رامي الشاعر: الوضع في سورية لن يدوم و”الدستورية” إلى جهنم!!
محمد الشيخ
أخطر المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، وفد المعارضة المشارِك في محادثات اللجنة الدستورية، بتأجيل اجتماعات الجولة التاسعة التي كان من المقرر إقامتها بين الخامس والعشرين والتاسع والعشرين من شهر تموز/ يوليو الجاري، تلبية لطلب النظام السوري.
وقال وفد هيئة التفاوض في اللجنة: إن الرئيس المشترك هادي البحرة، تسلم رسالة رسمية من المبعوث الأممي تُفيد بتأجيل انعقاد الدورة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك بعد تلقي بيدرسون إخطاراً من قِبل الرئيس المشترك عن وفد النظام أحمد الكزبري يفيد بأن وفده “سيكون مستعداً للمشاركة في الدورة التاسعة فقط عندما تتم تلبية ما وصفه بالطلبات المقدمة من الاتحاد الروسي”.
وتعليقاً على قرار بيدرسون، قال البحرة في بيان: إن طلب تأجيل الجولة التاسعة “يُثبت وضع النظام السوري المصالح الأجنبية كأولوية على المصالح الوطنية السورية، فهذه اللجنة شُكِّلت باتفاق على اختصاصاتها والعناصر الأساسية للائحة الداخلية الخاصة بها التي نصّت بشكل واضح على أن تكون بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة، ونصّت بشكل واضح على عمل اللجنة خدمة لمصالح الشعب السوري وحده، بشكل سريع ومتواصل، لتحقيق نتائج وتقدّم مستمر بدون تدخل خارجي، بالتالي لا يمكن القبول بتعطيل أعمالها لأي سبب كان لا سيما خدمةً لتحقيق مطالب طرف أجنبي”.
وللوقوف على أسباب هذا القرار وتداعياته، أجرى موقع “نداء بوست” حواراً مع الدبلوماسي والمحلل السياسي الروسي رامي الشاعر، تناول عدداً من القضايا المتعلقة باللجنة الدستورية بشكل خاصّ والملف السوري بشكل عامّ وفيما يلي نصه:
اللجنة الدستورية.. عامان من المماطلة والتسويف
يرى الشاعر أن انعقاد ثماني جولات من محادثات اللجنة الدستورية على مدى عامين دون التوصل إلى أي نتائج، ما هو إلا مماطلة وتسويف من قِبل النظام السوري وكذلك المعارضة.
ويشير إلى أن الدستور وهو العقد الاجتماعي بين المواطنين، يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة، وينظم السلطات العامة من حيث الهيكل والاختصاص والعلاقة بين السلطات وحدود هذه السلطات وواجبات وحقوق المواطنين ويضع الضمانات لهم ولبقاء واستدامة وسيادة الدولة ووحدة أراضيها.
واللجنة الدستورية السورية المصغرة، -يوضح الشاعر- لجنة منوط بها وضع هذا الدستور، بحيث تمضي العملية السياسية قدماً وفقاً لما استقر عليه المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن الدولي، وتحديداً في قراره رقم 2254 بشأن سورية.
ويقول الشاعر: “تأجيل انعقاد الجولة التاسعة، بل دعني أقول إن وصولنا إلى الجولة التاسعة في حد ذاته، دون نتائج، سوى السفسطة والمماطلة والتسويف والتلاعب بالألفاظ والمفاهيم القانونية والدستورية، من جانب طرفَي اللجنة من النظام والمعارضة، وأستثني هنا الثلث الثالث، المجتمع المدني، ووصولنا إلى الجولة التاسعة يعني أن النظام من جانب، والمعارضة ينتهيان بالنسبة للشعب السوري.”
وأضاف: “إلا أن الشعب السوري نفسه باقٍ على الرغم من كل المآسي التي يعانيها، والتي يتحمل جزءاً منها كذلك المجتمع الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض عقوباتها، لا على النظام، وإنما على الشعب السوري، إلا أن النظام في دمشق وقيادات المعارضة أينما وُجدت هي مَن يتحمل العبء الأكبر”، حسب قوله.
ظروف جديدة ستتوفر
يعتقد الشاعر أن سورية على موعد مع ظروف جديدة وليست بعيدة، يمكن أن تؤدي إلى حل يُنهي مأساة الشعب السوري بعيداً عن اللجنة الدستورية، التي يعتبر أنها ذهبت إلى الجحيم بعد إفشالها بالمماطلات وإغراقها بالتفاصيل والمصطلحات الدستورية.
وفي هذا الإطار يقول محدثنا: “أنا على يقين أن ظروفاً جديدةً سوف تتوفر، لا أراها بعيدة، يتمكن خلالها الشعب السوري من التوصل إلى الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، وعلى دستور يلبي طموحاته في بناء دولة ديمقراطية حديثة، يعيش فيها حياة أفضل، في جو من الحرية والكرامة والتنمية والازدهار دون المساس بالسيادة أو وحدة الأراضي”.
مستقبل اللجنة الدستورية
وجه الشاعر انتقادات لاذعة لوفدَي المعارضة والنظام على حد سواء، محملاً إياهما مسؤولية فشل اللجنة والدوران في حلقة مفرغة، في وقت ينتظر به الشعب السوري بصيص أمل للخروج من الأزمة غير المسبوقة التي تعصف به.
وهنا يقول الشاعر: “اللجنة الدستورية، فهي، مع استثناء الثلث الثالث كما أسلفت، وأعني المعارضة والنظام، إلى جهنم وبئس المصير، نحن نتحدث عن ثماني جولات خلال سنتين، 24 شهراً يعاني فيها الشعب السوري من الجوع والفقر والمرض، ينام الناس في العراء، ويموت الأطفال ولا أقول يعالجون أو يذهبون إلى المدارس، لم يعد ذلك حتى خياراً، أصبحنا نتحدث عن شعب لا يرغب سوى في البقاء حياً، يعيش الشعب السوري الأبي الباسل العظيم في مثل هذه الظروف، بينما يجتمع هؤلاء لأربعة وعشرين شهراً، في ثماني جولات، ويعجزون عن أداء واجبهم المنزلي في التوصل إلى توافُق على مبادئ دستورية جامعة، توحد هذا الشعب ولا تفرقه، وتجمعه ولا تُشتّته، فعن أي أخلاق أو ضمير يمكن الحديث هنا.. بالطبع يرجو السادة المجتمعون أن تكون هناك جولة تاسعة وعاشرة ومئة وخمسون..”.
سورية والحرب الروسية الأوكرانية
يرفض الشاعر ربط تأجيل أعمال اللجنة الدستورية بالحرب الروسية الأوكرانية، وبرغبة موسكو بالضغط على المجتمع الدولي باستخدام ورقة سورية واللجنة الدستورية، وذلك في إطار المناكفات والتوترات “الروسية – الغربية”، والتي ظهرت انعكاساتها على سورية بشكل واضح خلال تصويت مجلس الأمن على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عَبْر الحدود.
ويقول الشاعر: “إن أي تأجيل لإنقاذ الشعب السوري من موته البطيء لا يمكن أن يكون مرتبطاً لا بحرب أوكرانيا ولا بيوم القيامة نفسه، وإنما مرتبط -ودعنا نكون واضحين- بتعنُّت النظام والمعارضة في عدم التوافق على عملية الانتقال السياسي، والتي تم توضيحها تفصيلاً في قرار مجلس الأمن السالف ذكره، رقم 2254، والحل فقط في يد السوريين أنفسهم”.
كما يرى أنه “لا دخل هنا لروسيا في الأمر، ولا تحقق روسيا أي مكاسب، ولا تسعى لتحقيق أي مكاسب على حساب استمرار مأساة الشعب السوري”، معتبراً أن “روسيا حمت الشعب السوري من نشوب حرب أهلية طائفية واسعة النطاق، وحمت سورية من التشرذم والانقسام، وحمت روسيا وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية على أراضيها”.
وأردف: “لولا نظام التهدئة ووقف إطلاق النار، لكانت الحرب الأهلية ستدمر البلاد والعباد، والفضل في ذلك يعود أولاً لروسيا، وثانياً وثالثاً لدول مسار أستانا الضامنة إيران وتركيا”.
وشدد على أن اعتذار روسيا من مشاركة وفدها في جنيف، لا علاقة له بأي شأن سوري، بقدر ما له علاقة بالتوتر القائم ما بين روسيا وسويسرا، بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
النظام السوري والوصاية الروسية
في إطار حديثنا مع الشاعر، رفض اعتبار طلب وفد النظام السوري تأجيل اجتماع اللجنة الدستورية بأنه تبعية واضحة ووصاية عليه، كما رفض الحديث عن وجود تدخُّل روسي في عمل اللجنة.
وقال: “روسيا لم تتدخل يوماً، ولا تعتزم التدخل في عمل اللجنة الدستورية، بل إنها دائماً ما كررت أن الحل في سورية يجب أن يكون سورياً فقط، وليس لروسيا أي وصاية على سورية، ولا يد روسية تمتد على الأراضي السورية سوى لمكافحة الإرهاب، أو للدعم الإنساني، أو لوقف الاقتتال بين السوريين والحفاظ على التهدئة”.
وتابع: “أما النظام في دمشق، فيستخدم أيّ حُجج لإعاقة أيّ تقدُّم لجهود سورية مشتركة بين السوريين للبدء بعملية الانتقال السياسي، ويظن أن الوضع الراهن يمكن أن يستمر للأبد، ويتصور بسذاجة سياسية منقطعة النظير أن عملية إنقاذ سورية، وإنقاذ الشعب السوري، كانت “إنقاذاً للنظام”، وهو ما تصطاده المعارضة، وتتصيد هي الأخرى لأي خطوة يقوم بها النظام، ومن ذلك ما صدر من بيان صحافي عن اللجنة الدستورية لهيئة التفاوض، التي كانت تبحث عن مبرر في الطرف المقابل لدوره المعطل أيضاً في عدم إحراز أي تقدم”.
ويضيف: “كنت أتوقع أن يتوجه وفد المعارضة بنداء للنظام ووفده والسوريين في هذه الظروف المأساوية العصيبة التي يعيشها الشعب السوري، أو أن تبدو منهم بادرة للاستمرار في التواصل والتوصل إلى توافُق سوري سوري”.
ويختم الشاعر حديثه لموقعنا بالقول: “إن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، كان أكثر ألماً وحصافةً وحرصاً على الشعب السوري، ولربما حتى وطنية، من القيادة في دمشق والمعارضة السورية في كل مكان، ستذهب هذه الاجتماعات، وسيذهب هؤلاء المسؤولون والقادة، وسيبقى الشعب السوري، وستبقى سورية فالمجد لهم ولها”.
نداء بوست