أبحاث

الإخوان المسلمون وورقة السوريين بتركيا وكنفها.. مُساومة قادمة مع النظام

عقب أكثر من عقد على الحراك الشعبي في سوريا، يكتشف السوريون على اختلاف مشاربهم الإثنية والعقائدية والطائفية والطبقية، اعدائهم وأصدقائهم، ومن كان يدعي مساندتهم، لتحقيق غاياته ومصالحه الحزبية والفئوية، والأخرى المرتبطة بمصالح دول إقليمية، على حساب الدماء السورية التي طافت بها المدن والبلدات المنتفضة على حكم السلطة المركزية في دمشق.

أهم التنظيمات التي خدعت السوريين إلى حد بعيد، وركبت موجة الانتفاضة لتحقيق أهدافها بالوصول إلى السلطة، كان تنظيم الإخوان المسلمين، على اختلاف الهيئات السياسية والعسكرية والإغاثية التي عمل من خلالها على احتكار قرار السوريين، خاصة ممن ثمل بخطابات التنظيم وأعوانه من المسلحين، ممن اعتبروا أنفسهم مالكي “الثورة”، والمتحدثين الوحيدين باسمها.

لكن إخفاق التنظيم في تقديم بديل مقنع للمجتمع السوري على اختلاف تلويناتهم أولاً، وإخفاقه في إقناع المجتمع الدولي بإمكانية أن يكون بديلاً للنظام الحاكم في دمشق، ثانياً، جعله وحيداً مع مرور السنوات ولا سند له، إلا تركيا، التي بدورها قبضت على القرار السوري المعارض المقيم على أراضيها والمتمثل بـ”الائتلاف السوري”، وبالتالي بات الساسة المعارضون المقيمون في تركيا، من حملة الجنسية السورية، كـ”الببغاوات” التي تُردد ما يقوله مالكها بالحرف، دون زيادة أو نقصان.

المصالحة مع النظام

أفقد ذلك المعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف”، أي وزن، إن في الداخل السوري أو لدى الأصدقاء الذين ساندوها يوماً بالمطالب المحقة للشعب السوري، حتى بات الجانب التركي نفسه، يرى بأنه مصالحه تقتضي الحوار مع النظام السوري، وهو ما طالب به المعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف”، علماً أن تنظيم الإخوان يعتبر عاموده الفقري، وهو ما شكل تناقضاً كبيراً بين مطالب السوريين من جهة، وتنظيم الإخوان وداعمهم التركي من جهة ثانية.

ولتخفيف الصدمة، نفى المراقب العام لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، محمد حكمت وليد، في الرابع والعشرين من أغسطس، صحة “تورط الجماعة في فخ المصالحة مع نظام الأسد”، بالقول: “هذه فرية يعلم قائلها إنها كذب صراح”، زاعماً أن “هناك مَن يتعمد الإساءة للجماعة وتاريخها الطويل في الريادة الفكرية ومقاومة الاستبداد السياسي”.

مدعياً في مقابلة مع إحدى الوسائل الإعلامية السورية المعارضة، إن “جماعة الإخوان سيدة قرارها، وهو قرار تأخذه مؤسساتها الراسخة منذ عقود، ومخطئ من يظن أن أحداً بإمكانه توريط الجماعة في مسار لا تريده، ولدينا قناعة أثبتت الأيام صحتها، هي أن النظام الأسد بطبيعته نظام إبادة إجرامي، لا يقبل الإصلاح، ولا يقبل الشراكات، ولا المصالحات”.

المياه تُكذب الغطاس

إلا أن موقف المراقب العام لتنظيم الإخوان، مرهون بما يطبق على الأرض، وعلى الأرض، هناك حديث مختلف إلى حد بعيد، يمكن استنتاجه من مواقف الإخوان وهيئاتهم على اختلاف مسمياتها من القضايا المرتبطة بالسوريين، خاصة المقيمين منهم على الأراضي التركية.

ففي وقت الذي دعا فيه ناشطون، العمال السوريين في تركيا إلى إضراب لمدة أسبوع، بهدف إيصال صوتهم للسلطات ومنظمات حقوق الإنسان للنظر في مسألة العنصرية التي يتعرضون لها في عملهم وفي حياتهم الاعتيادية، دعا الإخوان المسلمين في العاشر من سبتمبر، لتجنب التجاوب مع مثل تلك الدعوات التحريضية المريبة على حد وصفهم.

وقال التنظيم في بيان حول الدعوة: “إنّ الدعوة المريبة التي أطلقها بعض الناس للانخراط في إضرابٍ جَماعيٍّ للعمال السوريين، على الأرض التركية.. لَهي دعوة تفتقر إلى الحكمة ولا تراعي واقع العمال السوريين، في توقيتها، وفي مضمونها، وفي غاياتها”.

السوريون والفرار من تركيا

وجاءت الدعوة إلى الإضراب العام، في الوقت الذي أطلق فيه مجموعة من اللاجئين السوريين في تركيا، دعوة لإطلاق ما عرف بـ”قافلة النور” للوصول إلى أوروبا، حيث بدأت الدعوات للانضمام إلى القافلة، بداية سبتمبر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال منظموها إنه يجري العمل على وضع الخطط للقافلة، عبر قناة أنشئت على تلغرام.

وأكد هؤلاء الناشطون أن السبب يعود لمعاناة السوريين في تركيا من جرائم القتل بسبب الخطابات العنصرية ضدهم، والتي زادت حدتها خلال الفترة الماضية، بالإضافة لسوء الأوضاع المعيشية وصعوبتها، وناشدوا المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام دعمهم ومساعدتهم لتسهيل عبور القافلة بشكل إنساني إلى أوروبا.

وكما كان متوقعاً، لم يختلف رأي هيئات الإخوان المسلمين من “قافلة النور” عن موقفها من رفض الإضراب، باعتبار أن كل منهما يعتبر فاضحاً للعنصرية التركية بحق السوريين، والتي تدفعهم إما للإضراب أو محاولة الفرار من تركيا، إلى مكان آمن يجد فيه حياة كريمة.

حيث أصدر ما يسمى بـ”المجلس الإسلامي السوري”، في الثاني عشر من سبتمبر، بياناً بسبب تزايد عمليات تهجير السوريين من بلادهم، على “يد نظام الأسد والميليشيات التابعة له، بسبب استمرار عمليات الاغتيال والاعتقال في مناطق سيطرته، بالإضافة لسياسة التجويع التي يفرضها لتنفيذ مخطط ديموغرافية سورية وهويتها”.

وبحسب ما جاء في البيان، فإن “موجات تهجير السوريّين تتوالى بشكلٍ كبيرٍ”، وهو ما بدى بأنه تلميح موارب من “المجلس”، إلى “قافلة النور” كذلك، لسببين، أولهما الزمن، حيث تزامن البيان مع إطلاق الحملة والعمل عليها، وثانيهما، أنه القافلة بدأت باستقطاب سوريين راغبين بالتوجه إلى أوروبا، ممن هم متواجدون على الأراضي السورية.

مُهاجمة قافلة السلام في إدلب

وبالصدد، هاجم مسلحو تنظيم “هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة” في إدلب، بذات اليوم (أي 12 سبتمبر)، على ”قافلة السلام”، وهي تجمع لمئات الأشخاص قرب معبر “باب الهوى” الحدودي، لمحاولة الدخول إلى تركيا وإكمال الهجرة إلى أوروبا، أي أنه ورغم اختلاف المسمى بين “نور\سلام”، فإن الغاية ظلت نفسها، وهي الفرار من تركيا، أو من مناطق خاضعة لنفوذها في سوريا.

وقد زعم “المجلس الإسلامي السوري” أن “موجات التهجير تلك تشكّل استمراراً في تنفيذ مخطّط تغيير ديموغرافيّة سورية وهويّتها، وتخدم بشكل أساس المحتلّ الإيراني والنظام الذي تسعى لسورية متجانسة وفق منظور رئيس النظام”، وبالتالي فقد أقر “المجلس” بمساعي تغيير الديموغرافية في سوريا، لكنه شهادته منقوصة، كونه تجاهل تهجير كثير من السوريين، من مكونات عرقية وطائفية، رافضة لفكر الإخوان في مناطق شمال سوريا، كـ”عفرين ورأس العين وتل أبيض وغيرها”، والتي ساند فيها مسلحو الإخوان، ضمن مليشيات “الجيش الوطني السوري”، الجيش التركي لاحتلال الأراضي السورية وتغيير ديمغرافيتها.

وعليه، يبدو أن الإخوان المسلمون، يسعون حالياً، إلى مشاركة السلطات التركية في التضييق على السوريين، من خلال الطعن في نشاطاتهم المدنية الرافضة للعنصرية التي يتعرضون لها، بجانب سعيهم لمنع السوريين من مغادرة الأراضي التركية أو المناطق الخاضعة لنفوذها شمال سوريا، كونهم يعتبرون السوريين هناك، “ورقة مساومة” قد يحصلون خلالها على امتيازات ما، عندما يصل الأمر بهم إلى التفاوض المباشر مع النظام السوري، تحت إشراف روسي تركي، في يومِ ما، لا يبدو بعيداً.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button