عن صُداع اسمه “الجيش الوطني”السوري/ مهند الحاج علي
ليس مزيج الحوادث الأمنية والاقتتال الداخلي في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” شمال سوريا، سوى إشارة إلى عمق الصداع الذي أصاب تركيا ومشروعها. بيد أن “الجيش الوطني” كان مشروعاً طموحاً يجمع بين مواجهة قوات سوريا الديموقراطية وردع طموحاتها، من جهة، وما بين الاعداد لمنطقة آمنة قادرة على استقطاب اللاجئين من تركيا. وما انتهت اليه القوات التركية في شمال سوريا هو عملياً منطقة غير قابلة للحياة من دون تدخلات تركية شبه مستمرة، وتمويل من أنقرة في زمن الصعاب الإقتصادية.
وهذا الأسبوع شهد كذلك مجموعة من هذه الحوادث، بدءاً بمقتل عنصرين من “الجيش الوطني” (وتحديداً من الفيلق الثالث في الجبهة الشامية) بانفجار عبوة في دراجة نارية يستقلانها بريف حلب الشمالي الشرقي محاولة اغتيال القيادي العسكري في “جيش النصر” رموض أبو اليمان بعبوة في سيارته بمخيم “نور حلب” في بلدة قاح شمال إدلب.
صحيح أن هناك نشاطاً لخلايا تنظيم “الدولة الاسلامية” أو “داعش”، كما يظهر من اعتقال بعض عناصرها، لكن أيضاً من الصعب استبعاد الخلافات الداخلية بين الفصائل المختلفة. ذلك أننا نتحدث عن مزيج مناطقي يعكس مجتمعات مختلفة من اللاجئين، ما يجعل أي مشروع انصهار بينها بالغ الصعوبة في غياب أي قيادة سياسة جامعة ومُقنعة.
الفصائل في نهاية المطاف تعكس التنوع الاجتماعي والعصبيات المحلية، والأخيرة تُترجم الى نزاعات عنيفة في ظل انتشار السلاح وواقع اقتصادي متردٍ. والقوى المتنازعة غير قادرة بطبيعة الحال على إدارة المنطقة بوجهة محددة، وفي سبيل تحقيق تنمية كافية لاستقطاب اللاجئين من تركيا وغيرها. ناهيك طبعاً عن التناقض في الطموح التركي بين الرغبة في قتال قوات سوريا الديموقراطية والتوسع باتجاه مناطق سيطرتها، من جهة، وبين إيجاد منطقة آمنة ومستقرة لجذب اللاجئين، من جهة ثانية. هذان هدفان لا يستويان. ليس بالإمكان استخدام المنطقة لغايات حربية مع تهديد دائم باندلاع نزاعات عسكرية، ومن ثم المطالبة بتحويلها لأيقونة تنمية جاذبة للفارين من أتون الحرب وعدم الاستقرار.
والمعضلة بالنسبة لـ”الجيش الوطني” أن هناك مشروعاً موازياً اسمه “هيئة تحرير الشام” لا يسمح بالتنوع في اتخاذ القرار، لا بل يُركزه في يد شخص واحد هو أمير الهيئة “أبو محمد الجولاني” دون أي منازع. علاوة على هذا المجهود لتوحيد البندقية والقرار السياسي، تمكنت الهيئة من تحقيق بعض التنمية والمصالحات المحلية والترويج لهذه الأعمال والقدرات بشكل واسع لتقديم صورة منمّقة وبرّاقة عن التنظيم الموالي سابقاً لـ”القاعدة”.
صحيح أن جهود الهيئة وقائدها لم تُثمر بعد برفع اسمها عن قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة، رغم المجهود المبذول في سبيل ذلك، إلا أن مجرد استمرارها وإظهار قدراتها في مقابل فشل “الجيش الوطني”، ترفع من منسوب التوتر وتضع الأخير وفصائله المختلفة في موقف لا يُحسد عليه. على سبيل المثال، خلال هذا الأسبوع، خرّجت الهيئة مجموعة ضباط من هيئة الأركان، في مشهد يُعبر عن مستوى تنظيمي أعلى تطمح اليه. هي الجيش الذي لم يكنه “الجيش الوطني”، لجهة انصهاره ومرجعيته الواحدة وقدرته على تجديد نفسه وتحسين قدراته وكوادره والانتقال من طور التنظيم المسلح الى الجيش والسلطات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والقضائية، والفصل في ما بينها جميعاً.
لهذا السبب، هناك تسرّب من فصائل “الوطني” باتجاه الهيئة، ولو بالمفرق، ما يُوجز واقع الحال والاتجاه المستقبلي في حال استمرت الأمور على حالها، رغم أن التحولات البطيئة تبدو أكثر ترجيحاً مع الجمود السياسي على المستوى المحلي والوطني والإقليمي أيضاً.
المؤسف أن هذا البطء يحمل في طياته كذلك المزيد من العذابات والمعاناة والكثير الكثير من القلق.
المدن