المطبخ.. من حطب الغابة إلى جدران الموزاييك/ وارد بدر السالم
أولًا: المطبخ أكثر الأماكن عزلةً في البيت. فهو مقذوف إلى الوراء كما لو أنه ملحق، وقد يحدث بأن لا تقع الأنظار عليه كثيرًا، كونه مخزنَ الروائح المتداخلة والممتزجة بالدهون والأبصال والحرارة والبخار على مدار اليوم، كمكان إنتاج يومي لا يتوقف عن العمل. بالرغم من أنه مأوى صغير المساحة لكنه يتطابق وإلى حد ما مع فكرة الانفراد. حتى أن هندسته المربعة أو المستطيلة تبيح العزلة الهامشية كنوع من الامتزاج مع طبيعته الصامتة المكثّفة. ومع كل هذا فهو يعطينا صورة من صور البيت المتضامن من بقية عناصره. فلا يكتمل أي بيت إلا بوجود المطبخ لأنه روحه، بل هو وعيه. حتى لو كانت هويته الشخصية مقذوفة إلى الوراء. وهو بهذا يشبه المسند الذي تتكئ عليه عناصر وموجودات البيت بأكملها.
ثانيًا: لم يكن خيال الإنسان القديم محدودًا وهو مُحاط بالطبيعة. ولم يكن يشغل المطبخ الكثير من الأفكار عنده، بسبب وجوده في العراء، ولأنه متنقل في الغابة ومن دون سياج أو لوازم مكمّلة له، سوى من حفرة في الأرض. ثم صارت موقدًا فوق الأرض بديكورات حجرية عشوائية. لكنه اليوم يشغل بل ويُنتج أكثر الأفكار من قبل سيدة المطبخ، في إبداعات الطبخ، ومزْج هذا وذاك لاستخراج لذة ونكهة تشيران إلى نضجه. ولم يكن خيال المطبخ غائبًا عن الإنسان البدائي، سوى أن مصادفات عظيمة دلّته عليه.. النار كانت أول الاستدلالات لإنشاء مطبخ عارٍ على الهواء الطلق.. الطبيعة تثوّر عناصرها فجأة.
ثالثًا: لوازم المطبخ المعروفة من الطعام الخام؛ لحوم وخضار وتوابل ودهون وأملاح وغيرها؛ والأدوات الساندة لعملية الطبخ، من القدور ذات الأحجام المختلفة، والملاعق والسكاكين والصحون وحواملها البلاستيكية وسواها، إضافة إلى الأطعمة المتعددة المطبوخة وغير المطبوخة والروائح المتشابهة وغير المتشابهة، مع وجود النار وقناني الغاز والماء والهواء كمغذّيات رئيسية لعملية الطبخ. وهذه التشكيلة المختصرة المرصودة هي لمطبخ شعبي على الأرجح. وما يلفتنا هو العمل المطبخي المتسارع في حيّز مقصي من ذاكرة المطبخ كمكان إنتاجي لوجبات نهارية أو ليلية. لا تعرفه إلا ربة البيت التي يتحول يومها إلى ذاكرة مطبخية في هذا الخليط من الروائح والأبخرة، سواء كان المطبخ شعبيًا عامًا أو بيتيًا شخصيًا. فهو ذلك المكان الذي يُعدُّ في النهاية أنه (معدة البيت) الهاضمة. وأن هامشيته في المطاعم والبيوت، ترقى إلى المتن الأساسي لها.
المطبخ العاري
ليس هناك تاريخ قديم مدوّن لسيرة المطبخ. وما نقرأه من أدبيات عبارة عن استنتاجات لملامح اجتماعية سابقة لعصور ما قبل وبعد التاريخ وحفريات أركيولوجية قد تشير إلى ما يمكن أن يدل الباحثين على النوع الحياتي القديم، وتعطي صورة تقريبية عنه، لكنّ هناك تاريخًا تقريبيًا للطبخ البدائي الحر؛ كاستنتاج طبيعي ومعقول، لارتباط هذا السلوك الغذائي بمصادفات الطبيعة، بعد اكتشاف النار حصريًا، عندما كانت حياة الإنسان القديم قائمة على الصيد والزراعة في الغابات، بديكورات الرعي والأشجار والحطب والحيوانات البريّة متعددة الأشكال والحجوم. وهذا ما يشير مبدئيًا إلى تشكيل الموقد الناري، بوجود الأطعمة الحيّة طبيعيًا: نباتات، حيوانات، وطيور.
أولًا: تشكيل الموقد الناري العفوي، هو أيضًا كان بالمصادفة المحض، عندما رُميت بقايا اللحم في مواقد عشوائية غير مرتّبة أو مقصودة على نيران عابرة تولدت من احتكاك الحصى. فتغيرت نكهة اللحوم ولذتها ورائحتها. فصار الشواء بديلًا عن الأكل المباشر النيّء. ومن هنا اكتشف الإنسان القديم بعضًا من مزايا النار التي تغيّر الطعم والذوق والشكل. ليبدأ الانسان بتلمس طريقه البسيط إلى تغيير نمط غذائه. فابتكر الموقد في عصره البدائي الأول منذ أكثر من 400 ألف سنة لشي اللحوم من الحيوانات البرية والطيور. كما اكتشف البحّارة لاحقًا طرائق الطبخ وأنواع الغذاء ومسميات الأطعمة والأشجار والنباتات متعددة الأنواع.. البحارة هم مكتشفو المصادفات السعيدة.
ثانيًا: الموقد القديم كان حفرة في الأرض، تُلقى فيها الأغصان والأخشاب الشجرية اليابسة وعظام الحيوانات الميتة، بتوليد النار من الاحتكاك؛ لكنه كان جامعًا للأسرة، ولم يكن مقذوفًا للخلف، لأن الإنسان القديم لم يعرف شكل البيوت؛ حتى تطور الأمر إلى أن يكون الموقد فوق سطح الأرض، عندما أحيط ببعض الحجارة بما يشبه السد المانع من تطاير الشرار وألسنة اللهب. فأضحى جامعًا للطعام وأفراد الأسرة والقبيلة. وما تزال الكثير من القبائل في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية على مثل ذلك النظام القديم، مع تطورات طفيفة تشي بأن الماضي بقي قارًّا في شكله البدائي. وحتى تلك التطورات التي نحسبها مُضافة، ما تزال توضّح القديم بشكله البدائي.
ثالثًا: لما كان الأنثربولوجيون يتفقون على أن (كل ما هو مطبوخ ينتمي إلى “الثقافة”، بينما ينتمي كل ما هو نيّء إلى الطبيعة) فهذه إشارة إلى تحولات الجماعات البشرية من الفطرة – الطبيعة / إلى/ القصدية – الثقافة/ في سلوك تنظيم الطعام وصناعة المواقد الصغيرة بوجود النار التي تمكنت من تغيير الذائقة العفوية إلى ثقافة، ستتمظهر كثيرًا مع العصور والقرون، وتصبح “الثقافة” هي الأكثر ترتيبًا في مظاهر السلوك اليومي البشري. وسيكون من السهل الانتباه إلى تلك الحقب البعيدة في هذا الاكتشاف إلى ما نسميه بـ المطبخ العاري. إذ هو فضاء صغير غير مؤطر يقينًا، عفوي، غير منظّم، سهل، ومكوناته بسيطة. يتنقل- افتراضيًا- مع تنقل الإنسان في كل مكان، من الغابة إلى الغابة، ولا يكلف من الجهد كثيرًا. وليس ثمة مستلزمات ضرورية تتنقل هنا وهناك، وواضح أن للنار علاقة بتكوين الموقد، ثم المطبخ.
رابعًا: قد ساعدت الغابة على نمو هذه الفكرة عقليًا. فالاكتشافات مهما بدت صغيرة، هي نتاج عقلي وملاحظة وتجربة وتطبيق. وهو ما يؤسس إلى حضارة الطبخ والمطبخ بشقها البدائي، قبل أن تتطور الحضارات لاحقًا، وتكون فيها الاكتشافات أكثر سعةً وأهمية. كما في الحضارات السومرية والفرعونية والأخمينية ومن ثم اليونانية والرومانية والفارسية. وحتى ما بعد تلك الحضارات، سيكون من السهل اكتشاف أن ما تلاها من حضارات عصرية عمدت إلى تطوير وتغيير أسس المعرفة الموروثة السابقة، وتقديم ما هو حري بأن يكون متجاوزًا للقديم في البصمة الحضارية، حتى عصر التكنولوجيا الباهر، الذي أوصل أفكار الأقدمين إلى مستويات متقدمة جدًا. لذلك نجد أن فكرة المطبخ العالمية، اختلفت من حضارة إلى أخرى وتباينت. وأنتجت علم الطبخ في إجراءاته الحديثة. لنرى أن فكرة الطبخ تغيرت وانتقلت من الغابة والموقد الصغير في الحضارة الرومانية إلى مطبخ عام، يومها كانت المرأة الرومانية تلجأ إلى تلك المطابخ الشعبية، لإعداد غذاء الأسرة، من اللحوم والحبوب وسواها. وهذا الانتقال يشف عن تطور أولي لعناصر المطبخ وإيجادها من الطبيعة قبل أن تكون من التصنيع. مثلما يشف عن انتقاء نوع الطعام وأهميته في الوجبات اليومية، مما هو متوفر في الطبيعة.
خامسًا: مطبخ القرون الوسطى تغير فيه المذاق وتغيرت فيه طرائق الأكل وعاداته، لتكون الثقافات المطبخية ذات ثقافة جديدة في عادات الأكل، وطرق الطهو. ولا شك في أن ثروات الطبقة الوسطى والثرية ساهمت نوعًا ما في إيلاء الثقافة المطبخية أهمية أكثر اتساعًا في النظافة العامة، وابتكار أكلات ذات نكهة مقبولة، وهو ما يشير أيضًا إلى أواخر العصور الوسطى، إذ تقدمت صناعة الطبخ، وأخذ المطبخ أركانه في البيوت الشخصية، والاستغناء عن الموقد الناري المبسط، حتى القرن الثامن عشر؛ وبدايات عصر الصناعات الأكثر تطورًا.
وليمة آشور ناصر بال
أولًا: في أدبيات الطبخ والمطبخ قديمًا وحديثًا ما يملأ العديد من الصفحات، وما يثير غريزة الكتابة فعلًا. فالماضي بمستوياته وتطوراته الثقافية في هذا المجال، زمن خصب للتأمل في كيفية الارتقاء الثقافي والحضاري للإنسان. وكيف بدأ من اكتشاف النار. وكيف وظّف الطبيعة لأغراضه وحاجاته اليومية، حتى ارتقى بالتدريج إلى ما وصل اليه من علوم وفنون وهندسة وأتيكيت مطبخي لا يمكن إغفاله في الأحوال كلها. لذا فإن سرديات المطابخ بأشكالها الشعبية والرسمية والفندقية، تأخذ مديات مختلفة في ذاكرة البحث والكتابة، بدءًا من الإنسان الأول حتى الأخير منه، مرورًا بالمسافة الزمنية التي قطعها في مشوار الحياة الطويل.
ثانيًا: لو تركنا فاصلة زمنية غير معروفة كليًا، هي مسافة الإنسان القديم من دون التدوين، حتى تشكل الحضارات، الرافدينية والفرعونية والفارسية والرومانية وغيرها، سنجد الكثير من المتغيرات البحثية والحفريات التي أتاحت المجال لقراءة فكرة المطبخ القديم؛ ابتداءً من بلاد الرافدين الواسعة، بما فيها من السومريين والأكديين والآشوريين، بامتداد بلدان الأناضول والفرس والشام كجغرافية وطنية، بما في ذلك تطوير المواقد الصغيرة إلى أفران حجرية. وفي عصرها ما استجد من ديكورات وأضواء زيتية وكؤوس عظمية وأقداح مزينة وستائر كتّانية وبذخ ظاهر في الموائد والولائم الكهنوتية والرسمية؛ لوجدنا حتى آلهة المعابد كانت تُقدّم لهم أوعية الحليب المرمرية، تحت وازع ديني بأن للآلهة احتياجاتها من الطعام والشرب كما يحتاجها البشر. وفي هذا السياق الرافديني عُثر عام 1951 على عمود حجري كُتبت عليه أطعمة مبالغ في إعدادها من الثيران والأبقار والأغنام، لوليمة أقامها الملك آشور ناصر بال لمناسبة الاحتفال بإعمار مدينة كلخو (فأقام حفلًا لمدة عشرة أيام مستضيفًا آلاف الضيوف.. ومن بين الأطعمة المقدمة ألف ثور وألف من الأبقار الصغيرة وألف من الأغنام الصغيرة وألف وأربعمائة من الاعتيادية وألف من المسمنة، وغيرها بالآلاف من الغزلان والظباء والأسماك والجراد..) وهذه الأرقام الصاعدة تكشف نوع الثراء الذي كان عليه الآشوريون، كما تكشف أفكارًا كبيرة عن المطبخ الرافديني الذي يلبّي احتياجات آلاف الضيوف لفترة زمنية غير قصيرة. لنرى أن المطبخ يكشف الوجه المباشر لكرم الملك والسلطة. وهذا مثال واحد على فخامة الوليمة الأسطورية في البلاط الآشوري. ومن خلاله نستجلي روح المطبخ المتطور الذي يستضيف تلك الأعداد البشرية الكثيرة.
سرديات الطبخ الأدبية
أولًا: هذا المكون الذي بدأ من الموقد العشوائي والنار الصغيرة، بقي مقذوفًا في البيت، شاغلًا الحيز الخلفي منه؛ لكنه تحول بمرور المطابخ وتطورها، إلى حيّز لا غنى عنه في العلاقة الأبدية بينه وبين الإنسان، قديمًا وحديثًا، حتى صناعة النفط والغاز والكهرباء مع تغير آلات الطبخ ووسائله الحديثة، بما يبيّن أن الأفكار القديمة هي الأساس للحضارات الآتية بين الأجيال، وأن تطورها البنيوي طوّر معها ملامح اجتماعية وفنية وإبداعية كثيرة على مستويات كثيرة، في البحث الاجتماعي والآداب والفن التشكيلي والمسرح والسينما، كإلهام مقرون بقدرة الإنسان على توصيف مظاهر تطوره، وتوثيقها، فنًا وأدبًا وبحثًا ومشاهد صورية متعددة الوجه. لذلك نجد أن كتب الطبخ في العصر الحديث استحوذت وتستحوذ على الشراء في المعارض والمكتبات. وتعطي أدلة صريحة على اهتمام السيدات بهذه الكتب، وتعدّها ثقافة بيتية عامة لا غنى عنها.
ثانيًا: في هذه الثقافة المطبخية هناك كتب أكثر من أن تُحصى في مختلف مكتبات العالم وأكشاكه الشعبية، مثل كتاب جولي شايلد عن الطبخ الفرنسي الذي طبع عددًا غير قليل من الطبعات. وبالرغم من أن التشيلية إيزابيل الليندي ساردة متمكنة، إلا أن كتابها ” أفروديت” غريب الشكل بمضمونه الغذائي الظاهر ووصفات الحب فيه، واستحوذ على نسبة شراء بطبعات متعددة. وهذا يعيدنا إلى حد كبير إلى التراث العربي؛ في العصر العباسي المزدهر؛ يوم كان الاهتمام واضحًا بهكذا نوع من الكتب والأدبيات، إذ يعيننا على إعطاء صورة بليغة عن الخلفاء والملوك آنذاك، وبذخهم وثرائهم الأسطوري في القرن الرابع الهجري. وربما مخطوطة “كتاب الطبيخ” لمؤلفها أبو محمد المظفر الوراق، الذي عمل مشرفًا على مطابخ دور الخلافة العباسية. هي الأقدم بين المخطوطات والكتب التي اهتمت بهذه المعاني القديمة.
فنون السرد المطبخي
أولًا: بمرور الحضارات وملامستها للواقع، صار للمطبخ حضور متميز. فقد انتقل من مرحلة العفوية والفطرة والنار. من الغابة والموقد العشوائي. من ملحق للبيت، إلى واجهة تزيينية من الرسومات واللوحات والموزاييك والألوان والصور. وصار كيانه قائمًا بذاته، وتنوعت النكهات فيه. وتناوب الخدم والطباخون المعرفيون عليه في فنون الطبخ وتقديم الوجبات بطريقة فيها من الفن أكثر مما فيها من العشوائية التي لازمته أجيالًا متعاقبة.
ثانيًا: ليس واضحًا كثيرًا ظهور المطبخ في الفن التشكيلي كرسوم تشي بالمقدمات الاجتماعية له. فلو كان في القرن السادس عشر لكانت الإمبراطورية الرومانية هي الأكثر مثالًا لتوفير المناخات الملائمة لظهور المطبخ كطبيعة صامتة في لوحات الفنانين. بما يعطي رؤيا سلسة بأن هذا العنصر البيتي أصبح مصدرًا للفن، لا سيما وأن الحياة الرومانية الفنية اختلطت فيها المدارس الايطالية والفرنسية في عصرها. لذلك سنرى أن الطبيعة الصامتة هي المحور الأساسي في رسومات الفنانين، وهي الأكثر تداولًا لعناصر المطبخ. والأرشيف الفني غزير بهذه اللوحات التي استغرقت كل عناصر المطبخ، بوصفه جزءًا من عناصر البيت، أو جزءًا من مشاهد الطبيعة اليومية. كما عند الهولندي يان ستين الذي استلهم الكثير من عناصر الريف والطبيعة في رسوماته عام 1665 وأشهر لوحاته هي “المطبخ السمين” وقد يكون الفنان الاسباني فيلا سكيز أسبق في النظرة الفنية من رفيقه الهولندي عندما رسم لوحته “عجوز تقلي بيضًا” عام 1618.
ثالثًا: السينما المطبخية لو جازت التسمية شهدت هي أيضًا نزوعًا نحو تأصيل فكرة المطبخ فنيًا. ففي عام 1988 حاز فيلم “وليمة بابيت” للمخرج غبريال أكسيل على الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي. وللمخرج الأميركي سكوت هيكس فيلم “من دون حجز- 2007″ من تمثيل متميز لكاترين زيتا جونس وهي تؤدي دور رئيسة طهاة في مطعم. حتى في الكوميديا كان المطبخ سرًا إخراجيًا في فيلم ” الجانح أم الفخذ – 1970″ للفرنسي كلود زيدي، ويتبعه فيلم “من يقتل كبار الطهاة في أوروبا” للمخرج تيد كوتشيف، وثمة أفلام مطبخية عديدة كان المطبخ والطعام محورها.
جماليات المطبخ
المطبخ الذي انتقل من الغابة إلى البيوت والفنادق، من العراء إلى الغرف المقذوفة، من العشوائية إلى الهندسة، من الطابوق والحجر إلى السيراميك، من النار المحتكّة بالحصى إلى الغاز والكهرباء، من المصادفة إلى التخطيط، هو ذلك المكان الخاص الذي يعيد علاقة الأسرة ببعضها، ويرتّب مضامين العلاقات الاجتماعية على نحو جيد، ويطورها كثيرًا؛ مما يعطي إلهامًا مباشرًا له، من أنه ينتقل بالأسرة من الهامش إلى المتن. ومن انقذاف المكان إلى جوهر البيت، بوصفه مكانًا جامعًا، تحاول عناصر البيوت على أن تكونه، لما فيه من تنوع جمالي ومكاني. لا بقصد عمله الوظيفي؛ إنما بقصد أهميته الجمالية القصوى، بأن يكون المعدة الجماعية للأسرة، صغرت أو كبرت.
***
قالوا عن المطبخ:
المطبخ بيئة قاسية، منه تخرج أقوى الشخصيات- غوردون رامسي.
غياب المطبخ في الكتابة العربية يعود إلى عدم احتفاء الثقافة العربية بالحواس، واعتبارها الطعام أمرًا بديهيًا والطبخ أمرًا عاديًا وغير هام، ولم يشر في التراث العربي القديم للطبخ كسلوك انساني- عزت القمحاوي.
ينظر إلى المطبخ في ثقافتنا نظرة دونية باعتباره منتميًا للمجال الخاص بالمرأة، بالتالي تم إلغاء هذا الحيز المكاني تمامًا عن الكتابة الإبداعية في العالم العربي- شيرين أبو النجا.
المطابخ هي أماكن للمحادثة، وليست فقط للطبخ- فرانك ديلان.
المطابخ مهمة للغاية. إنها قلب كل شيء- كيت وينسلت.
***
مصادر:
أقدم مطبخ في العالم: الطبخ في بلاد ما بين النهرين- جان بوتيرو.
الطبخ في الحضارات القديمة- كاتي ك. كوفمان- ت: سعيد الغانمي- دار نشر كلمة – 2011
الموسوعة الحرة – ويكيبيديا
ضفة ثالثة