تقرير استطلاع رأي حول مواقف السوريين في تركيا من العودة إلى الأراضي السورية/ عبد الناصر الجاسم
الملخص التنفيذي
يعيش غالبية السوريين المقيمين في تركيا بدرجات قلق وعدم استقرار متفاوتة، وذلك مرتبط بعوامل عدة، منها طبيعة العمل أو مكان الإقامة أو نوع المستند القانوني للإقامة، وتعدد التعليمات والقرارات الناظمة لوجود السوريين في تركيا، وأحيانًا ازدواجيتها وتضاربها.
وفي الآونة الأخيرة، تزايدت الأحاديث والتصريحات والدراسات واستطلاعات الرأي، في المجتمع التركي المضيف، حول السوريين في تركيا، وجميعها تصبّ في خانة التململ من وجود السوريين[1]، وتباينت في مدى الموضوعية والحيادية، وذلك تبعًا للجهة الصادرة عنها والهدف منها، وقد توعّد أكثر من سياسي في المعارضة التركية بإعادة السوريين إلى بلادهم، في حال نجاح حزبه السياسي في الانتخابات المقبلة، وذلك بالتزامن مع طرح مشروع إعادة مليون سوري إلى 13 منطقة في الشمال السوري، واقتراب موعد الانتخابات التركية صيف 2023، وتصدر ملفّ السوريين المشهد الإعلامي والسياسي في تركيا، حيث تسعى أحزاب المعارضة لاستخدام هذه الورقة بغية كسب أصوات إضافية لها.
وبالطبع، كل ذلك ينعكس على السلامة النفسية والاجتماعية للسوري المقيم في تركيا، ولكن تظل التصريحات أو الإجراءات الحكومية هي التي يأخذها السوري على محمل الجد، لكونها تترك قلقًا واضحًا في نفوسهم ينعكس على خياراتهم، وهذا ما بدا واضحاً وبتواتر سريع في الآونة الأخيرة.
من هنا، عزم مركز حرمون للدراسات المعاصرة على إجراء هذا الاستطلاع لمعرفة آراء السوريين في تركيا حول موضوع العودة، وما هي تصوراتهم ونياتهم حول العودة، على اعتبار أنهم المعنيون الرئيسيون في هذه المسألة. وهدف هذا الاستطلاع إلى معرفة آراء السوريين المقيمين في تركية بموضوع العودة ، وماهي العوامل التي تؤثر في قرار عودتهم ،من خلال طرح الاستطلاع على عينة منهم.
تم تصميم استمارة استطلاع الرأي[2]، وتم توزيع الاستطلاع عبر رابط إلكتروني لنماذج غوغل درايف، وتعميمه على سوريين في جميع الولايات التركية، ولا سيما ولايات (إسطنبول، غازي عينتاب، أورفة، هاتاي) نظرًا لكونها تشهد أعلى كثافة للسوريين فيها، وذلك بالاعتماد على تقنية كرة الثلج في الوصول إلى العيّنة.
ووصل عدد الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع 1010 أشخاص، توزعوا في مختلف الولايات، وكانت النسبة الأعلى في إسطنبول، حيث بلغت 27،9%، وتلتها غازي عينتاب وبلغت 20،1 %، ثم جاءت شانلي أورفة وبلغت 11،4 %، ثم هاتاي -وهي تضم الريحانية وأنطاكية- وبلغت 9،1 %، وبلغت النسبة في ماردين 6،7%، وتوزع باقي أفراد العينة على مختلف الولايات التركية، وهذا ما يتفق مع النظرة العامة لوجود السوريين الذي يتركز في ثلاث ولايات رئيسية، هي إسطنبول، غازي عينتاب، شانلي أورفة.
ثم تم ترتيب البيانات وترميزها وتحليلها، وتم التوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات تفسّر موقف السوريين من طروحات العودة، ومن أبرز هذه النتائج:
الغالبية العظمى من السوريين الموجودين في تركيا لا تتلقى أي مساعدات من أي جهة، وتعتمد على نشاطها وعملها في تأمين سبل عيشها، ويقيمون خارج مراكز الإيواء، ويتوزعون في مختلف الولايات التركية، ويتركز وجودهم في إسطنبول، غازي عينتاب، شانلي أورفة وهاتاي، وهذا ما يتفق مع إحصاءات رسمية تركية ذكرت أن 1،35% فقط من السوريين يقيمون في مراكز الإيواء.
تشير نتائج الاستطلاع إلى أهمية المتغير السياسي، وشكل الحياة السياسية في قرار العودة لدى الغالبية العظمى من السوريين، وهذا يبدو مفهومًا وطبيعيًا على اعتبار أن جوهر المشكلة في سورية هو سياسي، بغض النظر عن تسويق روايات وتصنيفات مختلفة عن أسباب هذا الصراع، فقد ربط 80% من أفراد العينة عودتهم بالتغيير السياسي في سوريا.
وافقت النسبة العظمى من أفراد العينة على العودة إلى سورية، في حال تغيير النظام الحاكم الحالي، وتوقف الملاحقات الأمنية التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لكلّ شخص يفكر بالعودة، ولا سيما أن هناك تجارب وحالات لأشخاص عادوا، على أساس أنهم ليسوا مطلوبين أو بعد صدور مراسيم العفو الشكلية التي يصدرها رأس النظام، ثم كان مصيرهم الاعتقال والتغييب، ووصلت نسبة الموافقين في حال تحقق هذا الشرط إلى 75.6%.
نسبة الراغبين في العودة لدى السوريين متوفرة، ولكنها مقيدة بتوفر شروط مادية ومعنوية مرتبطة بالسلامة الجسدية والنفسية في بيئة العودة ومكانها، حيث وافق 80% من أفراد العينة على العودة بعد توفر هذه الشروط.
إن ظروف العمل و مستوى المعيشة المتدنية لدى غالبية السوريين في تركيا، مثل العمل بدون إذن عمل، ومستويات الأجور المنخفضة وشروط العمل القاسية، إضافة إلى التمييز من قبل بعض سكان الحيّ أو بعض العاملين في الدوائر الحكومية، كلّها عوامل تؤثر في قرار العودة أو الهجرة إلى بلد ثالث.
إن طول أمد الإقامة وتأسيس البعض لعمله، والتحاق أولاده بالمدارس والجامعات في تركيا، وقد تعلموا اللغة التركية وحققوا درجة من الاندماج، ينعكس على رغبتهم في العودة، إذ تكون أقلّ ما لم ترتبط بتوفر عوامل أخرى.
تلعب الممتلكات المادية في سورية: (بيت، أرض، سيارة، مشروع خاص) دورًا مؤثرًا يدفعهم نحو العودة.
غالبية كبار السن من السوريين المقيمين في تركيا لديهم رغبة وميل أكبر للعودة، وهذا مبرر من الطبيعة الإنسانية والارتباط بالأرض والوطن.
نحو 80% من أفراد العينة يرغبون بالعودة إلى سورية، إذا كانت عودة طوعية إلى مكان إقامتهم الأصلي، مرتبطة بشكل أساسي بالظروف السياسية والاقتصادية، وتوفر الأمن والأمان ومصادر العيش.
تعدّ العودة إلى مكان إقامتهم الأصلي في سورية عاملًا مؤثرًا في قرار العودة، حيث إن لدى نحو 60% من أفراد العينة تحفظًا على العودة إلى مكان غير محدد.
يرغب جزء من السوريين في العودة إلى مناطق الشمال السوري الواقع تحت الحماية التركية، في حال توفر الاستقرار وفرص العمل والخدمات وتوفر سلطة مركزية واحدة، حيث وصلت نسبة الموافقين حوالي 25%.
غالبية السوريين يشعرون بالقلق والتهديد من تداول أخبار إعادة السوريين إلى الشمال السوري، بسبب أن مناطق إدلب ومناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون تفتقر إلى الاستقرار والسلطة المركزية، وتسيطر عليها فصائل متنافسة، وهناك خشية من عدم وجود فرص عمل ومصادر دخل، فضلًا عن أن هذه المناطق غير مناطقهم الأصلية، وهذا القلق انعكس على تفكيرهم بحلول وخيارات أخرى، حيث بلغت نسبة الذين أبدوا قلقهم نحو 74%.
يبدو أن الثقة مفقودة بين نسبةٍ عظمى من السوريين وبين مؤسسات المعارضة الرسمية، وأن قنوات الاتصال بين هذه المؤسسات وبينهم معطلة منذ زمن بعيد، وقد اتفق مع هذه الفكرة حوالي 85% من أفراد العينة.
إن ظروف عدم اليقين التي تواجه السوريين، من حيث شكل الحلول لقضيتهم، جعلتهم يرون أن الهجرة إلى بلد ثالث غير سورية وغير تركيا أكثر جدوى من العودة إلى سورية في الوقت الحالي، ولم تعد تركيا بالنسبة إليهم بلدًا مريحًا للإقامة والعمل بعد تصاعد وتيرة التصريحات والتصرفات التمييزية التي تصل في بعض الحالات إلى حدّ العنصرية، وبالوقت ذاته، ما زالت سورية غير آمنة، وليس هناك أملٌ في المدى المنظور، وهذا ما يفسر هذه النسبة الكبيرة للموافقة على هذا الخيار الذي لا يخلو من مخاطر، حيث عبر نحو 56% من أفراد العينة عن تفكيرهم بخيار النزوح الى بلد ثالث.
إن النسب التي انعكست في ردود واستجابات العيّنة حول نية العودة وظروفها، كانت أقرب إلى الموضوعية، وهي لا تتفق مع كثير من النسب والتصريحات التي وردت في تقارير ودراسات واستطلاعات بالغت في تصوير السوريين بأنهم لا يرغبون بالعودة إلى بلادهم.
[2] ) تم تصنيف الاستمارة إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: المتغيرات الديموغرافية، وهي تعكس تنوع السوريين بدرجة تمثيل عالية؛ والمجموعة الثانية: المتغيرات المرتبطة بمعايير العودة وظروفها وشروطها.
مركز حرمون