رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط: فكرة المصالحة مع الأسد مرفوضة ومستحيلة التطبيق وتركيا أكدت وقوفها مع قوى الثورة والمعارضة
حاورته: رلى موفَّق
سيُركّز وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تنعقد في نيويورك هذا الشهر على عملية الانتقال السياسي وفق القرار الدولي 2254، وسيجدد تطلعات الشعب السوري إلى سوريا الجديدة التي لا مكان لنظام بشار الأسد فيها.
في رأي الرئيس الحالي للائتلاف سالم المسلط، ابن الحسكة، أن الانتقال السياسي ممكن إذا توفرت الرغبة الدولية، معتبراً أنه لا بدَّ من تجاوز روسيا التي عطّلت سابقاً العملية السياسية.
مرَّت إحدى عشرة سنة ونصف السنة على انطلاق الثورة السورية التي كادت أن ثمر ولادة سوريا جديدة، لكن المصالح الدولية والإقليمية ولعبة التوازنات فعلت فعلها، فدخلت روسيا عسكرياً على خط إنقاذ نظام الأسد وتخاذل العالم أمام دماء الشعب السوري الذي قُتل منه مئات الآلاف وتهجّر الملايين إلى دول الشتات. وحين نسأل المسلط عما إذا كان ثمة أفق حقيقي للحل يجيب: «إن تدويل قضيتنا يؤكد أن لا حل من دون توافق دولي»، ثم يعود، في سياق الحديث عن مسؤولية المعارضة السورية، ليؤكد أن المجتمع الدولي لم يبدِ رغبة حقيقية في إزاحة نظام الأسد ووفّر له فرص البقاء، إلى الآن، في حكم سوريا.
على أن النظام الذي لم يسقط لا يزال واقعاً في عُزلتين عربية ودولية. بالأمس القريب، كان كُثر يراهنون على أن سوريا ستعود في قمة الجزائر التي ستُعقد مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل إلى شغل مقعدها، لكن ذلك لن يحصل بفعل إصرار دول عربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومصر وقطر، على رفض هذه العودة بما يفتح باب التطبيع مع نظام الأسد.
وجّه رئيس الائتلاف، الذي يُعتبر الممثل الشرعي للشعب السوري، مجموعة من الرسائل إلى كل من الرياض والقاهرة والدوحة شاكراً مواقفهم الثابتة المتضامنة مع الشعب السوري وقضيته النبيلة، ومؤكداً أهمية متابعة الدول العربية عزل نظام الأسد وعدم الانخراط في شرعنته أو إعادة تأهيله أو قبوله في الجامعة العربية، كونه فاقداً للشرعية ولا يمثل سوريا ولا شعبها، مشدداً على أن القبول به يعني تمكين إيران من وضع مندوبها على مقعد سوريا في جامعة الدول العربية.
خرجت وكالة تسنيم الإيرانية لتُعلن أن أنقرة طلبت من «الائتلاف السوري» الخروج من الأراضي التركية، وذلك في ضوء عزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إعادة العلاقات مع دمشق، الأمر الذي نفاه رئيس الائتلاف بالمطلق، وأنه سمع خلال لقائه وزير الخارجية التركي تأكيد استمرار تركيا بالوقوف إلى جانب قوى الثورة والمعارضة السورية، وتمسكها بقرار مجلس الأمن 2254، وعدم العمل على إنهاء الملف عبر بوابة أخرى.
الاعتقاد السائد لدى كثير من المراقبين أن مسألة التطبيع التركي مع النظام السوري وملف عودة اللاجئين السوريين في تركيا باتت جزءاً من «بازار الانتخابات»، ولا سيما أن أحزاب المعارضة التركية تحمل تلك العناوين كجزء من برنامجها الانتخابي. بالنسبة إلى المسلط، فإن الانتخابات التركية شأن تركي داخلي، ولكنها تترافق مع تصاعد خطابات لدى قلة تسعى لخلق فتنة، معتبراً أن ملف اللاجئين هو ملف إنساني وحقوقي لا علاقة له بالسياسة، ولا يمكن زجّه في تجاذبات واستقطابات سياسية.
حال اللاجئين في لبنان ليس بالأفضل، فالحكومة اللبنانية لا تنفك عن استخدامه في وجه المجتمع الدولي والدول المانحة. يعتبر المسلط أن قرار لبنان وشعبه مُصادَر من قبل نظام الملالي عبر الميليشيات الإرهابية المسيطرة مثل «حزب الله» وسواه. وقبل أيام، وصف الائتلاف ادعاء حكومة لبنان بأن مناطق سيطرة نظام الأسد «مناطق آمنة» هو ادعاء زائف وغير واقعي، إذ لا يمكن لهذه المناطق أن تكون آمنة بوجود نظام الأسد وميليشياته، وما يدحض هذه الادعاء هو استمرار وجود ملايين النازحين السوريين في مخيمات اللجوء وعدم عودتهم إلى منازلهم خوفاً من إجرام نظام الأسد، رغم تفاقم المعاناة الإنسانية.
الائتلاف الوطني يتواجد بقوة في المناطق المحررة عبر الحكومة السورية المؤقتة التي تتبع له والجيش الوطني وعبر المقرّات والأجهزة الممثلة له، وكذلك عبر الإقامة الدائمة لـ18 من أعضاء الهيئة العامة والسياسية في الشمال السوري. هذا ما يؤكد عليه رئيس الائتلاف الذي، رغم ذلك، يرى أن لا مستقبل لهذه المناطق بمعزل عن بقية سوريا التي ضحى الشعب السوري على مدار 11 سنة بأغلى ما لديه من أجلها.
وهنا نص الحوار:
○تذهبون إلى الأمم المتحدة لحضور الجمعية العمومية، هل من لقاءات على جدول أعمالكم؟ وأي مقاربة يمكن أن تطرحوها في ظل تقييمكم لانحياز المبعوث الأممي إلى سوريا لمصلحة النظام والشعور العام بتلاشي الاهتمام الدولي بالأزمة السورية إلا من بوابة اللاجئين؟
•يعمل الائتلاف الوطني على تكثيف جهوده لإنعاش الملف السوري مجدداً وانتشاله من حالة الركود التي تعرَّض لها، وطرحُ الائتلاف سيكون مُركّزاً على عملية الانتقال السياسي وفق القرار الدولي 2254، ونقل تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة وبناء سوريا الجديدة التي لا مكان لنظام الأسد فيها.
○إلى أي مدى تعتقد أن بيان جنيف والقرارات الدولية، ولا سيما القرار 2254، ما زالت صالحة كمنطلقات لحل الأزمة، وأن المسار التفاوضي تحت مظلة الأمم المتحدة يمكن أن يُثمر؟
• لا شك أن الانتقال السياسي هو ما يتطلع إليه السوريون الآن، وهو أمر ممكن الحدوث في حال وُجدت رغبة دولية في ذلك، مع الإشارة إلى أن روسيا هي التي تعمل على تعطيل العملية السياسية المتعلقة بسوريا، وحصول أي تطور في الملف يتطلب تجاوز روسيا التي تُقوِّض العملية.
○بعد 11 سنة من ثورة الشعب السوري، هل ثمة أفق حقيقي في إمكان حل سياسي للأزمة السورية التي أضحت مقسّمة بين نفوذ 5 دول على الأقل؟
•تدويل قضيتنا والتدخل الدولي الشديد فيها يؤكدان أن لا حل لها إلا من خلال التوافق الدولي على حل سياسي نُصرّ نحن في قوى الثورة والمعارضة على أن يكون من خلال القرارات الدولية التي تنص، فيما تنص عليه، على هيئة حكم انتقالي وانتقال سياسي شامل يضمن عبور بلادنا إلى مرحلة جديدة تُنافي حكم العائلة أو حكم الأفرع الأمنية.
○ثمة تمهيدات لاستدارة تركية نحو النظام السوري، أنتم على تواصل مع القيادة التركية، والتقيتَ وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ما هي معطياتكم بهذا الشأن؟
• تحدثنا بوضوح خلال اجتماعنا مع السيد وزير الخارجية التركية، وأبدى من جهته استمرار تركيا بالوقوف إلى جانب قوى الثورة والمعارضة السورية، وتمسكها بقرار مجلس الأمن 2254، وعدم العمل على إنهاء الملف عبر بوابة أخرى.
○نفيتم ما نقلته وكالة تسنيم الإيرانية من أن تركيا أبلغتكم بضرورة التكيّف مع قرارها إعادة العلاقة مع دمشق، وأنها طلبت منكم مغادرة إسطنبول، وأنتم اقترحتم الهجرة إلى السعودية، فيما اقترح عبد الرحمن مصطفى، رئيس الحكومة المؤقتة، أن تكون الوجهة الأردن، برأيك ما الهدف من هكذا خبر ترون أنه عار عن الصحة؟
•نفينا بشكل واضح كل الأخبار التي تقول إن أنقرة طلبت من المعارضة المغادرة، وهذا كلام لا أصل له على الإطلاق. وأستغرب رواج الخبر رغم أنه صادر عن وكالة لدى نظام يعتاشُ على الكذب والخديعة والقتل.
○بعد مواعيد ضُربت لعملية عسكرية تركية في الشمال السوري، بدا أن ثمة خطوطاً حمراء عدة لمثل هذه العملية، وأن بديلها كان العمل على فتح قنوات مع النظام السوري، هل لديكم معطيات عن حقيقة ما جرى؟
•بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة السورية فإن فكرة المصالحة مع نظام الأسد مرفوضة تماماً ومستحيلة التطبيق. المطالب الشعبية بإسقاط نظام الأسد واضحة، ومبادئ الثورة السورية لا يمكن الحياد عنها. أما بالنسبة إلى تركيا فهذا شأن دولة لها قراراتها ولا يمكننا التدخل بشؤونها.
○ماذا يمكن أن تكون انعكاسات هذه الخطوة على المناطق المحررة الخاضعة لوصاية تركيا؟
•جميع المناطق المحررة هي مناطق سورية، ووجود تركيا فيها بالأصل نتج عن تحالف مع قوى الثورة والمعارضة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وما زال التحالف قائماً بالإضافة إلى التعاون في تقديم الخدمات وتحسين الظروف المعيشية لأكثر من خمسة ملايين سوري من المهجّرين والنازحين وأهل المنطقة.
○ما هو واقع المناطق المحررة اليوم سياسياً واجتماعيا وأمنياً وخدماتياً؟
• المناطق المحررة من سوريا تُعدُّ ملاذاً للملايين من سكان الشمال والنازحين إليه، وتشهد كثافة سكانية عالية بسبب رفض العائلات العيش في مناطق يُسيطر عليها نظام الأسد. لا شك أن هناك تحديات عديدة تواجه السكان في تلك المناطق نتيجة غياب الموارد في المنطقة، مع الإشارة إلى وجود معاناة إنسانية متكررة لدى النازحين بسبب تعرّض قرار المساعدات الإنسانية للابتزاز الروسي بشكل متكرر.
○ماذا عن مستقبل تلك المناطق؟
•لا شك أن السوريين يسعون إلى بناء أفضل نموذج لسوريا، تسود فيها قيم الحرية والعدالة وكرامة المواطن بعيداً عن التسلّط الأمني الذي اعتاده السوريون عند نظام الأسد.
وفي المحصلة، لا مستقبل لهذه المناطق بمعزل عن بقية سوريا التي ضحّى الشعب السوري على مدار 11 سنة بأغلى ما لديه من أجلها، ولن يتوقف حتى يصل إلى سوريا الجديدة التي لا مكان فيها للأسد ولا لنظامه المجرم، سوريا التي يحكمها القانون لا الأفرع الأمنية، والتي توفّر الحرية والكرامة والحقوق لكل مواطنيها من دون تمييز.
○إلى أي مدى تحوّل عنوان اللاجئين السوريين في تركيا إلى ورقة في التجاذب الداخلي التركي على أبواب الانتخابات الرئاسية؟
• الانتخابات التركية شأن تركي داخلي، ولكنها تترافق مع تصاعد خطابات لدى قلة تسعى لخلق فتنة، وملف اللاجئين هو ملف إنساني وحقوقي لا علاقة له بالسياسة، ولا يمكن زجّه في تجاذبات واستقطابات سياسية.
○تخوفتم من خطة الحكومة اللبنانية لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، هل تواصلتم معها؟ وهل تعتقدون أنها قادرة على تنفيذ هكذا خطة في ظل اعتراض مفوضية اللاجئين والدول المانحة؟
•دَعَـونا الحكومة اللبنانية للتراجع عن خطة الترحيل واحترام حقوق اللاجئين المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وحذرنا من خطورة هذه الخطة على حياة المدنيين بسبب منهجية نظام الأسد الإجرامية التي ترى أن اللجوء تهمة تستوجب الاعتقال.
بكل أسف، إن قرار لبنان وشعبه الشقيق مُصادر من قبل نظام الملالي عبر الميليشيات الإرهابية المسيطرة مثل «حزب الله» وسواه، ولذلك نحن طالبنا الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين بالتدخل وحماية حقوق اللاجئين في لبنان وتثبيط أي تحرك لإعادتهم قسراً إلى السجن الكبير الذي يُسيطر عليه النظام المجرم.
○ألا تعتقدون أن اللاجئين السوريين يُستخدمون كورقة ابتزاز للمجتمع الدولي الذي يرفض مساعدة لبنان من دون إصلاحات؟
•عموماً لا يمكن القبول بتحويل ملف إنساني إلى ملف سياسي، وهذا أمر مخالف للأعراف الدولية. من حق اللاجئين التمتع بحياة كريمة وآمنة، وعدم بقائهم في هاجس العودة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد في سوريا.
○كُثر من المراقبين يسألون عما تبقّى من المعارضة السورية كجسم سياسي كان يُفترض أن يُشكّل بديلاً مقنعاً عن نظام الأسد، والتي أخفقت في ذلك، وأنا بدوري أُجيِّر السؤال: ماذا تبقّى من المعارضة السورية ككيانات، وهل من آلية تنسيق راهنة؟
• لا ننفي وجود تقصير، فالثورة السورية العظيمة وتضحيات الشعب السوري تستحق الأفضل دوماً، لكن مِن الظلم تحميل قوى الثورة والمعارضة السورية كل المسؤولية عن ضعف التمثيل السياسي للثورة، فالمجتمع الدولي الذي لم يُبدِ رغبة حقيقية في إزاحة نظام الأسد، ووفّر له فرص البقاء إلى الآن في حكم سوريا، لا شك يتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية، والتشتيت المتعمّد بين مؤسسات الثورة وفصل السياسي عن العسكري، وعن الخدمي والإغاثي، كل ذلك أسهم في إضعاف طرف الثورة على حساب تقوية النظام المجرم.
○مَن يدعمها فعليا؟
•شعبنا يدعمنا ونحن وإياه على نفس المسار، ونسعى إلى غاية واحدة في الخلاص من النظام المجرم وبناء سوريا الحرية والكرامة، مبادئ الثورة المحقة توجهنا في عملنا وسعينا وعلاقاتنا، كما أن لدينا الكثير من الداعمين في الإقليم وحول العالم. أحرار العالم يعرفون حقيقة هذا النظام، وحقيقة داعميه ورعاته، لذلك هم مع شعبنا في ثورته ومطالبه. الكثير من الدول العربية معنا في دعم الانتقال السياسي والخلاص من الظلم وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر ومصر وكذلك تركيا، والكثير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا، ما نريده هو تكثيف الدعم وتركيزه لإنجاز الانتقال السياسي وإنهاء معاناة شعبنا في سوريا وخارجها.
○وما هو تأثيرها في الداخل السوري وفي الشتات؟
• قوى الثورة والمعارضة السياسية موجودة بقوة في المناطق المحرّرة عبر الحكومة السورية المؤقتة التي تتبع للائتلاف الوطني، والجيش الوطني، وكذلك لدينا أكثر من 18 عضواً من أعضاء الهيئة العامة والسياسية للائتلاف يُقيمون بشكل دائم في الشمال السوري، والائتلاف له مكاتبه ومقرّاته هناك، بالإضافة إلى متابعته تمثيل الثورة السورية في الخارج عبر الاجتماعات واللقاءات التي يحضرها، ومتابعة الجاليات السورية في دول اللجوء.
القدس العربي