“مكافحة الإرهاب” في سوريا… شهادات توثّق سطو النظام على أملاك المعتقلين/ رشا العبد الرحمن
لم تكن منال العلواني، تعلم أن خروجها من منزلها مجبرةً في حزيران/ يونيو من العام 2014، سيكون الخروج الأخير لها، بعد أن استولت قوات النظام السوري عليه، ومنعتها حتى من بيعه بحجة أنها تقيم في مناطق خارجة عن سيطرة “الدولة”، بناءً على قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرّه النظام بعد نحو عام من انطلاق الثورة السورية عام 2011.
واستناداً إلى قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 الذي صدر في تموز/ يوليو من العام 2012، يعدّ النظام السوري كافة الأشخاص المتواجدين في المناطق الخارجة عن سيطرته، وخاصةً الذين يتواجدون في مناطق سيطرة المعارضة السورية، إرهابيين وله الحق في الاستيلاء على كافة أملاكهم، إذ يمنع أصحاب تلك الأملاك من بيعها أو حتى تأجيرها.
تشريع السطوة
تقيم منال اليوم في الأراضي التركية، وهي من مدينة حماه اعتُقل زوجها في شباط/ فبراير 2012 من أمام منزله في حي باب قبلي وسط مدينة حماه، وتمت مصادرة سيارتين له كانتا أمام المنزل حينها بحجة أنه “شارك في أعمال تخريبية ضد الدولة”.
تقول العلواني إنها حاولت كثيراً ولفترة طويلة البحث عن زوجها في الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري: “بحثت عنه كثيراً ولم أترك سجناً أو فرعاً أمنياً إلا وذهبت إليه كي أحصل على معلومة واحدة فقط، فإما أن يخبروني بأنه قُتل، أو بأنه لا يزال حياً وبإمكاني أن أراه، لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل”.
وبعد عجزها عن إيجاد زوجها في رحلة بحثها التي استمرت نحو عامين، ونتيجة المضايقات الأمنية الكثيرة التي كانت تتعرض لها من قبل الشبيحة الذين كانوا يتخذون من الأبنية القريبة من منزلها مقراً لهم، اضطرت إلى الخروج نحو مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حماه الشمالي، ومن ثم إلى إدلب حيث استقرت هناك لسنوات عدة في مخيمات عشوائية تنتظر السلة الإغاثية التي تقدّمها المنظمات لإطعام أطفالها الصغار، حسب قولها.
الهرب إلى تركيا
سوء الأوضاع المعيشية في مخيمات النازحين في ريف إدلب، دفع بمنال إلى الخروج إلى الأراضي التركية مطلع العام 2018، بطريقة غير شرعية مع أطفالها الذين يبلغ أكبرهم 17 عاماً، وكانت تعتقد أنه قادر على العمل في تركيا وأن بإمكانها العمل برفقته لتأمين قوت بقية أطفالها، لكن الأمر كان صعباً للغاية وتسبب العمل الذي كانت تعمل فيه بأمراض عديدة منها “الديسك”، ما أجبرها على التوقف عن العمل والاعتماد على طفلها الكبير.
تقول: “ضاقت بنا الأحوال المعيشية في تركيا، فالأسعار مرتفعة جداً، وعامل واحد لا يمكنه أن يتحمل مصاريف عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، ولذلك قررت الاتصال بأقاربي لبيع منزلي في مدينة حماه، لأفاجأ بردهم الذي نزل عليّ كالصاعقة، وهو أن أشخاصاً يتبعون للنظام السوري صادروا المنزل والمحال التجارية التي كنا نملكها بحجة أن مالكها إرهابي وعائلته خارج مناطق سيطرة الدولة السورية، وقد كنت أعتمد على قيمة إيجارها لتأمين جزء من معيشتي وأولادي، وذلك عن طريق أقرباء لي، إلا أنني حُرمت من ذلك المورد بعد السيطرة عليه”.
الأمثلة كثيرة
ليست منال العلواني الوحيدة التي صادر النظام السوري أملاك زوجها بحجة “الإرهاب”، أو حتى الإقامة في المناطق الخارجة عن سيطرته، إذ لا تختلف قصة بديع غندورة كثيراً عن قصتها، وهو الذي قام النظام السوري بمصادرة أملاك والده في مدينة الرستن شمال حمص، بعد تهجيرهم إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غرب سوريا عام 2012.
لم يتمكن غندورة من بيع المنزل أو تأجيره بعد أن أبلغه أحد أقاربه بعدم إمكانية البيع بحجة أن ملكيتها تعود لإرهابي، علماً أن والده، وهو مالك الأرض، معتقل منذ عام 2011 إثر حملة لقوات النظام على الرستن، وتم إبلاغهم بمقتله تحت التعذيب بعد أشهر قليلة من اعتقاله. وفي ظل عدم إصدار وثيقة رسمية تؤكد أو تثبت واقعة الوفاة، بالإضافة إلى الأوضاع التي شهدتها البلاد وتهجيرهم خارج المدينة، لم يتمكن بقية الورثة من إتمام معاملة حصر الإرث.
أما سناء عكلة (من البياضة)، وهي زوجة المعتقل سالم الأحمد، فتقول: “ما زلت في منزل زوجي ولكنني لم أستطع نقل ملكيته لي أو لوالدته، على الرغم من إبلاغنا بوفاة زوجي في المعتقل، إلا أن حق التصرف بممتلكاته ممنوع بقرار من مؤسسات النظام لأن ملكية المنزل تعود إلى زوجي المعتقل بتهمة الإرهاب، وهي التهمة التي لاحقتني بعد وفاته، ولم أستفد أيضاً من مشروع الترميم الذي قدّمته الأمم المتحدة، إذ تم رفض جميع الوثائق التي قدّمتها للأسباب السابقة ذاتها، وبينما يُعدّ الترميم على الحساب الخاص مسموحاً إلا أن تكلفته تفوق قدرتنا المادية”.
حقيقة هذا القانون
هناك نوعان من المعتقلين: الأول المعتقل المحكوم والمعروف المصير، أما الثاني فهو المختفي قسرياً أو المفقود، والنوع الأول لا يجوز التصرف في ممتلكاته أو إدارة أمواله إلا بموجب توكيل خاص منه ما لم يصدر بحقه حكم يجرده من الحقوق المدنية والعسكرية، أو مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة كما هي العادة في محاكم الإرهاب والمحاكم الميدانية والعسكرية، وهو ما استندت إليه حكومة النظام لمصادرة أملاك المعتقلين خاصةً بعد “قانون مكافحة الإرهاب رقم 19″، والذي أعطى الحق للنائب العام بتجميد أملاك من يرتكب الجرائم المتعلقة بـ”الإرهاب”، أو أي جريمة بموجب القانون السابق، حسب المحامي عبد الناصر حوشان، عضو “نقابة المحامين الأحرار”.
وتنص المادة رقم 12 من القانون، على أن “المحكمة تحكم في حال الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء المستخدمة أو المعدة للاستخدام في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وُجدت، وقد “أصدرت العديد من الأحكام القاضية بمصادرة الأملاك العقارية في سوريا بموجب تلك المادة”، بحسب حوشان.
أما المختفي قسرياً فيعامَل معاملة المفقود ويخضع لأحكام المادة 203 من قانون الأحكام الشخصية، وإذا حكم بوفاة المفقود وعُدّ ميتاً يوزَّع ماله على ورثته الموجودين حين الحكم بوفاته، مما يعني عدم القدرة على التصرف بأموال المفقود إلا بموجب وكالة قضائية من القاضي الشرعي.
وقد اتّبعت حكومة النظام قوانين مصادرة وتجميد أموال المعتقلين المنقولة وغير المنقولة بموجب المرسوم التشريعي رقم 63 الصادر في تاريخ 16 أيلول/ سبتمبر 2012، والذي تخوَّل بموجبه الضابطة العدلية والأجهزة الأمنية الاستيلاء على أموال المعتقلين أو المتهمين بجرائم تمس أمن الدولة.
مأساة ذوي المعتقلين
يواجه أهالي المعتقلين صعوبات كبيرةً، سواء أكانت قانونيةً أو اجتماعيةً أو غيرها، حالت دون تمكينهم من استرجاع ممتلكاتهم أو جزء بسيط منها.
يقول بديع غندورة، إنه يضطر إلى دفع مبلغ مالي كبير كل عام لأحد أقاربه وهو مؤيد للنظام ويتمتع بسلطة تشبيحية ويستفيد من عائدات أملاك غندورة الذي يُبرر تصرفه بأنه يحاول منع استيلاء الجهات الحكومية على أملاك والده، في ظل فقدان أوراق الملكية وفي ظل استناد النظام إلى قانون مكافحة الإرهاب.
من جانبها، تؤكد سناء عكلة، عجزها عن نقل ملكية منزل زوجها ومحالّه التجارية بسبب رفض دائرة السجل المدني منحها شهادة وفاة له، بحيث تصبح وصيةً على أملاكه، بالإضافة إلى أوضاعها الاقتصادية المتردية التي حالت دون قدرتها على ترميم المحال وإعادة افتتاحها من جديد والاستفادة منها.
يقول المحامي علي الصلخدي (محافظ درعا السابق)، إن “أي إجراء لنقل أي عقار يحتاج إلى موافقة أمنية، والموافقة لا تُعطى لأي شخص معتقل أو خارج القطر خاصةً من المعارضين لحكومة النظام الذي سيطر على أملاك المعتقلين والمهجرين ومنعهم من بيعها أو نقلها أو توكيل طرف آخر بإدارتها، عندما أصدر النظام قانون الموافقة الأمنية قبل إجراء أي عملية بيع أو تأجير أو توكيل كي تبقى الأملاك تحت حجز وسلطة النظام”.
إلى ذلك، يتعرض ذوو المعتقلين في معظم المناطق لضغوط كبيرة من الجهات الأمنية، بهدف الحصول على رشوة لإبقاء ممتلكات المعتقل تحت وصاية أحد أقاربه المقربين من النظام، بحجة منع استيلاء الحكومة عليها وتأجيرها في المزاد العلني، من دون الانتفاع منها أو الحصول على أي مردود مالي مهما كان بسيطاً.
رصيف 22