لا مفرّ: كيف يستهدف نظام الأسد حتى مؤيديه على المعابر الإنسانية؟/ كارمن كريم
تقرير بحثي جديد يوثق استهداف نظام الأسد للمدنيين أثناء محاولاتهم المرور عبر المعابر الإنسانية، كما يوثق التقرير أن الحكومة السورية والقوات المسلحة كانوا على علم بإطلاق القناصة النيران على المدنيين على مقربة من نقاط التفتيش والحواجز المنتشرة في كل المدن السورية.
ينتظرون حتى يهدأ القصف، وحين يشعرون بالأمان يركضون عبر معبر مخصص بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام…
تتذكر زهرة (اسم مستعار) تلك الأيام في العام 2016 في مدينة حلب حين كانت هي والمئات مضطرون لعبور كراج الحجز في حلب بهدف جلب الحاجيات والأغذية، والذي أطلق البعض عليه اسم “معبر الموت” لشدة خطورته، وهو معبر واقع بين حي بستان القصر الخاضع لسيطرة المعارضة، في حينها، وحي المشارقة الواقع تحت سيطرة النظام، دقائق العبور تلك كانت أشبه برحلة الموت التي لا ينجو الجميع منها.
قنّاصة يستهدفون المدنيين
لطالما تكررت روايات لا حصر لها بين السوريين، وبخاصة من حاصرهم النظام في مدنهم وبلداتهم، عن تقصد قوات النظام إطلاق النار عليهم، خلال مرورهم عبر معابر إنسانية. لاحق قصف النظام حياة السوريين حتى اللحظة الأخيرة، إلا أن سرد هذه الوقائع بقي على صعيد ضيق دون وجود تقارير موثقة مفصلة ومدعومة بالوثائق والشهادات.
وكي لا تبقى هذه الروايات حكايات متداولة، عمل “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، وهو منظمة حقوقية سورية مستقلة، على توثيق شهادات وأصدر تقريرا يثبت استهداف نظام الأسد للمدنيين أثناء محاولاتهم العبور عبر المعابر الإنسانية، كما حصل المركز السوري على وثيقة حكومية تداولتها القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بوزارة الدفاع في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، تثبت أن الحكومة السورية والقوات المسلحة كانوا على علم بإطلاق القناصة النيران على المدنيين على مقربة من نقاط التفتيش والحواجز المنتشرة في كل المدن السورية.
تقول الوثيقة، التي تحدثت عن تصرفات قام بها بعض الأفراد، والتي من شأنها أن تجذب أكبر عدد من السوريين إلى المعارضة وتُشعر المجتمع المؤيد بالإحباط، أن من بين التصرفات الخاطئة التي ارتُكِبت على المعابر الإنسانية: “لجوء بعض الأفراد ضمن الوحدة إلى تنفيذ رميات قنص على المواطنين الأبرياء والمؤيدين في بعض المناطق (أطفال ونساء ورجال) وإصابتهم وأحياناً قتلهم”، وشددت الوثيقة على خطورة ذلك، بخاصة ما يسببه من بلبلة وانشقاقات في صفوف المؤيدين ولجوئهم إلى “الإرهابيين” بهدف الحصول على الحماية.
استهداف المدنيين الهاربين من الحرب، ومن بينهم أشخاص موالون للنظام، كان واحداً من الانتهاكات التي مارسها نظام الأسد بهدف إرضاخ المحتجين السوريين بقوة السلاح والديكتاتورية، غير مبالٍ حتى بمؤيديه.
ثلاثة معابر مختلفة… ثلاث حكايات متشابهة
تمكن التقرير من إثبات تعمد قتل النظام السوري المدنيين على المعابر الإنسانية، من خلال وثائق تؤكد ذلك، وشمل التقرير ثلاث معابر في ثلاث مناطق سورية مختلفة، ومن بين الوثائق مقاطع فيديو جمعها المركز السوري للعدالة والمساءلة تُظهر استهداف قناصة النظام بشكل متكرر ومتعمد المدنيين الذين يعبرون من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب إلى تلك الواقعة تحت سيطرة قوات الحكومة، بعد أن أصبح كراج الحجز معبراً رئيسياً للمدنيين في حلب.
وفي محافظة دير الزور وبعد تدمير الجسر المعلق في عام 2013، وخروج الجسور الأخرى عن العمل بشكل متدرج، لجأ سكان المنطقة إلى استغلال معابر غير رسمية لعبور نهر الفرات، وذلك من خلال استئجار عبّارات “قوارب مسطحة” صغيرة لنقل الأشخاص والسيارات إلى الضفة المقابلة من النهر لكن القوات المتحالفة مع الحكومة السورية، لا سيما الروسية، قصفت المعابر النهرية جويّاً بشكل عشوائي، ما أسفر عن وقوع خسائر بين المدنيين.
أمّا في بلدة بيت سحم الصغيرة جنوب شرقي دمشق، والتي حاصرها النظام وحلفاؤه عام 2013، وعرقلوا وصول الإمدادات الإنسانية، وبعد أشهر من الحصار والقصف، تمكنت لجنة المصالحة، المشَكّلة من مجموعة من مواطني المنطقة، من التفاوض مع حكومة النظام بهدف إجلاء مئات المدنيين باتجاه المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة عن طريق معبر يقع شمال بيت سحم. لكن وبحسب شهادات جمعها المركز السوري للعدالة والمساءلة، فتحت قوات النظام النار على المدنيين أثناء عبورهم للخروج من المناطق المحاصرة، وبحسب مركز توثيق الانتهاكات أسفرت تلك الواقعة عن مقتل 45 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من مئة شخص بجروح مختلفة.
لماذا يقتل النظام مؤيديه؟
وللوصول إلى هذا التقرير المفصّل درس محققو المصادر المفتوحة في المركز السوري للعدالة والمساءلة الوقائع التي استهدفت القوات التابعة لنظام الأسد المدنيين أثناء محاولتهم العبور إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الخروج منها بين عاميّ 2012 و2017، كما استعانوا بالمعلومات التي جُمعت من منصات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى إفادات الشهود التي تعزز التفاصيل الواردة في المصادر الأخرى.
محمد العبدالله
محمد العبدالله، المدير المؤسس للمركز السوري للعدالة والمسائلة، أوضح لـ”درج”، أن أهمية صدور التقرير أنه يغطي توثيق أنماط من الانتهاكات لم يتم توثيقها بشكل قانوني سابقاً، إذ أشير سابقاً بشكل ضيق إلى موضوع إطلاق النار على المدنيين الذين حاولوا عبور المعابر الإنسانية، لكن القضية لم تحظ ببحث قانوني مفصل يشرح أركان الانتهاك ويصنفها كجريمة حرب واضحة. يقول العبدالله: “قمنا بربط مجموعة متنوعة من الأدلة، من فيديو الى صور أقمار صناعية وصولاً إلى وثائق أجهزة الأمن التي قام المركز بإخراجها من سوريا، وهذا يؤكد رواية الضحايا لما حصل وينفي رواية “الإرهابيين” الذين يطلقون النار على المدنيين والتي كررها النظام في سوريا، الوثيقة الصادرة عن وزارة الدفاع تقطع الشك باليقين بأن النظام السوري كان على الأقل على دراية بحوادث إطلاق النار على المدنيين، إن لم يكن قد أمر بها، الوثيقة تشكل إقراراً واضحاً بهذه الأحداث.”
الوثيقة المسربة هي تأكيد جديد على عدم اكتراث النظام حتى بحياة مؤيديه، إذ لم تذكر الوثيقة أن قتلهم أمر مرفوض لأسباب إنسانية إنما استاءت سلطة الأسد الأمنية لكون قتل المؤيدين يزرع الشقاق في صفوف مؤيديه ويدفع بالكثيرين إلى تغيير توجهاتهم.
الوثيقة لم تعلق على قتل المعارضين وكأن قتلهم أمر مقبول.
هذا التقرير جزء من مجموعة انتهاكات واسعة قام بها النظام السوري، ستتكشف خلال السنوات القادمة، وسيستمر هذا النظام بإدهاشنا، فهو ربما، النظام الوحيد الذي قتل حتى مؤيدين له!
درج