سياسة

الائتلاف السوري المعارض بين تخفيض رواتب أعضائه والخروج من تركيا

درج

بدل أن تكون المعارضة صورة ديمقراطية لطالما تمناها السوريون، تغدو نموذجاً طبق الأصل عن نظام الأسد بأفراد مختلفين

يمكن القول إن “الائتلاف الوطني السوري المعارض” ليس في أفضل أحواله. مع التغيرات الكبرى على الساحة الدولية، وتغيّر نظرة العالم نحو نظام الأسد، يبدو أن إشكالية تتعلق بوجود الائتلاف بحد ذاته بدأت في الظهور، ولو أنكر أعضاؤه ذلك. نظرة سريعة على التغيرات السياسية العربية والعالمية تجعلنا ندرك العكس، حيث هناك مرحلة جديدة في علاقات المعارضة مع الدول الداعمة لها بدأت ملامحها تلوح في الأفق.

هل تغادر المعارضة السورية تركيا؟

مع بدء تغيّر العلاقات التركية السورية، وخروج تصريحات، ولو من مصادر غير رسمية، عن عودة مرتقبة للعلاقات بين البلدين، يبدو أن على الائتلاف المعارض إعادة حساباته، بخاصة في ظل اتخاذ الأراضي التركية مركزاً رئيسياً له، إذ أن هذه الدولة الداعمة للحراك السوري لطالما ربّتت على كتف المعارضة وأبدت استعدادها للوقوف إلى جانبها، لكن التخلي، ولو جزئياً، عن الائتلاف سيكون ضربة قاصمة، وعلى المعارضة التعامل مع هذه الخطوة بطريقة أو بأخرى حتى ولو ذلك يتطلب نقل مركز الائتلاف إلى دولة أخرى!

خرجت منذ أيام تصريحات من وكالة إيرانية، نقلاً عن مصادر لم تذكرها، عن طلب تركيا من الائتلاف الخروج من تركيا، في إطار مساعيها لإعادة العلاقات مع دمشق. وبحسب وكالة “تنسيم”، جرى اللقاء الأسبوع الماضي بين أحد المسؤولين الأتراك مع سالم المسلط رئيس “الائتلاف الوطني السوري المعارض”، وقال المسؤول التركي الذي ذكره الخبر، أن أنقرة  عازمة على إعادة العلاقات مع دمشق، ويجب على المعارضة السورية أن تتكيف مع هذا الواقع.

على ضوء ذلك طلبت أنقرة من المعارضة إيجاد بلد بديل وإيقاف أنشطتها السياسية والإعلامية في تركيا، ليخرج الائتلاف نافياً أن تكون تركيا طلبت منه المغادرة، وعلى الرغم من هذا النفي، لا يمكن للائتلاف الجزم بنيّة تركيا المستقبلية، التي تسعى في النهاية خلف مصالحها والسيطرة على الخطر الكردي في الشمال السوري. ولأن المعارضة عجزت عن ذلك، يبدو أن تحالفاً مع النظام السوري سينجز هذه الخطوة المؤجلة رغماً عن أنقرة.

من جهة أخرى يرى المعارض السياسي المقيم في تركيا سمير نشار أن الهدف من هذه الأخبار غير واضح، ويمكن اعتبارها أدوات ضغط على الائتلاف ليقوم بدور تسويقي للاستدارة التركيّة بالانفتاح على بشار الأسد ونظامه.

هل تخفّض تركيا رواتب أعضاء الائتلاف؟

في محضر اجتماع مسرب للإتلاف مع وفد المخابرات والخارجية التركية بتاريخ 21 آب/ أغسطس، تداولته صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بدا الجانب التركي غير راضٍ تماماً عن الائتلاف، كما أشار إلى رغبة تركيا في حوار المعارضة مع نظام الأسد من جهة، كما ألمح إلى نية أنقرة في تخفيض رواتب أعضاء الائتلاف بسبب الأزمة الاقتصادية للبلاد. تسريب المحضر في هذا الوقت، يبدو كأداة ضغط على الائتلاف للرضوخ إلى رغبة تركيا ودفعه لخلق صيغة تفاهمية مع الغضب الشعبي للأوساط المعارضة. عن أهداف تسريب المحضر يقول نشار: “ربما الهدف هو محاولة تسريع الانفتاح على بشار الأسد، خاصة أن محضر الاجتماع الذي نشر بين وفد الائتلاف ووفد المخابرات والخارجية التركية أشار بوضوح إلى أن موضوع تسويق الانفتاح باتجاه بشار الأسد مهم جداً بالنسبة إلى تركيا، التي ربما فوجئت بحجم المظاهرات والتنديد من قبل السوريين في شمال سوريا وحرق العلم التركي وهذا لم يكن متوقعاً”.

هناك تجربة سابقة منذ سنوات مع المجلس الوطني السوري الذي كان مقره إسطنبول عندما أرادت تركيا انهاء دوره. طلبت حينذاك من المجلس الوطني إخلاء المبنى الذي يشغله كمقرّ، وفي خطوة لاحقة سحبت السيارة المخصصة لرئيس المجلس. بعد أشهر توقف المجلس عن ممارسة أي نشاط سياسي مع انقطاع التمويل الذي كان مصدره دول عربية عدة. وبحسب نشار تستطيع تركيا الضغط بوسائل أخرى غير طلب المغادرة، وهو تخفيض التمويل للائتلاف وهذا ما أشار إليه مندوب الخارجية التركية في نهاية الاجتماع بحسب ما ورد في المحضر المذكور. في المحصلة، كل المعطيات السابقة تشير بوضوح إلى ارتباط الائتلاف القوي لوجستياً وسياسياً بتركيا، وهذا يعني تحكماً أكبر بالنسبة إلى الجانب التركي.

بين انتخابات النظام والائتلاف

ليست هذه مشكلات الائتلاف الوحيدة، إذ أنه وبهدف التوسع وإعادة الهيكلة، جرى ضم أحد أمراء داعش السابقين والمدعو حسين الرعاد إلى التعيينات الجديدة ممثلاً عن “المجلس المحلي لمدينة العين”، وبعد تقصّي الخبر وصل “درج” إلى مصدر من مدينة الحسكة فضّل عدم ذكر اسمه، كشف أنه قابل أحد عناصر تنظيم داعش، وقد أكد له أن حسين الرعاد كان عنصراً في التنظيم المتشدد. الرعاد من مدينة عامودا، ومقيم في القامشلي، وكان مع التنظيم في منطقة الشدادي، المدينة الاستراتيجية الواقعة جنوب مدينة الحسكة، كما أكد المصدر أن عائلة الرعاد هي من العائلات المؤيدة لنظام الأسد إلى الآن. على سبيل المثال عمة الرعاد كانت عضو قيادة قطرية في حزب البعث، ولم يكن سوى حسين وابن عمه ياسر من المنتسبين إلى داعش. في النتيجة، لا يمكن التعامل مع هذه النقطة أو تقبلها بأي طريقة، كيف يمكن للائتلاف تعيين عنصر سابق في تنظيم إرهابي ليكون جزءاً من هيكليته؟ وأي صيغة من التعامل مع هذا التنظيم المتوحش تعني قبولاً به وهو ما يتعارض بشكل أساسي مع مبادئ الثورة والحرية، الأمر صادم ويعني ميلاً بشكل ما إلى التشدد وقبولاً له في صفوف الثورة.

من جهة أخرى هنالك مشاكل جوهرية وعلنية تتعلق بالانتخابات. وعلى الرغم من انتهاء الدورة الانتخابية لمكاتب مؤسسة “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، إلا أنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على الآلية التي سيتم اعتمادها من أجل التعامل مع هذا الاستحقاق، حيث يسود انقسام بين فريق يطالب بالانتخابات، وآخر يصرّ على التمديد، وعلى ما يبدو لن يكون لهذه الانتخابات أي تأثير على القرارات السياسية وستكون شكلية لا أكثر، لا بل يمكن القول أن الائتلاف الوطني المعارض يكرر تجربة النظام  إذ أن هناك أعضاء في الائتلاف مر على تصدّرهم المشهد نحو 8 سنوات وهكذا تقدم الحالة السياسية للائتلاف صورة أخرى عن نظام الأسد، وعن قصد أو من دون قصد تكررت التجربة السورية للحكم حتى لدى الائتلاف الذي فشل حتى في منح الانتخابات قيمة عمل نظام الأسد على تدميرها طوال عقود.

الائتلاف الذي يلغي وجود بعض التكتلات من دون إعلامها يبدو أنه يستخدم لغة الإقصاء ذاتها التي طالما استخدمها نظام الأسد، إذ سبق وألغى عضوية عدد من التكتلات بحجة الإصلاحات الداخلية، لكن الأمر يبدو أقرب إلى تصفية حسابات داخلية ومنع تمدد أخرى فهل يفكر الائتلاف بتجربة أخرى لحزب البعث السوري؟

الائتلاف كان قد تأسس في تشرين الثاني\ نوفمبر 2012 في ذروة الثورة في سوريا، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية ولاقى ترحيباً دولياً واسعاً، وعلى الرغم من تراجع حضوره إلا أنه الكيان الوحيد الذي يضم الكثير من القوى والهيئات وحتى الأقليات الدينية.

وبدل أن تكون المعارضة صورة ديمقراطية لطالما تمناها السوريون، تغدو نموذجاً طبق الأصل عن نظام الأسد بأفراد مختلفين، ضائعين بين تخفيض رواتبهم واحتمالٍ خروجهم نحو بلد آخر وتصفية حسابات في مؤسسة طرحت نفسها كبديل “ديمقراطي” عن نظام الأسد.

درج

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button