مليون سوري يقيمون حاليًا في تركيا، ويمكن أن تخفف عودتهم من حدة أزمة اللاجئين في السياق الانتخابي الشرس خلال العام المقبل.

ولا يبدو أن مثل هذه المواقف يمكن أن تُنتج حلًا قابلًا للحياة للمسألة السورية، وبالرغم من أن الملف السوري سيكون محور قمة موسكو لاجتماع مسار آستانة القادم الذي أعلن خلال قمة طهران؛ فلا يتوقع حدوث اختراق حقيقي يتضمّن حلًا أو خريطة حل عادل وناجز وقابل للحياة. ومع غياب أي رؤية دولية جادة، فإنّ ما فعلته قمة طهران أنها أكّدت “احتكار” المسألة السورية من جانب، وكررت أولوية المصالح المرتبطة بكل من دولها الثلاث، وإنّ إصرار روسيا وإيران على دعم نظام الأسد يعني أن لا جدوى ولا مستقبل لأيّ من الحلول، ولا سيما في ظلّ سلبية المجتمع الدولي وانشغاله بأولوياته التي لم تعد سورية جزءًا منها، كما ظهر واضحًا بعد جولة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط.

لقد انتهت قمة طهران بحصاد سياسي واقتصادي وفير، في ما يخص الدول الثلاث، إلا أنّ وفرة هذا الحصاد لا تشمل السوريين ولا قضيتهم في ما اتفق عليه أطراف آستانة الثلاثة، وهو أن تبقى هدنة وقف إطلاق النار قائمة (هاجمت روسيا ريف إدلب، وأوقعت قتلى وجرحى، وردت فصائل المعارضة بقصف مواقع عدة للنظام)، وبوجود الهدنة ينتفي وجود الحلول، ومن ثم لا بأس من ترحيل الخلافات حول القضية السورية إلى لقاءات قادمة، ذلك أن ما تريده روسيا وإيران هو التأكيد أنّ قمة طهران قد أنتجت ردًا مناسبًا على قمة جدة الخليجية الأميركية.

وهكذا، لا تمثّل القمة الثلاثية في طهران أي تحوّل يتعلق بتسوية دولية في إطار الإعداد للمسألة السورية. ولا شيء سيتحرك في هذا الملف، وفي ملفات أخرى ذات صلة، قبل أن تظهر النتائج الدولية للحرب في أوكرانيا، وما ستنتجه الحرب من موازين قوى، وقد يُحدّد حينذاك شكل التسوية في سورية ومضمونها.

مركز حرمون

————————-

شمال سوريا وشمال العراق والغموض الاستراتيجي

يُحيط الغموض الاستراتيجي بسياسة كل من تركيا وإيران في مناطق شمال #العراق وشمال #سوريا، ولكل من البلدين طموحات جيوسياسية وأمنية تختلف عن الأخرى، لكن أهدافهما تتلاقى على تقويض سيادة كل من العراق وسوريا في تلك المناطق، وصولاً لتحقيق تغييرات على خرائط الحدود التي تفصل بين دول المربع البركاني الأربع، وهي مساحات شهدت أحداثاً كبيرة عبر التاريخ الغابر، ولا سيما منها الصراعات بين صفويي بلاد فارس وطورانيي السلطنة العثمانية.

اندفاعة تركيا المتجددة باتجاه توفير ظروف مناسبة للانقضاض على اتفاقية لوزان لعام 1923 بعد مرور مئة عام على توقيعها؛ لا تعني أنها الوحيدة التي تطمح لفرض تغييرات على خريطة المنطقة، فإيران بالغت في الانفلاش الأمني والديموغرافي في تلك البقعة العربية الحساسة، وهي تستخدم طريقة التغلغل الميداني عبر ميليشياتها المتنوّعة، وتبيّن أنها تمدّ خيوطاً متينة مع حزب العمال الكرستاني pkk في المناطق القريبة من الحدود مع تركيا في شمال سوريا والعراق، بينما تُناصبه العداء في المناطق الكردية داخل إيران وعلى مساحة الحدود التي تفصلها عن إقليم كردستان.

بعض فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران في العراق، ولا سيما عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي، تتقاسم الأدوار مع حزب العمال الكردستاني في مدينة سنجار معقل الأقلية الأيزيدية ومحيطها في الشمال، وتقول المعلومات إنهم يتعاونون لتحقيق مكاسب مالية من جراء عمليات التهريب التي تمر عبر هذه المنطقة الى تركيا والى سوريا ومنها الى لبنان. وإيران لديها خطط واضحة لتوسيع نفوذها في تلك البقعة، لتوفير أوراق ضغط يمكنها استخدامها ضد تركيا، من دون أن تعلن حالة النزاع معها، كما أنها توظِّف وجودها الأمني للمناكفة مع القواعد العسكرية الأميركية في الأنبار وأربيل العراقيتين، وفي شرق الفرات في شمال سوريا.

أما تركيا؛ فلديها طموحات استراتيجية أكثر شمولية، وهي تتحيّن الفرص لإعادة تطبيق حدود “الميثاق الملّي” وهذا الميثاق الذي طوت حدوده اتفاقية سيفر لعام 1920 واتفاقية لوزان لعام 1923، اللتان وقعتهما تركيا مع الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، مقابل اعتراف هذه الدول باستقلال تركيا كجمهورية علمانية؛ يعتبر كركوك والموصل ومناطق شمال سوريا من ضمن الجغرافيا التركية. ووزير داخلية تركيا سليمان صويلو لم يخفِ نوايا بلاده التوسعية في شمال سوريا، عندما قال: إن غالبية اللاجئين السوريين في تركيا، ينتمون الى مناطق تركية قديمة كانت تقع ضمن “الميثاق الملّي”.

والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعاني من صعوبات داخلية؛ يحتاج لورقة رابحة يلعبها قبل موعد الانتخابات التي ستجري صيف عام 2023، ومن المؤكد أنه قرر استخدام ورقة النازحين السوريين لسحبها من يد معارضيه، ولتوظيفها في معركته الانتخابية، من خلال دخول شريط حدودي في عمق الأراضي السورية، يمتد على طول الحدود، بحجة إبعاد قوات حماية الشعب الكردي “قسد” وإرهابيي pkk كما يقول، وهو ينوي بناء مجمعات سكنية شعبية داخل هذا الشريط، تؤوي مليون نازح سوري منتشرين في المدن التركية، وتستغل المعارضة وجودهم ضد أردوغان، بحجة منافسة اليد العاملة التركية.

قمة طهران الثلاثية التي عُقدت في 19 تموز بين رئيس روسيا فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضيافة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؛ خصّصت جلساتها لمناقشة الملف السوري كما أعلن المشاركون، لكن المراقبين لم يفهموا شيئاً من البيان الختامي الذي صدر عن القمّة، من جراء الغموض الذي صيغت به عبارات البيان، وهي عبارة عن عناوين عامة أكدت وحدة الأراضي السورية، وضرورة تحقيق المصالحة، بينما أطراف القمة هم أنفسهم مَن يهدّد وحدة هذه الأراضي، ولو أنهم اتفقوا على تحقيق المصالحة بين فئات الشعب السوري، لكانوا فرضوا على الحكومة القبول بمسار أستانة الذي أشار الى ضرورة تعديل الدستور كمدخل إلزامي للحل.

الخشية قائمة من أن تكون خفايا قمة طهران أشد إيلاماً من المُعلن منها، وقد يكون تنظيم الخلاف وتوزيع المغانم بين الأطراف الثلاثة؛ هو الهدف من القمة وليس حل الأزمة، ذلك أن تعارض المصالح بين الدول الثلاث الكبرى واضح للعيان، ولكل منهم أهداف مختلفة عن الأخرى في سوريا، وفي شمال العراق. وقد تأكد ذلك من ردود الفعل على الغارة التركية الأخيرة على موقع مدني في محافظة دهوك شمال العراق، وهي أدّت إلى مقتل 9 مدنيين وجرحت 22 آخرين، وقد استنكرتها طهران، واحتجّت عليها بغداد، بينما تبرّأت تركيا من فعلتها، ناسبةً العمل لمقاتلي حزب العمال الكردستاني.

الغموض الاستراتيجي سيد الموقف في شمال العراق وشمال سوريا، والأطماع الامبراطورية تطلُّ برأسها من أروقة قاعات القمم العلنية. روسيا وإيران ضد العملية التركية المزمع تنفيذها في شمال سوريا، وتركيا وروسيا تنظمان عملية دولية كبيرة تتعلق بتسهيل تصدير القمح الأوكراني، والتنسيق على أشدّه بين قوات “قسد” الموالية للأميركيين وقوات الحكومة السورية، بينما تساعد إيران قوات الحكومة السورية وميليشيا pkk، وتتفرج روسيا على المسرحية الاستعمارية الجديدة ببرودة من دون أن تختلف مع أيّ من القوتين المتنافستين.

التهارالعربي

———————–

هل تستطيع روسيا إحياء «اتفاقية أضنة» بين سوريا وتركيا؟/ إبراهيم حميدي

كلما لوحت تركيا بشن عملية عسكرية شمال سوريا لإقامة «منطقة آمنة»، تضع روسيا على طاولة الوساطة إحياء «اتفاق سوتشي» حول شرق الفرات تمهيداً لتنفيذ «اتفاق أضنة» الذي وقعته أنقرة ودمشق في يوليو (تموز) 1998، وأسس لتعاون أمني بين الطرفين، وسمح للجيش التركي بملاحقة «حزب العمال الكردستاني» بعمق الأراضي السورية.

ومنذ الحرب الروسية في أوكرانيا، أعاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إحياء خطة قديمة لديه بإقامة «منطقة آمنة» بعمق 35 كيلومتراً، محاولاً الإفادة من تحسن موقف أنقرة التفاوضي بسبب «حاجة» واشنطن وموسكو لدور تركيا.

أميركا أعلنت بوضوح رفض العملية العسكرية شرق الفرات، فيما تولت موسكو التوسط بين دمشق وأنقرة والأكراد، ونشر قوات الجيش السوري في مناطق مختلفة في شمال البلاد لـ«ردع» الجيش التركي، قبل القمة الروسية – التركية – الإيرانية في طهران أمس (الثلاثاء).

أنقرة تريد توغلات جديدة تربط «جيوبها» العسكرية شمال سوريا، وهي «درع الفرات» شمال حلب التي أسست في 2016، و«غصن الزيتون» في عفرين في 2018، و«نبع السلام» شرق الفرات نهاية 2019، و«درع السلام» في بداية 2020. فيما تقترح موسكو إما تفعيل «اتفاق أضنة» وإما التنفيذ الكامل لـ«اتفاق سوتشي – 2019»، إضافة إلى مذكرة عسكرية بين دمشق والقامشلي مقابل اتفاق بين أنقرة وواشنطن. وهنا أهم الاتفاقات وقراءة فيها:

> ما بنود «اتفاقية أضنة»؟

بعد تلويح تركيا بالهجوم على سوريا منتصف 1998، توسط الرئيس المصري الراحل حسني مبارك بين الطرفين، إلى أن تم إنجاز اتفاق أمني بين أنقرة ودمشق في مدينة أضنة التركية. ونص الاتفاق وملحقاته على عناصر؛ بينها:

– اعتباراً من الآن؛ زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (المعتقل في تركيا منذ بداية 1999) لن يكون في سوريا، وبالتأكيد لن يسمح له بدخول سوريا.

– لن يسمح لعناصر «حزب العمال الكردستاني» في الخارج بدخول سوريا.

– اعتباراً من الآن؛ معسكرات «حزب العمال الكردستاني» لن تعمل على الأراضي السورية، وبالتأكيد لن يسمح لها بأن تصبح نشطة.

– كثير من أعضاء «حزب العمال الكردستاني» جرى اعتقالهم وإحالتهم إلى المحكمة، وتم إعداد اللوائح المتعلقة بأسمائهم، وقدمت سوريا هذه اللوائح إلى الجانب التركي.

– إن سوريا، على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لن تسمح بأي نشاط ينطلق من أراضيها، بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا. كما لن تسمح سوريا بتوريد الأسلحة والمواد اللوجيستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة «حزب العمال الكردستاني» على أراضيها.

– صنفت سوريا «حزب العمال الكردستاني» على أنه منظمة إرهابية، كما حظرت أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها، إلى جانب منظمات إرهابية أخرى.

– لن تسمح سوريا لـ«حزب العمال الكردستاني» بإنشاء مخيمات أو مرافق أخرى لغايات التدريب والمأوى أو ممارسة أنشطة تجارية على أراضيها.

– لن تسمح سوريا لأعضاء «حزب العمال الكردستاني» باستخدام أراضيها للعبور إلى دول ثالثة.

– إقامة وتشغيل خط اتصال هاتفي مباشر فوراً بين السلطات الأمنية العليا لدى البلدين.

– يقوم الطرفان بتعيين ممثلين خاصين أمنيين في بعثتيهما الدبلوماسيتين في أنقرة ودمشق، ويتم تقديم هذين الممثلين إلى سلطات البلد المضيف من قبل رؤساء البعثة.

– الملحق رقم 3: اعتباراً من الآن؛ يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أياً منهما ليست له أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر.

– الملحق رقم 4: يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كيلومترات.

ماذا تعني «اتفاقية أضنة» سياسياً وأمنياً؟

– إعطاء الجيش التركي الحق في ملاحقة «حزب العمال الكردستاني» بعمق 5 كيلومترات شمال سوريا، بموجب «الملحق رقم 4».

– تتخلى دمشق عن أي مطالبة بحقوقها في لواء الإسكندرون (إقليم هاتاي) الذي ضمته تركيا في 1939، بموجب «الملحق رقم 3».

– اعتبار «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان، «تنظيماً إرهابياً»، بموجب نصوص الاتفاق.

– أنقرة تفسر الاتفاق على أنه يعني أن «وحدات حماية الشعب» الكردية «تنظيم إرهابي»، باعتبار أن أنقرة تعدّها امتداداً لـ«العمال الكردستاني».

– يعني بدء اتصالات أمنية مباشرة، علماً بأن مدير الأمن الوطني السوري علي مملوك التقى أكثر من مرة مدير المخابرات التركية حقان فيدان.

– يعني أيضاً إعادة تشغيل السفارة التركية في دمشق، والسفارة السورية في أنقرة، علماً بأن لدمشق قنصلية في إسطنبول (تم تعيين عنصر جديد فيها قبل فترة)، باعتبار أن الاتفاق يتطلب تعيين ضابط ارتباط أمني في كل سفارة.

– يعني تنفيذ الاتفاق «اتصالات غير مباشرة» أقر بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، واعتراف أنقرة بشرعية الحكومة السورية؛ لأن تنفيذ الاتفاق يتطلب كثيراً من الإجراءات، بينها تشكيل لجنة مشتركة وتشغيل خط ساخن.

– يقدم الاتفاق بديلاً للتفاهم التركي – الأميركي حول عمق «المنطقة العازلة» البالغ 32 كيلومتراً شمال شرقي سوريا، ويفتح المجال لتنفيذ «اتفاق سوتشي» بين إردوغان والرئيس فلاديمير بوتين في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سحب قواته من شرق الفرات، الأمر الذي مهد لهجوم تركي وقتذاك.

> ما «اتفاق سوتشي» لعام 2019؟

اتفق إردوغان وبوتين على 10 نقاط؛ بينها:

أكدا التصميم على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وتعطيل المشروعات الانفصالية في الأراضي السورية.

– سيتم في هذا الإطار الحفاظ على الوضع الراهن في منطقة عملية «نبع السلام» الحالية التي تغطي تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلومتراً.

– كلا الطرفين أكد مجدداً على أهمية «اتفاقية أضنة»، وستسهل روسيا تنفيذ هذه الاتفاقية في ظل الظروف الحالية.

– الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيدخلان إلى الجانب السوري من الحدود السورية – التركية، خارج منطقة عملية «نبع السلام» (بين تل أبيض وراس العين)، بغية تسهيل إخراج عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية وأسلحتهم حتى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية – التركية.

– تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية «نبع السلام» بعمق 10 كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.

– إخراج جميع عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية وأسلحتهم من منبج وتل رفعت.

ماذا عن الاتفاق الأميركي ـ التركي لعام 2019؟

وقبل ذلك، جرى توقيع اتفاق بين إردوغان ونائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس في أكتوبر 2019، تضمن 13 بنداً؛ بينها:

– تؤكد الولايات المتحدة وتركيا علاقتهما بصفتهما زميلين في «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، وتتفهم الولايات المتحدة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على الحدود الجنوبية لتركيا.

– اتفق الجانبان على استمرار أهمية وفاعلية سلامة المنطقة، من أجل معالجة المخاوف الأمنية الوطنية في تركيا، لتشمل إعادة جمع الأسلحة الثقيلة من «وحدات حماية الشعب» (الكردية) وتعطيل تحصيناتهم وجميع مواقع القتال الأخرى.

– سيقوم الجانب التركي بإيقاف عملية «نبع السلام» مؤقتاً للسماح بسحب «وحدات حماية الشعب» من منطقة النبع. وسيتم إيقاف عملية «نبع السلام» عند الانتهاء من هذا الانسحاب.

– بمجرد إيقاف عملية «نبع السلام»، توافق الولايات المتحدة على عدم مواصلة فرض العقوبات بموجب الأمر التنفيذي الصادر في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بحظر الممتلكات وتعليق دخول أشخاص معينين يساهمون في الوضع في سوريا.

كيف عاد الجيش السوري إلى شرق الفرات؟

بالتوازي مع هذه الاتفاقات الروسية – التركية – الأميركية التي أعقبت إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الانسحاب من حدود تركيا شمال شرقي سوريا؛ الأمر الذي فتح المجال لتوغل أنقرة، جرى التوصل إلى مذكرة تفاهم بين «قوات سوريا الديمقراطية»؛ حلفاء واشنطن، وبين دمشق. هنا بعض نقاطها:

– وافقت «قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تضم «وحدات حماية الشعب» الكردية) على دخول قوات الجيش العربي السوري، وبسط سيطرته على كامل المنطقة ابتداءً من عين ديوار شرقاً، وحتى جرابلس غرباً، حيث ستنطلق القوات من ثلاثة محاور:

1- محور الطبقة شمالاً باتجاه عين عيسى وريفها وشمالاً إلى الحدود السورية – التركية عند تل أبيض وباتجاه الغرب.

2- محور منبج باتجاه عين العرب على الحدود السورية – التركية وحتى نقطة تل أبيض وباتجاه الغرب.

3- محور الحكسة – تل تمر وصولاً إلى رأس العين ومنه باتجاه الشرق وصولاً إلى القامشلي وثم المالكية وباتجاه الجنوب.

4- تنتشر القوات في منطقة منبج بدءاً من عريمة وعلى طول خط نهر الساجور وفق الاتفاقية السابقة المتعلقة بانتشار القوات في عريمة.

في هذه المذكرة، «أكدت قوات (قسد) على جاهزيتها للحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية وتحت علم الجمهورية العربية السورية، والوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري في مواجهة التهديدات التركية للأراضي السورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد».

لكن تراجع ترمب عن قرار الانسحاب ثم الإبقاء على قواته شرق الفرات، دفع إلى بطء تنفيذ هذه المذكرة. وأمام التهديدات التركية الأخيرة، عادت روسيا لدفع «قسد» ودمشق لتنفيذ مذكرة عام 2019.

ومثلما طبقت روسيا اتفاقية «فك الاشتباك» بين سوريا وإسرائيل ونشرت قوات دولية في الجولان، تسعى إلى تنفيذ الاتفاقات المرحلية وصولاً إلى إعادة تفعيل «اتفاقية أضنة» بوصفها مدخلاً لـ«شرعنة» الحكومة وتوسيع بسط سيادتها في البلاد. وسبق أن اقترحت روسيا ذلك، وأعادت هذا الاقتراح خلال التمهيد للقمة الثلاثية في طهران، وستواصل الدفع تدرجياً لتنفيذه؛ وإن كان بعمق أكثر من «أضنة» وأقل من «سوتشي» و«تفسيرات روسية» له.

الشرق الأوسط

————————-

سوريا: ما هي خطة أردوغان الكبرى؟/ مروان شلالا

بعد قمته مع رئيسي وبوتين في طهران

يوفر الدور المدني والعسكري المتزايد لأنقرة في شمال سوريا لها جسرًا لمحاربة القوات الكردية. ولكن إذا توسع أكثر، فقد يجتذب المزيد من التدقيق الدولي.

إيلاف من بيروت: مع اقتراب المساء عبر الحدود التركية مع سوريا، يتحول تدفق حركة المرور عبر نقطة التفتيش الحدودية أونشوبينار إلى مجرى لا يتوقف. من خلال قناة واحدة، تندفع الشاحنات المغبرة شمالًا عائدة إلى تركيا، بعد إفراغ حمولتها. من خلال معبر آخر، يعود موظفو الخدمة المدنية وعمال الإغاثة الأتراك إلى منازلهم بعد يوم عمل في سوريا التي دمرتها الحرب.

تنقل سيارات الدفع الرباعي رجال شرطة المرور المرهقين وخبراء التخلص من القنابل. تقوم الحافلات الصغيرة بتوصيل العاملين الصحيين والمعلمين الذين ينزلون لإبراز وثائق هويتهم لمسؤولي الهجرة. ومع ذلك، فإن المزيد من المركبات تحمل مسؤولي الجمارك والشؤون الدينية. يبدو أن كل أذرع الدولة التركية تقريبًا حاضرة أثناء رحلة العودة من شمال سوريا إلى مقاطعة كيليس التركية – حتى موظفي وزارة الرياضة.

يقول مسؤول تركي: “أي مؤسسة يمكنك التفكير فيها هنا [في تركيا]، فهي موجودة هناك”. ويقدر أن 300 عامل تركي وحوالي 200 شاحنة وسائقيها يمرون كل يوم داخل وخارج معبر أونشوبينار – واحد من ثمانية على طول الحدود البالغ 900 كيلومتر.

دور متعمق

إنه مشهد يعكس دور تركيا المتعمق في تشكيل مستقبل شمال سوريا بعد شن توغلات عسكرية لصد المسلحين الأكراد من وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، من المنطقة الحدودية. منذ أن توغلت الدبابات التركية لأول مرة في سوريا قبل ست سنوات، أصبحت العملية العسكرية، بمرور الوقت، مهمة تمس تقريبًا جميع مجالات الأمن والحياة المدنية في ثلاثة جيوب، والتي تضم مجتمعة نحو مليوني سوري.

إنها تمثل أكبر بصمة تركية في دولة عربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في عام 1918، وقد تكون على وشك أن تكبر حيث حذر الرئيس رجب طيب أردوغان من أنه يريد بسط سيطرة أنقرة بهجوم جديد. إذا تابع تهديداته، فسوف يكدس مزيدًا من التدقيق على استراتيجية تركيا طويلة المدى ودور الجهات الأجنبية الفاعلة في سوريا، بعد أكثر من عقد من الصراع في الدولة العربية.

على مدى العامين الماضيين، أصبحت تجزئة البلاد حالة راهنة غير مستقرة بعد حملة رئيس النظام السوري بشار الأسد القاسية لسحق الانتفاضة الشعبية في عام 2011 وتدويل الحرب الأهلية، ما أدى إلى تقسيم الأمة بين فصائل سورية متنافسة تعتمد على الدعم الأجنبي. وبدعم من روسيا وإيران والميليشيات المتحالفة مع إيران، استعاد الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد لكنه يترأس دولة ممزقة. تم دفع فلول المعارضة إلى الشمال، حيث يعتمدون على القوة العسكرية التركية والمساعدات المالية. في الشمال الشرقي، تسيطر الميليشيات التي يقودها الأكراد على أكثر من خمس مساحة البلاد، بدعم أميركي وحماية فعالة من نحو 800 جندي أميركي.

تجمد الصراع مع الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية المحتضرة وتضاءل اهتمام الغرب. الحقيقة المروعة للسوريين هي أن التقسيم الفعلي سيستمر طالما يرفض الأسد قبول أي تنازلات سياسية وبقاء القوى الأجنبية في البلاد.

تقول دارين خليفة، محللة الشؤون السورية في مجموعة Crisis: “لا أحد يحب أن يقول ذلك بصوت عالٍ لأنه مثير للجدل سياسيًا ولا يريد الأميركيون أن يشعروا بأنهم يساهمون في ذلك، والأتراك لا يريدون أحدًا أن يقول ذلك. لكن في الواقع، تحفز ديناميكيات ومخاطر الصراع القوى الأجنبية على البقاء في سوريا. وطالما فعلوا ذلك، فمن المرجح أن يستمر المأزق الحالي ويشبه تقسيمًا فعليًا [للبلد]”.

استيلاء تركي

في المناطق الثلاث التي تقع تحت إشراف أنقرة، يتعلم تلاميذ المدارس السورية اللغة التركية لغةً ثانية. يتم علاج المرضى في مستشفيات بنتها تركيا وتضيء الكهرباء مولدة في تركيا. الليرة التركية هي العملة المهيمنة وتستخدم خدمة البريد التركية المملوكة للدولة لتحويل الرواتب إلى العمال السوريين وتوطين الحسابات المصرفية للمجالس المحلية. تشرف مكاتب ولاة المحافظات الحدودية التركية على عمليات التوظيف والطرد في المناطق السورية المجاورة.

على الجبهة الأمنية، تدرب تركيا وتدفع رواتب أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، ونشرت قواتها داخل سوريا، وأنشأت قواعد عسكرية ضخمة على الحدود وجدارًا حدوديًا بطول 873 كيلومترًا. فالهدف العسكري الرئيسي لأنقرة في المنطقة هو إضعاف الميليشيات الكردية التي استغلت فوضى الصراع، ودورها الحاسم في المعركة ضد داعش. لقد أقاموا إداراتهم المدنية الخاصة في منطقة غنية بالعديد من الموارد الطبيعية لسوريا، بما في ذلك النفط والغاز والأراضي الزراعية. لكن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي ميليشيا ذات جذور ماركسية لينينية تشن تمردًا منذ عقود ضد الدولة التركية. مثل تركيا، تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. لكن مما أثار استياء أنقرة هو وقوف واشنطن إلى جانب الأكراد في الحرب ضد داعش.

يريد أردوغان توفير ما يسمى بالمناطق الآمنة لتشجيع عودة نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري فروا إلى تركيا، بعدما أصبح وجودهم غير محبوب محليًا. وأدت العمليات إلى دخول جنود أتراك إلى مناطق قتال أجنبية، وهذا يكلف أنقرة مليارات الدولارات. العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة وأوروبا والقوى العربية. وجهت اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان وخاطر بوقوع اشتباكات أوسع مع الأسد وداعميه الخارجيين.

مع ذلك، أخبر أردوغان أعضاء البرلمان في يونيو أنه يخطط “لمرحلة جديدة” من هدفه المتمثل في إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كم من الحدود لطرد الأكراد من منبج الاستراتيجية غرب نهر الفرات، ومن تل رفعت، وهي بلدة أصغر تقع إلى الغرب. قال: “سنخلي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين، وسنفعل الشيء نفسه مع المناطق الأخرى خطوة بخطوة”.

الغرب لا يفهم

يقول دبلوماسيون غربيون إن هناك مؤشرات قليلة على نشاط عسكري تركي كبير يشير إلى أن عملية ضد القوات الكردية باتت وشيكة، وحذرت روسيا وإيران والولايات المتحدة من أي توغل أعمق في سوريا قد يؤدي إلى اندلاع نوبة صراع أوسع. لكن في داخل سوريا، كان القادة الأتراك يخبرون سلطات المعارضة المحلية بتجهيز مقاتلي الجيش الوطني السوري، كما يقول محمود أليتو، رئيس المكتب السياسي لهذا الجيش. يضيف أن تركيا نشرت المزيد من القوات والأسلحة عبر الحدود. يقول: “خلال الشهر الماضي، كانت تركيا جادة بشأن العملية”، ويصر على أن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا لا يتبع أجندة أنقرة، وسيواصل مقاومة الأسد بدعمها أو بدونه. لكنه يقر بأن جيوب المعارضة في الأراضي تعتمد على رعاتها الأتراك.

مع ذلك، هناك تناقض بين السوريين عندما يناقشون الحياة تحت وصاية تركيا. بالنسبة للأشخاص الذين فروا من البراميل المتفجرة، والهجمات الكيماوية، والحصار، وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد، أو أهوال داعش، هناك تقدير بوجود استقرار نسبي. لكن هناك أيضًا شكاوى من انعدام الأمن والمظالم الاجتماعية والاقتصادية. فرت أسماء من حلب في عام 2016 عندما شنت قوات الأسد المدعومة من روسيا هجومًا مدمرًا على المدينة السورية، ووصلت إلى أعزاز، وهي بلدة حدودية تحت سيطرة تركيا، قبل عامين. تقول: “لا أستطيع أن أقول إننا نشعر بالأمان التام في اعزاز، لكن إذا قارنتها بمناطق أخرى، فستشعر بأمان أكبر”، لكنها تشكو ندرة الوظائف وحجم نفوذ تركيا على السلطات المحلية. تضيف: “يعرف معظم الناس أن تركيا هنا من أجل مصالحها الخاصة، لا مصالح السوريين”.

لكن ماذا لو انسحبت تركيا؟ وتضيف أسماء: “سنشعر بالخوف لأن تركيا تظل الخيار الوحيد لنا وإلا ستأتي روسيا والأسد”.

يصر مسؤول تركي كبير على أن أنقرة، كما يزعم المنتقدون، لا تحاول “تغيير نسيج الدولة”، قائلًا: “كثير من الأصدقاء العرب والغربيين لا يفهمون هذه النقطة. يتساءل الناس لماذا فتحنا فروعًا لبعض الكليات الدينية وبعض الجامعات التركية هناك. كانت هذه هي المناطق التي قمنا بتأمينها من داعش. أي نوع من التفكير الديني نفضل؟. من دون الاستثمار التركي في المدارس والعيادات وفرص العمل، لا أمل في عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم”.

خوف أنقرة

لكن خوف أنقرة الأساسي هو أنه كلما طالت فترة إحكام وحدات حماية الشعب سيطرتها على الأراضي، زادت فرصة سعيها لتأسيس شكل من أشكال الوطن الكردي – وهي فكرة لعنة بالنسبة لدولة قضت أربعة عقود في محاربة الانفصاليين في الداخل. يعتقد المحللون أن هناك عدة عوامل وراء توقيت تهديدات أردوغان بشن هجوم جديد، بما في ذلك فكرة أن الحرب الروسية في أوكرانيا صرفت انتباه موسكو والغرب، فضلًا عن رغبة الرئيس في حشد المؤيدين قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2023 في موعد أقصاه. وقت تفاقم الاضطرابات الاقتصادية في تركيا.

مع ذلك، فإن تركيا، في جوهرها، “تعتبر بصدق وحدات حماية الشعب الكردية تهديدًا للأمن القومي ولا يأخذها أحد على محمل الجد”، كما يقول خليفة، محلل شؤون سوريا. يضيف: “سواء كنا نتفق على ذلك أم لا، فهذه مسألة منفصلة. لكن الجميع في أنقرة، سواء أكانوا أردوغان أو أي قيادة أخرى، ما زالوا يفكرون في ذلك ويمكنهم التصرف بناءً عليه”.

برزت وحدات حماية الشعب كقوة مقاتلة خلال معركة كوباني بعد أن سيطرت داعش على المدينة الحدودية السورية ذات الأغلبية الكردية خلال هجوم الجهاديين عبر العراق وسوريا في عام 2014. وأصبحت الشريك المفضل للولايات المتحدة لنقل المعركة إلى داعش في شمال شرقي سوريا، تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو تحالف من المقاتلين يهيمن عليه المسلحون الأكراد تم تسليحهم وتدريبهم من قبل واشنطن.

في أنقرة، شاهد المسؤولون الأتراك بجزع الميليشيات الكردية تحصل على الأراضي والأسلحة والمكانة الدولية. ويقدر خليفة أن قوات سوريا الديمقراطية – التي تتهم تركيا بالاحتلال – تسيطر على جيش قوامه 100 ألف وتدير إدارة مدنية من نفس الحجم.

أمر أردوغان القوات بعبور الحدود لأول مرة في عام 2016 في هجوم على مدينة جرابلس السورية، ظاهريًا لاستهداف داعش ولكن أيضًا لمنع أي تقدم للمسلحين الأكراد. جاءت تلك العملية بعد أسابيع من نجاة أردوغان من محاولة انقلاب، وكانت بمثابة بداية لسياسة خارجية أكثر حزمًا وتدخلًا. وأمرت أنقرة بشن هجمات مماثلة في عامي 2018 و 2019، حيث تقاتل القوات التركية إلى جانب وكلائها السوريين. وشنت تركيا عملية رابعة في عام 2020 لعكس المكاسب التي حققتها قوات الأسد حول إدلب في الشمال الغربي، وهي جيب آخر للمعارضة يقطنه 4 ملايين شخص. تمتلك أنقرة سيطرة أقل على إدلب، التي تديرها هيئة تحرير الشام، وهي حركة إسلامية تصنفها أنقرة وواشنطن كمنظمة إرهابية. لكن تركيا في الواقع هي الحامي النهائي للمنطقة. انتهت تلك الاشتباكات بتوصل تركيا وروسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وظلت الخطوط الأمامية الرئيسية راكدة منذ ذلك الحين، مما يؤكد تأثير الجهات الأجنبية على مصير ملايين السوريين.

مسؤوليات متفاوتة

اليوم، تتحمل أنقرة درجات متفاوتة من المسؤولية عن أكثر من 9 ملايين سوري، بما في ذلك اللاجئين داخل تركيا، أي أقل بقليل من نصف سكان الدولة العربية قبل الحرب. يقدر مراد يشيلتاش، المحلل في Seta، وهي مؤسسة فكرية تركية لها صلات وثيقة بأردوغان وحكومته، أن التدخل في سوريا يكلف أنقرة حوالي ملياري دولار سنويًا. ويضيف أن تركيا لديها ما بين 4000 و 5000 جندي داخل المناطق التي تسيطر عليها ونحو 8000 جندي حول إدلب.

ويقول إن أنقرة تتصارع مع التناقض بين رغبة تركيا المعلنة في سوريا موحدة – ليس أقلها منع أي شكل من أشكال الدولة الكردية – بينما تدرك في الوقت نفسه أن “تركيا كذلك… في نهاية المطاف تقويض السلامة الإقليمية المحتملة لسوريا “.

يضيف أن الخيارات هي حكم مباشر، من شأنه أن يمنح تركيا مجالًا أكبر لحل المشاكل الاقتصادية والأمنية على الأرض، لكنه سيكون في الواقع ضمًا ؛ يحكم “خلف الخط”، مما يمنح أنقرة نفوذًا دون أن تتورط في أي شكل من أشكال الحكومة ؛ أو الخروج منها ووضع ثقتها في إدارة محلية موالية لتركيا للحفاظ على النظام.

في الوقت الحالي، تسعى تركيا إلى مزيج من الأولين، كما يقول يشيلتاش، مضيفًا: “إذا كنت تسألني من هو الرئيس، فبالطبع تركيا هي الرئيس”. ويقول إن “الخريطة الحالية” لا تسمح باستراتيجية خروج، بينما يقترح أن الاستيلاء على مدينتي تل رفعت ومنبج الشماليين سيعزز أهداف أنقرة الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل.

نجاح روسي كبير

أي عملية جديدة ستكون مليئة بالمخاطر. هناك تقارير تفيد بأن مقاتلي الأسد المدعومين من روسيا والميليشيات المتحالفة مع إيران يحشدون حول منبج وتل رفعت. وحذرت قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد من أنها ستنسق مع دمشق لمواجهة أي هجوم.

على الرغم من حربها في أوكرانيا، يقول المسؤولون الأتراك والغربيون إن هناك مؤشرات قليلة على أن الموقف الروسي في سوريا قد تغير. ويقدر دبلوماسي غربي أن عدد القوات الروسية يتراوح بين 2000 و 5000، المفتاح هو الدعم الجوي لنظام الأسد.

بالنسبة لروسيا، سوريا نجاح كبير… كما يقول جيمس جيفري، سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والمبعوث السابق إلى سوريا: “لا أعتقد أنهم سيخاطرون بذلك وينسحبون”.

لم يؤد التدخل الروسي في سوريا في عام 2015 إلى تحويل الحرب لصالح الأسد فحسب، بل عزز أيضًا نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وأمن قواعدها البحرية والجوية في البحر الأبيض المتوسط.

كما يرى جيفري احتمال ضئيل لانسحاب الولايات المتحدة في أي وقت قريب، خاصة بعد كارثة انسحابها من أفغانستان. ويعتقد أن الوضع الراهن يناسب جميع الأطراف الخارجية إذا حافظ على استقرار هش مع خطوط أمامية مجمدة. ويقول: “إنهم يفضلون التعايش مع هذا الالتزام العسكري الفوضوي الذي لا يحقق أي شيء سوى منع الطرف الآخر من الانتصار وخلق أوضاع أمنية أكثر خطورة بالنسبة لهم”. “هذا هو حساب التفاضل والتكامل.”

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير الحسابات في أنقرة هو إذا استفادت المعارضة من تراجع شعبية أردوغان للفوز في الانتخابات المقبلة. تشارك معظم الأحزاب التركية الرئيس مخاوفه بشأن الميليشيات الكردية لكنها تنتقد قراره بدعم المتمردين السوريين. قالت جميع الأحزاب الكبيرة إنها إذا فازت بالسلطة، فإنها ستعيد العلاقات مع دمشق، وهي خطوة يقولون إنها ستكون مقدمة لإعادة السوريين إلى الوطن.

لكن الخبراء يجادلون بأن قلة من اللاجئين سيعودون إلى دولة محطمة يحكمها النظام الاستبدادي الذي فروا منه. وأضافوا أن الأسد من المرجح أن يطالب بانسحاب القوات التركية، مما يزيد من خطر أن تصبح المناطق الحدودية مرة أخرى ملاذًا للميليشيات الكردية. في كلتا الحالتين، يعتقد العديد من السوريين أن تركيا ستظل على المدى الطويل لأنهم لا يرون نهاية لأزمة بلادهم.

يقول عبد الغني الشوبك، وهو مسؤول سوري معارض: “الوضع سيبقى على هذا النحو”. لم يعد السوريون يملكون القرارات. الولايات المتحدة تقول كلمتها وهناك روسيا وإيران وتركيا “.

———————–

تحديات ما بعد قمة طهران/ فراس رضوان أوغلو

كل يغني على ليلاه، هذا ما أفرزته قمة طهران الروسية التركية الإيرانية نعم هناك بيان ختامي مشترك لكن لا جديد فيه، نعم هناك استمرار لاتفاق أستانا لكن لا جديد فيه، فكل من طهران وأنقرة تسعيان لجذب وكسب روسيا نحوها أكثر فأكثر للاستفادة من الوضع الإقليمي الجديد بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو سياسة التكتلات السياسية والاقتصادية فالرئيس الأميركي يلتقي بحلفائه في جدة وبوتين يفعل نفس الشيء في طهران وتبقى تركيا بيضة القبان في المنطقة.

تركيا المنتشية بنجاحها في إقناع الطرفين الروسي والأوكراني بتوقيع اتفاقية وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من  الموانئ الأوكرانية وبوادر حل لمعضلة كانت تؤرق المجتمع الدولي تصطدم مع العراق بما سمي قضية قصف منتجع دهوك في الشمال العراقي، وبغض النظر عن التحليلات التي قيلت عن هذا العمل ومن كان وراءه وغايته وأهدافه إلا أن على تركيا التعامل معه بشكل جدي وباهتمام بالغ، وعليها أن تنجح في هذا الملف كما نجحت في ملف الحبوب لتثبت للمجتمع الدولي قوتها وقدرتها وثقلها السياسي على حل مشاكلها بشكل عام في منطقة لا تخلو من تطورات يومية سلبية أم إيجابية، أما فيما يخص الشمال السوري وتحديداً بعد إعلان تركيا التريث عن العملية العسكرية التي كانت تعتزم القيام بها فعليها إثبات أن التوقف جاء لتوافقات مع الأصدقاء وأن هناك مكاسب سياسة أو ميدانية ستحصل عليها لاحقاً وإلا فإن هذا التوقف جاء نتيجة ضغوطات لم تقدر عليها أنقرة وهذا يعني تقدماً ملحوظاً لصالح طهران الرافضة للعملية، وهذا التراجع سينعكس على الداخل التركي المقبل على انتخابات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها حرجة وصعبة وهامة للغاية.

لا شك أن قمة طهران تعتبر رداً بروتوكولياً لروسيا على قمة جدة وتأتي ضمن استراتيجية روسيا وهي التحول نحو الشرق بعد العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، ولذلك سعى الرئيس بوتين لإظهار أن روسيا ما زال لديها حلفاء وأصدقاء أقوياء ويأتي تأكيد بوتين بالشكر لتركيا على جهودها في حل مشكلة الحبوب العالقة عند الشواطئ الأوكرانية وحتى الحبوب الروسية، ليظهر للعالم أن ادعاءات الغرب على أن روسيا تستخدم الحبوب كسلاح للضغط على المجتمع الدولي ما هو إلا ادعاء غير صحيح، وأيضاً لتثبت لهم أنه ليس جميع أعضاء الناتو متفقين في مسألة العقوبات على روسيا أو اعتبار روسيا نفسها عدواً للناتو، وتركيا أكبر دليل على ذلك، وعلى صعيد آخر تريد روسيا إثبات أنها ما زالت على سياسة دعمها لحلفائها في مجالات عدة وهذا طبعاً يقصد به إيران التي تتشابه بكثير من الأمور مع روسيا، فكلاهما أصبحا عدواً للغرب وكلاهما تحت العقوبات الغربية وكلاهما منافسان غير مرغوب بهما للولايات المتحدة الأميركية لملء أي فراغ في منطقة الشرق الأوسط، وأما على صعيد الملف السوري فتؤكد روسيا على وحدة موقفها مع إيران في رفض العملية العسكرية التي تعتزم تركيا القيام بها ضد قسد في الشمال السوري وتفضل الحل السياسي عبر الأصدقاء، وهذا الحل لا بد أن يمر عبر دمشق الممثل المعترف به في الأمم المتحدة للدولة السورية ومجرد زيارة بوتين لطهران يظهر للغرب على أنه زعيم الشرق وأنه قادر على تشكيل تكتلات سياسة وحتى اقتصادية وفق الحاجة للرد على الغرب وخاصة أن بلاده تمتلك مفتاح الطاقة الذي يعد مصدر قوة إضافة للقوة النووية الهائلة التي تمتلكها.

إيران التي استبقت القمة بإعلان الشركة الوطنية الإيرانية للنفط توقيع وثيقة تفاهم قيمتها 40 مليار دولار مع شركة غازبروم الحكومية الروسية بعيد وصول الرئيس بوتين إلى طهران يعطي انطباعاً على أن طهران لم تعد تفكر في الاتفاق مع شركات الغرب، وأنها حسمت أمرها نحو روسيا ولعل هذا الاتفاق نوع من التراضي بين روسيا وإيران بعد بيع موسكو النفط بأسعار مخفضة لكل من الصين والهند والذي أثر سلبا على مبيعات إيران لتلك الدولتين، وأيضا نجحت روسيا بأن تضع يدها على مصدر طاقة يعد الأكبر بعد المخزون الروسي وبهذا نجحت روسيا بإبعاد الغرب عن تلك الحقول في الوقت الحالي ونجحت إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية والغربية وإنشاء تكتل طاقي اقتصادي مع روسيا.

ويمكننا اعتبار قمة طهران بأنها أوضحت الرؤية الاستراتيجية الخاصة لكل دولة من الدول الثلاث المشاركة، وأنه رغم تباين الأهداف والأولويات بين تلك الدول إلا أنها نجحت في إصدار بيان ختامي مشترك، ولكن لا يمكن اعتبار أن القمة كانت ناجحة تماماً فالاختلاف ما زال قائماً في ملفات عدة بين دول القمة الثلاث، فتركيا ورغم إعطائها فرصة للأصدقاء من أجل إيجاد حل سياسي بدلاً من العملية العسكرية في سوريا إلا أنها لم توقف الاستعدادت العسكرية لتلك العملية، وأنها لن تنتظر أو تأخذ إذناً من أحد على حسب تعبير وزير الخارجية التركي، وحتى الرؤية السياسية للحل في سوريا فتركيا ترى وفق البيان الختامي ضرورة إنهاء الأزمة السورية وفق حلول مستدامة ووضع آلية عمل لصوغ دستور جديد للدولة السورية وأن على المعارضة والنظام الجلوس وبدء الحوار من أجل ذلك بينما ترى روسيا ضرورة محاربة أي تحرك انفصالي من أي جهة كانت وضرورة عودة جميع المناطق إلى سيادة سوريا وهذا ما تتفق فيه مع إيران التي تريد إعادة تموقعها في المنطقة مع الشريك الروسي.

————————-

غضب الولايات المتحدة وتركيا تهدد أكراد سوريا/ جيتي إيماجيس

هل ستشن تركيا توغلاً عسكريًا آخر ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا “في أي وقت وفي أي لحظة” ، كما كان رئيس البلاد رجب طيب أردوغان يهدد منذ بعض الوقت؟ يبدو أن التهديد قد تلاشى مع عودة أردوغان “خالي الوفاض” ، كما قال المساهم في “المونيتور”  فهيم تاستكين  ، من قمة الأسبوع الماضي في طهران مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك ، يبدو أن أردوغان غير منزعج ويزداد مرارة القادة الأكراد السوريين تجاه اللامبالاة الغربية المتصورة لمحنتهم.

في الواقع ، بدا السؤال عن موعد غزو تركي أو ما إذا كان سيحدث محل نقاش تقريبًا عندما قُتلت ثلاث مقاتلات كرديات في غارة جوية بطائرة بدون طيار تركية في 22 يوليو / تموز خارج مدينة القامشلي بالقرب من الحدود التركية. وكان من بين الضحايا القائدة الموقرة سلوى يوسف ، والمعروفة باسمها الحركي “جيان عفرين” ، والتي لعبت دورًا حاسمًا في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. في 24 يوليو / تموز ، أعلنت أنقرة أنها “حيدت” شاهين تيكيناغاك ، الذي وصفته بأنه “زعيم محلي” في كوباني كان على قائمة المطلوبين ، في هجوم آخر بطائرة بدون طيار نفذته وكالة التجسس الوطنية التركية ، وهو جزء من الحملة المستمرة لقطع رؤوس الكوادر العسكرية الكردية العليا والمتوسطة في سوريا والعراق المجاور.

قالت كل من روسيا وإيران إنهما تعارضان المزيد من التدخل التركي. وكرر خامنئي اعتراضاته  على أردوغان ، قائلا إن التدخل التركي سيفيد “الإرهابيين” في إشارة مستترة إلى المعارضة السنية المدعومة من تركيا وهيئة تحرير الشام ، الفصيل السني المتطرف الذي يدير إدلب.

يُنظر إلى بركات الكرملين على أنها ضرورية لتقوم تركيا بالضرب مرة أخرى. إن أنقرة ، باعترافها الخاص ، لها أنظارها على تل رفعت ومنبج ، التي تقع غرب نهر الفرات والتي تحمي روسيا سمائها.

توافق الولايات المتحدة على أن التدخل التركي سيفيد مجموعة أخرى من الإرهابيين – الدولة الإسلامية. وتقول حليفها الأكبر على الأرض ، قوات سوريا الديمقراطية ، إنها ستضطر إلى إعادة الانتشار بعيدًا عن المناطق التي يعيد فيها الجهاديون تنظيم صفوفهم على الحدود التركية للدفاع عن أنفسهم كما فعلوا في أكتوبر / تشرين الأول 2019 ، عندما غزت تركيا أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا.

ظل أردوغان متفائلًا بشأن رحلة العودة من طهران ، قائلاً للصحفيين ، “طالما ظلت مخاوفنا المتعلقة بأمننا القومي دون معالجة ، فستظل العملية على جدول أعمالنا ” ، وأن تركيا ستواصل هدفها المتمثل في إنشاء “حزام أمني” على طول حدودها. مع سوريا.

قال صالح مسلم ، الرئيس المشارك لحزب الوحدة الديمقراطي (PYD) ، الذي يشترك في السلطة في الإدارة الذاتية لأكراد سوريا ، في مقابلة هاتفية مع المونيتور: “ليس لدينا أي فكرة عما ستفعله تركيا”. . لكنه قال إنه سيحتاج إلى “ضوء أصفر على الأقل” من الكرملين للمضي قدمًا.

جدد مسؤولون مسلمون وغيرهم من كبار المسؤولين في الإدارة الذاتية دعواتهم للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لإنشاء منطقة حظر طيران فوق شمال شرق سوريا رداً على الهجمات على رفاقهم.

وبسؤاله عن أي تحركات للقوات التركية مؤخرًا تشير إلى تحرك وشيك ، أجاب مسلم ، “لقد أكملوا بالفعل معظم استعداداتهم على الجانب التركي ، [ومن المناطق التي تحتلها تركيا] حول تل رفعت ومنبج. لم يتبق لهم الكثير سوى الهجوم “.

ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز اليوم عن مسؤولين في الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا قولهم إن تركيا نشرت المزيد من القوات والأسلحة عبر الحدود وإنها “جادة” بشأن عملية ما. ولم يذكروا مزيدا من التفاصيل. ومع ذلك ، قال مسؤول كبير في المؤتمر الوطني الكردستاني ، أكبر كتلة معارضة في شمال شرق سوريا ، لـ “المونيتور” ، ليس من أجل الإسناد ، إلى أن تركيا طلبت من قوى المعارضة وقف إطلاق النار في الوقت الحالي. وأضاف المسؤول “لكن أردوغان سينتظر دائما الفرصة” للغزو مرة أخرى.

في كلتا الحالتين ، دفع التهديد الأكراد السوريين إلى اللجوء إلى دمشق ، ورفع علم الحكومة السورية في المناطق المهددة. وأكد مسلم أن عدة مئات من القوات السورية انتشرت في منبج وتل رفعت  لمواجهة أي هجوم تركي محتمل. وبحسب ما ورد عززت الميليشيات المدعومة من إيران وجودها.

ومع ذلك ، أشار مسلم إلى أن عمليات النشر لم تكن جزءًا من أي صفقة جديدة ولكنها تتماشى مع اتفاق أكتوبر 2019 الذي توسطت فيه روسيا بعد عملية نبع السلام التركية.

ثم تعهدت روسيا بمبادلة وحدات الحماية الشعبية (YPG) بالشرطة العسكرية السورية والروسية في المناطق الخاضعة لحمايتها. إحدى حجج تركيا لشن هجوم جديد هو فشل روسيا في تحقيق هذا الهدف.

يتفق معظم المراقبين على أن الجيش السوري لن يثبت أنه يضاهي القوات التركية المدربة من قبل الناتو. تستغل روسيا بشكل انتهازي ضعف الأكراد لدفعهم إلى صفقة شاملة مع روسيا من شأنها أن تقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وتعيد السيطرة ، لا سيما على الموارد النفطية ، إلى دمشق في استسلام تدريجي قد يشمل على الأرجح احتفاظ روسيا. النفوذ على الأكراد. “روسيا تقول لنا ،” اذهب واستسلم للنظام ، “لا أكثر” ، قال مسلم متذمرًا. لكن الجزء الأكبر من حنقه كان موجهاً لواشنطن ، التي فشلت في “أن تحرك ساكناً من أجلنا”. وقال مسلم: “الناس يرون هذا ويشعرون بالغضب والخيانة بعد كل التضحيات التي قدموها في المعركة ضد الدولة الإسلامية”.

نشرت القيادة المركزية الأمريكية رسالة تعزية لمقتل المقاتلات الأكراد ، ظاهريًا لإظهار التضامن ، ولكن إذا كان أي شيء أغضب الأكراد والأتراك على حد سواء.

وقال مسلم إن شعبه غاضب بشكل خاص لأن الرسالة لم تذكر اسم تركيا مرتكب الهجوم. “لقد تمت صياغته كما لو أن هذه الوفيات حدثت بشكل طبيعي ، كما لو كانت من عمل الله.”

الولايات المتحدة ليس لها نفوذ كبير على تصرفات تركيا غرب الفرات. يمكن للكونغرس فرض المزيد من العقوبات ، كما فعل في أعقاب نبع السلام ، ولكن ليس أكثر من ذلك. من المرجح أن تكون العقوبة أكثر صرامة إذا طاردت تركيا كوباني ، وهو هدف تركي آخر انسحبت منه القوات الأمريكية في عام 2019. ويترتب على ذلك أن روسيا ستكون أكثر انفتاحًا على هجوم تركي على كوباني ، وذلك فقط لأنه سيؤدي إلى إحداث شرخ أعمق بين تركيا و. الولايات المتحدة.

كوباني لها أهمية رمزية لأنها المكان الذي نشأت فيه الشراكة الكردية الأمريكية السورية ضد داعش. يعتقد البعض أن هذا قد يكون سببًا وجيهًا لأردوغان لاستهداف المدينة الحدودية لأنه يسعى لصرف انتباه الجمهور عن أعمق أزمة اقتصادية في تركيا منذ أكثر من عقد ، وأيضًا لإعطاء واشنطن الإصبع.

بعد أن تلاشى حزب العمال الكردستاني (PKK) في الظل تحت ضغط من الولايات المتحدة ، يجعل وجوده أكثر وضوحًا مرة أخرى في شمال شرق سوريا بالتوازي مع التصعيد التركي. هذا التحول يجعل من الصعب على واشنطن الحفاظ على حججها بأن الإدارة الذاتية وأجنحتها المسلحة تختلف عن حزب العمال الكردستاني. تبدو الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في أكتوبر / تشرين الأول في جميع أنحاء المنطقة التي يقودها الأكراد أكثر اهتزازًا في مواجهة استمرار إثارة الحروب التركية ، وكذلك الحال مع أي استثمارات أجنبية كان يأمل الأكراد أن يتبعها تخفيف عقوبات قيصر.

لا يقوم أردوغان بأي محاولة لإخفاء حقده تجاه الرئيس جو بايدن لرفضه الاستجابة لدعواته للتخلي عن الأكراد السوريين. في رحلة عودته من طهران ، قال أردوغان إنه أخبر بايدن خلال اجتماعهما على هامش قمة الناتو في مدريد ، “انظر ، أنت ترسل كل هذه الشاحنات. أنت تقدم الدعم لجميع المنظمات الإرهابية هنا. ثم تقول إننا نشارك في مكافحة الإرهاب. تقول إننا معًا في الناتو “.

في البداية ، أضاف أردوغان أنه يتفق مع روسيا وإيران على أن الولايات المتحدة يجب أن تغادر سوريا. إنهم يقولون إن على أمريكا أن تسحب قواتها من شرق الفرات. وقال أردوغان للصحفيين إن النتائج التي ستتمخض عن ذلك تتماشى أيضًا مع توقعات تركيا. هذا لأن أمريكا هي التي تحافظ على الجماعات الإرهابية هناك. ولأننا نحارب الجماعات الإرهابية التي تدعمها أمريكا ، في اللحظة التي تغادر فيها ، أو في حالة توقفها عن دعمها ، ستصبح مهمتنا أسهل “.

في إشارة إلى أنه يريد أن يرى دعم إيران وروسيا ، قال أردوغان عندما يتعلق الأمر بـ “قضايا الإرهاب” المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب ، كانت أنقرة ودمشق “شئنا ذلك أو لا” في نفس الصفحة. هذه هي المشكلة التي تسبب أكبر ضرر للنظام. وقال أردوغان إن التنظيم الإرهابي يمتص آبار النفط شرقي نهر الفرات ويستغلها ثم يبيعها للنظام.

يجتمع مسؤولو المخابرات الأتراك بشكل دوري مع نظرائهم في النظام. لا يزال جوهر محادثاتهم غير معروف.

تقول كتلة المعارضة الرئيسية في تركيا إن أحد أولى أوامرها التجارية عندما يتعلق الأمر بالسلطة سيكون استعادة العلاقات بشكل كامل مع دمشق. أي مصالحة لا يمكن أن تتحقق إلا على حساب الأكراد ووكلاء تركيا المتمردين السنة. لقد أوضحت المعارضة أنها ستتخلى عن الأخيرة. أما المطالب التي قد تطرحها على أكراد سوريا فهي مهمة للأكراد على جانبي الحدود. لا يمكن للمعارضة أن تفوز في الانتخابات إلا بدعم من أكراد تركيا ، الذين يشعرون بتقارب قوي مع أشقائهم السوريين.

لقد أظهر التاريخ أن من يدير البلاد ، فإن جنون الارتياب العميق لدى المؤسسة بشأن المكاسب السياسية الكردية ، سواء كانت داخل حدودهم أو خارجها ، يتفوق حتمًا على جميع المخاوف الأخرى. ربما يكون هذا هو السبب الأكبر في تخلي أردوغان عن محادثات السلام المباشرة الأولى من نوعها مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه المسجون عبد الله أوجلان في عام 2015 لاستئناف الحرب ضد المتمردين بضراوة أكبر. لكن 38 عامًا من المعركة أظهرت أيضًا أن الحرب لا يمكن أن ينتصر فيها أي من الجانبين بشكل حاسم ، مع تزايد الخسائر البشرية يومًا بعد يوم.

المونيتور عربية

————————–

قمة طهران والعملية العسكرية التركية في سوريا/ عمر كوش

أظهرت قمة طهران الثلاثية، التي جمعت الثلاثاء الماضي، كلاً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، أن الموقفين الروسي والإيراني لم يتغيّرا حيال العملية العسكرية التي يُلوّح بها الساسة الأتراك، منذ مدّة، للقيام بها في مناطق من الشمال السوري، وحددها بعضهم بالمنطقة الواصلة بين تل رفعت ومنبج، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث لم يخفِ المسؤولون الإيرانيون رفضهم ومعارضتهم للعملية التركية، وجاء ذلك على لسان رئيس النظام الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي اعتبر أن “الخطوات العسكرية لا تحل الأزمة السورية”، بل تفاقمها، في حين ذهب المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، إلى القول إن “أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على المنطقة بكاملها”. أما الروس فيبررون معارضتهم للعملية التركية تحت ذريعة أن أي عمل عسكري من شأنه أن “ينتهك سيادة الأراضي السوريّة، ومبدأ التسويّة السوريّة”، وكأن هناك تسوية بالفعل، وأن السيادة التي يتشدقون بها مصانة من طرفهم ومن طرف كل من إيران والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وسواها.

ولم تتغير تصريحات المسؤولون الأتراك، الطامحة للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري، بعد انفضاض قمة طهران، إذ قال الرئيس أردوغان إن خيارها “ما يزال مطروحاً على الطاولة”، بينما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا “لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي في سوريا”، وإننا “لم نأخذ الإذن من أحد لتنفيذ عملياتنا هناك، ولن نفعل”، وأكد أن “العملية العسكرية ستنطلق بين ليلة وضحاها بشكل مفاجئ”. يضاف إلى ذلك أن الاستعداد للعملية مستمر على مختلف المستويات، حيث ناقش مجلس الأمن القومي التركي في اجتماع ترأسه الرئيس أردوغان، الخميس الماضي، التحضيرات الجارية للعملية العسكرية المحتملة في شمالي سوريا، الأمر الذي يشي بأن الساسة الأتراك لن يتخلوا بسهولة عن العملية العسكرية التي يسعون إلى تنفيذها في سوريا، وأنهم مستمرون في العمل على تهيئة الظروف المناسبة لها سياسياً، وخاصة على المستوى الدولي والإقليمي.

ولا شك في أن تصريحات المسؤولين الأتراك، المترافقة بإرسال تعزيزات عسكرية على الأرض في الشمال السوري، تعبر عما يطمحون إليه ويسعون إلى تنفيذه، لكنها قد تصطدم بالواقع، وبالمواقف الإيرانية والروسية المعارضة لها، وبالتالي فإنهم باتوا في موقف لا يحسدون عليه، لأنهم من جهة أولى، لا يمكنهم القيام بعملية عسكرية واسعة من دون الحصول على موافقات دولية بشأنها، بمعنى وجوب أن تكون الأطراف المتدخلة بالشأن السوري، خاصة إيران وروسيا وأميركا، راضية عن سير وأهداف العملية التي ينوون القيام بها، وهم من جهة ثانية، بحاجة داخلية إلى تحقيق إنجاز ما في الملف السوري، وبما يتطلب القيام بعمل عسكري في الشمال السوري تحت يافطة محاربة التنظيمات الإرهابية، التي تضع تركيا في خانتها كلاً من حزب العمال الكردستاني التركي، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وسائر مخرجاته المدنية المتمثلة بالإدارة الذاتية، والعسكرية المتمثلة بوحدات حماية الشعب الكردية، فضلاً عن أن القيادة التركية تريد تحقيق إنجاز ما في ملف اللاجئين السوريين في تركيا، خاصة أنها مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية في حزيران/ يونيو المقبل، وقد بدأت حملاتها الانتخابية مبكراً، وأول الملفات التي دخلت بقوة في البازار الانتخابي التركي، هي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، لذلك يريد حزب العدالة والتنمية الحاكم أن يقدم نفسه للناخب التركي على أنه قادر على حل هذه القضية، من خلال إعادة مليون لاجئ سوري أو أكثر إلى مناطق في الشمال السوري، وبالتالي بات قادة هذا الحزب يشعرون بأهمية القيام بعملية عسكرية فيه، من أجل إنشاء “منطقة آمنة” تؤوي اللاجئين السوريين، حسبما يخططون.

وإذا كانت العملية العسكرية التي تهدد تركيا القيام بها في الشمال السوري، تبدو كأنها حاجة داخلية للقيادة السياسية، فضلاً عن أن غايتها هي حماية الأمن القومي التركي، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف والتوازنات الدولية، وبمدى تأثيرها على الوضع في سوريا وتوازنات القوى المسيطرة على الأرض، وخاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، واضطرارها لسحب بعض قوتها العسكرية من سوريا، الأمر الذي أحدث فراغاً سارعت إيران بميليشياتها المتعددة إلى إشغاله، فيما لا ترغب الولايات المتحدة الأميركية أن تنخرط في الوضع السوري أكثر، لأن تركيزها بات منصباً على الوضع في أوكرانيا، وبالتالي فإن كلاً من روسيا والولايات المتحدة وإيران تريد استمرار الوضع الراهن القائم في سوريا، ولكل طرف أسبابه الخاصة، لذلك تعارض أي عملية عسكرية قد تقوم بها تركيا، كونها قد تفضي إلى تغير التوازنات السائدة في سوريا.

ويتمايز الموقف الأميركي عن الموقفين الروسي والإيراني في أن ساسة الإدارة الأميركية يحرصون على عدم إغضاب الساسة الأتراك، وعلى ألا تحدث أزمة بين بلادهم وتركيا بسبب الوضع في سوريا، كونهم بحاجة إلى تركيا ودورها في حلف الناتو لمواجهة روسيا ومعاقبتها على غزوها لأوكرانيا، لذلك قام السيناتور ليندسي غراهام، مؤخراً، بمبادرة وساطة بين تركيا والإدارة الذاتية وقسد، وذلك من أجل تفادي قيام تركيا بعملية عسكرية في مناطق شرقي الفرات، حيث يوجد جنود أميركيون هناك.

وتحاول كل القوى المتدخلة في الشأن السوري تسويق معارضتها للعملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري من باب الرغبة في الحفاظ على استمرار الوضع الراهن في سوريا، لأن ذلك يدعم حفاظها على مناطق النفوذ لكل منها، لكن معارضتها قد تنحصر فقط في الإطار السياسي في حال تنفيذ تركيا عمليتها العسكرية، وخاصة إن لم تتعدَّ العملية المنطقة الواصلة بين منبج وتل رفعت، حيث تقع هذه المنطقة خارج حسابات الولايات المتحدة ولا يوجد فيها جنود أميركيون، فيما لن تغامر روسيا بعلاقاتها المتشعبة والهامة مع تركيا بالرد على عمليتها إن كانت محدودة، وتبقى إيران كذلك محكومة بشرط العلاقات الهامة مع تركيا وعلى مختلف المستويات. وبسبب هذه الاعتبارات يصرّ الساسة الأتراك على أن عمليتهم العسكرية “ما تزال مطروحة على الطاولة”، بعد قمة طهران، وأنها قد “تحدث بين ليلة وضحاها”.

————————-

استعراضات وعرض أوراق.. ما هي آخر تطورات الشمال السوري؟/ احمد رحال

أولاً: سياسياً:

الإعلان التركي عن عملية عسكرية شمالي سوريا خلق توتراً في كل الأطراف وخلط كل الأوراق. وقبل الإعلان عن العملية العسكرية التركية كانت هناك لقاءات أميركية تركية من خلف الكواليس وفيها قدم الأميركان نصيحة للأتراك أنه طالما أردتم القيام بعملية، والغاية إدخال مليون لاجئ سوري، ننصحكم بنقل العملية إلى سراقب وخان شيخون ومعرة النعمان وهناك لا داعي للإعمار كونها مدن معمرة وجاهزة ولا اتهام لكم بالتغيير الديموغرافي كون العائدون هم أبناء تلك المدن.

مواقف الأطراف

روسيا

    روسيا لا تستطيع الإخلال بعلاقتها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يمكنها الضغط، إنما ضمن حدود لأنها تريد اجتذاب “قسد” من الحضن الأميركي, وفي الغرف المظلمة يهول الروس الخطر التركي لكن قيادات من “قسد” نقلت لنا أنهم يفهمون تلك اللعبة الروسية بتضخيم الخطر التركي وأن غاية الروس “دفعُنا لأحضان النظام وليس خوفاً علينا”.

لذلك لا تستطيع روسيا منح الضوء الأخضر لتركيا بعملية عسكرية والنقاشات التي جرت مع وزير الخارجية الروسي كانت تتعلق بصفقة يمكن قبولها روسياً مقابل العملية التركية:

جبل الزاوية وجبل الأربعين والوصول للطريق (M4) مقابل ضوء أخطر لعملية تركية على منغ وتل رفعت فقط … الأتراك رفضوا المقترح.

وقلنا يومها عن كلمة وزير الخارجية الروسي، وقوله إن “روسيا تتفهم هواجس الأمن القومي التركي” هي تصريحات دبلوماسية لا تعني موافقة روسية لكن هناك من سبح بتلك التصريحات (…) لكن خروج رئيس مؤتمر استانا ألكسندر لافرنتييف، في الثامن عشر من حزيران/ يونيو الماضي، وقوله: “العملية العسكرية التركية المحتملة في شمالي سوريا تفتقد إلى الحكمة، وستخلق تهديدات أمنية جديدة لتركيا، كما أنها قد تدفع الكرد إلى تأسيس دولة مستقلة، وسيكون لذلك عواقب على المنطقة بأكملها”, ولاحقاً قال، بما معناه، إن “أوراق القوة التركية لن تصرفها موسكو بصفقات مع تركيا في سوريا”.

البعض اعتبر تلك التصريحات تغيير بالموقف الروسي، لكن ما قاله لافرنتييف يعتبر استمراراً لما قاله وزير الخارجية لافروف قبلها بعشرة أيام في أنقرة عند لقاءه مع الوزير شاويش أوغلو

إيران:

إيران تعارض العملية العسكرية التركية لعدة أسباب:

الأول: العملية ستجعل الجيش الوطني على تماس مع بلدتي نبل والزهراء إذا ما سيطر على بلدات منغ وتل رفعت والقرى المحيطة بها.

الثاني: إن إيران تريد أن تعود تلك المناطق لنظام الأسد لا أن تزيد الحصة التركية وتزيد مناطق النفوذ التركي كون الصراع المستقبلي المتوقع سيكون بين تركيا وايران في سوريا, صحيح أنهما اليوم (تركيا وايران) ضمن محور أستانا لكن هذا لا يعني أنهما حلفاء, بل أن كل ما يجري حتى مع الروس يصنف ضمن لقاء المصالح والتعاون والمنافع ولا يمكن تصنيف الدول المنخرطة بأستانا على أنهم حلفاء.

وزيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة كانت لسببين:

أولاً: تخفيف الآثار السلبية للعملية الاستخباراتية التي تعاون فيها الموساد الإسرائيلي والمخابرات التركية وأسفرت عن كشف خليتين و(8) أشخاص يتبعون للمخابرات الإيرانية وكانت مهمتهم اغتيال إسرائيليين في تركيا ومنهم قنصل إسرائيلي سابق يقيم في تركيا.

ثانياً: محاولة إقناع تركيا بوقف عمليتها العسكرية

أيضاً خرج وزير الخارجية الإيراني ليقول: “نتفهم هواجس الأمن القومي التركي”، وأيضاً فسرها البعض على أنها “موافقة إيرانية” وهذا خطأ آخر ارتكبه البعض.

فشل وزارة الخارجية التركية بالحصول على موافقات إقليمية ودولية خاصة مع الرفض القاطع الأميركي دفع الأتراك لرفع مستوى التعاطي وطرح الموضوع بقمة طهران الثلاثية.

في قمة طهران كانت المطالب مختلفة جذرياً بين المجتمعين وكانت لغة الجسد واضحة على وجوه الرؤساء الثلاثة وهي تُظهر قلقاً وعدم ارتياح واضح.

بوتين أراد من القمة مطلبين “وقف العملية التركية, وتلبية هواجس الأردن وإسرائيل بتحجيم التغلغل الإيراني بالجنوب السوري (…) فشل بوتين بالحصول على المطلبين.

رئيسي أراد من القمة أن تظهر كردٍّ على قمة جدة, وأراد من تركيا وقف العملية التركية ودعم روسيا تركيا لإيران بملف المفاوضات النووية (…) فشل رئيسي بتحقيق ما أراد.

أردوغان أراد من القمة الموافقة على عمليته العسكرية كهدف رئيسي وتأمين الإغاثة للسوريين كهدف ثانوي مرافق (…) أيضاً فشلت المطالب التركية.

    القمة الثلاثية فشلت بكل المقاييس ولعدم الخروج بدون نتائج، صيغ بيان ختامي يُحمِّل 950 جندياً أميركياً مسؤولية كل الفوضى في سوريا ويطالب برحيلهم، وأضيفت بقية البنود التي لا يختلف عليها أحد، من وحدة سوريا والاستقرار وما إلى آخره من صف كلام غير مجدي.

ثانياً: عسكرياً:

إعلان الرئيس التركي عن العملية العسكرية في شمالي سوريا رافقه تصعيد عسكري من حيث التحشيد والتحصين والتعزيزات والتحالفات.

مبدئياً المناطق المؤهلة لعملية عسكرية تركية هي أربعة مسارح:

1_ منطقة منغ وتل رفعت والقرى المحيطة بهما (غربي الفرات)

2_ منطقة منبج (غربي الفرات)

3_ منطقة عين العرب (كوباني) وعين عيسى (شرقي الفرات)

4_ المناطق المحيطة بمنطقة نبع السلام قرب تل تمر (شرقي الفرات)

الأهداف التركية تقلصت مكانياً من عملية على طول الحدود وبعمق 30 كم ،كما قال الرئيس أردوغان إلى عملية على مناطق تل رفعت ومنغ وقد تشمل منبج، وهذا ما ظهر من خلال التصريحات المتتالية لبعض المسؤولين الأتراك, وزمنياً تأخرت العلمية حتى الآن ستون يوماً.

الجيش الوطني أعلن عن رفع حالة الجاهزية والانتشار, لكنه فعلياً ولغيابه عن مفردات العملية التركية ومسارحها لم يحدث أي تغير ملموس على الجبهات وبقيت التصريحات الإعلامية لبعض المكاتب الإعلامية والسياسية للفصائل هي جلُّ ما يمكن لحظه من استعدادات للعملية العسكرية المعلن عنها.

تركيا دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة وثقيلة للداخل السوري، تضاف لأكثر من 12 ألف جندي تركي على الأرض السورية وأكثر من 4 آلاف عربة وقطعة عسكرية وتضاف لأربع منظومات مدفعية وصاروخية ورادارية وتشويش تتواجد بالداخل السوري, مع وجود احتياطات تركية هائلة على الحدود من الجانب التركي, (مصدر استخباراتي أكد أن العملية التركية قد تتطور وتشمل مدينة حلب, أيضاً هذا الخبر إن كان حقيقياً فهو يحتاج لكثير من القراءة السياسية والعسكرية والمعاني نتحدث عنه لاحقاً).

“قسد” فعّلت من مفاوضاتها مع الأميركان والتحالف الدولي والروس وإيران ونظام أسد, وأنشأت غرفة عمليات مشتركة في محيط منغ وتل رفعت (مع النظام وإيران) وطالب النظام من “قسد” أن تسلم كل شيء وتصبح جزءً من النظام وهذا ما رفضته “قسد” لكنها وافقت على إدخال ميليشيات النظام لمواقع محددة كنوع من الحماية لمناطقها.

الروس دعموا مواقعهم في القامشلي بـ500 مظلي وعدد من العربات القتالية وزادوا من تواجدهم في عين عيسى وسط معلومات عن نشر منصات دفاع جوي.

الأميركان إضافة لزيادة جرعة الإمدادات العسكرية لقسد, عادت القوات الأميركية لمواقعها في قاعدتي خراب عشق ومعمل لافارج شرقي الفرات, جنوب كوباني.

لماذا لم تثمر المفاوضات بين النظام وقسد حتى الآن ؟

_ انسحب وفد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مساء الاثنين للأسباب التالية:

_ مجلس سوريا الديمقراطية فاوض النظام  على حل القضية الكردية بشكل حقيقي وأن يكون الحل وفق مفردات ترد في الدستور السوري وليس مجرد نقاش حول اللغة الكردية والثقافة الكردية.

_ قسد ستبقى قوى عسكرية مستقلة بمناطقها وستعمل على تشكيل قيادة عسكرية عليا مستقبلاً تتشارك وتكون تابعة للجيش السوري الجديد وليس الحالي.

_ الأمن الداخلي الأساييش ستبقى قوات مستقلة تابعة للإدارة الذاتية ولا تتبع لسلطة دمشق.

_ أكد وفد “قسد” لدمشق أن إدارة مناطق ديرالزور والرقة والطبقة ستدار عن طريق إداراتها الذاتية التابعة لأهلها وسكانها من العرب العشائر.

وفد الإدارة الذاتية انسحب من المفاوضات بعد رفض دمشق القطعي لشروطه ومطالبه وأصر النظام على أن تنخرط كل قوات “قسد” ضمن جيش النظام بأسلحتها وأفرادها, وهذا ما اعتبرته قسد العودة لظروف ما قبل 2011 وهي ترفضه.

مفاوضات قسد مع التحالف والأميركان:

_ الأميركان أبلغوا “قسد” أن العملية التركية توقفت أو تأجلت وحتى لو حصلت لن تشمل مناطق شرق الفرات, لكن الأميركان جددوا مطالبهم بوقف “قسد” لأي استفزاز للجيش التركي أو الجيش الوطني.

_ طلب الأميركان من “قسد” عدم القبول بالمقترحات الروسية وعدم القبول بشروط النظام في المفاوضات الجارية وننصح بوقفها والرفض القطعي لانضمام “قسد” للنظام.

كانت المفاوضات الأقوى الاثنين لأن “قسد” تريد من الأميركان أن يوقفوا الطيران المسير التركي (بيرقدار) خاصة بعد قصفه سيارة أحد قيادات “قسد” ومرافقة لمظلوم عبدي

التصعيد الأخير والمسيرات والقصف الجوي الروسي:

فشل قمة طهران انعكس بشكل تصعيدي على الجميع في الميدان السوري بالشمال.

روسيا أرادت إيصال رسالة لتركيا فقصفت معسكراً للتركستان أخطأت صواريخها فطالت قرية الجديدة وتسببت باستشهاد 7 وجرح 12

ثم أقلعت طائرة الاستطلاع الروسية الاستراتيجية (البجعة) من قاعدة حميميم, وتلك الطائرة تتحرك قبل بدء العمليات العسكرية أو أثناء التحضير لعمل عسكري بما تستطيع جمعه من معلومات, وكانت رسالة روسية لتركيا, لكن إطلاق صاروخ دفاع جوي على الطائرة الروسية تعمد المرور قربها كان رسالة أقوى وصلت لجنرالات قاعدة حميميم.

تركيا أرادت إيصال رسالة لـ”قسد” فاستهدفت عربة تقل ثلاثة قياديات من (قسد) على الطريق الدولي ” M4″ بين القحطانية والقامشلي في ريف محافظة الحسكة.

الجيش الوطني وغرفة عمليات الفتح المبين (وبأوامر تركية) قصفوا جورين وسراقب ومعسكرات وتموضعات لميليشيات النظام (بعضها وصل لاستهداف مواقع بسلمى والصلنفة).

إيران حركت أدواتها في العراق ونظمت مظاهرات وهجمات بالمسيرات على القواعد التركية, وكان واضحاً أنها عملية إشغال إيرانية لتركيا واستخدام طهران لأدواتها في العراق للضغط على أنقرة.

الأميركان قد يكونوا أيضاً وراء التحرشات اليونانية الأخيرة التي زادت عمق مياهها الإقليمية البحرية من 6 إلى 12 ميلاً وبالتالي هو تحرش بالأتراك وأيضاً إشغالٌ جانبي للأتراك.

قسد ردت مساء الاثنين بعد قصوفات متفرقة من جانبها على نقاط تركية ومواقع للجيش الوطني، وقامت “قسد” بالهجوم مساء الاثنين على محور مارع وتقدمت قواتها إلى محور تل مالد وغابت عنه جاهزية الجيش الوطني وتكفل الأتراك بالرد عبر قصف عنيف شهده خط الجبهة.

كما حاولت “قسد” التقدم من محور آخر هو محور أناب بريف حلب الشمالي حيث دارت اشتباكات عنيفة, أيضاً تكفلت فيه المدفعية التركية لوقف هجوم وتقدم “قسد”.

النتيجة:

    كل ما حصل يؤشر لاستخدام أوراق ضغط من قبل الأطراف على بعضها ولا يؤشر حتى الآن لبدء أي عمل عسكري, وإنما هي استعراضات وعرض أوراق قوة وفتح ملفات مؤثرة للأطراف على بعضها.

نورث برس

————————

قمة جديدة بمرحلة “مفصلية”.. 3 ملفات على طاولة بوتين- أردوغان

تأتي قمة سوتشي، المزمع انعقادها بين الرئيسين التركي والروسي، في مرحلة مفصلية وحساسة تشهدها المنطقة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، وسط احتمالات بوجود نقاط خلاف، أفضت إلى تواتر اللقاءات والاتصالات الهاتفية بين الجانبين.

وبعد أسبوعين على لقائهما في طهران، ضمن قمة ثلاثية لـ “الدول الضامنة” (تركيا- روسيا- إيران)، أعلن الجانبان الروسي والتركي عن زيارة سيجريها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى مدينة سوتشي الروسية، في 5 أغسطس/ آب المقبل، حاملاً معه ملفات عدة، أبرزها أزمة الحبوب العالقة، والعملية العسكرية شمالي سورية.

سجالات العملية التركية

بحسب السفير الروسي لدى أنقرة، أليكسي ييرخوف، سيناقش الزعيمان خلال قمة سوتشي المرتقبة ملفات عدة بشكل أوسع، قياساً بقمة طهران، مشيراً إلى أن الوضع في سورية سيكون ضمن أجندة اللقاء.

وخلال لقائه مع قناة “روسيا 24” التلفزيونية، قال ييرخوف إن أجندة قمة “سوتشي” سيتم تحديدها من قبل الرئيسين أنفسهما، لكن “كقاعدة عامة في المحادثات رفيعة المستوى بين القادة الروس والأتراك، تتم مناقشة مجموعة واسعة إلى حد ما من الموضوعات التي تهم بلدينا”.

مضيفاً أن “الوضع في سورية وأوكرانيا والبحر الأسود” سيكون ضمن الموضوعات الرئيسية خلال هذه القمة.

من جانبها، ذكرت صحيفة “ملييت” التركية أن الرئيسان سيناقشان خلال قمة سوتشي موضوعات مكافحة “الإرهاب” في سورية، إلى جانب العملية العسكرية التركية شمالي سورية، ضد “وحدات حماية الشعب” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي ستكون على رأس جدول الأعمال.

وتهدد أنقرة بأن عمليتها العسكرية سوف تنطلق “في أي وقت”، حسبما ورد على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، اليوم الأربعاء.

وقال كالن لقناة “TRT” التركية: “لن نطلب الإذن من أحد لتنفيذ العملية العسكرية بشمال سورية (…) لسنا مضطرين لإخبار أحد عن موعدها”.

أزمة الحبوب

من جانبه، قال السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، إن القادة سيتبادلون الآراء حول عمل مركز تصدير الحبوب الأوكرانية، والذي تم افتتاحه اليوم الأربعاء في مدينة اسطنبول التركية.

وأضاف في حديثه للصحفيين: “الآن يجب أن يبدأ التنفيذ الفعلي لصفقة الحبوب، وستكون هذه فرصة جيدة لتبادل وجهات النظر في سوتشي، ومناقشة مدى التوافق مع تلك الاتفاقيات التي تم التواصل إليها”.

وأعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، اليوم الأربعاء، عن بدء عمل مركز تنسيق الحبوب في مدينة اسطنبول، من أجل تأمين نقل الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود.

وبحسب آكار، فإن مدة الاتفاقية 120 يوماً فقط، وستبقى حيز التنفيذ طالما لم يطالب أحد الأطراف بإنهائها، ومن المقرر نقل 25 مليون طناً من الحبوب العالقة بموجب تلك الاتفاقية.

وتتوقع السلطات التركية أن يبدأ نقل الحبوب عبر البحر الأسود خلال الأيام القليلة المقبلة.

التعاون العسكري التقني

تناقش قمة بوتين- أردوغان أيضاً ملف التعاون العسكري التقني بين الدولتين، بحسب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف.

وقال بيسكوف إن “التعاون العسكري التقني بين البلدين مدرج باستمرار على جدول الأعمال، وحقيقة أن تفاعلنا يتطور في مثل هذا المجال الحساس يشير إلى أن النطاق الكامل لعلاقاتنا بشكل عام على مستوى عالٍ جداً”.

وكانت شبكة “CNN TURK” تحدثت في وقت سابق، أن بوتين عرض على نظيره التركي إنشاء مصنع لإنتاج طائرات بدون طيار في روسيا، من قبل شركة “Baikar Makina” التركية.

وأضافت في تقرير لها، الاثنين الماضي، أن أردوغان تلقى عرضاً من روسيا بهذا الخصوص.

إلا أن بيسكوف لم يرد على سؤال للصحفيين حول ما إذا كان التعاون في إنتاج طائرات بدون طيار، سيكون على جدول الأعمال في قمة سوتشي المرتقبة.

————————-

بين مساوئ الرعب وفوائد الخوف البنّاء في بلاد الشام/ راغدة درغام

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائهما الأسبوع الماضي في طهران، أنه ليس مُعجَباً أبداً بفكرة الكرملين بإيكال سوريا الى إيران ولن يقبل بها على الإطلاق. بل أكثر، حسبما نقلت مصادر وثيقة الاطلاع على القمّة الثلاثية الروسية – التركية – الإيرانية التي تظاهرت وأنها تُحيي عملية آستانة للسلام في سوريا. السيد أردوغان لطّف إنذاره لإيران بأن أنقرة لن تقبل بما تصمّمه طهران لنفوذٍ عارمٍ لها في سوريا ومدّها الدعم على طريقتها للرئيس السوري بشار الأسد، قائلاً إنها مجرّد تمنيات لا مستقبل لها. وعندما أراد أن يوضح أكثر، قال إن أي محاولة لبسط سيطرة إيران على سوريا إنما تتناقض مباشرة مع المصالح القومية لتركيا- وأنقرة جدّيّة جدّاً عندما يتعلق الأمر بمصلحتها القومية.

أما القيادة الإيرانية، فإنها أبلغت السيد بوتين أنها جاهزة ومستعدة وقادرة على السيطرة على سوريا وإنقاذ الأسد. السيد بوتين اعترف أن سُلّطة وقوة روسيا في سوريا تتآكل بسبب انشغال موسكو بالعمليات العسكرية في أوكرانيا وأن موسكو ليست متحمّسة اليوم لزيادة نفوذها في سوريا. تقبّل السيد بوتين إنذار السيد أردوغان لإيران على مضض، وأخذ علماً أن الرئيس التركي يلعب أوراقه اليوم بثقة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تنتمي اليه تركيا، وعبر تقديم نفسه وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا. إنما ما أبلغه الرئيس الروسي الى القيادات الإيرانية هو أن روسيا ستبقى حليف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاستراتيجي، وأن الكرملين يقدّم الى القيادات الإيرانية كامل الدعم لصلاحيات واسعة لها في سوريا تحلّ مكان روسيا في هذا المنعطف، بغض النظر عن رأي وتهديد السيد أردوغان. بل أكثر. ما أكده السيد بوتين هو موافقته على أن لبنان مرتبط مئة في المئة بالقرار الإيراني، وأن الكرملين يتفهّم ويفهم المصالح الإيرانية في لبنان ويقرّ بأن مستقبل لبنان لا يمكن فصله عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لم تكن قمّة طهران ردّاً على قمّة جدّة كما ظن البعض. كانت قمّة محاولة التفاهم ثلاثياً على الأدوار في سوريا، ولم يتم الاتفاق. الإيجابي الوحيد الذي صدر عن قمّة طهران هو الاتفاق على استمرار الحوار. فلا اختراق لجهة تقريب وجهات النظر أو تنظيم نفوذ الدول الثلاث في سوريا، ولا تراجع في خطط أي من الأطراف الثلاثة العسكرية منها أو الاستراتيجية.

أردوغان تمسّك بمواقفه ولم يبدِ أي استعداد للتعاون مع روسيا في سوريا مؤكداً أن تقويم مصالح تركيا لم يتغيّر، وأن تركيا لن تتراجع عن القيام بعمليات عسكرية داخل سوريا عند الحاجة. طلب من نظيره الروسي ألاّ يضغط عليه أو على تركيا، لأن لا مجال لأخذ خطوة الى الوراء.

ما أكده أردوغان لبوتين هو أنه يأمل ويتمنى كثيراً بألاّ تقع مواجهة بين تركيا وروسيا في سوريا، وأنه يعتزم أن يجد دائماً لغة مشتركة بين الدولتين والقيادتين لتجنّب المواجهة، حسبما أكّدت المصادر المطلِعة على اللقاء. أما إيران، فإنها أمرٌّ آخر وأسلوب التعاطي مع أدوارها في سوريا مختلف وهو ينطلق من اعتبار أنقرة أن محاولات طهران للسيطرة على سوريا تتعارض تماماً مع مصالح تركيا القومية.

فكرة بوتين أن يجعل من إيران اللاعب الأقوى في سوريا والضامن للنظام في دمشق اصطدمت برفضٍ قاطع من أردوغان وصعّدت الشكوك التركيّة من المخططات الإيرانية. هذه الفكرة لا تعجب الولايات المتحدة ولا إسرائيل لكن إيران تريدها بشدّة وتعتبرها حيويّة لمشروعها الإقليمي أتت “هدية” لها من الحرب الروسية على أوكرانيا.

نصْب الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاكم الأمر الواقع في سوريا قد يكون مشروع توريط لإيران، لكن القيادة الإيرانية تعتبره إنجازاً استراتيجياً تريده طهران لأنه يضعها على البحر المتوسط. امتداد خطوط المواجهة الإيرانية المباشرة مع إسرائيل من لبنان الى سوريا أمرٌ تريده طهران في زمن السلم كما في زمن الحرب لأنه يشكّل لها أدوات مقايضة وجبهات مواجهة. وهذا يناسبها تماماً اليوم لا سيّما أن القيادة الإيرانية واثقة تماماً من نفسها في وجه إسرائيل عسكرياً وليس فقط تهادنياً. ثم أنها لا تفكّر بمجرّد معطيات اليوم، فإيران تبني لبنة لبنة دورها في ذلك الحلف الثلاثي أي الترويكا الصينية – الروسية – الإيرانية.

أثناء لقاء الرئيسين الروسي والإيراني في طهران، طلب الرئيس إبراهيم رئيسي تصعيد الضغط الروسي في موضوع المحادثات النووية في فيينا والهادفة الى إحياء الاتفاقية النووية JCPOA لعام 2018 والتي وقّعتها الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا مع إيران. لكن رئيسي أكّد لبوتين أن إيران لن تتخذ أيّة خطوات تجعلها تبدو ضعيفة في نظر الولايات المتحدة والعالم. قال إن طهران جاهزة لبعض التنازل إنما ليس في مسألة إصرارها على شطب “الحرس الثوري” الإيراني من قائمة الإرهاب، ولا في إصرارها القاطع على عدم السماح للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بأن تسيطر على مستقبل الصناعات النووية في إيران. فالأمل يتضاءل والضوء في نهاية نفق المحادثات النووية بات باهتاً.

ما تحدّث الرئيسان في شأنه بكل شغف واهتمام هو تلك المعاهدة الثنائية الشاملة بين روسيا وإيران والتي بدأ الإعداد لها لأن إتمامها بأسرع ما يمكن مهمّ جدّاً للطرفين لأسباب عديدة. وبحسب المصادر المطلِعة تحدّث الرئيسان عن قيام بوتين بزيارة رسمية الى طهران في أواخر هذه السنة بهدف توقيع تلك المعاهدة الثنائية التي تشابه المعاهدة الاستراتيجية التي وقعتها إيران مع الصين.

فالتقويم الروسي والإيراني لمستقبل المحاور في الشرق الأوسط هو أن الولايات المتحدة تتراجع في لغة وإجراءات المحاور فيما الترويكا تتقدّم ببراغماتية وعناية وحذر وعزم وتصميم. زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الشرق أوسطية لم تفلح في محو تطوّر بالغ الأهمية في الدول الخليجية العربية وفي مقدمها السعودية وهو الاستقلالية التي تبنّتها هذه الدول في أعقاب تجربتها مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبه حينذاك جو بايدن. وطالما أن السعودية لم تعد الى الفلك الأميركي بالطريقة التقليدية، فإن المحور المرجو بقيادة أميركية يبقى ضعيفاً. زيارة بايدن لم تحقق اختراقاً في هذا الأمر، ولذلك موسكو وطهران ليستا قلقتين كثيراً، لا أمنياً ولا نفطيّاً.

ما يثير قلق موسكو هو مستقبل “أوبك+” لأن ذلك سيؤثِر في روسيا بصورة مباشرة. وموسكو تتطلّع بحذر واهتمام الى الاجتماعات المقبلة لمنظمة الـ”أوبك” في أيلول (سبتمبر) المقبل.

عودةً الى تركيا، تَقلق روسيا من رؤية ومشروع رجب طيب أردوغان بشمولية وليس فقط في سوريا. تدرك أن الحزام الأمني الذي يريده أردوغان لتركيا داخل الأراضي السورية بات موضع إصرار أكبر من أردوغان لأنه يرى أن الفرصة مواتية جدّاً لتنفيذه، أولاً بسبب إنشغال روسيا بأوكرانيا، وثانياً بسبب انشغال أميركا بروسيا وبأوكرانيا وبإيران، وثالثاً لأنه استعاد نفوذه وتموضعه داخل حلف شمال الأطلسي لأن “الناتو” في حاجة اليه.

هذا لا يعني أن الرئيس التركي بات محصّناً ومقبولاً تماماً لدى دول “الناتو” أو لدى جيرته لا سيّما عندما ترتكب تركيا أخطاء فادحة ناتجة من عجرفة أردوغان كما حدث في آخر عمليات اقتحام الأراضي العراقية بالذات في مأساة قصف المنتجع العراقي بكردستان الذي أسفر عن مقتل مدنيين. بغداد حمّلت أنقرة مسؤولية القصف لكن أنقرة نفت مسؤوليتها.

المشكلة أعمق وهي تكمن في ثقة أردوغان أن تركيا فوق المحاسبة فيما تلاحق ما تصنّفه الإرهاب الكردي في العراق وسوريا، وأنها نجحت في إخضاع الدول الأورويية مثل السويد بإصرارها على رفض عضويتها في “الناتو” ما لم تتخذ استوكهولم إجراءات طالبت بها أنقرة.

كلمة أخيرة عن قمّة طهران التي حضرها غيابياً “حزب الله” بصفته الذراع الأقوى لإيران داخل سوريا وفي لبنان. الرئيس التركي لا يتعرّض مباشرة لـ”حزب الله” تقليدياً لكنه سيفعل إذا ما اضطر في سوريا حين تبدأ إيران تنفيذ مشروع بوتين هناك.

“حزب الله” يتربّص ليتموضع، إما بجانب إيران أو بالنيابة عنها- حسبما تتطلّب الظروف. إنه يهادن عندما تحتاج طهران المهادنة، ويصعِّد عندما ترتأي القيادة الإيرانية أن الوقت حان. أجندته ليست من أجل استفادة لبنان، ولذلك حوّل مستقبل ثروة الغاز والنفط الى ذخيرة لـ”المقاومة” بدلاً من أن تكون وسيلة انتشال اللبنانيين من كارثة الانهيار الاقتصادي التي تدمّرهم.

“بارومتر” “حزب الله” اليوم يفيد بأنه قد يعرقل ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية ليس فقط بموجب مراقبته لنتائج المفاوضات النووية الإيرانية، وإنما أيضاً لأنه يريد أمرين أساسيين آخرين هما: أولاً، ضمان حصته من الثروة بدلاً من اعتبارها ثروة سيادية ذلك لأنه لا يعترف بسيادة الدولة ولا حتى بالوطن لبنان. وثانياً، “حزب الله” يرفض أي ترسيم أو مراقبة لأيّة حدود لبنانية – سورية، ولذلك، إنه يخشى فكرة ترسيم الحدود البحرية لأنها تكبّل تحركاته البحرية والبرية وبالذات عمليات التهريب التي يتطلّبها المشروع الإيراني المدعوم روسياً في سوريا بمباركة فلاديمير بوتين شخصياً.

لمن سخرية القدر أن يكون خيار صفقة أميركية – إيرانية – إسرائيلية نووية وأمنية وتهادنية أفضل بكثير لبلادٍ مثل سوريا ولبنان بكل ما تمنحه لإيران ولإسرائيل من أدوات هيمنة واستقواء، مما هو خيار المواجهة العسكرية. فواضح أن روسيا وإيران اتخذتا قرار مصادرة سوريا ولبنان لغاياتهما ومصالحهما القومية وفي حساباتهما التصدّي لإسرائيل هناك حسب الحاجة. أما إدارة بايدن، فإنها ما زالت تتأرجح بين التمنيات بصفقة مع إيران، وبين التردّد بالضغط على طهران وعلى “حزب الله” خوفاً من الانتقام، وبين التهديد باستعادة عقوبات الضغوط القصوى على إيران التي تبناها دونالد ترامب، وبين إلقاء كل اللوم على ترامب لأنه مزّق الاتفاقية النووية مع طهران.

الفرز مستمر، وسط بلبلة سياسية عالمية، يرافقه كثيرٌ من الرعب وقليلٌ من الأمل والخوف البنّاء. لربما أفضل الأحوال في هذا المنعطف هو استمرار الوضع الراهن Status quo في المنطقة العربية بكل سيّئاته في بلاد الشام.

 النهار العربي

 ———————-

قصف تركي عنيف لمواقع قسد والنظام..بعد مقتل جنديين تركيين

نفذت القواعد العسكرية التركية المنتشرة في مناطق سيطرة المعارضة السورية بريف حلب الشمالي، ليل الثلاثاء/الأربعاء، أعنف حملة قصف بري على مواقع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ومواقع قوات النظام والمليشيات الموالية لها في تل رفعت ومحيطها وفي أكثر من 30 قرية ونقطة عسكرية في عمق مناطق الشهباء، رداً على مقتل وجرح جنود أتراك سقطوا في قصف استهدف القاعدة العسكرية التركية في كلجبرين الواقعة بين أعزاز شمالا ومارع جنوباً.

وحلقت الطائرات التركية بنوعيها المسيّر والحربي في أجواء تل رفعت وقرى الشهباء لرصد تحركات قسد وقوات النظام في منطقة العمليات، واستهدفت القواعد التركية التي شاركت في حملة القصف ويزيد عددها عن 10 قواعد، أهدافاً متحركة وأخرى ثابتة رصدتها الطائرات التي ظلت تجوب سماء المنطقة حتى ساعة متأخرة من الليل.

كما شاركت الفصائل في حملة القصف واستهدفت بنيران الهاون والرشاشات الثقيلة عدداً من نقاط التمركز في الخط الدفاعي الأول على محاور أعزاز ومارع والطويحينة وتل مالد والسيد علي وكلجبرين.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية صباح الأربعاء، عن مقتل جنديين تركيين في قصف استهدف قاعدتهم العسكرية في منطقة درع الفرات شمالي سوريا، مصدره قوات سوريا الديمقراطية (قسد). في حين قصف الجيشان التركي والوطني بشكل مكثف ليل الثلاثاء/الأربعاء، مناطق انتشار قسد في شمالي حلب، ما أدى إلى مقتل 25 من عناصرها.

وقال بيان الوزارة إن “جنديين أُصيبا بجروح بالغة نتيجة استهداف إرهابي على نقطة عسكرية تركية في منطقة عمليات درع الفرات”. وتابع أنه :على الرغم من نقل الجنديين على الفور إلى المشفى وتدخل الطواقم الطبية، إلا أنهما فارقا الحياة”.

من جانبه، قال مصدر ميداني ل”المدن”، إن الجنديين قُتلا في قصف صاروخي نفّذته قسد والنظام السوري على قاعدة كلجبرين جنوبي بلدة إعزاز شمالي سوريا، موضحاً أن الجنديين اللذين ينتميان إلى الشرطة العسكرية التركية التي تتولى مهمة حماية محيط القاعدة، قتُل الأول على الفور، في حين قتُل الآخر متأثراً بجراحه البليغة.

وأضاف المصدر أن الجيشين التركي والوطني السوري المعارض نفّذا رمايات صاروخية ومدفعية كثيفة على مناطق انتشار قسد والنظام السوري في مدينتي تل رفعت ومنغ وريفهما شمالي حلب، وامتد القصف ليشمل مناطق مرعناز والشيخ عيسى حساجك وأم القرى والحصية وحربل والسموقة وتل مضيق وأم حوش بنفس الريف الحلبي.

جاء ذلك في وقت أعلنت فيه وزارة الدفاع التركية عن “تحييد 25 مقاتلاً من قسد كانوا يستعدون لمهاجمة منطقتي نبع السلام ودرع الفرات”، قائلة إن “دماء شهدائنا لم ولن تذهب هدرا وسنواصل دفن الإرهابيين في الخنادق التي قاموا بحفرها “. وأوضحت أن مقتل هؤلاء جاء “بطلقات تصدٍّ وعقاب”.

لكن في مقابل القصف التركي الكثيف الذي تجاوز 100 قذيفة حتى ساعات فجر الأربعاء الأولى، أعادت قسد قصف قاعدة تركية في مدينة مارع شمالي حلب، من دون ورود أنباء عن أصابات في صفوف الجيش التركي.

العملية التركية ستبدأ بأي وقت

وفي السياق، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الأربعاء، إن بلاده “لن تطلب الأذن من أحد لتنفيذ العملية العسكرية في شمالي سوريا”. وأضاف لقناة “تي آر تي” التركية، أن “العملية العسكرية في الشمال السوري ستبدأ في أي وقت وفقاً لتقييمنا للمخاطر الأمنية علينا”، وتابع: “لسنا مضطرين إلى إخبار أحد عن موعد العملية العسكرية في الشمال السوري”.

وأضاف المتحدث التركي أن العملية العسكرية المرتقبة تهدف إلى طرد “الإرهابيين” من شمالي سوريا، كما تحوي هدفاً سياسياً متمثلاً ب “الحفاظ على وحدة الأراضي السورية”، متهماً الولايات المتحدة بأنها “غير مخلصة في عملية مكافحة الإرهاب”.

ويعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية في 5 آب/أغسطس، وسيكون الملف السوري على رأس جدول أعمال القمة، حسبما ذكر موقع الرئاسة التركية.

————————

ريف حلب:قوات النظام السوري تخوض معركة قسد ضد الأتراك/ خالد الخطيب

شهدت جبهات ريف حلب تصعيداً غير مسبوق على مدى 3 أيام بعدما انخرطت قوات النظام والمليشيات الإيرانية إلى جانب قسد في عمليات التسلل والقصف والتفجيرات التي استهدفت مواقع الفصائل المعارضة والجيش التركي في أكثر من محور.

وخلال فترة التصعيد، انتقلت الفصائل من حالة التأهب ما قبل الهجوم إلى حالة الدفاع بسبب كثافة تحركات خصومها والهجمات البرية المحدودة ضدها في منطقة العمليات. وتحشد قوات النظام والمليشيات بأعداد أكبر في الخطوط الدفاعية المتقدمة، وهو ما بات مقلقاً بالنسبة للفصائل والجيش التركي معاً، فالأخير لا يزال قصفه ضد مواقع النظام في إطار العمليات التحذيرية الضاغطة.

إشعال الجبهات

وسبق تصعيد قوات النظام والمليشيات وإشتراكها في إشعال الجبهات نشر مرابض مدفعية وراجمات صواريخ في عدد من المواقع التي تمركزت فيها في محيط تل رفعت، وفي قرى الشيخ عيسى وتل مضيق وسد الشهباء وحربل وأم القرى والسموقة، وفي طوق بلدتي نبل والزهراء جهتي الغرب والشمال على الطريق الدولي حلب-غازي عينتاب. وسجلت الفترة ذاتها تصاعد القصف التركي على مواقع قسد في تل رفعت وقرى الشهباء، وبدا أنه أكثر تركيزاً على النقاط والمواقع ذات الانتشار المشترك مع قوات النظام.

وبدأت قوات النظام والمليشيات تصعيدها من محاور ريف حلب الشمالي الغربي انطلاقاً من الأطراف الشمالية الغربية لبلدتي نبل والزهراء، التي توسعت نحوها قوات النظام على حساب قسد منذ منتصف شهر تموز/يوليو، لتشكل طوق حماية حول معاقلها الرئيسية، ورأس حربة متقدم تشترك من خلاله في العمليات الهجومية المحدودة وعمليات القصف الذي تكرر على مواقع المعارضة ومحيط القاعدة التركية في دارة عزة خلال الأيام القليلة الماضية، كما شهدت محاور المنطقة اشتباكات عنيفة امتدت فيما بعد إلى جبهات جنوبي عفرين واعزاز، ومن ثم جبهات مارع التي شهدت المواجهات الأعنف.

وشنت قوات النظام وقسد هجوماً متزامناً من أربع نقاط انطلاق، من الشيخ عيسى غرب مارع، ومن حربل جنوبها، وانطلاقاً من محورين في محاور جنوب شرقي المدينة في تل مالد والسيد علي وصولاً إلى خطوط المواجهة في الطويحنية، وحاولت القوات المهاجمة التسلل إلى النقاط المستهدفة، ونجحت بالتقدم في بعض المحاور قبل أن تنسحب نتيجة الاشتباكات والقصف التركي الذي استهدف محاور الهجوم، وخطوط الامداد.

النظام يدير القصف

وقالت مصادر عسكرية من فصائل معارضة ل”المدن”، إن “إشتراك قوات النظام في التصعيد العسكري الآخير الذي تشهده الجبهات مع قسد واضح جداً، فالأخيرة لا تملك في نقاط تمركزها ذخائر متنوعة وليس لديها الجرأة على تنفيذ هكذا هجمات في وقت قياسي، وبالتالي يمكن القول إن القصف الذي طاول مخيم كويت الرحمة للنازحين الموجود على أطراف مدينة عفرين مؤخراً مصدره مرابض المدفعية التابعة لقوات النظام والتي تم نشرها مؤخراً في مواقع مشتركة مع قسد شمال مدينة تل رفعت، وعلى أطراف دير جمال ومطحنة الفيصل على طريق حلب-غازي عينتاب”.

وأضافت المصادر أن “قوات النظام والمليشيات الإيرانية هي في الغالب من تقود التصعيد العسكري الحالي ضد الفصائل والجيش التركي، ومن غير المستبعد أن تكون هي من استهدفت الثلاثاء، قرية الجطل الملاصقة للمعبر الواصل بين الفصائل وقسد بسيارتين مفخختين”، موضحة أن “قوات النظام أصبح لديها انتشار واسع في الجبهات المحيطة بمنطقة العريمة إلى الشرق والشمالي الشرقي من مدينة منبج، وفي قرية جاموس ويران بالتحديد التي تقع قبالة معبر الجطل الذي تديره من جانب المعارضة هيئة ثائرون للتحرير”.

ويبدو أن قوات النظام هي من قصفت القاعدة العسكرية التركية في كلجبرين أيضاً، ويأتي جزء من تحركاتها كما يبدو للرد على القصف التركي الذي طاول مواقعها في السموقة وتل مضيق وحربل خلال اليومين الماضيين والذي تسبب بمقتل عدداً من العناصر.

منع العملية العسكرية

وبحسب المصادر “يهدف التصعيد من جانب قوات النظام والمليشيات إلى الضغط على تركيا والمعارضة لمنع العملية العسكرية على تل رفعت بالدرجة الأولى، وللقول إنها باتت موجودة وبقوة في معظم محاور القتال على طول خطوط التماس الممتدة من جنوبي عفرين بريف حلب الشمالي وصولاً إلى ريف منبج الشمالي شمال شرقي حلب، فضلاً عن انتشارها المكثف في الجبهات الشمالية الشرقية لإدلب وشمال غربي حلب”.

وتوحي التعزيزات العسكرية التركية وعمليات انتشارها في القواعد المتمركزة بالقرب من خطوط التماس مع قسد بريف حلب، وبالأخص في منطقة العمليات الممتدة من جنوبي عفرين وحتى مارع، بأن التصعيد العسكري سيتواصل بين الطرفين، على الأقل إلى حين انعقاد القمة المرتقبة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في 5 آب/أغسطس، والتي ستحدد مصير العملية العسكرية التركية، وحجم وتوزع انتشار قوات النظام والمليشيات الذي بدا كثيفاً خلال شهر تموز/يوليو، ويهدد استقرار منطقة النفوذ التركي بشكل جدي.

—————————-

====================

تحديث 29 تموز 2022

——————–

عودة النقاش في تركيا حول معاهدة لوزان والميثاق الملي/ بكر صدقي

تتداول الصحافة بكثرة موضوع استعداد الأحزاب السياسية في تركيا للانتخابات الرئاسية والنيابية في حزيران العام القادم، مؤكدة على أهميتها الحاسمة، في مناخ من التشويق والإثارة ناجم عن الصعوبات التي تواجهها السلطة، فتكثر التكهنات حول حظوظها في الاستمرار في الحكم من عدمه.

غير أن العام القادم يصادف أيضاً مئوية قيام الجمهورية التركية الحديثة التي انبثقت من معاهدة لوزان في 24 تموز 1923. لقد حرص مصطفى كمال آتاتورك على استصدار قرار من مجلس الأمة بإلغاء نظام السلطنة قبيل بداية المفاوضات مع الدول العظمى في لوزان، لقطع الطريق أمام السلطة القديمة في تقرير مصير تركيا، وبذلك أصبح الوفد المفوض من المجلس برئاسة عصمت إينونو هو ممثل الدولة التركية في المفاوضات. استمرت المفاوضات في لوزان نحو ثمانية أشهر، عاد الوفد التركي في نهايتها إلى أنقرة ومعه اعتراف دولي بالدولة التركية وحدودها وسيادتها ووحدة أراضيها، وضمت المعاهدة بنوداً خاصة بوضع الأقليات الدينية تعترف لها بمجموعة من الحقوق.

غير أن تصريحات لسياسيين أتراك، في السنوات القليلة الماضية، تتعلق بتقييم معاهدة لوزان أشعلت النقاش مراراً حول المعاهدة، فاعتبرها فريق هزيمة لتركيا واعتبرها فريق آخر نصراً لها. لا يتعلق الموضوع طبعاً بسجال فكري حول موضوع تاريخي، بل بتعبئة إيديولوجية لأغراض استقطاب الجمهور والعيون شاخصة نحو صناديق الاقتراع.

وفي الأسبوع الماضي ظهر زعيم حزب الحركة القومية الحليفة للسلطة، دولت بهجلي، في صورة جمعته مع خارطة لتركيا تضم الجزر اليونانية القريبة من الشاطئ الغربي لتركيا، الأمر الذي أثار غضب رئيس الوزراء اليوناني ميتشوتاكيس الذي طالب الرئيس التركي بتحديد موقف واضح مما اعتبره استفزازاً لليونان من قبل شريكه الصغير في السلطة.

وتعتبر تيارات سياسية، قومية وإسلامية، أن تلك الجزر هي جزء من خريطة «الميثاق الملي» الذي أقره المجلس إبان حرب الاستقلال، ويضم أيضاً أجزاءً متاخمة لتركيا من شمال العراق وشمال سوريا، محافظات الموصل وكركوك وحلب وإدلب. وقد تمكن مصطفى كمال من عقد صفقة مع الفرنسيين ضم بموجبها لواء الاسكندرون، قبيل وفاته في العام 1939، في حين أن معاهدة لوزان سبق وأخرجت المناطق المشار إليها في العراق وسوريا من خارطة الدولة التركية الحديثة، وكذا فيما يتعلق بالجزر اليونانية وجزيرة قبرص.

الرئيس أردوغان بدوره أطلق تصريحات عديدة، في مناسبات متفرقة في السنوات الماضية، تتعلق بالطموحات التوسعية لتركيا لاستكمال «الميثاق الملي». ففي أحد تلك التصريحات قال: «يسألنا البعض عن سبب اهتمامنا بسوريا والعراق. عليهم أن يعودوا إلى التاريخ ليجدوا الجواب. ثمة في تاريخنا شيء اسمه الميثاق الملي. وهذا يحمّلنا مسؤوليات لا نستطيع أن نتهرب منها. هذا ما يجري في عفرين. هذا ما يجري في إدلب».

الواقع أن استعادة الميثاق الملي ليس بدعة من أردوغان أو بهجلي، بل يعود إلى الرئيس التركي الأسبق الراحل تورغوت أوزال الذي كانت لديه رغبة معلنة في «استعادة» الموصل، وثمة رواية تقول إن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قد شجعه على ذلك إبان حرب تحرير الكويت، لكن أوزال تردد بسبب معارضة رئيس وزرائه سليمان دميريل لمغامرة مماثلة. أما في الفترة الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية فقد كانت سياسة «تصفير المشاكل» مع دول الجوار وإطلاق مشروع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بزخم كبير، فغابت تماماً تلك الطموحات الإمبراطورية لمصلحة «العثمانية الجديدة» القائمة على توثيق الروابط مع الدول العربية واستخدام «القوة الناعمة» الاقتصادية والتجارية والثقافية لاستعادة النفوذ التركي بشكل جديد.

مع اندلاع ثورات الربيع العربي انتعشت تلك الأحلام مجدداً بأفق مختلف فأيدت تركيا تلك الثورات وشجعت حركات الإسلام السياسي لتشكل بديلاً عن الأنظمة المتهاوية في تلك البلدان، بديلاً يكون حليفاً استراتيجياً لتركيا بالنظر إلى الأخوة الإيديولوجية مع القيادة التركية. وكانت المراهنة التركية الكبرى على الثورة السورية بالذات بسبب الحدود الطويلة بين البلدين، كما بسبب التركيبة الديموغرافية لشمال سوريا التي تهم انقرة (كرد وتركمان).

عاد الحديث إلى هجاء معاهدة لوزان والتذكير بالميثاق الملي من جديد في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل في تموز 2016، بعدما اضطر أردوغان للتحالف مع القومي المتشدد دولت بهجلي، فكان عليه اتخاذ سياسة متشددة ضد الحركة الكردية لإرضاء الحليف الصغير ونيل دعمه من خارج الحكومة. فبات خطاب السلطة قومياً باطراد، يتوسع ليشمل عناصر تتجاوز الموضوع الكردي بصورة خاصة.

غير أن بعض ممن يتناولون في الإعلام موضوع معاهدة لوزان يضفون عليها عناصر لا تمت بأي صلة للحقيقة التاريخية، كالقول إن هناك «بنوداً سرية» في المعاهدة كحرمان تركيا من استخراج ثرواتها الباطنية، أو أن المعاهدة لها عمر افتراضي هو مئة سنة، أي أن تركيا ستتحرر من أحكامها في شهر تموز العام القادم! والغاية من طرح هذه الأشياء هي للقول إن تركيا ستخط تاريخاً جديداً تستعيد فيه أمجاد الماضي. هل ينفع نشر أوهام من هذا النوع في استعادة شعبية الحزب الحاكم لدى جمهور الناخبين؟ هذا ما يراهن عليه إعلام الحزب.

من جهة أخرى تثير إجراءات الدولة التركية في مناطق سيطرتها في شمال سوريا ريبة لدى السوريين وفي وسائل إعلام عربية بشأن نوايا البقاء المديد. من ذلك أن الخدمات الأساسية في تلك المناطق تؤديها مؤسسات حكومية تركية كالكهرباء والبريد والهاتف وإنشاء وإدارة مرافق عمومية وتداول العملة التركية وغيرها، إضافة إلى الوجود العسكري المباشر والهيمنة على الإدارات المدنية.

ثمة مفارقة مؤكدة بين الرغبات والنوايا التركية من جهة والقدرة على تحقيقها من جهة أخرى. فمهما طال الوجود التركي في مناطق الشمال، يبقى أن مصيره سيتحدد من قبل الدول العظمى.

كاتب سوري

————————-

لتحقيق أهداف أنقرة.. دعم تركي للأسد؟/ عاصم الزعبي

بعد تهديدات متكررة بشن عملية عسكرية تستهدف مناطق من الشمال السوري، أشارت تصريحات تركية بشكل غير مباشر إلى إلغاء العملية العسكرية، مبينة سعي أنقرة لإيجاد بدائل أخرى تضمن استمرار معاداتها لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وقواتها العسكرية هناك (قوات سوريا الديمقراطية، “قسد”).

الادعاءات التي استندت عليها أنقرة في عملياتها العسكرية السابقة في سوريا وحتى في تهديداتها الأخيرة لفتح تصعيد عسكري تجاه الأراضي السورية، ما تزال مستمرة، وهي الادعاء بأن “وحدات حماية الشعب” التي تشكل العمود الفقري لقوات “قسد” هي امتداد لوحدات حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. ولا يبدو أن الرفض الدولي لتحرك عسكري جديد يزيد من النفوذ العسكري والسياسي لأنقرة في الملف السوري، وهو ما تطمح إليه فعليا تركيا، سيثني الأخيرة عن افتعال وخلق توترات جديدة في منطقة الشمال الشرقي من سوريا، التي تسيطر على مساحة واسعة منها “الإدارة الذاتية” وقواتها العسكرية “قسد” المدعومة من “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال يوم أمس الأربعاء، إن بلاده على استعداد كامل لدعم حكومة دمشق في مواجهة وحدات حماية الشعب/قسد، وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور التركي في سوريا والنوايا الحقيقية للتواجد العسكري لأنقرة على الأراضي السورية. فالأخيرة التي تدعي دعم بعض فصائل المعارضة المؤتمرين بتوجهاتها والعاملين بالدعم المالي والعسكري المقدم إليهم منها، باتت مستعدة لدعم حكومة دمشق بشكل كامل مقابل احتمالية افتعالها حربا في مناطق شمال شرق سوريا وتأليب دمشق على “الإدارة الذاتية” التي بالأساس كانت قد سعت لعقد جولات حوارية مع دمشق، إلا أن الطرف الأخير دائما ما كان يغلق الباب أمام أي تفاهمات.

التصريح التركي الأخير اعتبره بعض المراقبين أنه يأتي في إطار التحريض المباشر لدمشق، وعلى أنه أيضا رسالة تركية إلى الأسد تعني بمحتواها وجود رغبة مباشرة للأتراك بالتقارب مع دمشق مقابل مواجهة أو ضبط تحركات “قسد” سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية. ما يعني أن أنقرة تريد ثمنا إضافيا لتقاربها مع دمشق يتخطى ضمت الأخيرة على كل التمدد التركي الحاصل خلال السنوات الماضية على الأراضي السورية. التصريح التركي الأخير جاء بمثابة الطلب، لكن أنقرة يبدو أنها لم تكن مدركة أن دمشق لا سلطة حقيقية لها على الأرض وليس لها قوة يمكن أن تتحرك دون موافقة الجانب الروسي الرافض بالأساس لتحقيق أي مصالح تركية جديدة في الملف السوري خلال الفترة الحالية، فضلا عن وجود القوات الأميركية في الشمال الشرقي، وهي الرافضة لأي تحرك عسكري سواء لتركيا أو لروسيا أو للقوات النظامية، بخاصة وأن أي تحرك عسكري هناك سيسمح بعودة الأنشطة الإرهابية لتنظيم “داعش”.

تصريحات الوزير التركي يضاف أمامها تساؤلات أخرى حول نوايا أنقرة من التقارب مع دمشق واحتمالات ذلك، لا سيما بعد تزايد التقارير التي تحدثت عن قرب حدوث هذا التواصل ورفعه من المستوى الاستخباراتي الذي اعترف به مؤخرا كل من دمشق وأنقرة إلى المستوى السياسي الكامل والاقتصادي وفق تقديرات مراقبين، بخاصة وأنه منذ شهر أيار/مايو الماضي انتشرت تقارير تركية أشارت إلى عدة متغيرات تركية قد تؤثر على شكل العلاقة مع دمشق، أولها خطة تركيا بإعادة أكثر من مليون لاجئ خلال الشهور القريبة القادمة، فضلا عن طرح احتمالية تطبيع علاقات بين دمشق وأنقرة بوساطة دول إقليمية، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة التركية الحالية إلى تفعيل مبدأ “صفر مشاكل” مع دول الجوار والتي بدأت بتفعيله على أرض الواقع، فحصل التقارب التركي مع كل من السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وقد تنضم دمشق قريبا لهذا المسار.

انعطافة في الموقف التركي

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال يوم أمس الأربعاء، إن بلاده على استعداد كامل لدعم حكومة دمشق في مواجهة وحدات حماية الشعب/قسد، وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور التركي في سوريا، ومدى جدية تركيا بدعم حكومة دمشق.

الكاتب السياسي، حسان الأسود، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الدول في هذه الحالات تنطلق من مصالح مختلفة، أبرزها الضبط الأمني، ومساحات التمدد وما تنظر إليه الدول على أنه مجالها الحيوي، إضافة للمصالح الاقتصادية، فلا يوجد في مقاييس الدول ومنها تركيا اعتبارات للقيم والأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان.

لذلك من الممكن أن يكون هناك انعطافة في الموقف التركي، وفق رأي الأسود، لأن المصالح التركية تقتضي الآن تغيير موازين القوى في منطقة شمال شرق سوريا، وبالتالي فهم في حالة صراع في التزاماتهم ما بين الولايات المتحدة من جهة، والتزاماتهم تجاه الروس وخاصة اتفاقات أستانا من جهة أخرى، وبين هذه وتلك، مصالح أمنهم القومي ومصالحهم السياسية والاقتصادية، لذلك فإن هذه الانعطافة باتت أقرب من أي وقت سابق، وهي واردة من الناحية السياسية، لكنها مرفوضة أخلاقيا وإنسانيا، بحسب الأسود.

وكان الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، قال خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا بدأت فعلا بجعل موقفها من الحكومة السورية أكثر مرونة مؤخرا، وذلك في ظل التطورات والتحولات الدولية، وبعد الدعوات والضغوط الداخلية التي تتعرض لها الحكومة من قبل أحزاب المعارضة.

تبعات التصريح التركي

أنباء ومؤشرات عديد برزت في الآونة الأخيرة، على وجود تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق، الأمر الذي يتكرر بين الحين والآخر، فإن المؤشرات تذهب إجمالا إلى وجود بعض التغييرات سواء في المشهد السياسي أو الإقليمي، حيث إن التلميحات السابقة كانت في أحيان كثيرة لا تتجاوز مجرد التعاون الاستخباري. ولكن تصريحات وزير الخارجية التركية الأخيرة منحت فكرة إعادة العلاقات مع دمشق مفهوما أبعد من أي مؤشرات، لما يحمله التصريح من معاني وتبعات.

وفي هذا السياق، يرى حسان الأسود، أنه من المؤكد حصول تقارب سياسي بين دمشق وأنقرة، “في السياسة لا توجد ثوابت بل مصالح مختلفة، وبالتالي يمكن مع تغيير موازين القوى الحالية أن تتغير المواقف بشكل جذري، خاصة أن حكومة أردوغان كانت قد سعت في بداية الأزمة السورية في 2011 للتواصل مع الأسد، لإيجاد حل ينقذ النظام السوري ويلبي بعضا من مطالب الشعب السوري، فأنقرة لديها استعداد دائم للتواصل مع دمشق”.

وكان الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي، سامح مهدي، أوضح في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن تقارب دمشق وأنقرة يبدو منطقيا في ظل التوجهات الإقليمية الجارية والساعية إلى تخفيض الصراعات القائمة وحلحلة كثير من الأزمات وعزل حالة التوتر، على خلفية وجود تناقضات جمة في ملفات مشتركة، وذلك لحساب إيجاد فرص تعاون وعمل أمام التحديات القصوى التي فرضتها أو بالأحرى كشف عنها الغزو الروسي لأوكرانيا.

مشروع تركي في سوريا؟

مطامع تركية باتت معلنة في الشمال السوري، فمن منطقة آمنة من أجل ترحيل أكثر من مليون لاجئ سوري، إلى عملية عسكرية تريد تنفيذها من أجل توسيع سيطرتها عسكريا وسياسيا في الملف السوري.

وتسعى تركيا لاستغلال كل الأوراق المتاحة أمامها، وتوظيفها بما يخدم مصالحها داخل الأراضي السورية. فلا تضيع فرصتها داخل الأزمة الأوكرانية بعد الغزو الروسي، فتلعب على المتناقضات بين أطراف الصراع لكسب أوراق جديدة لمصلحتها. هي أيضا تستغل تبديد فرص الحل السياسي في سوريا لإحداث متغيرات جديدة على الأرض.

حسان الأسود، يرى أن الوجود التركي على الأراضي السورية يتعارض مع مصالح الشعب السوري على المدى البعيد، كما يتعارض مع مصالح الدولة السورية على المدى البعيد أيضا، ويتعارض مع كيان المجتمع السوري، حتى لو كان هناك قبول لدى شريحة من الشعب السوري لما تدعيه تركيا من حماية لمناطق معينة.

وأضاف الأسود، أن هذا الوجود سيشكل على المدى البعيد خطرا على سوريا ووجودها، وقد يكون مصير المناطق التي تتواجد فيها تركيا كمصير لواء اسكندرون وغيره من الأراضي السورية التي اقتطعتها تركيا سابقا، مشيرا إلى أنه لا بد من أن يحصل توافق سوري سوري يفضي لحل للأزمة السورية، من أجل التخلص من آثار الوجود التركي بعد ذلك.

الحل نت

————————-

اللاجئون السوريون في تركيا وخطاب العنصرية/ حسن النيفي

حين ترتفع سخونة الحديث عن اللاجئين السوريين في تركيا، غالباً ما تحضر مسائل عديدة، باعتبارها الدوافع الكامنة وراء خطاب العنصرية، منها ما هو ذو صلة بالحالة الاقتصادية والبطالة والتضخم المالي، إذ غالباً ما يتم إدراجها في المسببات التي تجعل من قضية اللاجئين السوريين أمراً شاغلاً ومقلقاً ليس للسوريين فحسب، بل للرأي العام التركي على العموم، ولئن كان من المتعذر استبعاد تلك المسائل أو نفي حضورها لدى الجمهور العام، إلّا أن ذلك لا يمنع من مقاربات أخرى، ربما كانت غائبة في غالب الأحيان.

ثمة مسألتان لا بدّ من التأكيد عليهما، الأولى: أن تركيا هي الدولة التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين

(أربعة ملايين لاجئ) وقد أُدرج هؤلاء اللاجئون تحت بند الحماية المؤقتة، كما تنبغي الإشارة في هذا السياق إلى أن الحكومة التركية قد أتاحت تسهيلات هائلة لعبور اللاجئين من خلال حدودها الممتدة على مسافة 900 كم مع الحدود السورية، فخلال الأعوام 2012 – 2013 – 2014، كان بإمكان أي مواطن سوري العبور إلى الأراضي التركية سواء من خلال المعابر الرسمية أو غير الرسمية، وسواء أكان المواطن السوري يحمل وثيقة سفر أم لا. أمّا المسألة الثانية فتتجسّد في أن حرية الحركة والنشاط التي أُتيحت للسوريين في تركيا لم تتوافر في أي بلد آخر، ففي الفترة الممتدة ما بين 2011 – 2015، كانت المدن التركية مسرحاً فسيحاً لحراك سياسي سوري متعدد الأشكال والاتجاهات، سواء على مستوى تشكيل التجمعات أو الأحزاب أو إقامة الندوات وورشات العمل، ولعله من طرائف السوريين في تركيا أنْ أطلقوا على مدينة غازي عينتاب اسم (عاصمة السياسة السورية) نظراً لكثرة ما يجري فيها من حراك سوري، أمّا على مستوى العمل المدني والإغاثي فإن معظم ما يسمى (منظمات مجتمع مدني) قد أسست وتشكلت وافتتحت مكاتب لها على الأراضي التركية، ولعله من الضروري الإشارة إلى أن الحكومة التركية لم تمارس أي شكل من أشكال التضييق على مجمل أشكال النشاط والحراك السوري طوال الفترة المشار إليها، إذ إن مجمل الأنشطة السياسية وسواها كانت تُقامُ بشكل علني سواء في قاعات الفنادق أو المكاتب الخاصة أو في أي مكان آخر، وقد استمرت هذه الحالة حتى محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز 2016.

كان يمكن لهاتين المسألتين أعلاه، أن تتحوّلا إلى ميّزتين يمكن استثمارهما من جانب السوريين في التأسيس لعلاقات سياسية واجتماعية مع الشعب التركي قد تفضي إلى مآلات غير التي نجدها في الوقت الراهن، ولعله من الضروري التأكيد على أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة كان ما يزال يحظى في تلك الفترة بزخم شعبي نسبي، وكذلك بدعم سياسي ومالي دولي، وكان مقرّه في إسطنبول، كما شهد العام 2014 تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، وكان مقرها في مدينة غازي عنتاب، ولعل هاتين المدينتين هما الأكثر حضوراً لحراك السوريين آنذاك، وكان يمكن للائتلاف والحكومة المؤقتة، باعتبارهما الكيانين الرسميين الأبرز في تمثيل ثورة السوريين، أن يُشرعا في إقامة جسور من العلاقات المتوازنة مع كل القوى السياسية التركية، وأن ينطلقا في تلك العلاقات من مبدأ المصلحة الوطنية السورية التي تقتضي التعريف بجوهر القضية السورية وإظهار أوجه العدالة والمشروعية والمطالب المحقة التي جسّدت المعين القيمي لثورة السوريين أمام كل شرائح الشعب التركي وليس أمام الحكومة التركية أو الحزب الحاكم فحسب. ما لم يخطر ببال الائتلاف والحكومة المؤقتة آنذاك ولا الآن، أن تركيا بلد ذو نظام ديمقراطي يشهد تعددية حزبية وقائم على مبدأ تداول السلطة، وأن فوز أحد الأحزاب في الانتخابات بنسبة (52 في المئة) ووصوله إلى سدّة الحكم لا يلغي دور بقية الأحزاب ولا يمكنه اختزال الدولة بالسلطة، كما فات من تصدّروا الكيانات الرسمية للمعارضة آنذاك أن أولويات المصلحة الوطنية تكمن في حيازة التأييد والنصرة لقضية الشعب السوري من جانب الشعب التركي كافة ممثلاً بأحزابه السياسية ومنظماته الاجتماعية والثقافية وليس الاقتصار على التنسيق مع طرف سياسي واحد فقط، ولعل المؤسف في الأمر أن أكثر من مسؤول تركي، سواء أكان من السياسيين أو من مراكز الأبحاث والفعاليات الثقافية أومأ إلى السوريين في أكثر من مناسبة، مشيراً إليهم بضرورة إدراكهم أن تركيا ليست هي حزب العدالة والتنمية فقط، كما عبر أكثر من مسؤول من الحكومة التركية عن امتعاض الشعب التركي واستخفاف الطيف السياسي عامة بالممارسات التشبيحية التي تصدر من مسؤولين في المعارضة الرسمية، باعتبار تلك الممارسات من مورثات الاستبداد وتتنافى مع الأعراف الديمقراطية، كما أراد بعض المسؤولين الأتراك إبلاغ السوريين أن حزب العدالة والتنمية ليس حزب البعث كما هو في سوريا، وأن أحزاب المعارضة التركية ليست أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وأن عقلية التشبيح لن تجعلكم أكثر احتراماً في نظر الآخرين، ولكن يبدو أن شهوة الارتهان لدى المعارضة السورية كانت أقوى من أيّ نزوع مخالف.

لعلها من الحقائق المؤلمة أن تكون المعارضة الرسمية السورية قد كرّست منظوراً خاطئاً للعلاقة مع الجانب التركي، إذ لم ينبثق هذا المنظور من مبدأ المصلحة الوطنية والندّية، حيث تكون القضية السورية هي الموشور الذي يوجّه العلاقة ويرسم ملامحها ومساراتها، وليس المصالح الشخصية القائمة على التبعية والولاء الشخصي، ولا يحتاج السوريون الكثير من الأمثلة والوقائع ليدركوا أن قسماً كبيراً من قيادات المعارضة السورية الرسمية بات همّهم إثبات حسن سلوكهم وخالص ولائهم للجانب التركي أكثر من همّهم وحرصهم على القضية السورية، وذلك انطلاقاً من مصالح شخصية لا تبتعد كثيراً عن التمسّك بمنصب أو وظيفة أو موقع مسؤولية، وهذا يؤدي من الناحية العملية إلى استثمار القضية السورية في خدمة المصالح الشخصية وليس العكس.

قد تبدو النتيجة الفعلية لوجود الأجسام الرسمية للمعارضة في تركيا طوال أكثر من عقد من الزمن، مخيّبةً للآمال – على مستوى التأثير الشعبي أو الجماهيري، ولعله من غير المستغرب أن نجد معظم الشرائح السياسية والشبابية التركية، سواء في الجامعات أو المراكز ذات الطابع الثقافي أو الفني أو الاجتماعي، تكاد تجهل الكثير عن الوجه الناصع للقضية السورية، بل ربما اختزل الكثير منهم  جوهر القضية السورية على أنه صراع مسلّح بين داعش ونظام الأسد فحسب، وبناء على تلك النظرة فإن أي معارض سوري للنظام فهو بالضرورة يجب أن يكون مقاتلاً وفقاً لنظرة الشارع التركي، وربما هذا هو السرّ في العبارة التي يرددها الكثير من الأتراك في أية حالة احتكاك أو مشاحنة مع لاجئ سوري: (لماذا تركتم بلادكم وهربتم، اذهبوا وقاتلوا في بلادكم). لا شك أن  سبب هذا الانطباع الخاطئ لا يكمن حصره في حيّز النوايا السيئة للآخر، بقدر ما يمكن إرجاعه إلى عدم قدرة السوريين على الوصول للآخر والتأثير في صياغة قناعاته، وكذلك بعدم قدرتهم على الظهور كأصدقاء لكل القوى السياسية التركية وليسوا محسوبين في صف حزب واحد فقط.

لعل الفيديو الذي تداولته وسائل التواصل مؤخراً، والذي يظهر فيه الشاب السوري أحمد كنجو وهو يناقش مجموعة من المواطنين الأتراك حوله، يؤكّد بوضوح أن مصداقية أيّ قضية عادلة لا تكمن في ماهيّتها المجرّدة فحسب، بل بماهيّة من يمثلها ويدافع عنها أيضاً.

تلفزيون سوريا

——————–

شبكات التحالف التركية ضد إيران وحزب العمال الكردستاني/ عمر أوزكيزيلجيك

تبرز تركيا في الآونة الأخيرة على جبهات متعددة في مجالات مختلفة بقوة وبما يتوافق مع سياساتها ومصالحها الإقليمية. فعلى سبيل المثال هناك الجبهة الأقرب ضد روسيا على الأراضي السورية، وكذلك في كل من ليبيا وكاراباخ وأوكرانيا. إضافة إلى نقاط النزاع حول الملف السوري مع الولايات المتحدة الأميركية. على أن تركيا تنتهج استراتيجيات متقاربة بشكل لافت حيال تعاطيها مع بعض الدول وبعض الأطراف الفاعلة غير الحكومية. فلا تنحصر مجابهة كل من إيران ومنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في نقاط التماس فحسب، بل تعمل تركيا على بناء شبكتي تحالف منفصلتين في ذات السياق. فبينما تشكل تركيا بالفعل جزءا من شبكة تحالف غير رسمية ضد حزب العمال الكردستاني تضم أتراكا وعربا وأكرادا؛ تعمل تركيا على بناء شبكة تحالف مماثلة ضد إيران تضم إلى جانب العرب والأتراك الطرف الإسرائيلي. ويمكن لنا القول إن الشبكة الأخيرة قد أبصرت النور مؤخرا.

تحظى تركيا بموقع تتفاوت أهميته عالميا وشرق أوسطيا، فموقعها وقوتها وقدراتها قد تبدو متوسطة على مستوى دولة، إلا أنها على المستوى العالمي تتمتع بالحقوق الدولية من حيث الحراك والتدخل الدولي. هذا التكوين في الدولة التركية يمنحها إمكانات وامتيازات خاصة من ناحية، ومن ناحية أخرى يخولها الاضطلاع بأدوار تفوق مساحتها الجغرافية.

يمكننا بداية أن نستذكر شبكات التحالف ضد الإرهاب والتي لطالما كانت تركيا جزءا منها. ففي الفترة التي بدأت بحكم رئيس الوزراء السابق “تورغوت أوزال” تم التنبه إلى أن الوجود العسكري التركي بمفرده في ساحة القتال ضد الإرهابيين هو فعل مجانب للصواب وأنه من الضروري العمل مع الأكراد ضد حزب العمال الكردستاني. وفي هذا السياق فقد حظي كل من رئيس العراق السابق جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني بدعم من تركيا شمل سفر هذه الشخصيات عبر عواصم العالم بجواز سفر تركي. وكان من ثمار هذا التعاون؛ العمليات المشتركة التي نفذتها القوات التركية وقوات البيشمركة الكردية ضد حزب العمال الكردستاني. والتي تكبدت قوات البيشمركة إثرها مئات الضحايا. على أن التغييرات التي شهدتها الحكومة التركية لاحقا أدت إلى تراجع في وتيرة العمليات وخلقت نوعا من الضبابية حيالها..

على أننا نرى أن تركيا قد أعادت تفعيل هذا التعاون في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يتجلى في الدعم الذي تقدمه البيشمركة للقوات التركية في عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني شمال العراق. ففي حين أننا نشهد تقدما للجيش التركي في مناطق الشمال، نلاحظ أن قوات البيشمركة تقوم بقطع منافذ التراجع والإمداد على حزب العمال الكردستاني من الجنوب. إضافة إلى حراكها من الجنوب إلى الشمال في محاولات لدخول مناطق سيطرة حزب العمال الكردستاني. وإلى جانب الدعم المقدم من قوات البيشمركة، تقدم حكومة إقليم كردستان العراق الدعم اللوجستي والاستخباراتي لتركيا. في الواقع إن مشاركة بيشمركة “روج آفا” في الخطوات التي اتخذتها الإدارة الكردية ضد مناطق حزب العمال الكردستاني يحمل أهمية مختلفة. ذلك أن أفراد هذا التنظيم هم سوريون قام الفرع القُطري للحزب في سوريا بإقصائهم ونفيهم. وفي نفس الوقت لا يستطيع هؤلاء الأشخاص العودة إلى سوريا بسبب الجرائم الشنيعة التي قام بها الحزب ضد الأكراد في سوريا. الأمر الذي يجعل مكونات هذا التنظيم عناصر موثوقة متل قبل الإدارة التركية للقتال ضد حزب العمال الكردستاني. خاصة وأن استشهاد عناصر من بيشمركة “روج آفا” يظهر أنهم قد لعبوا دورا مهما في الهجمات التي نفذها حزب العمال الكردستاني ضد التنظيم.

ولا تقتصر تركيا على التحالف مع حكومة إقليم شمال العراق فحسب، بل تعمل على التنسيق مع الأكراد في تركيا ليلعبوا دورا كحماة للثغور. حماة الثغور هؤلاء هم أكراد محليون تدعمهم تركيا ويكون تحركهم العسكري بالتنسيق معها، في حين تكون تبعيتهم الرسمية لقوات الدرك التركي. يعتبر هذا المكون عنصرا هاما يشارك بفاعلية في جميع عمليات الجيش التركي، كما يعتبرون أعداء شرسين لحزب العمال الكردستاني.

وبالحديث عن التحالفات التي قامت بها تركيا في سوريا، فقد قامت تركيا بالتنسيق مع الجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة ضد وحدات حماية الشعب “YPG” (فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا). كما قد شكلت تركيا تحالفات مع المكونات العربية والكردية والتركمانية في الجيش الوطني السوري. وقامت بالتعاون والتنسيق مع الجيش الوطني السوري بعمليتي غصن الزيتون ونبع السلام ضد وحدات حماية الشعب. وقد شهدت هذه العمليات قتال السوريين والأتراك جنبا إلى جنب حتى تحرير قسم من أراضي الشمال السوري من وحدات حماية الشعب  “YPG”.

وعلى الرغم من عدم وجود ارتباط مباشر بين حلفاء تركيا في كل من سوريا والعراق، إلا أن هناك تحالفا طبيعيا بين الأكراد والأتراك والعرب أيضا ضد حزب العمال الكردستاني. ويمكن أن نضيف هنا أن وجود هذه التحالفات شكل دعما لتركيا في حربها لمكافحة الإرهاب على الحدود فيما قد يشكل غيابها تهديدا لقدرة تركيا في العمل على مكافحة الإرهاب على الشريط الحدودي للبلاد.

وبالبحث حول التحالفات التركية ضد إيران، نجد أن شبكة التحالفات التي أنشأتها تركيا ضد إيران تشابه تلك التي أنشأتها ضد حزب العمال الكردستاني من حيث عدم تعيين اسم للتحالف أو حتى وجود علاقات بين أطرافه. وتبرز هنا القاعدة الذهبية في الشرق الأوسط حيث لا يمكن أن تجتمع تركيا وإيران في منطقة واحدة. إذ حيث تحل إيران لا يمكن أن تجد تركيا والعكس بالعكس. إن تركيا وإيران مع أقدم حدود شهدت تغييرات عبر التاريخ لطالما كانتا مثل الزيت والماء لا يلبثان أن ينفصلا.

وبالنظر إلى نتائج الانتخابات الأميركية التي أفرزت الرئيس الأميركي “جو بايدن” وإلى التغييرات التي يشهدها سوق الطاقة العالمي فإنه من المنتظر أن تنتهج إيران سياسات أكثر عدائية تجاه الشرق الأوسط. وفي ذات السياق تعطي هجمات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على مصافي النفط في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فكرة عن مستقبل المنطقة. فيما تعتبر محاولات إيران اغتيال المواطنين الإسرائيليين في تركيا مؤشرا خطيرا..          

وفي إطار حربها مع إيران فقد اعتمدت إسرائيل ودول الخليج منذ البداية على الولايات المتحدة الأميركية، على أن رغبة الولايات المتحدة في التركيز على المواجهة مع الصين وتحويل ثقل قوتها عن الشرق الاوسط باتجاه آسيا تدريجيا بات يخلق مخاوف جدية لدول المنطقة التي تخشى أنها لن تتمكن من مواجهة العدو الإيراني في حال انقطع الدعم الخارجي عنها.

بالرغم من امتلاك كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ميزانيات ضخمة لأنظمة الأسلحة المتطورة، إلا أن العملية العسكرية التي تضطلع بها الدولتين في اليمن أبرزت إخفاقا عسكرا جديدا لكل من الدولتين. ومن ناحية أخرى لا يمكن أن نتجاهل أن إسرائيل تمتلك أكبر منظومة جوية في الشرق الأوسط والتي تمكنها من ضرب إيران في مواقع مختلفة بل قد قامت بالفعل بتوجيه ضربات جوية لقواعد إيران على الأراضي السورية. ولكنها وكما تبين في الآونة الأخيرة من حربها في غزة ولبنان لا تمتلك القدرة على التوغل والبقاء في أي من مواقع أعدائها في الشرق الأوسط.

على الجهة الأخرى تبرز تركيا كقوة وحيدة استطاعت أن تحقق نجاحا عسكريا في مواجهة إيران وتوقف تمددها في المنطقة. حيث وجهت القوات التركية بالتنسيق مع حلفائها في الجيش الوطني السوري ضربات قوية لإيران على الأراضي السورية. وبفضل الدعم  القوي الذي تتلقاه تركيا من سكان المناطق التي تدخلها؛ نجد أنها وعلى العكس من إسرائيل يمكنها البقاء والتمدد في تلك الأراضي. كما أن الحلفاء المحليين لتركيا في حربها ضد إيران هم السوريون الذين شهدوا حربا شرسة مع النظام المدعوم من قبل إيران في السنوات العشر الماضية. ويعتمل في قلوبهم حقد كبير على إيران بسبب دعمها للنظام، فمنذ العام 2011 وقفت إيران إلى جانب النظام السوري في حربه ضد شعبه وارتكبت بحق هذا الشعب أفظع الجرائم.

وكما هو الأمر مع دول الخليج وإيران تتوقع تركيا أن تبدي إيران عدائية أكثر في قابل الأيام، حيث تشكل حماية إيران لحزب العمال الكردستاني وكذلك للميليشيات الشيعية في إقليم جبل سنجار في العراق من جهة ونجاح تركيا في الجمع بين العرب السنة في تحالف مشترك وخطة موحدة مع الأكراد مؤشرا واضحا على أن كل من تركيا وإيران يقفان على طرفي نقيض في تطورات المشهد السياسي في بغداد.

ولأن تركيا تدرك أن المستقبل يحمل توترا أكبر في العلاقات مع إيران، إضافة إلى احتمالية بقائها بمفردها في مواجهة إيران، دفعها ذلك إلى تطبيع علاقاتها مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويعتبر هذا التطبيع الذي قامت به تركيا حجر أساس لتحالف لم يتم تسميته بعد يجمع كل من العرب والأتراك وإسرائيل ضد العدو الإيراني المشترك.

ولا يفوت تركيا في هذا الصدد ما تشهده من تعزيز العلاقات والتحالفات بين كل من إيران وحزب العمال الكردستاني الذين تربطهما علاقات قوية أصلا، إذ ليس من قبيل الصدفة أن تقدم إيران الدعم والحماية لحزب العمال الكردستاني في كل من سوريا والعراق. على أن شبكتي التحالف اللتين أنشأتهما تركيا مع حلفاء مختلفين لمواجهة أعدائها تعتبران شبكتين منفصلتين مستقلتين كليا عن بعضيهما، وتشكل تركيا العامل المشترك الوحيد فيهما. وفي حال أريد تمكين هاتين الشبكتين لتحقيق انتصارات ضد كل من إيران وحزب العمال الكردستاني فيجب أن يتم العمل على جمعهما في تحالف قوي واحد.

تلفزيون سوريا

———————

أنقرة تصدم المعارضة السورية:هل اقتربت مبادرة طهران من أهدافها؟/ عقيل حسين

كانت تصريحات وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو التي أدلى بها الأربعاء، حول امكانية التعاون مع النظام السوري ضد القوات الكردية في شمال سوريا، مفاجئة وصادمة لجمهور المعارضة السورية، الذي لم تُخفِ ردود فعله الغضب وخيبة الأمل، رغم كل التفسيرات التي قُدمت حول هذه التصريحات وحاولت التخفيف من وقعها والتقليل من أهميتها.

أوغلو وفي حديث متلفز على قناة “تي في 100” التركية، قال إن بلاده أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من شمال وشمال شرق سوريا، مضيفاً “سنقدّم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.

مناورة تركية؟

وبينما رأى البعض في هذا التصريح ردة فعل تجاه التعزية التي قدمتها الولايات المتحدة ل”قسد”، بعد مقتل قيادية فيها نتيجة غارة جوية تركية السبت، اعتبر مراقبون آخرون أنه يأتي في سياق الوساطة الايرانية لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتعبيراً عن تقدم تحققه هذه الوساطة.

ورداً على سؤال حول مصير العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا، تجنب أوغلو الحديث عن إصرار بلاده على شنّ العملية، وهو الموقف الذي دأبت أنقرة على ترديده باستمرار، مكتفياً بانتقاد روسيا والولايات المتحدة بهذا الخصوص، وقال إن “الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”.

ويعتبر المحلل السياسي السوري باسل معراوي أن الموقف التركي الجديد يمثل “مناورة” تركية في إطار مواجهة التضييق الذي تُواجَه به من قبل شركائها في الملف السوري، مستبعداً أن يكون بمثابة تغير جوهري في موقفها من المسألة السورية.

ويقول ل”المدن” تعليقاً على ما أدلى به الوزير التركي، إن “جميع الخصوم توحدوا ضد الموقف التركي في سوريا، ومن اللافت أن كلاً من روسيا وإيران والولايات المتحدة ونظام الأسد كانوا متفقين في معارضة العملية العسكرية التي هددت تركيا ولا تزال بشنها ضد قسد، الأمر الذي وضع أنقرة في موقف كان يتطلب منها التحرك بشكل غير تقليدي”.

ويضيف أن تركيا ومن خلال هذا الموقف الجديد تقول للنظام في دمشق “تعالَ وتحمل مسؤولياتك في إزالة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني”، وهو الأمر ذاته الذي طلبه أوغلو من الحكومة العراقية في تصريحاته، وإلا فإن أنقرة لن تقبل باستمرار التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي انطلاقاً من شمال سوريا والعراق، ما يجعل تحركها القادم في حال عدم الاستجابة لها، وهذا ما سيحصل غالباً، مبرراً ومشروعاً.

ويشير معراوي أيضاً إلى المفاوضات الجارية بين دمشق والجانب الكردي من أجل نشر قوات تابعة لجيش النظام في مناطق سيطرة قسد، قائلاً: “تحاول أنقرة قطع الطريق على أي تعاون بين الطرفين ضدها، وسبق للرئيس التركي أن أكد أن تغيير الأعلام والرايات لن يجعل قسد في مأمن، وبالتالي فإما أن يكون وجود قوات النظام حقيقياً وتتحمل دمشق بناء عليه المسؤولية القانونية والسياسية لهذا الوجود، أو لا يجب أن يكون من أصله”، وبهذا السياق “نفهم قول الوزير أوغلو بأن الدعم الذي ستقدمه تركيا لهذه الخطوة هو دعم سياسي وليس غير ذلك ولا يتجاوز هذا السياق”.

تغيير جوهري

لكن تقدير السياق الذي تأتي فيه تصريحات تشاووش أوغلو لا يبدو محل اتفاق في أوساط المعارضة السورية، خاصة بعد التأكيدات التركية المستمرة على وجود تعاون أمني مع النظام من جهة، والحديث عن وساطة إيرانية لتطبيع العلاقات السياسية بين دمشق وأنقرة من جهة أخرى.

ويرى الكثيرون أن موقف تركيا يظهر اقتراباً من الموقف الإيراني، ليس فقط لناحية عدم توجيه أوغلو النقد لطهران خلال حديثه الأربعاء عن مواقف الدول الأخرى، حيث اكتفى بمهاجمة موسكو وواشنطن واتهمهما بعدم الايفاء بتعهداتهما الخاصة بمكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي، بل وكذلك من خلال تأكيده على أن بلاده “أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة”.

ويرى المحلل السياسي نصر اليوسف أن “اللهجة الودية” التركية المفاجئة تجاه النظام السوري هي نتيجة قمة الدول الراعية لمسار أستانة التي عُقدت في طهران، وللجهود الإيرانية الحثيثة للتقريب بين دمشق وأنقرة.

ويقول ل”المدن” إن “انتشار قوات النظام في المناطق التي هددت تركيا بشن عملية عسكرية جديدة فيها سيكون بمثابة إرضاء لأنقرة التي ستنظر للأمر كخيار مقبول يغنيها عن الحرب، فهي معنية بالحصول على العنب وليس الانشغال مع الناطور”. ويضيف “يجب ألا ننسى هنا أن التواصل الأمني بين الطرفين لم ينقط”ع، وأن “تركيا اعتبرت على الدوام أن وجود النظام على حدودها أفضل بالنسبة لها من وجود قسد، كما أن هذا سيكون من مصلحة روسيا وإيران، لأن قواتهما ستكون موجودة مع قوات النظام في المناطق التي ستخرج منها قسد في حال تم تنفيذ هذا الحل”.

لا موقف

لكن ورغم أن الأجواء السياسية كانت تمهد لمثل هذا التطور، إلا أن أوساط المعارضة بدت مصدومة بعد تصريحات أوغلو، حيث عبر الكثير من الثوار والناشطين السوريين عن غضبهم حيالها، بينما لم يصدر أي موقف عن المؤسسات الرسمية أو القوى السياسية الفاعلة.

وكشفت مصادر في الإئتلاف الوطني ل”المدن”، أنه سيتم مناقشة هذه التصريحات خلال اجتماع الهيئة السياسية الذي بدأ صباح الخميس، لكنها استبعدت أن يصدر موقفاً صريحاً منها، خاصة وأن الاجتماع سيكون مغلقاً ومخصصاً لمناقشة انتخابات الهيئة الرئيسية أو التمديد لها.

لكن اليوسف يستبعد أن يكون هناك أي موقف لمؤسسات المعارضة، سواء السياسية أو العسكرية، من هذا التحول التركي “لأنها غير قادرة على مخالفة إرادة أنقرة وتوجهاتها”. ويقول: “المعارضة الرسمية تابعة تماماً في موقفها للموقف التركي ولا تملك من أمرها شيئاً، وهي ستسير حسب ما ترسم لها أنقرة، وإذا قررت تركيا أن دخول النظام إلى مناطق سيطرة قسد أمر صحيح فستقر المعارضة السورية بذلك دون تردد”.

يبدو أن الديبلوماسية الإيرانية تحقق نتائج سريعة واختراقات غير مسبوقة على صعيد التواصل والتفاهم بين أنقرة ودمشق، وإذا كانت تصريحات وزير خارجية تركيا الأخيرة قد اعتبرت مفاجئة، فإن مجمل التطورات التي شهدتها الساحة مؤخراً تؤكد أن هذه التصريحات لم تكن سوى نتيجة للحراك النشط الذي قامت به إيران في الملف السوري ويبدو أنه بات منتجاً.

المدن

————————

تركيا والنظام السوري.. “نبرة جديدة” تثير التساؤلات والجدل

ضياء عودة – إسطنبول

أطلق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قبل يومين، تصريحات “لافتة” هي الأولى من نوعها بخصوص علاقة بلاده مع النظام السوري، الأمر الذي أثار جدلا وتساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء هذه “النبرة الجديدة”، وما إذا كانت ستفرض مشهدا مغايرا للعلاقة بين أنقرة ودمشق، خلافا لما كانت عليها السنوات الماضية.

وقال جاويش أوغلو، حسب ما نقلت وكالة “الأناضول”، في رده على سؤال بشأن العملية العسكرية التركية المحتملة في شمالي سوريا، وموقف كل من واشنطن وموسكو منها: “الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”.

وذكر الوزير التركي أن بلاده أجرت سابقا محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة، مضيفا: “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.

وتابع: “من الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”.

وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها هكذا نوع من التصريحات السياسية من جانب أنقرة حيال العلاقة مع النظام السوري، حيث اقترح الإعلان في السابق عن وجود اتصالات أمنية واستخباراتية فقط، بعيدا عن أي تواصل سياسي أو نية لفتح قنوات اتصال.

ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ سنوات طويلة كجهة شرعية تمسك زمام أمور الشعب السوري، وتتمسك حتى الآن بهذا الموقف، بحسب ما أشارت إليه تصريحات مسؤوليها، على رأسهم الرئيس، رجب طيب إردوغان، خلال الفترة الأخيرة.

وفي المقابل، يصف النظام السوري الوجود العسكري التركي في البلاد بـ”الاحتلال”، وسبق أن طالبت وزارة خارجيته أنقرة بالخروج “كونها لم تدخل بناء على طلب الحكومة السورية”، كما هو الحال بالنسبة لروسيا وإيران.

وتعتبر تركيا إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، سياسيا من خلال مسار “أستانة”، وآخر يتعلق بـ”سوتشي”، كما أنها تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري.

أما عسكريا فيظهر الدور الفاعل جليا، استنادا إلى الواقع الميداني المفروض من قبل قواتها والفصائل السورية التي تدعمها على طول الحدود الشمالية لسوريا.

“سياقات ولا مصالح”

وترتبط تصريحات جاويش أوغلو بثلاثة سياقات زمنية خاصة بسوريا، الأول أنها تأتي بعد أسبوع من القمة الثلاثية في طهران، والتي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي.

أما السياق الثاني فقد جاءت عقب إبداء طهران نيتها الوساطة بين أنقرة ودمشق، في مسعى لإبعاد شبح العملية العسكرية التي تهدد بتنفيذها الأولى في شمال البلاد.

وفي حين يتعلق السياق الزمني الثالث بالتطورات المتعلقة بالعملية التركية المحتملة على الأرض، تتجه الأنظار إلى قمة “سوتشي” التي ستجمع إردوغان وبوتين في الخامس من أغسطس المقبل، على أن تتناول سلسلة من القضايا المشتركة، في مقدمتها الملف السوري.

وأثار “الدعم السياسي” للنظام السوري من أجل “إخراج الإرهابيين”، كما تحدث الوزير التركي حالة من الجدل الواسعة بين أوساط السوريين المعارضين للأسد، معتقدين أن الأمر يعتبر “بداية لإعادة تطبيع العلاقات”.

لكن الباحث التركي ومدير “معهد إسطنبول للفكر”، باكير أتاجان يرى أن حديث جاويش أوغلو يأتي ردا على الادعاءات التي صدرت، خلال الأيام الماضية، بأن أنقرة تدعم “تقسيم سوريا”، وأن “لها مصالح وأطماع داخل الأراضي السورية”، لذلك هي بحاجة للعملية العسكرية الجديدة.

ويضيف أتاجان لموقع “الحرة”: “القصد من التصريح أن تركيا تدعم عدم تقسيم سوريا وأيضا الحفاظ على وحدة الشعب. لم يقصد جاويش أوغلو بقاء نظام الأسد. الدعم يختلف عن التعاون وإعادة العلاقات”.

وقبل يومين كانت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية قد نشرت تقريرا ناقشت فيه خطة تركيا في سوريا، بالتزامن مع التهديدات بعملية عسكرية بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود الشمالية للبلاد.

وأوضح التقرير أن الوضع الحالي في شمال غربي سوريا، يعكس دور تركيا “الفعّال” في رسم مستقبل المنطقة، بعدما نفذت عمليات عسكرية سابقة لدفع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعيدا عن الحدود.

كما سلّط الضوء على الأدوار التي تلعبها المؤسسات التركية في شمال سوريا، من إدارة خدمات وصحة وتعليم وغير ذلك، فيما نقل عن مسؤول تركي لم يسمه “نفيه الشديد” أن بلاده تسعى لتغيير النسيج الاجتماعي لسوريا، مؤكدا أن “العديد من الأصدقاء العرب والغربيين لم يفهموا التوجه التركي”.

“قطع طريق”

وعلى مدى الأشهر الماضية كانت الكثير من وسائل الإعلام التركية، من بينها المقربة من الحكومة قد تطرقت إلى طبيعة العلاقة الحالية بين تركيا والنظام السوري، وعما إذا كان هناك أي احتمالية لعودة العلاقات، كما حصل بين أنقرة ودول أخرى، مثل الرياض وأبو ظبي.

في أبريل الماضي تحدثت صحيفة “حرييت” عن “مناقشات” حكومية تجري للشروع في حوار مع حكومة النظام السوري، بشأن 3 موضوعات “مهمة”.

وهذه المعلومات لم يصدر حولها أي تعليق رسمي من أنقرة أو دمشق، وهما الطرفان اللذان يقفان على طرفي نقيض منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011.

ونقلت الصحيفة المقربة من الحكومة، عن مصادر لم تسمها، حينها أن “الحكومة التركية ترى أن دور أنقرة في الأشهر الأخيرة، وخاصة تجاه حل الحرب الأوكرانية وتركيز روسيا هناك قد يكون توقيتا جيدا لحل المشكلة السورية”.

وتشير المصادر إلى أن تركيا “في جميع اتصالاتها مع الإدارة السورية” تؤكد على 3 أشياء لا غنى عنها، وهي “الحفاظ على البنية الأحادية (وحدة الوطن)، ضمان أمن اللاجئين العائدين”، إضافة إلى “نشاط حزب العمال الكردستاني”.

وهذه المعلومات سبق أن تطرقت إليها وسائل إعلام تركية، خلال الأشهر الماضية، لكن ضمن سياق “التواصل الاستخباراتي” بين سوريا وتركيا الذي لم ينقطع، وأكده المسؤولون مرارا.

الباحث السياسي التركي، طه عودة أوغلو يقول إن اللافت في تصريح جاويش أوغلو الأخير أنه جاء بعد أيام أيام قليلة من القمة الثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لمسار (أستانة) حول سوريا (روسيا وتركيا وإيران).

وفي هذه القمة بدا لافتا على هامشها الزيارة التي أجراها وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد، ولقائه نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “زيارة المقداد طرحت تساؤلات حول أسباب  الموقف التركي الجديد”.

ويمكن القول إن “استياء أنقرة من مماطلة واشنطن وموسكو من دعمها في عمليتها العسكرية في سوريا هو أحد الأسباب التي دفعها للإدلاء بهذه التصريحات الجديدة، التي تأتي مغايرة للتصريحات التركية السابقة”.

وفي السابق كان الحديث ينحصر في “التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين واستبعاد تطبيع العلاقات مع النظام (سياسيا)”.

ويتابع عودة أوغلو: “يبدو أن أنقرة تريد قطع الطريق عن أي محاولات روسية للتقارب بين النظام السوري وقسد، وهذه بالمفهوم التركي ضربة لمحاولات قسد للالتفاف على الخطوات التي تقوم بها تركيا لتوجيه ضربة للتنظيم الإرهابي”، حسب تعبيره.

“نبرة مودة”

في غضون ذلك يعتبر الباحث المختص بالشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش أن تصريحات وزير خارجية تركيا “تكتسب أهمية كبيرة، كونها المرة الأولى التي تتحدث بها أنقرة صراحة بنبرة مودّة تجاه النظام السوري”.

ويعكس هذا التحول أمرين رئيسيين، حسب ما يقول الباحث لموقع “الحرة”.

ويضيف: “الأول هو الذي طرأ على موقف تركيا في الصراع السوري، نتيجة لتغيّر أولوياتها من إسقاط الأسد إلى التركيز على مخاطر المشروع الانفصالي الكردي من جهة، ونتيجة كذلك للتحوّلات التي طرأت على طبيعة الصراع في السنوات الست الأخيرة والانتصار العسكري الذي حققه الأسد وحلفاؤه”.

وهذا التحول بدأ عمليا بالظهور منذ دخول تركيا في شراكة مع روسيا وإيران في 2017 ضمن منصة أستانة.

ويوضح علوش أن الشراكة “فرضت على أنقرة تبني نهج جديد يقوم على التعاون التنافسي مع الفاعلين الرئيسيين في المشهد السوري وهما موسكو وطهران”.

“روسيا وإيران تسعيان لاستغلال حاجات تركيا الأمنية في سوريا، من أجل دفعها للانخراط في حوار سياسي مع دمشق”.

ويتابع الباحث أن التحول الثاني الذي يمكن قرائته من تصريح جاويش أوغلو يأتي على صعيد الموقف التركي في مسألة تل رفعت ومنبج.

وتمثل السيطرة على منبج وتل رفعت في ريف حلب “أولوية تركية في الوقت الراهن”.

ويشير علوش إلى أن “الأتراك يلوحون منذ فترة بعملية عسكرية جديدة، لكنّهم واجهوا معارضة روسية وإيرانية شديدة. في نهاية المطاف، لا يوجد خيار آخر سوى إبرام تسوية إذا ما أرادت الأطراف الثلاثة الحفاظ على الشراكة الثلاثية”.

“نهج جديد”

وقبل “الوساطة” التي عرضتها إيران، مؤخرا كانت روسيا قد أعلنت عن ذات الشيء في عام 2019، إلا أن العلاقات بين أنقرة ودمشق بقيت على حالها دون أي تقدم.

وعلى هامش اجتماعات “أستانة” الأخيرة دعا كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي أصغر خاجي، إلى “بذل جهود أكبر من أجل تمكين الجيش السوري من الانتشار على حدود تركيا، لمعالجة المخاوف الأمنية لدى القيادة التركية، في إطار اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدين”.

وأشار خاجي في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية إلى “ضرورة اعتماد إطار اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا، والتي تلزم دمشق بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا”.

ويوضح الباحث علوش أن “أحد الخيارات التي يطرحها الروس والإيرانيون على تركيا هو دخول النظام السوري إلى منبج وتل رفعت وإخراج المقاتلين الأكراد منهما”.

و”يُمكن أن يكون ذلك حلا وسطا لكل الأطراف، لكنّه سيكون مكسبا كبيرا للنظام”.

واعتبر الباحث أن “أنقرة يبدو أنها تميل إلى مثل هذا الخيار، وأنها تمضي قدما في نهج جديد سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة العلاقات مع دمشق، لكنّ ليس في المستقبل المنظور”.

ومع ذلك فإن “الموافقة التركية المحتملة على دخول النظام السوري إلى تل رفعت ومنبج وتمهيد الأرضية لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى سوريا. كلها خطوات من شأنها أن تُساعد في تعبيد الطريق في هذا الاتجاه”، حسب حديث الباحث.

ضياء عودة – إسطنبول

————————-

حين يعترف نظام الأسد بعمالته/ عبد القادر المنلا

في إطار الاستعدادات للعملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، يجند النظام كل أبواقه ووسائل إعلامه المحلية و”الحليفة” ليس للحديث عن العملية ذاتها، أو عن خطورتها وتأثيرها على السيادة السورية وتبعاتها المستقبلية، وإنما لتخوين السوريين ممن شاركوا في الثورة عليه من خلال تكثيف الحديث عن “العملاء”.

بداية سنكتشف أن كل أنواع الاحتلالات وكل الانتهاكات للسيادة الوطنية وكل التهديدات الإسرائيلية والتركية لا تستوقف النظام ولا تأخذ حيزاً من تفكيره، إلا في إطار التدليل على عمالة خصومه، فما يهم النظام بالدرجة الأولى هو تكثيف الحديث عن الثورة بوصفها الأداة التي دمرت سوريا واستجلبت الأجنبي.

ويبدو أن تشويه الثورة وتخوين كل من شارك فيها لا يزال الشاغل الأساسي للنظام الذي لا يزال يتعامل مع كل من طالب بإسقاطه على أنه العدو والخصم الأول والأخير رغم كل الأعداء المفترضين ورغم المؤامرة الكونية ورغم اعتداءات الدول المباشرة ولا سيما إسرائيل على الأراضي السورية.

وعلى الرغم من انتصاراته العسكرية المزعومة، فما يزال احتمال الإطاحة بالأسد قائماً، ولهذا يكرس النظام كل دفاعاته العسكرية والإعلامية لمجابهة هذا الخطر ومحاولة القضاء عليه تماماً، وعندها فقط يمكن للأبواق أن تسكت وأن تتراجع الآلة العسكرية تماماً بصرف النظر عن المآل المتوقع لسوريا، فكل ما حدث من تحولات كبرى تهدد سوريا الأرض والشعب والممتلكات والثروات لا يشغل بال النظام، الثورة وحدها هي من هدد القصر الجمهوري وشخص الرئيس، ولهذا فإن مفهوم العداء لسوريا يحصره النظام بأي خطر محتمل على رئيسه وليس بالمخاطر الكبرى التي تهدد مصير سوريا.

ما يهم النظام هو التأكيد على أن معارضته كانت الخطأ التراجيدي الذي أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه، وفتحت شهية الدول الإمبريالية كأميركا وأوروبا، وأصحاب الأحلام التوسعية الإمبراطورية كتركيا، لسرقة السيادة السورية واقتطاع أجزاء من البلد الجريح لتضمها إلى ممتلكاتها، وبالتالي فإن تصفية المعارضة والمعارضين هي الهدف الأعلى..

وكما فعل النظام عندما حمل الثورة مسؤولية الدمار الذي طال معظم المدن السورية، فهو يحملها أيضاً مسؤولية التدخل الخارجي.

هنا لا بد من ملاحظة أن النظام لا يرى حتى النصف الفارغ من كأس الحقيقة، -كما يفعل دائماً- فهو يقوم بتحليل المقدمات بشكل منطقي وواع بما تتطلبه الحالة الوطنية، ولكن عندما يصل إلى النتائج يكسر مسطرة القياس العقلي والوطني ويلجأ إلى الكذب والتلفيق وتزوير الحقائق الدامغة التي لا مجال لنكرانها، ويستبدلها بحقائقه التي يفرضها بالقوة..

لا يمكن للنظام أن ينكر أنه كان سباقاً للاستعانة بالأجنبي، ليس فقط من خلال طلب دعم سياسي أو مادي أو عسكري غير مباشر، بل من خلال التدخل العسكري المباشر والمتدرج، بدأ بحزب الله منذ بداية الثورة، والذي وضع كامل ثقله لقتال الثوار وقتل المواطنين السوريين الخارجين على النظام، ومن ثم التدخل الإيراني المباشر أيضاً بكل ما يملكه الحرس الثوري من قدرات، بالإضافة إلى عشرات الميليشيات التي جندها طائفياً لذبح السوريين، وأخيراً جاء التدخل الروسي بأسطول طيرانه العسكري وبأسلوب الأرض المحروقة ليحقق ما عجز النظام وحزب الله وإيران والميليشيات معاً على تحقيقه.

كل ذلك لا يراه النظام استعانة بالأجنبي، لا يراه خيانة وعمالة، بل يرى العميل هو من لم يجد ملاذاً إلا تركيا التي لم تقدم أصلاً دعماً حقيقياً على الأرض إلا بما يتناسب مع مصالحها، لم تقاتل تركيا ضد النظام كما فعل حزب الله وإيران روسيا، ولم تضرب مناطق الموالاة على سبيل المثال، وبالتالي لا يمكن اعتبار التدخل التركي تدخلاً بالمقارنة مع تدخلات الدول التي جلبها النظام، ومع ذلك يصر الأخير على التعامل مع تركيا على أنها دولة احتلال ومع روسيا وإيران على أنهما حليفان وداعمان ومنقذان لسوريا، وبالتالي فهو يحصر حق التحالف بنفسه، ويرفض حق الآخرين بالتحالف مع دولة أخرى رغم أن الفارق كبير بين شكلي التحالف.

يفرق النظام في هذا السياق بين التدخل الشرعي، أي ذلك الذي كان بطلب من الحكومة “الشرعية”، والتدخل غير الشرعي الذي جاء بطلب من المعارضة، وهو أمر يدين النظام بحد ذاته، من حيث احتكاره الشرعية بالقوة في الوقت الذي فقد فيه الشرعية وتحول إلى ميليشيا أكثر تطرفاً وإرهاباً وخيانة للسوريين من كل الميليشيات الأخرى، لأنه احتكر سلاح الدولة، ودعمَ الدول الحليفة، واحتكر الإعلام والاقتصاد ووضع المواطنين رهينة تحت تهديد سلاحه.

يراكم النظام في كل أزمة تعترضه دلائل إدانته بنفسه، ولكنه يحاول أن يستخدم أدلة إدانته ضد خصومه، وما يروجه اليوم عن العملية العسكرية التركية المرتقبة ما هو إلا جزء من تخريجاته الروتينية التي تهدف للتملص من الاستحقاق الأساسي في الدفاع عن السيادة وتبرير قتل السوريين بذريعة العمالة.

يحدد إعلام النظام هوية العملاء: فالأكراد عملاء لأميركا، والجيش الوطني عميل لتركيا، وتحرير الشام فصيل عميل لإسرائيل، ولقطر وللسعودية، وهؤلاء جميعاً عملاء لأميركا وإسرائيل، وإسرائيل عميلة الإمبريالية العالمية، وعندما يريد أن يرد على الدول لا يفعل شيئاً إلا بقصف المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته تحت ذريعة ضرب العملاء، لأنه يحدد مفهوم العمالة بكل من عارضه من السوريين، أما الدول التي لم تتحالف معه ولم تؤازره في قتل السوريين فهي دول إمبريالية متآمرة، متخلفة حاقدة ودكتاتورية ولا داعي لمواجهتها..

اللافت في هذا السياق أن النظام يعتمد في تخوين خصومه على ذات الأسس التي يبرئ نفسه من خلالها غير أنه يحول عمالته إلى عمل وطني بحت وفعل بطولي، ومن أجل ذلك فما عليه إلا أن يلعب بالمصطلحات فيحول التبعية والعمالة إلى صداقة، والتعامل مع جهات خارجية إلى تحالف.

كما يميع النظام مفهوم الدولة، ومفهوم الشرعية ولا يطبق على نفسه ذات المعايير التي يطبقها على خصومه، ولا على الدول الأخرى التي تحتاج إلى تحالفات حقيقية بحكم تعرضها للحرب، ففي أوكرانيا يتدخل بوتين دون طلب من الحكومة الشرعية، بل يتدخل بهدف إسقاط الحكومة الشرعية، فتصبح استعانة الحكومة الأوكرانية الشرعية بحلفائها خيانة في عرف النظام، ما يحلله النظام على نفسه يحرمه على غيره، مما يجعله منفلتاً من أي معيار منطقي أو أخلاقي أو وطني أو إنساني..

كل ما تفعله الآلة الإعلامية لنظام الأسد يدل على أن الأخير لا يخاف إلا من السوريين، فالأسد ونظامه يقدمان كل التنازلات للقوى المحلية والإقليمية والدولية، وللميليشيات الأجنبية، ولكنهما لا يقدمان تنازلاً واحداً لسوريا وشعبها وإن تطلب ذلك حرق سوريا بما فيها ومن فيها.

كل من يعمل لصالح أجندة دولة أخرى هو بالتأكيد عميل ومرتزق، وبهذا المقياس يبدو النظام الأكثر عمالة وارتزاقاً وإجراماً من بين كل الميليشيات المنتشرة على الأرض السورية، وخطابه الإعلامي يدينه أولاً ويعد بمنزلة الاعتراف غير المقصود بتلك العمالة التي لا يمكن إنكاره

—————————-

ألم يأن لنا أن نصحو؟!/ المحامي عبد الناصر حوشان

جاء في تصريح وزير الخارجية التركي، السيد مولود جاويش أوغلو، ما يلي: سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل ” النظام السوري” في إخراج الإرهابيين من المنطقة، إذ من حقه الطبيعي أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين.

وقد أثار هذا التصريح موجة من الغضب والدهشة لدى جمهور الثورة السوريّة، ورغم اختلاف وتباين المواقف منه إلّا أنه يعتبر تحوّل مُلفت في الخِطاب السياسي التركي حيال النظام السوري، وعبّرت المعارضة الرسمية السورية عن ذلك، وكذلك من المجلس الإسلامي الذي أوعز للخطباء و الأئمة بأن يكون موضوع خطبة الجمعة: “لا إرهاب يفوق إرهاب عصابة الأسد” وأكّد على أن أكبر إرهاب في سوريّة هو ما تمارسه عصابات الأسد الطائفيّة الحاكمة وأنها عدوّ للشعب والأمة هي وأذرعها من الأحزاب الانفصاليّة PKK , PYd” ، والميليشيات الطائفيّة.

إن هذا التصريح من وجهة نظر سياسيّة بحتّة هو حركة سياسيّة تركيّة تأتي في إطار صراعها مع كل من النظام وروسيا وإيران من جهة، ومع الولايات المتحدّة وفرنسا وعدد من الدول الأوروبيّة الداعمة لمشروع الحكم الذاتي الإنفصالي، فالنظام وحلفاؤه يتعاملون مع هؤلاء على أنهم قوات رديفة أوكِلت لهم مهمّة محددة وهي ما تقوم به منذ سنوات من قمع الشعب السوري الذي يعيش في مناطق سيطرتها وخاصّة المكون الكردي والعشائر العربيّة هناك، إضافة لذلك فهي رأس حربة النظام وحلفائه ضد الثورة و تركيا، أما الأمريكان و الدول الأوروبية فهم يرون في الإدارة الذاتية مثالًا ناجحاً من الإدارة الفيدراليّة يمكن البناء عليه في وضع تصوّر دولي للحل في سوريّة يقوم على “الفيدارليّة السياسيّة” وهي التعبير السياسي المهذّب عن التقسيم.

إذاً هناك صراع مصالح مباشر بين هذه الأطراف التي تعمل على إدارته بعيداً عن المواجهة العسكريّة المباشرة بين جيوشها على اعتبار أن أية مواجهة مباشرة ستؤدي إلى حرب إقليمية قد تمتد إلى أماكن أخرى من المنطقة، وتركيا مرّت بتجربة مخزيّة مع حلفائها في حلف الناتو حينما أسقطت الطائرة الروسيّة بواسطة الدفاعات الجوية التركيّة والتي على اثرها قام حلف الناتو بسحب بطاريّات الباتريوت من تركيا وتركها وحيدة في مواجهة روسيا ، الأمر الذي كان نقطة التحوّل الجذري في السياسة التركيّة حيال الملف السوريّ، وحيال علاقتها مع دول الإتحاد الأوروبي التي ما تزال تتسم بالتوتر بسبب دعم الأحزاب الإنفصاليّة الكرديّة وكان آخرها موضوع انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو ورفض تركيّا دخولهما بسبب دعمهما لتلك الأحزاب التي انتهت بتوقيع إتفاقيّات تتضمن وقف الدعم عنها وإدراجها على قوائم الإرهاب تسليم المطلوبين.

هذه الشبكة المُعقّدة من العلاقات تجعل الأمور عصيّة على الفهم لدى البعض خاصة العلاقة بين الحلفاء في الناتو، إذ من المفترض أن الولايات المتحدة وأوروبا تقف إلى جانب حليفها التركي والشعب السوري في مواجهة النظام وحلفائه ومرتزقته، ومنها الأحزاب الانفصاليّة” PKK، PYd ” والتي تعتبر الخطر الأكبر على الأمن القومي التركي والذي من المفترض أنه جزء من الأمن القومي الأوروبي عملا بميثاق حلف الناتو، لتقوم بدعمهم وحمايتهم ومنع تركيا من القيام بأي عمل عسكري ضدّهم.

لذلك ومن خلال تصريح معالي الوزير أصبح علينا جميعاً أن نضع النقاط على الحروف، وأن تُحرّر المفاهيم والمصطلحات، والبناء على الحقيقة وليس على الوهم الذي كان سبباً رئيسيّاً من أسباب انتكاساتنا النفسيّة والثوريّة، وكذلك الخلط بين المفاهيم وأهمها مفهومي “الثورة والصراع الدولي” وبين الحليف والصديق، وبين الظهير والعضيد، وبين الراعي والضامن، وبين الإستسلام والواقعيّة السياسيّة وعليه:

    فإنّ كل من يعوّل على الخلاص من الأسد على يد دولة أجنبيّة بما فيها الولايات المتحدّة وأوروبا فهو واهم.

    وأنّ كل من يعوّل على أن المفاوضات ستحقق الإنتقال السياسي ورحيل الأسد فهو إما مُخادع أو مخدوع.

    وأنّ كل من لم يستطع التمييز بين الثورة والصراع الدولي لابُدّ أنه سيذهب فرق حساب في هذا الصراع، فالثورة شيء وما يجري في سوريّة بعد عام 2013 شيء آخر حيث أصبحت ” الثورة ” على هامش الصراع الدولي في سوريّة.

    وأنّ النظام بنظر الأمم المتحدّة جزء أساسي من إدارة الصراع في سوريّة ولا يمكن لأي دولة أن تستبعده أو تتجاهله فيما يخص الملف السوري فهو شريك كل الدول التي تدخّلت عسكريّاً في سوريّة بحجة “محاربة الإرهاب” التي تحكمها عدة صكوك دوليّة سُمّيت “الاستراتيجية الدوليّة لمكافحة الإرهاب”.

    وأنّ التعويل على تركيا في إسقاط النظام عسكريّاً أو الدخول بحرب مباشرة معه أمر مستحيل لأن تركيا مرهونة بقرار حلف الناتو وبالتالي بالقرار الأمريكي فيما يخصّ قرار السلم والحرب، كما أنها مرهونة بقرارات مجلس الامن الدولي والجمعيّة العامة للأمم المتحدّة التي حظرت على الجميع اللجوء إلى الحلّ العسكريّ في سوريّة، ومع دخول

الفصائل في المفاوضات انسحب الأمر عليها وسريان قرار حظر الحلّ العسكريّ عليها ومن المفترض أيضا أنه يسري على النظام المجرم.

    أن المجتمع الدولي حصر الحلّ في سوريّة بالحلّ السياسي وهو يُعبّر عن الإرادة الدوليّة ومن هنا تأتي إلزاميّته لجميع دول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنها الولايات المتحدة وتركيا بما فيهم “أصدقاء الشعب السوري” لذا لن يعملوا على إسقاط النظام لا عسكريّا ولا سياسيّاً وإنما سيتركونه لمصيره هو والمعارضة فإن غلبته في المفاوضات دعموها وإن غلبها دعموه باعتبار أنهم ملتزمون بمبدأ “الحلّ سوري سوري” و تأتي اجتماعات أستانا وسوتشي وغيرها من الاجتماعات والمؤتمرات الثنائية أو الجماعيّة تأتي في سياق رعاية الأمم المتحدّة للحل السياسي في سوريّة إذ أن مخرجات هذه الاجتماعات و المؤتمرات كانت بحضور ومشاركة الأمم المتحدّة و اعتبار هذه المخرجات جزء من آليات تنفيذ الحلّ السياسي ، ومنها أتى مفهوم “الدول الضامِنة” وهو امتداد للرعاية الدوليّة للحلّ وهو أقرب إلى التفويض الدولي لكل من ” روسيا وتركيا وإيران ” لرعاية ومراقبة تنفيذ الأطراف المتفاوضة للالتزامات التعاقدّية الناجمة عن التفاهمات والإتفاقيّات في مؤتمر أستانا وسوتشي.

وحيث أن العداوات بين الدول لا تدوم ولا الصداقات لأنها تُبنى على المصالح، ولكن تبقى العلاقات الدبلوماسيّة هي طريق التعبير عنها، ولا تتطوّر إلى مواجهة عسكريّة ألّا في حالة واحدة وهي التهديد الجديّ والمباشر للأمن القومي.

وعليه وحتى يمكننا البناء على تصريح معالي وزير الخارجيّة وردّات الفعل الثوريّة عليها و الإستفادة منها بالعمل على تأطيرها و تنظيمها لتكون “صحوة ثوريّة” حقيقيّة تعيد الثورة و ثوابتها د، وتنفض عنها ما علق بها من شوائب، ومغالطات وأن نُحصِّن الوعي العام للحاضنة الثوريّة ، و أن نعلم و نوقن بأن الثورة حقّ مشروع ، ولنا استخدام كل الوسائل المشروعة في تحقيق أهدافها أو في الدفاع عنها ، وأن التفاهمات والاتفاقيّات التي قيّدت قوى الثورة هي التزامات متبادلة، يتحمّل الطرف الناكِل مسؤوليّة هذا النكول سواءً كانت مسؤوليّة قانونيّة أو أخلاقيّة، ولم يعد خافياً على أحد ما تقوم به روسيا وايران و النظام من نسف للقرارات الدوليّة ونسف كل التفاهمات والاتفاقيّات ذات الصلة بالملف السوري ، الأمر الذي يجعل قوى الثورة في حِلٍّ من أية التزامات سواء كانت ناتجة عن الإلتزام بالقرارات الدوليّة أو الناتجة عن التفاهمات الإقليميّة ، وينسحب هذا الحِل على الحكومة التركيّة ، وبالتالي لن تخسر الثورة أكثر مما خسرت ويبقى الإمتحان الحقيقي للجميع بما فيهم الأمم المتحدة لإظهار المواقف الحقيقيّة اتجاه الشعب السوري ، وليعلم الجميع بأنه لن يترتب على الثوّار أية مسؤوليّة قانونيّة عن إعلان الحِل من الإتفاقيّات والتفاهمات سوى احتمال رفع الغطاءالسياسي من بعض الدول التي لن تغامر به لأنه ليس من مصلحتها عودة الثورة من جديد أو خسارة قوى الثورة كقوة ضاربة ضد النظام وحلفائه من المؤكّد أن تركيّا لن تُفرّط بالثورة، وأن قوة الثورة من قوة الموقف التركي وضعفها من ضعفه ، وأن قوة موقف الثورة مكسب لنا ولأصدقائنا وحلفائنا جميعاً فلنرفع صوتنا عالياُ بقوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ سورة الحديد، الآية (16)

رسالة بوست

———————

أُكلنا يوم اُكل الثورُ الأحمر!/ د. محمود الحمزة

هل فاجأنا تصريح وزير الخارجية التركي تشاويش مولود أوغلو الذي لمح الى امكانية عقد صفقة مع نظام الاسد بوساطة ايرانية وربما روسية.

التصريح:

“الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”. وأضاف أن بلاده أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة. وتابع: “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”. وأردف: “من الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”.

التعليق:

الموقف التركي من القضية السورية في بداية الثورة وصل الى ذروته من خلال التصريحات النارية بان تركيا لن تسمح بقتل مزيد من السوريين ولم تسمح بتكرار مجزرة حماة. ولكن الموقف سار باتجاه العد التنازلي والتراجع ولذلك اسبابه الكثيرة (محاولة انقلاب فاشلة في تموز 2016 وتاثير مدمر على الاقتصاد التركي وتصعيد كبير مع اوروبا وامريكا ومشاكل اخرى) والتي وراءها دول كبرى واقليمية هددت النظام السياسي في تركيا واجبرته للتوجه الى روسيا بحثا عن أمنه القومي مقابل قوات قسد الانفصالية المدعومة من نظام الاسد وإيران وامريكا وروسيا

كلهم ساهموا في خلق مشكلة أمن قومي لتركيا لإبعادها عن الموقف الداعم بقوة للثورة السورية مثلما خلقوا مشاكل لدول الخليج من حرب في اليمن وحصار لدولة قطر ادت لإبعاد دول الخليج عن دعم الثورة السورية. وهكذا اتجهت تركيا الى روسيا وبدأت تتعاون في الملف السوري وفي كافة المجالات الاخرى وانخرطت تركيا بمفاوضات استانا سيئة الصيت من بداية 2017 وحققت روسيا وإيران والنظام الاسدي مكاسب كبرى من خلالها وخاصة السيطرة على حلب نهاية 2016 مناطق خفض التصعيد وارجاع اراضي كبيرة الى هيمنة الاسد.

مع ان السوريين لا ينسون دور تركيا في المجال الانساني من استقبال السوريين سواء في المخيمات او في المجتمع التركي حيث يمارسون نشاطات اقتصادية ويتعلمون ويعملون في ظروف كانت مقبولة جدا ولكنها بدأت تسوء في السنوات الاخيرة نتيجة محاربة اللاجئين وممارسة تمييز عنصري ضدهم وخاصة بسبب الصراعات السياسية داخل تركيا والدعاية المعادية من قبل المعارضة التركية ضد قيادة الرئيس أروغان ومعه الثورة السورية ومناداتهم بالعودة الى العلاقات مع الاسد المجرم.

واليوم يعلن وزير الخارجية التركي تشاويش مولود اوغلو موقفا خطيرا جدا قد يكون بداية لتطبيع مع نظام الاسد مقابل وعود وهمية بالتخلص من خطر الميليشيات الارهابية لقسد وحزب العمال الكردستاني.

والسؤال هنا كيف يثق الاتراك بان نظام الاسد الذي يمارس ارهاب الدولة وهو الذي اوجد وحدات الحماية الشعبية الكردية ودعمها بالسلاح ومعه ايران والامريكان يستخدمون قسد كقوة مأجورة وكلهم صنعوا قسد. واليوم تعود تركيا الى المربع الاول بقبولها اعطاء دور للنظام في حل مشكلة الارهاب شمال شرقي سوريا. وهذا أمر عجيب فالذي خلق الارهاب وهو بؤرة الارهاب كيف له ان يضمن حماية تركيا من الارهاب!!!!!

نتمنى من الاخوة في تركيا أن ينتبهوا من عصابة الارهاب وأكبر مركز لتجارة المخدرات في المنطقة نظام الاسد الذي قتل وهجر الملايين ودمر البلاد فهل يمكن له ان يكون ضامنا مع نظام الملالي الارهابي على حفظ امن تركيا؟

إنه سؤال برسم الساسة الاتراك!

إن ما يجري وقد يجري في الفترة القريبة القادمة مؤشر كبير يجب ان يدركها السوريون ويقتنعون أكثر بأن الاعتماد على الذات هو الملجأ الأخير والعودة للسوريين الأحرار لإنقاذ سوريا ومستقبلها من مرحلة استبداد وقمع وعنف تحت حكم الشبيحة لعقود طويلة. ولكن على القوى الوطنية والثورية السورية المدنية والمسلحة في شمال وغرب سوريا وفي الخارج ان يرفعوا صوتهم عاليا ضد اي تطبيع او قبول لنظام الاسد المجرم الارهابي.

على الوطنيين والاحرار السوريين اينما كانوا ان يرفعوا صوتهم ويجمعوا قواهم وخاصة في المناطق التي تسمى محررة فهناك فصائل مسلحة ومجتمع مدني يجب ان يقوم بدوره في الضغط على الحكومة التركية لكي تتوقف عن اي خطوة نحو التطبيع مع النظام الذي يمثل خطرا ليس فقط على الشعب السوري بل على المنطقة وفي مقدمتها تركيا ودول الجوار والدول العربية وعلى الامن والاستقرار في العالم.

——————————

قمة جديدة بين تركيا وروسيا في سوتشي.. ماذا ستبحث؟/ رامز الحمصي

بعد أيام من انعقاد قمة طهران الثلاثية التي جمعت كل من رئيس إيران، إبراهيم رئيسي، ونظرائه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، حيث بحثوا فيما بينهم الملف السوري بشكل رئيسي إضافة إلى ملفات مشتركة أخرى. تنتظر مدينة سوتشي الروسية، انعقاد قمة جديدة؛ ثنائية هذه المرة، تجمع الرئيسين التركي والروسي، في الخامس من شهر آب/أغسطس المقبل.

القمة الثنائية، تأتي في وقت حساس سواء في ظل وجود عدة نقاط خلافية بين الطرفين داخل الملف السوري، أو في التطورات المتوقع أن تشهدها أروقة الملف السوري، وذلك بعد تهديدات تركية بشن عملية عسكرية في مناطق من الشمال السوري قابله رفض روسي، وتصعيد عسكري وسياسي روسي، بدأ في استهداف مناطق من محافظة إدلب، قبل أن يتم تأجيل الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية السورية، إلى موعد غير محدد بعد شروط روسية اعتبرها مراقبون بأنها تهدف لنسف هذا المسار.

تسوية خلاف طهران

في السنوات السابقة، لم تحظَ قمة بين بوتين وأردوغان ورئيسي بالاهتمام الذي حظيت به القمة السابقة في طهران، فالقمة السابعة في مسار “أستانا” كانت الأولى بين الرؤساء الثلاثة منذ بداية جائحة “كورونا”، وأول زيارة للرئيس الروسي خارج المنطقة منذ بداية غزو قوات بلاده لأوكرانيا.

عودة انعقاد قمّة جديدة بين بوتين وأردوغان بعد أقل من شهر على لقاء لهما، يقرأه المحلل والسياسي الروسي، أليكاس موخين، كدليل على وجود خلاف عميق لم يُسوّى في القمة السابقة بطهران، ويبدو أن خلاف طهران وأنقرة، هو لب القضية، كون القمة القادمة لم تدع إليها إيران.

وبحسب حديث موخين لـ”الحل نت”، فإن أردوغان خرج خالي الوفاض من القمة السابقة، والتي كان يأمل فيها الحصول على ضوء أخضر للعملية العسكرية في سوريا، والتي كان يروّج لها منذ شهر أيار/مايو الفائت، فالصدام كان واضحا مع طهران بشكل أكبر من روسيا.

ووفقا لتحليل موخين، للموقف بعد القمة الثلاثية في طهران، فإن أردوغان حصل على رسالة واضحة بأن موسكو وطهران وثقا تحالفهما ضده، خصوصا بعد الاتفاق العسكري الذي حصل بين الطرفين، ودخول إيران العسكري في الحرب بأوكرانيا، التي تقف فيها تركيا ضد روسيا، ولذا فإن ذهابه إلى موسكو هو لمحاولة تسوية الخلاف.

مصير عملية تركيا في سوريا

بحسب السفير الروسي لدى أنقرة، أليكسي ييرخوف، سيناقش الزعيمان خلال قمة سوتشي المرتقبة ملفات عدة بشكل أوسع، قياسا بقمة طهران، مشيرا إلى أن الوضع في سوريا، سيكون ضمن أجندة اللقاء.

خلال قمة طهران، أكدت أنقرة مجددا على حقها في “مكافحة الإرهاب” وأن العمليات العسكرية في شمال سوريا لا تزال على جدول أعمالها، وفقا لتصريحات قادة الدول الثلاث قبل وبعد الاجتماع قال أردوغان، في رسالة نصية “سنستأنف قريبا نضالنا ضد الجماعات الإرهابية”.

غير أنه في سياق سياسي، يرى موخين، أن موسكو وطهران أكدتا مجددا الحاجة إلى تهدئة المخاوف الأمنية لتركيا، وشدد بوتين على “ضرورة إعادة كل الأراضي إلى السيادة السورية، بينما حذر رئيسي، من وجود أعمال تتعارض مع السيادة السورية، وأن العملية التركية ستؤثر على تركيا وسوريا والمنطقة، وهذا بدوره يعد “تحذيرا أو تهديدا من طهران إلى أنقرة”، وفقا لحديث موخين.

ونتيجة لهذا فإن البيان الختامي، مثله في ذلك كمثل سابقيه، كان غامضا وتضمن عناصر ربما تستخدم لدعم قصة كل بلد بشكل مستقل. ولكن المتفق عليه طبقا لحديث موخين، أن تركيا لم تنجح في إقناع شريكيها بدعم العملية العسكرية المخطط لها فيما يتعلق بالملف الأكثر أهمية وهو سوريا، على الرغم من أنهما أظهرا فهما لمتطلبات أمنها القومي ورغبة واضحة في سد الفجوة فيما يتعلق في “المنطقة الآمنة” التي تروّج لها.

وعليه، يعتقد موخين، أن نتائج القمة ستنحصر بالإعلان عن اتفاق ثنائي لتصدير الحبوب من أوكرانيا، وتجديد التعاون العسكري والتقني بين البلدين، لمنع صدام عسكري للبلدان الثلاثة في أوكرانيا، خصوصا بعد دخول طهران على خط الحرب هناك.

قمة مفصلية

المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أعلن يوم الثلاثاء الفائت، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيلتقي نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في قمة ثنائية بمنتجع سوتشي يوم الـ 5 من شهر آب/أغسطس المقبل، حيث يعقدان جلسة مباحثات.

وأعلن بيسكوف، أمس الأربعاء، أن الكرملين لا يستبعد أن تناقش روسيا وتركيا خلال لقاء سوتشي التعاون العسكري التقني وتنفيذ “صفقة الغذاء”، مضيفا أن “الوضع في سورية وأوكرانيا والبحر الأسود” سيكون ضمن الموضوعات الرئيسية خلال هذه القمة.

من جانبها، ذكرت صحيفة “ملييت” التركية، أن الرئيسان سيناقشان خلال قمة سوتشي موضوعات مكافحة “الإرهاب” في سوريا، إلى جانب العملية العسكرية التركية شمالي البلاد، ضد “وحدات حماية الشعب” و” قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي ستكون على رأس جدول الأعمال.

وتهدد أنقرة، بأن عمليتها العسكرية سوف تنطلق “في أي وقت”، حسبما ورد على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أمس الأربعاء.

من جانبه، ذكر وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، أمس الأربعاء، أن مركز تنسيق الحبوب في مدينة إسطنبول بدأ عمله، من أجل تأمين نقل الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود. وبحسب آكار، فإن مدة الاتفاقية 120 يوما فقط، وستبقى حيز التنفيذ طالما لم يطالب أحد الأطراف بإنهائها، ومن المقرر نقل 25 مليون طنا من الحبوب العالقة بموجب تلك الاتفاقية.

إلا أن الملف الأبرز، هو ما ذكره موقع “سي إن إن” الناطق بالتركية، حول أن بوتين، عرض على نظيره التركي، إنشاء مصنع لإنتاج طائرات بدون طيار في روسيا، من قبل شركة “بايكار ماكينا” التركية.

الجدير ذكره، أن القمة الثلاثية التي عُقدت في طهران، في التاسع عشر من الشهر الحالي لم تتمكن من إزالة الخلافات بين الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، على الرغم من أن البيان الختامي الذي جاء روتينيا، في محاولة لإظهار اتفاق الدول، في الوقت الذي حملت المباحثات خلافات تبدو عميقة بينها، وخاصة في الملف السوري.

ففي سوريا، تحاول كل من هذه الدول تحقيق مصالحها بالتنسيق مع الدول الأخرى، إلا أن بعض القضايا في الملف السوري تشكل نقاطا خلافيا لا يبدو أنه سيتم التوصل إلى حلها بسهولة، مع تعقيدات بالغة في بعضها الآخر، وخاصة الاستهداف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا.

الحل نت

———————–

زيارة بايدن إلى المنطقة: إيران المرتاحة، وتركيا المتضررة/ إياد الجعفري

لماذا انقلب الموقف الإيراني، خلال ثلاثة أسابيع فقط، من تفهم لضرورات العملية العسكرية التركية من الناحية الأمنية، وفق تصريحات وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان في أنقرة، إلى اعتبارها تهديداً للمنطقة بأكملها، وفق تصريحات المرشد، علي خامنئي، في طهران، قبل أيام؟

ولماذا تظافرت مواقف أطراف متصارعة، الأمريكي – الإسرائيلي من جهة، والإيراني – الروسي من جهة أخرى، ضد المسعى التركي للتوسع المحدود في شمال سوريا؟ الجواب أن الأطراف الأربعة، على اختلاف أجنداتها، تراهن على ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية – قسد”، ولا تريد لها أن ترتمي في “أحضان” المحور الآخر. ورغم ذلك، تبدو الحصيلة الأولية للتلويح التركي بعمل عسكري في شمال سوريا، لصالح المحور الإيراني – الروسي. ويبدو الفشل الأمريكي في المنطقة، إلى تفاقم.

إذ جاء “التصعيد” والتمترس الإيراني – الروسي، الذي يستهدف إجهاض العملية العسكرية التركية التي كانت مزمعة، في شمال سوريا، كنتيجة من نتائج زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط، أكثر مما هي نتيجة لقمة طهران.

فإيران تبدو مرتاحةً أكثر، وتركّز على تهديدات ثانوية تطال نفوذها، من قبيل تمدد محدود للنفوذ الميداني التركي على الرقعة السورية، وتسعى لتحقيق أهداف عَرَضية، من قبيل الحصول على مطار “منغ”، والحلول محل ميليشيا “قسد”، في بعض الجيوب الصغيرة.

قبل ثلاثة أسابيع، كانت إيران في حالٍ مختلفة تماماً. تترقب زيارة بايدن إلى المنطقة، وتحاول جذب تركيا بعيداً عن أي اصطفافات إقليمية مع الأمريكيين والإسرائيليين، إلى درجة أنها أبدت، على لسان وزير خارجيتها، تفهمها لضرورات العملية العسكرية في شمال سوريا، بالنسبة للأمن التركي. لكن زيارة بايدن مرت “برداً وسلاماً” على إيران. فلم يُولد “ناتو شرق أوسطي”، ولم يتحقق أي اختراق نوعي في العلاقة مع السعودية، فيما ذهبت الإمارات أبعد عن واشنطن، مؤكدةً أنها لا تريد التورط في تحالف ضد إيران، مشيرة إلى عزمها إرسال سفير لبلادها، إلى طهران.

واقتصرت زيارة بايدن على تأكيدات نظرية على “أمن إسرائيل”، وتأكيدات نظرية أخرى تخص بقاء النفوذ والدور الأمريكي في الشرق الأوسط، كغطاءٍ أمني للحلفاء في الخليج، الذين لا يبدو أنهم اقتنعوا بها. في المقابل، عقد الحليفان الروسي – الإيراني، قمة مضادة في طهران، عبّرت عن تعزيز تحالفٍ متصاعد بين الطرفين، تظهر إحدى ترجماته في شمال سوريا، هذه الأيام، إذ ينسق الحليفان ضد من يُفترض أنه شريك ثالث لهما، حضر القمة، لكنه خرج بنتائج مُخيّبة. فتركيا، التي حاولت وضع قدم هنا، وأخرى هناك، بين الأمريكيين، وبين الحليف الإيراني – الروسي، حصدت معارضة من جميع هذه الأطراف، لعمليتها العسكرية المزمعة، حتى من جانب الإسرائيليين، الذين كانوا قبل أسابيع يعملون جاهدين على تعزيز علاقاتهم مع أنقرة. وهكذا يبدو جلياً، أنّ هناك إجماعاً من جميع الأطراف الفاعلة بسوريا، باستثناء تركيا، على إبقاء خطوط التماس كما هي.

وفيما تحوم شكوك أكبر حول عزم أنقرة الذهاب قُدماً في عمليتها العسكرية المُعلن عنها منذ نحو شهرين، تبدو طهران أكبر الرابحين من التهديدات التركية، إذ حصلت على تنازلات ميدانية، وإن كانت محدودة، من جانب “قسد”، لصالحها. وقد تؤول بعض المكاسب لصالح نظام الأسد، أيضاً، وفق اتفاق لم تتضح معالمه، أعلن عنه القيادي في الميليشيا، مظلوم عبدي، قبل أيام. كما حصدت موسكو مزيداً من الارتماء “الكردي” في “حضنها”. في الوقت ذاته الذي تكون فيه واشنطن قد حققت هدفها بمنع العملية التركية، دون أي جهود، لكنها خسرت المزيد من نفوذها المعنوي على “قسد”، وأشعرت قادة هذه الأخيرة بالمزيد من الحاجة لإيران وروسيا.

—————————-

===================

تحديث 07 آب 2022

—————————

قمة سوتشي..لقاء الضرورة وربما الفرصة الأخيرة/ العقيد عبد الجبار العكيدي

لعله من غير المعتاد ان تتعاقب قمتان رئاسيتان بين تركيا وروسيا يفصل بينهما أقل من 3 أسابيع. وإن كانت قمة طهران التي انعقدت في 19 تموز/يوليو، والتي جمعت رؤساء الدول الثلاث الراعية لمسار استانة، يمكن إدراجها في سياق اللقاءات ذات الطابع الدوري، الا أن هذا الطابع لا يمكن إسقاطه على القمة التي سيعقدها الرئيس رجب طيب أردوغان الجمعة، مع الرئيس فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي.

ولعل هذا ما يستدعي الوقوف بجدية عند صحة مجمل الاستنتاجات التي أعقبت قمة طهران والتي تذهب الى خواء اللقاء الرئاسي الثلاثي من أي توافقات سياسية توجبها مصالح الأطراف الثلاثة، إذ عاد كل زعيم الى بلده دون الحصول على ما يريده من الطرفين الآخرين، ولعل علامات هذا الخلاف لم تتأخر تجلياتها، إذ كانت أبرز تلك التجليات مجزرة بلدة الجديدة التي ارتكبها الروس في ريف جسر الشغور في 22 تموز، أي بعد القمة بثلاثة أيام فقط، أودت بحياة سبعة مواطنين سوريين أربعة منهم أطفال، ثم تلا ذلك تصعيد عسكري روسي استهدف منطقة جبل الزاوية والعديد من بلدات ريف إدلب، وذلك دون أن تظهر ردة فعل من الجانب التركي أو فصائل الجيش الوطني توازي  بجديتها فظاعة العدوان الروسي، في موازاة ذلك شهدنا خفوتاً في وتيرة الخطاب التركي عن العملية العسكرية المرتقبة تجاه بلدتي منبج وتل رفعت.

لعلنا لا نحتاج إلى التأكيد على أن مبدأ تبادل المصالح كان الناظم الأساسي لمحور استانة الثلاثي طيلة ما يزيد على خمسة أعوام خلت، ولم تعد تلك المصالح محصورة بالشأن السوري فحسب، بل ربما امتدت الى حيث تقتضي الحاجة أو الضرورة، كما يمكن التأكيد من جهة أخرى على أن عملية تبادل المصالح التي غالباً ما كانت تُترجم إلى صفقات متبادلة على أرض الواقع، إنما تستند في جوهرها على مقدار ما يحوز كل طرف من أوراق القوة ، وعلى ضوء هذه الثوابت يمكن التساؤل: ما الذي تريده تركيا من روسيا، وما الذي بيدها من أوراق القوة الداعمة لمطلبها؟

لعله من البدهي القول إن العلاقة الروسية التركية بعد 24 شباط/فبراير، موعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ليست كما قبلها.ولإن كان بوتين يحرص فيما سبق على إبداء القوة والعنفوان باعتباره القابض المتفرد على الشأن السوري، الا أن حربه على أوكرانيا ومواجهة الغرب الأميركي-الأوروبي جديرة بأن تنزع عنه بعضاً من صلفه وجبروته لتجعله أكثر عوزاً وحاجة لتركيا، التي يحرص بوتين نفسه على الا تذهب بعيداً عنه تجاه الغرب، بل ربما يجد بوتين أن أنقرة باتت بمثابة رئة سياسية واقتصادية ينبغي أن تبقى مشرعة أمام موسكو، وبطبيعة الحال فإن تركيا تدرك ذلك وهي بدورها ترى أنه حان الأوان لتأخذ ما تريد دون أن تخضع لمبدأ الصفقات الذي فرضه بوتين بقوة فيما مضى.

هذا يدعونا للرجوع الى قمة طهران من أجل التأكيد على أن روسيا اشترطت أن يكون ثمن العملية العسكرية تجاه تل رفعت ومنبج هو سيطرة النظام وحلفائه على جبل الزاوية ومن ثم إحكام السيطرة على طريق “إم-4” بالكامل، الا أن الحسابات التركية أوجبت الرفض القاطع نظراً للتداعيات الخطيرة التي سيتركها نزوح عشرات الآلاف من الجنوب إدلب باتجاه الحدود التركية، فضلاً عن حصار قد يحكمه النظام على إدلب المدينة.

اليوم ومع تناقص الوقت الفاصل عن العملية الانتخابية التركية صيف العام القادم تبدو حاجة أنقرة شديدة لتنفيذ العملية العسكرية، وخاصة أن الفيتو الأميركي حيال العملية المرتقبة يبدو أكثر رخاوةً عما كان من ذي قبل، فلا بد إذاً من استثمار كافة الجهود الدبلوماسية مع موسكو ولو استدعى الأمر لقاءً رئاسياً كما سيحصل اليوم، ومما لا شك فيه أنه سوف تحضر كل القضايا المشتركة في هذه القمة، ولن يدخر كلا الطرفين أن يحشد كل أوراقه ، فهي فرصة أمام بوتين لكي يأمن أن أنقرة لن تقف حيث يقف الأعداء الغربيون، فهل سينجح الطرفان في تطويع مبدأ الصفقات ليكون خادماً لمصلحة كليهما؟

وفي هذا السياق تبدو أمامنا ثلاثة سيناريوهات لنتائج هذه القمة كل منها يحمل جانبا من المشروعية.

السيناريو الأول، استمرار صانع القرار التركي بتكثيف الضغط على القيصر المتورط في أوكرانيا وانتزاع موافقة على العملية العسكرية مقابل تفاهمات أخرى، قد تكون في سوريا وربما تكون في ملفات أخرى خارجها، وقد تتعلق بالموقف التركي من الغزو الروسي لأوكرانيا، وإبقاء الموقف التركي على حاله كوسيط بين الطرفين المتحاربين، وأن تبتعد تركيا عن الرؤية الأميركية والغربية بخصوص العقوبات الاقتصادية على روسيا، بالإضافة الى ضمان تسهيل حركة مرور السفن عبر مضائقها.

السيناريو الثاني، انتزاع الاتراك لموافقة روسية جزئية على عملية محدودة تنحصر في منطقتي تل رفعت ومنبج، ورغم أن ذلك لن يرضي الطرف التركي بصورة كاملة الا أنه يحرره من الحرج الذي وقع فيه طيلة الفترة الماضية، وربما يكون بوتين في هذه المرحلة حريصاً على كسب ود الرئيس التركي وإنقاذه من الحرج الداخلي بمواجهة خصومه السياسيين في ظل الاستحقاق الانتخابي القادم صيف 2023.

السيناريو الثالث، فشل اللقاء وعدم خروجه بموقف روسي يغطي العملية العسكرية التركية، وهو الخيار الأسوأ الذي ستترتب عليه تداعيات سياسية وميدانية خطيرة، لا سيما في حال ذهاب الأتراك نحو تنفيذ العملية دون موافقة روسية، وما سيتبعه من ردة فعل روسية ربما تكون وجهتها فتح جبهات إدلب وجبل الزاوية وسهل الغاب وجبال الساحل، ونسف كل تفاهمات خفض التصعيد فيها، وما سينجم عن ذلك من توترات في العلاقات الروسية التركية في مختلف الملفات الأخرى المتعلقة بالطرفين.

ربما كان من الصحيح أن مسائل عديدة تخص البلدين ستكون حاضرة في قمة سوتشي، إلّا أن الشأن السوري سيكون طاغياً، وهذا ما سيجعل لقاء الرئيسين التركي والروسي محطّ رهانٍ كبير ليس بخصوص التوافق أو الاختلاف حول المسألة السورية فحسب، بل يمكن الذهاب إلى أن مستقبل العلاقات بين أنقرة وموسكو سيكون وثيق الصلة بقدرة الرئيسين أو إخفاقهما بالوصول إلى تفاهمات مرضية لكليهما معاً.

المدن

————————-

بوتين وأردوغان يتفقان على محاربة”التنظيمات الإرهابية كافة” في سوريا

أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان في مدينة سوتشي الروسية الجمعة، بعد استمرت 4 ساعات، بحثا خلالها في ملفات متعدّدة، أبرزها ملفات سوريا وليبيا وأوكرانيا والطاقة.

الملف السوري

 وجاء في البيان الختامي للقاء الثنائي أنهما “يوليان أهمية كبيرة لتفعيل العملية السياسية”

في سوريا. وتم التأكيد على أهمية “الحفاظ على الوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها”. وجدد الرئيسان التأكيد على عزمهما على “العمل المشترك والتنسيق بين البلدين في محاربة التنظيمات الإرهابية كافة”.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في تصريح صحافي قبيل اللقاء بين بوتين وأردوغان، إن تركيا لديها مخاوف أمنية “مشروعة” بشأن سوريا، وإن روسيا تأخذ ذلك في الحسبان.

وعما إذا كانت روسيا قلقة من قيام تركيا بعملية عسكرية شمالي سوريا، أفاد بيسكوف أنه سيتم بحث الموضوع خلال اللقاء. وأضاف: “تركيا لديها مخاوف أمنية مشروعة، ونأخذ تلك المخاوف في الحسبان، لكن يتعين تجنب الأعمال التي من شأنها زعزعة الوضع في سوريا وتهديد سلامة أراضيها ووحدتها السياسية”.

وكانت قناة “تي آر تي” التركية قد ذكرت أن “الهجوم العسكري الذي تعتزم تركيا تنفيذه ضد “مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية بشمال سوريا سيتصدر جدول أعمال المحادثات، ضمن قضايا إقليمية أخرى”، بعدما أوصت موسكو مؤخراً بعدم شن الهجوم.

وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب، المدعومة من الولايات المتحدة، مجموعة إرهابية وتعتقد أن لها صلات بمتمردين محليين.

وكان أردوغان قد هدد بإصدار أوامر بشن عمليات عسكرية جديدة في سوريا لتوسيع “مناطق آمنة” بعمق 30 كيلومتراً على الحدود.

ملف الحبوب

وأكد الرئيسان على أهمية الاتفاق حول النقل الآمن للحبوب من الموانئ الأوكرانية، مشددين على ضرورة تنفيذه بالكامل.

وأكد الرئيسان على أهمية العلاقات الصريحة والصادقة والمبنية على الثقة بين روسيا وتركيا بالنسبة لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.

وفي هذا السياق اعترف الزعيمان بالدور المهم للعلاقات البناءة بين البلدين في الاتفاق على مبادرة النقل الآمن للحبوب من الموانئ الأوكرانية. وجرى التأكيد على ضرورة ضمان تنفيذ صفقة اسطنبول بالكامل، بما في ذلك تصدير الحبوب والأسمدة الروسية.

وتوسطت تركيا في اتفاق وقعته أوكرانيا وروسيا والأمم المتحدة في إسطنبول الشهر الماضي استؤنفت بموجبه صادرات الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود بعد أشهر من الحظر.

الملف الاقتصادي

وفي الشق الاقتصادي، اتفق الرئيسان، على “زيادة حجم التجارة بين البلدين على أساس التوازن وتحقيق الأهداف المحددة، والسعي للاستجابة إلى توقعات الطرف الآخر في مجال الاقتصاد والطاقة، واتخاذ خطوات محددة بهدف تكثيف التعاون بشأن القضايا التي كانت على جدول أعمال البلدين منذ فترة طويلة في القطاعات مثل النقل والتجارة والصناعة والزراعة والقطاع المالي والسياحة والبناء”.

وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن الرئيسين الروسي والتركي اتفقا على بيع جزء من الغاز الروسي لتركيا بالروبل.

وقال: “تم بحث إمدادات الغاز إلى تركيا، والتي يتم توريدها بكميات كبيرة إلى حد ما. واتفق الرئيسان على أن يتم دفع ثمن جزء من إمدادات الغاز بالروبل”.

وأضاف: “إننا نتحدث حول التحول إلى العملات الوطنية بشكل تدريجي، وفي المرحلة الأولى سيتم دفع جزء من التوريدات بالروبل الروسي”.

——————————

أحزاب المعارضة التركية..نحو التحاور مع الأسد لحل أزمة اللاجئين

قال موقع “دوتشه فيلله” الخميس، إن الطاولة السداسية التي تجمع الأحزاب الستة المعارضة في تركيا، ستناقش مسألة الحصول على إجماع الأعضاء على الحوار مع النظام السوري، من أجل الوصول إلى صيغة توافقية تضمن إعادة اللاجئين السورين في تركيا إلى سوريا، مشيراً إلى أن المسألة قد تكون على جدول أعمال الاجتماع الذي سيعقد في 21 أب/أغسطس.

وقال الموقع الناطق بالتركية، إنه من خلال المسودة المشتركة المنشورة حول عملية الانتقال إلى “النظام البرلماني المعزز”، تعمل الطاولة السداسية على إيجاد نص جديد لحل مشكلة اللاجئين في تركيا، وبالتالي مناقشة مسألة الحوار مع نظام بشار الأسد.

ولفت إلى أنه حتى الآن لا يوجد توافق بهذا الخصوص، ففيما يقول الحزب الديمقراطي إن “إجراء حوار مع الإدارة السورية ضروري وأنهم متفقون على هذا الموضوع”، يقول حزب المستقبل إنهم في “مرحلة التشاور ولا يمكنهم القول إنهم اتفقوا على هذا الموضوع بعد”.

علاقات دبلوماسية مع الأسد

وفي هذا السياق، قالت نائبة رئيس الحزب “الديمقراطي” إيلي أكسوي إنهم عقدوا اجتماعين حتى الآن بهذا الخصوص، والثالث سيعقد في 10 أب/أغسطس، موضحة أن لكل طرف حساسيته تجاه هذا الموضوع، لكنهم يشاركون أفكارهم ومقترحات الحلول الخاصة بهذا الاتجاه.

وذكرت أكسوي أنهم سيعملون على تقديم نص مشترك بهذا الخصوص بعد اجتماع 10 أب، من أجل تقديمه خلال اجتماع 21 أب الذي سيستضيفه حزب “السعادة” التركي، مؤكدة أنه قد يكون على رأس جدول أعمال اجتماع الأحزاب الستة. واعتبرت أن أهم طرق حل مشكلة اللاجئين هي إقامة حوار مع النظام السوري، مبينة أن الأطراف الستة متفقة حول هذه القضية.

وأكدت أكسوي موقف حزبها الهادف لإقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري من أجل حلّ قضية اللاجئين، قائلةً إن هناك “قضايا خطيرة للغاية نتفق عليها، أحدها هو الحل، والحل الأول هو التوصل إلى حل وسط مع الجمهورية العربية السورية، ونعود إلى مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، السلام في الوطن والعالم وصنع السلام مع كل جيراننا على الحدود من جديد، عبر اقامة علاقات دبلوماسية”.

موضوع للنقاش

ونقل الموقع عن مسؤول كبير في حزب “المستقبل”، الذي يقوده رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، قوله إن “بعض الموضوعات في مرحلة التقييم، وكل طرف يقدم أفكاره الخاصة على الطاولة كاقتراح للحل”، ثم استدرك: “لكن في النهاية سيقرر قادتنا ما إذا كان سيتم إصدار نص أم لا”.

وأوضح المسؤول أنهم يتفقون حول بعض القضايا وبالتالي سيم إدراجها بالنص، لكن لا تزال بعض القضايا موضع تشاور، ومن ضمنها مسألة الحوار مع النظام السوري، قائلاً: “على الرغم من أننا نواصل الحديث بشأنها، لكن لا يمكننا القول إننا اتفقنا على هذه المسألة”.

داوود أوغلو يرفض الحوار

وأوضح الموقع أن تحفظات حزب المستقبل معلومة منذ فترة، وتعود جذورها إلى تاريخ كان فيها داوود أوغلو رئيساً للحكومة التركية، ويرى الأخير أن إقامة حوار مع إدارة الأسد لن يساهم في حل المشكلة.

ووفقاً للموقع التركي، فإن حزب “الشعب” الجمهوري وحزب “الجيد” الشريكين الأكبرين ضمن الأحزاب الستة، يتفقان على ضرورة تغيير سياسة تركيا في سوريا، وفتح قنوات الحوار مع النظام السوري، موضحاً أنهما يتشاركان وجهات النظر باجتماعات لجنة الهجرة، وقد طالبا بإدراج بنود تحث على إقامة حوار مع النظام السوري في النص المشترك.

ولفت إلى أن حزب السعادة يشارك الحزبين النقطة نفسها، وهي ضرورة إقامة حوار مع النظام السوري لحل المشكلة في أسرع وقت ممكن.

المدن

———————

بوتين وأردوغان الصديقان اللدودان: من يستفيد من الآخر

روسيا تستفيد من الدور التركي كقناة تواصل مع الغرب في ملفّ الحبوب.

موسكو – تكررت اللقاءات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أماكن مختلفة خلال السنوات الأخيرة، وصارت لهما مصالح مشتركة في ملفات كثيرة بالرغم مما يبدو أحيانا من تناقض في الأجندات.

والتقى بوتين وأردوغان الجمعة في سوتشي بجنوب روسيا بعد انقضاء سبعة عشر يوما على لقائهما في قمة طهران وما انتهى إليه من توتر ظاهر بسبب معارضة موسكو سعي أنقرة لشن هجوم على مواقع كردية شمال سوريا ضمن خطتها لفرض منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا.

ويقول أنصار بوتين إنه نجح في أن يستقطب عضوا في الناتو لديه معه مشاكل كبرى في سوريا ليكون على تنسيق قريب معه في أمور خطيرة اختبرت في أكثر من حرب، بدءا من سوريا ومرورا بليبيا وليس انتهاء بأوكرانيا، معتبرين أن الرئيس التركي صار القناة التي يتواصل بها بوتين مع الغرب في موضوع أوكرانيا ككل، سواء ما تعلق منه بالحبوب أو الغاز أو التسوية السياسية التي تحافظ على المكاسب الميدانية لموسكو.

وأعرب الرئيس الروسي الجمعة عن أمله في توقيع اتفاق لتعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا، شاكرا نظيره التركي على الجهود التي بذلها وسمحت بالتوصل إلى اتفاق بين موسكو وأوكرانيا لاستئناف تصدير الحبوب.

وقال بوتين لأردوغان “بفضل مشاركتكم المباشرة ووساطة الأمين العام للأمم المتحدة، تمت تسوية المشكلة المرتبطة بإمدادات الحبوب الأوكرانية القادمة من موانئ البحر الأسود”.

كما شدد على دور أنقرة في نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب ترك ستريم، وقال “يجب أن يكون الشركاء الأوروبيون ممتنين لتركيا لأنها أمّنت نقل الغاز الروسي دون توقف”.

ويقول أنصار الرئيس أردوغان إن الاتفاق، الذي يمكن أن يحد من ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، يسلط الضوء على أهمية الاتصالات الدبلوماسية لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي مع الجانبين.

وعلى الرغم من أن تركيا انتقدت الغزو الروسي وزودت أوكرانيا بالسلاح، إلا أنها خالفت الحلفاء الغربيين بعدم الموافقة على فرض عقوبات على روسيا.

ويعكس هذا التوازن الدقيق مدى تعقيد علاقاتها مع روسيا، بداية من التعاون الوثيق في إمدادات الطاقة وصولا إلى المنافسة العسكرية في سوريا وليبيا وأذربيجان.

بوتين نجح في استقطاب عضو في الناتو ليكون على تنسيق قريب معه في أمور خطيرة اختبرت في أكثر من حرب

ولعبت طائرات بيرقدار التركية المسيرة التي بيعت لأوكرانيا دورا بارزا في إبطاء تقدم القوات الروسية عندما توغلت في الأراضي الأوكرانية خلال فبراير الماضي.

لكن تركيا لديها أيضا علاقات دفاعية متنامية مع روسيا؛ فقد اشترت بطاريات منظومة الدفاع الصاروخي الروسية من طراز أس – 400 في عام 2019، وأشارت إلى أنها قد تشتري المزيد، مما أغضب واشنطن التي ألغت بيع طائرات مقاتلة أميركية من طراز أف – 35 وفرضت عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.

وأشار أردوغان في العام الماضي إلى أن تركيا تدرس المزيد من الخطوات المشتركة في مجال الدفاع مع روسيا، ليشمل ذلك الطائرات المقاتلة والغواصات.

وفي سوريا تدعم تركيا مقاتلي المعارضة الذين بدوا ذات يوم أنهم على وشك الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، إلى أن دعم التدخل الروسي بقاء الأسد وساعد على تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب صغير في شمال غرب سوريا على الحدود التركية.

لكن نقطة الخلاف الرئيسية هي سعي الرئيس التركي لاستغلال انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا ونقل جزء من قواتها وعتادها إلى هناك، وتنفيذ خطته بشأن المنطقة العازلة، مما أثار انتقادات من قِبل روسيا وإيران والولايات المتحدة.

وقال أردوغان الجمعة إن مباحثاته مع بوتين بشأن التطورات في سوريا “ستجلب أجواء الارتياح إلى المنطقة”. ولم يُعرف ما إذا كان هذا التصريح جزءا من البروباغندا التركية أم أن هناك توافقا غير معلن يسمح للرئيس التركي بتنفيذ خططه، وهو أمر يبدو مستبعدا حاليا.

وفي ليبيا نجحت المسيّرات التركية في فك الحصار عن العاصمة طرابلس وطرد القوات الموالية لقائد الجيش المشير خليفة حفتر، والتي كانت تتلقى دعما من مقاتلين ينتمون إلى مجموعة فاغنر الروسية. ويقال إن روسيا وضعت فيتو أمام تمدد الميليشيات المدعومة من أنقرة إلى مدينة سرت خلال مطاردتها للقوات القادمة من الشرق الليبي.

وفي أذربيجان دعمت تركيا هجوما عسكريا لطرد القوات العرقية الأرمنية من جزء كبير من منطقة ناغورني قره باغ الجبلية في جنوب القوقاز، وهي منطقة تعتبرها روسيا جزءا من مجال نفوذها.

لكن المصالح الاقتصادية حالت دون أن يتحول تناقض الأجندات بين البلدين في مناطق الصراعات إلى تصعيد أو حرب مباشرة.

وشكل الغاز الطبيعي الروسي 45 في المئة من مشتريات الغاز التركية المعتمدة على الاستيراد خلال العام الماضي، والتي سجلت مستوى قياسيا نتيجة الجفاف والزيادة المرتبطة بإنتاج الطاقة الكهربائية المعتمد على الغاز.

كما تشيد شركة روساتوم الروسية العملاقة المتخصصة في الطاقة النووية محطة نووية في أكويو بجنوب تركيا، والتي قال بوتين إنها ستبدأ العمل في العام المقبل.

ومن المتوقع أن توفر المحطة ما يصل إلى 10 في المئة من احتياجات تركيا إلى الطاقة وستستمر شركة روساتوم في تشغيلها وإدارتها لعدة عقود.

وزار سبعة ملايين سائح روسي تركيا في عام 2019، وهو أكبر عدد تستقبله تركيا من دولة أخرى، قبل أن تعطل جائحة كورونا بشكل كبير السفر إلى الخارج. ولا تزال السياحة بالنسبة إلى تركيا مصدرا مهما للعملة الصعبة.

العرب

———————-

إردوغان: مباحثات سوتشي مع بوتين حول سوريا ستجلب الارتياح للمنطقة

أنقرة: سعيد عبد الرازق

عبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن اعتقاده بأن مباحثاته مع نظيره الروسي فلاديمير حول سوريا خلال قمتهما التي عقدت في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود جنوب روسيا، الجمعة، «ستجلب أجواء الارتياح إلى المنطقة».

وقال إردوغان، في كلمة في مستهل اجتماعه مع بوتين بحسب ما نقلت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية، إن الاجتماع مع بوتين «مهم للغاية من حيث إبراز الدور الذي تلعبه تركيا وروسيا في المنطقة»، معرباً عن سعادته بلقاء الرئيس الروسي مجدداً بعد 17 يوماً من لقائهما في طهران، حيث عقدت القمة الثلاثية للدول الضامنة لمسار آستانة في سوريا في 19 يوليو (تموز) الماضي، والتي ضمت إلى جانب بوتين وإردوغان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

وأضاف إردوغان أن «تضامن البلدين في مكافحة الإرهاب يحمل أهمية كبيرة وأن المباحثات في سوتشي تدعم الخطوات التي سيتم الإقدام عليها بهذا الصدد».

بدوره، أشار بوتين إلى بحث قضايا إقليمية خلال لقائه مع إردوغان في مقدمتها الأزمة السورية، قائلاً إن «تركيا تقدم إسهاماً كبيراً في تطبيع الوضع في سوريا».

وحذرت روسيا من قيام تركيا بعملية عسكرية تستهدف مواقع قوات تحالف سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وامتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا غالبية قوامها، في منبج وتل رفعت بغية استكمال مناطق أمنية بعمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية لتكون بمثابة حزام أمني على حدود تركيا الجنوبية.

ورغم إعلان تركيا عن العملية المحتملة في مايو (أيار) الماضي، فإنها لم تنفذ حتى الآن، رغم تأكيد أنقرة أنها قد تنطلق في أي لحظة، بسبب إعلان الولايات المتحدة رفضها لها وكذلك الدول الأوروبية.

كما أعلنت روسيا وإيران بشكل صريح خلال قمة طهران رفضها أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، مع الإقرار بالمخاوف الأمنية لتركيا وضرورة وضعها بالاعتبار.

وقبل انطلاق قمة سوتشي بين بوتين وإردوغان، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن تركيا لديها مخاوف أمنية «مشروعة» بشأن سوريا، وإن روسيا تأخذ ذلك في الحسبان.

ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت روسيا قلقة من قيام تركيا بعملية محتملة شمال سوريا، قال بيسكوف إنه سيتم بحث الموضوع خلال لقاء بوتين وإردوغان، مضيفاً: «تركيا لديها مخاوف أمنية مشروعة، ونأخذ تلك المخاوف في الحسبان، لكن يتعين تجنب الأعمال التي من شأنها زعزعة الوضع في سوريا وتهديد سلامة أراضيها ووحدتها السياسية»، فيما اعتبر إشارة إلى العملية العسكرية المحتملة، التي قال إردوغان، عقب قمة طهران إنها ستبقى على أجندة أنقرة، وقد تنفذ في أي وقت دون إذن من أحد.

———————————

إردوغان: مباحثات سوتشي مع بوتين حول سوريا ستجلب الارتياح للمنطقة

أنقرة: سعيد عبد الرازق

عبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن اعتقاده بأن مباحثاته مع نظيره الروسي فلاديمير حول سوريا خلال قمتهما التي عقدت في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود جنوب روسيا، الجمعة، «ستجلب أجواء الارتياح إلى المنطقة».

وقال إردوغان، في كلمة في مستهل اجتماعه مع بوتين بحسب ما نقلت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية، إن الاجتماع مع بوتين «مهم للغاية من حيث إبراز الدور الذي تلعبه تركيا وروسيا في المنطقة»، معرباً عن سعادته بلقاء الرئيس الروسي مجدداً بعد 17 يوماً من لقائهما في طهران، حيث عقدت القمة الثلاثية للدول الضامنة لمسار آستانة في سوريا في 19 يوليو (تموز) الماضي، والتي ضمت إلى جانب بوتين وإردوغان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

وأضاف إردوغان أن «تضامن البلدين في مكافحة الإرهاب يحمل أهمية كبيرة وأن المباحثات في سوتشي تدعم الخطوات التي سيتم الإقدام عليها بهذا الصدد».

بدوره، أشار بوتين إلى بحث قضايا إقليمية خلال لقائه مع إردوغان في مقدمتها الأزمة السورية، قائلاً إن «تركيا تقدم إسهاماً كبيراً في تطبيع الوضع في سوريا».

وحذرت روسيا من قيام تركيا بعملية عسكرية تستهدف مواقع قوات تحالف سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وامتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا غالبية قوامها، في منبج وتل رفعت بغية استكمال مناطق أمنية بعمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية لتكون بمثابة حزام أمني على حدود تركيا الجنوبية.

ورغم إعلان تركيا عن العملية المحتملة في مايو (أيار) الماضي، فإنها لم تنفذ حتى الآن، رغم تأكيد أنقرة أنها قد تنطلق في أي لحظة، بسبب إعلان الولايات المتحدة رفضها لها وكذلك الدول الأوروبية.

كما أعلنت روسيا وإيران بشكل صريح خلال قمة طهران رفضها أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، مع الإقرار بالمخاوف الأمنية لتركيا وضرورة وضعها بالاعتبار.

وقبل انطلاق قمة سوتشي بين بوتين وإردوغان، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن تركيا لديها مخاوف أمنية «مشروعة» بشأن سوريا، وإن روسيا تأخذ ذلك في الحسبان.

ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت روسيا قلقة من قيام تركيا بعملية محتملة شمال سوريا، قال بيسكوف إنه سيتم بحث الموضوع خلال لقاء بوتين وإردوغان، مضيفاً: «تركيا لديها مخاوف أمنية مشروعة، ونأخذ تلك المخاوف في الحسبان، لكن يتعين تجنب الأعمال التي من شأنها زعزعة الوضع في سوريا وتهديد سلامة أراضيها ووحدتها السياسية»، فيما اعتبر إشارة إلى العملية العسكرية المحتملة، التي قال إردوغان، عقب قمة طهران إنها ستبقى على أجندة أنقرة، وقد تنفذ في أي وقت دون إذن من أحد.

———————————

معقدة صعبة ووثيقة.. أبرز محطات العلاقات التركية الروسية

إسطنبول – متابعات

التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة، للمرة الثانية خلال ما يزيد قليلاً عن أسبوعين، وبعد أن ساعدت تركيا في التوصل لاتفاق لاستئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود، التي توقفت عقب الغزو الروسي.

ووفق وكالة “رويترز”، فإن الجانب التركي يعتبر الاتفاقية، التي يمكن أن تحد من ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، تسلّط الضوء على أهمية الاتصالات الدبلوماسية لتركيا، الدولة العضو في حلف “الناتو”، مع الجانبين.

وعلى الرغم من أن تركيا انتقدت الغزو الروسي، وزودت أوكرانيا بالسلاح، خاصة المسيّرات، إلا أنها انفصلت عن الحلفاء الغربيين بعدم فرض عقوبات على روسيا.

في العام 2015، أسقط الجيش التركي طائرة روسية عبرت إلى المجال الجوي التركي، مما أدى إلى أزمة في العلاقات، لكن بعد أقل من عام، كان بوتين من أوائل زعماء العالم الذين أعربوا عن دعمهم لأردوغان عقب محاولة الانقلاب في تركيا في تموز 2016، ووضع الأساس لعلاقاتهم الدفاعية المتنامية.

وقالت “رويترز” إن “هذا التوازن الدقيق يعكس مدى تعقيد العلاقات التركية الروسية، بدءاً من التعاون الوثيق في إمدادات الطاقة، إلى المنافسة العسكرية في سوريا وليبيا وأذربيجان”، مشيرة إلى أبرز المحطات في هذه العلاقات.

خصوم في سوريا وليبيا وأذربيجان

في سوريا، تدعم تركيا فصائل من المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، فيما دعم التدخل الروسي النظام، وساعد في إعادة سيطرته على معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وبقائها في محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب شمالي سوريا.

في شباط من العام 2020، قتلت غارة جوية ما لا يقل عن 34 جندياً تركياً، ما دفع بتركيا لإرسال تعزيزات إلى محافظة إدلب، لوقف تقدم قوات النظام السوري المدعومة من روسيا، والتي تسببت في نزوح نحو مليون شخص.

وقبل أسابيع، قال أردوغان إن تركيا تخطط لتوغل آخر في شمالي سوريا، مستهدفاً مناطق تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، مما أثار انتقادات من روسيا وإيران والولايات المتحدة.

في ليبيا، أدى التدخل العسكري التركي إلى تراجع الهجوم على الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس من قبل قوات متمركزة في الشرق، يدعمها مقاتلون من مجموعة مرتزقة “فاغنر” الروسية.

أما في أذربيجان، دعمت تركيا هجوماً عسكرياً لطرد القوات الأرمنية من جزء كبير من منطقة ناغورنو كاراباخ الجبلية في جنوب القوقاز، وهي منطقة تعتبرها روسيا جزءاً من مجال نفوذها.

الحبوب الأوكرانية

بعد أيام من اجتماع الرئيسين بوتين وأردوغان، في طهران الشهر الماضي، أشرفت تركيا على اتفاق لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية.

وبموجب الاتفاقية، تستضيف تركيا مركزاً مشتركاً، حيث سيعمل ممثلو روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة على ضمان النقل الآمن لصادرات أوكرانيا إلى الأسواق العالمية.

وتعتمد تركيا بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا للحصول على الحبوب، فيما استحوذت روسيا على 56 % من واردات الحبوب التركية في العام 2021، بقيمة 2.24 مليار دولار، في حين بلغت الواردات من أوكرانيا 861 مليون دولار.

مبيعات الأسلحة

لعبت طائرات “بيرقدار” التركية المسيّرة، التي بيعت لأوكرانيا، دوراً بارزاً في إبطاء تقدم القوات الروسية عندما توغلت في الأراضي الأوكرانية في فبراير.

وفي الوقت نفسه، لدى تركيا أيضاً علاقات دفاعية متنامية مع روسيا، حيث اشترت نظام “S-400” الروسي للدفاع الصاروخي في العام 2019، وأشارت إلى أنها قد تشتري المزيد.

وأثارت الصفقة بين تركيا وروسيا غضب واشنطن، التي ألغت صفقة بيع مقاتلات من طراز “F-35″، وفرضت عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.

وسبق أن أعلن أردوغان أن تركيا تدرس المزيد من الخطوات المشتركة في صناعة الدفاع مع روسيا، بما في ذلك بالنسبة للطائرات المقاتلة والغواصات.

الطاقة

يشكل الغاز الطبيعي الروسي نحو 45 % من مشتريات الغاز التركية المعتمدة على الاستيراد العام الماضي، والتي سجلت مستوى قياسياً نتيجة للجفاف وما يرتبط به من زيادة في إنتاج الطاقة المدفوعة بالغاز.

كما تبني شركة “روساتوم” النووية الروسية العملاقة محطة نووية في أكويو جنوبي تركيا، قال بوتين العمل بإنشائها سيبدأ العام المقبل.

ومن المتوقع أن توفر المحطة نحو 10 % من احتياجات تركيا من الطاقة، في حين ستستمر شركة “روساتوم” في تشغيلها وإدارتها لعدة عقود، وفق اتفاق موقع بين الجانبين في أيار من العام 2010.

السياحة

في العام 2029، زار سبعة ملايين سائح روسي تركيا، وهو أكبر عدد من أي دولة أخرى، قبل أن توقف جائحة “كورونا” بشكل كبير السفر إلى الخارج، إلا أن السياحة الروسية ما تزال مصدراً مهماً للعملة الصعبة للاقتصاد التركي.

————————————

في القمة ، أردوغان ، بوتين لا يزال منقسمًا بشأن سوريا

اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن تحوّل أنقرة جزءًا من مدفوعاتها مقابل الغاز الطبيعي الروسي إلى روبل ، فيما يبدو أنه النتيجة الأكثر واقعية لاجتماعهما الذي استمر أربع ساعات في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود. اليوم.

نحن نتحول تدريجياً إلى العملات الوطنية ، وفي المرحلة الأولى سيتم دفع جزء من الإمدادات بالروبل الروسي. وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك للصحفيين  بعد الاجتماع ” هذه حقًا مرحلة جديدة وفرص جديدة ، بما في ذلك تطوير علاقاتنا النقدية والمالية” .

واتفق الزوجان في بيان مشترك على تعزيز التعاون في مجالات النقل والزراعة والتمويل والبناء. وقال البيان إن الزعيمين “أكدا عزمهما على العمل بالتنسيق والتضامن في مكافحة كل التنظيمات الإرهابية” في سوريا.

لكن لم ترد أنباء عن الضوء الأخضر للتدخل العسكري التركي المخطط له ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. يُعتقد أن بوتين قد أوضح معارضته لتدخل آخر واسع النطاق في اجتماع 19 يوليو مع أردوغان في طهران. ويقول مسؤول روسي إن مثل هذه الخطوة ستزيد من زعزعة الاستقرار في سوريا. إيران ، الداعم الرئيسي الآخر لنظام الأسد ، تعارض أيضًا توسع الاحتلال التركي الكبير بالفعل لسوريا.

وقبل الاجتماع قال أردوغان للصحفيين إن “مناقشة التطورات في سوريا ستساعد في تخفيف التوترات في المنطقة”. ولم يخض في التفاصيل. وقال أردوغان أيضًا إنه يتوقع أن يضمن إطلاق أول محطة نووية تركية تقوم شركة روساتوم الروسية ببنائها كما هو مقرر العام المقبل. وقال نوفاك إن الزعيمين اتفقا على موعد الإطلاق عام 2023.

واجه المشروع الذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار اضطرابًا بعد أن وقعت روساتوم عقدًا مع كونسورتيوم من ثلاث شركات روسية لإكمال العمل في المشروع وأنهت مشروعها الحالي مع شركة تركية.

وتوقع أردوغان “أعتقد أن (اجتماع اليوم) سيفتح صفحة مختلفة تماما في العلاقات التركية الروسية”.

وبدا بوتين ملاحظة إيجابية مماثلة ، حيث قال للصحفيين ، “بدءًا من سوريا ، سنناقش القضايا الإقليمية. تساهم تركيا بشكل كبير في تطبيع الوضع هنا “.

في وقت سابق اليوم ، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن ثلاث سفن أخرى تحمل الحبوب غادرت الموانئ الأوكرانية بموجب الاتفاق. ستجتاز السفن الثلاث ، التي تحمل 58 ألف طن من الحبوب إلى أيرلندا والمملكة المتحدة على التوالي ، عمليات التفتيش أولاً في مركز مراقبة أقيم في اسطنبول.

غادرت أول سفينة أوديسا الأسبوع الماضي. وأشاد بوتين بأردوغان لمساعدته في تنظيم استئناف شحنات الحبوب الأوكرانية.

وقال بوتين: “لقد بدأت عمليات التسليم بالفعل ، وأود أن أشكركم على ذلك وعلى حقيقة أنه في نفس الوقت تم اتخاذ قرار مصاحب بشأن الإمدادات المستمرة من المواد الغذائية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية”.

على الرغم من كل تعليقاتهما المتفائلة ، بدا أردوغان وبوتين متعبين وبائسين أمام الكاميرات. ولم يعقدوا مؤتمرا صحفيا بعد المحادثات.

من غير المرجح أن تتحقق توقعاتهم الخاصة من القمة. ذكرت صحيفة واشنطن بوست ، نقلاً عن مسؤولين في المخابرات الأوكرانية لم تسمهم ، اليوم أن بوتين يريد من أردوغان السماح لروسيا بشراء حصص في مصافي النفط التركية ومحطات النفط والخزانات ، وهي خطوة يقول الاقتصاديون إنها قد تساعد في إخفاء مصدر صادراتها بعد الاتحاد الأوروبي. يبدأ الحظر بالكامل العام المقبل “. يبدو أن بوتين يريد أيضًا من البنوك التركية المملوكة للدولة السماح بحسابات مراسلة لأكبر البنوك الروسية التي تخضع لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. من غير المحتمل أن يوافق أردوغان على أيٍّ من هذه المخططات ويواجه الغضب الغربي عندما يكون اقتصاد تركيا هشًا للغاية بالفعل.

—————————-

أبرز ما جاء في البيان الختامي لقمة “سوتشي

عقد الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، اجتماعاً في مدينة “سوتشي” الروسية يوم أمس الجمعة، استغرق 4 ساعات، وتناول عدداً من الملفات الثنائية والإقليمية.

وشدد الزعيمان في البيان الختامي المشترك على أهمية صون وحدة سورية السياسية وسلامة أراضيها، وعلى عزم تركيا وروسيا على العمل المشترك والتنسيق بين البلدين في محاربة كافة التنظيمات الإرهابية.

كذلك أكدا على الأهمية الكبيرة لدفع العملية السياسية من أجل التوصل إلى حل دائم في البلاد.

وسبق اللقاء إطلاق الرئيسين تصريحات تتحدث عن “رياح تغيير” واستقرار في المنطقة، حيث قال بوتين: “سأبحث الوضع السوري مع نظيري التركي، وما سيظهر من نتائج في هذه القمة سيحمل رياح تغيير إلى المنطقة”.

وأوضح أن القضية السورية ستكون في مقدمة المباحثات، وأن تركيا قدمت إسهاماً كبيراً في تطبيع الوضع في سورية”.

من جانبه، أكد أردوغان أن مباحثاته مع بوتين حول سورية “ستجلب الاستقرار للمنطقة”، معتبراً أن “تضامن البلدين في مكافحة الإرهاب يحمل أهمية كبيرة”، وأن المباحثات ستدعم الخطوات التي سيتم الإقدام عليها بهذا الصدد.

كما أشار إلى أن اجتماعه الثنائي مع بوتين “مهم للغاية من حيث إبراز الدور الذي تلعبه تركيا وروسيا في المنطقة.

في سياق آخر، أكد الزعيمان على الإرادة المشتركة لمواصلة تطوير العلاقات “الروسية – التركية” على أساس الاحترام والاعتراف بمصالح الطرف الآخر وبناء على التزاماتهما الدولية، على الرغم من التحديات الإقليمية والعالمية القائمة.

كما أكدا “أهمية العلاقات الصريحة والصادقة والمبنية على الثقة بين روسيا وتركيا بالنسبة لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي”.

وأيضاً أعربا عن تمسُّكهما الثابت بسلامة الأراضي والوحدة الوطنية الليبية، وأشارا إلى أهمية إجراء انتخابات حرة وعادلة ذات مصداقية على أساس التوافق الواسع، ودعمهما للعملية السياسية المستمرة المبنية على الدور القيادي لليبيين.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أشار البيان إلى أن الرئيسين أجريا مشاورات واسعة حول مسائل جدول الأعمال الثنائي.

واتفق الجانبان على “زيادة حجم التجارة بين البلدين على أساس التوازن وتحقيق الأهداف المحددة، والسعي للاستجابة إلى توقعات الطرف الآخر في مجال الاقتصاد والطاقة، واتخاذ خطوات محددة بهدف تكثيف التعاون بشأن القضايا التي كانت على جدول أعمال البلدين منذ فترة طويلة في القطاعات المختلفة مثل النقل والتجارة والصناعة والزراعة والقطاع المالي والسياحة والبناء”.

الجدير بالذكر أن أردوغان وبوتين اتفقا على عقد الاجتماع القادم لمجلس التعاون “التركي ـ الروسي” رفيع المستوى في تركيا، دون تحديد موعد معين

——————————-

أردوغان يجيب بعد عودته من سوتشي: ماذا حلّ بعملية سورية؟

قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إنه ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مسألة “الخطوات التي يمكن اتخاذها ضد التنظيمات الإرهابية في سورية”، خلال القمة التي جمعتهما في مدينة سوتشي، أمس الجمعة.

وأجاب الرئيس التركي في تصريحات للصحفيين بعد عودته من المدينة الروسية، اليوم السبت، عن سؤال يتعلق بالعملية التي هدد بشنها، مؤخراً في كل من تل رفعت ومنبج بريف حلب، شمالي سورية.

وأضاف أردوغان: “اتفقنا على قرار الرد معاً. ناقشنا أيضاً الخطوات التي يمكن اتخاذها ضد التنظيمات الإرهابية المتواجدة في سورية، وسنواصل قتالنا ضد أسراب القتلة التي تهدد وحدة أراضي سورية وتهاجمها”.

ويحتفظ بوتين بـ”نهج عادل تجاه تركيا بشأن القضية في سورية”، حسب أردوغان، كما أنه “يذكر على وجه التحديد أنه سيكون معنا (بوتين) دائماً في الحرب ضد الإرهاب”.

وتابع الرئيس التركي تعليقه: “هنا يعني لنا. لدى بوتين نهج مثل: سيكون الأمر أكثر دقة إذا كنت تفضل حلها مع النظام قدر الإمكان”.

وزاد: “نقول إن جهاز المخابرات لدينا يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع المخابرات السورية، لكن بيت القصيد هو الحصول على نتائج”.

وأشار الرئيس التركي إلى أنه أخبر بوتين بالقول: “إذا كانت مخابراتنا تقوم بهذا العمل مع المخابرات السورية، نقول إنه إذا كانت التنظيمات الإرهابية لا تزال تلعب هناك، فأنت بحاجة إلى دعمنا في هذا الأمر. لدينا أيضا اتفاق في هذا الشأن”.

ومنذ شهرين تقريباً تهدد تركيا بشن عملية عسكرية في شمال سورية، ضد المناطق التي تخضع لسيطرة “وحدات حماية الشعب” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لكنها وحتى الآن لم تحصل على “الضوء الأخضر” من الدول الفاعلة، من بينها روسيا وإيران.

وحسب تصريحات المسؤولين الأتراك من شأن العملية المحتملة أن تستهدف منبج في ريف حلب الشرقي والثانية تل رفعت، وهما منطقتين كانت قوات الأسد قد انتشرت وأجرت مناورات عسكرية فيهما بالشراكة مع “قسد” والقوات الروسية.

وسبق وأن أبدت إيران معارضتها لشن أي عملية تركية في شمال سورية، بينما ناورت روسيا على أكثر من تصريح، محاولة عدم إبداء أي موقف واضح.

وكان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قد قال، أمس الجمعة، قبل لقاء أردوغان ببوتين: “لدى تركيا مخاوف أمنية مشروعة. نحن بالتأكيد نأخذ هذه الأمور في الاعتبار”.

لكنه أضاف: “من المهم للغاية عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تزيد من عدم الاستقرار في سورية، وتضر بوحدة أراضي البلاد”.

———————-

قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان… ماذا استجد منذ قمة طهران؟

باكتسابها شهرة كطريق التفافيّ على الملفات الخلافية بين روسيا وتركيا، تنتظر مدينة سوتشي وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إليها، يوم الجمعة، لعقد قمة، وصفها مراقبون بـ “المصيرية”، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد أقل من شهر على قمة ثلاثية عقدها الرئيسان الروسي والتركي مع الرئيس الإيراني في طهران ضمن مسار آستانا لحل الأزمة السورية.

وكان الملفّ السوري بتشعباته الميدانية والسياسية هو المحور الأساسيّ الذي ناقشته قمة طهران الثلاثية، وقد تم في ختامها صوغ بيان ختامي لا يختلف كثيراً في مضمونه عن البيانات السابقة التي كانت تصدر عن اجتماعات آستانا على مختلف مستوياتها، ولكن المتوقّع من قمة سوتشي الثنائية بين أردوغان وبوتين أن تتناول الملفّ السوري في سياق الارتباطات التي تجمعه مع ملفات إقليمية ودولية أخرى ويكون مؤثراً فيها أو متأثراً بها.

ونظراً الى قرب موعد انعقاد قمة سوتشي بعد أسابيع قليلة من انعقاد قمة طهران، وهو ما لم تحدث تطورات هامة تستوجب تقديمه أو تتطلب من الرئيسين التركي والروسي التوجّه لعقد لقاء قمة ثانٍ خلال هذه الفترة القصيرة، يبدو أنه يوجد تفسيران اثنان لا ثالث لهما للاستعجال في عقد قمة سوتشي: يذهب التفسير الأول إلى أن قمة طهران لم تنجح في ردم الهوة بين مواقف الدول الثلاث حول النقاط الخلافية في ما بينها في الملف السوري وعلى رأسها العملية العسكرية التي يهدد أردوغان بشنّها، وهو ما تطلب من الأخير أن يطلب عقد قمة ثنائية مع الرئيس الروسي مستشعراً تشدد الموقف الإيراني من تهديداته، واحتمال أن تكون روسيا لديها القدرة وربما الإرادة على إبداء مرونة أكبر في تلبية المطالب التركية.

ويذهب التفسير الثاني إلى العكس من ذلك تماماً، ويرى أن انعقاد القمة الثنائية بين أردوغان وبوتين إنما يأتي في إطار استكمال ما تم التفاهم عليه من تحت الطاولة في طهران، وأنه بعد أن شهدت قمة طهران توافقات سرية حول مصير العملية العسكرية التركية في سياق الوساطة التي تقودها طهران بين دمشق وأنقرة، ووضعت طهران خطوطها الحمر، سيجتمع الرئيسان الروسي والتركي من أجل التوصل إلى تفاهمات تفصيلية حول المرجعية السياسية والأمنية التي تحكم علاقة أنقرة بدمشق وكيفية تحقيق مطالب أنقرة الأمنية من دون انتهاك تلك المرجعية.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يدلي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد أيام قليلة من إعلان موعد قمة سوتشي بتصريح جدليّ أكد فيه استعداد بلاده لتقديم الدعم للنظام السوري في محاربته التنظيمات الإرهابية.

ورغم أن دمشق مضت قدماً في مسار التنسيق العسكري مع “قوات سوريا الديموقراطية” معربة عن استعدادها لمواجهة أي عدوان تركي، غير أن هذا التنسيق العسكري الذي توج بإجراء مناورات تدريبية نادرة بين الطرفين، لم يتكلل بتقارب سياسي بين الطرفين.

وفي هذا السياق أكد رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم، الذراع السياسية لـ”قسد”، أن الوفد الكردي الذي طرق باب دمشق عاد خائباً، وقال في لقاء مصور مع وكالة “باز” (BAZ) الكردية أن “لقاء الوفد مع النظام لم تصدر عنه نتائج لأنه لم تكن هناك مباحثات، ولكن بسبب التهديدات التركية، كان هناك اتفاق سابق عام 2019 مع النظام بوقف إطلاق النار، والروس لعبوا دور الضامن لهذه الاتفاقية، ولذلك جرى تنسيق الأطراف العسكرية بين “قسد” والنظام”.

ولم تستبعد صحيفة “الوطن السورية” المقربة من الحكومة السورية، أن تشهد قمة سوتشي المرتقبة “احتمال التوصل، وعبر مباحثات مفصلة، إلى صيغ واتفاقيات تحكم مستقبل خطوط الاشتباك السورية شمال وشمال شرقي البلاد، كما هي عادة القمم الثنائية بين الرئيسين التركي والروسي، وخصوصاً في محطات “سوتشي” القادرة على تحقيق اختراقات وإنتاج “تفاهمات” جديدة تقرب مصالح البلدين المتضاربة والمتنافرة”.

في مقدم التوقعات لمخرجات القمة المقبلة، بحسب المراقبين، استمرار وضع العملية العسكرية التركية التي هدد نظام أردوغان بشنها منذ 23 أيار (مايو) الماضي لاقتطاع أراضٍ سورية جديدة لإقامة ما سماه “المنطقة الآمنة” المزعومة، وخصوصاً في تل رفعت ومنبج، على الرف أو في الثلاجة، مع البحث عن “مسارات بديلة” تنقذ ماء وجه أردوغان أمام ناخبيه في الداخل التركي قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في تموز (يوليو) المقبل.

وذكرت الصحيفة أن من تلك المسارات، “وضع اتفاق أضنة الأمني بين دمشق وأنقرة لعام 1998 حيز التنفيذ، ولو على مراحل، بحيث “يقنع” الضامنان الروسي والإيراني لمسار آستانا ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية”، بتطبيقه على الرغم من ضغوط واشنطن عليها للابتعاد من محور موسكو- طهران- دمشق”.

وقد أكد الكاتب السوري الدكتور أحمد الدرزي هذا السيناريو حيث أشار في إحدى مقالاته الى أن “هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بإعطاء مؤشر أولي بالانسحاب إلى شمال طريق “M4″، تنفيذاً لاتفاق 5 آذار (مارس) 2020 بين الرئيسين، والذهاب نحو العودة إلى اتفاق أضنة 1999 بين سوريا وتركيا، في مقابل إزالة هواجس الأمن القومي التركي في الشمال السوري، والاعتراف الرسمي بالواقع السياسي في سوريا، والعودة إلى العلاقة مع دمشق ضمن رؤية إقليمية مختلفة لا وجود فيها للولايات المتحدة الأميركية”.

وأشار موقع “أوغاريت” المعارض في افتتاحيته، الأربعاء، إلى أن “قرار أي عملية عسكرية تركية في سوريا هو بيد بوتين أكثر من أي طرف آخر متدخل في الأزمة السورية”. ولم يستبعد الموقع أن “توافق روسيا على النوايا التركية بشن عملية عسكرية، كونها ستضعف “قوات سوريا الديموقراطية” وتقلص مساحة سيطرتها إضافة الى إمكان أن تنسحب القوات الأميركية من البلاد، وهو ما سبق أن طلبته روسيا وإيران وتركيا خلال قمة طهران وأيضاً تريده الحكومة السورية”، مرجحاً أنه في حال بدأ أي هجوم فإن الولايات المتحدة ستكون مجبرة مجدداً بسحب قواتها من شمال سوريا، كما حصل في 2019″.

ويمكن أيضاً أن تقدم أنقرة مناطق تحت نفوذها للروس والإيرانيين مقابل السماح لها بشن عمليتها العسكرية،فهناك حديث عن امكان تغاضي تركيا عن هجوم لقوات الحكومة وإيران على مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني” في “درع الفرات وغصن الزيتون” بدعم جوي روسي، حيث تشهد تلك المناطق منذ أيام تصعيداً عسكرياً عنيفاً، بحسب الموقع ذاته.

ويرى مراقبون أن الرئيس الروسي في حال قبوله بأي عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، فإنها ستكون محدودة جداً، حيث تضعف “قوات سوريا الديموقراطية” ويمكن أن تقدم تنازلات أكثر لدمشق في الشق العسكري والسياسي، كما ستقلل من النفوذ الأميركي، مشيرين إلى إمكان أن تدفع روسيا أنقرة للهجوم على مناطق “شرق الفرات” وهي مناطق نفوذ التحالف وأميركا، مستبعدين أن توافق موسكو على أن توسع تركيا نفوذها على حسابها في سوريا.

النهار العربي

——————–

أميركا لا توافق على توغّل تركي جديد في سوريا

أعرب عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في واشنطن عن تخوّفهم من أن تشن تركيا قريباً عمليات عسكرية في شمال سوريا، محذرين من أن مثل هذه الخطوة ستعرض القوات الأمريكية في المنطقة للخطر وستكون لها عواقب وخيمة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وكانت تركيا تهدد بتوسيع منطقة أمنية يبلغ عمقها 30 كيلومترا على الجانب السوري من الحدود التركية، ما أثار قلق شركاء الولايات المتحدة في سوريا، وتلاها سلسلة من المشاورات بين واشنطن وأنقرة.

لكن المحادثات فشلت في وقف طبول الحرب في أنقرة، ما دفع العديد من المسؤولين الأمريكيين إلى وصف التوغل التركي المحتمل بـأنه لن يأتي بأي خير.

وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع، دانا سترول في ندوة يواشنطن أمس: “نعارض بشدة أي عملية تركية في شمال سوريا وقد أوضحنا اعتراضنا لتركيا وأن داعش يمكن أن تستغل هذا الأمر لصالح إعادة ترتيب صفوف التنظيم الإرهابي”.

مخاوف ستراول ومسؤولون أمريكيون آخرون تتزايد بسبب ورود معلومات استخبارية موثوقة تشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية عازم على إطلاق عمليات لتحرير 10 آلاف مقاتل محتجزين في سجون مؤقتة في شمال شرق سوريا تحرسها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقالت سترول بهذا الصدد: “ينظر تنظيم الدولة الإسلامية إلى مراكز الاحتجاز حيث يتم إيواء مقاتليه على أنها مخزن يشري لإعادة تشكيل مجموعاته الإرهابية”. وتابعت: “إذا كانت هناك عمليات عسكرية من شأنها أن تجعل قوات سوريا الديمقراطية تركز على التحرك شمالا، نخشى من تحرك خلايا داعش مستلة الفراغ الأمني”.

هذا وكانت قد فشلت محاولة تنظيم الدولة الإسلامية في كانون الثاني/ يناير في إطلاق 4000 مقاتل من سجن الصناعة في الحسكة بعد أن حشدت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة 10 آلاف جندي لقمع الانتفاضة التي شنها الداعشيون في السجن، وذلك بفعل الطائرات الأمريكية والمروحيات الهجومية وقوات قسد البرية.

—————————-

بين بوتين واردوغان: قمة سوتشي الناجحة عدا سوريا/ منهل باريش

نجحت قمة سوتشي بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، الجمعة، بتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين إضافة إلى قضية القمح الأوكراني. إلا أنه من الواضح أنها أخفقت بشأن العملية العسكرية التركية التي تنوي أنقرة شنها ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد». وتعتبر العملية العسكرية الهدف الرئيسي من زيارة اردوغان إلى روسيا، خصوصا بعد الرفض الإيراني الصريح على كافة المستويات لمطلب الرئيسي التركي، فحاول تدوير الزوايا مع بوتين منفردا. إلا أن مؤشرات رفض الكرملين لتلك العملية توضحت مع شطب المؤتمر الصحافي للزعيمين من برنامجها.

وأعرب بوتين قبيل لقائه اردوغان أنه سيناقش معه «قضايا إقليمية في مقدمتها الأزمة السورية، فتركيا تقدم إسهاما كبيرا في تطبيع الوضع هناك» بدون الخوض في التفاصيل.

وفي السياق، كان المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أعلن قبل عدة أيام أن «المفاوضات ستخصص مع اردوغان لقضايا التعاون الثنائي والاقتصاد ومناقشة المشاكل الإقليمية، بالإضافة إلى سوريا وأوكرانيا». ووصف بيسكوف المخاوف الأمنية التركية قبيل القمة أنها «مشروعة» واستدرك في تصريح للصحافيين «من المهم تجنب الأعمال التي يمكن أن تهدد سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية».

وواجهت تركيا في قمة طهران 19 تموز (يوليو) رفضا مزدوجا من قبل روسيا وطهران للعملية العسكرية التركية التي أعلن اردوغان العزم على شنها منذ مطلع شهر حزيران (يونيو) غير مرة.

وتُصر تركيا على شن عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد الذين تصنفهم على لوائح الإرهاب بصفتهم ذراع سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا ضد الحكومة التركية منذ 1984. وأعلنت أنقرة نيتها شن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية «PYD» وإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم، مستندة بذلك إلى اتفاقية أضنة الأمنية مع دمشق والتي وقعت في عهد الرئيس حافظ الأسد 1998 وتعديلاتها. وركزت في الآونة الأخيرة على شن هجوم على منطقة تل رفعت وتخلت نسبيا عن التهديد باجتياح منبج وبدأت حملة دعائية في تركيا والأوساط الإعلامية والسياسية بقرب موعد عملية تل رفعت التي ذكرها اردوغان في عدة خطابات ولقاءات داخل بلاده، وتجنب فتح معركة في منطقة شرق الفرات أو التهديد بالاجتياح باعتبارها منطقة نفوذ أمريكية ولا تفضل تركيا عودة التوتر مع أمريكا ودول حلف شمال الأطلسي لعدة أسباب، خصوصا بعد فرض شروطها على فنلندا والسويد، في قمة قادة الحلف بمدريد في 28 حزيران (يونيو) بما يتعلق بقضية حزب العمال الكردستاني وقادته المتواجدين هناك أو تسليم المطلوبين لأنقرة وهو ضمن الموافقة التركية على انضمام الدولتين إلى الحلف.

ويضاف إلى تلك الأسباب رغبة تركية بتلطيف الأجواء مع أمريكا من أجل تمرير صفقة تعمير وتعديل طائرات اف-16 التركية التي تشكل القوة الضاربة للأسطول الجوي التركي. ورفض الكونغرس الأمريكي لتلك الصفقة سيؤخر من مقدرات تركيا الجوية كونها تبلغ 80 طائرة ولا تقتصر الصفقة على تعديل وترقية هذا العدد الكبير، بل تسعى أنقرة إلى شراء 40 طائرة جديدة في أكبر صفقات شراء السلاح التي ترغب بها.

ميدانياً وفي سابقة رفع العلم الإيراني في مطار منغ العسكري القريب من مدينة إعزاز الحدودية مع تركيا، كذلك عززت قوات النظام السوري مواقع جديدة في خطوط الجبهات مع الجيش الوطني السوري المعارض والجيش التركي في عفرين. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن مناورات مشتركة بين جيش النظام وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» في ريف حلب الشرقي. وبثت الوزارة في سياق التدريبات شريطا مصورا يظهر قيام القوات الروسية وجيش النظام بمناورات بالذخيرة الحية على أحد جوانب بحيرة الطبقة، شاركت فيها المقاتلات الجوية الروسية والطائرات المروحية الهجومية ونفذت مناورات برمائية وقفز من المروحيات في المياه، إضافة إلى عمليات قصف صاروخي. ولم يظهر في المناورة المعلنة أية مشاركة لـ «قسد» باعتبارها سبقت المناورات التي شاركت بها بنحو أسبوع.

ويعزز رفع العلم الإيراني في مطار منغ من رفض طهران للمعركة العسكرية التركية باعتبارها تهدد النفوذ والتواجد الشيعي في بلدتي نبل والزهراء بسبب التداخل بين منطقة تل رفعت والبلدتين المذكورتين، حيث يفصل بين المنطقتين بلدتا دير جمال وكفر نايل فيما تعتبر ماير ملاصقة لهما. وأي تغيير في خريطة السيطرة لصالح الجيش الوطني السوري المعارض الموالي لأنقرة يجعل البلدتين تحت نيران مدفعية الجيش المذكور ويجعل ذلك ورقة مساومة ضد إيران، وهي ما لا تفضله خصوصا بعد تجربتها السابقة عندما حاصرت فصائل المعارضة السورية ممثلة بجيش الفتح بلدتي الفوعة وكفريا وهما شيعيتان منذ السيطرة على مدينة إدلب في ربيع 2015 حتى إجلاء آخر المحاصرين من العسكريين والمدنيين 2018 في صفقة المدن الأربع الشهيرة وهما بلدتا الفوعة وكفريا مقابل الزبداني ومضايا.

ويضاف إلى أسباب الرفض الإيراني للعملية العسكرية التركية، الرغبة الإيرانية بالتحكم بطريق التجارة مستقبلا بين غازي عنتاب وحلب، وإبعاد تركيا عن مدينة حلب بالمعنى السياسي أيضا وتكريس خروج الأخيرة منها بعد عملية سقوطها بيد النظام وطرد فصائل المعارضة منها في كانون الأول (ديسمبر) 2016.

على صعيد آخر، فإن روسيا لا تفضل تغيير خريطة السيطرة في ريف حلب الشمالي لكي تبقي المقاتلين الأكراد كورقة ضغط على أنقرة وفصائل المعارضة بشكل دائم، كما أنها لا تريد دفعهم لان يصبحوا أكثر تشددا ضد النظام وان ينتهوا بالحضن الأمريكي دون رجعة، بعد أن أبدوا ليونة في المفاوضات عدة مرات وسمحوا للنظام السوري والقوات الروسية بالتقدم على عدة مناطق في شرق الفرات وتسليمهم لنقاط عسكرية عديدة للنظام لها رمزية عسكرية كبيرة ومنها اللواء 93 في عين عيسى غربي محافظة الرقة.

ويبدو من الجلي أن المنطقة الوحيدة التي توافق موسكو خلالها على عملية عسكرية تركية هو أن يكون محور الهجوم في منطقة شرق القامشلي وهي المنطقة التي فشلت روسيا بالوصول إليها عدة مرات والتمركز بها. وهي منطقة النفوذ الأمريكي والتي لا تسمح القوات الأمريكية بالتغلغل الروسي فيها وتعتبرها خطا أحمر. إلا أن أنقرة تتجنب ذلك في الوقت الحالي وتدرك عواقب الأمر، وتسعى إلى تهدئة التوتر مع واشنطن.

إن عدم مقدرة اردوغان انتزاع موافقة بوتين على العملية العسكرية في سوريا ضد المقاتلين الأكراد لا يعني انتهاء الإصرار التركي على العملية، ولكنه سيدفع الرئيس التركي للبحث عن سبب آخر وورقة مفاوضة جديدة يقدمها لبوتين مقابل إطلاق يده في شمال سوريا. ولعل الرفض الإيراني الروسي المزدوج سيجعله يبحث عن هدف لا يثير الرفض المزدوج، فاردوغان بحاجة لانتصار عسكري جديد ضد المقاتلين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني يسهل انتخابه لولاية رئاسية جديدة في الصيف المقبل.

القدس العربي

————————-

من طهران إلى سوتشي.. تبادل رسائل النار والمصالح/ صلاح الدين هوى

لم يكد يجف حبر بيان قمة طهران التي جمعت رؤساء تركيا وإيران وروسيا أواخر تموز الفائت، حتى تحول التفاوض بين الدول المجتمعة إلى مواجهات في الميدان. حيث لم تستطع الابتسامات والعبارات الدبلوماسية المنمقة إخفاء صراع الإرادات وتضارب المصالح على الأرض. وفي حين انصرفت تركيا لاستكمال الاستعدادات لشن عملية عسكرية شمالي سوريا، عملت روسيا وإيران وأذرعهما على تشكيل جبهة موحدة للتصدي للقوات التركية. فرض مشهد ما قبل اندلاع حرب حقيقية بين هذه الأطراف، الإسراع في عقد قمة تركية – روسية في سوتشي في 5 آب بهدف الوصول إلى تفاهم مرضٍ لجميع الأطراف. فكان الاجتماع الماراثوني بين الرئيسين إردوغان وبوتين مؤشراً على ضراوة وربما شمولية المفاوضات بين الجانبين.

قمة طهران.. تبادل رسائل النار

على وقع التحضيرات التركية لشن عملية عسكرية بالاشتراك مع فصائل الجيش الوطني السوري، عقد رؤساء إيران وروسيا وتركيا قمة ثلاثية في طهران في تموز الفائت. وقد سبق قمة طهران تصريحات متتالية للرئيس التركي وأركان حكومته عن عزمهم تنفيذ عملية عسكرية تهدف لتحرير مدينتي تل رفعت ومنبج والمناطق المحيطة بهما من سيطرة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ورغم خيبة أمل قسد بعد تخلي حلفائها الولايات المتحدة وروسيا عنها، إلا أنها تنفست الصعداء بعد قمة طهران التي كشفت تضارب المصالح بين تركيا وإيران وروسيا. فلم تكد وفود الأطراف الثلاثة تصل إلى بلدانها، حتى بدأت نتائج القمة تتكشف عن رسائل نارية تمثلت بتعرض القواعد التركية لقصف نفذته قسد والميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق. كما خطَت روسيا خطوات تصعيدية إضافية من خلال إشرافها على تشكيل غرفة عمليات موحدة ضمتها مع إيران والنظام السوري وقسد وما تلا ذلك من مناورات مشتركة لهذه الأطراف لمواجهة القوات التركية.

كل هذه التطورات وضعها الرئيس إردوغان أمام أعضاء مجلس الأمن القومي التركي الذين فضّلوا على ما يبدو استمرار التحضيرات للعملية العسكرية جنباً إلى جنب مع استخدام مسيرات بيرقدار “لاصطياد” كبار قادة قسد. فكان تأجيل البدء بالعملية العسكرية الخيار الأنسب ريثما تجري القيادة التركية مباحثات جديدة مع الجانب الروسي الذي يمسك بخيوط اللعبة السورية كلها تقريباً. الأمر الذي دفع الجانب التركي لطلب عقد قمة ثنائية روسية-تركية (دون دعوة الجانب الإيراني) انطلاقاً من إدراك تركيا أن روسيا قادرة على إلزام باقي الأطراف بالانصياع لأي اتفاق يتوصل له الطرفان. كما تدرك تركيا جيداً أن الجانب الإيراني يحاول جرها إلى حرب استنزاف ضد وكلاء إيران في العراق وسوريا بشكل مشابه تماماً لحرب الاستنزاف التي تخوضها السعودية ضد الحوثيين -وكلاء إيران في اليمن.  لكن ما الأوراق التي استخدمها الرئيس إردوغان لإقناع الرئيس بوتين بالقبول بخطط تركيا في الشمال السوري؟

قمة سوتشي.. تبادل رسائل المصالح

رغم أنه لم ترشح معلومات مؤكدة عمّا جرى في قمة سوتشي بين الرئيسين إردوغان وبوتين، إلا أن لغة الواقعية السياسية التي يمتاز بها الرئيسان والتي أسهمت بحل عدة نزاعات إقليمية ودولية هي ما ميّزت اللقاء. ففي حين يبدو الموقف التركي متأزماً في الشمال السوري، فإن الموقف الروسي أشد تأزماً بعد غزو أوكرانيا وتحوله إلى حرب طويلة الأمد. فالرئيس التركي في موقف محرج أمام الشعب والمعارضة التركية التي تُعدّ لإسقاطه في الانتخابات القادمة، وكذلك أمام أعدائه الخارجيين كالنظام السوري وقسد بسبب عدم قدرته على تنفيذ العملية التي توعد بها مؤخراً. من ناحية أخرى، يبدو الرئيس الروسي غارقاً في حرب وعَد شعبه أن يحسمها خلال أسابيع قليلة. لكن ها هي تدخل شهرها السادس مع ما حَملَتْه من خسائر فادحة للقوات الروسية وما جرّتْه على البلاد من عقوبات اقتصادية وسياسية قاسية جعلت الرئيس بوتين في موقف لا يحسد عليه.

عوامل القوة التركية.. بوادر أمل

تشير الساعات الأربع التي استغرقتها محادثات الرئيسين في سوتشي أن الرئيس إردوغان ألقى ما في جعبته من أوراق القوة أمام الرئيس بوتين لينتزع منه ما جاء لأجله. فمع انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، استطاعت تركيا الاحتفاظ بموقف محايد رغم تزويدها الجيش الأوكراني بعدد من طائرات بيرقدار التي لعبت دوراً حاسماً في الأشهر الأولى من الغزو. لكن يبدو أن تركيا جمدت لاحقاً تزويد أوكرانيا بأعداد إضافية من هذه الطائرات (لتجنب التصادم مع روسيا)، كما استضافت المباحثات الأوكرانية الروسية لمحاولة إنهاء الحرب. فاستغل الرئيس بوتين هذه المباحثات ليسحب قواته من محيط كييف ويعيد نشرها في إقليمي لوهانسك ودونيتسك، وليتلافى بذلك الخسائر التي كادت تطيح به في الأشهر الأولى من الغزو. كما استطاعت تركيا التوسط مجدداً بين الطرفين لتنجح بالتوصل لاتفاق إسطنبول لتصدير القمح الأوكراني إلى دول العالم. وجاءت معارضة تركيا انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو لتزيد من الحاجة الروسية لتركيا إذْ وفرت عليها إعلان الحرب على دول جديدة على غرار ما فعلت مع أوكرانيا.

رغم الملفات الأخرى التي تناولتها قمة سوتشي، إلا أن الشعب السوري يترقب “رياح التغيير” التي وعد بها الرئيس بوتين كما ينتظر إثبات الرئيسين قدرتهما مجدداً على تجاوز المأزق الراهن في الشمال السوري. وفيما تبدو مرحلة الانتقال السياسي بعيدة المنال، فإن أهالي منبج وتل رفعت يتوقون للعودة إلى بيوتهم التي هجرهم منها تنظيم قسد بدعم روسي. حتى إذا لم تحصل تركيا على ضوء أخضر روسي للسيطرة عليهما معاً (بسبب تمسك إيران الشديد بتل رفعت التي تشكل حزاماً يحيط ببلدتي نبل والزهراء الشيعيتين)، فمن المرجح أن تكون السيطرة على منبج فقط حلّاً مُرْضياً لجميع الأطراف. وستبرهن الأيام القادمة أن لغة المصالح في قمة سوتشي أقوى من رسائل النار بعد لقمة طهران.

تلفزيون سوريا

———————–

بوتين وأردوغان… براغماتية بلا حدود/ أسعد عبود

عندما يريد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، تجنب تسمية الأمور بأسمائها في سوريا، فإنهما يعتمدان صيغة مبهمة كمثل الاتفاق على “محاربة الإرهاب” في هذا البلد، علماً أن الإرهاب في نظر موسكو هو “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل جهادية أخرى تتمركز في الشطر الذي تهيمن عليه تركيا في شمال سوريا، بينما الإرهاب في نظر تركيا، يتمثل في “وحدات حماية الشعب” الكردية وحزب “الاتحاد” الكردي اللذين تعتبرهما أنقرة النسخة السورية لـ”حزب العمال الكردستاني” الذي يقاتل منذ عام 1984 للحصول على حكم ذاتي للأكراد في جنوب شرقي سوريا.

الاتفاق على “محاربة الإرهاب” في سوريا، كان من بين النتائج التي خلصت إليها القمة بين بوتين وأردوغان في سوتشي الجمعة. وهذا يعني أن الرجلين قررا أن ينحيا خلافاتهما جانباً في ما يتعلق بسوريا. وأقصى طموح بوتين، هو أن يحول دون شن أردوغان عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، في توقيت غير مناسب لروسيا المنشغلة بكليتها للحرب في أوكرانيا. وأي هجوم تركي في الظرف الراهن من شأنه أن يترك تداعيات سلبية على الحكومة السورية، وهذا ما لا تريده موسكو.

وفي مقابل إرجاء هجومه الذي يلوح به منذ أشهر، حصل الرئيس التركي على مقابل لا يستهان به. ذلك، أن روسيا كرسته وسيطاً ناجحاً في اتفاق معاودة تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، ما جعله يظهر بمظهر المنقذ لعشرات الملايين من البشر من جوع محتم، على أثر معاناة دول كثيرة من نقص في الغذاء بعد نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية.

منح بوتين هذا الامتياز الإقليمي والدولي لأردوغان وحده، علماً أن زعماء دوليين آخرين حاولوا لعب دور الوساطة على هذا الصعيد.

ليس هذا فحسب. بل إن استمرار تزويد روسيا لتركيا بالنفط والغاز واستمرار تدفق السياح الروس على المنتجعات التركية، يوفر لتركيا ما يصل إلى 35 مليار دولار سنوياً. وهذا مبلغ يبدو الاقتصاد التركي في حاجة ماسة إليه لإنقاذه من الركود والحد من تدهوره.

ولذلك، لم ينضم أردوغان إلى العقوبات الغربية على روسيا وبقي محتفظاً بعلاقة ودية مع كل من موسكو وكييف.

إن أردوغان يحاول التأقلم مع ظروف الحرب وإخراج تركيا بأقل الخسائر منها، على عكس دول أوروبية تعاني الأمرين، بحكم العقوبات التي فرضتها على روسيا.

أردوغان نجح في عدم معاداة روسيا أو أوكرانيا. وأبقى مصلحة تركيا هي الأولوية في سياسته الخارجية. ووقف في وجه انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، عندما اقتضت مصلحة بلاده ذلك، وحصل على ثمن سياسي وأمني كبير، لرفع الفيتو التركي عن عملية الإنضمام.

وها هو اليوم يوطد علاقاته بروسيا، ولا يلتفت إلى الانتقادات الغربية، ويحصل في المقابل على تعزيز لموقع تركيا، كقوة إقليمية متقدمة، من البحر الأسود إلى البحر المتوسط. وهذا دور جيوسياسي كبير من شأنه رفع شعبية الرئيس التركي على مسافة أقل من سنة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

لا شك في أن عدم تهور أردوغان في اتخاذ مواقف معادية لروسيا عقب غزو أوكرانيا، قد عاد عليه بفوائد جمة. هذا، رغم أن أنقرة سارعت منذ اليوم الأول إلى التنديد بالهجوم الروسي. لكن احتفاظ أردوغان بخطوط التواصل مع بوتين، أثمر توسيعاً لدور تركيا في المنطقة.

وفرضت الواقعية السياسية على كل من بوتين وأردوغان أن يسيرا على حبل مشدود وأن يعرفا كيف يوظفان العلاقة الروسية – التركية لخدمة روسيا وتركيا، وأن لا ينجرفا في سياق المواقف العاطفية التي يتبين حجم الدمار الذي تلحقه ببلدان كثيرة.

النهار العربي

————————

أكراد سوريا و«الخيانات» الأميركية… والروسية/ إبراهيم حميدي

سأل مسؤول عربي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، عن سر التعاون الفريد بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، فأجاب لافروف بأن هناك «علاقة شخصية خاصة بينهما. الرئيس بوتين يعتقد أن إردوغان ينفذ ما يتعهد به، رغم الصعوبة والمنافسة بينهما والتاريخ العدائي بين البلدين. تركيا لها نفوذ عسكري في ساحات مختلفة، من ليبيا إلى ناغورنو قرة باغ إلى أوكرانيا، وانتهاء بسوريا، وبوتين يعتقد بإمكانية إيجاد صيغ للتعاون مع إردوغان».

النموذج السوري الأخير لهذا «التعاون العدائي»، يتعلق بنيات إردوغان شن عملية عسكرية في شمال سوريا ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، عمود «قوات سوريا الديمقراطية»، الحليفة لأميركا؛ إذ إنه رغم التهديدات المتكررة من إردوغان والاستعدادات العسكرية لجيشه وفصائل سورية موالية لأنقرة، فإن الهجمات الواسعة لم تبدأ؛ لأن موسكو لم تعطِ الضوء الأخضر لذلك، كما هو الحال في التوغلات التركية السابقة في 2016 و2018 و2019 و2020 التي جرت بتفاهمات روسية-تركية.

الوصفة الجديدة التي أبلغها بوتين لإردوغان لدى لقائهما على هامش القمة الثلاثية (مع الرئيس الإيراني) في طهران، أو الثنائية في سوتشي، كانت مختلفة هذه المرة، وتتضمن:

أولاً، السماح بتوسيع ضربات المُسيَّرات (الدرون) ضد قياديين من «حزب العمال الكردستاني» أو من «وحدات الحماية»، تقول أنقرة إنهم على علاقة بـ«الكردستاني» بدلاً من التوغل العسكري. أي استهدافات جوية تسمح بها منظومة الصواريخ الروسية، واستبعاد الهجوم البري والصدام مع القوات السورية والكردية. وهذا ما حصل، علماً بأن الأكراد يتحدثون عن استهدافات لقادة ليسوا من «الكردستاني» أو مدنيين.

ثانياً، استضافة موسكو سلسلة من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى بين مسؤولين سوريين وأتراك، للبحث عن إمكانية تلبية المطالب التركية دون التوغل البري والإقامة في الأراضي السورية. وهذا حصل فعلاً في الأيام الأخيرة بالعاصمة الروسية.

ثالثاً، وضع اتفاق أضنة بين أنقرة ودمشق لعام 1998 على مائدة التفاوض، وإمكانية البحث عن توقيع اتفاق «أضنة-2» بما يعكس الواقع السوري الجديد ويسمح لتنسيق أمني سوري- تركي لضمان أمن الحدود ومحاربة الإرهاب، وتعاون سياسي مستقبلي. هنا، كان لافتاً كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن «دعم سياسي» لدمشق ضد الأكراد.

رابعاً، دفع دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) للتعاون بإجراء تنسيق عسكري ومناورات مشتركة، وتمديد انتشار الجيش السوري في مناطق النفوذ شرق الفرات، وصولاً إلى أن تكون يد دمشق هي الأعلى على «قسد»، بانتظار نضوج ظروف الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، أو «تفكيك» الوجود العسكري الموالي لواشنطن، من الداخل مع مرور الزمن. أي أن تنسج موسكو سجادة تسير عليها «قسد» بالطريق إلى الحضن السوري، وطريقاً لعودة الجيش السوري إلى شرق الفرات.

خامساً، إمكانية السماح الروسي بعملية عسكرية تركية محدودة في تل رفعت في ريف حلب، لتحييد منصات الصواريخ التي تشكل تهديداً ومصدراً للهجمات على الجيش التركي وفصائل موالية له في عفرين. موعد هذه العملية مرتبط بمواعيد تركية تخص الانتخابات، وتفاهمات بين موسكو وأنقرة تخص ملفات أخرى، بما فيها «صفقة الحبوب» الأوكرانية. وربما تخص أيضاً المكاسرة الأميركية- الروسية على المسار السياسي في جنيف؛ إذ إنه بعد إصرار موسكو على عدم انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف، تعمل واشنطن على استضافة اجتماع سياسي يخص سوريا في جنيف بداية الشهر المقبل. وبين المكاسرة القطبية، اقترحت أنقرة عقد اجتماعات «الدستورية» في مقر أممي في دول ما، وكأنها اقتربت من الطرح الروسي على حساب الاستعراض الأميركي.

واقع الحال، لم يأتِ «الفيتو» ضد العملية التركية البرية الواسعة، من موسكو فقط؛ بل إنه جاء من طهران وواشنطن، ولكل عاصمة أسبابها. بالنسبة لطهران، يتعلق الأمر بعلاقتها مع دمشق. أما بالنسبة للجانب الأميركي والغربي، فـمصدر «الفيتو»، هو القلق من أن تؤدي العملية إلى تراجع انخراط «قسد» في الحرب ضد «داعش». بالفعل، تبلغت أنقرة تحذيرات واشنطن التي تضمنت تلويحاً بعقوبات لا يريدها إردوغان، مع اقتراب موعد الانتخابات منتصف العام المقبل. عدا عن ذلك، ليس هناك مانع لدى واشنطن في إنجاز موسكو ترتيبات أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية بين دمشق والقامشلي؛ خصوصاً أن المسؤولين الأميركيين يقولون دائماً إن إقامتهم العسكرية مستمرة مع إدارة الرئيس جو بايدن؛ لكنها ليست أبدية، وعلى الأكراد أخذ هذا بالحسبان.

لكن هذا «الفيتو»، لم يوفر مظلة أميركية ضد «المسيرات التركية». تراخي واشنطن في الحسم «الأحمر» ضد أنقرة، ذكَّر الأكراد بـ«خيانات أميركية» سابقة في الشرق الأوسط. بعضها كان في سوريا لدى الانسحاب المفاجئ من مناطق في شرق الفرات نهاية 2019. وقتذاك، اندفع الأكراد للتعاون مع دمشق بمظلة روسية. كما أن إغراءات موسكو ذكَّرت الأكراد أيضاً بـ«الخيانات الروسية» في 2016 بعملية «درع الفرات»، وفي 2018 بعملية «غصن الزيتون». فهل تمهد «الخيانات» الأميركية والروسية طريق الأكراد إلى دمشق؟

الشرق الأوسط

———————-

خطوة تركيا المقبلة في سورية/ فاطمة ياسين

لتركيا نفوذ كبير في الشمال السوري، لكنه يفتقر إلى الاستمرارية، فوجودها يشكل قطاعاتٍ متفاوتة الاتساع، تفصل بينها فجوات عريضة، ترى السلطات التركية أن مجموعاتٍ مسلحةً يمكن أن تنفذ منها إلى الداخل التركي لتنفذ عمليات إرهابية، وهي ترغب في سد هذه الثغرات بتمديد مناطق النفوذ لتشمل كامل الحدود التي تتشاطرها مع سورية، وعلى عمقٍ كافٍ يؤمن منطقة تامة العزل بينها وبين المجموعات التي تراها خطرة على أمنها. لذلك، هي تريد تشكيل قلق لهذه المجموعات المسلحة الكردية، بما يزعزع قدرتها على التجمع، وتشكيل كيان سياسي وعسكري أكثر خطورة. تعتقد تركيا اليوم أن الوقت قد حان، وأن الظروف قد نضجت، للقيام بعمليتها التي بموجبها سيمسح عسكريون أتراك وعرب المنطقة المحاذية للحدود، من الجسر الروماني في عين ديوار أقصى الشرق، إلى قرية ميدان إكبس في عفرين غرباً، في خط واحد لا ينفصل، وبعمق استراتيجي كافٍ. وحتى تحقق تركيا هدفها هذا، تدرك أنها بحاجة إلى موافقة كل من أميركا وروسيا معاً. أميركا هي الراعي الرسمي للجماعات التي تسيطر على هذه المنطقة، وتدعمها بالسلاح والمال، وما زالت تحتفظ بعدد رمزي من القوات الأميركية هناك، ما يجعل أي دخول من دون موافقتها أمراً عسيراً، وتركيا في حاجة كذلك لموافقة روسيا المسيطرة فعلياً على الأجواء السورية، وتمتلك، إلى حد كبير، القرار السياسي السوري، الذي يمكن توجيهه ليغضّ النظر عن امتداد عسكري كهذا.

وتحتاج موافقات من هذا النوع من تركيا إلى حملة دبلوماسية ناجحة على الجبهتين المتناقضتين، خصوصاً في ضوء كثير من الأجواء الملبدة بين تركيا وأميركا، بعد محاولة ضم كل من السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي والتشويش التركي عليها، بالإضافة إلى التقارب الروسي التركي الذي تراه أميركا غير ضروري، ويساهم في توتر العلاقات بينهما، وإشكالات تزويد تركيا بطائرات إف 16 الأميركية. في وسط هذه الفوضى، على الدبلوماسي التركي الانخراط بنقاشات محمومة، ليجد لطلبه آذاناً أميركية مُصغية. وعلى الجانب الآخر، عليه أن يعطي روسيا مبرّرات كافية تسهل العملية في الشمال السوري، وقد يكون هذا الوقت هو الأنسب، وأولى سفن شحن القمح الأوكراني قد تحرّكت ووصلت إلى المياه الإقليمية التركية، وقد رعت تركيا والأمم المتحدة اتفاقاً ييسّر تصدير القمح بين الروس وأوكرانيا، وقد التقى بوتين وأردوغان في طهران وسوتشي، ولا بد أنهما قد خصّصا جزءاً كبيراً من لقاءيهما لهذا الأمر.

قبل سنوات، رفضت أميركا فكرة العملية التركية هذه، وما زالت تجد أن حزاماً أمنياً من هذا النوع سيعوق الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تركيا لم تفقد الأمل، خصوصاً أن الرفض الحالي جاء على ألسنة بعض أعضاء الكونغرس ومن لجنة الشؤون الخارجية فيه، كذلك رفضه مسؤول ثانوي في البنتاغون (نائب مساعد وزير الدفاع)، بمعنى أنه ما زال في الإمكان الحديث مع مسؤولي الصف الأول وإقناعهم، وربما لدى أردوغان بعض ما يُقايض به. ولكن من جهة أخرى، لا تبدو مهمته مع روسيا سهلة أيضاً، رغم الروابط بين البلدين، ورغم أن تركيا أحد زبائن الغاز الروسي الذي لم ينقطع أو ينقص، وما زال نصف غازها يتدفق من روسيا، وتبني الأخيرة محطة نووية على البحر المتوسط ستزود تركيا بعشرة بالمائة من حاجتها إلى الكهرباء.

لدى أميركا وروسيا أسباب كثيرة لرفض الطلب التركي، ورغم شعور تركيا بامتلاكها مغريات كثيرة للطرفين، فإن أردوغان غالباً ما سيواجه “فيتو” من الدولتين، ولا يمكن أن تقوم تركيا بمغامرة من هذا النوع على مسؤوليتها، لكن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤهلها للتقدّم خطوة بخطوة، ويمكن أن نستعيد بالذاكرة كيف كانت الحدود قبل ست سنوات، لنعرف فائدة أسلوب الخطوة بخطوة بالنسبة إلى تركيا.

العربي الجديد

————————–

إردوغان: بوتين طلب مني التعاون مع نظام الأسد

بعد تأكيد الرفض الروسي لعملية تركية في شمال سوريا خلال «قمة سوتشي»

أنقرة: سعيد عبد الرازق

غداة القمة الروسية – التركية، في سوتشي، التي أعادت التأكيد على تباعد المواقف بين الجانبين، وتأكيد رفض موسكو لعملية عسكرية تركية محتملة في شمال سوريا، كشف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن نظيره، فلاديمير بوتين، عرض عليه حل الأزمة، بالتعاون مع النظام السوري.

وقال إردوغان، في تصريحات لمجموعة صحافيين رافقوه، خلال عودته من سوتشي، نُشرت أمس (السبت)، إن بوتين أخبره بأن حل الأزمة السورية سيكون أفضل بالتعاون مع نظام بشار الأسد، وأنه رد بأن جهاز المخابرات التركية يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع المخابرات السورية «لكن بيت القصيد هو الحصول على نتائج».

أضاف إردوغان أن «السيد بوتين يحافظ على نهج عادل تجاه تركيا بشأن هذه القضية، ويذكر، على وجه التحديد، أنه سيكون معنا دائماً في الحرب ضد الإرهاب، وأنه ما دامت مخابراتنا تعمل على الأمر مع المخابرات السورية، فإننا نحتاج إلى دعم روسيا، وهناك اتفاقيات وتفاهمات بين البلدين في هذا الصدد».

وأوضح إردوغان أنه أبلغ بوتين، خلال لقائهما في سوتشي، أول من أمس (الجمعة)، بأن حل الأزمة السورية لا يمكن أن يتحقق، والمنظمات الإرهابية تصول وتجول فوق الأراضي السورية، وأنه ناقش معه إمكانية القيام بعملية عبر الحدود في سوريا. وأضاف: «ناقشنا أيضاً الخطوات التي يمكن اتخاذها ضد التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا، واتفقنا على قرار منح حق الرد الضروري للهجمات على قواتنا الأمنية وأسراب القتلة الذين يهاجمون مواطنينا المدنيين».

وقال إردوغان إنه وبوتين اتفقا على التضامن والتنسيق بين بلديهما خلال التحرك ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا.

وأكد بيان مشترك، صدر عقب لقاء بوتين وإردوغان في سوتشي، أن الاتفاق على التضامن والتعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية في سوريا، وأهمية العلاقات القائمة على الثقة بين البلدين في إرساء الاستقرار إقليمياً ودولياً.

وتلوّح تركيا، منذ مايو (أيار) الماضي، بشن عملية عسكرية في شمال سوريا، تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية (تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً) غالبية قوامها، في منبج وتل رفعت، بهدف استكمال إقامة مناطق آمنة بعمق 30 كيلومتراً كحزام أمني على حدود تركيا الجنوبية. لكن العملية المنشودة قوبلت بالرفض من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلى جانب روسيا وإيران، اللتين تدعمان النظام السوري الذي يتشارك السيطرة مع «قسد» على مناطق في شمال وشمال شرقي سوريا.

وقبل أسبوع من انعقاد «قمة سوتشي»، نفذت قوات النظام و«قسد» مناورات بالذخيرة الحية في منبج، تحت رعاية القوات الروسية.

وقبل ساعات من القمة، قال المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، إن موسكو تأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا في سوريا، لكن من المهم للغاية عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تزيد من عدم الاستقرار، وتضر بوحدة أراضي البلاد، في تأكيد للرفض الروسي للعملية التركية المحتملة.

وعكست تصريحات إردوغان للصحافيين، في طريق عودته من سوتشي، بحسب مراقبين، ارتداداً عن العملية العسكرية التي لوّح بها من قبل، بعدما واجه رفضاً إيرانياً وروسياً لها خلال قمة طهران الثلاثية مع بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 19 يوليو (تموز) الماضي. وتكرار الموقف الروسي في القمة الثنائية مع بوتين، في سوتشي، جاء بعد 17 يوماً فقط من قمة طهران التي تناولت الملف السوري، في ضوء مسار آستانة، الذي تدور مفاوضاته بضمان روسيا وتركيا وإيران.

الشرق الأوسط

———————————–

مرحلة توتر غير معلن بين تركيا وإيران/ سعيد الحاج

دون مواقف رسمية أو إعلان صريح، يبدو أن حالة التنافس بين تركيا وإيران قد انتقلت مؤخرا إلى مرحلة من التوتر بين البلدين، على خلفية الاختلاف بل التناقض في الرؤى والمواقف تجاه عدد من القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها سوريا والعراق.

تنافس إقليمي

ورغم حالة التنافس الشديد في المنطقة بين تركيا وإيران، والتي تغذيها أسباب تاريخية وقومية وجيوسياسية ومنظومة مصالح متشعبة ومركبة، فإن البلدين يفخران بأنهما يملكان الحدود الأكثر استقرارا في المنطقة على مدى القرون الأخيرة.

تمتلك كل من الدولتين -ولا سيما في التاريخ المعاصر القريب- مشروعاً مختلفاً عن الآخر ومنافساً له في المنطقة، وتحديداً فيما يتعلق بجوارهما القريب، وعلى وجه التحديد سوريا والعراق، وتساهم في ذلك سياقات تاريخية وهوياتية وثقافية عديدة، فضلاً عن شكل النظام وبنيته في كل منهما.

وقد تمثل الخلاف الأبرز بين الجانبين في العقد الأخير في سوريا، حيث وقف كل منهما على طرفي نقيض في الثورة السورية وحتى اليوم. وقد وصل الخلاف ذروته بين الجانبين في 2015، حيث اتهمت تركيا إيران بانتهاج “سياسات مذهبية” في سوريا والمنطقة، وردت الأخيرة بتهديدها على لسان بعض مسؤوليها. لكن ذلك لم يصل إلى مرحلة الصدام المباشر، وإنما عاد الجانبان إلى سياسة المواجهة غير المباشرة والحرب بالوكالة أحيانا.

وقد ساهم مسار أستانا منذ 2017 في تخفيض التوتر بين القوتين الإقليميتين، حيث شكل إطاراً للحوار وتجاوز الأزمات وتجنب الصدام، وأحياناً التفاهم والتنسيق في بعض الجزئيات ولا سيما مع وجود روسيا كفاعل رئيسي في الإطار الثلاثي الضامن في سوريا.

وباستثناء محطات قليلة حصلت فيها مواجهة بين القوات التركية في سوريا ومجموعات محسوبة على إيران أو مقربة منها، فقد أدار البلدان خلافاتهما بدون تصعيد ملحوظ إلا من بعض التصريحات هنا وهناك، ولكن أمكَنَ دائماً العودة للحالة السابقة، كما حصل على هامش حرب إقليم ناغورني قره باغ الأخيرة.

توتر غير معلن

لكن الشهور الأخيرة حملت مستجدات وتطورات دفعت العلاقات بين البلدين نحو التوتر مجدداً، وإن كان بشكل غير معلن.

لعل العنوان الأبرز بين الجانبين مؤخراً هو العملية التي تلوّح بها تركيا في شمال سوريا في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تعدها امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنفها منظمة إرهابية وانفصالية. تعلن أنقرة أن هدفها الرئيس من العملية منع الهجمات على مناطق تواجد قواتها -وفصائل المعارضة السورية- واستكمال إنشاء منطقة آمنة لعودة السوريين المقيمين على أراضيها إليها، ولا سيما أنها تعلن نيتها إعادة مليون منهم لتلك المنطقة قريباً.

وليس سراً أن إيران تعارض هذه العملية من باب أنها توسع نفوذ تركيا -ومعها فصائل المعارضة- في سوريا، فضلاً عن مخاوف تتعلق بمدى العملية ومناطق تنفيذها وأهدافها البعيدة المدى، ومدى قدرة أنقرة على ضبط أداء فصائل المعارضة السورية، وغير ذلك.

ولذا، فقد جاءت التصريحات الإيرانية منذ البداية رافضة “للحلول العسكرية” وداعية لمسار سياسي، فضلاً عن تأكيدها على فكرة سيادة سوريا واستقلالها، بما يعني رفض العملية التركية المحتملة بشكل غير مباشر.

استضافت طهران قمة ثلاثية للدول الضامنة الشهر الفائت، وكانت العملية التركية القضية الأبرز على جدول أعمالها. لكن الدول الثلاث لم تنجح في التوصل لاتفاق ما، فلا روسيا وإيران أيدتا العملية رسمياً، ولا تركيا تراجعت عنها علناً، بل كانت القمة تكراراً للمواقف السابقة مع بيان ختامي فضفاض يصلح للفهم بأكثر من سياق.

لكن لعل أكثر ما رسخ من القمة كان تصريح المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بأن العملية التركية “ستضر بسوريا وتركيا والمنطقة”، وخصوصاً أنه جاء خلال لقائه بالرئيس التركي، وهو ما فهم على أنه تحذير وتهديد. ويبدو أن التطورات في العراق بعد القمة مباشرة أكدت هذا المعنى.

فبعد القمة بأيام، اتهمت السلطات العراقية أنقرة بالمسؤولية عن استهداف قرية سياحية في زاخو بمحافظة دهوك، وقع خلاله عدة قتلى وجرحى بين المدنيين. ورغم نفي تركيا أي دور لها في الهجوم واتهامها حزب العمال الكردستاني بالوقوف خلفه للتشويش على عمليات مكافحتها له في العراق ومحاولة إعاقتها، ورغم إعلانها استعدادها للتعاون الكامل مع السلطات العراقية للكشف عن ملابسات الهجوم ومن يقف خلفه، فإن بغداد فضّلت التصعيد ورفعت الأمر لمجلس الأمن.

التطورات اللاحقة كانت أكثر أهمية ودلالة، وتحديداً استهداف القوات التركية في العراق وكذلك قنصليتها في الموصل، مع بيانات تبنٍّ من مجموعات رفعت شعار “مقاومة الاحتلال التركي”، مما صنفها كمجموعات تدور في فلك طهران، ووضع حالة الاشتباك في قالب الضغط على تركيا قبيل إطلاق عمليتها في سوريا لمحاولة منعها.

قرئ ذلك من قبل الكثيرين على أنه رفع لمستوى التنافس بين إيران وتركيا، ووضعه في إطار المواجهة غير المباشرة والضغط لثني الأخيرة عن عمليتها في سوريا، فضلاً عن وضع العمليات التركية ضد العمال الكردستاني في العراق موضع الشك والضغط، مع مطالبات عراقية رسمية وشعبية بوقفها وسحب القوات التركية من الأراضي العراقية.

يتقاطع ذلك مع بعض التقارير التي تتحدث عن تعاون بين مجموعات وفصائل عراقية تدور في الفلك الإيراني وبين العمال الكردستاني في مواجهة أنقرة مؤخراً، وهو أمر بالغ الحساسية بالنسبة للأخيرة، إذ يتعلق بشكل مباشر بأمنها القومي وإستراتيجية المكافحة الاستباقية التي تتبناها ضد الكردستاني في السنوات الأخيرة والتي بدأت تؤتي أكلها.

يضاف كل ما سبق للمواجهة غير المباشرة مؤخراً بين إيران و”إسرائيل”، والتي دارت بعض فصولها على الأراضي التركية بما أزعج أنقرة. ذلك لأنه رداً على اغتيال عدد من الشخصيات الإيرانية المرتبطة بالمشروعين النووي والصاروخي لطهران، حاولت الأخيرة استهداف شخصيات “إسرائيلية” بعضها مقيم على الأراضي التركية، وفي مقدمتهم رجل أعمال تركي “إسرائيلي” ذو علاقة بالصناعات الدفاعية.

أعلنت السلطات التركية أنها أحبطت عملية استهدافه في عملية شملت إخبار الموساد عنها والتعاون معه إزاءها، فضلاً عن توقيف أنقرة شبكات استخباراتية إيرانية خلال الشهور الفائتة. ورغم أن طهران أنكرت أن تكون لها خطط لاستهداف “إسرائيليين” في تركيا، فإن أنقرة دعت علناً ورسمياً على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو إلى “عدم تحويل أراضيها لساحة تصفية حسابات بين الدول”، بما يضرّ بسمعتها وأمنها وموسم السياحة فيها.

كما أن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لأنقرة أجلت في تلك الفترة، قبل أن يجريها الوزير بعد التصريحات الإيرانية الملتزمة بأمن تركيا وتجنب التصعيد مع “إسرائيل” على أراضيها.

في الخلاصة، تواترت وتزامنت عدة ملفات خلافية بين تركيا وإيران مؤخراً رفعت حالة التنافس بينهما إلى مرحلة من التوتر غير المعلن، بل ربما المواجهة غير المباشرة على الأراضي العراقية. يحمل الأمر دلالات مهمة خصوصاً أنه متعلق بشكل مباشر بما تعدُّه أنقرة متطلبات لأمنها القومي في كل من سوريا والعراق، وتحديداً مواجهة منظمة العمال الكردستاني الهدف الأبرز لسياساتها الخارجية والأمنية والعسكرية على مدى العقود الأربعة الماضية.

وبالنظر إلى أن تركيا قد حققت خلال السنوات الماضية -ولا سيما بعد 2016- نجاحات ملموسة في مواجهة المنظمة الانفصالية في العراق من خلال عمليات متتابعة، إضافة للضربات التي وجهتها لمشروع الدويلة الكردية في الشمال السوري، فإن أي جهد يمكن أن يضر بهذه الإستراتيجية يثير غضبها بشكل ملحوظ.

ولذا، يبدو أن تركيا قد قررت الاستعاضة عن الإطار الثلاثي لأستانا بلقاء ثنائي في سوتشي، ستحاول خلاله التفاهم مع روسيا بخصوص عمليتها، ولا سيما أن الأخيرة ذات نفوذ ملحوظ على النظام، وتطالبها أنقرة بشكل متكرر بالوفاء بالتزاماتها التي وقّعتها معها خلال عملية نبع السلام في 2019، فضلاً عن سيطرتها على الأجواء السورية بما يمنحها تأثيراً مباشراً على شكل العملية التركية وأهدافها ومدتها وفرص نجاحها.

وفي حال استطاعت أنقرة إقناع موسكو بإطلاق العملية، وفق أي تفاهم معها، فإن ذلك قد يضع القوات التركية ومعها فصائل المعارضة السورية في مواجهة بعض المجموعات المحسوبة على إيران، مما يعني ارتفاع منسوب التوتر بين أنقرة وطهران، وهو احتمال لا يريده الطرفان لكن قد تفرضه التطورات في ظل التمترس خلف المواقف وعدم القدرة على التوصل لتفاهم بهذا الخصوص.

سعيد الحاج

كاتب وباحث في الشأن التركي

————————–

================

تحديث 09 آب 2022

———————–

عن رسائل أردوغان الأخيرة/ عمر قدور

الرسالة الأولى هي قول أردوغان أنه أبلغ بوتين خلال لقائهما في سوتشي، يوم الجمعة الفائت، أن “حل الأزمة السورية لا يمكن أن يتحقق والمنظمات الإرهابية تصول وتجول فوق الأراضي السورية”. بينما نقل عن بوتين، في ما يمكن اعتباره رسالة ثانية، قوله “أن حل الأزمة السورية سيكون أفضل بالتعاون مع بشار الأسد”.

ما سبق أتى من ضمن تصريحات أدلى بها أردوغان لمجموعة صحافيين مرافقين له في رحلة العودة من سوتشي، ونُشرت يوم السبت. وفي قراءة الأقوال استحوذ على الاهتمام الشقُّ الذي يشي بعدم موافقة بوتين على عملية عسكرية تركية ضد قسد، والاكتفاء عوضاً عنها بتفاهم يسمح لأنقرة بمهاجمة أهداف كردية منتقاة، بالتنسيق مع موسكو، وربما ضمن التنسيق المخابراتي مع سلطة الأسد.

هذا المستوى العملياتي حجب الإشارات الأعمّ المتعلقة بالموقف التركي من القضية السورية ككل، فربطُ أردوغان حل “الأزمة السورية” بالقضاء على التنظيمات الإرهابية يتجاهل أصل القضية السورية والثورة التي قامت ضد الأسد، لتبدو المشكلة كأنها مقتصرة إلى حد كبير على وجود الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني. علينا في هذا السياق تذكر تصريح وزير الخارجية التركي، وفيه أشار إلى استعداد بلاده لتعاون سياسي مع الأسد ضد منظومة الإدارة الذاتية الكردية، أي أنه يعِد بتجاوز مستوى التواصل المخايراتي الموجود أصلاً.

تتوّج التصريحات التركية الأخيرة مساراً من التعاطي مع القضية السورية ليس حديث العهد، هو مسار بدأ عملياً منذ سنوات، تراجع خلالها خطاب أنقرة المضاد للأسد، لحساب التركيز على الهاجس الأمني المتعلق بحزب العمال الكردستاني. الانعطافة الفعلية حدثت إثر التدخل العسكري الروسي المؤيَّد بموافقة واشنطن، وقراءة الحكم التركي له على أنه طوي لصفحة إسقاط الأسد، ليأتي التدخل العسكري التركي المباشر تتويجاً لتفاهمات مع قوى النفوذ الأخرى وفي مقدمها روسيا، وليتولى تحديداً ضبط الفصائل التي قامت أصلاً بهدف محاربة الأسد، بصرف النظر عن مدى إخلاصها لذلك الهدف.

معلومٌ أن أنقرة ساهمت كضامن في الخدعة الروسية المسماة آنذاك “مناطق خفض التصعيد”، حتى لم يبقَ منها سوى إدلب بوصفها ضرورة لتكديس اللاجئين المرحَّلين من المناطق الأخرى. منذ الاتفاق على “خفض التصعيد” اتخذت الفصائل المشمولة به رسمياً وضعية الدفاع، بمعنى التزامها بعدم مهاجمة قوات الأسد وحلفائه، أي أن الاتفاق كان ينص فعلياً على إنهاء الحرب ضد الأسد. استكمالاً لذلك، لم تسيطر القوات التركية والفصائل التي أصبحت تابعة لها على أية منطقة كانت تحت سيطرة الأسد، وكافة مناطق النفوذ التركي الحالية “باستثناء إدلب” كانت إما تحت سيطرة داعش أو سيطرة القوات الكردية.

فقط شكلياً، حافظت الفصائل التابعة لأنقرة على الخطاب المضاد للأسد، بينما هي عملياً تنفّذ السياسية التركية بحذافيرها، وهو أيضاً حال ائتلاف المعارضة. بتغييب القضية الأم، قفز الموضوع الكردي إلى صدارة الخطاب الإعلامي، لتصبح محاربة قسد هي القضية البديلة. من دون أن يعني هذا التحول أن علاقة المعارضة بقسد كانت إيجابية من قبل، ومن دون إعطاء قسد أية ميزة لكونها صارت هدفاً لفصائل فقدت العقيدة التي تأسست عليها. جزء من المعركة بين الفصائل وقسد صار محتماً، يمليه الصراع على النفوذ في المساحة المتاحة خارج سيطرة الأسد، والجزء الآخر يعود بالتأكيد إلى تبني الخطاب الرسمي التركي إزاء الموضوع الكردي.

عطفاً على التأثير التركي، سيكون مضحكاً وفضفاضاً تبادل الاتهام بالإرهاب بين تلك الفصائل وقسد. ذلك بخلاف شعار مكافحة الإرهاب الذي راح يحتل صدارة الخطاب التركي المتعلق بسوريا، وبه انضمت أنقرة إلى القوى الأخرى التي ترفع الشعار ذاته، مع التفسير التركي الذي يكاد يحصر التهمة بحزب العمال وفروعه، بينما تراه الإدارة الأمريكية في التنظيمات الجهادية العايرة للحدود، وتراه موسكو في كافة الفصائل التي قاتلت الأسد، أو في أحفاد معاوية بحسب المطالبين بثارات زينب.

إذاً، مع تأويلها الخاص للإرهاب، انضمت أنقرة إلى السائد دولياً في النظر إلى القضية السورية. نذكّر هنا تحديداً بالتحول في التعاطي الدولي منذ أبرمت واشنطن صفقة الكيماوي، حيث فُهم منها قبولاً أمريكياً ببقاء الأسد، لينصرف الاهتمام إلى معالجة تبعات بقائه، ولتقفز إلى الصدارة قضيتا الإرهاب واللاجئين.

داخلياً، لن يكون الرأي العام وقوى المعارضة التركيين بعيدين عن الهواجس الدولية، فالغالبية لديها هواجس أمنية تقليدية تجاه ما تعتبره إرهاباً وتهديداً كرديين، وربما هناك الآن أغلبية تفوقها من الذين يرون في اللاجئين السوريين خطراً داهماً على تركيا. هناك قوى في المعارضة التركية تفضّل، لمعالجة هذين الملفين، التطبيع مع الأسد، وبهذا تشبه قوى سياسية غربية من أقصى اليمين وأقصى اليسار، مع نكهة محلية يريد أصحابها إثبات فشل سياسة التدخل على النحو الذي انتهجه أردوغان.

في اليوم الذي نُشرت فيه أقوال أردوغان العائد من سوتشي، نُشر أيضاً تصريح لوزير داخليته سليمان صويلو، كشف فيه عن الانتهاء من بناء أكثر من 62 ألف مسكن في إدلب، ضنن المشروع الذي أطلقه أردوغان للعودة “الطوعية” لمليون لاجئ سوري. أي أن الأخير ووزراءه يواصلون بشكل ملحوظ إصدار الرسائل التي تؤكد على أمرين، محاربة “الإرهاب” الكردي والتخلص من “أخطار” وأعباء اللاجئين. وفي الوقت نفسه يسحب أردوغان من معارضيه ورقة التنسيق مع الأسد، فيبدي استعداده للمضي فيه بموجب مقتضيات الأمن القومي لبلاده.

من أجل إعادة أولئك اللاجئين يحتاج أردوغان رضا بوتين، فلا تدكّ طائراته تلك المساكن، وتقوّض معها ادعاءات أنقرة عن العودة الطوعية. هو مثال مبسَّط عن أوراق القوة التي يملكها بوتين للضغط على أردوغان، والتي لم تتأثر بحربه على أوكرانيا، ومن المستحسن الانتباه إليه من قبَل أولئك الذين يظنون أن أردوغان صار في موقع شديد القوة إزاء صديقه الروسي اللدود، فلا يرون نقاط الضعف والقوة لدى كلّ منهما. ويُستحسن الانتباه إلى أن حاجة أردوغان إلى رضا الكرملين ستشتد مع اقتراب موعد الانتخابات التركية في الصيف المقبل، لأن رسائل أردوغان الأخيرة إلى الداخل التركي هي من ضمن حملته الانتخابية المبكرة.

في ما عدا وجهة الداخل التركي، قد تكون الرسائل الأخيرة في اتجاهات عديدة، منها إغراء بشار الأسد كي يمارس مزيداً من الضغوط على قسد، أو ليوقّع نسخة “محسَّنة” من اتفاق أضنة 1998 الذي أعطى للقوات التركية حرية ملاحقة مقاتلي حزب العمال بعمق خمسة كيلومترات ضمن الأراضي السورية. هناك أيضاً رسالة عن التوافق التركي-الروسي إلى واشنطن الداعمة للإدارة الذاتية، ورسالة إلى الأخيرة مفادها ألا تراهن في المدى المنظور على التناقضات بين أنقرة والأسد. في كل ذلك لا رسائل إلى المعارضة السورية، فهذه من المرجّح أن يتولى إيصالها موظفون بعيداً عن وسائل الإعلام.

——————–

الجدل حول العملية العسكرية التركية/ رضوان زيادة

أعلنت تركيا منذ شهرين تقريبا عن نيتها القيام بعملية عسكرية في الشمال السوري تستهدف مناطق تل رفعت ومنبج كجزء من مشروعها حول “المنطقة الآمنة” في سوريا التي تحدث عنها الرئيس التركي أردوغان أكثر من مرة، كمنطقة يتمكن فيها من إعادة اللاجئين السوريين وتخفيف الضغط السياسي عليه من قبل المعارضة التركية، لكن في الحقيقة لم توضح الخارجية التركية أبداً ما هو المقصود بالمنطقة الآمنة هذه، ليست المسألة فقط حدود أو عمق هذه المنطقة داخل الأراضي السورية إنما وضعها القاوني، فهل ستسمح الولايات المتحدة وروسيا بإقرار قرار من مجلس الأمن يشرعن هذه المنطقة؟ وهل تتمكن من حماية اللاجئين السوريين من القصف الجوي إذا ما لجؤوا إليها؟

فهل ستكون هذه المنطقة الآمنة خالية من قصف الأسد مما يشجع اللاجئين السوريين على الذهاب إليها، أم أن الأسد مع روسيا سيستمران في قصف هذه المناطق جواً وبراً؟ كل هذه الأسئلة لا تجد لها إجابة مما يجعل القبول بأن المنطقة الآمنة ستجد طريقها للتنفيذ مسألة بعيدة للغاية.

تجد تركيا صعوبة في الحصول على الضوء الأخضر من أميركا أو روسيا اللتين لديهما قوات على الأرض في مناطق شمال وشمال شرقي سوريا ولذلك فتصريحات الرئيس أردوغان حول عملية عسكرية ومن ثم مطالبته بانسحاب القوات الأميركية شرق الفرات يجب حملها على أنها تكتيك تفاوضي من أجل رفع سقف المطالب التركية خلال المفاوضات العسكرية الأميركية – التركية في أنقرة، إذ تدرك تركيا أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة ولا تريد تصعيد التوتر بعد فرض عقوبات اقتصادية نتيجة شراء تركيا لصفقة منظومة الصواريخ S 400  الروسية، ولذلك فإن تركيا تريد من هذه المفاوضات تخفيف حدة التوتر في العلاقات الثنائية.

من جهة أخرى لن تقبل تركيا بأقل من إنهاء وجود النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني أو ما يطلق عليها قوات الحماية الكردية PYD التي لا تحتفظ بأية علاقات جيدة مع المعارضة السورية السياسية منها والمسلحة واعتمدت تكتيكاً يقوم على اللعب على كل الحبال بهدف تثبيت وجودها في منطقة الشرق السوري، فهي تقوم على تحالفات مع نظام الأسد عندما تكون بحاجة إلى تخويف تركيا، وتربطها علاقة جيدة مع روسيا لأنها تعرف أن روسيا هي اللاعب العسكري الأكبر في سوريا، والأهم تحتفظ بعلاقتها الاستراتيجية مع أميركا وخاضت حربا لأجلها في القتال ضد داعش بهدف إقامة كيان لها في الشمال السوري بالرغم من معرفتها أن التركيبة الديمغرافية في تلك المنطقة لا تساعدها، إذ لا وجودَ لأكثرية كردية في تلك المناطق فضلا عن الخلاف الكردي – الكردي حول مستقبل الكرد داخل الكيان السوري خاصة مع المجلس الوطني الكردي.

وعليه تجد تركيا دعما سوريا كبيرا من المعارضة السورية في معركتها ضد قوات الحماية الكردية على أمل أن يكون لها دور في إدارة هذه المناطق كما جرى في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وغيرها من المناطق التي توجد فيها القوات العسكرية التركية بوفرة.

لكن بنفس الوقت كل عملية عسكرية تركية يرافقها تصاعد الاتهامات الكردية بأنها تستهدفها بشكل خاص وتعمل على محو الوجود الكردي من الشمال السوري، كما أن أطرافا في المعارضة السورية تعتبر أن الوجود العسكري التركي يشكل تهديداً لوحدة الأراضي السورية بغض النظر عن طريقة الحكم، ولذلك يمكن القول إن التداعيات السياسية والعسكرية على أية عملية عسكرية تركية في الشمال السوري ستكون باهظة الثمن على المستويين العسكري والسياسي بالنسبة لتركيا والمعارضة السورية، ولذلك من المهم إبقاء المفاوضات مع الطرف الأميركي بهدف الضغط على قوات الحماية الكردية للانسحاب أو التخلي عن المشاريع السياسية التي طرحتها في ما يتعلق بالكيان الذاتي أو اللامركزية الإدارية والسياسية وكلها مشاريع تهدد وحدة سوريا على المستوى البعيد، والأهم تخفف الضغط على النظام السوري الذي يطمح الآن لاستغلال الفرصة من أجل شن عملية عسكرية على إدلب يضمن فيها إعادة السيطرة الكاملة على المدينة مستغلا انشغال الجانب التركي بالعملية العسكرية.

———————–

هل طوت تركيا صفحة عمليها العسكرية في سوريا؟/ عمر كوش

السؤال الذي بات يطرح بقوة بعد انفضاض قمة سوتشي، التي عقدت الجمعة الماضية بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، هو: هل طوت تركيا صفحة العملية العسكرية التي كانت تهدد بشنها، منذ مدة، في مناطق من الشمال السوري، ضد التنظيمات الإرهابية، التي تقصد بها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومعها سائر مخرجات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي؟

حظيت قمة سوتشي باهتمام ومتابعة العديد من المراقبين، إلى جانب تغطية وسائل إعلام عالمية وتركية، كونها تناولت ملفات ثنائية ودولية، في حين ترقب نتائجها سوريون كثر، لأن الملف السوري كان حاضراً في أجندتها، حيث كانت أوساطاً تركية، سياسية وإعلامية، تعول على تفاهم روسي تركي بشأن العملية العسكرية التركية، وتقيس ذلك على تفاهمات واتفاقات سابقة حصلت بين روسيا وتركيا بخصوص الوضع السوري، والتي جاءت على خلفية التغير في الموقف التركي حيال الوضع في سوريا، والانعطافة التي حصلت منذ نهاية 2016، وتغيرت فيها أولويات السياسة التركية من العمل على إسقاط نظام الأسد إلى التركيز على المخاطر والتهديدات الأمنية، التي يحملها مشروع الإدارة الذاتية في الشمال السوري، الأمر الذي أتاح لتركيا القيام بعمليات عسكرية عديدة، بدءاً من عملية درع الفرات، ومروراً بعملية غصن الزيتون ونبع السلام، ووصولاً إلى عملية درع الربيع وسواها.

لذلك تأتي أهمية قمة سوتشي من أن اتفاقيات وتفاهمات مهمة توصل إليها الرئيسان فيما يتعلق الوضع في سوريا خلال القمم السابقة التي كانت تعقد في سوتشي وموسكو في السنوات السابقة، وأثرت كثيراً على الأوضاع الميدانية والسياسية في سوريا، إذ إن الجيش التركي قام بعملية درع الفرات في 24 آب/ أغسطس 2016. وانتهت في 29 مارس، آذار 2017، وبعد انطلاق مسار أستانا مطلع عام 2017، جاء اتفاق ما عرف باسم “اتفاق إدلب” في 17 من سبتمبر/ أيلول 2018، ونصّ وقتئذ على إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وتسيير دوريات مشتركة تركية وروسية، وفتح الطرقات الدولية في الشمال السوري. ثم جاء تفاهم سوتشي عام 2018 من أجل إنقاذ اتفاق منطقة خفض التصعيد في إدلب، وذلك بعد أن سيطر نظام الأسد على مناطق خفض التصعيد الثلاث الأخرى. وبعدها شنت تركيا عملية “نبع السلام” في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، والتقى حينذاك الرئيسان بوتين وأردوغان في سوتشي مجدداً، واتفقا على إيقاف العملية التركية، مقابل انسحاب “قسد” عن الحدود التركية بعمق 32 كيلومتراً، وتسيير دوريات مشتركة، وهو أمر لم يتم الالتزام به. وبعد ذلك جرى الاتفاق في 5 مارس/ آذار 2020 مجدداً على وقف إطلاق النار في إدلب، وإقامة ممر أمني على بعد 6 كيلومترات شمال، و6 كيلومترات جنوب الطريق الدولي السريع الرئيسي في إدلب، وتسيير دوريات مشتركة.

غير أن ما رشح عن قمة سوتشي الأخيرة لا يشي باقتراب تنفيذ تركيا عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، لا في مناطق غربي الفرات ولا في شرقه، بالرغم من تأكيد الرئيس التركي من أن نظيره الروسي “يواصل انتهاج مقاربة عادلة تجاه تركيا بهذا الخصوص”، وأنه اتفق معه على الخطوات التي يمكن اتخاذها “ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا، التي تهدد وحدة أراضي هذا البلد، وتشن هجمات على السوريين، وعلى القوات التركية والمواطنين الأتراك، وأنه جرى الاتفاق على التعاون بهذا الخصوص”، لكن الأهم هو أن ماهية الخطوات، التي اتفق عليها أردوغان مع بوتين، لا تشمل قيام تركيا بعمل عسكري، بل في فتح “طريق التعاون مع النظام في سوريا لحل هذه المسائل (التنظيمات الإرهابية)”، لأن “ذلك سيكون أكثر صواباً، طالما كان ممكناً”، حسبما يعتقد بوتين.

إذاً، بات طريق مكافحة التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، يمرّ عبر التعاون مع نظام الأسد الإرهابي الأكبر في سوريا، ومنتج كل أشكال الإرهاب فيها، وذلك نزولاً عند رغبة ساسة النظامين الروسي والإيراني، وبما يتعدى ما لفت إليه الرئيس أردوغان من “تواصل قائم بين جهاز الاستخبارات التركي وأجهزة استخبارات النظام”، والذي طالب فيه الطرف الروسي بتقديم الدعم لجهود تركيا في هذا المجال. ويلاقي ذلك وجود مساع روسية ووساطة إيرانية تدفع تركيا باتجاه فتح قنوات تعاون وتواصل سياسي مع نظام الأسد، تحت ذريعة التعاون من أجل محاربة حزب العمال الكردستاني وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجميع مخرجاته المدنية والعسكرية في مناطق شرقي الفرات، بالرغم من أن القاصي والداني يعلم أن نظام الأسد أسهم بشكل أساسي في تشكيلها وتمكينها جميعاً من السيطرة على مناطق في الشمال السوري.

ويبدو أن الجهود الإيرانية والروسية تقوم على استغلال الهاجس الأمني لتركيا في سوريا، بغية حثها على تغيير سياستها وتعاملها في الملف السوري باتجاه فتح حوار سياسي مع نظام الأسد، ما يعني طي صفحة العملية العسكرية التي كانت تهدد بالقيام بها، والاتجاه نحو ما اعتبره وزير خارجية تركيا، مولود جاووش أوغلو، دعم نظام الأسد من أجل “إخراج الإرهابيين من المناطق التي يسيطرون عليها في الشمال السوري”، واعتبار ذلك “حقاً طبيعياً للنظام”، وتركيا على استعداد لتقديم “كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد”.

ولا شك في أن تركيا دولة لها مصالحها، ومستعدة لمقايضة أوراق تملكها في سوريا مع الروس وسواهم، وبما يقتضي تغيير مواقفها السياسية وتوجهاتها بحسب أولوياتها، خاصة أن القيادة التركية تجري عملية تقييم لتعاملها السياسي والإنساني مع الملف السوري، بغية تفحّص حساباتها وخياراتها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في منتصف حزيران/ يونيو المقبل، وبالتالي ليس مستغرباً أن تسعى إلى تأمين الهواجس الأمنية لبلادها، حتى وإن كان المقابل اتخاذها خطوات تقتضي إعادة علاقاتها مع نظام الأسد، وذلك بصرف النظر عن الضرر الذي يلحق بالسوريين المناهضين لنظام الأسد.

تلفزيون سوريا

——————

ميليشيات قسد وعباءة الأسد.!/ فايز الأسمر

من المعروف أنه ومنذ قيام الثورة السورية في 2011 ومن خلال الاطلاع على سلوكيات وسياسات وخط سير حزب الاتحاد الديموقراطي السياسي والعسكري، نجد أن هذا الحزب وبلا شكوك أنه فرع من فروع حزب العمال الكردستاني، وآثر منذ بدايات الحراك الشعبي والمظاهرات السلمية التي اجتاحت كل المحافظات والمناطق السورية، الوقوف الفاضح ضد الثورة السورية، بل ومعاداتها بكل الطرق والأساليب، حيث نجد أن هذا الحزب وميليشياته المسلحة دعوا جماهيرهم وكوادرهم لعدم المشاركة في ركب الثورة أو مساندتها، بل لم يقف الأمر عند هذا فقط فلقد شارك أفراد هذا الحزب فروع النظام الأمنية بكل مسمياتها في قمع المظاهرات وأذية المتظاهرين في المناطق التي يوجدون فيها مثل (الحسكة والقامشلي وعين العرب وعفرين) وغيرها من المدن والبلدات، وبدأ وبلا تردد أو خجل أيضا مشاركة النظام المجرم بتنفيذ حملة قذرة  من الاعتقالات والتغييب والتصفيات للكوادر السياسية الكردية ورموزها الوطنية السورية، من الذين ساندوا وساروا في ركب الثورة فكان من أبرز الذين تم اغتيالهم وتصفيتهم الشهيد مشعل تمو .!

عمليا ومع اقتراب محطة الثورة السورية من إتمام عامها الـ 12، فالملاحظ أنه ورغم الوجود الأميركي وقواعده المنتشرة في شرقي الفرات _هذا الوجود _الذي اتخذ ومنذ تشكيل التحالف الدولي من ميليشيات قسد شريكا لهم في محاربة الإرهاب، إلا أن هذه الميليشيات على ما يبدو، وكما تشير كل الدلائل والمؤشرات، لم تنقطع علاقاتها الإستراتيجية مع “روسيا” ونظام وجيش الأسد رغم وجود بعض المنغصات أحيانا على المستوى التكتيكي، بل ويمكننا الجزم والتأكيد بأن هذه الميليشيات لم تخرج من تحت ظل عباءتهم أساسا. وحقيقة الأمر أنه لولا الوجود الأميركي في شرقي الفرات لقامت ميليشيات “قسد” منذ وقت طويل بتسليم عهدتها وأماناتها و”الجمل بما حمل” لنظام وشبيحة الأسد.

في الواقع بعد كل تهديد تركي بالقيام بعملية عسكرية تبعد من خلالها ميليشيات “قسد” عن المناطق الحدودية فإن مسؤوليها وقياداتها يهرولون مسرعين مرعوبين إلى نظام الأسد ويطالبونه بوجوب حماية الأراضي والحدود السورية. هذه الحدود والأراضي لا تصبح سورية من وجهة نظر تلك الميليشيات وقياداتها إلا في حالة واحدة فقط ألا وهي عند تعرضهم للضغط ولرفع العصا التركية الغليظة التي ذاقوا مرات عديدة “ويلها ووبال أمرها” أما في الأحوال العادية فبات من المعلوم والبديهيات إطلاقهم على مناطق نفوذهم وسيطرتهم شرقي الفرات والجزيرة السورية وفي كل لقاءاتهم الإعلامية والفضائيات التي يخرج منظروهم عليها بـ “إقليم غربي كردستان” ومنطقة “روج آفا”.

عمليا وبعد التهديدات التركية التي جاءت على لسان كبار المسؤولين والقيادات السياسية والعسكرية وتعبيرها الواضح عن انتهاء استعداداتها القتالية من كل نواحيها والاقتراب من الإعلان عن ساعة الصفر للقيام بعملية عسكرية جديدة تستهدف ميليشيات قسد بغية إبعاد خطرها عن الحدود الجنوبية التركية، والعمل وفقا لذلك على زيادة تأمين الأمن القومي للبلاد .وبالطبع يأتي هذا كله بعد صبرٍ تركيٍ طويل، لا بل وبعد أن قامت كل من موسكو وواشنطن بخذلان أنقرة نتيجة لعدم إيفائهما بالتزاماتهما وتعهداتهما التي تصديا لها، وذلك بالعمل على نزع الأسلحة الثقيلة لـ “قسد” وإبعادها عن الحدود التركية إلى عمق ومسافة 35 كم، طبعا أتت هذه التعهدات حينها بعد موافقة تركيا على وساطة موسكو وواشنطن وإيقافها لعملية “نبع السلام” التي سيطرت بموجبها القوات المسلحة التركية مع الجيش الوطني وخلال أيام ثمانية فقط، على مدن “تل أبيض ورأس العين” ومحيطهما، وبتلك السيطرة فقد تم إجهاض حلم قسد الذي كان مخططا لتواصل كانتونات الجزيرة مع “عين العرب”، أتى هذا الأمر ثانيةً بعد أن أُجْهِضَ هذا الحلم للمرة الأولى من خلال عمليتي “درع الفرات وغصن الزيتون” اللتين قطعتا الطريق على قسد  نهائيا من إمكانية حتى مجرد التفكير بوصل مناطق نفوذها شرقي الفرات بغربه..

في الفترات القليلة الماضية وبعد تسيير الدوريات المشتركة ما بين ميليشيات قسد وجيش الأسد، بل وخاصة بعد التهديدات التركية الأخيرة فقد ظهرت وطفت على السطح ودون “خجل” علائم التقارب السياسي والعسكري الواضح بين الطرفين (الأسد وقسد)، وباتت واقعا ملموسا ومفضوحا، حيث إنّ قائد “قسد” “مظلوم عبدي” قد أعلن قبل أيام أنهم قد سمحوا لقوات النظام بالانتشار والتموضع في مناطق “عين العرب ومنبج”، وفي مناطق حدودية أخرى، وذلك تحسبا من أي هجوم تركي مفاجئ. حيث إنّ قوات النظام وبحسب “عبدي” لديها القدرات والأسلحة النوعية لتأدية واجبها في الدفاع عن الأراضي السورية. وأضاف أنه لم يبق لنا _أي لميليشياته_ مكان لننسحب إليه، بل ستكون المعارك في الشمال السوري شاملة (أي غير محدودة الجغرافيا)، ولن نكون وحدنا في هذه المعركة، بل سيشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري، ومما يؤكد التقارب العسكري الذي لم يعد سرا أو بالخفية هي المناورات والتدريبات البرمائية الأخيرة التي حدثت قبل أيام تحت إشراف ضباط روس وكانت ساحاتها المناطق القريبة من نهر الفرات والواقعة في محيط مدينة منبج حيث اشترك في هذه المناورات سلاح الدبابات والمدفعية والقوات الخاصة، وسلاح الهندسة من كلا الطرفين بمرافقة من سلاح الجو الروسي، ووجود منظومات الدفاع الجوي المحمولة على عجل من نوع “بانتسيير” . 

ختاماً.. مع الأسف في الثورة السورية على حال الكثير من الأكراد السوريين الذين ظُلِمُوا في الثورة مرتين أولاها لأنهم سوريون والثانية لأنهم أكراد. هؤلاء الأكراد الذين غيبهم ومنذ سنوات إعلام ميليشيات قسد وحزب العمال الكردستاني، وعملوا على تهييج مشاعر قومية أكل الزمان عليها وشرب، هذه المشاعر التي لن تنعكس وحسب كل الدلائل والوقائع لتكون واقعا ملموسا في يوم من الأيام، فأميركا عمليا تضحك وتحتال عليهم وعلى قيادات قسد ومسد من خلال وصفهم أنهم شركاء لها في محاربة الإرهاب، ولكن حقيقة الأمر وفي أدبيات الإدارات الأميركية جميعها فهؤلاء في نظرهم ليسوا بأكثر من مرتزقة رخيصون بلا كلفة تذكر ، وفي النهاية وبعد تحقيق أهدافها سترحل وتتركهم لمصيرهم الأسود ومهما آلت اليه الأمور في سوريا.

—————————-

ما بعد سوتشي.. أردوغان في دروبه الصعبة لدمشق/ خورشيد دلي

حلم بوتين من علاقته الخاصة بأردوغان، هو إخراج تركيا من حلف الناتو، وضمها إلى السياسة الأوراسية لموسكو، خاصة مع دعم الناتو لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية، فيما حلم أردوغان، هو الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإقامة جمهوريته الثانية، والحلمان يتقاطعان في كثير من المناطق المتفجرة حربا، في سوريا وليبيا وبين أرمينيا وأذربيجان

حاول السلطان في قمة طهران الثلاثية، الحصول على ضوء أخضر لشن عملية عسكرية في شمالي سوريا، لكنه فشل، كرر المحاولة في سوتشي مع القيصر، أيضا فشل، وخرج من القمتين بخلاصة أن النزول من الشجرة السورية، يتطلب منه تعبيد الطريق إلى دمشق، ومن بوابة النظام الذي طالب مراراً برحيله، وليس الصلاة في الجامع الأموي خليفة للمسلمين، رأى أردوغان أنه من دون ذلك، ليس سوى استنزاف وانتحار، وعليه بدأ يدقق حساباته، ليجد أن ما قاله وزير خارجيته، مولود تشاويش أوغلو، عن دعم دمشق للتحرك ضد قسد ، مساراً قابلاً للسير فيه، لطالما أن هدفه هو إقصاء الإدارة الذاتية من المشهد السوري المستقبلي، وإن تطلب الأمر وقتاً وجهداً سياسياً ودبلوماسياً في ظل الجهود الاستخباراتية النشطة، خاصة أن اتفاق أضنة واحد قد يتحول إلى أضنة اثنان برعاية روسية، ولعل هذا ما يفسر تأكيد البيان الختامي لقمة سوتشي على محاربة كافة (التنظيمات الإرهابية) من دون تحديدها

في الواقع، الخلاصة التي توصل إليها أردوغان في سوتشي، ليست بعيدة عن مسار التقارب التركي الروسي خلال السنوات الماضية، وهو تقارب أنتج سلسلة تفاهمات بين الجانبين بشأن الأزمة السورية، إذ على وقع هذه التفاهمات، حرص كل طرف على تفهم الآخر، وهكذا انتقلت روسيا من سياسة رفض الدور التركي في سوريا قبل عام 2015 إلى تفهم هذا الدور، بل تفهم المخاوف التركية بخصوص الوضع في شمال شرقي سوريا، في المقابل تخلت تركيا بعد هذا التاريخ، عن الحديث عن روسيا بوصفها دولة معادية لسياستها في سوريا، بل باتت تتحدث عنها بوصفها شريكة في السياسة والميدان، وفي كل هذا يجد أردوغان مبررات، أهمها توتر علاقات بلاده مع الولايات المتحدة بسبب دعم الأخيرة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتصويب الروسي والتركي المشترك ضد الوجود الأميركي في شرقي الفرات، حيث لكل طرف أسبابه، روسيا في إطار تنافسها مع أميركا على الساحة السورية، وتركيا لمنع تحول الوجود العسكري الأميركي هناك إلى سند دائم للإدارة الذاتية، وتطلعها إلى تغيير سياسي منشود، حيث دفع هذا التوافق بروسيا إلى الاندفاع نحو تركيا، لأسباب تتعلق بصفقات السلاح، وأخرى اقتصادية تتعلق بمشاريع النفط والغاز وإقامة مفاعلات نووية في تركيا، وهو ما عرفت تركيا كيف تستغله في دفع روسيا إلى الاقتراب من الموقف التركي أكثر فأكثر، إلى درجة أن العمليات العسكرية التي أطلقتها تركيا (درع الفرات غصن الزيتون نبع السلام) حظيت بتفهم روسي، رغم أن ذلك يخالف شعاراتها المعلنة بخصوص سيادة ووحدة الأراضي السورية، ولعل هذا يعود إلى نظرة موسكو للعلاقة مع تركيا، وهي نظرة تتجاوز الأزمة السورية إلى أهمية موقع تركيا في الصراع مع الغرب، حيث حلم بوتين بإخراج تركيا من حلف الناتو والمنظومة الغربية عموماً، وهو ما سيشكل ضربة كبيرة للحلف بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص

على وقع هذه التفاهمات، انتقل الروسي والتركي إلى مرحلة جديدة من رسم خرائط النفوذ والتحالفات في شمال شرقي سوريا، فأنقرة ترحب بصمت بالضغط الذي تمارسه روسيا على الإدارة الذاتية للقبول بإعادة سيطرة دمشق على مناطق شمال شرقي سوريا، في المقابل تبدي موسكو تفهمها للنفوذ التركي في هذه المناطق، حيث يجد كل طرف في الآخر، مصدراً لتحقيق تطلعات متبادلة في ظل امتلاك كل أوراق مهمة، وعليه ترفض أنقرة المطالب الغربية منها بخصوص روسيا في الحرب الأوكرانية، لاسيما فرض عقوبات على موسكو، فيما الأخيرة تجد في الدور التركي مساحة دبلوماسية يمكن التحرك من خلاله لتصدير النفط والحبوب والحد من تأثير العقوبات الغربية عليها

لكن رغم كل هذا التلاقي والتفاهمات، ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها هنا، منها، هل هذه التفاهمات نهائية أم أنها مرحلية؟ وكيف لموسكو أن توازن بين تفاهماتها مع أنقرة واستراتيجيتها حيال دمشق؟ وهل يمكن لتركيا أن تذهب إلى أقصى التفاهم مع روسيا على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة؟ أسئلة ربما تشير لخلافات كامنة تتعلق بالمدد الزمنية والسقوف والتحالفات، فالتفهم الروسي للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، يبدو أقرب إلى تكتيك مرحلي لقلب الموازين إلى حين تتغير لصالح المطالبة بإخراج القوات التركية منها، فيما تربط تركيا ذلك بحل سياسي للأزمة السورية يحفظ دورها المستقبلي في مستقبل سوريا، وهو أمر قد لا يتوافق مع الهندسة التي رسمها بوتين، ومع رفض من دمشق التي تقول إنها لا تقبل بأي دور تركي في رسم مستقبل سوريا

تصريحات تشاويش أوغلو، ومن بعده أردوغان، تقابل بصمت من دمشق، وعادة يخفي الصمت خلفه أسرار الدول وخبايا الغرف السرية، إذ لا إشارات من دمشق إزاء تصريحات تشاويش أوغلو وأردوغان حتى الآن، وربما ترى من الأفضل التريث إلى موعد الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، فمن يدري قد تكون هزيمة أردوغان في هذه الانتخابات بداية سهلة لتدفق جريان مياه نهر الفرات بين الجانبين بعد كل ما جرى، خاصة أن ثمة قناعة عامة بأن ذهاب أردوغان في علاقته مع موسكو بعيداً في هذا التوقيت، لن يقابل بصمت أميركي غربي إلى ما لا نهاية، وأن الرد عليه سيكون في صناديق الانتخاب

نورث برس

—————————

خريطة طريق لتعميق الشراكة التركية الروسية/ محمود علوش

كانت القمة التي جمعت الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية يوم 5 أغسطس/ آب الجاري، مثمرة بما يكفي للخروج بخلاصةٍ مفادها أن الشراكة الوثيقة التي هندسها الزعيمان منذ توليهما السلطة ما زالت تعمل بفعالية، رغم العواصف المحيطة بها. تُقدم هذه الشراكة نموذجاً استثنائياً في إدارة علاقات دولتين لديهما أهداف جيوسياسية متناقضة في معظم المناطق التي يتنافسان فيها على النفوذ، وتحويل هذا التناقض إلى تعاون تنافسي مربح لكليهما. هناك ميزة تتمتع بها هذه الشراكة، هي قدرتها على الإنتاج بشكل أكبر كلّما ازداد حجم التحديات التي تواجهها. على سبيل المثال، كانت الشراكة التركية الروسية التي برزت في العقد الأول من القرن الحالي تتقدّم ببطء شديد، لكنّها بدأت تُحقق قفزات كبيرة بعد ذلك، رغم ظهور التوترات الجيوسياسية المحيطة بها بعد مطلع العقد الثاني. وبينما كان المشروع الكبير الوحيد الذي أنشأه البلدان في العقد الأول يقتصر على بناء روسيا محطة للطاقة النووية في تركيا في 2010، فإنّ العقد الثاني شهد الدخول في مشاريع كبيرة أخرى، رغم انخراطهما في الحرب السورية.

في عام 2015، وصلت الشراكة إلى منعطف حاسم بعد اندلاع أزمة حادّة بين البلدين على خلفية إسقاط تركيا المقاتلة الروسية على الحدود مع سورية. لكنّ البلدين أطلقا، بعد أشهر قليلة من إعادة إصلاح العلاقات، مشروع بناء خط أنابيب الغاز التركي في 2016، ثم اتفقا على توريد أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية إس 400 إلى تركيا في العام التالي. وفي العام نفسه، دخلت أنقرة في منصة أستانة السورية إلى جانب روسيا وإيران. رغم أن الشراكة التركية الروسية التي برزت في سورية منذ تلك الفترة لم تكن مستقرة تماماً، إلّا أن أنقرة وموسكو طوّرتاها بعد ذلك إلى تنسيق أوسع في قضايا إقليمية أخرى. في عام 2020، أشرف البلدان على اتفاق لإنهاء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم قره باغ، واتفقا أيضاً على رعاية وقف لإطلاق النار بين حلفائهما في ليبيا. في معظم هذه القضايا، وقفت تركيا وروسيا على طرفي نقيض. عادة ما تُشكل مثل هذه الاضطرابات اختباراً لمدى قوة الشراكة بين بلدين. في الحالة التركية الروسية، أثبتت الشراكة أنّها قوية بالفعل.

عندما أمرّ بوتين قواته بالهجوم على أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، بدت الشراكة التركية الروسية على المحكّ بفعل معارضة أنقرة الهجوم وتزويدها كييف بطائرات بيرقدار المسيّرة. مع ذلك، ساعدها النهج المتوازن الذي تبنّته في الحرب على تحويل نفسها إلى وسيط موثوق لدى الطرفين. في بدايات الصراع، سعت أنقرة إلى التوسّط من أجل إبرام تسوية سياسية بين روسيا وأوكرانيا، لكنّها أخفقت في ذلك، بيد أنّ جهودها أثمرت، أخيراً، رعاية اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية. لدى أردوغان وبوتين أسباب وجيهة للحفاظ على علاقة عمل جيّدة. بالنسبة لبوتين، تتمثل أولويته في إبقاء تركيا في المنتصف في صراعه مع الغرب والاستفادة من موقفها لتخفيف ضغط العقوبات الغربية عليه. لم تنخرط أنقرة في العقوبات، كما أبقت أبوابها مفتوحة أمام الشركات الروسية، وسمحت للمواطنين الروس ورجال الأعمال الوافدين إليها بضخ أموالهم في قطاعها المصرفي. علاوة على ذلك، فإنّها ما زالت مشترياً مهماً للغاز الروسي، إذ تستورد ما يقرب من نصف احتياجاتها من الغاز من موسكو.

وبالنسبة لأردوغان، فإنّ الحفاظ على الشراكة مع بوتين ساعده في عزل تركيا عن أزمة الطاقة الحالية التي يُعانيها الغرب كما ساعده في منح مشروعية لدور الحياد في الصراع الروسي الغربي وتقوية موقف أنقرة في علاقاتها مع الغرب. منذ اندلاع الحرب، سعت تركيا إلى الاستفادة من مكانتها الجيوسياسية المهمّة لإصلاح علاقاتها بالدول الغربية. يُلاحظ منذ تلك الفترة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خففا من نبرتهما العدائية تجاه أردوغان، سعياً منهما إلى استمالته إلى جانبهما. عندما تجنّبت أنقرة الانخراط في العقوبات على روسيا ودعت الغرب إلى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع موسكو وعارضت مشروع ضم فنلندا والسويد لحلف الناتو، بدت سياسة التوازن التركي تميل لصالح روسيا. لم تُفلح وساطة تركيا في تحقيق خرق في جدار التسوية السياسية للصراع، ما زاد من شكوك الغرب في سياسة أردوغان إزاء الصراع. لكنّ صفقة الحبوب أعادت الاعتبار لأهمية نهج التوازن التركي.

رغم فوائد الشراكة التركية الروسية لكلا البلدين، إلّا أنهما ما زالا على خلاف بشأن رغبة تركيا في شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سورية. يكتسب اتفاق أردوغان وبوتين على التعاون في مكافحة الإرهاب أهمية بهذا الخصوص. في قمّة طهران الثلاثية، أبدى بوتين ورئيسي معارضة للخطط التركية. في تجربة الشراكة التركية الروسية في سورية، أثبت البلدان قدرتهما على إدارة خلافاتها وإنتاج تسويات عديدة بمعزل عن طهران في بعض الأحيان. حقيقة أنّ المصالح التركية الروسية متشابكة، وتتجاوز سورية، جعلت بوتين أكثر إنصاتاً لهواجس أردوغان. من خلال تكرار موسكو إقرارها بالمصالح الأمنية التركية، وعدم منح أردوغان موافقة واضحة على العملية المحتملة، يسعى بوتين إلى إبرام تسوية مرضية لجميع الأطراف، مع الحفاظ على ميزان القوى العسكري القائم منذ ثلاث سنوات. أحد الخيارات المرجّحة إعادة تعويم اتفاق سوتشي لعام 2019، بحيث يجرى إخراج الوحدات الكردية من منطقتي تل رفعت ومنبج، من دون دخول القوات التركية إليهما. سيفتح مثل هذا الاتفاق المحتمل الباب أمام إمكانية التنسيق الأمني بين أنقرة ودمشق في هذه المسألة.

على عكس قضية الوحدات الكردية التي لم تخرج بنتائج واضحة في قمة سوتشي، كان التوافق التركي الروسي على تعميق التعاون الاقتصادي النتيجة الأكثر أهمية ووضوحاً. يُساعد هذا الاتفاق روسيا على نحو أكبر في الاستفادة من مزايا تركيا للتخفيف من وطأة العقوبات الغربية عليها، بينما يُساعد أنقرة في الاستفادة الاقتصادية بشكل أكبر من حاجة موسكو لها. بموجب هذا الاتفاق، ستشرع تركيا في دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، وتطوير العلاقات المصرفية والتسويات بين البلدين بالعملة المحلية. ستسمح هذه الخطوة لروسيا بتجنب سوق النفط العالمية المقومة بالدولار، مع تمكين تركيا من الحد من الأضرار التي لحقت باحتياطاتها المتناقصة من العملات الأجنبية، من خلال دفع ثمن الطاقة بالليرة التركية. في حال ترجمة الجانب الاقتصادي من إعلان سوتشي على أرض الواقع، سترتقي العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى مستوى جديد، وسينعكس ذلك إيجاباً على شراكة البلدين في القضايا الخارجية.

لوحظ أنّ الحديث عن التعاون الدفاعي غاب عن البيان المشترك لإعلان سوتشي، لكنّه يكتسب أهمية كبيرة في الشراكة. في الوقت الحالي، تُماطل واشنطن في تمرير صفقة بيع تركيا مقاتلات F16 وقد أقر الكونغرس الأميركي، أخيراً، قانوناً يُعقد هذه المسألة، ويرهن تمرير الصفقة بتغيير موقف أنقرة في العلاقة مع اليونان. قبيل قمة سوتشي، تحدّث وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنّ لدى بلاده خيارات عديدة يُمكن أن تلجأ إليها في حال رفضت واشنطن بيعها المقاتلات المطلوبة. يُدرك أردوغان أنّ إدارة بايدن قد لا تمنحه هذه المقاتلات، ويبدو أنه، عندما طرح هذه الصفقة، أراد منح مشروعية للخطوات المحتملة التي يرغب باتخاذها مع موسكو بخصوص التعاون الدفاعي. من المرجّح أن يطرأ تقدّم على هذا الصعيد في حال نجحت تركيا وروسيا في ترجمة اتفاق سوتشي، وتعزيز قاعدة الثقة بينهما. لقد وضعت قمة سوتشي بالفعل خريطة طريق استراتيجية لتعميق الشراكة بين البلدين أكثر من أي وقت مضى.

العربي الجديد

———————-

أنقرة تعود إلى المربع الأول مع دمشق؟/ عاصم الزعبي

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للصحفيين خلال عودته من قمة سوتشي بالطائرة، “فيما يخص الحل في سوريا، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى إيجاد الحل بالاشتراك مع حكومة دمشق، وهذا الحل الأكثر منطقية”.

ونقلت صحيفة “خبر ترك” عن أردوغان قوله: “أجهزة مخابراتنا تعمل مع نظيرتها السورية في هذا الخصوص، ولكن الأهم هنا هو الحصول على نتائج”.

وزاد: “نقول إن جهاز المخابرات لدينا يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع المخابرات السورية، ورغما عن هذا ظلت المنظمات الإرهابية تصول وتجول هناك، فيجب عليكم تقديم الدعم لنا، وقد كنا متفقين على هذا، لكن بيت القصيد هو الحصول على نتائج”

تقارب ومصالح متبادلة

مؤخرا، بدأت المواقف الرسمية التركية بالتغير تجاه حكومة دمشق، وذلك من خلال الخطاب الرسمي التركي، الذي بدا مختلفا بشكل كبير عن السابق، وخاصة في كلام وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، الذي تحدث عن استعداد أنقرة لتقديم دعم لدمشق.

وفي قمة سوتشي الثنائية التي جمعت الرئيسين، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان، عاد الحديث إلى وجود علاقات مخابراتية على الأقل بين أنقرة ودمشق، وذلك على لسان أردوغان الذي ألمح من خلال حديثه، أثناء عودته على الطائرة إلى انتظار الحصول على نتائج من العلاقة المخابراتية مع دمشق، وذلك في الوقت الذي تحدث فيه بوتين خلال القمة عن إيجاد حل مشترك مع دمشق، واصفا إياه بالحل الأكثر منطقية.

العديد من المؤشرات برزت في الآونة الأخيرة، حول الأدوار التي تلعبها روسيا وحتى إيران لإيجاد تقارب بين أنقرة ودمشق، سواء في المشهد السياسي أو الإقليمي، حيث إن التلميحات السابقة كانت في أحيان كثيرة لا تتجاوز مجرد التعاون الاستخباراتي.

الخبير الاستراتيجي، إبراهيم الجباوي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن المصالح هي العنوان الرئيسي للعلاقات بين الدول، فمنذ دخول روسيا الحرب إلى جانب حكومة دمشق، بدا واضحا مستوى التفاهم التركي الروسي، والذي تُوج في مطلع عام 2016، بتسليم تركيا حلب لحكومة دمشق.

وأضاف الجباوي، أن لتركيا مصالحها الخاصة التي تريد تحقيقها وأبرزها إحداث حزام أمني داخل الأراضي السورية بعمق لا يقل عن 30 كم، مبينا أن تركيا لم تقم يوما بالدفاع عن السوريين كما كانت تدعي في السنوات الماضية.

وبيّن الجباوي، أن روسيا باتت تعمل مؤخرا على إيجاد مقاربة لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، مستغلة المصالح التي تربطها بتركيا من جهة، والتعاون الاستخباراتي التركي السوري من جهة أخرى، وهذا ما برز في تصريحات أردوغان، بأن التعاون الأمني قائم، لكن ما يثير الجدل بتصريحات أردوغان ووزير خارجيته هو استعدادهم لدعم دمشق وسياستها في مكافحة الإرهاب.

الكاتب السياسي، حسان الأسود، أشار في حديث سابق لـ”الحل نت”، إلى أنه من الممكن أن يكون هناك انعطافة في الموقف التركي، لأن المصالح التركية تقتضي الآن تغيير موازين القوى في منطقة شمال شرق سوريا، خاصة وأن الأتراك يرون أن الدعم المقدم لقوات “قسد” دعم لا محدود، وبالتالي فهم في حالة صراع في التزاماتهم ما بين الولايات المتحدة من جهة، والتزاماتهم تجاه الروس وخاصة اتفاقات “أستانا” من جهة أخرى، وبين هذه وتلك، مصالح أمنهم القومي ومصالحهم السياسية والاقتصادية، لذلك فإن هذه الانعطافة باتت أقرب من أي وقت سابق، وهي واردة من الناحية السياسية، لكنها مرفوضة أخلاقيا وإنسانيا.

عودة للمربع الأول؟

العلاقات بين الدول تنطلق من مصالح مختلفة، أبرزها الأمن القومي بما فيه الضبط الأمني والاستقرار على الحدود، ومساحات التمدد وما تنظر إليه الدول على أنه مجالها الحيوي، إضافة للمصالح الاقتصادية، فلا يوجد في مقاييس الدول، ومنها تركيا اعتبارات للقيم والأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان، فهذه القضايا تأخذها الدول وفق مصالحها فقط.

وفي هذا السياق، يرى إبراهيم الجباوي، أنه وبالنظر إلى تصريحات أردوغان، ومن قبله وزير خارجيته جاويش أوغلو، فإنه من الممكن أن تبدأ مباحثات تركية سورية في وقت ليس ببعيد، وهذا يعني عودة مناطق شمال غرب سوريا، وشمال حلب إلى السلطة السورية بعد انسحاب الأتراك منها، وبالتالي ستقع هذه المناطق في فخ التسويات على غرار ما جرى في جنوب سوريا، وهذا ما يُخشى منه.

وبالتالي، فإن تركيا ستكون قد عادت في علاقاتها مع دمشق إلى المربع الأول، وستعود العلاقات بينهما إلى طبيعتها، والكارثة الكبرى ستقع على السوريين في الشمال، خاصة الذين نزحوا من محافظات سورية أخرى، بالإضافة إلى اللاجئين السوريين في تركيا، بحسب الجباوي.

وكان حسان الأسود، أوضح في وقت سابق، أن هناك تبعات كبيرة للتصريحات الرسمية التركية، ويلاحظ منذ فترة ليست ببعيدة أن هناك محاولات عديدة من عدة دول للتقارب مع دمشق، والسبب في ذلك أن من يفرض السيطرة العسكرية في النهاية يستطيع التفاوض سياسيا، لذلك يمكن رؤية أن المعادلة الآن تتجه إلى تغيير قواعد التعامل مع حكومة دمشق، من قبل الأتراك على اعتبار حكومة دمشق بالنسبة لأنقرة أقل خطرا.

وأضاف الأسود، أنه من المؤكد أنه سيحصل تقارب سياسي بين دمشق وأنقرة، لأنه في السياسة لا توجد ثوابت بل مصالح مختلفة، وبالتالي يمكن مع تغيير موازين القوى الحالية أن تتغير المواقف بشكل جذري، خاصة أن حكومة أردوغان كانت قد سعت في بداية الأزمة السورية في 2011 للتواصل مع حكومة الأسد، لإيجاد حل ينقذ “النظام السوري” ويلبي بعضا من مطالب الشعب السوري، فأنقرة لديها استعداد دائم للتواصل مع دمشق.

كل الدلائل باتت تشير إلى أن المناخ الآن ملائم لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، خاصة أن تركيا تلقت وعودا روسية بتحقيق مصالحها في سوريا، ومن جهة ثانية إغلاق باب إعادة العلاقات مع دمشق في وجه المعارضة التركية التي تلوح بها كورقة في الانتخابات التركية القادمة في وجه أردوغان، إضافة لملف إعادة اللاجئين السوريين.

الحل نت

—————————

سفير تركيا السابق في دمشق: الحرب السورية توقفت لكن الأزمة لم تنته

قال السفير التركي السابق في دمشق، عمر أونهون، إن الحرب في سوريا توقفت إلا أن الأزمة في البلاد لم تنته.

وجاء ذلك في مقالة نشرها على موقع “Yetkin Report” التركي.

وأشار عمر أونهون، الذي شغل منصب سفير تركيا في سوريا بين عامي 2009 – 2012، إلى أن الحرب توقفت على مستوى البلاد، وبشار الأسد انتخب للمرة الرابعة لشغل منصب رئيس الجمهورية في أيار 2021، وسوريا حققت بعد المكاسب من خلال عودتها إلى المجتمع الدولي مؤخراً، إلا أن هذا لم يساعد على انتهاء الأزمة ولم يحفظ السلم الأهلي في البلاد.

وبيّن في مقالته  أن سوريا تقع تحت 4 إدارات منفصلة، هي نظام الأسد، وهيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية، والمناطق التي تديرها تركيا والمعارضة السورية، مثل الجيش الوطني والتشكيلات العسكرية المختلفة.

وأضاف: “هناك جنود من دول أجنبية مثل روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وميليشيات أجنبية مثل حزب الله وجماعات شيعية أخرى ومتطرفين جهاديين، وعناصر داعش على الأراضي السورية، بينما تواصل إسرائيل قصف أهداف مختلفة في سوريا بشكل شبه يومي”.

وتساءل “أونهون” حول شرعية الانتخابات التي أجراها بشار الأسد في آيار 2021 لينتخب للمرة الرابعة كرئيس لسوريا: “حقيقة أن 6.6 ملايين سوري يعيشون في الخارج، و7 ملايين سوري يعيشون في مناطق لا تخضع لسيطرة الأسد في سوريا لم يتمكنوا من التصويت، تجعل من هذه الانتخابات موضعاً للتساؤل”.

العودة إلى العالم العربي

وتطرق “أونهون” إلى مسألة عودة النظام السوري إلى عضويته في جامعة الدول العربية، خاصة بعد أن شهد نظام الأسد انتعاشاً في العلاقات مع بعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة، وزيارة بعض وزراء الخارجية العرب إلى دمشق، وفتح بعض السفارات العربية في سوريا، كان آخرها البحرين.

في حين يرى أن الخطوة الأهم بالنسبة إلى سوريا هي العودة إلى مقعدها في جامعة الدول العربية بعد أن تم تعليقها في 2011: “تنعقد قمة الجامعة العربية في الجزائر في تشرين الثاني، وتشهد البلد المضيفة حملة من أجل عودة سوريا إلى الجامعة، ففي حين يؤيد العديد من أعضاء الجامعة، وخاصة الإمارات والعراق ولبنان، عودة سوريا، إلا أن السعودية وقطر تمنع ذلك من داخل الجامعة، والولايات المتحدة من الخارج”.

الوضع الاقتصادي السيئ في سوريا

وعارض “أونهون” المدافعين عن الرأي القائل بأن الوضع العام، بما في ذلك الاقتصاد، في دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة الأسد، جيد وآخذ في التحسن: “مقياس الاقتصاد الجيد لا يمكن أن يقاس بكون كل شيء جيد في قصر الأسد، ففي مدينة عدد سكانها 2 مليون نسمة، لا يستطيع 2 – 3 آلاف شخص  ملء 8 – 10 أماكن ترفيه وتناول الطعام والشراب فيها كل مساء”.

وأضاف: “الوضع الاقتصادي في سوريا سيئ للغاية، 14.6 مليون سوري في البلاد بحاجة إلى المساعدة، و 12 مليون يعيشون على حد الجوع، والتضخم يحوم في نطاق 150-200 في المئة، والليرة السورية منهارة، والقوة الشرائية للشعب في حدها الأدنى، وحتى الضروريات الأساسية شحيحة، حيث لا تتوفر الكهرباء والماء في درجات حرارة تصل إلى 40 درجة، والوضع في أجزاء أخرى من سوريا أسوأ بكثير مما هو عليه في دمشق”.

حقول النفط خارج سيطرة سوريا

ويرى “أونهون” أن من أهم مصادر الدخل الرئيسية لسوريا هي النفط والغاز الطبيعي وخطوط نقل الطاقة والنقل البري والسياحة، إلا أن أهمها هو النفط، حيث يعتبر مصدر الدخل الرئيسي في البلاد: “اضطرت شركات النفط ، التي لها الحق في تشغيل الحقول النفطية في البلاد ، للانسحاب من البلاد بإعلان تحت أسباب قاهرة بسبب العقوبات والأزمة التي اندلعت عام 2011”.

وأردف: “نحو95٪ من حقول النفط هذه تحت سيطرة وحدات حماية الشعب، وكانت في وقت من الأوقات بيد داعش التي مولت أنشطتها من الدخل الذي حصل عليه منها، وفي هذه الفترة التي يتراوح فيها سعر برميل النفط بين 95 و 110 دولارات، تبيع وحدات حماية الشعب النفط السوري مقابل 20-30 دولارًا للبرميل وتمول هيكلها العسكري وإدارتها من الدخل الذي تجنيه”.

التغيير الديموغرافي عبر تمويل الإعمار

وأشار السفير “أونهون” إلى أن الملايين من السوريين اضطروا إلى مغادرة منازلهم والفرار إلى أجزاء أخرى من البلاد أو إلى الخارج خلال الحرب، وهو ما شجع النظام على بدء مشاريع شبيهة بـ “التحول الحضري” في المناطق التي تم إخلاؤها من السكان، معظمهم من السنة: “يتم مصادرة الممتلكات الخاصة وهدم المباني وبناء أخرى جديدة”.

وأردف: “استقر العديد من الجماعات التي دعمت النظام في الحرب (نصيريون جلبوا من الريف، وشيعة إيرانيون ولبنانيون) مع عائلاتهم في تلك المناطق، وبهذه الطريقة، ينظم النظام الهيكل الديموغرافي لصالحه ويحقق ربحاً من ذلك”.

وأكد في مقاله على أن الذين يمسكون بسوق العقارات، ويصادرون ويهدمون ويبنون المباني، هم رجال النظام السوري، ومن خلال عملهم تتشكل طبقة ثرية جديدة مؤيدة للنظام.

أجهزة النظام الأمنية تتقاسم عمليات إعادة البناء في غوطة دمشق الشرقية

صعوبة العودة إلى الحياة الطبيعية في سوريا

وأرجأ  “أونهون” أسباب الثورة السورية عام 2011 إلى كون عائلة الأسد شريكة في جميع الاستثمارات في سوريا، حيث كانت تعتمد العائلة على رامي مخلوف، وهو ابن خال بشار الأسد، مما شكل نظاما اقتصاديا فاسدا يحكمه عائلة الأسد، ويستفيد منه الطبقة الحاكمة فقط.

واعتبر أن النظام السوري لم يغير طريقته في الحكم منذ بداية الثورة السورية وإلى الآن، فقط تغير الأشخاص، فبدلاً من رامي مخلوف، أتت زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس، وحلت محله، وظهرت شخصيات مثل قاطرجي وعائلة فوز ليكونوا أمراء الحرب في سوريا.

وأضاف: “لم يتغير شيء في سياق الأسباب التي أدت إلى الأزمة في سوريا، على العكس تماماً، أضيفت أشياء جديدة إلى السلبيات الموجودة، وهو ما يظهر مدى صعوبة الأمور فيما يتعلق بمستقبل سوريا وعودتها إلى طبيعتها”.

————————-

القوات التركية تنسحب من قاعدتين في تل أبيض «بتفاهم مع روسيا»

إردوغان أكد مجدداً أن العملية العسكرية شمال سوريا {ستنفذ قريباً}

أنقرة: سعيد عبد الرازق

أكدت تركيا، مجدداً، أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الهجمات التي تتعرض لها قواتها في شمال سوريا من جانب وحدات حماية الشعب الكردية التي تعد المكون الأساسي لتحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)… في وقت تصاعدت فيه الاستهدافات المتبادلة على محاور التماس في مناطق سيطرة قسد في شمال وشرق سوريا، فيما أفادت مصادر بانسحاب القوات التركية، من قواعد العسكرية في قرية طنوز وهرقلي بريف مدينة تل أبيض الغربي، ضمن محافظة الرقة، الواقعة عند الحدود السورية التركية.

وفي إشارة إلى أن أنقرة ربما لم تتخل تماماً، حتى الآن، عن خيار شن عملية عسكرية أعلنت عنها في مايو (أيار) الماضي لاستكمال إقامة مناطق آمنة على حدودها الجنوبية بعمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عزم بلاده على «الربط بين المناطق الآمنة في شمال سوريا قريباً».

وقال إردوغان، في كلمة خلال المؤتمر الثالث عشر لسفراء تركيا بالخارج في أنقرة، الاثنين: «قريباً سنوحد حلقات الحزام الأمني بتطهير المناطق الأخيرة التي يتواجد فيها التنظيم الإرهابي (وحدات حماية الشعب الكردية) في سوريا».

وأضاف إردوغان، الذي سبق أن تعهد في مايو الماضي بشن عملية عسكرية في منبج وتل رفعت «بين ليل وضحاها»، أن بلاده ستواصل مكافحة الإرهاب، وأن قرارها بشأن تأسيس منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً عند حدود تركيا الجنوبية، ما زال قائماً.

ولم تجد تركيا دعماً لعمليتها العسكرية المحتملة. وحذرت الولايات المتحدة، التي تعتبر الوحدات الكردية حليفاً أساسياً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، من أي تحرك عسكري تركي، قائلة إنه سيشكل خطراً على القوات المشاركة في الحرب على داعش. كما رفضت الدول الأوروبية أي عمل عسكري تركي جديد في شمال سوريا. بالإضافة إلى رفض روسيا، التي طالبت أنقرة بالحوار والتعاون مع نظام بشار الأسد بدلاً عن اللجوء للحل العسكري، وإيران التي أعلنت أن أي عملية تركية ستكون في صالح الإرهابيين فقط، وستهز استقرار المنطقة.

كما تواجه العملية العسكرية اعتراضات من أحزاب المعارضة التركية، التي تضغط على إردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، بملف اللاجئين السوريين وتطالب بإعادتهم إلى بلادهم بالتنسيق مع النظام، وذلك في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) 2023.

بدوره، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في كلمة في افتتاح مؤتمر السفراء، إن «تركيا التي تسهم في أمن ملايين السوريين، لا يتوقع منها أن تظل مكتوفة الأيدي أمام هجمات (تنظيم الوحدات الكردية الإرهابي). تركيا وفرت من خلال عملياتها العسكرية في الشمال السوري، العودة الآمنة للكثير من السوريين، والوحدات الكردية تواصل هجماتها ضد المدنيين السوريين والعسكريين الأتراك بهدف زعزعة الاستقرار وتحقيق أجنداتها الانفصالية».

وأشار إلى أنه خلال العمليات العسكرية في شمال سوريا، قامت القوات التركية بتطهير 4 آلاف كيلومتر مربع من الإرهاب خارج حدود البلاد، وتمكنت من تأمين عودة 515 ألفاً و713 سورياً إلى هذه المناطق.

في السياق، أصيب 6 جنود أتراك، بينهم 3 حالتهم خطيرة، نتيجة سقوط قذائف على القاعدة التركية في «كلجبرين» بريف حلب، التي تم استهدافها ومحيطها بنحو 20 قذيفة مصدرها مناطق سيطرة قسد والنظام، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن طائرة إيرانية مسيرة استهدفت موقعاً للفصائل الموالية لتركيا في ريف حلب الشمالي. ويعد هذا هو الاستهداف الثاني للقاعدة في أقل من أسبوعين، بعد مقتل جنديين تركيين في قصف استهدفها في 26 يوليو (تموز) الماضي.

بدورها، استهدفت فصائل «الجيش الوطني»، الموالي لتركيا، بالقذائف المدفعية، أطراف قرية أم الحوش بريف حلب الشمالي وأبين بناحية شيراوا بريف عفرين.

وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها مناطق بريف مدينة منبج، شمال شرقي حلب، حيث طال القصف قرى عون الدادات وتوخار والجات والهوشرية، الخاضعة لسيطرة قسد، وذلك بعد اشتباكات بالأسلحة الثقيلة، بين القوات التركية والفصائل، وقوات مجلس منبج العسكري، التابعة لقسد، في منطقة خط الساجور في منبج، الأحد.

ودفع الجيش التركي بتعزيزات إلى ريف حلب الشرقي، حيث دخل رتل عسكري تركي، ليل الأحد – الاثنين، من معبر الراعي باتجاه مدينة الباب شرق حلب، ضم عدداً من الدبابات والمدرعات إضافة إلى كميات كبيرة من الذخيرة. ورافقت عناصر من فصيل «السلطان مراد» الرتل حتى وصوله إلى مدينة الباب.

وفي الأثناء، أفاد المرصد بانسحاب القوات التركية، الاثنين، من القواعد العسكرية التابعة لها في قرية طنوز وهرقلي بريف مدينة تل أبيض الغربي، ضمن محافظة الرقة، الواقعة عند الحدود السورية التركية، للتقدم إلى عمق المنطقة نحو محاور التماس بتنسيق مشترك مع الجانب الروسي، ويتوقع أن يفضي إلى تقدم جديد للقوات الروسية وقوات النظام في تل أبيض، في اتفاق غير معلن بين الجانبين الروسي والتركي. وأضاف المرصد أن قوات النظام استهدفت القاعدتين بالقذائف بعد انسحاب القوات التركية منها.

وأنشأت القوات التركية قواعد عسكرية في تلك القريتين عقب سيطرتها على المنطقة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 عبر عملية «نبع السلام» العسكرية. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، السبت، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طلب منه خلال قمتهما في سوتشي، الجمعة، التنسيق والتعاون مع النظام السوري بدلاً من اللجوء إلى العمليات العسكرية.

الشرق الأوسط

——————-

بوليتكو: أردوغان حليف يصعب التعامل معه ويستحيل العيش بدونه

قال السفير الأمريكي السابق للناتو إيفو دالدر والذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس شيكاغو للشؤون الدولية، إن تركيا بلد من الصعب العيش معه وبدونه. وربما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حليفا صعبا لكن أهمية بلده الاستراتيجية واضحة.

وجاء في مقال نشره موقع “بوليتكو” أن الرئيس التركي وقف في الشهر الماضي مصافحا يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي، اللذين يعدان عدوين لدودين للغرب.

وبعد يومين جلس إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوقعان صفقة تسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود. وظهر الرئيس التركي كبطل وشرير مما يجعله حليفا معقدا.

ويضيف دالدر أن تركيا تعتبر مهمة استراتيجيا لحلف الناتو وهذا واضح، فمن الناحية الجغرافية، هي تقع على الطرف الجنوبي للبحر الأسود، وتمثل جسرا بين أوروبا وآسيا، في الجنوب الشرق الأوسط والشرق وسط آسيا والقوقاز في الشمال. وبالنسبة للدول الواقعة حول البحر الأسود، فالمضائق التركية هي المعابر الوحيدة المتوفرة لها إلى بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط والمحيطات الواقعة خلفها. ومن الناحية السياسية، تعتبر تركيا أكبر بلد مسلم في حلف الناتو ويمكن أن تلعب دور المحاور المفيد مع العالم العربي والفارسي. وفي وقت تبدو فيه دبلوماسيتها معرقلة إلا أن علاقة أنقرة القريبة مع عدد من اللاعبين توفر لها تأثيرا سياسيا، كما أظهرت اتفاقية القمح الأوكراني.

وأخيرا، تعتبر تركيا من الناحية العسكرية ثاني قوة في الناتو ولدى جيشها خبرات قتالية ضد التهديدات الداخلية والخارجية. وهي مقر القوات الأمريكية وقدرات عسكرية مهمة ضرورية للدفاع عن الناتو والولايات المتحدة. لكن أنقرة في السنوات الماضية أظهرت أنها ليست حليفا يمكن الاعتماد عليه، فقائمة التجاوزات التي قامت بها والتي يعود بعضها إلى عقود، مثل غزو قبرص عام 1974 والمواجهات المستمرة مع اليونان في بحر إيجة. إلا أن رئاسة أردوغان أخذت تجاوزات تركيا إلى مستوى مختلف. ففي الداخل حاول قمع المعارضة وسجن خصومه واحتجزت حكومته صحافيين أكثر من أي بلد في العالم، وهي العضو الوحيد في الناتو التي يعتبرها مؤشر فريدم هاوس بأنها “ليست حرة”. وهذا أمر مثير للقلق، لكنه ليس غريبا، فالاضطرابات الداخلية والحكم الأتوقراطي ليس جديدا على بلد شهد أربع انقلابات عسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

إلا أن تصرفات تركيا المتقلبة في الخارج هي التي أثارت أسئلة حول كونها حليفا يمكن الاعتماد عليه. فأردوغان ليس الزعيم الوحيد الذي أقام علاقات دافئة مع بوتين، فكر برئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو بريلسكوني والرئيس الهنغاري فيكتور أوربان. إلا أن الزعيم الوحيد في الناتو الذي اشترى من روسيا نظام دفاع صاروخي متقدم بدلا من شراء المعدات الغربية التي يمكن دمجها في شبكة دفاعات الناتو الجوية. وهو أول قائد في الناتو- مع أنه ليس أول زعيم تركي- يهدد حليفا بالقوة، كما فعل في سلسلة تغريدات الأسبوع الماضي ضد اليونان.

وفي داخل الناتو كان أردوغان معطلا، ويستخدم التحالف الذي يقوم على الإجماع لتحقيق ما يريد ومنع التوافق.

وعلى خلاف بقية دول الناتو، فتركيا هي الوحيدة المستعدة للتلويح بالفيتو لكي تحصل على ما تريد. فقد عرقلت تركيا تعاون الناتو مع إسرائيل لعدة سنوات، وذلك بسبب الهجوم الإسرائيلي على سفينة لكسر الحصار عن غزة. واستخدم أردوغان الفيتو لمنع تمرير خطة طارئة للدفاع عن بولندا ودول البلطيق إلا إذا اعتبر الناتو التهديد الكردي إرهابيا. وقبل أسابيع هدد بمنع انضمام كل من السويد وفنلندا للناتو بسبب الدعم للمنظمات الكردية الإرهابية، حيث تم حل الخلاف في قمة مدريد. ولا تزال أنقرة تحمل الورقة الأخيرة بشأن انضمام البلدين الشماليين.

واليوم يدعو البعض إلى تعليق عضوية تركيا في الناتو، بسبب العلاقة مع موسكو ورفض فرض العقوبات عليها بعد غزو أوكرانيا ودعم قادة لا يحبهم الغرب ومتشددين إسلاميين.

ويرى الكاتب أن هناك عدة مشاكل في هذا المقترح، عملية واستراتيجية. فمن الناحية العملية يحتاج الناتو لموافقة تركيا كي يخرجها من التحالف، فهو حلف قائم على التوافق الذي استخدمته تركيا وبشكل ناجح لتحقيق ما تريده. ففي الوقت الذي يمكن فيه لتركيا الانسحاب من الناتو كما فعلت فرنسا عام 1966، يحتاج الحلف للإجماع كي يخرج عضوا منه، وهذه معضلة، فقاعدة التوافق لا تتغير إلا بإجماع كافة الأعضاء.

وهناك اعتبار استراتيجي للحفاظ على تركيا في الناتو واستخدام الدبلوماسية والإقناع والضغط لدفع أنقرة اللعب في نفس الملعب: فمن الداخل والخارج، تحتل تركيا موقعا حيويا واستراتيجيا للناتو وبعلاقات وثيقة مع الشرق الأوسط والقوقاز ولا يملكها أي حليف أو يقلدها. وتلعب أحيانا دورا مفيدا في جمع الأطراف المتصارعة، كما في علاقاتها مع كييف وموسكو. ويمكنها أن تلعب كما فعلت في الدفاع المشترك عن الناتو. وبعبارات أخرى، فتركيا هي حليف معقد من الصعب العيش معه ومن المستحيل العيش بدونه و “من الأفضل الحفاظ عليه داخل الخيمة يسبب المشاكل بدلا من خارجها وهو يفتعل المشاكل”.

القدس العربي

——————————

===================

تحديث 10 آب 2022

—————————

أردوغان والبوابة الروسيّة… إلى سوريا/ خيرالله خيرالله

ليس لدى تركيا في عهد رجب طيب أردوغان ما تفعله غير السعي إلى تفادي الوضوح السياسي. تتفادى تركيا الوضوح السياسي، بما في ذلك ما يخصّ علاقتها بإسرائيل، في عالم معقّد يحتاج إلى الوضوح. يحتاج هذا العالم إلى الوضوح بدل التذبذب واللعب على الحبال في كلّ المجالات.

يبدو أنّ أردوغان شعر فجأة بحاجة الرئيس فلاديمير بوتين إليه كي يخرج الأخير من حضن إيران. لبّى بعض المطلوب منه معتقدا أن ذلك يمثّل نوعا من الحذاقة في وقت ليس في وارد أوروبا، كلّ أوروبا، التعاطي مع روسيا ما دام بوتين في موقع الرئيس.

ساهم أردوغان في إخراج الرئيس الروسي من هذا الحضن الإيراني أم لم يساهم، ثمّة ألاعيب سياسيّة تجاوزها الزمن.

لا تليق هذه الألاعيب لا بدولة مثل روسيا ولا بدولة مثل تركيا، علما أنّه لا بدّ من التمييز بين شخصي أردوغان وبوتين. لم يغرق الرئيس التركي كلّيا بأيّ وحول بعد، باستثناء وحول الإخوان المسلمين وفكرهم المتخلّف الذي عشش في رأسه. لكنّ هناك نصف غرق تركي في الوحول السوريّة. هل يستطيع رجل غارق في الوحول الأوكرانيّة مثل فلاديمير بوتين انتشال الرئيس التركي من الوحول السوريّة أم سيدفعه إلى الغرق فيها أكثر كي يصبح هذا الغرق مكتملا؟

في مقابل نصف الغرق التركي في سوريا، ذهب الرئيس الروسي إلى أوكرانيا متسببا بكارثة عالميّة في مجال الطاقة والغذاء. ستترك الكارثة الناجمة عن سعي بوتين إلى تدمير أوكرانيا آثارها على العالم كلّه، خصوصا على العلاقات الروسيّة – الأوروبيّة. نجح بوتين في عزل روسيا عن أوروبا معتقدا أن احتلال أوكرانيا نزهة. لم يدرك في أيّ لحظة أخطار المغامرة التي أقدم عليها وما الذي تعنيه في داخل كلّ بلد أوروبي. تذكّر كل مواطن أوروبي فجأة صعود هتلر في ثلاثينات القرن الماضي. تذكّر كلّ أوروبي معنى أيّ تهاون مع بوتين بعدما أدّى التهاون مع هتلر إلى الحرب العالميّة الثانيّة.

قبل أيّام، التقى الرئيس التركي الرئيس الروسي في منتجع سوتشي الروسي بعد ثلاثة أسابيع من القمّة الثلاثيّة التي انعقدت في طهران، وهي قمّة استهدفت الردّ على زيارة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل ثم إلى المملكة العربيّة السعوديّة. ليس معروفا، أقلّه إلى الآن، ما الفائدة التركيّة من الذهاب إلى طهران ومشاركة أردوغان في قمّة مع بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي يرمز إلى كلّ ما تمثله سياسة “الحرس الثوري” في المنطقة. يختزل هذه السياسة مشروع توسّعي لا أفق سياسيا له… باستثناء عقد صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي أو “الشيطان الأصغر” الإسرائيلي!

لا بدّ من العودة إلى الوضوح. لا شيء أفضل من الوضوح. في سوريا، يدفع رجب طيب أردوغان ثمن غياب الوضوح. الواقع أنّه يدفع ثمن الاعتقاد أنّ تركيا دولة قادرة على لعب أدوار تفوق حجمها

في سوتشي، طلب بوتين من أردوغان فتح خط مباشر مع نظام بشّار الأسد بغية التعاون من أجل القضاء على “قوات سوريا الديمقراطيّة” (قسد) في الشمال السوري. يعرف الرئيس الروسي تماما أنّ الأكراد نقطة ضعف تركيّة وأنّ في استطاعته استغلال هذه النقطة من أجل إيجاد تقارب بين نظام بشّار الأسد وتركيا. إلى أين يمكن أن يؤدي هذا التقارب وما الفائدة منه في نهاية المطاف؟ لا شكّ في أن خطوة الرئيس الروسي خطوة تكتيكيّة ذكيّة. إنّه يضرب غير عصفور بحجر واحد. فهو يعيد، أوّلا، الاعتبار إلى النظام السوري وإلى الدور الروسي في سوريا. وهذا الدور الروسي تقلّص إلى حد كبير بعدما انشغلت روسيا بحرب أوكرانيا وباتت ايران اللاعب الأوّل في سوريا. بات على بوتين الاستعانة برجب طيّب أردوغان لتعويم روسيا ودورها في سوريا!

حسنا، يظلّ الأكراد همّا تركيا أساسيا، لكن ما الفائدة من دور تركي في إعادة الاعتبار إلى نظام سوري لا يمكن أن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام؟ هذا ما يفترض أن يفكّر فيه الرئيس التركي جدّيا قبل إقدامه على خطوة في اتجاه بشّار الأسد خدمة لفلاديمير بوتين الذي وجد نفسه في الحضن الإيراني.

يصعب استبعاد وقوع الرئيس التركي في الفخّ الروسي الذي ينصبه له بوتين. الرجل مغامر من الطراز الأوّل. يعتقد أنّ العالم لا يعرف شيئا عن تركيا ومصاعبها ووضعها الاقتصادي. ما يعرفه العالم أنّ رجب طيّب أردوغان على استعداد دائم للعب كلّ الأوراق المطلوب منه أن يلعبها من أجل البقاء في السلطة. أراد فكّ الحصار عن غزّة في العام 2010. أرسل مواد غذائية على سفينة إلى القطاع. كانت النتيجة اضطراره إلى التراجع ثمّ العمل على إعادة مدّ الجسور مع إسرائيل. ليس ما يدعو إلى إعادة رواية قصة الفشل التركي في التعاطي مع فلسطين والفلسطينيين…

كانت سوريا المكان الوحيد الذي تستطيع فيه تركيا إظهار أنّها دولة جدّية، خصوصا في مرحلة ما بعد اندلاع الثورة الشعبيّة على النظام الأقلّوي الذي حوّل السوريين إلى عبيد في آذار – مارس 2011. فوتت تركيا كلّ الفرص التي أتيحت لها لتكون اللاعب الأساسي في سوريا. تراجعت أمام إيران التي لم يكن لديها من همّ سوى إنقاذ النظام وما لبثت أن تراجعت أمام روسيا.

بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبها أردوغان في سوريا، بات عليه الآن العودة إليها من البوابة الروسيّة. هذه ليست عودة مشرفة وذلك على الرغم من وجود رغبة حقيقيّة في تصفية الحسابات مع أكراد سوريا ومع الكيان شبه المستقلّ الذي أقامته “قسد” في شمال البلد.

لا بدّ من العودة إلى الوضوح. لا شيء أفضل من الوضوح. في سوريا، يدفع رجب طيب أردوغان ثمن غياب الوضوح. الواقع أنّه يدفع ثمن الاعتقاد أنّ تركيا دولة قادرة على لعب أدوار تفوق حجمها. لا يدري أنّ هناك ثمنا لكلّ شيء، بما في ذلك ثمن للتعاون مع إيران وثمن للتعاون مع روسيا في منطقة لا تزال فيها أميركا قادرة، إلى إشعار آخر، على لعب دور في غاية الأهمّية على غير صعيد!

إعلامي لبناني

العرب

——————–

رسائل قمة سوتشي الجديدة/ فراس رضوان أوغلو

لا شك أن قمة سوتشي الأخيرة بين الرئيسين الروسي والتركي تختلف عن سابقاتها من اللقاءات نظرًا للتطورات والمستجدات الدولية والإقليمية، فروسيا اليوم أصبحت أكثر حاجة لتوطيد العلاقات مع تركيا تماشياً مع الاستراتيجيات المستجدة بعد الحرب على أوكرانيا وهذا يعني أن الملفات المختلف عليها لا بد من تليين تناقض مواقف البلدين فيها لزيادة ذلك التعاون بينهما.

ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس أردوغان عن تواصل جهاز الاستخبارات التركي مع جهاز الاستخبارات في دمشق، لكن المستجد الجديد هو ذكره أنه إذا سلكت تركيا طريق التعاون مع دمشق لحل مسائل التنظيمات الإرهابية فإن ذلك سيكون أكثر صواباً طالما كان ممكناً وفق رؤية الرئيس بوتين، وهذه الرؤية الروسية ليست جديدة بل كانت تصر عليها منذ عدة سنوات ولكن لم يتم ذكرها من قِبل الجانب التركي سابقًا. علاوة على أن الرئيس أردوغان طالب في مستهل حديثة بالوصول إلى نتائج ملموسة على أرض الميدان في مكافحة الإرهاب وأنه ينتظر دعم صديقه بوتين في هذا الملف، وهذا يتوافق مع تصريحات جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي عندما قال إنه من حق دمشق أن تزيل التنظيمات الإرهابية من أراضيها وأنه ليس من الصواب اعتبار المعارضة المعتدلة إرهابيين.

ولو أضفنا على ما سبق توقف العملية العسكرية ضد قسد والتي أعلنت عنها تركيا مراراً وتكراراً تأتي في إطار هذا التنسيق والتفاهم التركي الروسي، وبالطبع إن هذا التنسيق قد مر على طهران ودمشق، لكن هذا لا يعني أن هناك خطوات كبيرة قد اتخذت في هذا الإطار وإنما من الواضح أن تَسارع تلك الخطوات زاد بشكل أكثر وضوحاً من ذي قبل وأن تأثير تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وخاصة في مسألة الغذاء والطاقة جعلت الجميع يتأنى ويتراجع عن حدة مواقفه فالسعي نحو التهدئة بات الخيار الاستراتيجي المفضل أكثر لدى أنقرة.

على أوروبا أن تكون ممتنة لتركيا إزاء تدفق الغاز الطبيعي من روسيا إليها دون انقطاع. تصريح هام من الرئيس الروسي يرسل من خلاله رسائل مهمة ويعطي زخماً ودعماً سياسياً لتركيا للاستمرار في سياستها التي تتبعها في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، وفي نفس الوقت يقول للأوروبيين والعالم إن العقوبات الغربية على روسيا لم تؤثر عليها وإن أوروبا ما زالت تحتاج الغاز الروسي. وربما الرسالة الأهم أنه ممكن لتركيا أن تلعب دور الوسيط المالي بين روسيا والغرب وخاصةً أن البنوك الروسية تتواجد في تركيا واعتماد خمسة بنوك تركية نظام المدفوعات الروسية مير وأن كثيراً من الشركات الروسية توجهت نحو تركيا التي بدورها رفضت فرض عقوبات على روسيا واعتبرت أنه لا بد من وجود طرف ثالث شبه محايد من أجل إبقاء قنوات التواصل فعالة رغم القطيعة بين روسيا والغرب وفي حال نجحت تركيا في أداء هذا الدور فإن مكاسبها المالية والسياسية وحتى الاستراتيجية ستكون كبيرة جداً وبهذا تكون تركيا نوعاً ما نجحت في تحويل تبعات الحرب الروسية الأوكرانية من تبعات سلبية كارثية إلى تبعات إيجابية تستفيد منها وتستغلها في ملفات أخرى.

تحاول تركيا تكثيف جهودها ضد قسد مستفيدة من التوتر الجديد الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول زيارة بيلوسي لجزيرة تايوان، فقمة طهران قد أوضحت أن الفرقاء الثلاثة روسيا وإيران وتركيا متفقون على أن التواجد الأميركي يرسخ فكرة تقسيم الأراضي السورية، علاوة على أن واشنطن هي من تحمي قسد التي تعتبرها تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وفي حال خروج الولايات المتحدة الأميركية من الشمال السوري يصبح التفاهم أسهل مع روسيا حول الوضع السياسي في سوريا.

ما يهم تركيا هي الحدود الشمالية لسوريا التي تتواصل مع العراق وتركيا من الناحية الجغرافية، وحتى السكانية أما بقاء الأميركيين في مناطق أخرى من الجغرافية السورية فلا أظن أن هذا يقلق أنقرة أو حتى أنها ممكن أن تنشغل به، ولكن هذا المطلب لا يمكن اعتباره واقعياً فالتواجد الأميركي في سوريا يعتبر مطلباً لبعض الدول العربية من أجل إحقاق التوازن العسكري والاستراتيجي مع روسيا ومع إيران ولذلك لا يمكن لواشنطن أن تستمع لأنقرة وتتجاهل حلفاءها الآخرين في المنطقة.

من الواضح أن قمة سوتشي رسخت التعاون التركي الروسي في مجالات عدة ولعل أهمها القراءة الاستراتيجية المشتركة في ملفات عدة كالطاقة والغذاء والتبادل التجاري المشترك بين الطرفين الذي سيزداد مع الأيام القادمة، وذلك لحاجة روسيا لتركيا في مسائل التحويل المالي والوساطة المالية بين الغرب وروسيا المستفيدة سياسياً وإعلامياً من زيارة أحد قادة الناتو (القوة العسكرية الثانية في الحلف) بعد المقاطعة الغربية لها وفرض عقوبات عليها.

تلفزيون سوريا

——————————–

تركيا ونظام الأسد.. زواج بالإكراه!/ عدنان علي

بعد تسريبات عدة لوسائل إعلام تركية بشأن احتمال حدوث تقارب بين الحكومة التركية والنظام السوري على خلفية عدائهما المشترك لميليشيات قوات سوريا الديمقراطية في الأراضي السورية، أطلق مسؤولون أتراك مؤخرا تصريحات تصب في الاتجاه نفسه، ما يوحي بأن التقارب بين الجانبين، بات يتخطى مرحلة “التنسيق الأمني” الذي يقر به الطرفان علنا، ليشمل محاولة التفاهم على نقاط مشتركة، تستند ربما إلى اتفاقيات سابقة مثل اتفاقية أضنة لعام 1998.

وفي تصريح له خلال عودته من روسيا، قال الرئيس التركي أردوغان للصحفيين على متن الطائرة إنه تباحث مع نظيره الروسي بوتين حول الحل في سوريا، معتبرا أن الحل بالاشتراك مع النظام السوري، هو “الأكثر منطقية” مشيرا إلى أن المخابرات التركية ما زالت تعمل مع نظيرتها السورية.

وتأتي تصريحات أردوغان، عقب تصريح مماثل لوزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، بشأن استعداد بلاده لدعم النظام السوري إذا قرر مواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تصنفها تركية كمنظمة إرهابية باعتبارها مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها، بينما يصفها النظام السوري بأنها مجموعة انفصالية غير شرعية.

وتثير هذه التصريحات تساؤلات ما إذا كانت تشير إلى تفاهمات جرى التوصل إليها في قمة طهران الأخيرة التي جمعت قادة تركيا وإيران وروسيا، أم هي مجرد تكرار لمواقف تركية قديمة، تدعم أن يحل النظام السوري محل المسلحين الأكراد في السيطرة على المناطق الحدودية مع تركيا.

ولعل هذه التصريحات هي مؤشرات على أن تركيا تقوم بإعادة تقييم لموقفها إزاء “الملف السوري”، بما في ذلك العلاقة مع نظام الأسد، دون أن يعني أن نتيجة هذا التقييم ستكون المباشرة في التطبيع مع النظام، ربما أو على الأرجح مجرد بالونات اختبار لمعرفة ماذا لدى نظام الأسد وروسيا لتقديمه لتركيا، بما يجعلها تستغني عن العملية العسكرية التي تلوح بها منذ فترة في الشمال السوري.

والواقع، أن روسيا أفصحت لتركيا عن بدائلها والمتمثلة في اتفاقيتي أضنة لعام 1998 بين نظام حافظ الأسد وتركيا، واتفاق سوتشي لعام 2019 بين روسيا وتركيا. ويسمح الاتفاق الأول لتركيا بالتوغل لمسافة 5 كم داخل الأراضي السورية لملاحقة “العناصر الإرهابية”، وإن كانت تركيا تطالب بتعديلات على الاتفاق يزيد هذه المسافة إلى أكثر من 30 كم. أما الاتفاق الثاني الذي تم التوصل إليه خلال العملية التركية في الشمال السوري المسماة بـ “نبع السلام”، فقد أكد على مرجعية الاتفاق الأول وعلى ضرورة “إخراج عناصر قسد وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية – التركية، وخروج مقاتليها من مدينتي منبج وتل رفعت”.

كما أن إعادة إحياء اتفاق أضنة قد يعني إعادة فتح السفارة التركية في دمشق، والسفارة السورية في أنقرة، علماً أن القنصلية السورية في إسطنبول لم تغلق أبوابها قط برغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ذلك أن اتفاق أضنة يقضي بتعيين ضابط ارتباط أمني في سفارة كل جانب من أجل متابعة التنسيق، إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة وتشغيل خط ساخن، وكل ذلك يمكن أن يصب في خانة الاعتراف التركي بشرعية نظام الأسد.

 لكن في المقابل، هل يستطيع نظام الأسد مساعدة تركيا في تحقيق أهدافها؟ الأرجح أنه لا يستطيع وربما لا يريد، حيث تربطه مع تنظيم حزب العمال الكردستاني علاقات قديمة منذ كان يستضيف زعيمه أوجلان في دمشق قبل اتفاق أضنة، وقام بالتنسيق المباشر مع الحزب للسيطرة على مناطق شرق سوريا حتى لا تسقط بيد المعارضة السورية المسلحة، وقد لا يفرط نظام الأسد بسهولة بهذه الورقة، خاصة مع تواصل الوجود الأميركي في شرق سوريا، الأمر الذي يمنعه من التمدد هناك والوصول إلى منافع النفط والأراضي الزراعية الخصبة حتى لو أراد فعلا العمل ضد قسد.

ربما يوفر الانفتاح على النظام السوري لتركيا فرصا سياسية، خاصة لجهة التعاون بشكل أوثق مع روسيا لمحاربة ما تعتبره أنقرة تنظيمات إرهابية كردية على حدودها، إضافة إلى إمكانية توسيع نشاطها العسكري والأمني ضمن الأراضي السورية لمطاردة عناصر تلك التنظيمات بالتعاون مع النظام السوري، لكن هذا التقارب إن حصل قد يواجه تعقيدات إضافية، كأن يطالب النظام السوري تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية كشرط للتعاون معها، وهذا يعني تخليها عن المعارضة السورية التي استثمرت فيها أنقرة كثيرا خلال السنوات الماضية، ما يعني خسارة نفوذها في الملف السوري، مع احتفاظها بملايين اللاجئين السوريين الذين يعتبر معظمهم من المعارضين لنظام الأسد، ولا يمكنها إجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرته، بينما تخطط حاليا لإعادة الكثير منهم إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من قبلها، هذا إضافة إلى “العبء الأخلاقي” في العلاقة مع نظام طالما وصفه الزعيم التركي أردوغان بالمجرم والمارق وطالب بمحاسبته على انتهاكاته.

وباختصار، ربما يمكن تلخيص هذه التطورات بأنها لعبة جس نبض متبادلة حتى الآن، عرابها روسيا، يختبر كل طرف عبرها ماذا بوسع الطرف الآخر أن يقدم له، لكنها عملية مركبة تتضمن حسابات معقدة بعض الشيء بسبب تداخل الكثير من العوامل فيها، ولن تمضي قدما على الأرجح، إلا في حال كانت خيارا اضطراريا للجانبين اللذين لا يثقان ببعضهما، ويدرك كل منهما حقيقة ما يكنه له الطرف الآخر، بما يسببه الزواج بالإكراه، والذي غالبا ما ينتهي بالفشل، وأحيانا قبل أن يبدأ.

——————————

روسيا وتركيا: “أحبك وأنا لا أحبك أيضا”/ حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تواصل فيه روسيا وتركيا توسيع شبكة العلاقات الاقتصادية، يستمر الخلاف الجيوسياسي بين البلدين على الأغلب، لكن براغماتية العلاقة تظهر حاليا أنه على الرغم من الخلافات التي تفرق بين الاثنين، يحتاج كل منهما للآخر، حسب تحليل للكاتب الصربي المتخصص بالشؤون الروسية والبيلاروسية والأوكرانية، نيكولا ميكوفيتش.

ووفقا لميكوفيتش، “على الرغم من الغزو الأوكراني والتوترات المتزايدة بين أرمينيا وأذربيجان، تحظى مصالح الطاقة لموسكو وأنقرة على ما يبدو بالأولوية مقارنة بالأهداف الجيوسياسية المختلفة للبلدين في أماكن مثل سوريا ومنطقة البحر الأسود وجنوب القوقاز. وعلى الرغم من أنهما على طرفي نقيض في نزاعات مختلفة بالوكالة في جميع أنحاء العالم، تواصل كل من روسيا وتركيا زيادة تعاونهما الاقتصادي. و يلتزم كلا البلدين بالحفاظ على شراكتهما الاقتصادية حتى مع تصاعد التوترات في المناطق التي تتنافس فيها مصالح روسيا وتركيا.

كما تواظب روسيا على أعمالها مع تركيا على الرغم من العقوبات التي فرضها الغرب على الاتحاد الروسي بسبب أفعاله في أوكرانيا. وتقدّر مصادر روسية حجم التجارة بين روسيا وتركيا عام 2021 بنحو 35 مليار دولار وهو رقم يتوقع أن ينمو إلى 50-60 مليار دولار في 2022. وفي الوقت عينه، وفي ظل أزمة الغاز الأوروبية، لا يزال خط أنابيب الغاز الطبيعي ترك ستريم، الذي يربط روسيا وتركيا عبر البحر الأسود، الوحيد الذي يستمر بتوفير الغاز لأوروبا بشكل لا تشوبه شائبة. وفي حين أن قدرة ترك ستريم أقل من نورد ستريم 1 (31.5 مليار متر مكعب مقارنة بـ55 مليار متر مكعب)، إلا أنها تظل كبيرة، خصوصا بعد أن خفضت روسيا حجم الغاز الطبيعي الذي ترسله إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم 1.

وخلال القمة الأخيرة بين الزعيمين الروسي والتركي التي عقدت في 5 آب، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان أن الأوروبيين يجب أن يشعروا بالامتنان لتركيا لضمان النقل غير المنقطع للغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية. وتشير التقارير إلى أن بوتين واردوغان اتفقا على أن تبدأ أنقرة بسداد مدفوعات الغاز الطبيعي الروسي بالروبل. وفي عام 2021، أمّنت روسيا ربع واردات تركيا من النفط تقريبا وما يقرب من نصف مشترياتها من الغاز الطبيعي. لذلك، ليس من المستغرب أن ترفض أنقرة الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا وتحاول موازنة تحالفها في الناتو مع علاقاتها الاقتصادية مع موسكو.

عداوة تاريخية وحروب بالوكالة

ومع ذلك، هذا لا يعني أن تركيا ترى روسيا كدولة صديقة. في الواقع، ليست الدولتان صديقتين ولا حليفتين، مع الإشارة إلى العداوة التاريخية التي تفرقهما مع خوض عدة حروب. واليوم، ينخرط البلدان في نزاعين بالوكالة على الأقل: في سوريا، حيث تدعم روسيا الرئيس بشار الأسد، وتدعم تركيا فصائل معارضة مختلفة شمال البلاد، وأيضًا في ليبيا حيث الجيش الوطني الليبي الذي ترعاه روسيا يقاتل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة. وبالمثل، في منطقة جنوب القوقاز، حيث خاضت أذربيجان وأرمينيا حربًا استمرت 44 يومًا في منطقة ناغورنو كاراباخ الجبلية. وتدعم تركيا بشكل علني باكو في حين أن الكرملين لديه تحالف اسمي مع يريفان من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبالنظر إلى أن التوتر في ناغورنو كاراباخ قد تصاعد مؤخرًا، من المحتمل جدًا أن تُدرج العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان على جدول أعمال قمة سوتشي.

وفي حين أن التوترات المتزايدة في كل من سوريا وجنوب القوقاز قد تسبب مشاكل للشراكة الروسية التركية، قد توفر هاتين النقطتين أيضًا فرصة للبلدين لإيجاد مساحة لاستمرار المفاوضات. في سوريا، تحتاج تركيا للضوء الأخضر الروسي لشن “عمليتها العسكرية الخاصة” ضد الأكراد شمال البلاد. ومع ذلك، تواصل القوات الروسية تعزيز وجودها في المنطقة ودعا الكرملين أنقرة مرارًا إلى عدم شن غزو لشمال سوريا. وبالنسبة لموسكو، يتمثل التحدي في أن أنقرة تزيد بشكل كبير من نفوذها في منطقة جنوب القوقاز. ولا يزال لدى روسيا حوالي 2000 جندي حفظ سلام في ناغورنو كاراباخ، لكنها أثبتت عدم قدرتها على منع أذربيجان من الاستيلاء على أراضٍ إضافية في المنطقة. وقد يعني ذلك أن تركيا قادرة على استخدام نفوذ باكو على يريفان للضغط على موسكو لتقديم تنازلات لأنقرة. وستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كان بوتين وإردوغان قد توصلا لاتفاق.

وبالتزامن، تواصل تركيا، بوصفها عضوًا في الناتو، دعم وتسليح أوكرانيا بينما تغض موسكو الطرف إذ أن مصالح الطاقة ذات أهمية قصوى للكرملين، وبالتالي لن تسمح روسيا بتدهور العلاقات مع أنقرة. وتدرك تركيا ذلك تمامًا، وتسعى لتصوير نفسها على أنها وسيط في الصراع الروسي الأوكراني وزيادة نفوذها في منطقة البحر الأسود. حتى أن بوتين اعترف بمساهمة اردوغان المباشرة، في حل المشكلة المتعلقة بتوريد الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود.

علاوة على ذلك، تملك تركيا فرصة للاستفادة من صفقة الحبوب التي توصلت إليها روسيا وأوكرانيا في إسطنبول في 22 تموز. وقد أعربت الشركات التركية بالفعل عن استعدادها لمعالجة الحبوب الروسية والأوكرانية وبيعها إلى أجزاء أخرى من البلاد والعالم. كما ستتمكن تركيا حاليا من شراء الحبوب من أوكرانيا والاتحاد الروسي بأسعار منخفضة، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد التركي المتضرر من التضخم. وكل هذه الحوافز الاقتصادية تؤكد أقله في المستقبل المنظور، على أن العلاقات الروسية التركية ستبقى ديناميكية وعملية قدر الإمكان”.

———————————

كيف يمكن لاتفاقية أضنة تغيير استراتيجية تركيا في سوريا؟

أنقرة (زمان التركية)ــ تناول الباحث لازغين يعقوب، مقالا يحلل فيه العلاقات التركية الروسية، وتأثيرها على الوضع في الداخل السوري، نشرته شبكة (روداو) الكردية العراقية، تطرق من خلاله إلى اتفاقية أضنة التاريخية، لتي تحاول موسكو إحيائها، كبديل عن مخطط “المنطقة الآمنة”.

جاء في المقال على المنشور اليوم:

صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي عن وجود اجتماعات جارية بين تركيا وسوريا بشأن القضايا الأمني، وبالأخص مكافحة الجماعات الإرهابية، وقد جاءت تصريحات أردوغان عقب اجتماعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي يوم الجمعة، حيث قيل إن الأخير طلب من أردوغان التعاون مع سوريا.

وقد صرح أردوغان أيضا بقوله “اتفقنا على القرار بإعطاء الرد اللازم في معركتنا ضد القتلة الذين هاجموا جنودنا وشرطتنا وقواتنا الأمنية ومواطنين مدنيين”.

إلا أن الكرملين كشف في بيان مشترك أن كلا الجانبين اتفقا على “العمل المشترك والتعاون الوثيق لمحاربة جميع المنظمات الإرهابية”مع عدم إعطاء تفاصيل حول جوهر هذا التعاون أو الآلية التي سيتم من خلالها تنفيذه، والحقيقة أن المسؤولون الروس حثوا مرارًا وتكرارًا كلا من سوريا وتركيا على تفعيل اتفاقية أضنة 1998.

والحقيقة أيضا أنه بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية كان البلدان على طرفي نقيض، و قطعت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في آذار / مارس 2012، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك أكد المسؤولون الأتراك دائمًا أنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب،كان هناك دائما لقاءات بين البلدين الجارين، لكن دمشق من جانبها تنفي بشكل قاطع مثل هذه المزاعم.

وبعد عقد من قطع العلاقات الدبلوماسية سهلت روسيا في كانون الثاني /يناير 2020 لقاءً بين رئيسي جهازي المخابرات التركية والسورية هاكان فيدان وعلي مملوك في موسكو، وقد تضمن ذلك اللقاء نقاشات لعدة أمور كان من بينها إمكانية العمل معا ضد القوات الكردية، وزعمت وسائل الإعلام التركية أن اجتماعا آخر عقد أيضا في عام 2021 دون أي تعليق من قبل الجهات الرسمية السورية.

ولطالما تأثرت العلاقات التركية السورية بسبب القضايا المتعلقة بالقضية الكردية التي كانت نقطة اختلاف أحيانا وفي أحيان أخرى نقطة التقاء، ومن المعلوم أن معاهدة أنقرة لعام 1921 والمعروفة أيضًا باسم اتفاقية فرانكلين بويون أرست الأساس لترسيم حدود تركيا الجنوبية مع سوريا والتي كانت مدار اختلاف بين الجانبين إلى أن تمت تسويتها نهائيًا وإن لم يكن بشكل دائم في عام 1939.

بينما في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كادت الحرب تقع بين البلدين بسبب قضية حزب العمال الكردستاني (PKK) وقضية المياه، ومع فشل السياسيين الأتراك في إيجاد حل دبلوماسي لحل مسألة الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني،كان الجيش هو الجهة التركية التي اتخذت اجراءا فيما يتعلق بهذا الأمر. لكن نقطة التحول الحقيقية في العلاقات بين الجانب التركي والسوري جاءت في تشرين الأول/أكتوبر 1998 عندما وقع الجانبان على اتفاقية أضنة التي تركز على الأمن والتي أدت إلى تعاون سريع بين الجانبين ليس فقط سياسيًا ولكن اقتصاديًا أيضًا.

وقد تم التوقيع على الاتفاقية في 20 أكتوبر 1998 بعد أحد عشر يومًا من إجبار عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني على مغادرة سوريا، إلا أن ذلك لم يخفف من مخاوف تركيا، إلا أن سوريا اعتبرت حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية ، وتعهدت سوريا بعدم السماح بأي أنشطة لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا أو السماح لأعضائها باستخدام أراضيها كموقع عبور.

وهكذا بموجب اتفاقية أضنة تم إغلاق جميع مكاتب حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية وتم حظر أنشطته وملاحقة أعضائه داخل سوريا.

وبالعودة إلى يومنا الحاضر فقد فشل أردوغان الاسبوع الماضي في إقناع نظيريه الروسي والإيراني بدعم عمليته العسكرية المخطط لها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، حيث يريد أردوغان التوغل 30 كيلومترًا في عمق الأراضي السورية لاستكمال “منطقته الآمنة” التي بدأها منذ سنوات طويلة، محاولا طرد المقاتلين الأكراد.

يوم الاثنين، أعربت إدارة العلاقات الخارجية في كردستان الغربية بسوريا “ روجافا“ -منطقة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا- في بيان لها عن مخاوفها بشأن التقارير المزعومة عن إحياء اتفاقية أضنة، ومن جهة روسيا فإنها لا تعارض بشكل صريح فكرة “المنطقة الآمنة” لأردوغان في شمال سوريا ، مادام أنها لا تصل إلى حد الإضرار بالمصالح الروسية من خلال المزيد من الاحتلال التركي للأراضي السورية، ومن جهة أخرى تريد كلا من روسيا وإيران إعادة المناطق التي يسيطر عليها الأكراد بالكامل إلى سيطرة قوات النظام السوري.

من خلال الوساطة الروسية بين تركيا وسوريا تحاول روسيا تشجيع كلا الدولتين على حل القضايا العالقة بينهما على طول حدودهما من خلال إحياء اتفاقية. أضنة ، ومع ذلك يؤكد الأتراك أن سوريا لا تملك القدرة على تنفيذ الاتفاق المعني.

إلا أن الجدير بالذكر هنا كون المادة الرابعة من تفاهم سوتشي الروسي التركي لشهر أكتوبر 2019 تنص على أن “كلا الطرفين يعيد تأكيد أهمية اتفاقية أضنة، وأن روسيا من جانبها ستسهل تنفيذ هذه الاتفاقية في ظل الظروف الحالية”.

ورغم أن الأزمة السورية أوقفت اتفاقية أضنة، إلا أن الاتفاق من وجهة النظر الروسية لا يزال ساري المفعول من الناحية الفنية، ووفقًا لوجهة النظر الروسية، فإن اتفاقية أضنة هي الأساس القانوني لأي عمليات تركية داخل الحدود السورية بالتنسيق مع دمشق، وبناءً على ذلك تقول موسكو إنه لا توجد حاجة لأرضية جديدة ،للقيام بعمليات عسكرية تركية في الأراضي السورية وأن هذا كفيل بتحقيق “المنطقة الآمنة لأردوغان” إلا أنه يمكن تعديلها بما يلبي الأوضاع الجديدة التي نشأت في شمال سوريا، واللافت للنظر، أنه خلال الشهر الماضي ، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده مستعدة للتعاون مع النظام السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.

أما الجانب الروسي فلديه هدفان أساسيان يعمل على تحقيقهما. أولاً: تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، أما الهدف الثاني هو تقليص التطلعات التركية في شمال سوريا للتتحول من منطقة آمنة إلى مسألة قلق أمني تركي.

وبحسب اتفاقية أضنة فقد تخلت سوريا عن مطالبتها بولاية هاتاي “الإسكندرونة سابقاً”، كما منحت المادة 4 من اتفاقية أضنة تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية على عمق خمسة كيلومترات، لمطاردة أعضاء حزب العمال الكردستاني، وهكذا يزعم أردوغان أن اتفاق أضنة يمنح تركيا الحق في دخول سوريا في حالة حدوث تطور سلبي.

ونظرًا لكون اتفاقيتي تركيا الموقعة بشكل منفصل مع الولايات المتحدة وروسيا في أكتوبر 2019 لا تزال قائمة نظريًا ،فقد يبدو اتفاق أضنة بديلاً جذابًا لأردوغان على الأقل في الوقت الحالي ، مما قد يمثل تغييرًا في موقف تركيا تجاه سوريا.

زمان

—————————–

الوطني الكردي”: العملية التركية في شمال سورية ربما التغت أو تأجلت

قال بشار أمين، القيادي في “المجلس الوطني الكردي” في سورية، إن هناك “توافقاً” بين روسيا وتركيا وإيران على دعم نظام الأسد، على حساب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عبر تحقيق التفاهم بين تركيا والنظام، مشيراً إلى أن خيارات “قسد” تبقى محدودة، “إما الارتماء في أحضان النظام السوري، أو الاعتماد الكلي على أمريكا والتحالف الدولي”.

واستدرك، في حديث لموقع “باسنيوز“، المتخصص بالشأن الكردي، نشرته أمس الثلاثاء: “لكن الجانب الأمريكي قد لا يتخلى عن مناطق نفوذه في شرق نهر الفرات”.

ورأى القيادي الكردي، أن قمة طهران الأخيرة بين روسيا، تركيا وايران “قد أنتجت هذا التصعيد الذي نشاهده، حيث التوافق لدعم النظام السوري على حساب قسد، عبر تحقيق التفاهم بين النظامين التركي والسوري”.

وحول العملية العسكرية التركية التي تهدد أنقرة بتنفيذها في الشمال السوري، رأى أمين بأنها “ربما التغت أو تأجلت إلى أجل غير مسمى، لتستعيض تركيا عنها بهذا التصعيد الخطير وعلى طول الحدود مع سورية تقريباً”، على حد قوله.

وحذر في سياق متصل، من أن “وقع هذا التصعيد على المنطقة هو خطير جداً، قد يؤدي إلى المزيد من النزوح والتهجير، رغم الدعوات المستمرة للأهالي والسكان بالتشبث بالأرض والمسكن والممتلكات، حتى ولو كان على حساب راحتهم”، حسب وصفه.

يُشار إلى أن الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، عقدا قمة، السبت الماضي، في مدينة سوتشي الروسية، وبحثا خلالها الملف السوري، والعملية العسكرية التي تهدد أنقرة بتنفيذها شمالي سورية.

وقال أردوغان بعد لقائه بوتين، إن قرار تأسيس “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلو متراً عند حدود تركيا الجنوبية، ما زال قائماً، مضيفاً: “قريباً سنوحد حلقات الحزام الأمني بتطهير المناطق الأخيرة، التي يتواجد فيها التنظيم الإرهابي في سورية”.

وتعتبر تركيا، أن “قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة.

وسبق أن أعلنت إيران الوساطة بين تركيا والنظام للتشاور حول العملية العسكرية شمالي سورية، إذ قال وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، خلال زيارته لدمشق الشهر الماضي، إن بلاده تحاول “حل الأزمة” بين تركيا ونظام الأسد بالوسائل السياسية.

وأضاف حينها في تصريح “لوكالة الأنباء الإيرانية”، أنه ناقش مع رئيس النظام، بشار الأسد، إمكانية تركيا لشن عملية عسكرية في شمال سورية، في اجتماع دام أكثر من ساعتين.

ونوه الوزير الإيراني، إلى أن “طهران تحاول حل هذه الأزمة والمشكلة بين البلدين بالوسائل السياسية”، معلناً رفض إيران اللجوء إلى الحرب.

—————————

هل تنجح مساعي موسكو وطهران في إنجاز المصالحة التركية – السورية؟/ سركيس قصارجيان

يتزايد الاعتقاد لدى الأتراك بقرب التطبيع بين حكومتهم ودمشق، الوجهة الإقليمية الوحيدة التي لم تعد العلاقات معها إلى ما قبل “الربيع العربي” ضمن السياسة الجديدة التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أكثر من عام بسبب الأزمتين السياسية والاقتصادية اللتين تهددان مستقبله السياسي.

هذا الاعتقاد تدعمه التصريحات الرسمية التركية الصادرة مؤخراً من أعلى المستويات بدءاً من الرئيس أردوغان ووزير خارجيّته، وصولاً إلى صحافيين وكتّاب مقربين من السلطات في أنقرة، وذلك بالتوازي مع ارتفاع حرارة العلاقة التركية مع حلفاء دمشق في طهران وموسكو.

لكن، على عكس مسارات التطبيع مع كل من أبوظبي والرياض وتل أبيب، فإن حسابات أردوغان مع دمشق أشدّ تعقيداً من مثيلاتها مع العواصم الأخرى وأكثر صعوبة. فإذا أخذنا في الاعتبار فشل أنقرة في بلوغ المستوى المأمول في علاقاتها مع القاهرة على الرغم من كل التنازلات التي قدّمتها للأخيرة، سيكون من السهل تصوّر صعوبة انجاز مهمة التطبيع التركي – السوري.

ويعتقد الدبلوماسي السابق والمتدرّج في العديد من الوظائف الوزارية والعسكرية والدبلوماسية التركية قبل عهد “العدالة والتنمية”، ايدين سيزير، في حديث إلى “النهار العربي” أن المصالحة السورية – التركية باتت قريبة جداً، ومن الممكن أن نشهد مفاجأة كهذه في أي لحظة. المؤسسة الاستخباراتية في كلا البلدين على تواصل، كما أن تركيا تصالحت مع الجميع”.

تعاظم دور المؤسسة الاستخباراتية التركية، وكالة المخابرات الوطنية (MIT)، نتيجة الظروف الاستثنائية التي فرضها “الربيع العربي” على المنطقة من جهة، وبسبب تزايد مشاكل تركيا مع الدول الإقليمية والغربية، التي كانت حتى الأمس القريب حليفة لأنقرة، ما أجبرها على اللجوء إلى أساليب غير تقليدية وبعيدة من السياسة أحياناً في إدارة هذه العلاقات، كما الحال بالنسبة إلى استعمال ورقة اللاجئين لابتزاز أوروبا، والمرتزقة في ليبيا وأذربيجان وغيرهما، وهي جميعها تقع في صميم العمل المخابراتي.

الدبلوماسية الاستخباراتية

في هذه الظروف الاستثنائية اعتمدت أنقرة سياسة جديدة سمّاها الرئيس التركي “بالدبلوماسية الاستخباراتية” تقوم على إبقاء قنوات الاتصال الاستخباراتية مفتوحة مع العواصم التي باتت أبواب الدبلوماسية التركية مغلقة معها.

في شباط (فبراير) 2019 قال الرئيس التركي في مقابلة مع قناة “TRT” الحكومية أن “السياسة الخارجية بين تركيا وسوريا مستمرة على مستوى الأجهزة الأمنية، على خلاف المؤسسات الدبلوماسية”، شارحاً في الوقت ذاته أن “المؤسسات الاستخباراتية لا تقوم بما يقوم به السياسيون، عليكم ألا تقطعوا هذا الخيط تماماً (العلاقة مع دمشق)، لأن هذا الخيط يلزمكم في يوم من الأيام”.

وفي منتصف كانون الثاني (يناير) 2020، كشفت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” عن لقاء بين اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا ونظيره التركي هاكان فيدان في موسكو، وأكّدته وكالة “رويترز”. كما تحدّث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في آب (أغسطس) 2021 عن أن “أنقرة تتواصل مع دمشق لكن في القضايا الأمنية المتعلّقة بالإرهاب فقط”، من دون أن يستبعد إمكان تواصل “الدبلوماسيين مع بعضهم بعضاً، لكن ليس السياسيين”.

لطالما حاول الرئيس التركي ووزير خارجيته الإيحاء بوجود اتصالات سرّية مع دمشق التي ردّت على هذه الادعاءات مؤخّراً بلهجة قاسية، مرجعة هذه التصريحات إلى التجاذبات السياسية الداخلية في تركيا، ليعلن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد في شباط (فبراير) الماضي، شروط دمشق من أجل التطبيع مع أنقرة، مذكّراً أن “سوريا وتركيا جارتان، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي نفهم بعضنا”.

وتتضمن شروط دمشق للتطبيع: سحب تركيا لقواتها من الأراضي السورية، وتوقّفها عن دعم الإرهابيين وكفها عن حرمان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع دمشق على أساس الاحترام المتبادل، وهي شروط تظهر الهوّة الكبيرة في رؤية البلدين السياسية والميدانية. فالعمليات التي تصوّرها أنقرة أنها تهدف إلى تأمين حدودها الجنوبية وإحلال الأمن والاستقرار داخل سوريا، تصفها دمشق “بالاعتداءات” وتعتبر الوجود التركي على أراضيها “احتلالاً”، كما أن دمشق، نقيض أنقرة، لا تعتبر “قسد” وحزب “الاتحاد الديموقراطي الكردي” و”وحدات حماية الشعب”، منظمات إرهابية مثل الميليشيات المتحالفة مع أنقرة أو العاملة تحت إمرتها، ناهيك بكثرة الملفّات الشائكة بين البلدين.

يشير هذا التناقض إلى صعوبة مهمة كل من طهران وموسكو الساعيتين إلى تحقيق المصالحة بين حليفيهما السوري والتركي.

ويشرح سيزير، مؤلف العديد من الكتب السياسية، أن “روسيا ذكّرت أنقرة خلال قمة سوتشي عام 2019 التي أنهت عملية نبع السلام، باتفاقية أضنة، مبيّنة أنها مستعدة للعب دور الوساطة بين البلدين، ولذلك فإن تحقيق المصالحة بين أردوغان وبشار الأسد لم يغب يوماً عن برنامج العمل الروسي، وفلاديمير بوتين يشير لأردوغان نحو دمشق بشكل مستمر”.

تعتقد روسيا أن المصالحة السورية – التركية تحقق هدفين رئيسيين: فهي من جهة تضغط على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا للتفاهم مع دمشق، ومن جهة أخرى تسهم في تخفيف النفوذ الإيراني في سوريا.

لكن تبقى معضلة “قسد” والموقف التركي العازم على إطلاق عملية عسكرية ضدها عائقاً أمام موسكو للشروع في مهمة المصالحة في ظل تمسّكها برفض أي تحرّك عسكري في سوريا، وهو ما كررته في سوتشي مرفقاً بجملة “تفهّم المخاوف التركية المشروعة”.

توجّه أردوغان إلى سوتشي واضعاً الاقتصاد دون غيره نصب عينيه. وقد شهدت الفترة الفاصلة بين قمتي طهران وسوتشي نشاطاً لزيارات الوفود التقنية الروسية إلى تركيا من أجل البحث في الملفات الاقتصادية. يؤكد سيزير أن “زيارة أردوغان لسوتشي جاءت في سياق الانتخابات التركية وبهدف جذب ما أمكن من الاستثمارات الروسية، بخاصة أن التوقّعات من الإمارات والسعودية بقيت في الحدود الدنيا”.

وبحسب سيريز، الخبير في السياسات الخارجية والمتخصص بالشأن الروسي، فإن “أردوغان كان على علم قبل الذهاب إلى “سوتشي” أنه لن يحصل على ضوء أخضر روسي من أجل عمليته العسكرية في سوريا، فقد تم التحدّث عن كل التفاصيل بشكل واضح وصريح في قمة طهران”.

يشرح سيزير أن “المبادرة في الميدان السوري انتقلت من روسيا إلى إيران، بخاصة في ما يخص التحرّكات العسكرية التركية، لأنه نعلم أن عمليات عفرين وادلب ونبع السلام جاءت في سياق تفاهمات بين تركيا وروسيا، أي أن إيران كانت قد استُبعدت من مسار آستانا، وهو ما أزعجها، لكن روسيا باتت تأخذ إيران على محمل الجد، فقد غدت العلاقات الروسية – الإيرانية تأخذ مظهراً استراتيجياً على خلفية الحرب الأوكرانية، وإيران كما تركيا نافذة مهمة بالنسبة إلى روسيا نحو العالم الخارجي في ظل العقوبات المفروضة عليها، كما أنها تتخذ مواقف صارمة من الغرب مثلها”.

منذ العملية العسكرية التركية الأولى في سوريا، والتي أطلقتها أنقرة بعد 5 أسابيع فقط من محاولة الانقلاب في 15 تموز (يوليو) 2016، كانت العمليّات العسكريّة التركيّة تبدأ في غضون يومين أو ثلاثة أيام غداة حديث أردوغان عنها على أبعد تقدير. هذه المرة أعلن أردوغان عزمه إطلاق عمليّته العسكرية في 23 من أيّار (مايو) الفائت، ورغم مضي أكثر من شهرين على الإعلان إلا أن التحرك العسكري التركي لم يتحقق.

السبب الرئيسي خلف عدم شروع أردوغان بإطلاق عمليّته العسكرية في سوريا هو المعارضة الإيرانية – الروسية لها. شعرت أنقرة بالإهانة عندما أشار المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، لأردوغان إلى بعض الجماعات الجهادية التي تتلقى دعماً من تركيا كمنظّمات إرهابية من دون التطرق إلى “حزب العمال الكردستاني”، ناصحاً أردوغان بالتحدث مع الأسد.

أما بالنسبة إلى روسيا، فقد أثبتت موسكو عدم تهاونها أمام أي تحرّك تركي خارج إطار التنسيق الثنائي، عندما قامت بقصف أو التنسيق لقصف رتل عسكري تركي أدى إلى مقتل 34 جندياً تركياً في 27 شباط (فبراير) 2020، خلال عملية الجيش السوري العسكرية لاستعادة ريف إدلب الجنوبي.

في نهاية اجتماع سوتشي، جاء البيان المشترك بين الزعيمين على ذكر القتال سويّاً ضد كل أنواع التنظيمات الإرهابية في سوريا. لكن، حتى وإن حاولت أنقرة تصوير ذلك كاتفاق على عمليتها العسكرية، فإن تعريف “كل أنواع التنظيمات الإرهابية” يبدد ذلك التصوّر. فروسيا التي لا ترى في “حزب العمال الكردستاني منظّمة إرهابية، تعتبر جماعة “الإخوان المسلمين” أو بعض التنظيمات الجهادية التي تدعمها أنقرة ضد دمشق منظّمات إرهابية.

في المقابل فإن أردوغان في حاجة ماسة إلى تنفيذ عمليّته العسكرية ضد “قسد” و”وحدات حماية الشعب” التي يعتبرها أجنحة “العمال الكردستاني” السورية. فحسب سيزير “في حال فشل أردوغان في شن عمليّة عسكرية ضد طحزب العمال الكردستاني”، والتي تعتبر أهم رموز الوحدة الوطنية في تركيا وأساس تمكين القاعدة الشعبية في البلاد، فإن تقارباً تركياً مع دمشق وبالتالي تحديد خريطة طريق لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يمكن أن يؤديا دوراً هاماً بالنسبة إلى أردوغان خلال التحضير للانتخابات المقبلة”.

ويضيف سيزير أن “أي تحرّك من قبل أردوغان في سوريا سيكسبه نقاطاً في الانتخابات، وفي المقابل فإن المصالحة تحقق مكاسب لدمشق أيضاً عبر التمهيد لانسحاب تركيا من المناطق التي تحتلها في سوريا، كما أن حكومتها تكتسب المزيد من الشرعية، وسيكون تطوراً هاماً في المجال الاقتصادي، وتمنح الأسد الساعي إلى موازنة النفوذ الإيراني بالروسي وبالعكس خياراً ثالثاً ما يسهّل عليه اقامة هذا التوازن”.

أما بالنسبة إلى إيران المنهكة جراء الحرب في سوريا التي استنزفت الكثير من طاقتها، فإنها بحسب سيزير “ترى في المصالحة السورية – التركية عامل ضغط اضافي على الوجود الأميركي في سوريا، والذي تعتبره تهديداً أمنياً وعسكرياً لها، كما أنها تعتقد أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية لا يكتمل إلا من خلال إنجاز هذه المصالحة”.

ويختم سيزير، كاتب المقالات التحليلية في العديد من الصحف والمواقع السياسية التركية، حديثه بالقول: “رغم ذلك لا يمكنني القول إن خيار شن تركيا عملية عسكرية جديدة في سوريا قد تم إلغاؤه، لأن هذا الملف يعتبر مربحاً دائماً بالنسبة إلى الرأي العام التركي في فترات الانتخابات، لذا سيتم تسخينه بين الحين والآخر وتقديمه للرأي العالم التركي مجدداً. حتى أنّه سيتم ارسال تعزيزات للوحدات العسكرية التركية في سوريا، وذلك مرتبط في الأساس بالسياسة الداخلية”.

وأضاف: “لكن من المؤكد أن تركيا لن تحصل بعد اليوم على أي ضوء أخضر إيراني أو روسي من أجل عملية عسكرية واسعة في سوريا، لذلك فإن ملف العملية العسكرية لن يتّم طيّه مع استحالة القيام بها على نطاق واسع. وفي العموم فإن هذا خاضع لتقلّبات السياسة الداخلية في تركيا”.

النهار العربي

——————————-

اتفاقية أضنة جديدة بين دمشق وأنقرة.. هل تتحقق؟/ رامز الحمصي

عديدة هي التقارير التي أشارت مؤخرا إلى احتمالية أن تتجه كل من دمشق وأنقرة لتوقيع اتفاقية برعاية روسية تكون نسخة مطورة عن اتفاقية أضنة للعام 1998، هذه الاتفاقية تحمل مضامين أمنية جديدة مختلفة عما كان عليه الحال قبل أكثر من عشرين عاما.

الاتفاقية الجديدة تنطلق من افتراض الحديث عن بنود قدمها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، خلال لقائهما في مدينة سوتشي الروسية، يوم الجمعة الماضي (5 آب/أغسطس)، حيث حملت أبرز تلك البنود إشارة صريحة برعاية روسيا لاجتماعات أمنية بين أنقرة ودمشق.

صحيح أن الاجتماعات الأمنية بين الطرفين ليست بالأمر الجديد وهو أمر تم الاعتراف به من قبلهما عبر تصريحات رسمية خلال السنوات الماضية، إلا أن طرح الاجتماعات الأمنية من أجل وقف العملية العسكرية المحتملة في مناطق من الشمال السوري، يحمل في طياته على ما يبدو مسعى روسي لتحديث اتفاقية أضنة من أجل إعطاء أنقرة تطمينات أمنية تحفظ مشروع نفوذها المتغول في الشمال السوري.

تعديل يستثني التوغل البري؟

لا يعني الطرح الروسي إذا ما كان دقيقا حيال رعاية الاجتماعات الأمنية بين دمشق وأنقرة؛ إلى جانب تنسيق عسكري وتعاون مشترك بين دمشق و”قسد” برعاية روسية أيضا، أن هذا أمر قابل للتنفيذ المباشر، فهناك عوائق عدة قد تقف أمام هذه الطروحات، لا سيما وأن التفاهمات بين الطرفين في أحيان كانت مجرد حبر على ورق ولعل اتفاق موسكو (آذار 2020) حول الشمال السوري خير دليل على البنود غير المنفذة بين الطرفين، سواء كان من الجانب الروسي أم التركي، فلم تلتزم أنقرة بوعودها حيال وجود القوى الإرهابية في جنوبي منطقة إدلب، كما لم تلتزم روسيا بالتراجع عن أي منطقة هناك فضلا عن خرق مستمر للتهدئة. لذا فإن ما يحكم الاتفاقات بين الطرفين مدى الخلافات أو التوافقات بينهما حيال ملفات أخرى ارتبط بها الملف السوري عضويا، فضلا عن وجود عوائق ثانية تتعلق بالأطراف الأخرى الفاعلة على الأرض السورية.

احتمالات اتجاه موسكو لتفعيل اتفاقية أضنة جديدة قد تسمح بتدخل تركي أكبر داخل سوريا إذا ما احتاجت أنقرة ذلك تتجاوز المسافة المتفق عليها في اتفاقية أضنة عام 1998، لا يستبعدها الباحث والأكاديمي بالعلاقات الدولية، الدكتور علي بوركو.

ويقول بوركو، لـ”الحل نت”، إن روسيا ربما تقترح على تركيا حلا مناسبا يوقف أي تهديدات عسكرية تركية، من خلال فتح المجال الجوي أمام الطائرات التركية سواء الآلية (بدون طيار) أو الحربية التابعة لسلاح الجوي التركي، فيما ستبقى الاتفاقيات البرية بين الطرفين سارية المفعول.

ويرجع قبول تركيا وتراجعها عن العملية العسكرية برأي بوركو، إلى أنه إذا طبقت سوريا وتركيا اتفاقية أضنة أو أي تعديل عليها، فلن يكون ذلك في مصلحة تركيا لأنها تحد من وجودها العسكري وتجبرها على الاعتراف بالحكومة السورية، والرئيس السوري، بشار الأسد.

إحياء اتفاقية أم مسار جديد؟

تختلف بنود اتفاقية أضنة وبنود الاتفاق التركي – الروسي حيال شمال وشرق سوريا، والذي جرى التوصل إليه عقب العملية العسكرية التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

في العام 2019، توصلت تركيا مع روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاقين منفصلين، وذلك عقب عملية ما تسمى “نبع السلام”، التي سيطرت فيها تركيا و”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من قبلها على منطقتي تل أبيض ورأس العين في شمال شرق سوريا، ونص الاتفاقان حينها على توغل القوات التركية بعمق من 32 إلى 35 كيلومترا لضمان أمن حدودها.

تطبيق الاتفاق الجديد باعتقاد بوركو، يأتي من منطلق الحد من مخاوف تركيا، وأيضا لإيقاف توسيع تواجدها العسكري على الأراضي السورية، ولذلك فإن موسكو ستقبل به، خصوصا وأن المنطقة التي ستستهدفها الطائرات التركية لا توجد فيها قواعد روسية أو قوات تابعة للجيش السوري.

وطبقا لحديث بوركو، فإن قبول موسكو بهذا الاتفاق يمنع توغلات أنقرة الجديدة لربط “جيوبها” العسكرية في شمال سوريا، وهي “درع الفرات” شمال حلب الذي أنشئت عام 2016، و”غصن الزيتون” في عفرين عام 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات عام 2019.

ويعتقد الباحث السياسي، أنه مثلما نفذت روسيا اتفاقية “فك الارتباط” بين سوريا وإسرائيل ونشرت قوات دولية في الجولان، فإنها تسعى إلى تفعيل الاتفاقات المؤقتة، وإلى إعادة تفعيل اتفاقية أضنة، والتي من شأنها أن تمهد الطريق لـ “إضفاء الشرعية” على الحكومة السورية.

ما هي اتفاقية أضنة؟

في مدينة أضنة التركية عام 1998، وقعت تركيا وسوريا اتفاقية لنزع فتيل التوتر الذي دفع البلدين إلى شفا الحرب. إذ كانت العلاقات السورية التركية متوترة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وخصوصا حول ترسيم الحدود بين سوريا.

في التسعينيات، وصلت العلاقة إلى نقطة الغليان عندما قررت الحكومة التركية بناء نظام سدود ضخم على نهري دجلة والفرات، والذي يبدأ في شرق تركيا، ويمر عبر سوريا، وينتهي في العراق، مما يهدد تدفق المياه إلى سوريا ويعرض مناطقها الزراعية للخطر، وردا على ذلك، زادت الحكومة السورية من دعمها لـ “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.

جاءت اتفاقية أضنة نتيجة جهود وساطة من جانب مصر وإيران وإرضاء المطالب التركية بأن تنهي سوريا دعمها لـ”حزب العمال الكردستاني”، وإعلان الجماعة منظمة “إرهابية”، وطرد زعيمها عبد الله أوجلان من البلاد.

الاتفاقية لا تزال سارية من الناحية الفنية، إذ بموجب اتفاقية أضنة، يحق لتركيا مطاردة مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات داخل الحدود مع سوريا دون البقاء لفترة طويلة

الحل نت

———————–

===================

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button