شعر

أفريقيا جنوبَ الصحراء: همسُ الأسلاف

ترجمة: نجيب مبارك (*)

ما نحن بصدده، في هذا الملف، تتّسم تسميته بالتضارب، إن لم نقل تسمياته. منهم من يسمّيه «شعراً زنجياً»، وبذلك لا ينبغي قصرُه على القارة الأفريقية. ذلك أنّ خريطة النشيد الزنجي تشمل لا أفريقيا فحسبُ، وإنما أيضاً بقاعاً وأرخبيلاتٍ من الأميركيّتين. وثمة من ينعته بـ «الأدب الأفريقي»، وفي باله الرقعة الجغرافية التي يقطنها السود فقط؛ وهو أيضاً مصطلح مجافٍ للصواب، لأنه يتعسّف بضم آداب الشمال الأفريقي إما إلى الثقافات المتوسطية، أو لامتدادها العربي/ الآسيوي؛ ناهيك بكون الحيّز الجغرافي حيث تقيم غالبية من السود، يضمُّ أيضاً بيضاً (أبناء معمِّرين إنكليز، فرنسيين، هولنديين، إسبان، برتغاليين…) وملوَّنين آخرين (هنود مدغشقر وزنجبار..). لذلك، تحرِّياً للدقة، وتجنباً لاصطلاح يستثير حساسيات عِرقية أو إثنية، آثرنا تسميةً ـ كما جاء في عنوان الملف ـــ تستند إلى تحديد جغرافي ــ ثقافي موضوعي: آداب (شِعر) أفريقيا جنوبَ الصحراءِ. وعت الكتلة البشرية المقيمة في هذه البقعة من الأرض بهويتها الثقافية مع بزوغ حركات التحرّر الوطني وبداية تصفية آثار الاستعمار، لتتبلور في ما بعد كحركة أدبية وفكرية مع تيار أدب الزنوجة، الذي نَحَتَ اصطلاحاته وسِماته الجمالية كلٌّ من الشاعرين والسياسيَيْن السنغالي ليوبولد سيدار سنغور (1906-2001) والمارتينيكي إيمي سيزير (1913-2008)، بتوازٍ مع تبلور حركة عدم الانحياز والفكرة الجنينية لمؤتمر القارات الثلاث. على مستوى المميزات الجمالية، كُتِبَ بعضُ شعر أفريقيا جنوب الصحراء بلغة القوى الاستعمارية التي تمَّ إفراغها من حمولتها الإيديولوجية عبر تطويعها لمضامين جديدة محليَّة، ولتراكيب نحوية وإيقاعات لم تألفها هذه اللغات، غرف جلّها من التراث الموسيقي الزنجي، خصوصاً آلة الـ tam-tam الإيقاعية؛ وفقَ رؤية عبَّر عنها الكاتب الجزائري كاتب ياسين في قول مأثور له: «أتعامَل مع لغة المستعمِر كغنيمة حرب». أمَّا جُلُّ المتن الزنجي، فقد كُتِبَ باللغات واللهجات المحلية، ومعظمه مديح للمرأة والأرض أو تقريع للرجل الأبيض وإدانة صارخة للظلم الاجتماعي في مستويَيْه الوطني (فقراء/ أغنياء) والدولي (شمال/ جنوب). تكمن أهميَّة الترجمة التي بين يدينا، ككلِّ ترجمة، في رفدها للغتنا العربية بصور طازجة لم نألفها حتى في آدابنا الصحراوية، وبإيقاعات وتراكيب، عند التوفق في نقلها، تُغني ذاكرتنا السمعية وتفتح للمبدِع المنتبِه والقارئ النبيه آفاقاً تجريبية يحتاج إليها مشهد الكتابة العربية.

غلاف المجموعة

1. نداي كومبا دياخاتي: قوال سلالتي [السنغال]

أنا قوال سلالتي:

شاعر، وشاعر جوال

أغني سلالتي، عالياً،

وأغني دمي

الذي يعلن من أكون.

أنا.. خشب الأبنوس

الذي يستهلك نار الكذب البطيئة.

أنا.. الحصى الأحمر لدم أسلافنا الشرس.

أنا.. الغابة الطاهرة.

مملكة القردة الصارخة.

لستُ زنجي الأحياء الفقيرة

المحشور في حفرة قذرة، ملتصقاً بالسّخام،

هناك، في المدينة الرمادية التي تخنق وتقتل.

أنا.. من تجهله:

شمس بلا خداع، ولست شمعة نيون منافقة.

أنا.. ضوء البدر الصافي، المتواطئ مع مداعبات الليل،

أنا الدم الذي يقفز ويصفن بنفاد صبر

في متاهات شراييني.

أنا من تجهله.

أبصق على الروح القذرة.

وها أنا أحطم السلاسل

والصمت الكاذب

الذي قذفتني به.

————————–

2. خواكیم كابوري درانو: وحيدة [بورکینافاسو]

وحيدة، تغني حبة الأرض

وحيدة، تلتهب النيران

وحيدة، تحرس ضوضاء الكلمة

وحيدة، تحرس الكلمة خريطة العالم

وحيدة، تعتصر الطبيعة الأفعوانية

نظرة الطفولة المجنحة

أسفل نبتة الكالاباش

حيث تلتقي الرأس بالقدم

مساح أراضي القطن

وأسرار خطواتنا

هي نظرتك المتشابكة

وأنت تحرسين الجسد الحليف

إنها الشجرة القديمة

التي تعلو

بعد النجم المفقود

هي بسمتك المنزوعة

تضرب على الطبل المحموم

لجذورنا الشعثاء.

———————-

3. فيلي دابو سيسوكو: ما أملك [مالي]

ما أملك

ليس الثياب التي أرتديها.

آخرون يملكون ثياباً

وهي متشابهة.

ليس الكوخ الذي يأوي ليالي.

آخرون يملكون أكواخاً

وهي متماثلة.

ليس الطعام الجيد.

آخرون يطبخون ما هو ألذّ

من كل الأصناف.

ليس المال. فهو يأتي ويذهب

مثل فقاعة الصابون.

وليس البؤس.

فهو يسحق آخرين أكثر تعاسةً مني.

إن ما أملك، هو المرض:

لا أحد سيتألم في مكاني.

إنه يلتهمني من الداخل،

يلجم ردود أفعالي ويمكن

أن يدفعني للقيام بأفعال يائسة.

ما أملك هو إيماني

الذي يتبعني إلى القبر،

مستسلماً

للنمل الأبيض واليرقات

محاصراً من كل الجهات

بهذا التراب

الذي وهبني الولادة

وإليه أنا راجع.

————————–

4. نِمرود: سماوات خاطئة [تشاد]

أحببت أمي

عانقت مصيرها مثل طفل

مثل شحاذ

يدعو الآلهة في السر

كي تطيل عمرها

على حساب عمري.

أحببت أمي مثل منفي

أضناه الألم

في ملاحقة أمنيات

نتركها بمجرد أن تولد

في أغوار قلب منحوت للسعادة.

في تعويذتها

قدمت أمي الحساب كاملاً

دون غيرة من أحد

حتى من القمر أو الشمس

هي التي كانت شجاعة

دون أن تكون أماً للشجاعة.

أبكي الآن

حين أراها تنعم بالسّكينة

أنا الذي طالما

أرقتني الهواجس

في هذا الحيز من الوجود

حيث يولد

قلب شاعر.

————————–

5. أديل بازي: الساقطون [النيجر]

أن يصلي الإمام أن يصوم الكاهن

أو ينام الملحد

ما أهمية ذلك؟

كل واحد يرى ربه في السماء

يتحدث معه في صمت

يصرّح له بآلامه.

احتفظوا بما تؤمنون لأنفسكم

وأحبوا غفرانكم

أنتم غبار، في المدافن

وماذا بعد؟ أتغذى بأكلة المافي

وأتعشى بالسوشي

عيون مفرومة

وأنف كبير

رشة ملح فوق هويتي

يا للحظ!

يبدو أن باريس هي الأزمة

وفرنسا مفلسة

هاه، لنحزم حقائبنا

يبدو أن الفردوس هناك

الشتاء يستمر ستة أشهر،

ما أهمية ذلك؟

هنا تدوم الخمسون درجة إلى الأبد

يبدو أن ثمة تأميناً عن المرض

في العالم الآخر

هاه، نحن لا نهتم بإيبولا ولا بالإيدز

هنا المستشفى هو المشرحة

والمشرحة هي المستودع

رأيت أخي يعرض زوجته

ليدفع ثمن العبور

رأيت أختي تمنح نفسها لمجهول

رأيت اغتصاباً بالتراضي

هروباً من الفقر

الصوت المحرر

مات

ومنذ ذلك الحين،

أنا ألعن لغة الصمت.

————————-

6. تانيلا بوني: الكلمات سلاحي المفضل [ساحل العاج]

كل رحيل هو عودة أيضاً

ترحل مع أحلامك

مع حياتك وذكرياتك

مثل ناقة تسير بخطى بطيئة

تحمل متاعك فوق ظهرك

وتبتعد

من محطة إلى أخرى

إلى أن تعود

هكذا كان رحيلك الأول

إلى بلد أجنبي

تخطو في أزقة مدينتك

حيث نادرة صارت

أشجار الأحلام الكبيرة

التي تصارع تقلبات الجو

ونادرة الأوراق المغطاة

بالمظلات

في طقس غائم.

—————————–

7. كويسي بريو: البحر يلتهم أرضنا [غانا]

هنا ينتصب منزل أجدادنا:

الجدار المنهار يشير إلى المكان.

هنا دفعت شاة إلى المذبح

لإرضاء وتليين قسوة الآلهة

أمام الخطايا التي شاء قدرنا

أن تتحول إلى جرائم.

هنا خيم أبي الملعون يوماً

وصرخ في وجوهنا، نحن أطفاله،

للرجوع من ألعابنا

لنتناول وجبتنا المسائية وننام.

كانت الغيوم تتكاثف في السماء الحمراء

بينما الليل يسحر

الأمواج المتلاطمة بقوته السوداء.

هنا استلقى كيتا ذات مرة.

واليوم، أجساد بناته الذهبية

تتآكل في أحضان

المدن الغريبة.

————————-

8. تييرنو مونینیمبو: دجيبوتي مرج أخضر [غينيا]

أن تحلم بدجيبوتي

فيهرب الجسد الملتئم

من السياج

في قلب الصدع

على شفا الهاوية

هناك، سياج آخر

شائك وصاعق

مرشوش بحليب الشمس

سجاد الخراب الرقيق

وحوش البازلت

تجري في الدم القاني

للعصور القديمة

أن تتخيل دجيبوتي

قوافلها

وفوهات براكينها

مقاعد مدارسها

ومداخنها الريفية اللامعة

المصنوعة من الجير

أن تفاجئ دجيبوتي

من طريق الرّعاة القديم

أي من طريق «بقرة مارسو»

حيث تزحف الأفاعي الشريرة

والفيلة المعتدة بنفسها

وحيث ما زال بالإمكان

أن تقتفي الآثار المجنونة

لرجل بنعال من ريح

ثم أيضاً، تمسك الثور

من قرنيه وتهز القبائل والعشائر

وتجمع محصولي الكامل

من الأغصان والنجوم

أن تحفظ عن ظهر قلب

ليالي أفريقيا الطويلة

اللزجة

الدّبقة

مثل أجنة غير مرغوب فيها

مثل أدمغة أسلافنا.

————————-

9. أوديتي سيميدو: بأي لغة أكتب؟ [غينيا بيساو]

بأي لغة أكتب

اعترافات الحب؟

بأي لغة أغني

الحكايات التي رويت لي؟

بأي لغة أحكي

يوميات نساء ورجال بلادي؟

كيف يمكن استحضار القدماء

وأغنيات الماضي؟

هل يجب علي أن أتحدث لغة «الكريول»؟

إذن سأتحدث «الكريول»

لكن أي آثار سأترك

لأطفال هذا القرن الصغار؟

سوف تصدح بـ «الكريول»

رسالتي

التي من فم إلى فم

ستشق طريقها

سوف أخطها على ورق البرشمان

بهذه اللغة البرتغالية

التي بالكاد أفهمها

بينما على مرّ القرون

وعلى طريق الحياة

سوف يعرف الأطفال الصغار

والورثة

مَنْ كُنَّا.

—————————

10. کورسینو فورتس: الخطيئة الأصلية [الرأس الأخضر]

أعبر الأيام وأترك حلكتها أكثر سواداً

من ليل الضباب.

أنظر إلى الأشياء

تتلفها الديدان

وحدها المستنقعات الحقيرة

تشهد فوق الأرض

أني تركت بصمة قدمي

وهنا حيث أغتسل

ما زال النهر يجري بدم أحمر.

وأنت لا تملك القدرة على الفرار

أبداً

من هذا المصير

حيث عليك أن تلغم

صخور القلب..

—————————-

11. تشینوا آتشیبي: أم وطفلٌ لاجئان [نیجیریا]

ما من صورة للعذراء مع الطفل

قد تعادل صورة حنوّ أم على ابنها،

ذاك الذي عليها أن تنساه قريباً.

كان الهواء مثقلاً برائحة

إسهال أطفال لم يغتسلوا

بضلوع متلاشية ومؤخرات هزيلة

وهم يجرون الخطى

بسبب الأمعاء الفارغة والمنتفخة.

توقفت بعض الأمهات منذ وقت طويل

عن توفير الرعاية لهم،

لكن ليست من بينهن تلك التي يلوح

شبح ابتسامة على شفتيها

وشبح كبرياء الأم في عينيها

وهي تمشط ما تبقى من خصلات

شعرها الذي بلون الصدأ

ثم – بينما تلوح في عينيها أغنية –

تشقّ خط مفرقها باهتمام..

في حياة أخرى، كانت هذه الحركة

ستبدو تافهة وبلا عواقب

قبل الفطور والمدرسة،

لكنها في هذه اللحظة

كانت تسقي زهوراً

على قبر صغير.

————————-

12. دومينيك أغيسي: ثم يأتي موسم الجفاف [بنين]

ثم يأتي موسم الجفاف

يظهر شبح شمس ناتئة

بقضبان من زجاج

تتسرب من خلالها

ظلال شفق صغيرة ومتقطعة

بينما صرخة العصفور

ترمي حجراً

من المحيط الطباشيري

والموج يسحب شائعةً من لغات فضاءات أخرى

يأتي موسم الغياب

المحاصر من زوبعة الفانوس

بينما الكلمات تنزاح

وهي تُرى بالكاد

مثل شظايا النار والليل

على طول سراب الشواطئ

ووجوه مألوفة

تبزغ بقوة من الزبد

ثم تنهار مع الأمواج

تاركةً ابتسامة عائمة

ينضج الفراغ خارج الموسم وكل سؤال يرجعُ

إلى منبعه

إلى ظلمات خافتة

بعد رحيل شخص عزیز

يحلق طائر الشاطئ

بعيدا في أثر البرق.

—————————–

13. راكيل إيلوند: الأنهار تتحدث [غينيا الاستوائية]

أن يغطي القصب جسدي

وقدمي، ووجهي

أن لا يراقبني أحد عندما

أصغي بصمت إلى مياه الأنهار

التي تتحدث معي.

صوت الحصى

حين يكشط الماء

ما هو إلا قبلات المساء والليل،

ما هو إلا قبلات الفجر.

ذات يوم قال لي شخص إنّ الأنهار لا تتكلم أبداً

إنها تتبع مسارها ببساطة وتختفي من دون كلام.

كم كنتُ حزينة ذلك اليوم

حين سمعتُ هذا الكلام،

ركضت في اتجاه النهر ليشرح لي

لماذا أسمع صوته بوضوح

بينما الآخرون لا يسمعونه

على الإطلاق.

—————————-

14. أميلا هيلا-لاوبي: سيد المدينة [طوغو]

ها أنا أخيراً صرت أسداً بالغاً ملبداً ومنتفشاً

«سوندجاتا» قومت عصا «هارون» اعوجاجه

ولي عهد من سلالة الأبطال الصامدين

لهذا صارت كل فتيات المدينة رهن إشارتي

العذارى والناضجات هن أفرشتي المفضلة

لكن أنا بطل الموسم، المختار، معتدل القدّ

عضوي منتصب بفخر كأنني فحل القطيع

وكلامي فاتك وسمّ من سموم القاتل المحترف

فتعالين يا فتيات الساحل اللطيفات، يا نعاج المراعي

تعالين لتمتد مسامراتنا إلى ما لا نهاية.

—————————

15. تسيغاي غابري-ميدهين: النيل [إثيوبيا]

أنا الأرض الأولى وأم كل خصوبة.

أنا المنبع، أنا النيل، أنا الأفريقي، أنا البداية!

آه یا جزيرة العرب، كيف نسيت بهذه السهولة،

بينما لا تزال أنفاسك على ضفاف منابعي؟

آه یا مصر، الفتاة المذهلة التي ولدت من حبي الأول،

أنا ملكة مياهك العذبة اللانهائية، وضعت رأسي في حضن الفرعون مينا

عندما وجدنا الأراضي العليا والسفلى لنخلقك!

آه أيها السودان، يا من ولدت من ثدي كينونتي،

لماذا اقتطعت لنفسك بسهولة

قطرات أبدية من هذا النيل الواهب للحياة

عبر مليارات بائسة من الأحواض الصغيرة؟

كنت موفقاً في البداية قبل أن تسقط الأرض من مدار السماوات

يا أيها النيل، الذي تدفّق من أنفاس حياتي

على وديان لا حصر لها من حشود عطشى الأرض،

آه أيها العالم، كيف نسيت بسهولة أنني نافورتك الأولى،

أنا، وحبشتك الخالدة

أنا حياتك الأولى وما زلتُ أعيش من أجلك؟

أنهض مثل شمس من أعماق الأرض.

أنا فاتح أوبئة الجفاف.

أنا الحبشة التي «تمد يدها متضرعة إلى الله».

أنا أم المسافر الأعظم

الذي خرج في أطول رحلة على الأرض!

—————————-

16. ویلیام ج.-ف. صیاد: رمل في جوف اليد [الصومال]

مثل ریح الخماسين في الصحراء

عبرت من حياتي

ولم تتركي أثراً

سوى أخاديد

واسعة

وهذه الراحة

المؤجلة.

آمل أن تصدقيني

أنا لست شاعراً

ولا كاتباً

ومع ذلك تدفعني روح

للإمساك بالقلم

وخربشة بعض الأفكار الواضحة

التي أحاول

أن أتلمّسها بإصبعي

بين هواجس حالمة

آمل أن تصدقينني

أنا لست شاعراً

ولا كاتباً

ومع ذلك تتقلّبين بداخلي

مثل فكرة غريبة

تأتي لتعكّر اللحظة

التي أعيش

—————————–

17. عبد الرحمن أ. وابري: مدخل [دجيبوتي]

كان تمردي بلا جدوى

قدم الصمت ثديه لي

وموسيقاه

البسيطة والصادقة

انسابت مثل ماء الوضوء

مبشرة بآذان الصلاة

الكلمات المزهرة على شفاه المرشد

نقلت إلى العربات براميل كاملةً

من خمر المعرفة

وأنا ركضت وراء هذا الإكسير

في وقت مبكر من الرأفة

والشمس احتست، من معبد إلى آخر،

هذا الحجاب فوق عيني وإشفاقاً علي،

منحني القمر حصاة يتيمة

من محل سهرته أمس

وتقدمت شبكة نور أمامي

وكان ظهري

یعکس بدوره

في وهن

قيثارة الوجود الرفيعة

التي تكرّمت بوضع

خطواتها في خطواتي المتعثرة

كان تمرّدي بلا جدوى

لست نادماً

الطريق طويل

سأرحل غداً

وعلى كتفي الفجر.

———————————-

18. ريسوم هايلي: أنت هو آدم [إريتيريا]

آدم، يا ابن اليوم السادس

من الخلق،

ألست أكثر من عبد؟

لست أسداً

ولا نمراً

ولا نسراً؟

أنت خنوع

مثل حمار،

بغل

أو بقرة –

لست سوى عبد.

لماذا لا تكون حراً؟

ماذا؟

أسلافك يقولون

إنني أنا العبد

حين ألقي عليك اللوم

وأطلب مساعدتك؟

————————–

19. جوناثان کاریارا: كنت مستلقياً تلك الليلة [کینیا]

كنت مستلقياً تلك الليلة

وحلمت أن التعليم الأجنبي

صبغ أجسادنا بالطين الأبيض

فاختنقنا،

اختنق الرجل الأسود

النّائم في الداخل،

يا ترى، هل يستيقظ

مثل لؤلؤة في محارة

أم يتعفن؟

———————-

20. إبراهيم حسين: جدار برلین [تنزانیا]

كان لديّ حلم

حلم حقيقي

كان لدي حلم

لقد أخذوا اسم العمال

لكي يبنوا به مملكة

لم تكن لديها مبادئ ولا نظرة ولا أنف

كان لدي حلم

حلم حقيقي

انهار الجدار في رمشة عين

جدار بلا مبادئ، بلا رقبة، ولا كرامة

كان لدي حلم

حلم حقيقي

لم يكن سوى جدار – آلة للقتل

أحمر

بلون دم الأطفال الذين قتلهم

فرح

كان ثمة فرح

لرؤية جدران متصلة بجدران

وجدران تهدم جدراناً

بلا مبادئ ولا إنسانية

جدران

لم تكن سوى جدران،

آلات للقتل

كان ثمة فرح

بكرامة

محسوسة وعالمة.

————————–

21. كيتي نيفياباندي: ثلاث مجموعات عرقية [بوروندي]

ثلاث مجموعات عرقية

ثلاث ابتسامات جميلة

ثلاثة مصائر يافعة

ثلاث فتيات صغيرات

ثلاثة انفجارات من الضحك تدغدغ أشجار المانجو.

ثلاثة أحلام مرحة،

ثلاث أغان.

يلعبن الدائرة، متماسكات الأيدي،

بينما الصنادل والمخاوف في مهب الريح،

واحد، اثنان، ثلاثة، ثم يقفزن،

فترفرف الجدائل في الأفق.

واحد، اثنان، ثلاثة، ثم يقفزن،

فتحط ستة أقدام صغيرة فوق الأرض المحمومة

المغتصبة حديثاً من طرف أبنائها،

المخصبة والحاملة بداخلها ما هو «شائن».

واحد، اثنان، ثلاثة، ثم تنفتح الأرض الملغومة

الهادرة والمجوفة بعمق،

المتقيحة بوحوش صغيرة،

لتبتلع الأغاني الثلاث.

تفجرت ثلاث قطع صغيرة من الطفولة.

تمزقت ثلاثة أحلام وثلاث ضحكات صامتة.

اختنقت ثلاثة مصائر وثلاثة براعم زهور مسحوقة.

ولم تكتمل الأغاني الثلاث.

واحد، اثنان، ثلاثة دموع متطابقة ارتفعت في سماء الكارثة.

واستلقت ثلاثة أجساد ترتدي لباس الإيمفوتانو الأسود،

برؤوس حليقة، وأرواح متفحمة.

ثلاث أمهات.

ثلاثة جروح.

ثلاثة قلوب محطمة إلى الأبد.

الهوتو. التوتسي. الثوا.

ثلاث مجموعات عرقية.

احتضار واحد.

نهر واحد من الدموع يجري ويتدفق بلا نهاية.

وهذا الصمت

الصمت القرمزي الثقيل لدم الأبرياء.

————————

22. سوزان ن. كيغولي: سأتكلم بدون لف ودوران [أوغندا]

سأتكلم بدون لف ودوران،

لأنني أرغب في التخلي عن لعبة التخمينات.

سأخبركم كيف حملنا رؤوسنا

في أيدينا

لأن البومة كانت تصيح طوال الليل

والكلاب تعوي كأنها في حداد.

کنا ننتظر أخباراً سيئة.

وقد وصلت أخيراً.

كانت والدتنا عمياء بعين واحدة،

وحُرِّم عليها استعمال الرجل اليمنى.

لأنها لم تصوت لفائدة مرشح زوجها.

دعوني أذكركم

يوم وضعت الموز المقشر

في قدر المطبخ.

کنا قد ذبحنا الديك،

وننتظر وصول ضيف مميز.

وقد وصل أخيراً:

ابنتنا – قطع لحم في كيس –

هدية من زوجها.

————————-

23. إيبيفاني موكاسانو: جبل كليمنجارو [رواندا]

سنة جديدة: قرارات جديدة

سنتي فريدة، هائلة وواضحة

فدع الأرض تنهار

ودع الروح تشرق

ولتعلن الحرب على قوانين نيوتن

حقيبتي زرقاء: عبء ثقيل

يأكل البرد أظافري

تسحبني قدمي إلى مرتفعات بيانو بيانو

لتستريح مؤخرتي

على قمة جبل يغطيه البياض

ومرتجفاً

أصافح يد الرب العظيمة

من أعلى قمم أفريقيا

سأعود بيدي مثقلتين

وفي حقيبتي الزرقاء: بركة

هي عودة موسى الأسود

الحلم الذي أصبح حقيقة

وحتى لا أنسى

سأقوم بحفر أرضي بعمقٍ

سأتحدث لغة أبي

سأجلس على سجاد منسوج

سألتهم صحناً أصفر

فيه موز الهند

ممزوجاً مع اللّوبيا.

(*) مقتطفات من كتاب بعنوان: «همسُ الأسلاف، أنطولوجيا الشعر الأفريقي المعاصر: 100 شاعر وشاعرة من 40 دولة أفريقية»صدر حديثاً عن «دار خطوط وظِلال» (عمان/ الأردن).

ملحق كلمات

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button